
خريستوس أنيستى .. أﻟﻴثوس أنيستى
اﻟﻤسيح قام.. باﻟﺤقيقة قام
في الیوم الأربعین لقیامة السید المسیح نحتفل بعید الصعود المجید، كما احتفلنا بعید دخول المسیح إلى الھیكل في الیوم الأربعین لمیلاده وعید الصعود المجید ھو أحد الأعیاد السیدیة الكبرى، وفیه نقدم المعایدة لبعضنا البعض بعبارة یونانیة ھي μαρὰν ἀθά (ماران أثا) ومعناھا "الرب آتٍ" أو "الرب قادم" أو "الرب قریب"(1كو ۱٦: 22 ) لقد ظل السید المسیح یظھر لتلامیذه خلال الأربعین یومًا بعد قیامته ظھورات متعددة وفي أوقات مختلفة ولأعداد مختلفة (للتلامیذ بدون توما،للتلامیذ ومعھم توما، لتلمیذي عمواس، لمریم
المجدلیة، لأكثر من ٥۰۰ أخ، إلخ..)، حتى كان الظھور الأخیر وھو یوم صعوده إلى السموات أرید أن أتأمل معكم في ما قبل الصعود، وما أثناء الصعود، وما بعد الصعود.
قبل الصعود ( ٤٠ يومًا)
۱- كان السید المسیح یظھر لتلامیذه یشرح لھم ویثبت إیمانھم (أع ۱:1- 3) یمكننا أن نعتبرھا مجموعة دروس أو منھج أو كورس كبیر عن الأمور المختصة بملكوت السموات ولم یكن ھو فقط المتكلم، بل كانوا یسألونه وھو یرد علیھم (أع ۱: 6, 7) لقد كتب الرسل بعض الشذرات لكنھم لم یكتبوا كل ما قاله، بل سلموا كل شيء مشافھة للكنیسة من جیل إلى جیل.
۲- كل ما قاله السید المسیح شفویًا في ھذه الفترة وسلمه للكنیسة كان یختص بالسماء (أع ۱: 3) إن المعنى الرئیسي الذي ثبته السید المسیح ھو أننا نعیش على الأرض، وأقدامنا على الأرض لكن فكرنا في السماء وإن تأملنا فیما یعمله عدو الخیر معنا، نجد أنه یحاربنا لكي یحرمنا من السماء وما ھي الخطیة؟ إن الخطیة تضع حجر عثرة أمام طریقنا للسماء فكل أمور حیاتنا مرتبطة بالحیاة السماویة أو بالأمور المختصة بالملكوت.
۳- كلمھم عن انتظار موعد الآب، وھو موعد حلول الروح القدس (أع ۱: 4) وانتظروا قلیلاً،عشرة أیام فقط، إلى أن حل علیھم الروح القدس في یوم الخمسین وھو العید الذي نسمیه عید العنصرة ومن عید العنصرة انطلقت المسیحیة لكل العالم.
٤- كان یكلمھم عن الاستعداد للمجيء الثاني (أع ۱: 6, 7)لابد أن یكون في فكرنا عقیدة مجيء المسیح الثاني،وانتظاره لقد جاء السید المسیح أولاً لكي ما یخلص الإنسان ویفدیه على الصلیب، وسوف یأتي ثانیة لكنه في ھذه المرة سیأتي دیانًا عادلاً لكل العالم ھذه ھي الأمور التي كان السید المسیح یتكلم عنھا قبل الصعود، وھو ما نسمیه إعداد الفكر وكان ھذا الإعداد أمرًا ھامًا قبل إرسالھم لیكرزوا باسمه إلى الخلیقة كلھا ھذا طبعًا بالإضافة لفترة خدمته الجھاریة ثلاث سنوات أمامھم لإعدادھم من: صنع معجزات، وتقدیم أمثال وتعالیم، وعمل مقابلات مع كثیرین.
يوم الصعود
۱- الصعود ثمرة من ثمرات الصلیب: حدث الصعود من فوق جبل الزیتون، لكن في الطریق مر السید المسیح وتلامیذه على بیت عنیا وعلى بستان جثسیماني وھي الأماكن التي كان لھا تاریخ في أسبوع الآلام، فالسید المسیح كان یبیت في بیت عنیا (بیت الألم أو العناء) حیث لعازر وأختاه مرثا ومریم وھا ھو السید المسیح في وسط تلامیذه على جبل الزیتون لكي یصعد إلى السماء وھو أمر مفرح، لكنه یرید أن یقول إن ھذا الصعود ھو ثمرة لبیت عنیا وبستان جثسیماني.
۲- المعنى الروحي في موضوع الصعود ھو السمو والارتفاع: موضوع صعود السید المسیح أمام تلامیذه فوق جبل الزیتون كان بالنسبة لھم أمرًا في غایة الإثارة، لكن المعنى الروحي في موضوع الصعود ھو السمو والارتفاع لذلك یقال عن المسیحیة إنه لیس لھا سقف (سقف الكمال)،لأن الإنسان یظل یتقدم في حیاته الروحیة ولا یتوقف عند خط معین ویقول وصلت لا الحیاة الروحیة مستمرة فعید الصعود یقدِّم لنا أھم اختبار
وھو حالة الإنسان إنه دائمًا في حالة نمو وتقدم إن الفتور أو البرود الروحي في حیاتنا الروحیة ھو حالة من لا یستطیع أن یرتفع، وھذا ما جعل داود النبي في یوم من الأیام یقول "لَیْتَ لِي جَنَاحًا كَالْحَمَامَةِ، فَأَطِیرَ وَأَسْتَرِیحَ" (مز ٥٥: 6) الحمامة رمز للنقاء والجناح رمز للسمو والطیران والارتفاع فھو یأمل ویترجى أن یكون عنده ھذا الشكل لیمكنه من الصعود السمو والنمو الدائم.
۳- رجعوا بفرح عظیم وسجدوا: لما بدأ السید المسیح في الصعود ظھر حوله ملاكان، بدءا یشرحان للتلامیذ ما یحدث ویقدمان لھم رسالة اطمئنان، لأنھم وقتھا كانوا في حالة غریبة، ماذا سیعملون والمسیح یتركھم، وكانت لدیھم مجموعة من الأسئلة الكبیرة لكن الجمیل أنه بعد أن صعد المسیح وتركھم وقدم لھم الملائكة الشرح، یقول الكتاب: "فَسَجَدُوا لَه وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِیمَ بِفَرَحٍ عَظِیمٍ" (لو۲٤: 52) علامة للرضا أو الاكتفاء أوالشبع أو الفھم.
بعد الصعود
۱- الصعود یضع أمامنا أن مسیحیتنا سماویة المسیحیة بدأت في السماء واكتملت في السماء "ھكَذَا أَحَبَّ اللهُ (في السماء) الْعَالَمَ (الأرض) حَتَّى بَذَلَ ابْنَه الْوَحِیدَ (الصلیب)، لِكَيْ لاَ یَھْلِكَ كُلُّ مَنْ یُؤْمِنُ بِه (الخدمة الكرازة)، بَلْ تَكُونُ لَه الْحَیَاةُ الأَبَدِیَّةُ (عودة إلى السماء)" (یو16:3) وھذا ما یجعلنا ككنیسة وفي تاریخھا نصِّر على معمودیة الطفل وعمره أیام ونسمیھا الولادة الجدیدة من الماء والروح، لكي یكون له العضویة السماویة وحینما نقارن المسیحیة بأي فلسفات أو مذاھب أخرى، نجد أن كل المذاھب بدأت على الأرض
وترید أن ترتفع وتصل إلى السماء، أما المسیحیة فقد بدأت من السماء وأخذت رحلة الأرض لتأخذ الإنسان إلى السماء. یقول السید المسیح: "أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا" (یو ۱٤: 2)لأجعل لكم نصیبًا في السماء.
۲- الصعود یثبت أن المسیح ھو صاحب السماء "لَیْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي ھُوَ فِي السَّمَاءِ"(یو ۳: 13) لذلك في كل مرة نصلي ونقول: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" ونخاطب الذي في السموات ونقول له: "لِیَتَقَدَّسِ اسْمُكَ لِیَأْتِ مَلَكُوتُكَ لِتَكُنْ مَشِیئَتُكَ" (مت ٦: 9, 10) تصیر ھناك ھذه العلامة المتواصلة والمستمرة بین الإنسان على الأرض والله في السماء.
۳- الصعود یؤھلنا لسكنى السماء صارت السماء غیر بعیدة عنا وھذا ھو السبب الرئیسي في أن الكنیسة تعمل حامل الأیقونات وتضع فیه قدیسین موجودین في السماء (السیدة العذراء،یوحنا المعمدان، الآباء الرسل، الشھداء، القدیسین) وكأنه الصف الأول في الكنیسة، یتطلعون من السماء علینا لكي یشجعونا حتى نصیر معھم. وھذا ما جعل بعض المفسرین یقولون إن الكنیسة مكونة من جزئین ھما في السماء الكنیسة المنتصرة،وعلى الأرض الكنیسة المجاھدة، موضحین مقدار الرابط الذي یربطنا بالسماء ھذه النقطة لابد أن
تشغل فكرنا كثیرًا أن یسوع في السماء یعد لي مكانًا، وأنا دوري أن أجتھد لكي أحافظ على ھذا
المكان والكنیسة ملیئة بزخم كبیر من صلوات،أصوام، جھاد، توبة، ممارسة الأسرار، تدریبات روحیة، سیر قدیسین، إلخ.، كل ھذا الكیان الروحي ھو من أجل أن أحافظ على مكاني الذي أعده لي المسیح في السماء فلا یضیع مني لذلك بدون المعمودیة "أَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ"(تك ۳: 19) أما بالمعمودیة والحیاة الروحیة
أنت من سماء ویمكن بجھادك أن تعود إلى سماء وھذه ھي قیمة الجھاد الروحي في الفكر الكنسي.
٤- الصعود یجعلنا ننتظر بشوق المجيء الثاني لذلك تعلمنا الكنیسة أن نتجه للشرق، ونسمع نداء الشماس في كل قداس: "أیھا الجلوس قفوا" ویقصد قفوا من الخطیة ثم یقول: "وإلى الشرق انظروا" ویقصد جددوا أشواقكم في انتظار مجيء السید المسیح.
ختام
بركات عيد الصعود الكثيرة تملأ حياتنا وحياة الكنيسة كلها ونقول لكل الآباء ولكل الأحباء ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻤسكونة ﻛﻞ سنة وأنتم طيبين "ماران أثا".
قداسة البابا تواضروس الثاني
عظة عيد الصعود من كنيسة التجلي بدير الأنبا بيشوي