
حينما يوصف الله بالنور؛ فلا يظن أحد أنه نور مرئي بالنظر أو الفكر، بل هو طبيعة الله غير المدركة بالعقل، ولكنه مدرك بالروح، فالله مُدرك كامل يُدرك، ولكن لا يُدرك كماله. والمسيح بصفته شعاع أو بــــاء مــــد الله؛ فهو النور الذي جاء إلى العالم ليستعلن طبيعة الله غير المدركة والمسيح حينما يقول: "أنا هو نور العالم " فهو يقصد أن يقول إنه جاء إلى العالم ليستعلن طبيعة الله كآب وابن فطبيعة الله كانت سراً مختوماً لم يُعرف به أحد قط سابقاً المسيح هو بالحقيقة نور العالم، لأنه سلم للعالم سر استعلان بنوته الله، وسر حب الله الآب للعالم، هذا الحب الذي كلفه ذبح ابنه على الصليب، كذلك سلم العالم سر الأبوة والبنوة في الله، وهو السر الذي انتهى بالإنسان إلى قبول الحياة الأبدية وإلى التبني أي الدخول في بنوة الله مع المسيح والمسيح عندما قال: سيروا في النور ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام كان يقصد أن نسير في جدة الحياة أو الحياة الجديدة في المسيح، أي القيامة، أي الخليقة الأخرى التي من فوق، لئلا يدركنا الظلام، أي لئلا يطغى علينا مرة أخرى ظلام الإنسان العتيق والحياة القديمة المستعبدة لظلام الخطية وسلطان الظلمة.هناك مقارنة ومقابلة مستمرة في الكتاب المقدس ما بين النور والظلام النوم واليقظة: «قم أيها النائم واستيقظ من بين الأموات فيضئ لك المسيح»، أي أن هناك ربط بين الموت والظلام. فكما أن الحياة تنبعث من النور؛ كذلك الموت من الظلمة. لذلك يقول ق. يوحنا في رسالته: «الله نور وليس فيه ظلمة البتة»، ومن هنا يستخرج لنا منهجاً عملياً كعلاقة حتمية مع النور، اسمعه يقول: إن قلنا أن لنا شركة معه (أي النور وسلكنا في الظلمة (أي الخطية) نكذب ولسنا نعمل الحق» أسألكم كم مرة جلست مع نفسك تفحص هذا الأمر؟ النوم كظلمة، والخطية كظلمة، والمسيح كنور ؟!
أول صفة قريبة للنور هي الحياة، نور الله حياة. فما أن تتذوق الإحساس بالحياة الأبدية يبتدئ النور يأخذ كيانه داخلك، لذلك فإن أول صفة نفهم بها النور هي الحياة الأبدية المسيح جاء لكي يُظهر لنا الحياة الأبدية. العالم لم يكن متصلاً بالحياة الأبدية، فجاء المسيح إلى العالم وعمل طريقاً للحياة الأبدية: «أنا هو الطريق، أنا هو النور». فعندما أمسك بوصية المسيح أجد نفسي سائراً في طريق الحياة الأبدية. هذا هو مفهوم النور. وعندما تنجح في التنفيذ يكون هذا هو المسير المسير في النور هو في الواقع عمل انتقال من العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة، وهذا لا يُمكن أن يكون إلا بالمسيح لأنه اتصل بالموت وهو الحياة، لذلك عندما نتصل به ننتقل من الموت إلى الحياة. النور هو كلمة المسيح والروح القدس في الإنجيل، عندما أمسك بالمسيح طول النهار بكل قوتي أجد ذاتي قريباً من الحق يوجد مفهومان للنور: مفهوم للنور بالنسبة للعقل، ومفهوم للنور بالنسبة للمسير. المسيح تجنب النور العقلي، قال: «سيروا في النور»، ولم يقل: افهموا النور" مفهوم النور العقلي لذيذ، وأما الآخر للمسير فهو صعب المسيح قال:«احمل صليبك واتبعني»، فقرأها واحد وقال إن هذه الآية عميقة وفسرها في ثلاث مجلدات، وآخر أخذها وسكت ثُمَّ وضع الصليب على كتفه وسار! تفسير النور العقلي مضلّل، أما التفسير العملي ففي كل خطوة يخطوها الإنسان يظهر له النور أكثر. كل خطوة تخطوها في الوصية تتحول أنت بجملتك إلى نور !" سيروا في النور لتصيروا أبناء النور" السير في النور الإلهي هو شركة الطبيعة الإلهية، السير في الوصية هو شركة، تصبح شريكاً مع الذي قال الوصية، كل جزء في الآية يُحولك من الصورة الآدمية إلى الصورة الإلهية. لو أنت فهمت الإنجيل كله ولم تنفذ الوصية بدقة لن ترى النور. ربما تكتب مجلدات عن النور ولكن لن ترى النور! إنسان ساذج أُمّي ينفذ الوصية بالحرف يصير ابناً للنور! هنا المشقة منتهى المشقة والسهولة منتهى السهولة هناك أجيال تاهت وماتت و تلاشت ولم تأخذ نصيبها في الحياة الأبدية. ملكوت السموات انفتح للسذج والأميين بصورة سهلة جداً. تقول لي: أنا لست أفهم أقول لك: نفذ. إذا حسبت الخطورة في التنفيذ فأنت تدخل في المفهوم الذهني والعقلي، وبذلك تكون رفعت الموضوع من التنفيذ بالإيمان إلى التنفيذ بالمعرفة، فلن ترى الملكوت أحياناً تريد أن تفهم المسيح فيبعد عنك، أما أن تأخذه، فستجده في قلبك مباركة هي الخطوة الأولى في كل مسير نحو يسوع المسيح. كل خطوة عملية تخطوها في حياتنا متكلين على الوصية متمسكين بها هي المسير في النور كل خطوة تخطوها تُحدث فينا تحولاً داخلياً فنصير أبناء للنور والوصية ما أسهل الطريق المؤدى إلى الحياة الأبدية والمسيح حين يقول: «النور معكم زماناً قليلاً بعد فسيروا في النور» كان آنذاك محصوراً في زمان قليل بالفعل، حتى إنه بعد أن قال ذلك، أكمل القديس يوحنا كلامه موضحاً مدى السرية فيه قائلاً: « تكلم يسوع بهذا ثم مضى واختفى عنهم». ولكن لا يزال المسيح حتى اليوم يعرض نفسه لكل من يفتح قلبه. ولكن حذار ! فالعرض لن يدوم. فإذا توانى الإنسان في الاستجابة، ثم عاد يبحث عن الصوت فربما لن يجده. فوجود المسيح كنور العالم، أو كنور الإنسان رهن باستجابة الإنسان. وكأن كل إنسان في العالم مسئول عن وجود المسيح ودوامه؛ فإما أن نقبل النور، فنصير أبناء
له، أو لا نقبله فيتم قول الإنجيل: فمضى واختفى عنهم». وبهذا تتحدد الدعوة لنكون إما أصحاب النور، وإما أعداء وفي الظلمة نعيش.
المتنيح القمص متى المسكين