المقالات
06 مايو 2023
انجيل عشية يوم الأحد الثالث من الخمسين
تتضمن الحث على طلب العلـوم وتفتيـش الكتـب وتبكيت السحرة والمنجمين والذين يمتبون الحـروز . مرتبة على قوله تعالى : " إن كنت أشهد لنفسى ( یو ۸ : ۱۲-۲۰ ) .
إذا كان سيدنا له المجد قد بكت الذين أهملوا البحث في الكتب بقوله لهم : " فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حيوة أبدية . وهي التـى تشـهد لى " وقوله : " لأن موسى كتب عنى . وامثال ذلك . فماذا عساه يبكت المؤمنيـن ؟ ومعنى ذلك هو أنكم لو قرأتم كتب الشريعة قراءة المتفهمين لها . لعلمتم أننـي أنـا المنتظر . لا غيرى . ولأغنتكم شهادة الأقوال الإلهية عن سواها . لمطابقة المكتـوب قديما على الواقع . فما بالنا نحن الآن نعرض عن البحث والتفتيش . حتى صرنا عند المخـالفين لنا في الأيمان أضحوكة وخزيا . ويصدق علينا قول الكتاب : " هلـك شـعبي لعـدم المعرفة - وإذا كنا إلى الآن نوجد هكذا جهلاء من شدة الكسل . فينبغي لنا أن نبدأ لكـم من الشريعة القديمة بالأسهل والأقرب . وما يصلح للأطفال لا للكاملين . حتى يمكنكـم بهذه الواسطة أن ترتقوا إلى فهم المعاني الخفية والنبوات الرمزية . وكما أن الفلاح إذا نظر إلى قوة الأرض . فأنه يبذر الحبوب بكـثرة . هكـذا نحن إذا رأيناكم إلى فهم ذلك تسارعون . ولإحرازه ترغبون . أما الآن فاسمعوا قـول الله تعالى في أول التعاليم الالهية : " أنا الرب الهك لا يكن لك ألهة أخرى أمامي لا تنطق باسم الرب الهك باطلا . لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلا أكـرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الـرب إلـهك . لا تقتـل . لا تزن . لا تسرق . لا تشهد على قريبك شهادة زور . لا تشته بيت قريبك . ولا أمراتـه ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك"" لا تلعن رئيسا في شعبك . لا تؤخر ملء بيدرك وقطر معصرتـك . وأبكـار بنيك تعطيني . كذلك تفعل ببقرك وغنمك . سبعة أيام يكون مع أمه وفي اليوم الثـامن تعطيني أياه . وإذا صادفت ثور عدوك أو حماره شاردا ترده إليه . إذا رأيت حمـار مبغضك واقعا تحت حمله .. فلابد أن تحل معه " لا تأخذ رشوة في القضاء . لأن الرشوة تعمى المبصريـــن وتعـوج كـلام الابرار . وإن وجدت ضالة لا تعرف مالكها فضمها إلى منزلك لتكون عندك إلـى أن يطلبها صاحبها . لأنه لا يحل لك أن تتغافل عن الضال ومن أخطأ في فعـل واحدة من مناهى الله . أو فعل ما لا يحل يقدم عن خطيته قريابا . وإن خان أحـد صاحبه في وديعة أو أمانة ، أو غصبه شيئا . أو أخذ ماله ظلما وحلف كاذبـا علـى شئ فليرد كل واحدة من هذه ويزيد عليه خمسة ويعطيه إلى صاحبه . ويقرب قربانـا عن خطيته لا تكشف امراة في وقت حيضها . ولا تتنجس بزوجة صاحبك . ولا تضـاجع الذكور . ولا يتدنس أحد من الرجال والنساء بشئ من البهائم. لا تلتقط ماسقط مـن حصاد أرضك . ولا من ثمار كرمك . بل ترك ذلك للمسكين والغريب لا تؤخر أجرة الأجير عندك للغد . ولا تشتم الاصم . وقدام الأعمى لا تجعـل معثرة . لا تتفاءلوا ولا تقصروا شعوركم . ولا تفسدوا لحالكم ولا تخدشوا وجوهكـم وابدانكم على أمواتكم . وكتابة وشم لا ترسموا علي أعضائكم ولا تظلموا الغريــب الساكن بينكم لا تسمعوا للمنجمين والعرافين والمشعبذين . لأني أنا الله ربكـم ولا تفعلوا غشا في الحكم . ولا في القياس ولا في الوزن . ولا في الكيل . بل تكون لكـم موازين واقساط عادلة الزاني والزانية يقتلان معا " . وكذلك من يتنجس ببهيمـة يقتـل الانسـان والبهيمة رجما . ومن جامع حائضا فليقتل مع المرأة . والمشعوذ والعـراف يقتـلان رجما بالحجارة ويكون دمهما على عنقهما " ولا يوجد فيكم عراف ولا سـاحر ولا متفائل . ولا من يرقى رقية ولا من يسـأل جانـا أو تابعـه . ولا مـن يستشيرا الموتى. ومن وجد هكذا فليخرج من الجماعة . واما الذي يسألهم ويخالطهم . أو يدخلهم إلى بيته أو يدخل هو إلى بيوتـهم . أو يأكل من طعامهم ويشرب من شرابهم . فأن كان كاهنا فليقطع ويمنع من مخالطـة المؤمنين وإن كان غير كاهن فليخرج خارج الجماعة إلى ان يرجع ويتـوب عـن ردی عمله. إن كان لرجل ابن عاص مارد لا يطيع أوامر أبيه وأمـه فليخرجـاه إلـى المشائخ . ويقولا لرجال تلك المدينة : أن ابننا هذا عاص متمرد علينا يلعب ويســـــــر ولا يطيع أوامرنا . فيرجمه جميع أهل المدينة بالحجارة حتى يمــوت . واعزلـوا جميع الاشرار من بينكم . ولا تلبس المرأة ثياب الرجل . ولا الرجل ثيـاب المـرأة . فـإن هذه الأفعال مرذولة عند الرب إلهك . أعمل درابزين لسطحك لئلا يقع أحد منه فيموت ويكون قتيلا في منزلك إياك أن ترابي أخاك . لا بربا الورق . ولا ربا الطعـام . ولا ربـا جميـع الأمـور . ليباركك الرب إلهك في جميع أعمالك . وإن نذرت للرب نذرا فلا تؤخر وفاءه ، فـإن الرب إلهك يطلبه منك ويكون عليك إثم . احفظ ما يخرج من شفتيك . واعط ما تكلـم به فمك لتجازي بالحسنى . إن كان لك دين على صاحبك . فلا تدخل إلى بيته لتأخذ منه رهنا . بل تقيــم خارجا . وإن كان فقيرا فإياك أن تنام في رهنه . بل رد اليه الثـــوب عنـد غـروب الشمس لينام فيه . لتجد رحمة امام الرب ألهك لا تحـف علـى الضعيـف فـي القضاء . ولا تسترهن ثوب الأرملة وكونوا قديسين لأنى أنا قدوس وإذ قد علمنا أن هذه الأقوال الأولى القريبة المأخذ والسـهلة العمـل متعذرة على الاكثرين منا . فكيف والحالة هـذه تكـون شـريعة الكمـال الموافقـة والمطابقة لعقول الفضلاء ؟ فسبيلنا إيها الأحباء أن نتيقظ من غفلتنا . ونتفهم معـــانى كلام ربنا . لنأخذ أكاليل الغلبة . ونحظى بسعادة ملكوت مخلصنا يسوع المسيح . الـذي له المجد والوقار إلى ابد الآبدين آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
29 أبريل 2023
انجيل عشية يوم الأحد الثاني من الخمسين
تتضمن الحث على سماع التعاليم الإلهيـة . مرتبـة على فصل انجيل مشى السيد علـى البحـر وقولـه لتلاميذه : " انا هو لا تخافوا " ( يو ٦ : ١٦-٢٣ ).
يجب علينا ايها الأحباء أن نتمسك بالايمان الوثيق والأعمال الفاضلة وننتبـه من سنتنا . ونسارع إلى طاعة إلهنا . لنقدر على تسكين رياح المحن وتلاطم أمـواج المعاندين . لاننا اذا تركنا الاهتمام بالأشياء الحاضرة واللذات الزمنية . ووقفنا امـام ربنا كل حين فإنه حينئذ يجود علينا بالممالك السمائية والكنوز الأبدية . ويسمح بالخلود في النعيم . وكما أن الأباء الجسدانيين إذا أحدق بهم الأولاد من كـل جـانب وتركوا لعبهم وانعطفوا إلى طاعتهم بكل قلوبهم . يقبل عليـهم الأبـاء أتـم قبـول ويمنحونهم الأموال والهدايا والعطايا الجزيلة . هكذا يكون الأباء الروحيون . وكذلـك أكون أيضاً اليوم إذا رأيتكم مجتمعين اجتماعاً روحياً . مسرعين إلى سماع التعــــاليم الألهية بمحبة ونشاط . محافظين على العمل به مسرورين . معرضين عن الاهتمـام بالأمور الجسمانية . متهافتين للجلوس على المائدة الروحانية . فأنى اسر أن امنحكـم التعاليم المنقذة للنفوس وكما أن الفلاح إذا نظر إلـى جـودة الأرض ونقاهـا مـن الأشواك والأوساخ والحشائش الردية يروم إن يزرع الحبوب بكثرة . هكـذا يـكـون حالي أنا الأن فأني إذا رايت أراضي نفوسكم قد تنقت من الاهتمام بالسكر والبـذخ وطيشان الأذهان وهيمان الأفكار الشريرة وتكون عقولكم ناظرة إلى السماء وممتـدة نحو الباقيات ومستولية على قهر الطبيعة الجسمية . فأني اسارع إلى وضع البـذاربكثرة . حيث لا اشواك تخنقه . ولا طيور تلقطه . ولا عابر طريق يقلعه . أين هذا ايها الأحباء إذ كنا لا نسمع كلام الله ولا نعمل به ؟ الا نعلم كما أن الإيمان بدون عمـلى لا يجدي نفعا . كذلك سماع كلمة الله بدون فهمها والعمل بها لا يفيدنا شيئا فالذي يسـمع ولا يعمل يشبه ذلك الجاهل الذي بنى بيته على الرمل . لهذا أتضرع اليكم ايها الأحباء . ان يكون سماعكم للأقوال الألهيـة كسـمع الفاهمين لها والباحثين عن معانيها المسارعين إلى العمل بأوامرها . الحذريـن مـن مخالفتها . الخائفين من العقاب عن اهمالها . لنشابهوا الذي حفـر الأسـاس وأجـاد . ووضع الحجر على الصخرة مقدما النظر نحو ملاقاة الرياح ومصادمـة الأمواج وإلا يكون سماعكم كسمع المهملين الذين يضيعون أتعابهم باطلا . حيث يتعبون فـى جمع الحجارة وأبتياع الآلات وصرف نفقات الفعلة والبنائين ثم يضعـون الأسـاس على الرمل أسمعوا ربنا له المجد حيث يقول : " من يسمع أقوالي ويعمل بها أشـــبه برجل عاقل بنى بيته على الصخر فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبـت الريـاح ووضعت على ذلك البيت فلم يسقط . لأنه كان مؤسسا على الصخرة " مت٢٤:٧-٢٥ وقال ايضـا " وكل من يسمع أقوالي هذا ولا يعمل بها يشبه برجل جاهل بنى بيته علـى الرمـل . فنزل المطر وجاءت النهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط وكان سـقوطه عظیما مت٢٦:٧-٢٧ فسبيلنا إذن أن نقلع عن التلاهي بـــــــالزائلات وأعمالـها النجسـة كالـهزء والضحك وسماع الاصوات الخبيثة وما شبه ذلك . ولنتمسك بأعمال المحبة والرحمـة والرأفة والاتضاع والصدقة على المحتاجين والأفراج عـن المتضـايقين وأفتقـاد المسجونين.والأنشغال بالأمور العقلية المثمرة لهذا . كالصلوات والقـراءات وغـير ذلك . ونقف قدام ربنا بوجوه مشرقة وأعمال مضيئة . فنأخذ أكليـل الظفـر ونفـوز بنعمة ربنا والهنا يسوع المسيح الذي له المجد إلى الأبد أمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
22 أبريل 2023
انجيل عشية يوم الأحد الأول من الخمسين
تتضمن الحث على الاعراض عن العالميات وتذكـر القيامة والمجازاة . مرتبة على قوله تعـالى بفصـل الانجيل : " ولما جاءوا السفينتين إلى البر تركـوا كـل شئ وتبعوه " ( لو ه : ۱-۱۱ ).
إذا كان الذين سمعوه أقوال ربنا زمناً يســراً تركـوا كـل شـئ وتبعـوه متزرعين بسلاح الشجاعة . ومسرعين إلى السماع بـــــــالقبول وقـد ظـهرت أثـار تصديقهم وثمرات إيمانهم فأنهم القوا انفسهم في البحار الزاخرة . وصـادموا أهـوال تلاطيم الأمواج وعواصف الرياح . ومشوا على المياه الكائنة في الأعماق . وقـاوموا الملوك وقهروا الفلاسفة . وجذبوا سلاطين العالم إلى العمل بمرادهم فما بالنا نحـن الذين نسمعه يخاطبنا دائماً . تارة بذاته وتارة برسله . وتارة بأنبيائه . وتـارة بعظـات التابعين له . ونحن مع ذلك لا نتيقظ من غفلتنا ونسارع إلى ما فيه خلاصنا وحتـى م لا نبتعد عن الميل إلى التنعم والسكر وحب الغني والاهتمام بأجسامنا الباليـة . إذا لا ينبغي لنا أن نقر معترفين بالدخول تحت نير المسيح ونوجد مخالفين له . لأنـه قـد أشترط على مطيعيه أن يكفروا بذواتهم ويهملوا شهوات نفوسهم ويتبعـوه حـاملين صلبانهم ومعلوم أنه حيث يكون الكفر بالنفس فلا لذة توجد هناك ولا سـكر ولا غنى وغير ذلك من المحبوبات العالمية . وحيث يوجد الميل مع الشـهوات واللـذات الدنياوية فهناك توجد المناقضة لشروط المسيح . وإذ نقصنا شروط ربنـا خالفناهـا بأعمالنا الأثيمة . فكيف نوجد بهجين مسرورين ؟ وهل نكون فـى حالتنـا تلـك إلا بمنزلة الأطفال الذين يخالفون آباءهم ويفعلون ما يشتهون ؟ وهم مع ذلـك غـافلون ذاهلون عن عقوباتهم الواقعة بهم وشيكاً . وإلا فكيف يحسن بالعقلاء الإلتــذاذ بنيـل الشهوات الخسيسة مع الخلود في عذاب الجحيم . وكيف اننا لا نصور فـى عقولنـا دائماً إنقراض آجالنـا ؟ وانقطـاع حياتنـا بسـرعة . وفسـاد أجسـامنا . وتفـرق أوصالنا ورهيب مجلس القضاء . وجلوس الديان للمحاكمة . واجتماع الأمم . ودوام سعادة المطيعين . وطول شقاوة العاصين . فنتيقظ من ثق نومنا ونفعل مراد ربنا . فإن قلت ياهذا اني فعلت جرائم كثيرة ولا اعلم كيف اتخلص منها ؟ قلت : أنـا أرشدك إلى مسالك الخلاص . وهو أن تستحضر خطاياك في ذهنـك وتعدهـا فـى فكرك . ثم تهرب من قبحها وتبتعد عن سماجتها وتقرع باب رحمة المسيح بالبكـاء والندم والصوم والصلاة والعفة والطهارة والرحمة والمحبة وأمثال هذه . ثـم تذكـر واحدة واحدة من خطاياك أمام الكاهن وتسارع إلى فعل اضدادهـا . فتقـابل الزنـا بالعفة . والدعارة بالطهارة . والكبرياء بالتواضع . والطمع بالقناعة . والغضب بـالحلم . والحسد بالمحبة وهلم جرا . ثم تضبط الشهوات وتبتعد عن الزوجة وقتاً محدداً البكاء والصلوة والصوم . وإن كنت اقتنيت مالا بطريق الظلم فتصدق بقدره اضعافـاً من حاصل قناياك . وإن كنت اتبعت الشهوات الأخرى . ولبسـت الثيـاب الفـاخرة . ونوعت ألوان المآكل وسكرت من الخمر ونظرت إلى النساء بعين الفسق فاسـتعمل الأصوام والصلوات والتقشف في المآكل . والتزهد عن رفيع اللباس . وغض الطـوف و عن النظر إلى النساء دائماً . وإن كنت قد اسأت إلى غيرك فاصفح عـن المسيئين اليك وبارك لاعنيك . إياك وأن تهمل شيئاً من ذلك لأن حالات النفوس المهملة مـن التقويم والادب كحالات الاجسام وأعراضها . فكمـا ان الانسـان إذا اهمـل أمـور جسمة . وأستعمل الإكثار من الطعام طيباً ورديئاً . ثم أعرض عن استعمال الأدويـة النافعة والمسهلات اللازمة . تولدت العفونة واحترقت الاخلاط داخله . وتفاقمت الامراض عليه . وعزت المداواة وآل حاله إلى الهلاك . كذلك حال النفوس فإنـها إذا لم تقوم بالتعليم والادب . وتتريض بالطهارة والعفة . تغرق بسر عة في بحار الذنـوب وتتلوث بأوساخ المساوئ " وتكثر من الخطايا المميتة كــالمرأة الصدئـة التـي لا يمكن للصاقل صقلها فإذا علمنا مما تقدم أن الأدب نافع لنا وعائد بالخير علينـا . فـلا نضجـر والحالة هذه من تأديب ربنا . لأنه كما أن الأب الشفوق يؤدب ولده المحبـوب عنـده لخيره وفائدته . محبة منه وشفقة عليه كذلك الآب السماوى فإنه يؤدبنا لكـى نرجـع إليه . وندخل في طاعته ليترأءف علينا ويرحمنا ويهبنا سعادة الملكوت والنعيم بنعمـة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والوقار . إلى الأبد آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
01 أبريل 2023
انجيل عشية يوم الاحد السادس من الصوم الكبير
تتضمن توبيخ الذين يعرضون عن مسالك الفضيلـة . مرتبة على قوله تعالى بفصل الانجيل : " اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق . فـإنى أقول لكم إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون "( لو ۱۳ : ٢٢ - ٣٥ ).
عن سيدنا له المجد كان يطوف المدن والقرى ويدخل المجـامع والمحـافل ليعلم الجاهلين ويوقظ الغافلين ويرشد الضالين ويجذب السائرين في هوى نفوسـهم . فما بالك أنت لا تجتهد في تعليم ولدك ولا تعتنى بمصـالح أخيـك ولا تبـالغ فـى إصلاح سيرتك كما ينبغي . ويا للعجب من كوننا نسمعه دائما يقول : " اجتهدوا أن تدخلوا مـن البـاب الضيق فإني أقول لكم إن كثيرين سيطلبون أن يدخلـوا ولا يقدرون " ونحـن لا نزدجر ولا نرتدع . بل نفعل ضد ذلك ونجتهد دائما في الإبتعاد عنه بكل قوتنـا . وإلا فلماذا توجد الآن بعد سماع هذه الأقوال الإلهية مسارعا إلى اللهو . محبا للملـذات متهافتا على نيل الشهوات . مواصلا لنقائص كثيرة . اسمع ياهذا قوله تعالى : " ادخلوا من الباب الضيق . لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك . وكثيرون هم الذين يدخلون منه . ما أضيـق البـاب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحيوة وقليلون هم الذين يجدونـه . فالارديـاء والجهال وناقصوا الرأي والمائلون إلى الشهوات إذا سمعوا قوله : " ادخلوا من الباب الضيق " يستصعبون ذلك ويتكرهون منه . ويقولون لنقص عقولـهم : كيـف نـهجر ذواتنا.ونبتعد من مسراتنا . ونقضى أعمارنا بالأحزان . وأجالنا بالأتعــاب . ونتكبـد مشقات الصوم . ونحتمل مضض العبادة . وأموراً أخرى كثيرة يطول شرحها ؟ وكأنهم بلسان حالهم يقولون : كيف لا نأخذ من الحاضرات حظنا . ونتلذذ في الحياة بما أمكن من نعيمها ؟ لأنه من من الموتى قام من قبره بعد الموت وأخبرنـا أن الناس يقومون وان البشر يحاسبون ؟ . فقل لهذا المؤمن : يا جاهل إن كنت لا تصدق قول سيدك ولا رأيـت بـأن أحداً من الأموات قام . فاعتبر على الأقل بما تضمنته الأخبار المقدسة فـى العـهد القديم من أظهار الجميل للزاهدين حال حياتهم . وحلـول الغضـب الالـهى علـى العاصين حين حصولهم على ملذاتهم . وبهذا الأمر الواقع المصدق بـه مـن الكـل يمكنك أن تحكم على صحة هذا الإعتقاد المعتبر . أعنى بعد قيامة الموتى . لأنـه إن كان الله في هذا العالم يجازي بعضاً على أعمالهم سواء كانت صالحة أو طالحـة . فبالضرورة يلزمنا أن نتيقن بأنه أعد لهم مجازاة عامة تتــم بإقامـة الجميـع مـن الأموات والحكم على كل واحد بحسب أعماله . فانظر الآن أيها المرتاب إلى كيفيـة قبوله الزاهدين وشديد عقابه للمتنعمين . وتأمل كيف يظهر جميل للطـائعين الذيـن دخلوا من الباب الضيق في حال حياتهم وتبصر كيف أصعد أخنوخ وإيليا إلـى السماء أحياء وخلص نوحاً من الهلاك العظيـم . وأنقـذ لوطـاً مـن مدينـة الفاسقين وحفظ ابراهيم من الهلاك في البـلاد الغريبـة . وبـارك اسحق . وحرص دانيال من الاسود . وأطفأ عن الفتية الثلاثة لهيب الاتون و اما الأدلة على هلاك الأثمة العاصين السائرين بهوى نفوسهم الداخلين من الباب الواسع . فإنه أهلك قوماً منهم بالطوفان وآخرين بالوحوش الضارية وغيرهم بالصواعق المهلكة وبالحريق والغرق . اما سمعت قول الكتاب : إن الشـعب جلس للأكل والشرب ثم قاموا للعب . فسقط منهم ثلاثة آلاف . وللزنـى فسـقط منهم في يوم واحد ثلاثة وعشرون الفا وقوله ايضاً : " أمثل هذا يكـون صومـا أختاره " . وأمثال ذلك . ارايت كيف يذم العيشة البذخة ؟ وكيف يبكت المائلين إليها ويعدهم بعقوبـة هذا عظم مقدارها ؟ وهل رأيت عاقبة الضاحكين وسوء منقلب المسرورين وشـقاوة الداخلين من الباب الواسع . وكيف أنهم لم ينتفعوا بلذيذ المأكل ولا برفيع الملابـس . ولا بسمو المناصب ولا باللهو والسكر والغني . ولا بأمثال هذه . وأما من جهة تأكيد قيامة الأموات والحضور في مجالس القضـاء وعظـم سعادة الطائعين وطول شقاوة العاصين . فاسمع قوله على لسان النبـي : " لذلـك لا تقوم الاشرار في الدين ولا الخطاة في جماعة الأبرار . لأن الـرب يعلـم طـريـق الأشرار فتهلك "وقوله أيضاً : " يا رب من ينزل من مسكنك . من يســكـن فـى جبل قدسك" . يجيب الروح القدس قائلاً "السالك بالكمال والعامل الحق والمتكلـم بالصدق في قلبه . الذي لا يشى بلسانه ولا يصنع شراً بصاحبه ولا يحمـل تعبـيراً على قريبه .. فضته لا يعطيها بالربا ولا يأخذ الرشوة على البرئ . الذي يصنع هـذا لا يتزعزع إلى الدهر ". وقوله ايضاً : " اقوالكم اشتدت على قال الـرب . وقلتـم ماذا قلنا عليك . قلتم عبادة الله باطلة وما المنفعة من أننا حفظنا شعائره واننا ســـلكنا بالحزن قدام رب الجنود . والآن نحن مطوبون المستكبرين ! فالذين يعملـون الخطية يحزنون الله دائماً ويوبخون بهذه الكلمات ". واسمع قوله ايضاً : " كلـم متقـو الرب كل واحد قريبه والرب أصغى وسمع وكتب أمامه سفر تذكـره للذيـن اتقـوا الرب وللمفكرين في اسمه ويكونون لي قال رب الجنود في اليوم الذي أنـا صـانع خاصة وأشفق عليهم كما يشفق الانسان على ابنه الذي يخدمه فتعـودون وتمـيزون بين الصديق والشرير . بين من يعبد الله ومن لا يعبده " . وقوله ايضاً : " هوذا يـأتى المتقد كالتنور وكلا المستكبرين وكل فاعلى الشر يكونون قشاً ويحرقهم اليوم الآتى قال رب الجنود فلا يبقى لهم أصلا ولا فرعا " ' " ولكم ايها المتقون اسمى تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها فتخرجـون " وتنشأون كعجور الصيرة وتدوسون الاشرار لانهم يكونون رمادا تحـت بطـون أقدامكم يوم أفعل هذا قال رب الجنود . أسمعت ياهذا كيف دخل العريس مع الابرار إلى نعيمــه الـذي لا يـزول وأغلق الباب ؟ ارايت قوله لأولئك الخائبين . الحق أقول لكم لا أعرفكـم مـن أيـن أنتم ؟ ارايت عاقبة المتلذذين والمتنعمين والمعرضين عن مسالك الفضيلة ؟ أعـاينت كيف لم يلتفت إلى اعترافهم ولا إلى تعليمه لهم . ولا جلوسه في اسواقهم . حيث لـم يطيعوه كما ينبغى . أرايت كيف كان وقوفهم خارجا خائبين باكين . صـارخين إلـى الملك متلهفين يندبون وينوحون لعظم مصابهم . ويتنهدون ويحزنون لشدة عقاب وما لزم وجوههم من الخزى وعلا هاماتهم من العار . أرايت كيف يجمع الطــائعين له من المشارق والمغارب ومن الشمال والجنوب . ويقبل بهم إلى حضـن ابراهيـم . ويمسح الدموع من اعينهم . ويزيل الثقل عن مناكبـهم . ويكللهم بأكـاليل المجـد ويجلسهم على الكراسي متهللين . فسبيلنا أيها الأخوة أن نحافظ على الدخول من الباب الضيق . ونبتعـد عـن السلوك في الطريق الرحب . لنجد السبيل إلى المسالك القبيحة والنعم التي لا تـزول . بنعمة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح . الذي له المجد إلى الأبد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
25 مارس 2023
انجيل عشية يوم الأحد الخامس من الصوم الكبير
تتضمن الحث على الصلـوات والعنايـة بخـلاص النفوس . مرتبة على فصل انجيل قاضي الظلم . ( لو ۱۸ : ۱-۸ ).
إن سيدنا له المجد لأجل رأفته به وشفقته علينا . يحثنا على ما فيه خلاصنـا . فيطلب منا أن نصلي دائما . وان نطلب نعمته طلبا متواتـرا . لتكـون رحمتـه لنـا واحسانه علينا بطريق الإستحقاق . ويضرب لنا على ذلك الأمثال بقـاضي الظلم والملتمس الخبز من صديقه بإلحاح " وغير ذلك . وينهض عزمنـا ويضـرم نـار شوقنا . ويبكت نفوسنا المتراخية في حقيقة الطلب . ويقول إذا كـان هـذا القـاضي الظالم الزمني الأخذ بالوجوه المرتشي في الأحكام . البعيد عن الخوف من الله وعـن الحياء من الناس . لما أضجرته تلك المرأة الخالية عن الحقوق الموجبة الانتقام مـن خصمها بالالحاح وتكرار الطلب . قام لها هذا الالحاح مقام الرجال والمال . وكـانت كأنها أجبرت حاكم الأرض على الإنتقام لها من غريمها . فكيـف لا يعطينـا ملـك الملوك ورب الأرباب الحاكم على جميع البرايا كل مطلوباتنا . إذا كنا نطلب منه دائما باجتهاد ؟ وإذا كان لنا جسد مائت . ونفس خالدة . ودار تزول . وأخرى تــــــدوم فكيف تهتم بالمائت والزائل . ونترك الخالد والدائم ؟ إذا مرض خادم لأحدنا فأننا نهتم بدعوة الطبيب وعندمـا يحضـر ويـأمر بالأدوية التي يراها لشفائه ويرتب له الأشربة والأغذية والمضجع والـهواء . فإننـا جميعا ننتبه إلى وصايا الطبيب كلها . ونحرص على إعطاء المريض الأدويـة فـي أوقاتها . ونوكل به من يتولى المحافظة عليه باهتمام إلى ان يبرأ . فإذا كان هذا مبلغ اهتمامنا بالعبيد والخدم لأنهم يخدمون أجسادنا المائتة . فما بالنا نرى النفس الخالدة تتألم بأشد أنواع الأمراض ولا نهتم بمداواتها ؟ فإن قلت هل النفس تمرض ؟ أقول نعم ويعلوها الصدأ والسـواد والظلمـة . وإن قلت ما هي أمراضها ؟ أجبتك : أنها تمرض : تارة بحب الغنى . وتارة بالانهماك في التنعم . وتارة بالفسق والخلاعة . وتارة بالسكر والإسراف . وتارة بالظلم . وتـارة بالغضب . وتارة بالحسد . فإن قلت ومن هو طبيبها ؟ أجبتك : ليس لها طبيب واحد بـلى كثيرون . وهم ليسوا ممن يطلبون أجرة ولا يقبلون هدية . ولا يكلفون شراء الأدويـة . بل يعالجون مجانا . فإن طلبت معرفة هؤلاء الأطباء فهم : متـى ومرقـس ولوقـا ويوحنا . وبطرس وبولس ويعقوب وبقية الرسل والأنبياء . وأعلم ياهذا أن أقولها تثقل عليك أولا لانهم يأمرونك بما لا يوافـق هـوى نفسك . كما يثقل على المريض بالجسد قول الأطباء الذين يأمرونـه بإجتنـاب أكـل اللحوم والفواكه وتقليل الغذاء والإقتصار على أكل البقول . كذلـك أولئـك الامنـاء أطباء النفوس فإنهم يأمرونك بإجتناب اللذات الجسدية ومقاومـة هـوى الطبيعـة . فيقولون لك : لا تزن . لا تسرق . لا تنظر نظر المشتهى . لا تحسـد . لا تبغـض . لا تسكر . لا تذم أخاك . لا تظلم . ثم استعمل لمداواة نفسك الغاليـة الصـوم والصـلاة والصدقة والزهد في العالميات وغير ذلك . فإنك تنفر اولا من هذه النصائح . ولكنـك إذا استعملتها وسرت بموجبها فستحمد العاقبة كما يحمدها المريـض عنـد شـفاء مرضه الجسدى . ويشكر فضل الطبيب وإذا كنت إلى الآن مهملا معالجـة نفسـك فمتى تعتنى بها ؟ أبعد خروجها من الجسد ؟ كلا . فإن ذلك الوقت وقـت الندامـة لا وقت المداواة . وكما أن مداواة مرض الأجسام إنما تكون ما دامت الـروح فيـها . وكـذا الملاحون فإنهم يعتنون بسياسة السفينة وهي مشحونة بحمولتها جاريــة فـي لجـة البحر . .. ويراعون سلامة الآلات والقلوع وحفظ الأمتعة المشحونة فيـها وينهضون الرجال للعمل ويميزون هبوب الرياح ويحذرون التطوح وملاقاة الصخور . وأمـا إذا غرقت السفينة فإنهم لا يعملون شيئا من ذلك . كذلك النفس فانه ينبغي الاهتمام بـمداواة أمراضنا مادامت في هذا العالم . وأما بعد مفارقتها له فلا حيلة تنتفع بها هناك . فسبيلنا أن نعتنى دائما بمداواة أمراض نفوسنا . ونـــــترك الإهتمـام بزينـة أجسادنا لنجد رحمة أمام ربنا وإلهنا . الذي له المجد إلى الأبد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
11 مارس 2023
انجيل عشية يوم الاحد الثالث من الصوم الكبير
تتضمن الحث على العناية بتطهير النفوس . مرتب على قول الكتبة والفريسيين للسيد المسـيـح بفصـل الانجيل : " لماذا يتعدى تلاميذك تقليـد الشـيوخ . فانهم لا يغسلون أيديهم حينمـا يـأكلون الخبز " ( مت ١٥ : ۱-۲۰ ) يجب علينا أن نترك الاهتمام أجسادنا ونبتعد عـن الامـور التـي تنجـس نفوسنا . نرى الآن جماعة من المؤمنين يتنـاظرون عنـد الذهـاب إلـى الكنيسـة ويتفاخرون بلبس الثياب الفاخرة . والتضمخ بالطيوب والاعطار . ويغفلون عن زينـة النفوس الناطقة . فإن قلت الا يجوز الإهتمام بتنظيف الاجساد ؟ أجبتك نعـم . ولكـن ليس بالماء وحده . بل إن أردت أن تغسل فمك نقياً . فيجب أن تصونه عـن الـهزل والسفاهة والنميمة والكذب والشتيمة والتجديف والحلف . وتزينه بتــــلاوة المزامـير والتسابيح وقراءة الكتب الروحية والصدق والإرشاد : وإلا فما بالك تحتمل الاتعـاب باطلا إذا تجتهد في تنقية الفم واللسان بالمياه وهما متدنسان بأقذار الخبائث ، وهكـذا أقول في تطهير اليدين والرجلين وظاهر البدن كله ، فينبغي أن تبعدها عن نجاسـات السرقة والخيانة والنجاسة والظلم والخطف وان تغسلها بمسـاه الصدقـات وإعانـة الضعفاء والتفريج عن المتضايقين . وأمثال هذه من الاعمال الصالحة التي يرضــى بها الرب . إن اللسان للنفس بمنزلة الفرس للراكب . فكما أن الفرس إذا اهتم به الراكـب وضبطه باللجام ونبهه بالمهماز وعلمه أن ينقل خطواته بنظام . ويمشى مشية مرتبة .أمن به من القلق والعثار وخطر السقوط . كذلك اللسان أيضا إذا ضبطـه الإنسـان وقيده عن الكلام الذي لا يليق . وعلمه أن يلهج بالتسابيح والاقوال الصالحـة . فإنـه يكون أهلا لحلول الروح القدس في القلب . اسمع كلام سيدنا له المجد : " بكلامك تتبرر وبكلامك تـدان . ويعقـوب الرسول يقول : " هكذا اللسان أيضاً هو صغير ويفتخر متعظماً . هوذا نار قليلـة أي وقود تحرق . فاللسان نار . عالم الإثم . هكذا جعل في أعضائنا اللسان الـذي يدنـس الجسم كله ويضرم دائرة الكون ويضرم من جهنم . لان كل طبع للوحوش والطيـور والزحافات والبحريات يذلل وقد تذلل للطبع البشرى . وأما اللسان فلا يستطيع من الناس أن يذلله . هو شر لا يضبط مملؤ سماً مميتا . به نبارك الله الآب وبه نلعـن الناس الذين قد تكونوا على شبه الله وإذا كان الذين يستعدون لملاقاة الملك يزينون أجسادهم وأعمالهم جميعـاً . فكيف لا نستعد نحن لملاقاة ملك الملوك ؟ . وكيف يجوز أن نهمل العنايـة بـالنفس الناطقة ونهتم بالاباطيل . فإن قلت وما هي زينة النفس ؟ أجبتك من قول سـيدنا لـه المجد : إنها الرحمة والمحبة واللين والاناة والتواضع والبساطة والاعـراض عـن أضداد هذه الامور . فسبيلنا أن نجتهد في تطهير نفوسنا الباقية . لا أجسـادنا الباليـة . لنسـتحق المديح من سيدنا القادر على خلاص نفوسنا . له المجد إلى الابد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
04 مارس 2023
انجيل عشية يوم الأحد الثاني من الصوم الكبير
تتضمن الحث على التيقظ لقتال الشيطان عدو الخـير مرتبة على فصل إنجيل " التجربة " . ( مر ١ : ١٢-١٥ ) إذا كان سيدنا له المجد تجسد لأجل خلاصنـا . وقـهـر الشـهوات البدنيـة والبواعث الدنيوية والتجارب الشيطانية ليفعل مثله المؤمنـون . فمـا بالنـا نـترك الإهتمام بخلاصنا ومقارنة عدونا ؟ وما بالنا لا نتذكر أن المسيح ابتدأ بعد الصعـود من الماء بالصيام ومحاربة الشيطان ليعلم المؤمنين أن يصنعوا بعد المعمودية هكذا . فيتركون الإهتمام بأمور العالم ويشرعون في الجهاد من أولـه بـالصوم ومقاومـة الشيطان . لأن أول قتال الشيطان للبشر يكون بسبب الطعام كما فعل مع آدم وحـواء أولا . ثم النتائج المتولدة عنه ثانيا . كالزنى والسكر وغير ذلك . لأنـه حيـث يكـون الصوم والجهاد لا يكون تنعم ولا تلذذ ولا سكر ولا طرب ولا شهوات جسدية . إن الشيطان لأجل محبته هلاك البشر وضررهم يضع في طرقنـا مصـائد كثيرة وأشراكا مختلفة . فينصب شركا للزنى . وشركا للنـهم والإسـراف . وشـركا للسكر . وشركا للشراهة . وشركا لمحبة المال . وشركا للعجب والافتخـار . وشـركا للعتو والتصلف . وشركا لطلب المناصب العالمية وغير ذلك . وليس ذلك لقصده أن نكون مسرورين متنعمين . بل لعلمه أن المتنعـم هنـا زمانا يسيرا يشقى هناك دهرا طويلا . والمكثر من الدنيويات هنا يكون فقــرا فـى ملكوت السموات . وإذ قد رأيت ياهذا كيف أن المسيح قهر الشيطان حين جربه . تـارة بحـب الغني . وتارة بحب الرتب . فهلم لكي اريك أيوب الانسان الساذج . كيف تشجع فـى محبة خالق البرايا . فتدرع ثوب الصبر . وتشدد بمنطقة الأمانـة . واستتر بتـرس
الرجاء . وضرب بسيف العزم . وألقى عدوه جريحاً بتلك الأسلحة لأنـه اولا قاتلـه بكثرة المال والذخائر والجواري والعبيد والزراعات والحيوانات التي أتلفها . فقاتلـه الصديق بالصوم والصلاة والتسبيح بذكر الله وتقدمة القرابين ورحمـة المحتـاجين . ولما رأى المحارب قوة عزم أيوب وطهارة نفسه وشجاعة قلبه . طلـب أن يسلبه جميع مقتنياته احتيالاً على استمالته إليه بطريق الكفر والضجر . وياللعجب من ذلك الصديق ! كيف ظهر في حالة الفقر أعظم شـجاعة ممـا كان في حالة الغني ؟. وكيف قدر الشيطان أن يسلبه كل مقتنياته ولم يقدر أن يسـلبه محبة خالقه ؟ وإذ لم يبلغ عدوه مقصداً ولا ظفر بهذه الواسطة رجـع إلـى شـركه القديم الذي أصطاد به الانسان الأول وهو المرأة وجعل يطغيها مذكراً اياما بغناهـا السابق وما صارت اليه الآن من الفقر والمذلة لكي تذكر بعلها بذلك ثم تقـوده إلـى التذمر . أما ايوب ذلك الشجاع القاهر فإنه عند سماع الفاظها جعـل قلبـه كـالحديد القاسي وكحجر الماس في القوة على كسر المصادمات له حتى تكلل باكليل الظفر ونال تاج الغلبة وفاز بنعيم الملكوت . هكذا ينبغي لنا نحن أن نصم آذاننا عن سماع الذين يريدون صدنا عن قبـول أوامر الهنا حتى ولو كانوا من أقرب الاقربين إلينا . كالزوجـة والأولاد والأخـوة . وأن تكون طاعتنا لربنا ومحبتنا واحدة في حالة الغني والفقر . وأن نجعل أصوامنـا نقية من الأدناس . وأفكارنا سالمة من الهواجس الرديئـة . وأن نبتعـد مـن القـوم المستهزئين الذين يشابهون الصبيان في سخافة عقولهم . لان بعضهم يقولون نتنعـم اليوم ونرتد غداً . ويقول البعض الأخر أعطني اليوم وخذ غداً . ويقول الآخرون ليس للإنسان عمران وما دام لنا عمر واحد فلنقضه بالسرور والتمتع بالملذات الجسـدانية كما ينبغي . فهؤلاء يشبهون البهائم التي تنظر إلى يومها فقط ولا تحتسب ما يكـون في الغد . واما نحن فسبيلنا أن نطهر قلوبنا ونقهر شهواتنا . ونستعد لمجاهدة عدونـا . ولنفوز بنعيم ربنا الذي له المجد إلى الأبد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
25 فبراير 2023
انجيل عشية يوم الأحد الأول من الصوم الكبير
تتضمن الحث على العمل لما بعد القيامـة . مرتبـة على قوله تعالى بفصل الإنجيل : " لا تهتموا بالغد ، لأن الغد يهتم بما لنفسه يكفى اليوم شره " ( مت ٦ : ٣٤ و ۷ : ۱-۱۲ ) إذا كان ربنا له المجد لمحبته لنا وشفقته علينا يأمرنا بعدم الإهتمام بالفانيـات وأن لا نشغل افكارنا عن طلب الباقيات في الاهتمام بحاجة الغد . ويعرفنـا انـه إذا كان يهتم بطعام الحيوانات المخلوقة لأجلنا فكيف يهمل مصالحنـا ؟ ويضـرب لنـا الأمثال بطيور السماء وسوسن الحقل وغير ذلك . فمالي أرى كثيرين من الناس لا يقنعهم حصول قوت اليوم ولا الاسبوع ولا السنة كلها ولا سنين كثيرة . بل يحفظون مال قوم . ويغتصبون مــال آخريـن . ولا يكتفون بمحصول صناعتهم أو تجارتهم . فيستعملون الظلـم والريـاء . ويستبيحون الغش والخيانة وما أشبه ذلك . وما بالنا لا ننظر إلى نعيم السماء الذي نمتلكـه مـع المسيح والخلود في سعادة الأبد ونعرض عن الاهتمام بالامور التـى تعوقنـا عـن البلوغ اليها ؟ فإذا كان أحدنا قد دعى إلى وليمة جمعت الوانا مـن الأطعمـة والاشـربة والفواكه والروائح الطيبة وسماع المطربات فانه يقطع كل العوائق المانعة له عـن الذهاب إلى هناك . ويختصر الكلام مع ولده وعبده واهل بيته وأيضا الذين يقبلــون عليه لاجل السلام في الطريق رغبة منه في سرعة الوصول اليها مع علمـه بـأن لذاتها قصيرة الزمان سريعة الزوال . وربما لا يسلم فيها من عروض حادث يكـدر سروره ويزعج نفسه . فما بالنا لا نلتفت ونشتاق إلى وليمة . المسيح صانعـها ومبدعـهـا ومـهيئ أصناف طيباتها ولذاتها الدائمة . بحيث لا يصل المتطفلون ولا المفسدون إلى هنـاك ؟ وكيف لا نقطع الاسباب المانعة ونترك الاهتمام بالامور التي تعوقنا عن الوصـول إليها ؟ ويا للعجب من اولئك الذين يخافون من أهوال يوم القيامـة ومـن عـذاب الجحيم . ولا يرغبون في الحضور إلى وليمة المسيح والنظر إلـى وجـهـه الأنيـس والتمتع بسعادة الابد ومعاشرة الملائكة وغير ذلك من المسرات التـى لا يسـتطاع وصفها . ولعمري إن الخيبة من ذلك المجد اشد عقوبة من العذاب في الجحيم وكيـف لا نخاف من الوقوف بين يديه . وهو عابس في وجوهنا وغير مقبل علينا ؟ وكيـف لا نذوب خجلا من قوله صارخا نحونا : " أذهبوا عنـى يا ملاعين إلى النار الابديـة المعدة لإبليس وملائكته " . وقوله لغيرنا " تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم فانظر ياهذا إلى حسن صنيعه بنا ومخاطبته إيانا . حيث لم يبكتنا علـى دوام احسانه الينا وسوء مكافأتنا له . لكنه يبكتنا تبكيتاً يدل على عظم محبته لنـا وكـثرة رأفته بنا . ولهذا لم يقل إني اعاقبك لانك لم تخدمني جيداً . أنا الذي خلقتك من العـدم . وأوجدت لك نفساً ناطقة واقمتك متسلطاً على البرايا الارضيـة . وخلقـت لأجلـك العناصر والحيوانات والنباتات والاشجار واسماك البحار وطيور السماء . ثم خـالفت وصيتي . لقد إحتمل لاجل خلاصنا بالعدل خلسة التلبس بالناســوت البشـرى وآلام الصلب وخزى البصق واللطم والموت الشنيع . بل أنه انزل المساكين منـا بمنزلـة أخوته . وقال اني أعاقبك لإهمالك العناية بمصالحهم . وغفلتـك عـن الرأفـة بـهم والرحمة لهم . فإذا كانت المجازاة لابد أن تكون عن يقين . فما بالنا نلعب في مـدة حياتنـا كالاطفال ؟ ونتعلل بما يشغلنا كالمفطومين من الرضاع ؟ وكيف إذا رأينا الصبيان في وقت لعبهم يصنعون بيوتاً صغيرة ويسقفونها بالعيدان ويتخذون لهم تمـاثيل الخيـل وغيرها من الطين والخزف . فننقلب ضاحكين عليهم لاغتباطهم بهذه الدنايا الحقـيرة ولا نخجل نحن من ضحك العقلاء الناظرين في الحقائق علينا إذا رأونا نبذل الجـهد في بنيان القصور والمنازل الجميلة . ونأمر الفعلة بتقوية الأسـاس وتوثيـق البنـاء وتلوينه بالاصباغ . وتزينه بالنقوش وترصيع أرضه بالرخام ونحوه . ثم نهتم بعمـل الاطعمة واتخاذ الاشربة والحصول على الفواكه والحلويات وغــير ذلـك . فإنـهم يضحكون علينا لنقص عقولنا . ويندبون خسارة اهتمامنا . لانهم يعلمـون سـرعة مفارقتنا لهذه المنازل ، وسرعة تلاشي لذة الاطعمة والأشربة حيث أنها لا تـدوم إلا قليلا وقت تناولها . وكما أن الصبيان لتشاغلهم بتلك الاباطيل المذكورة أنفاً يـهملون دروسـهم ويتهاونون في الذهاب إلى مكاتبهم . فينالون القصاص من المعلمين . فنحن أيضـاً إذا اشتغلنا بالامور الباطلة ، وافتخرنا بنقوش الثياب وتزيين المنازل واهملنـا المواعـظ والتعاليم الروحية فإننا نستحق القصاص ولا يوجد لنا شفيع ولا منقذ . فسبيلنا أن نتحول من مشابهة الصبيان . ونستيقظ من نومنا ونسـارع إلـى نوال خلاصنا . لنفوز بنعمة ربنا الذي له المجد إلى الأبد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
18 فبراير 2023
انجيل عشية أحد الرفاع الكبير
تتضمن الحث على الايمان . مرتبة على قوله تعـالى بفصل الإنجيل : " ليكن لكم إيمان بالله ( مر ۱۱ : ٢٢-٢٦ ).
أن سيدنا له المجد صعد إلى الجبل منفردا مرتين ليصلي : الأولى قبل آيـة تكثير الخبز والثانية بعدها ! وذلك أولا ليعلمنا كيف نختلي في صلواتنا . وثانيـا ليختفى من وجه الذين أرادوا تنصيبه ملكا بعد نظرهم آية تكثير الخبز . وبقى وحـده إلى المساء حيث كانت سفينة التلاميذ في وسط البحر معذبة مـن الأمـواج بسـبب الريح الشديدة التي حركتها ليعودهم على احتمال الشدائد والمصائب . فبقوا الليل كلـه في اضطراب ولم يأتهم إلا في الهزيع الرابع من الليل ليعلمهم كيف يطلبونه بحرارة واجتهاد . ولما أبصروه ماشيا على البحر خافوا وظنوه خيالا فصرخوا . فقال " أنا هو لا تخافوا " . فقال له بطرس يا سيد : " إن كنت أنت هو فمرني أن أتى اليـك على الماء فقال له تعال . فنزل بطرس ومشى على الماء ولكنه خـاف مـن الـريـح وأبتدأ يغرق . فأمسك به يسوع وقال له : " يا قليل الإيمان لماذا شككت " . هذا كـل ما في فصل اليوم ومنه نتعلم مسألتين : أحداهما أن سيدنا له المجد صنع هنا خمـس عجائب . الأولى مشيه على البحر . الثانية مشى بطرس أيضا . الثالثة نجـاة بطـرس من الغرق . الرابعة تسكين الرياح والاضطراب . الخامسة بلوغ السفينة إلـى مينـاء السلام أما المسألة الثانية فهي أن أغلب التجارب والأحزان تأتينا من قلة الأيمـان وعدم ثقتنا بإلهنا واعتمادنا على انفسنا . أو على مساعدة غيرنا . فألزم شئ أذن للإنسان إنما هو الايمان بالله والثقـة بأقوالـه تعـالي . لأن الايمان هو أساس الخلاص وعليه تبنى احسـانات الله للبشـر . وبدونـه لا يمكـن ارضاؤه وهو امر واضح من قول سيدنا له المجد لقائد المئة : " اذهب وكما أمنـت ليكن لك " . ومن قوله للأمرأة نازفة الدم : " ثقى يا ابنة إيمانك قد شـفـاك" قوله لرئيس المجمع الذي ماتت ابنته : " لا تخف . آمن فقط " ومن جواب الرسـول للسجان : " آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك " فهل يليق بنا أن يكون ايماننا فاتراً ونحن أبناه أولئك الذين جاهدوا الجـهاد الحسن . أولئك الذين قابلوا اضطهاد الحكام العتاة والملـوك القسـاة الطغـاة مثـل ديوقلاديانوس ونيرون وغيرهما بكل شجاعة وإقدام . حتى انه قتل منهم 840 ألـف نفس في مدة حكم ملك واحد لم يفتر ايمانهم بل حفظوه لنا سالماً كما تسلموه مـن الملائكة الأطهار . أو لم يكن لنا درس بسيط من توبيخ سيدنا لـه المجـد لبطـرس بقوله : " يا قليل الإيمان لماذا شككت " اننا نتعلم منه ألا نزدرى بالنواميس الالهيـة" .حتى لا نكون قدرة ردية لغيرنا . لان قلة الايمان تسهل الازدراء بالناموس الالـهى وتهون على الانسان اهمال كل ما يقال له فضيلة . من منكم ايها الاحباء ينكر هذه الحقائق التي يؤيدهـا العقـل وتشـهد بـها الوقائع ؟ با للعجب ! أنحتقر عمل الفضيلة هكذا حتى أن كلا منا يرتكب نوعـاً مـن الخطايا بدون خوف ولا خجل . ؟ وها قد انطبق علينا قول النبي : " كلهم قد ارتـــدوا معاً فسدوا . ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد " " فأن قلتم ما هي علة ذلك ؟ قلت انما هو فتور الايمان . أمر مدهش جداً ! بل عجيب وغريب !!! إننا نصرخ كل يوم مـن عمـق قلوبنا قائلين " بالحقيقة نؤمن بإله واحد . الله ضابط الكل خالق السموات والأرض .. " ونحن نعمل كل لحظة ما يدل على فتور في ايماننا ؟ ألعل الاقوال برهان علـى حسن الإيمان ؟ كلا . وإنما الاعمال الحسنة هي البرهان على حسـن الايمـان قـال الرسول : ارنى ايمانك بدون أعمالك . وأنا أريك بأعمالی ایمانی " فأي ايمان يبيـن لنا أعمالنا ؟ أليس الايمان الكامل العامل بالمحبة !!
إن الله يأمرنا بمحبة أعدائنا ووعدنا نظير ذلك بأن نكون بني العلي فماذا نعمل نحن لإخواتنا وليس لاعدائنا ؟ أننا لم نخالف هذا الأمر الإلهي فقط مـن جهة أعدائنا لا . بل من جهة أخوتنا أيضا . فاننا نبغض ونعادي بعضنا بعضا حتـى الموت . نسب ونشتم . ننصب أشراك ومكائد ودسائس وشايات وشــكاوى . سـعايات وأضطهادات . وغير ذلك من الشرور والجرائم التي لا تليق بشعب المسيح . من أيـن هذه كلها ؟ وما هو السبب ؟ إنها من قلة الإيمان . والسبب هو قلة الإيمان . إن الكتاب المقدس يقول إن ساداتنا الرسـل كـانوا يشـتمون فيبـاركون . يضطهدون فيحتملون . يفترى عليهم فيصلون ويعظون المفترين لكـى يتوبـوا انظر استفانوس بكر الشهداء حينما كانوا يرجمونه فأنه سجد وصلى عـن راجميـه قائلا : " يارب لا تقم لهم هذه الخطية " " " فلماذا لا نقتفي آثارهم ونعمل كأعمالهم ؟ ومـل السبب غير ضعف إيماننا وقوة إيمانهم . إن الله تعالى يأمرنا كل يوم في كتابه أن نعطى صدقة : أي نطعـم الجـائع ونسقى العطشان ونأوى الغريب ونكسي العريان ونعول المريض ونعتني بـالمحبوس وغير ذلك . وقال صريحا : إن الفقراء أخوته فمن فعل بهم خيرا فقد فعله بي هل قمنا بالواجب علينا حسب هذه الوصيه ؟ . كلا . بل أننا نحول وجهنا عـن الجـائع والعطشان . ونهمل المريض ونوبح القريب والبعيد وكل من يسألنا حاجة . يـا ليتنـا نتركه بل نمتهنه ونوبخه غير ملتفتين لقوله تعالى : " من يرحم فقيرا يقـرض الـرب ومن معروفه يجازيه " ألعل الله كاذب ؟ حاشا الله . فهو يعطى بدل الواحد مائـه وإنمـا نـحـن ضعفاء الإيمان . ألعلك ياهذا تقول في نفسك إني أمنت وأعتمدت وخلصت كقول سيد البرايا : " من أمن واعتمد خلص فاقول لك أن بطرس أمن مثلك ولكـن السـيد وبخه قائلا : " يا قليل الأيمان . لماذا شككت " ألعل أيمانك أنت أعظـم مـن إيمـان بطرس ؟ ثم أن يهوذا الاسخريوطي كان مؤمنا ايضا . وتلميذا مصاحبـا للسـيـد لـه المجد لكنه كان قليل الإيمان . حتى أن قليلا من الفضة أضاع منه ذلك القليل البـاقي من إيمانه . وامنا حواء كانت إيضا مؤمنة . ولكن إيمانها كان فاترا فأيمـان كـهذا لا يركن إليه في خلاص النفس . لأنه كالماء الفاتر ليس حارا فيصلح للتطهير . ولا هـو بارد فيترك . لأجل هذا أسمحوا لي أيها الأحباء أن أقـول مـع الرسـول يعقـوب : " الإيمان بدون أعمال ميت " وإن كان أحد على غير ما رويـت . فليرني عظـم ايمانه بأعماله لأرى إن كانت له ثقة بالله كثقة قائد المئة القائل : " يا رب قـل كلمـة فقط فيبرأ غلامي " أو كإيمان وثقة الكنعانية التي قال لها السيد : " عظيـم أيمـانك . ليكن لك كما تريدين " أو إن كان يدخل الكنيسة بورع وليس كمتفرج . أو أن كـان يقف بأحترام ويسمع الأنجيل ولا يهرب وقت الوعظ . أو أن كان لا يتحـادث عـن أشغاله أو متاجره في أوقات العبادة . أو أن كان يرحم الفقير ويطعم الجائع ويكسـى العريان ويؤاوى الغريب . إن كان يفعل هكذا فيكون مؤمنا بالحق . ويقول البعض لماذا لأنه شاهد أيات ؟ كقول السيد له المجد : " وهذه الأيـات تتبع المؤمنين . يخرجون الشياطين بأسمى ويتكلمون بألسنة جديدة . يحملون حيـات . وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون فنقـول لهؤلاء إنه بسبب ضعف إيماننا لا نرى الأن شيئا من ذلك لأنه يقول أن الأيات تتبـع المؤمنين لا قليلي الإيمان . فالأيات قد بطلت . لأن حرارة الأيمان قد بردت . ودليـل ذلك هو جواب السيد له المجد لتلاميذه عندما سألوه عن الروح النجس قائلين : لمـاذا لم نقدر نحن أن نخرجه . فقال لهم يسوع : " لعدم أيمانكم " أي لقلة ايمانكم فها قد بينا لكم أيها الأحباء أن قلة الإيمان هي أصل جميع الشرور والإيمـان هو مصدر كل عمل صالح فسبيلنا أذن أن نتخـذ الحلـم طبعـا لنـا . وأن نكـون متواضعين عادلين رحومين عفوفين . متصفين بطول الآناة . ملتحفين برداءة العفـة . متعقلين . بسطاء . راسخين في الايمان . بنعمة وتعطف ربنا وإلهنا يسـوع المسـيح . الذي له المجد إلى أبد الآبدين . أمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد