ما معنى عيد الصعود وكيف نعيشه؟

26 مايو 2025
Large image

في خميس الصعود نُعيّدُ صعود ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح إلى السمّاء بعد أربعين يومًا من قيامَتِه وظهوره للتّلاميذ كما جاء في تاريخ أعمال الرسل: "يسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إِلى السَّماء" (أعمال 11:1). صعود يسوع اللي السماء هو تتويج أفراح القيامة. صعد يسوع إلى السماء بعد أن أتمَّ عمل الفداء وأكمل خطة الخلاص عائدا إلى ملكوته وواعدا تلاميذه بإرسال الروح القدس (يوحنا 18: 36). ومن هنا نسأل ما هي أبعاد عيد الصعود وكيف نعيشه؟ يمكننا أن نميّز ثلاثة أبعاد للصعود على صعيد المسيح والكنيسة وصعيدنا.
أولاً: الصعود على صعيد المسيح:
عبارة "صعود" من العبرية יַעֲלֶה مأخوذة من سفر المزامير " مَن ذا الَّذي يَصعَدُ جَبَلَ الرَّبِّ ومَنْ ذا الَّذي يُقيمُ في مَقَرِّ قُدْسِه؟" (مزمور 24: 3). للصعود له ثلاث أبعاد وهي تمجيده وتساميه على الكون وتمهيد لعودته.
1- الصعود تمجيد المسيح السماوي:
إن المسيح قبل أن يعيش على الأرض يمكن القول إنه كان لدى الله كابن، و"كلمة"، وحكمة. فصعوده إلى السماء إلى يمين الأب وإنما هو عودة إلى العالم السماوي الذي منه سبق ونزل من السماء، مسكن الألوهية (رؤيا 1: 5) رحمةً بنا ليفتقد الناس (مزمور144:5). بالصعود والنزول ارتبطت السماء بالأرض (يوحنا 1: 51). وأما جلوس يسوع عن يمين الله فيعني أنه قد أكمل عمله وأن له سلطاناً وقد توّج ملكاً. وبالتالي ما صعوده إلاَّ تعبير عن مجد المسيح السماوي (أعمال 2: 34). ومن ناحية أخرى يشير صعود المسيح إلى الدخول النهائي لناسوت يسوع إلى مقر الله السماوي من حيث سيعود، ويخفيه هذا المقر في هذا الوقت عن عيون البشر. (ت ك 665) وفي الليتورجيا السريانية نجد هذه الصلاة التي تعبّر عن تمجيد المسيح بصعود إلى السماء: “نزل ربّنا بحثًا عن آدم وبعد أن وجد مَن كان ضائعًا، حمله على كتفيه وبالمجد أدخله السماوات معه (لوقا 15: 4). أتى وأظهر لنا أنّه الله؛ ولبس جسدًا وكشف لنا أنّه إنسان. نزل إلى الجحيم وبيّن لنا أنّه مات؛ صعد وتمجّد وأظهر لنا أنّه كبير. فليتبارك مجده!".
2- الصعود دلالة على تسامي المسيح على الكون والقوات السماوية (1 قورنتس 15: 24)
أنه منذ الآن يجلس على العرش في السماوات ليتقلد السيادة على الكون (أفسس 1: 20-21). ويكشف لنا إنجيل متى سلطان يسوع الذي يتمتع به في السماء وعلى الأرض (متى 28: 18)، وأكد لنا بولس الرسول هذا النصر الذي اكتسبه بالصلب (كولسي 2: 15) وبطاعته (فيلبي 2: 6-11). فالصعود ما هو إلا استمرار لقيامة المسيح واستكمال لعمليّة الفداء. ويقول القديس قبريانس: "لا من لسان بشر ولا ملائكي يستطيع أن يصف كما يجب عظيم الاحتفال والإكرام الذي صار للإله المتجسد بصعوده في هذا اليوم".
3- الصعود تمهيد لعودة المسيح في مجيئه الثاني:
إن "يسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إِلى السَّماء" (أعمال 1: 11). هذه العبارة تقيم ارتباطاً عميقاً بين ارتفاع المسيح إلى السماء وبين عودته ثانية في آخر الأزمنة، عند التجديد الكلي الشامل (أعمال 3: 21) حينذاك سيأتي كما انطلق (أعمال 11:1)، نازلاً من السماء (1 تسالونيقي 4: 16) على الغمام (رؤيا 14: 14-16)، بينما يصعد مختاروه لملاقاته، هم أيضا على غمام (1 تسالونيقي 4: 17). فالتاريخ يتحرك نحو نقطة محددة هي مجيء يسوع المسيح ثانية ليدين العالم، ويملك على كل المسكونة. ومن هذا المنطلق، ينبغي علينا، أن نكون مستعدين لمجيئه المفاجئ (1 تسالونيقي 5: 2).
ثانيا: الصعود على صعيد الكنيسة:
الصعود على مستوى الكنيسة هو تمجيدها بحلول الروح القدس: تمجيد المسيح في صعوده كان لا بدَّ أن يسبق تمجيد الكنيسة بحلول الروح القدس. صعد يسوع إلى السماء ليرسل الروح القدس ليحلّ محلّه لدى التلاميذ كما وعد تلاميذه “الرُّوحَ القُدُسَ يَنزِلُ علَيكم فتَنَالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا في أُورَشَليمَ وكُلِّ اليهودِيَّةِ والسَّامِرَة، حتَّى أَقاصي الأَرض (أعمال 1: 8). صعد يسوع إلى السماء كي يرسل روحه ليحلّ محلّه لدى التلاميذ. وبحلول الروح يتحوَّل الرب من كائن معنا إلى كائن فينا؛ أن كائن معنا محدودة، لكن كائن فينا غير محدودة وذلك نتيجة عمل الروح القدس. وهذا مما يؤكده القديس بولس الرسول في صلاته إلى أهل أفسس: "أَن يُقيمَ المسيحُ في قُلوبِكم بالإِيمان" بفعل الروح القدس (أفسس 3: 17)
