
تتضمن الحث على سماع كلمة الله مرتبة على قوله تعالى " الذى يسمع منكم يسمع منى( لو ۱۰ : ۱-۲۰ )
إن سيدنا له المجد يعلمنا بانفراده في الجبل في أوقات الصلاة أن نكون ساكنين هادئين في حال صلواتنا وأن تكون تلاوتنا لألفاظ الصلوات بغير قلق ولا طياشة كمن يكون فى الجبال وأن يكون اعتمادنا في الشكر والتسبيح والسؤال والطلب على النفس العاقلة ، لا على تلاوة الالفاظ فقط وأن يكون وقوفنا أمام ربنا بالخوف والاتضاع والوقار وأن يكون طلبنا نعيم الملكوت لا التنعم بالفانيات يا للعجب إن الذين يقفون أمام سلاطين العالم والوزراء والكبراء يوجدون ثابتين كالحجر. صامتين هادئين متأدبين خائفين وجلين ناظرين إلى جهة سلاطينهم ممتثلين لما يصدر عنهم من الأوامر والنواهى مسرعين إلى العمل بها منصتين ومعرضين عن الكلام فيما لا ينبغى سيما إذا حضر الذين يمدحون الملك ويبتدئون بقراءة قصائدهم فإذا سمع أن انساناً يضحك في المجلس أو يهزأ أو يشتغل بالحديث أو لا ينصت للمادحين كما ينبغي. فكم يكون عقابه ؟ وبأى عذاب شديد يعذب ويهان؟
وإذا كان الخوف يوجد فى مجالس الملوك الذين سيموتون فالذين يدخلون إلى بيعة الله ويقفون قدام خالق السلاطين ويسمعون الله يخاطب والملائكة يمجدون والأنبياء يسبحون والرسل يبشرون وهم مع ذلك مهملون معرضون متغافلون وليسوا هم غير ناطقين فقط بل ويتشاغلون بأحديث العالم فيوردون أخبار المتاجر والزراعات والمعاملات وسائر الأقوال الخاسرة فكم من العذاب والعقاب يستأهلون؟ وإذا وجدنا هكذا متغافلين في بيعة الله وسفينة الخلاص وميناء السلامة فكيف إذا خرجنا إلى الاسواق والشوارع وخاضت سفينتنا في البحار العالمية وتلاطمت أمواج المحن والبلايا وهبت علينا رياح التجارب وتراكمت أهوال الشياطين ورمانا عدونا بسهام الشهوات وقاتلنا بعساكر اللذات البدنية كالزنا والتنعم والسكر ومحبة الرئاسات فماذا عساه يكون حالنا
وإذا وجدنا هكذا مغلوبين في المدينة المحصنة بالحصون الشامخة والقلاع المنيعة مع وجود الجيوش والآلات والنجدات والذخائر فكيف لا نغلب في بلاد العدو ؟
وإذا كان هذا عملنا في الكنيسة. وهذه فعالنا بعد الخروج منها. فكيف نتضجر من تأديب ربنا ؟
وما بالنا نسخط بحلول الامراض والأمور المحزنة وقيام الظالمين وتشدد المسلطين وحدوث الغلاء وقلة نزول الامطار. وغير ذلك وما بالنا نسارع إلى حصر النكبات والمصائب ونستعظم وقوعها ونتألم لمصادمتها ولا نذكر الأسباب الموجبة لحلولها بنا وإذا علمنا أن النازل بنا من التجارب إنما هو من تأديبب ربنا ، وعقوبة لنا لأجل خطايانا. فكيف لا نبتعد عن ارتكابها ؟
يا للعجب من كوننا نسمع ربنا دائماً يخاطبنا صارخاً نحونا قائلاً " كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم ايضاً بهم " ولا نبادر إليه بالطاعة مسرعين فمن هنا نعلم اننا نحن المخطئون إلى ذواتنا لأننا لو لم نوجد سارقين غاصبين ظالمين لعبيد ربنا لما تسلط علينا الظالمون والغاشمون والخاطفون وأمثال هؤلاء أسمع ايها الحبيب قول الرسول يعقوب " لا يقل أحد إذا جرب إني اجرب من قبل الله لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحداً ولكن كل واحد يجرب إذا أنجذب وأنخدع من شهوته " سفر القضاة يخبرنا عن أدوني بازق أنــه لما هرب من الطالبين له وأدركوه قطعوا أباهم يديه ورجليه فأعترف عند ذلك بعدل الله قائلاً " سبعون ملكا مقطوعة أباهم يديهم وأرجلهم كانوا يلتقطون تحت ابا هم مائدتي. كما فعلت ذلك كذلك جازاني الله" فسبيلنا أن نسارع مقلعين عن خطايانا تائبين عن ذنوبنا لينظر الينا ربنا ويرحمنا له المجد إلى ابد الابدين أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية