
تتضمن الحث على إخفاء الفضائل وسترها مرتبة على قوله تعالى بفصل الانجيل " لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون. ولا لأجسادكم بما تلبسون "( مت ٦ : ١٩-٣٣ ) إذا كنا قد علمنا أن ربنا هو الخالق لذواتنا. والمهتم بقوام حياتنا، فما بالنا لا نرفع حاجاتنا اليه ونتكل عليه في تحصيل ضرورياتنا ونجتهد في اقتناء الفضائل واجتناب الرذائل ؟
وإذا كان الله تعالى يهتم بالمخلوقات لأجلنا هكذا،ويضرب لنا الامثال بفراخ الغربان وزهر النبات وأمثال ذلك من المخلوقات الحقيرة، فكيف يكون اهتمامه بنا ويا للعجب من كونه يحثنا دائما على تحصيل سعادة الأبد ويعد لنا ذخائر الملكوت ويوضح لنا المطالب السامية ويظهر لنا الكنوز الدائمة ونحن هكذا لا نزال متكاسلين متهاونين واذا كان الذين يقصدون استخراج الذهب من المعادن إذا ظهر لهم عرق دقيق من التبر أو من الفضة يحفرون عليه بإجتهاد ويطلبونه حيثما كان غائصا وأينما ذهب ويبحثون عنه حتى الأعماق ليحصلوا على الثروة بواسطته ويتنعموا بذلك ويترفهوا والنعم التي لا نهاية لها أن نبحث عن كنوزنا ونسارع إلى طلب خلاصنا ونجتهد في الوصول إلى جواهر الفضيلة ؟
وإذا كان الذين غناهم زمنى زائل وأحيانا كثيرة يجلب عليهم الأخطار والإضرار كخطف اللصوص وقطع الطرق وهم مع ذلك يجتهدون في طلبه هكذا فكيف لا تتشبهون بهم فى تحصيل الفضيلة بل وتزيدون عليهم ؟
ويا للعجب من كون أولئك إذا ظفروا بمطلوباتهم وحصلوا كنوزهم يجتهدون في حفظها ويبالغون فى صيانتها ولاسيما إذا شعروا بالذين يريدون انتزاعها ويحاولون خطفها منهم فإنهم يبادرون إلى حفظها وضبطها وإخفائها عن أعين السارقين فبعضهم يضعها في الخزائن الحريزة. وبعضهم يجعلها في مخابئ الأرض ويحتالون على حراستها وسترها على نظر اللصوص بوسائل مختلفة فما بالنا نحن لا نعتنى كذلك بكنوزنا ولا نحذر أغتيال أعدائنا فإذا جمعنا ثروة الفضيلة يجب أن لا ندعها ظاهرة لأعين الناظرين بل نودعها في خزائن الفكر ونغلق عليها أبواب الضمير ونوكل العقل بحراستها ونتيقظ لحفظها ساهرين عليها وكما أن التجار الذين في البلاد الغريبة إذا عزموا على العودة لبلادهم يجتهدون في تحصيل زاد السفر والهدايا الحسنة إلى اهلهم ويشحون على أنفسهم في النفقات لتوفير أموالهم لكى يقبلوا إلى أهلهم بالأموال والهدايا وبعد ذلك يستريحون ويستقرون في منازلهم كذلك يجب علينا أن نصنع في غربتنا في هذه الدنيا فنجتهد في حفظ ذخائرنا ونتجهز بزاد السفر ومهماته. لكى نصل إلى وطننا الحقيقي سالمين رابحين ونفرح بنوال ملكوت ربنا الذى له المجد إلى الأبد آمين
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية