المقالات

13 أبريل 2025

انجيل قداس يوم الأحد السابع عيد الشعانين

تتضمن الحث على التناول باستحقاق والتأديب في 3 الكنيسة مرتبة على قوله تعالى بفصل الإنجيل"أليس مكتوباً بيتى بيت صلوة يدعى لجميع الأمم . وانتم جعلتموه مغارة لصوص " ( مر ۱۱ : ۱-۱۹ ) إن سيدنا له المجد بعد نهاية عرس قانا الجليل رجع مع أمه واخوته وتلاميذه إلى كفر ناحوم. وكان فصح اليهود قريباً فصعد إلى أورشليم. فوجد في الهيكل الذين كان يبيعون بقراً وغنما وحماماً والصيارف جلوساً، فصنع سوطاً من حبال وطرد الجميع من الهيكل وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم. وقال الباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا. " لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة " إن السيد له المجد قد طرد الباعة من الهيكل مرتين. الأولى في بدء كرازته والثانية قبل آلامه وقد تم المكتوب في سفر المزامير : " غيرة بيتك أكلتني " باحتدام السيد وإزالته ما يهين إسم الله ويضر بكرامته في بيته إن كل ما فعله السيد له المجد وكل ما قاله وكتب عنه. إنما كان لتعليمنا وهو نفسه القائل: " تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب " فماذا يعلمنا الله في هذا الفصل ؟ يعلمنا أن نجعل بيته الذي هو الكنيسة محل احترامنا واكرامنا وخضوعنا أى اننا ندخل لتأدية واجبات العبادة بالاحترام والادب والخضوع. ونخرج أيضاً كذلك. قال الجامعة: " احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله فالاستماع أقرب من تقديم ذبيحة الجهال لانهم لا يبالون بفعل الشر " والسيد نفسه يدعو الكنيسة " بيت الصلاة " فهل تعلمنا أن حضورنا إلى الكنيسة إنما هو لأجل الصلاة فقط وليس للجلوس والمسامرات وانتقاد هذا واستحسان ذاك ثم الضحك والاستهزاء بالآخرين؟ إذا كنا تعلمنا وعرفنا ذلك فلماذا لا نقف فى الكنيسة بخوف ورعدة نادمين على خطايانا شاكرين الرب لقبوله توبتا؟ ولماذا نراك أيها الحبيب تتكلم أمام هيكل الله وتضحك لاقل سبب! أيها الأنسان تأمل وانظر في جانب من أنت قائم. ومع من أنت مزمع أن تصلى وتسبح الله؟ أنت قائم بقرب القدسات الالهية الموفرة. ومزمع أن تصلى وتسبح الله مع الكروبيم والسرافيم وبقية الملائكة ورؤساء الملائكة. فإذا افتكرت مع من انت واقف. ومع من أنت مشترك في الصلاة والترتيل فهذا يكفيك للإنتباه والإدراك لترفع عقلك كله إلى السماء وقت الصلوات والقداسات وتخضع بهامتك أمام خالقك أما اذا اصررت على عدم وقوفك في الكنيسة وقت الصلوات والقداسات بخوف ورعدة. وإضاعة وقت العبادة في الضحك على الغير وانتقادهم. وذم الآخرين أو استحسانهم. وبالأجمال يكون وجودك في بيت الله بغير وقار. فلا شك أن الله يعاملك بالغضب والانتقام السريع مع عدم غفران خطاياك. وبالاقتصاص منك يوم الدين العظيم. أو لعلك تظن ان الله يتغاضى عن ذنوبك وآثامك عندما يخاطبك على لسان انبيائه ورسله !! إني أعلمك مقدار هذه الخطية وعظم تهاونك الحاصل بسببها. فاسمع ما أقول لك إذا اتفق حضورك بمجلس أحد الشرفاء وخاطبك فيما هو مفيد لحياتك وأخبرك عن الازمنة السالفة وما جرى لاهلها من الحوادث النافعة أو الضارة فهل كان في امكانك أن تتجاسر وتعرض عن سماع كلامه وتلتفت إلى مخاطبة عبيده؟ إنك لو فعلت مثل هذا فكم من القباحة وقلة الأدب يظهر فعلك؟ فمن هنا اذن تفهم كم من التهاون والاحتقار تجاسرت بفعلك هذا على البارئ وليس هذا فقط بل أني اعجب كثيراً بوجود أناس منكم يكونون داخل الكنيسة ثم يتركونها قبل انتهاء القداس الالهى ويزيد عجبى جداً من عدم حضور البعض الكنيسة طوال السنة وهم لا يعترفون ولا يتناولون إلا إذا صادفتهم مصيبة أو حلت بهم ضيقة كثيرون من الناس يتناولون الأسرار الالهية في السنة مرة واحدة وآخرون مراراً عديدة فلمن من هؤلاء يجب المدح والتطويب؟ هل للذين يتناولن مرة واحدة أم للذين يتناولون مرراً أم للذين لا يتناولون إلا عند وقوع الشدة أنا اقول أن المدح والتطويب لا يخص هؤلاء ولا اولئك ولا الآخرين وإنما يخص الذين يتناولون الاسرار المقدسة بضمير نقى وقلب طاهر أولئك الذين يحيون حياة بريئة من اللوم الذين لا يوجد فيهم شئ من الحقد والحسد. السالكون طريق السلام. فهؤلاء لهم في كل عيد سيدى وفي كل زمان أن يتناولوا القربان المقدس وأما أولئك فغير مستحقين التناول حتى ولا مرة واحدة أن أكلت ياهذا من مائدة روحية. واستحققت لعشاء ملوكي. فهل يجوز لك بعد ذلك أن تترك ذاتك أيضاً في الخسائس والنجاسات؟ ما بالك تدهن جسدك بالاطياب العطرة ثم تعود تلطخه بالنتانة والحمأة؟ في كل عام تتنقى وتتناول. ولكن قبل أن يمر عليك قليل من الزمن تعود إلى شرورك الأولى وعاداتك السيئة. قل لي يا هذا أن كنت مريضاً بمرض مزمن وشفيت منه فإن أهملت ذاتك وتركتها تسقط راجعة إلى ذلك المرض. أما تكون قد اضعت كل تعبك السالف باطلا؟. وإذا كنت متى وجدت في فمك شيئاً من النتن والرائحة الكريهة بسبب مرض ما. فلا يمكنك أن تستعمل حتى المأكولات المعتاد عليها. فكيف يمكنك أن تتجاسر على تناول الأسرار ونفسك مفعمة من نتانة الخطية ونجاستها؟ ولاى عفو تكون حينئذ مستحقاً ؟ انك لا تستحق عفواً لان بولس الرسول يقول : " من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الانسان نفسه هكذا يأكل الخبز ويشرب من الكأس لان الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق ياكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب فسبيلنا اذن ايها الاحباء أن نواظب على بيت الله بكل ادب وخوف وتقوى عاملين بكل الوصايا ما دام لنا وقت لنرضى الله تعالى بأعمالنا حتى نكون مستأهلين لسماع ذلك الصوت الفرح القائل: " تعالوا يا مباركى ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم له المجد إلى الابد آمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
06 أبريل 2025

انجيل قداس يوم الأحد السادس و من الصوم الكبير

تتضمن البحث في العقاب الزمنى للخطاة مرتبة على فصل انجيل تفتيح عينى المولود من بطن أمه أعمى (يو ٩ : ١- ١٤ ) بينما كان السيد مجتازا في الطريق رأى انسانا مولودا من بطن أمه أعمى فسأله تلاميذه قائلين: " يا معلم من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى فأجاب يسوع لا هذا أخطأ ولا ابواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه " إن هذه المسألة عسرة الفهم جدا. لأنه إذا كان هذا الإنسان قد ولد من بطن أمه أعمى فأين ومتى أخطأ؟ أفى البطن وقبل أن يولد ؟. إن في هذا عجبا. لأنه قبل أن يولد لم يكن في الوجود حتى يقال إنه ولد أعمى قصاصا له على خطيته وبالتالي لم يكن ممكنا أن يخطئ وقول البشير أيضا " أم أبواه " لا يصح صدوره عن الرسل إن لم يكن هناك سبب آخر. لأنهم يعرفون الكتاب المقدس القائل إن الله إن هذه المسألة عسرة الفهم جدا لأنه إذا كان هذا الإنسان قد ولد من بطن أمه أعمى. فأين ومتى أخطأ؟ أفي البطن وقبل أن يولد ؟ إن في هذا عجباً لأنه قبلي أن يولد لم يكن في الوجود حتى يقال إنه ولد أعمى قصاصاً له على خطيته وبالتالى لم يكن ممكناً أن يخطئ وقول البشير أيضاً " أم أبواه " لا يصلح صدوره عن الرسل إن لم يكن هناك سبب آخر لأنهم يعرفون الكتاب المقدس القائل أن الله لا يعاقب الابن بخطأ أبيه كما يظهر من قول حزقيال النبي " النفس التي تخطئ هي تموت" أيكون السبب إذن الذى جعل الرسل أن يلقوا هذا السؤال : " من أخطأ هذا أم أبواه " ذلك المثل الدارج بين اليهود : " الآباء أكلوا الحصرم وأسنان الابناء ضرست كلا ليس هذا هو السبب لأن الله قد أثبت بقسم أنهم لا يرون اتمامه بالفعل. إذ قال بواسطة حزقيال النبي : " حى أنا يقول السيد الرب لا يكون لكم من بعد أن تضربوا هذا المثل في اسرائيل " وإنما السبب في ذلك عقيدة التناسخ ولما ولد التي كانت سائدة بين اليهود في ذلك الحين. فظن التلاميذ السائلون وهم من اليهود أن هذا الأعمى كان صحيح العينين عند ولادته الأولى. وأخطأ في جسده الأول. ثانية عوقب بالعمى ليتطهر من خطاياه السابقة وهذا الظن الجاهم لأن يسألوا معلمهم قائلين: " من أخطأ هذا أم أبواه " فأجابهم بقوله : " لا هذا أخطأ ولا أبواه " فأبطل بهذا ظنهم الذى كان قد خامرهم وقوض أركان الرأى الخاطئ الذي كان سائداً بين اليهود وهو عقيدة التناسخ. وقد ظهرت أعمال الله في هذا الأعمى بتحويل ظلام عينيه إلى نور بواسطة الطين والتفل وعلى ذكر هذا الإشكال الذى عرض للتلاميذ بخصوص المولود من بطن أمه أعمى نبحث في التجارب وأنواعها فنقول إنها تكون لتمجيد الله كما سمعتم بفصل انجيل هذا اليوم للقصاص المادى الزمني كما حدث للانسان الزاني الذي أمر بولس الرسول بتسليمه للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص النفس يوم الرب يسوع للخلاص من شر الكبرياء. كما قال بولس الرسول عن نفسه أنه أعطى فى جسده ملاك الشيطان ليلطمه. فسأل الرب من أجله ليفارقه. فقال له: " تكفيك نعمتى لان قوتى في الضعف تكمل " للتجربة كما حدث لأيوب البار هذه أنواع التجارب ويعترض البعض على وجود أبرار معاقبين وخطاة يرقدون بسلام ونسى أو تناسى أن أحكام الله لجة عظيمة وانها بعيدة عن الفحص والاستقصاء لأن من يقدر أن يعرف أفكار الرب أو من صار له مشيرا نعم يوجد خطاة قد عوقبوا كقايين وفرعون وشاول و آخاب ونبوخذ نصر وغيرهم كثيرون. ويوجد خطاة آخرون عاشوا في سعة ورقدوا بسلام كرحبعام وأبيا و وعمرى وغيرهم كثيرون. وذلك لأنه لو عاقب الله جميع الخطاة في هذا العالم لصارت الفضيلة أمراً اضطرارياً وخوفاً من العقاب الحسى الزمني وليس حباً في الصلاح ولا لأجل الحظوى بالملكوت الأبدى. إذ لا يكون ثواباً للفضيلة وحينئذاك يكون خضوع الإنسان للناموس كخضوع الفرس للجام. وتكون الدينونة العامة غير لازمة فيبطل القول بخلود النفس. ويعكف الاشرار على شرب كأس الخطية ولا شرب الماء. وفى هذا إنكار لعناية الله تعالى وبما أننا نؤمن بعدل الله. فمتى شاهدنا بعض الخطاة غير معاقبين في هذا العالم فأنه يجب علينا أن نتأكد بوجود حياة أخرى مستقبلة. وأنه سيأتي يوم فيه يعاقب الله الخطاة الذين رقدوا بدون عقاب. أما معاقبته للبعض في هذه الدنيا فإنما هو لكي يقمع ذوى الشر والفساد ويرهبهم. ولكى يظهر اعتناءه بالبشر وبأعمالهم. غير أن البعض ارتأى ان الله يعاقب في هذه الدنيا أولئك الذين قد بغضهم لكثرة خطاياهم. ويترك أولئك الذين أخطأوا خطايا صغيرة. وهذا الرأى غير صحيح. لأن الكتاب يقول من أجل الخطاة المعاقبين في هذه الدنيا أن : " الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بأبن يسر به ويقول من أجل الخطاة غير المعاقبين في هذه الدنيا : " لا أعاقب بناتكم لانهن يزنين. ولا كناتكم لأنهن يفسقن. لأنهم يعتزلون مع الزانيات ويذبحون مع الناذرات الزنى وشعب لا يعقل يصرع . "فمن هذا ايها الاحباء نعلم أن الله يؤدب ذوى الخطايا الصغيرة لأنه يحبهم ولكي يجذبهم اليه بواسطة التوبة أما ذوى الخطايا الثقيلة فأنه يتركهم ويحفظهم ليوم السوء والأبرار أيضاً قد يطرأ عليهم ما يطرأ على الاشرار. فإننا نرى في الكتاب من هو مشرف وموفق في هذه الدنيا ومنهم من هو محتقر ومضطهد ومضطهد كيوسف مثلا نراه راكباً مركبة ملوكية وأيوب مطروحا على المزبلة وداود جالسا على كرسى الملك وإرميا ملقى فى جب الحماة ودانيال مشرفاً من نبوخذ نصر و وميخا مضروبا من صدقيا فإن : قلت ولماذا هذا ؟ أجبتك بأن الله قد جعل بعض الأبرار مشرفين لكى يراهم الناس فيكرموا الفضيلة ويجتهدوا في اقتنائها وجعل البعض الآخر محتقراً ليمتحن شجاعتهم. ولكي يضئ نور فضيلتهم في هذا العالم فيتعظم اسمه القدوس كان الله في العهد القديم يعاقب الخاطئ أثر ارتكابه الخطية ومن ذلك أن رجلا قطع حطبا في يوم السبت فأمر بقتله بالحجارة فقتل( وكم من الناس لا يجمعون حطبا يوم السبت فقط، بل يصرفون في كل أيام الاعياد في محال الخمور والفجور ومع ذلك لا يرجمون ولا يقتلون إن مريم وهرون تكلما على موسى لاتخاذه أمراة حبشية قائلين : " هل كلم الرب موسى وحده. ألم يكلمنا نحن أيضاً وفي الحال صارت برصاء وكم من الناس يسعون لضرر غيرهم بالوشاية والنميمة : ومع ذلك لا يسهم البرص إن عزة مد يده إلى تابوت الرب فجرح ومات لدى التابوت وكـــــم مــن المسيحين في هذه الايام يتجاسرون ويمدون أيديهم إلى الاسرار الالهية بدون استحقاق ومع ذلك لا يجرحون ولا يموتون إن كثيرين يحسدون ويطمعون ويكذبون ويفعلون شروراً متنوعة ومع كل ذلك لا يعاقبون كأولئك فلماذا هذا يا ترى ؟ الجواب: إن الله جل وعز قد عاقب البشر بأنواع كثيرة على سبيل العبرة والمثال لكي يبين للناس أنه ينتقم من الخطية ويؤدب الخطاة كما يقول الرسول: "كلى تعد ومعصية نال مجازاة عادلة" ولاجل هذا تراه في هذه الايام يطيل أناته فلا يؤدب الجميع أثر أرتكاب الخطية في هذه الحياة وذلك حتى تبقى إرادة الانسان حرة فيعمل الفضيلة بالرضاء والاختيار وإلا فالقصاص سوف ينتظره فسبيلنا أيها الأحباء أن نحزن ونذرف الدموع على خطايانا مقدمين فروض التوبة والندامة معترفين حتى بما نظنه صغيراً كالحقد والحسد والنميمة وما أشبه ذلك لنحظى بما وعدنا به ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذى له المجد إلى الابد أمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
30 مارس 2025

انجيل قداس يوم الأحد الخامس من الصوم الكبير

تتضمن تبكيت المجرمين والظالمين والذين يتعدون الأوامر الالهية مرتبة على فصل انجيل ابراء المخلع عند بركة الضأن ( يو ٥ : ١-١٨ ) لقد سمعنا الآن أن الذين كانت بهم الامراض والاوصاب والعاهات الجسيمة المختلفة كانوا يتغربون عن بلادهم ويهجرون أوطانهم وينفقون الكثير من أموالهم ويكابدون المصاعب العديدة كل ذلك طلباً للشفاء من الامراض البدنية الصائرة إلى التراب وشيكاً حتى آل الاجتهاد بهذا المخلع إلى المقام بجانب تلك البركة سنين هذا عددها فكيف يجوز لك ياهذا أن تتغافل عن العناية بأمر نفسك العاقلة العديمة الفساد ؟ ولعلها تكون في حالة مخلعة مشتملة على أنواع المأثم الردية وأنت مع ذلك لا تنظر إلى قبحها وشناعتها وكيف تكون مؤمناً بالمسيح ومولوداً من الروح ومعترفاً بقيامة الأموات ومؤملا سعادة الملكوت ومتقلداً بسلاح النصرانية وأنت على هذه الكيفية؟ وإذا كان ربنا له المجد قد اشترط على الذين يطلبون الملكوت أن يزيد برهم على الكتبة والفريسيين مع ما كانوا عليه بالأمور الدينية كالصوم والصلوات ودفع العشور والابكار والنذور وتقديم القرابين عن الخطايا وغير ذلك فكيف يوجد فيكم اليوم المهملون لذواتهم ، السائرون بهوى قلوبهم الذين يرتسمون بالنصرانية رسماً خارجياً فقط وهم ليسوا غير عاملين بالوصايا والتعاليم المسيحية فقط ، بل يزنون ويسرقون ويكذبون ويحلفون ويرابون ويماحكون، ويصنعون شروراً أخرى كثيرة وإذا كان سبحانه وتعالى قد عاقب القساة والغليظى الرقاب والغلف القلوب من بنى اسرائيل على تعدى الشريعة الموسوية بالعقاب الشديد فبماذا يعاقب الخطاة من المؤمنين بالمسيح؟ اسمعوا قوله تعالى لبنى اسرائيل على لسان هوشع النبي مبكتاً لهم حيث يقول : " اسمعوا قول الرب يا بنى اسرائيل أن للرب محاكمة على سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا احسان ولا معرفة الله فى الأرض لعن وكذب وقتل وسرقة وفسق يعتنقون ودماء تلحق دماء لذلك تنوح الأرض ويذبل كل من يسكن فيها مع حيوان البرية وطيور السماء وأسماك البحر أيضاً تنتزع ولكن لا يحاكم أحد ولا يعاتب أحد وشعبك كمن يخاصم كاهناً فتتعثر في النهار ويتعثر أيضاً النبي معك في الليل وأنا أخرب أمك قد هلك شعبى من عدم المعرفة لانك أنت أيضاً رفضت المعرفة أرفضك أنا حتى لا تكهن لى ولانك نسيت شريعة ألهك أنسى أنا ايضاً بنيك على حسبما كثروا هكذا أخطأوا إلى فابدل كرامتهم بهوان ياكلون خطية شعبي وإلى إثمهم يحملون نفوسهم فيكون كما الشعب هكذا الكاهن وأعاقبهم على طرقهم وأرد أعمالهم عليهم فيأكلون ولا يشبعون ويزنون ولا يكثرون لانهم قد تركوا عبادة الرب فأقول ألان للذين يظلمون منكم ويغشمون ويقرضون أموالهم بالربا ويحبون الارباح الردية اسمعوا هذا القول يامن تزدرون بالمساكين والمحتاجين وتستصغرون بالفقراء ويقولون في انفسكم متى تمضى الشهور وتجوز الايام ويغلو الطعام ويتعالى ثمن الحنطة ففتح الاهراء والمخازن ونصغر المكابيل ونزيد المثاقيل ونبيع القصالة بالورق والغلة المخلوطة بالتبن وكناسة الاهراء إن الرب قد تكام قائلاً " إني لن أنسى إلى الابد جميع اعمالهم أليس من أجل هذا ترتعد الارض وينوح كل ساكن فيها وتطمو كلها كنهر وتفيض وتنضب كنيل مصر ويكون في ذلك اليوم يقول السيد الرب أني أغيب الشمس في الظهر وأقتم الأرض في يوم نور وأحول أعيادكم نوحاً وجميع أغانيكم مراثى وأصعد على كل الأحقاء مسحاً وعلى كل رأس قرعة واجعلها كمناحة الوحيد وأخرها يوماً مراً هوذا أيام تأتى يقول السيد الرب أرسل جوعاً في الأرض لا جوعاً للخبز ولا عطشا للماء بـل لاستماع كلمات الرب فيجولون من بحر إلى بحر ومن الشمال إلى المشرق يتطوحون ليطلبوا كلمة الرب فلا يجدونها " وإذ قد سمعتم الآن وعيده للمجرمين والظالمين والذين يتدبرون تدبيراً رديئاً فاسمعوا الآن وعده للطائعين لتنظروا الطريقين معاً وتسلكوا المستقيم منهما فانه يقول : " إذا سلكتهم في فرائضى وحفظتم وصایای و عملتم بها أعطى مطركم في حينه وتعطى الأرض غلتها وتعطى أشجار الحقل أثمارها ويلحق دراسكم بالقطاف ويلحق القطاف بالزرع فتأكلون خبزكم للشبع وتسكنون في أرضكم أمنين وأجعل سلاما في الارض فتنامون وليس من يزعجكم وأبيد الوحوش الرديئة من الارض ولا يعبر سيف في ارضكم وتطردون أعداءكم فيسقطون أمامكم بالسيف يطرد خمسة منكم مئة ومئة منكم يطردون ربوة ويسقط أعداؤكم أمامكم بالسيف والتفت اليكم وأثمركم وأكثركم وأفى ميثاق معكم فتأكلون العتيق المعتق وتخرجون العتيق من وجه الجديد وأجعل مسكنى فى وسطكم ولا ترذلكم نفسي واسير بينكم وأكون لكم إلها وأنتم تكونون لي شعباً " وإذ قد سمعنا الأن وعيده للمخالفين ووعده للطائعين فلتخف إذن من أن يوجد بيننا إنسان قاس أو متهاون أو زان أو سكير يصدق عليه ماقيل من الأقوال التي مجرد سماعها عند العقلاء يقع كالصواعق ويلهب كالنار ويحرق كالأتون وبنيه الغافلين ويوقظ النائمين بطباعهم وحيث قد علمنا أن ارتكاب الخطايا والأثام يسبب حدوث الأمراض والاسقام ويسلط الظالمين ويقوى المضادين ويسبب الغلاء والجلاء وسائر الأمور المحزنة فسبيلنا الأن أن ننهض من نومنا ونتيقظ من غفلتنا ونخلع ثياب أثامنا ونقرع باب مراحم إلهنا ليتراءف على ضعفنا ويرحمنا ويهب لنا سعادة الملكوت له المجد إلى ابد الابدين أمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
23 مارس 2025

انجيل قداس يوم الأحد الرابع من الصوم الكبير

تتضمن الحث على ما يقال له سابق التحديد أو القضاء والقدر . مرتبة على فصل انجيل السامرية( يو ٤ : ١ - ٤٢ ) قال البشير بانجيل اليوم أن الرب لما علم أن الفريسيين سمعوا أن يصير ويعمد تلاميذ أكثر من يوحنا ترك اليهودية ومضى أيضا في الجليل وكان لابد له أن يجتاز السامرة فأتى إلى مدينة السامرة يقال لها سوخار ويلاحظ بعضهم قائلا: إن السيد عندما أرسل تلاميذه أوصاهم أن لا يمضوا إلى الأمم ولا يدخلوا مدن السامريين فكيف هو نفسه جاء السامرة وعلم امرأة عند بئر يعقوب ؟ والجواب على ذلك هو إن المسيح لم يخالف امره لتلاميذه الذين أرسلهم. أرس لأنه بقوله: " إلى طريق أمم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا " نهاهم عن الدخول والإقامة له المجد لا عن الإجتياز كما فعل هو ومن قول البشير " وكان لابد له أن يجتاز السامرة " يظهر أن اجتيازه كان ضروريا لوقوعها بين اليهودية والجليل. أما تمييز السيد للسامريين عن اليهود ونهيه لتلاميذه بأن لا يدخلوا مدنهم فهو لأنهم لم يكونوا يهودا ولا أمما فكانوا يخلطون عبادة اليهود بعبادة الأمم ولا يقبلون إلا خمسة أسفار موسى وماعدا ذلك من الأسفار المقدسة كانوا يرفضونه ويحسبون أنفسهم أيضا من نسب اسرائيل كما يظهر في قول السامرية للمسيح: هل أنت اعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا هذا البئر مع أن اصلهم من الأمم الذين أرسلهم ملك أشور إلى اقليم السامرة لتعميره بدل الأسباط العشرة الذين سباهم إلى بابل وبما أنهم كانوا من عبدة الأوثان أرسل الله عليهم أسودا فتكت بكثيرين منهم فلما علم بذلك ملك أشور أرسل إليهم كاهنا عبرانيا ليعلمهم عبادة إله اليهود فتتنحى عنهم الأسود فتم كل ذلك فكانوا يعبدون الأصنام كعادة وطنهم القديم ويعبدون إله اسرائيل ولهذه الاسباب كان اليهود يبغضونهم كوثنيين وغرباء الجنس وأما نهيه لتلاميذه بأن لا يمضوا إلى الامم ولا يدخلوا مدينة للسامريين فهو لان الناموس كان يحظر على اليهود معاشرة الامم الغريبة لئلا يتعلموا منهم أعمال الوثنيين فيتركون إلههم ويعبدون الأوثان كما حدث ذلك مرارا كثيرة ويخبرنا به المرتل داود بقوله" اختلطوا بالأمم وتعلموا أعمالهم وعبدوا أصنامهم فصارت لهم شركا أما السيد المسيح فلكونه تجسد ليخلص جميع البشر فقد جاء إلى سوخار ليخلص المرأة السامرية وكل من يريد الخلاص وبتدبير إلهى انت المرأة فوجدته جالسا على البئر لأن الخلاص لا يتأنى صدفة أو انفاقا بل بعناية الله وإلا فكيف يعقل أن يعطش ذلك الذي أخرج الماء من الصخرة في رفيديم بني اسرائيل حاشا لله ذلك وقد جعل طلبه من المرأة ليشرب سببا للمناقشة معها وجذبها للايمان به وهي ومن آمن بواسطة بشارتها في المدينة بقولها" هلموا انظروا إنسانا قال لـــــي كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح " لم تكن السامرية تفكر البتة بانها ستجد مخلص العالم عند بئر يعقوب ولكن الله جل وعز سبق فعرف بسابق علمه حسن نواياها وأميالها فحدد خلاصها ودبر لها أن يكون وصولها إلى البئر في حال وصوله اليها لكى تؤمن فتخلص بدليل قول الرسول " إن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم أيضا "فالله إذن متى رأى في الانسان ميلا إلى الصلاح ولو طفيفا فانه حالا يرسلى نعمته فيقويه على عمل الاعمال الصالحة أما إذا وجد الميل رديئا فانه ينزع نعمته ومعونته عن ذلك الانسان فيعمل الاعمال الرديئة وهو تعالى يسبق فيعين خلاص الانسان لاجل اعماله الصـالحة كما يسبق فيعين عذابه لأجل أعماله الطالحة وهو مخير مريد يفعل ما يريد إما لخلاصه وإما لعذابه ولو كان شئ يقع في الوجود من خير وشر يسبق الله فيحدده لكان تعالى عن ذلك علة للشرور وكان لا نفع من ارسل الرسل والأنبياء وكان المنزه سببا أوليا للزاني والقاتل وأشباه ذلك لأن المريد لشئ ما فقد ارتضاه وإذا ارتضاه فهو سببه وفاعله حاشا لله من ذلك وتعالى عنه علوا كبيرا فلا يصلح إذن اطلاق الإعتقاد في حق صاحب الجود المطلق أنه يريد شيئا ثم يعاقب الانسان عليه ولو نسب إلى صاحب هذا الرأى القاضى بأن الله يسبق فيحدد على الانسان فعل الشر أو الخير أنه سبب لبعض ما حدث من الشرور لنفى ذلك باجتهاد وأبعده عن نفسه بعدا بعيدا وما لا يرتضيه هذا الانسان فلا يجب أن يرتضيه لخالقه وبارئه ولنورد على ذلك بعض الأمثلة من الكتاب المقدس إن فرعون ويهوذا الاسخريوطي كانا معينين للهلاك فلو رجعا عن الشر لربحا الخلاص الأبدى وكذلك كان انقلاب نينوى سابقا تحديده غير أن أهلها تابوا فنجوا ( وحزقيا الملك كان سبق تحديد موته ولكنه بدموعه نال الحياة بدل الموت والخمس مدن ايضا قد سبق الله فعين إبادتها ولما توسل أليه ابراهيم بقوله عسى يوجد هناك عشرة أبرار قال جل وعز " لا أهلك من أجل العشرة " واسمع ماذا يقول الكتاب المقدس إن الرب أمر موسى في البرية أن يضرب الصخرة بالعصا ليخرج ماء ليشرب بنو اسرائيل فقال موسى بحضور هارون أخيه إلى الشعب " من هذه الصخرة نخرج لكم ماء " فقال الرب لموسى وهارون: " من أجل أنكما لو تؤمنا بي حتى تقدسانى أمام أعين بنـــــــى اسرائيل لا تدخلان هذه الجماعة إلى الارض التي أعطيتهم إياها فتأملوا جيدا أيها الأحباء وانظروا لماذا عاقب الله النبيين العظيمين على ترك التقديس وعلى الشك في قدرته تعالى إخراج الماء من الصخرة إذا كان يسبق فيحدد على الانسان شرا أو خيرا ولماذا قال في وجه هذا النبى لبنى اسرائيل " أنظر قد جعلت اليوم قدامك الحياة والموت الخير والشر " أشهد عليكم اليوم السماء والأرض قد جعلت قدامك الحيوة والموت البركة واللعنة فاختر الحيوة لكى تحيا أنت ونسلك " فمن هذا قد ثبت أن الانسان حر الأختيار إن إختار صلاحا فعل وإن اختار شرا فعل أما كون الإنسان حر الإرادة فهذا ثابت أيضا من العهد الجديد قال له المجد: " يا أورسليم يا اورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها ولم تريدوا. هوذا بيتكـــــم يـــترك لكـــم خرابا " وقال ايضا لمن سأله عن طريق الحياة " لماذا تدعونى صالحا ليس أحد صالحا إلا واحد وهو ولكن أن أردت أن تكون كاملا فأذهب وبع املاكك واعط الفقراء وتعال اتبعني " وقال ايضا " إن اردت أن تدخل الحيوة فاحفظ الوصايا فمن قوله تعالى " كم مرة أردت ولم تريدوا " وقوله " ليس أحـــد صالحا إلا واحد وهو الله " وقوله " إن أردت أن تدخل الحيوة فأحفظ الوصايا " يتضح جليا أن الله لا يسبق فيحدد على البشر شرا ولا خيرا بدون ملاحظة حرية ارادتهم أي انه تعالى ان رأى أميال الانسان نحو الخير ساعده بنعمته وان رأى أمياله نحو الشر تركه يعمه في غوايته إلى يوم القصاص العظيم فسبيلنا إذن أن ندع عنا البحث في موضوع " سابق التحديد " أو " القضاء والقدر " كما يدعوه البعض لأنه يفوق أدراك البشر ونستعيض عنه بفحص دواخلنا فحصا دقيقا مصلحين ما فسد منها.عارفين أن الله " سيجازى كل واحد حسب أعماله فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة متى جاء فى مجده مع الملائكة القديسين له المجد إلـــى الأبد آمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
16 مارس 2025

انجيل يوم الاحد الثالث من الصوم الكبير

تتضمن الحث على الصدقة والاعتناء بالباقيات مرتبة على قوله تعالى بفصل الانجيل " إنسان كان له ابنان فقال اصغرهما لابيه يا ابي أعطنى القسم الذى يصيبنى من المال " ( لو١١:١٥-٣٢) إذا كنت قد أخذت نصيبك من المال وأنفقته مع الخارجين وعاشرت الفاسقين وأصحاب الخلاعة وأتبعت اللذات والشهوات البدنية زماناً طويلاً أفما حان لك أن ترجع الآن إلى ابيك وتقرع باب رحمته بالتوبة والاستغفار لكي يلبسك الحلة الأولى وخاتم الذهب وتأكل العجل المسمن وتستريح من عذاب الغربة وأكل الخرنوب ورعى الخنازير ومكابدة ذل الخدمة ما بالك لا تنهض من كسلك وتبادر إلى حضن ابيك قبل أن يغلق الباب وتكون أنت خارجاً عارياً يا للعجب من كون هذا النازح عن أبيه المخالف له زماناً طويلا المبدد ماله مع الزواني كيف انه لما رجع وقرع باب رحمته أكرمه أبوه وجاد عليه بالملابس الفاخرة والأطعمة الشهية وأنت قدير يرجع اليك أخوك المسيحي ويقصد منزلك بعد أن اضاع ماله في عمل الخير فلا تلقاه كما ينبغي ويسألك فلا تجيب السؤال ويستعطفك فلا تصغى ويعتذر لك فلا تسمع ويخاطبك بصوت المذلة فلا ترحمه هذا مع أنه قد لا يطلب منك إلا رغيفاً وقليلاً من الفضة فكيف لو طلب منك حلة من الديباج أو خاتماً من الذهب ؟ وكيف إذا ارسل اليك الشيطان جنوده الذين يرقصون في الملاعب ويتكلمون بما لا يليق ويعد لك إذا قبلتهم الهلاك في الجحيم فتبادر إلى اكرامهم بالعطايا أما السيد المسيح فإنه عندما يرسل اليك أخوته المساكين ويمد اليك يده أمامهم ويعد لك إذ قبلتهم الخلود في النعيم فانك لا تسمع له ولا تلتفت اليه إن المسيح يشبه رجلا بيده حلة نفيسة من الأرجوان مرصعة بالذهب والجواهر الكريمة وهو يشير إلى العابرين قائلا من قبل أحد عبيده في الغربة كانت له هذه الحلة الثمينة أما الشيطان فانه يشبه رجلاً من الخادعين بيده ثمرة مملؤة من السموم القاتلة وهو يبرزها ويصفها بانها من المأكل اللذيذة ويغر بمنظرها الجهلاء الغافلين أفلا ترى كيف يتسابق الصبيان إلى هذه الثمرة الغاشة ولا يلتفتون إلى تلك الحلة الشريفة ؟ وإذا عرفت ان لك منزلين أحدهما في دار الدنيا والآخر في دار الآخرة وانك ستفارق أحدهما بالضرورة عارياً من جميع مقتنياتك وتصير إلى الآخر وتكون فيه دائماً فما بالك لا تقدر خيرك وتنزع هواك من قلبك وتحمل ذخائرك من دار غربتك إلى دار مقرك الابدى فإن قلت وكيف أنقل ذخائرى إلى هناك وأنا أذهب عارياً أجبتك قد قال المسيح أعطها لإخوتى المساكين وأنا اعوضك عن جميعها بما لا يفنى وليس بمثلها فقط بل عن الواحد أضعافاً كثيرة وإن بخلت نفسك عن هذا العطاء وحاربك الشيطان ومنعك من الرحمة فقل لنفسك معاتباً إياها اليس انك يا نفس في كل مناسبة تصنعين موسماً وتعدين وليمة للاصحاب وتنفقين كثيراً من المال في ثمن الخراف والدجاج والفواكه مما لا ترجعين إلى غاية أكثر من طرحه في القاذورات سريعاً فما بالك لا تعدين وليمة لخالقك وموجدك من العدم وتكريمه بها مرة واحدة في الأسبوع لكى يجازيك عن ذلك بسعادة الابد فإن امتثلت النفس لهذا الرأى وعرفت الفوائد التي تحصل لها منه فاحسب لها ثمن نفقة هذه الوليمة الطاهرة حيث لا تكون خراف ولا فواكه بل خبز وماء فقط واجعل ذلك مرة من وقت لآخر لإفتقاد المحتاجين وللعجب من كون إلهنا له المجد جاد عليك بالنفس والجسد وفضلك على جميع المخلوقات وسلطك على جميع الحيوانات والمعادن والنباتات وأعد لك سعادة الابد وأنت تبخل عليه باليسير مما أعطاك يسألك المحتاج شيئاً يسيراً فترده فارغاً أو تعطيه بعض الأحيان كارهاً وكيف لا نستحى من خالقنا عند ذلك ؟ ولماذا لا نذكر قول الرسول: " إن من يزرع بالشح فبالشح ايضاً يحصد " وما بالنا لا نتشبه بالمؤمنين الذين يحملون إلى بيعة الله من العشور والابكار والنذور والصدقات ما يفرج كربة المتضايقين ويكفى حاجات المرضى والوافدين من الغرباء والذين في السجون وخدام المذبح وغيرهم فسبيلنا أن نستيقظ من غفلتنا ونجتهد فى نقل أموالنا إلى دار مقرنا الابدى عن يد إخوتنا المساكين لنأخذ المجازاة من ربنا ومخلصنا ذلك الذي له المجد إلى الابد أمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
09 مارس 2025

انجيل قداس يوم الأحد الثاني من الصوم الكبير

تتضمن الحث على التيقظ لقتال الشيطان عدو الخير مرتبة على فصل إنجيل " التجربة "(مت ٤ : ١-١١ ) إذا كان سيدنا له المجد تجسد لأجل خلاصنا وقهر الشهوات البدنية والبواعث الدنيوية والتجارب الشيطانية ليفعل مثله المؤمنون فما بالنا نترك الإهتمام بخلاصنا ومقارنة عدونا ؟ وما بالنا لا نتذكر أن المسيح ابتدأ بعد الصعود من الماء بالصيام ومحاربة الشيطان ليعلم المؤمنين أن يصنعوا بعد المعمودية هكذا فيتركون الإهتمام بأمور العالم ويشرعون في الجهاد من أوله بالصوم ومقاومة الشيطان لأن أول قتال الشيطان للبشر يكون بسبب الطعام كما فعل مع آدم وحواء أولا ثم النتائج المتولدة عنه ثانيا كالزنى والسكر وغير ذلك لأنه حيث يكون الصوم والجهاد لا يكون تنعم ولا تلذذ ولا سكر ولا طرب ولا شهوات جسدية إن الشيطان لأجل محبته هلاك البشر وضررهم يضع في طرقنا مصائد كثيرة وأشراكا مختلفة فينصب شركا للزنى وشركا للنهم والإسراف وشركا للسكر وشركا للشراهة وشركا لمحبة المال وشركا للعجب والافتخار وشركا للعتو والتصلف وشركا لطلب المناصب العالمية وغير ذلك وليس ذلك لقصده أن نكون مسرورين متنعمين بل لعلمه أن المتنعم هنا زمانا يسيرا يشقى هناك دهرا طويلا والمكثر من الدنيويات هنا يكون فقيرا في ملكوت السموات وإذ قد رأيت ياهذا كيف أن المسيح قهر الشيطان حين جربه تارة بحب الغنى وتارة بحب الرتب فهلم لكى اريك أيوب الانسان الساذج كيف تشجع فـــي محبة خالق البرايا فتدرع ثوب الصبر وتشدد بمنطقة الأمانة واستتر بترس الرجاء وضرب بسيف العزم وألقى عدوه جريحاً بتلك الأسلحة لأنه اولا قاتله بكثرة المال والذخائر والجوارى والعبيد والزراعات والحيوانات التي أتلفها فقاتله الصديق بالصوم والصلاة والتسبيح بذكر الله وتقدمة القرابين ورحمة المحتاجين ولما رأى المحارب قوة عزم أيوب وطهارة نفسه وشجاعة قلبه طلب أن يسلبه جميع مقتنياته احتيالاً على استمالته إليه بطريق الكفر والضجر ويا للعجب من ذلك الصديق كيف ظهر في حالة الفقر أعظم شجاعة مما كان في حالة الغنى؟ وكيف قدر الشيطان أن يسلبه كل مقنياته ولم يقدر أن يسلبه محبة خالقه ؟ وإذ لم يبلغ عدوه مقصداً ولا ظفر بهذه الواسطة رجع إلى شركه القديم الذي أصطاد به الانسان الأول وهو المرأة وجعل يطغيها مذكراً إياما بغناها السابق وما صارت اليه الآن من الفقر والمذلة لكى تذكر بعلها بذلك ثم تقوده إلى التذمر أما ايوب ذلك الشجاع القاهر فإنه عند سماع الفاظها جعل قلبه كالحديد القاسي وكحجر الماس في القوة على كسر المصادمات له حتى تكلل باكليل الظفر ونال تاج الغلبة وفاز بنعيم الملكوت هكذا ينبغي لنا نحن أن نصم آذاننا عن سماع الذين يريدون صدنا عن قبول أوامر الهنا حتى ولو كانوا من أقرب الأقربين إلينا كالزوجة والأولاد والأخوة وأن تكون طاعتنا لربنا ومحبتنا واحدة في حالة الغنى والفقر وأن نجعل أصوامنا نقية من الأدناس وأفكارنا سالمة من الهواجس الرديئة وأن نبتعد من القوم المستهزئين الذين يشابهون الصبيان فى سخافة عقولهم لان بعضهم يقولون نتنعم اليوم ونرتد غداً ويقول البعض الآخر أعطنى اليوم وخذ غداً ويقول الآخرون ليس للإنسان عمران وما دام لنا عمر واحد فلنقضه بالسرور والتمتع بالملذات الجسدانية كما ينبغي فهؤلاء يشبهون البهائم التي تنظر إلى يومها فقط ولا تحتسب ما يكون في الغد واما نحن فسبيلنا أن نطهر قلوبنا ونقهر شهواتنا ونستعد لمجاهدة عدونا ولنفوز بنعيم ربنا الذي له المجد إلى الأبد آمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
02 مارس 2025

انجيل قداس يوم الأحد الأول من الصوم الكبير

تتضمن الحث على إخفاء الفضائل وسترها مرتبة على قوله تعالى بفصل الانجيل " لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون. ولا لأجسادكم بما تلبسون "( مت ٦ : ١٩-٣٣ ) إذا كنا قد علمنا أن ربنا هو الخالق لذواتنا. والمهتم بقوام حياتنا، فما بالنا لا نرفع حاجاتنا اليه ونتكل عليه في تحصيل ضرورياتنا ونجتهد في اقتناء الفضائل واجتناب الرذائل ؟ وإذا كان الله تعالى يهتم بالمخلوقات لأجلنا هكذا،ويضرب لنا الامثال بفراخ الغربان وزهر النبات وأمثال ذلك من المخلوقات الحقيرة، فكيف يكون اهتمامه بنا ويا للعجب من كونه يحثنا دائما على تحصيل سعادة الأبد ويعد لنا ذخائر الملكوت ويوضح لنا المطالب السامية ويظهر لنا الكنوز الدائمة ونحن هكذا لا نزال متكاسلين متهاونين واذا كان الذين يقصدون استخراج الذهب من المعادن إذا ظهر لهم عرق دقيق من التبر أو من الفضة يحفرون عليه بإجتهاد ويطلبونه حيثما كان غائصا وأينما ذهب ويبحثون عنه حتى الأعماق ليحصلوا على الثروة بواسطته ويتنعموا بذلك ويترفهوا والنعم التي لا نهاية لها أن نبحث عن كنوزنا ونسارع إلى طلب خلاصنا ونجتهد في الوصول إلى جواهر الفضيلة ؟ وإذا كان الذين غناهم زمنى زائل وأحيانا كثيرة يجلب عليهم الأخطار والإضرار كخطف اللصوص وقطع الطرق وهم مع ذلك يجتهدون في طلبه هكذا فكيف لا تتشبهون بهم فى تحصيل الفضيلة بل وتزيدون عليهم ؟ ويا للعجب من كون أولئك إذا ظفروا بمطلوباتهم وحصلوا كنوزهم يجتهدون في حفظها ويبالغون فى صيانتها ولاسيما إذا شعروا بالذين يريدون انتزاعها ويحاولون خطفها منهم فإنهم يبادرون إلى حفظها وضبطها وإخفائها عن أعين السارقين فبعضهم يضعها في الخزائن الحريزة. وبعضهم يجعلها في مخابئ الأرض ويحتالون على حراستها وسترها على نظر اللصوص بوسائل مختلفة فما بالنا نحن لا نعتنى كذلك بكنوزنا ولا نحذر أغتيال أعدائنا فإذا جمعنا ثروة الفضيلة يجب أن لا ندعها ظاهرة لأعين الناظرين بل نودعها في خزائن الفكر ونغلق عليها أبواب الضمير ونوكل العقل بحراستها ونتيقظ لحفظها ساهرين عليها وكما أن التجار الذين في البلاد الغريبة إذا عزموا على العودة لبلادهم يجتهدون في تحصيل زاد السفر والهدايا الحسنة إلى اهلهم ويشحون على أنفسهم في النفقات لتوفير أموالهم لكى يقبلوا إلى أهلهم بالأموال والهدايا وبعد ذلك يستريحون ويستقرون في منازلهم كذلك يجب علينا أن نصنع في غربتنا في هذه الدنيا فنجتهد في حفظ ذخائرنا ونتجهز بزاد السفر ومهماته. لكى نصل إلى وطننا الحقيقي سالمين رابحين ونفرح بنوال ملكوت ربنا الذى له المجد إلى الأبد آمين القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
23 فبراير 2025

انجيل قداس أحد الرفاع الكبير

تتضمن الحث على الصوم واثباته من أقوال الله مرتبة على قوله تعلى بفصل الإنجيل"متى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين. فانهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا للناس صائمين ( مت ٦ : ١-١٨ ) نتعلم من فصل إنجيل اليوم أيها الأحباء أربع فضائل الأولى الصدقة. وقال فيها السيد له المجد " أحترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكى ينظروكم. وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم "الثانية الصلاة وقال فيها: " متـــــى صـليـــت كالمرائين فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس" الثالثة عدم الحقد وقال فيها: " إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً ابوكم السموى وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم والرابعة فضيلة الصوم وقال السيد له المجد فيها " متى صمتم فلا تكونوا كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا لللناس صائمين الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم وأما انت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذى يرى في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية هذه هي الأربع فضائل التي ورد ذكرها بفصل انجيل هذا اليوم. وبما اننا غداً نبتدئ صوم الأربعين المقدسة فوجب علينا أن نجعل فضيلة الصوم موضوعاً لعظتنا إن الله جل وعز خلق آدم وحواء ووضعهما في جنة عدن وأوصاهما أن يأكلا من جميع شجر الجنة ماعدا شجرة " معرفة الخير والشر " فلا يأكلان منها لأن يوم يأكلان منها موتا يموتان ولكن الشيطان دخل في الحية وخدع حــواء بقوله لها " أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة فقالت المرأة للحية من ثمر شجر الجنة نأكل وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا فقالت الحية للمرأة لن تموتا بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر فأخذت المرأة من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل هكذا تمكن الشيطان بواسطة الحية فأسقط الجدين الأولين آدم وحواء في الفساد وها هو ينصب شراكه للجنس البشرى كل يوم ليلبسه الخلاص الذي ناله بتجسد ابن الله وموته حتى يهوى به إلى مقر التعب والشقاء وها هو يغرى صدور الناس تارة بأن الصوم ليس وصية من الله وتارة أن يضر الصحة وتارة غير ذلك حتى قام البعض في هذه الأيام ينكر ويحتقر الصوم ويقول إنه لم يذكر ضمن الوصايا العشر ولا أوصى به السيد المسيح ولا الرسل القديسون وما هو إلا ترتيب بعض النساك والزهاد من الرهبان المقيمين فى الجبال والبراري وان من صام حسنا يفعل ومن لم يصم لا يخطئ فهم إذن لا يعترفون بأن الصوم لازم للخلاص ويجب علينا حتما أن نثبت لهم خطأهم فنقول: أولا - من الطبيعة كما أن العود الطيب الرائحة لا تفوح رائحته إلا بالنار هكذا الإنسان لا تفوح منه روائح الفضائل إلا بكبحه بالصوم والبكاء والنوح وكما أن العود الرطب لا تؤثر فيه النار حتى تنزع منه الرطوبة هكذا الانسان الشبعان لا تؤثر فيه نار محبة الله حتى يجف بالصوم. ثانيا من كتاب العهد القديم : إن الله أمر موسى النبي ان يقدس نفسه بالصوم ويقدس الشعب معه ايضا قبل ان يدنو جبل سينا لأخذ الوصايا ونقــــرأ فيه أن الصوم كان معمولا به فى اورشليم وغيرها في عهد إرميا النبي وإيليا النبي صام اربعين يوما واربعين ليلة ويهوديت كانت تصوم كل ايام حياتها ماعدا السبوت ورؤوس الشهور والأعياد وأهل نينوى صاموا وصام ايضا بنو اسرائیل وقت دفن شاول الملك وبنيه وقد أمر الله بالصوم على لسان يوئيل النبي بقوله: " قدسوا الصوم. نادوا بالاعتكاف ". ثالثا - يثبت الصوم من العهد الجديد: إذ انه يخبرنا بصوم المسيح نفسه اربعين يوما واربعين ليلة ويقول: " ومتى صمتم فلا تكونوا كالمرائين ويقول إيضا: " إن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلوة والصوم " والقديس بولس الرسول يحرض المؤمنين على الصوم بقوله: فلنظهر انفسنا كخدام الله بالصبر والصوم رابعا - يثبت الصوم من اعتباره سنة لازمة عند جميع طوائف البشر على اختلاف مذاهبهم ماخلا الذين قد جعلوا آلهتهم بطونهم أما وقد ثبت أن الصوم قديم جدا يتصل الامر به ببدء تكوين العالم و معمول به بموجب وصية الله جل وعز للأنسان الأول فى جميع أنحاء المعمورة رغم اختلاف طقوس وعوائد الناس ولكن مما يوجب الأسف والاستغراب معا أنك إذا سألت ذلك الذي يحتقر الصوم وينكر الوصية الالهية الصادرة به قائلا ما هي الوصية الأولى الالهية لآدم ؟ لأجابك حالا وبدون تردد بأنها وصية " الامساك عن الاكل " التي هي الصوم ولكنه يعود حالا فينكر ما قرره محتجا بعدم ذكر الصوم ضمن الوصايا العشر ولذا فهو لا يصوم ويجعل نفسه قدوة لغيره من البسطاء مهلا مهلا أيها المسيحي المعتمد بالماء والمتقدس بالروح القدس قل لي لماذا تنكر الصوم وتزدرى به وأنت عارف بأن مخالفة آدم وحواء لوصية الصوم إنما هي التي جرت على الجنس البشرى هذا الشقاء الذى يعقبه الموت لعلك تنكر وصية الختان أيضا المعمول بها لدى جميع البشر بموجب الوصية الإلهية القديمة الصادرة لإبراهيم أب الآباء وهى " هذا هو عهدى الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك يختن منكم كل ذكر ولعلك تحتج قائلا إنما لم تذكـــر ضمن الوصايا العشر أو لعلك تقول إنها وصية وقتية وانتهى أمرها بانتهاء زمانها فنقول لك أرجع بنا إلى قوله تعالى" فيكون عهدي في لحمكم عهدا أبديا " نعم أنه بختان المسيح قد بطل رسم الختان الحقيقي الذي كان الختان القديم رسما له ولكن هذا لا يدعو إلى القول بابطال الوصية كما أنه لا يصح أن يكون حجة للذين يعبدون بطونهم لان الانسان بجحده للشيطان وكل أعماله وقت العماد يختتن في غرلة الجسد أى تقطع عنه جميع الشهوات الجسدية وكل أباطيل العالم وبإعتماده بتغطيسه في الماء يدفن مع المسيح انسان الخطية القديم فيخرج المعتمد من جرن المعمودية مختتنا ختانا غير مصنوع بيد بشرية ومطهرا من كل خطية بنعمة المسيح إلهنا هذا هو الختان الحقيقى الذى كان الختان اليهودى رمزا له وهو ليس وقتيا كما يزعمون بل ثابتا إلى أخر الدهور كلها ها قد علمتم أن وصية الصوم كوصية الختان أما إذا كنت تريد معرفة السبب في عدم ذكر هاتين الوصيتين ضمن الوصايا العشر فإنما ذلك لأن هاتين الوصيتين كانتا قد تسلمتا قبل اعطاء الوصايا العشر أى أن الوصية الأولى الخاصة بالصوم أعطيت لآدم والثانية الخاصة بالختان أعطيت لإبراهيم وقــــد عمل بهاتين الوصيتين عند جميع طوائف الامم حتى الوثنين أيضا وليس اليهود وحدهم هم الذين كانوا يختتنون ويصومون كما يشهد بذلك صوم أهل نينوى وصوم كرنيليوس القائد الوثنى ولهذا السبب لم تذكر ضمن الوصايا العشر وجميع الانبياء تقريبا تكلموا على فضيلة الصوم وبالاخص زكريا النبي الذي أثبت أن الصوم كان في اوقات معينة ولم يكن موقتا كما يزعم البعض وهذا هو قول النبي " هكذا قال رب الجنود إن صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع وصوم العاشر يكون لبيت يهوذا ابتهاجا وفرحا وأعيادا طيبة " إن الصوم قديم جدا ومعمول به قبل المسيح بأجيال عديدة فإننا نرى في الكتاب المقدس أن موسى النبي صام اربعين يوما وأربعين ليلة والسيد المسيح لم ينقض الصوم بل ثبته بصومه هو نفسه أربعين يوما واربعين ليلة ثم وضع ترتيب الصوم موبخا المرائين اولئك الذين يتظاهرون أمام الناس بكثرة الصلوات والصوم كذبا والرسل ايضا كانوا يصومون كثيرا وفي أوقات محددة إذ يقول عنهم الكتاب: " لما مضى زمان طويل وصار السفر في البحر خطرا إذ كان الصوم أيضا قد مضى جعل بولس ينذرهم " وبولس نفسه يقول " أهـــــم خــــدام المسيح. اقول كمختلى العقل فأنا أفضل في الاتعاب أكثر في الضربات أوفر في السجون أكثر في جوع وعطش في أصوام مررا كثيرة " فلا عذر أذن للذين لا يصومون بل ويزدرون بالصوم قائلين إنه من اختراعات البشر لانه قد ثبت مما تقدم أن الأمر به يتصل عهده بيدء تكوين الأنسان وأما انت ايها الحبيب يامن تهرب من الصوم خوفا على صحتك فأرجوك ان لا تنظر إلى ما هو تحت بل إلى ما هو فوق لان الله خلقك مستقيما فأمن فقط إيمانا وثيقا بذلك الذى قوى موسى بعد أن صام اربعين يوما واربعين ليلة على النزول من أعلى الجبل وعلى سحقه العجل الذهبي وتذريته في الماء وكن واثقا بذلك القادر على كل شئ الذى جعل إيليا النبى يمشى اربعين يوما واربعين ليلة ولم يأكل في تلك المدة سوى أكلة واحدة بسيطة جدا لانها مركبة من خبز وماء فقط فإذا وثقت تمام الوثوق بقدرة الله على منحك الصحة والعافية وكل ما تريده فلا شك أنه يعطيك جميع ذلك ويساعدك في كل عمل صالح فآمن يا أخى وسلم الامر لله على الصوم طائعا مختارا فإن قوة الغذاء وكل قوات الطبيعة هي تحت سلطان الله ونواميسها في يده يفعل بها كيفما شاء إن الصوم يفيد الجسد والنفس يفيد الجسد لأن الصوم الاربعيني يأتينا دائما في الوقت الذي تكثر فيه الحميات والامراض الصعبة بسبب غليان الدم مع بقية الاخلاط التي يؤثر الصوم عليها أكثر من سواه فيخمدها. أما فائدة النفس من الصوم فهي مصالحتها مع الله وتقربها اليه وهاك الدليل أن موسى بعد صومه طلب من الله ان يريه وجهه بقوله " إن كنت وجدت نعمة فأرني مجدك " وأما آدم فلمـــــا خالف واكل اختفى ولم يقدر أن يرى الله فسبيلنا ايها الاحباء أن يكون صومنا نقيا لا ان نصوم عن أكل لحم الحيوان ونأكل لحم اخينا الإنسان ولا ان ننقطع عن بعض المأكولات ونضبط أوراق الظلم على القريب ولا أن تمون معدتنا فارغة من الطعام وقلبنا مملوءا من كل حقد وبغضة وخصام ولا أن نصوم عن الخمر والزيت ونهضم حق الأجير ونشرب دم الفقير بل ليكن صومنا نقيا مقبولا لدى الله حتى لا يوجه الينا قوله تعالى بلسان أشعياء النبي " لا اختار مثل هذا الصوم " وإننا نتوسل إليه تعالى أن يجعل هذا الصوم مباركا عليكم وعلى جميع المسيحيين الارثوذكسيين وان يتقبل اتعابكم واصوامكم وصلواتكم وصدقاتكم وقرابينكم ويبلغكم إلى يوم الفصح المجيد والقيامة المقدسة ويغفر لكم خطاياكم برحمته ورأفته ويحفظكم لمثل هذا العام وإلى أعوام عديدة بالسلام والعافية في اجسادكم وأرواحكم وينجيكم من فخاخ العدو المناسب ويبارك زراعاتكم ومتاجركم وكل تصرفاتكم وان ينيح نفوس أمواتنا جميعا الذين رقدوا على الايمان القويم وان يؤهلنا جميعا لسماع صوته الفرح القائل " تعالوا يا مباركى ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم. بشفاعة سيدتنا كلنا البتول الطاهرة مريم وجميــع مصاف الملائكة والشهداء والقديسين آمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
16 فبراير 2025