ثالثا: الصعود على صعيدنا
الصعود على صعيدنا له بعدان: التشفع فينا وإعداد لنا مكاناً في السماء.
1- صعود يسوع ليشفع فينا في حضرة الله (عبرانيين9: 14).
تصور الرسالة إلى العبرانيين صعود المسيح في ضوء نظرتها لعالم سماوي تقوم فيه حقائق الخلاص، ونحوه تتَّجه مسيرة البشر. إن الكاهن الأعظم، لكي يجلس هناك عن يمين الله (عبرانيين 1: 3) فوق الملائكة (عبرانيين 1: 4-9) صعد أول الجميع، مجتازاً السماوات (عبرانيين 4: 14) يشفع فينا في حضرة الله (عبرانيين9/ 24) على انه الوسيط الذي يضمن لنا فيض الروح القدوس (ت ك 667).
2-الصعود لإعداد مكان لنا في السماء:
يعودُ الربّ بالمجد إلى أبيه ليُعدّ لنا مكانًا (يوحنا 14: 1-3). فقد دخل يسوع أولاً تلك الحياة، ليُعدَّ لمختاريه مكاناً، ثم يأتي ويأخذهم إلى هناك ليكونوا على الدوام معه (يوحنا 14: 22). فيسوع المسيح، رأس الكنيسة، سبقنا إلى ملكوت الآب المجيد حتى نحيا نحن، أعضاء جسده، في رجاء أن نكون يوماً معه إلى الأبد (ت ك 666). ويعلق العلامة القديس أوغسطينوس " إن قلبي سيبقى مضطربا إلى إن يستريح فيك تسريح فيك يا الله". وهذا يذكِّرنا بكتاب للكاتبة الروسية التأملية زنتا مورينا بعنوان " جذورنا في السّماء". واليوم يرينا يسوع بصعوده أين هو منزلنا الذي وعدنا به " في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ " (يوحنا 14: 2).
خلاصة
تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود:
أولا: تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود كي نفرح لان الذي نزل من السماء لأجل خلاصنا هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السماوات ملك على الأمم، الله جلس على كرسي مجده (مزمور 47: 8)، ولكي يملأ الكل (أفسس 4/ 9-10). وتتطلب الكنيسة من المؤمنين أن يجدِّدوا إيمانهم به كلما يتلون قانونَ الإيمانِ قائِلين: "وَصَعِدَ إلى السّماءِ، وَجَلَسَ عَن يمينِ الآب". هذا هو إيمان الرّسل، هذا هو إيمان الكنيسة الأولى. وهذا هو إيماننا.
ثانيا: تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود كي نشكر ونمّجد الرب هو الذي أنهض طبيعتنا الساقطة وأصعدنا وأجلسنا معه في السماويات (أفسس 2: 6). كما يقول القديس أوغسطينوس: "اليوم صعد ربنا يسوع المسيح إلى السماء. ليصعد قلبنا معه. مع كونه هناك، هو معنا هنا أيضا. ونحن مع كوننا هنا، نحن معه أيضا هناك. رفع فوق السماوات، ولكنه ما زال يتألم في الأرض بكل ألم نشعر به نحن أعضاءه. لأنه رأسنا ونحن جسده" PLS 2: 494)). فعيد الصعود هو امتداد لرسالة يسوع وتعْليمِه، كما فهو راس الجسد أي الكنيسة، ونحن أعضاء هذا الجسد كما جاء في تعليم بولس الرسول " فأَنتُم جَسَدُ المَسيح وكُلُّ واحِدٍ مِنكُم عُضوٌ مِنه"(1 قورنتس 12: 27) ويضيف في موضع آخر "وإِذا عَمِلْنا لِلحَقِّ بِالمَحبَّة نَمَونا وتَقدَّمْنا في جَميعِ الوُجوه نَحوَ ذاك الَّذي هو الرَّأس، نَحوَ المسيح" (أفسس 4: 15).
ثالثا: تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود ك كي نهيأ نفوسنا لاستقباله: أن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيعود (أعمال 1: 11) للدينونة (متى 16: 17). وتقوم الكنيسة بإطفاء الشمعة الفصحية القائمة منذ 40 يوما جانب الهيكل وتوضع جانب جرن المعمودية وتُضاء لدى الاحتفال بالعمادات. وهذه الشمعة ترمز لوجود المسيح، نور العالم. يسوع غاب عن أنظارنا، لكنه بقي حاضراً بنعمته، كما هو موجود معنا في القربان، تحت شكلي الخبز والخمر.
الأب لويس حزبون - فلسطين

عدد الزيارات 46

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل