
1 ـ تختلف الفضائل حسب اختلاف المنبع،
ولقد فرق فم الذهب بين الحياة الفاضلة على المستوى الأخلاقي الاجتماعي البحت، وبين حياة الفضيلة خلال الشركة مع الله لنكون على شبهه وندخل إلى الحياة الملائكية السمائية، التي ينبغي أن نحياها.
2- الفضائل عقد واحد :
ويقول ذهبي الفم ليست الحياة الفاضلة مجموعة من الفضائل المتراصة، لكنها وحدة واحدة متكاملة، كل فضيلة تمثل جانبا منها. " وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به ".
3 ـ توجد فضائل تحفظ الفضائل (بدونها لا تبقى الفضيلة) :
أ ـ التمييز :
يقول يوحنا الدرجي " التمييز عند المبتدئين هو معرفة ذواتهم معرفة حقيقية. أما عند المتوسطين فهو حس داخلي لا يخطئ، يميز السجية الصالحة حقا عن السجية الطبيعية وعن السجية الرديئة. وأما عند الكاملين فهو معرفة ناتجة عن استنارة إلهية تستطيع أن تضيء بمصباحها ما هو مظلم عند الآخرين "
وقال : ( كما أننا نستقي من البئر ضفدعا مع الماء أحيانا، على غير انتباه منا، كذلك كثيرا ما نصنع الرذائل مضفورة مع الفضائل بصورة غير منظورة. فإن الشراهة مثلا تختلط مع ضيافة الغرباء، والزنى مع المحبة، والدهاء مع التمييز، والخبث مع الفطنة، ثم يندس مع الوداعة كل من الغش والمماطلة والبلادة والمحاججة واتباع المشيئة الذاتية وعدم الطاعة، ومع الصمت ادعاء العلم، ومع الفرح الغرور، ومع الرجاء التواني، ومع المحبة الإدانة، ومع الهدوء الضجر والكسل، ومع الطهارة الحدة، ومع التواضع الدالة، ويرافق العجب هذه الفضائل كلها بمنزلة مرهم بل سم مشترك يطليها )
ب ـ المحبة :
وقال الدرجى : أبصرت فلاحين يلقون في الأرض نوعا واحدا من البذار إلا أن كلا منهم قصد من زرعه غرضا خاصا به. فالواحد كان غرضه أن يوفى ديونه، والآخر أن يجمع ثروة، وغيره أن يكرم سيده بالهدايا، وآخر أن يتصيد بحسن عمله مديحا من المجتازين في طريق العمر، وغيره أن يحزن عدوه الذي يحسده، وغير هؤلاء أن لا يلومه الناس على بطالته. وهذه أسماء البذار الذي ألقاه الفلاحون في الأرض : صوم وسهر وصدقة وخدمة وما إلى ذلك. فليفحص كل أخ قصده بعناية في ضوء مشيئة الرب.
جـ ـ الاتضاع :
كلمات بولس الرسول " و لكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا " (2كو4 : 7)
قصة الراهب الذي كان يصلى الصلاة الربانية مهلا مهلا.
د ـ الحق :
فالتشجيع لا بد أن يكون بالحق. والامتداح كذلك. فالذي يسند المحبة لئلا تنحرف هو الحق. وهكذا كل الفضائل.
فضيلة التسليم :
كانت هذه الفضيلة عجيبة ومؤثرة "ليكن لى كقولك"، تسبب لكِ متاعبِ.. يشك فيك يوسف.. لتكن مشيئتك يا رب، ربنا تدخل وأفهم يوسف.
ولكن أين كانت الولادة؟ لا بيت ولا فندق ولا حتى غرفة حقيرة.. إنه مزود حيوانات.. لتكن مشيئتك يارب، وها هم المجوس فى زيارة المولود، يقدم المجوس ذهباً ولباناً ومراً.. إذن لماذا الألم يارب؟ إنها رحلة صليب.. لتكن مشيئتك يارب، ويأتى سمعان ويقول: "أنه وضع لقيام وسقوط كثيرين فى إسرائيل ولعلامة تقاوم" لتكن مشيئتك يارب إنه كنز العذراء، وحتى عند تعذيب اليهود له، وعند صعوده على الصليب..
كان التسليم عجيباً "أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص وأما أحشائى فتلتهب عند نظرى إلى صلبوتك، الذى أنت صابر عليه من أجل الكل يا أبنى وإلهى".
هل سألته لمن تتركنى؟ من ينساها... إنه تسليم فى كل مراحل الحياة.. لتكن مشيئتك.
هل نحن نفعل ذلك أن نقول: "ليكن لى كقولى" تأملوا فى هذه العبارة "لست تفهم الآن ماذا اصنع ولكن ستفهم فيما بعد".
قيل في الفضائل :
الصلاة أم الفضائل، والتواضع الخيط في المسبحة، والطهارة زينة الفضائل، والمحبة عصير الحياة الذي يجرى في كل الفضائل.
يقول الدرجي :
المحبة والتواضع زوج طاهر جليل. لأن الأولى ترفع أما الثاني فيحفظ الذين ارتفعوا ولا يدعهم يوما يسقطون.
ويقول : الخاصة الأولى لثالوثية التواضع هي اقتبال الإهانة بسرور كعلاج شاف لأسقام النفس ومحرق لخطاياها.
والثانية تلاشى كل غضب مع عدم التباهي بالعزوف عن الغضب.
والثالثة حذر صادق من الحسنات الذاتية، ورغبة دائمة في التعلم.
ويقول : المتواضع لا يتحرى عن الخطايا، أما المتكبر فيفحص عن أحكام الله.
ويقول : يتخذ البعض مدعاة للتواضع :
ـ السيئات السابقة حتى بعد غفرانها.
ـ آلام المسيح فيحسبون ذواتهم مدينون له أبدا.
ـ النقائص الحاصلة منهم كل يوم.
ـ التجارب والهفوات العارضة لهم.
ـ الافتقار إلى المواهب.
ـ ازدياد مواهب الله فيهم مع عدم استحقاقهم.
ويقول : لقد وجد الكثيرون الخلاص خلوا من نبوءات واستنارات وآيات وعجائب. ولكن لن يدخل أحد خدر العرس بدون الاتضاع. لأن هذا حفظ أولئك وبدونه صارت تلك سببا لهلاك العادمين الفطنة.
ويقول مار اسحق السرياني :
التواضع وشاح الألوهة، لأن الكلمة المتجسد تسربله وكلمنا عنه من خلال أجسادنا. فكل من يتسربله يتشبه حقا بذلك الذي انحدر من علوه وغطى فضيلة عظمته بالتواضع وستر مجده به كي لا تلتهب الخليقة بمنظره.
ومن كلمات القديس أوغسطينوس :
السيد المسيح باب وضيع، إن أردت أن تدخل منه فعليك أن تتواضع لتتمكن من الدخول دون أن يصاب رأسك بأذى.
التواضع في السيئات لا يغيظ الله كالكبرياء في الصالحات.
عليك أن تفكر بما ينقصك أكثر مما تفكر بما لديك.
كن دوما غير راض عما أنت فيه، إن شئت أن تصل إلى ما لم تبلغه حتى الآن.
الأعرج السائر على الطريق أفضل من العداء خارجا عنها.
ويقول أنبا أشعياء :
+ التواضع نوعين : أمام الناس أن يجعل الإنسان نفسه أصغر وأحقر من الكل.
وأمام الله أن يحسب نفسه أنه خاطئ وما صنع ولا صلاحا واحدا قدام الله.
+ وهذه أعمدة التواضع التي يقوم عليها :
1 ـ لا يقايس الإنسان نفسه مع كل أحد بل يحسب نفسه أصغر وأحقر من كل أحد.
2 ـ لا يقاوم الآخرين ليقيم هواه ويغلب.
3 ـ يطيع كل أحد.
4 ـ نظره متعفف ومطأطئ إلى أسفل.
5 ـ يضع موته قدام عينيه دائما.
6 ـ يحفظ نفسه من الكذب.
7 ـ لا يتكلم بالأباطيل والضحك المنحل الذي يبطل بحفظ العقل والفم.
8 ـ لا يجاوب من هو أكبر منه ( مثل قايين الذي أجاب الله بعظمة ).
9 ـ يحتمل الإهانة والاحتقار.
10 ـ يبغض النياحات والشهوات والمفاوضات والطياشة والحكايات.
11 ـ يعود نفسه بالأعمال الجسدية، ويعود نفسه بعمل العقل.
12 ـ يغصب نفسه ويقطع هواه ويعمل إرادة أخيه.
13 ـ لا يغضب.
ويقول مار أوغريس :
الاتضاع هو عطية من الثالوث القدوس ـ وهو طريق الملائكة ـ ونار على الشياطين ـ وإمارة للحكمة ـ ويطرد الجهل ـ ونور للنفس ـ ونقاوة للعقل ـ وتذكار للموت ـ ومحب للتعب مع آخرين ـ وميناء للمحبة ـ وكنزا مخفيا وغنى لا يسرق ـ وفعل الخلاص معطى الحياة الأبدية ـ وغلبة للأعداء ـ ورباط للصلح ـ وأساس للطاعة ـ ودوس على العالم ـ وباب للسماء.