انجيل قداس الأحد الثاني من شهر أمشير

تتضمن وجوب القاء الرجاء على الله دون سواه مرتبة على فصل اشباع الخمسة الاف رجل من الخمسة أرغفة والسمكتين( يو ٦ : ٥-١٤ ) إن السيد المسيح له المجد لما سمع بقطع رأس يوحنا المعمدان ترك أورشليم وأتى إلى برية قريبة من بيت صيدا ليستريح مع تلاميذه انفراد فتبعته جموع كثيرة فتحنن عليهم وعلمهم ثم شفى مرضاهم بدون أن يطلب منه ذلك ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين "الموضع خلاء والوقت قد مضى اصرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاما فقال لهم يسوع لا حاجة لهم ان يمضوا أعطوهم أنتم ليأكلوا وصنع لهم هذه الآية العظيمة التي سمعتم خبرها بفصل اليوم فأكل نحو أكثر من خمسة آلاف رجل ماعدا النساء والاولاد وشبعوا ورفع ما فضل عنهم اثنتا عشرة قفة مملوءة وذلك من خمسة أرغفة وسمكتين وهي أعجوبة عظيمة وبرهان مقنع على تحنن فادينا وباعث قوى لاحياء الثقة التامة داخل قلوب البشر وإلقاء رجائهم على الله دون سواء فالرجاء ينشأ مع نشوء الانسان وهو طبيعي في قلوب البشر الرجاء هو تعزية المريض أثناء مرضه لانه يأمل الشفاء العاجل تجد الرجاء في القلب النوتي عند مصادفة أهوال البحار فإنه يعلل نفسه بالرجاء لنجاته من الغرق فلولا الرجاء لما زرع زارع أرضا ولا صنع صانع شيئا لان كل الأشياء إنما تعمل على يقين الرجاء فالرجاء هو الذي جعل هاتيك الجموع الكثيرة تمضى وراء السيد بدون زاد لانهم عرفوا أن القادر على شفائهم عن أمرضهم قادر أيضا على اشباعهم خبزا الرجاء هو تعزية الانسان في عالم الاتعاب والاحزان وقد خلقه الله فينا ليكون هو جلت قدرته موضوع رجائنا غير أن فريقا من الناس يلقون رجاءهم على الناس والاموال وما اشبه ذلك فاسمع توبيخاته تعالى لامثال هؤلاء قال: "ماذا يصنع أيضل لكرمى وأنا لم أصنعه له وقال: "يا أورشليم يا اورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمــــة المرسلين اليها كم مرة أردت أن اجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا وقال أيضا: "ربيت" بنين ونشأتهم أما هم فعصوا على" وقال أيضا: بسطت يدى طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صالح وراء أفكاره وقال أيضا: "ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان ويجعل البشــــر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه هذا بعض من أقواله تعالى فلماذا لا نثق بها ونضع رجاءنا عليه ونذوق عذوبة خدمته قبل ان نذوق خدمة العالم ؟ لاسيما وهو يقول لنا بلسان نبيه داود ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب طوبى للرجل المتوكل عليه وإلا فقولوا لى بحقكم أى شئ لم يصنعه لنا إلهنا ليستميل قلوبنا إليه وها هو يتراءف على البشر بكل هيئة ويخاطبهم بأنواع كثيرة أحيانا كمبشر يبشر المساكين في كل مدينة ويلقى الصلح والسلام وأحيانا كسامري يعزى الحزاني ويشفى المرضى ويسكن الامواج ويهدئ العواصف وتارة كراع إذا وجد خروفا ضالا حمله على أكتافه وقال لاصدقائه افرحوا معى لانى وجدت خروفي الضال وتارة كأب شفوق يعانق أولاده ويباركهم قائلا: "دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات" فما بالنا نترك إلهنا الشفوق علينا ونلقى رجاءنا على بشر مثلنا مائتين مع علمنا اننا بفقدهم نفقد حمايتهم أيضا فتضيع علينا مصالحنا وربما يصيبنا أذى من أعدائهم بسبب انتسابنا اليهم وما الذى يمنعنا من استدراك خطايانا والعودة إلى صوابنا فنلقى رجاءنا على إلهنا ونتكل عليه دون سواه عملا بقوله تعالى"لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده و طوبى لمن إله يعقوب معينه ورجاؤه على الرب إلهه" ولنعد على اسماعكم ذكر بعض الحوادث لتعلموا أن إلهنا رؤوف ورحيم بعباده المتكلين عليه وفى كل حين يعينهم ويجيب طلبتهم قال الكتاب المقدس: مرض حزقيا ملك أورشليم للموت فجاء اليه اشعياء النبى وقال له هكذا قال الرب أوص بيتك لانك تموت ولا تعيش فوجه وجهه إلى الحائط وصلى إلى الرب قائلا: آه يا رب أذكر كيف سرت أمامك بالامانة وبقلب سليم وفعلت الحسن في عينيك وبكى حزقيا بكاء عظيما ولم يخرج إشعياء إلى المدينة الوسطى حتى كان كلام الرب إليه قائلا أرجع وقل لحزقيا رئيس شعبى هكذا قال الرب إله داود أبيك قد سمعت صلاتك قد رأيت دموعك هأنذا أشفيك في اليوم الثالث تصعد إلى بيت الرب وأزيد على أيامك خمس عشرة سنة وأنقذك من يد ملك أشور مع هذه المدينة وأحامى عن هذه المدينة من أجل نفسى ومن أجل داود عبدى فها قد أثبتنا اليكم أيها الاحباء من موسى والانبياء وأخبار الملوك وجوب القاء الرجاء على الله دون سواه فسبيلنا أذن أن نتواضع تحت يده القوية لكى يرفعنا في حينه. ملقين كل همنا عليه لأنه هو يعتنى بنا لأننا بدونه لا نقدر أن نفعل شيئا ) ولنتمسك بإقرار الرجاء الموضوع أمامنا كمرساة أمينة للنفس وثابتة تدخل إلى ما دخل الحجاب غير حائدين عن اعتراف رجائنا فإن الذي وعد هو أمين له المجد والاكرام والعزة والسجود إلى الأبد أمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل