المقالات
27 سبتمبر 2020
تذكار الإحتفال بالصليب المجيد بكنيسة القيامة سنة 43 ش في عهد الملك قسطنطين البار
نعيد في هذا اليوم بتذكار ظهور الصليب المجيد الذي لمخلصنا يسوع المسيح . هذا الذي أظهرته الملكة المحبة للمسيح القديسة هيلانة أم قسطنطين من تحت كوم الجلجثة الذي أمرت بإزالته ، أما سبب وجود هذا الكوم فهو أنه لما رأى رؤساء اليهود كثرة العجائب التي تظهر من قبر المخلص من إقامة الموتى وإبراء المقعدين ، غضبوا ونادوا في جميع اليهودية وأورشليم " كل من كنس داره أو كان عنده تراب ، فلا يلقيه إلا على مقبرة يسوع الناصري" ، واستمر الحال على ذلك أكثر من مائتي سنة حتى صار كوما عظيما . ولما حضرت القديسة هيلانة وسألت اليهود عن موضع الصليب لم يفيدوها . وأخيرا أرشدها بعضهم عن رجل يهودي مسن يسمى يهوذا يعرف مكانه ، فاستدعته فأنكر أولا ، ولما شددت عليه اعلمها مكان الكوم . فأزالته وأخرجت منه الصليب المقدس وبنت كنيسة وكرست عيد له في السابع عشر من شهر توت . وصارت الشعوب المسيحية تحج إليها مثل عيد القيامة .
واتفق ان كان إنسان مسافرا هو وجماعته مع الشعب إلى أورشليم يدعى إسحق السامري ، هذا كان يبكت الناس على تكبدهم المتاعب في الذهاب إلى أورشليم .ليسجدوا لخشبه . وكان مع الشعب قسا يسمى أوخيدس ، وفيما هم سائرون في الطريق عطشوا ، ولم يجدوا ماء فأتوا إلى بئر فوجدوا ماءها نتنا مرا ، فضاق صدر الشعب جدا . وابتدأ إسحق السامري يهزأ بهم ويقول ان أنا شاهدت قوة باسم الصليب! آمنت بالمسيح . فغار القس أوخيدس غيرة إلهية وصلى على الماء النتن ورشمه بعلامة الصليب فصار حلوا . وشرب منه كل الشعب ودوابهم . أما إسحق فانه لما تناول وعاءه ليشرب وجده نتنا مدودا . فندم وبكى وأتى إلى القديس القس أوخيدس وخر عند قدميه أمن بالسيد المسيح . وشرب من الماء فوجده حلوا . وصار في ماء هذه البئر قوة ان يكون حلوا للمؤمنين ، ومرا لغيرهم . كما ظهر فيه صليب من نور . وبنوا هناك كنيسة .
ولما وصل إسحق السامري إلى مدينة القدس ذهب إلى أسقفها واعتمد منه هو وأهل بيته .
أما ظهور الصليب المجيد على يد الملكة هيلانة فكان في اليوم ا العاشر من برمهات . ولأنه دائمًا يكون في الصوم الكبير فقد استبدله الآباء بيوم 17 توت الذي هو تكريس كنيسته . والمجد والسجود لربنا يسوع المسيح إلى أبد الآبدين . آمين .
المزيد
26 سبتمبر 2020
المقالة العاشرة في تذكار الخطايا
أشاء أن أبث قدامك أيها المسيح المخلص ؛ وأصف بحضرة مجدك كافة المرارة التى تختص بي ؛ وبنيتي الخبيثة، وأذكر أيضاً كل الطرب والحلاوة التي صنعتها معي ؛ إذ منذ جوف أمي صرت مغيظاً جاحداً خيريتك ونعمتك، لا نشاط لي في الخير.فأنت أيها السيد أعرضت عن كافة شروري ؛ ومن أجل رأفاتك الجزيلة أرتفع بنعمتك يا ابن اللـه رأسي الذي كان ذليلاً كل حين من أجل خطاياي.تجذبني بنعمتك إلى الحياة ؛ وأنا أسعى بنشاط إلى الموت ؛ لأن عادة الآلام الرديئة المذمومة جذبتني حين أذعنت لها ؛ وقيدت الفكر بقيود لا تنفك ؛ والقيود مأثورة عندي دائماً. لأنني أشاء أن أتقيد.فالعادة تقيدني بإشراكها ؛ وأفرح إذا قيدت، تغيصني في العمق وأنا ألتذ بذلك، والعدو كل وقت يجدد قيودي لأنه قد رآني مسروراً برباطاتي الكثيرة ضفرها، وهو كثير الحيل في صناعته فلا يربطني بالرباطات التي لا أرغبها، لكنه يقدم لي دائماً الأغلال الفخاخ التي أقبلها بالتلذذ كثير.لأنه يعرف أن الهوى يقوى عليَّ فيحضر لي بطرفة عين القيد الذي أريده، يا له من بكاء ونوح من عار وخزي أنني أتقيد بمشيئتي فأنا لا أقدر أن أسحق القيود في لحظة واحدة وأصير حراً من كافة الفخاخ.لأنني بالاسترخاء والعادات متعبداً للهوى ؛ وأقتل بالآلام التي أستبشر أنا بِها.
لو شئت لاستطعت أن أفك القيود وأسحقها، ولو أردت لقدرت أن أهرب من الفخاخ، فهل يكون أمر من هذا النوح والبكاء ؟ أم يكون خزي أصعب من هذا ؟ بلى لا يكون أشد مرارة من هذا الخزي، أن يعمل الإنسان مشيئات عدوه.فأنا أعرف قيودي ؛ وأخفيها في كل ساعة من كافة الذين يشاهدونني في زي الورع ؛ وضميري يوبخني إذا عملت هذا قائلاً لي كل وقت:” لِمَ لا تستفيق يا شقي، أو ما علمت أنه آتي وأقترب يوم الدينونة الرهيب الذي فيه تظهر الأشياء كلها، أنْهض ما دمت قادراً ومزق الرباطات التي لك، لأن فيك قوة العقد والحل “.هذا يقوله لي دائماً ضميري ويوبخني، وما أريد أن أستريح من القيود والإشراك، أنوح من أجلها كل يوم وأتنهد وأوجد مربوطاً بِهذه الآلام نفسها.أنا شقي ومتواني غير ناجح في صالح نفسي، كيف لا أخاف من فخاخ العدو، جسمي مشتمل بجمال زي التورع ونفسي مقيدة بأفكار غير لائقة، أتورع بحضرة الناظرين بحرص ؛ وأنا من داخل وحش لا يستأنس.
أحلي كلامي للناس وأمنحهم إياه ؛ وأنا في نيتي مر وخبيث ؛ فماذا عسى أن أعمل في وقت الاختبار إذا أوضح اللـه كافة الأشياء في مقام الدينونة، أنا أعلم أنني سوف أعذب هناك إن لم أستعطف من هنا الديان بالدموع.فلذلك لا يسخط عليَّ بل ينتظر عودتي إذ لا يشاء أن يبصر أحداً متحرقاً بالنار بل يريد أن يدخل إلى الحياة كافة الناس.فإذ أنا واثق برأفاتك يا ابن اللـه ربي أخر لك طالباً أقبل بنظرك إليَّ، أخرج نفسي من سجن المآثم؛ وأشرق شعاع نورك في ذهني قبل أن أمضي إلى المدينة المرهبة التي تنتظرني حيث لا يمكنني أن أتوب عن المساوئ.وأنا مضبوط بفكرين يكتنفني كل واحد منها: هل أسافر من الجسد أولى من أن أخطئ ؛ لكن أخاف أنا الشقي أن أمضي وأنا غير مستعد مجرد من الفضائل، أو أبقى ؛ فالخوف العظيم يعذب قلبي من كوني لا أبقي في الجسد بل لا بد من أن أنتزع منه.ولست أعرف بأيهما أتعزى، لأنني أعاين ذاتي غير نشيط في الصلاح، وحياتي في الجسد ذات خوف وجزع، لأنني في كل وقت أتمشى بين الفخاخ وأماثل التاجر المتواني العاجز الذي يخسر في كل ساعة رأس المال مع الربح.هكذا أنا أخسر الخيرات السمائية بالأنغلاب الذي يجرني إلى المساوي وأحس بذاتي كيف أسرق في كل ساعة وأوجد بغير مشيئتي في الأمور التي أبغضها، أتحير في أمر البرية كيف هي بَهية دائماً، أنذهل في نيتي الرديئة متضايقاً مغموماً.من يخطئ دائماً أفضل ممن يتوب كل يوم لأن توبتي ما لها أساس، البناء وطيد إلا أنني كل حين أضع أساس بناء وأنقض العمل بيدي، وتوبتي الحسنة إلى الآن لم تبتدئ، وونيتي المذمومة لا انتهاء لها.تعبدت بالاسترخاء لمشيئة عدوي ؛ وأنا نشيط أن أكمل ذلك، فمن يعطي لرأسي ماءً لا يقدر ولعيني ينابيع دائمة لتنبع عبرات.فأبكي كل وقت لدى الإله الرؤوف ليرسل نعمته لينتشل خاطئاً من بحر هائج بأمواج الخطايا، فإن نفسي غرقت بتواتر الموج ؛ وجراحاتي لا تقبل البتة عصائب الشفاء.أنتظر التوبة ؛ وأنا مسروق بِهذا الوعد الباطل إلى أن يفنى ؛ أقول أنني أتوب ولا أتوب إلا بالكلمات ؛ وبالأفعال أنا مبتعد من التوبة، إن كنت في رفاهية وراحة أنسى طبيعتي، وإن حصلت أيضاً في غموم أوجد متذمراً.
الآباء القديسون كانوا محبين للـه في الأحزان والمحن، كانوا مختبرين مهذبين ؛ وقبلوا بذاتِهم إكليلاً لا يضمحل من الإله السمائي بشرف ومدائح، اقتنوا من الحزن مديحاً وثناءً جميلاً ؛ وصاروا صورة حسنة للأجيال الواردة.ومع هؤلاء يوسف المهذب الجميل البهاء ؛ المتناهي في العفة ؛ المملوء جمالاً سمائياً مع محبة العلي، أقتنى بالتجارب صبراً نفيساً لأن حسد إخوته الردىء ما قدر أن يدر جمال نفسه، ولا استطاعة المراودة المخاتلة أن تذبل جمال الصبي الزاهر، كانت تنظر في كل ساعة إلى زهر العفيف لتسكب عليه سماً مراً، ولا الحبس والقيود ذبلت حسن بَهاء زهرة نفس الصبي المحب للـه.فإن كنت أنا الشقي أخطأت بغير محنة ما، وأخطئ وأغيظ وأمرمر سيدي، فقد اختبرت رأفاته الجزيلة.خلصني يارب وأعطي لعبدك كطلبته التي يبتغي من كنـز تحننك، أيها السيد لتنبع نعمتك في قلب وفم عبدك بمداومة مثل ينبوع ليكون قلبي وفمي هيكلاً طاهراً لامعاً بخيريتك ونعمتك ؛ قابلاً ملكاً سمائياً لا كعش للأفكار الخبيثة ومغارة لصوصي أردياء للروايات الشريرة.بل تحرك إصبع نعمتك لساني دائماً كأوتار المعزفة لتمجيدك أيها المتعطف على الناس، لكي ما أمجد بلا فتور وأبارك بشوق قلبي وفمي كل زمان حياتي.لأن من يعجز عن أن يسبحك ويمجدك هو غريب من الحياة العتيدة.
أيها المسيح المخلص ؛ أعطيني سؤال قلبي ؛ ليصير مثل رباب النغمة لأستطيع أن أوفي ههنا ديوناً قليلة ؛ وأحظى هناك أيضاً بوفاء نعمتك حين تجزع كل نفس وترتعد من مجدك الرهيب.نعم يا سيدي يا ابن اللـه الوحيد ؛ أستجب لتضرع عبدك الخاطئ ؛ وأقبله مثل قربان ؛ فأخلص بنعمتك.والمجد يليق بمن يخلص الخاطئ برأفاته آمين
مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
19 سبتمبر 2020
المقالة التاسعة في تقويم المستسيرين من العباد
بسيرة ذات ألم، ويبتغون الكرامات
يا إخوتي أنا منذهل ومجروح بالحزن من أجل النبي القائل: ” انظروا أيها المتهاونون وأعجبوا “.
فأولاً: أتحير من أجل ذاتي خاصة ؛ من قبل جهلي وعدم أدبي ؛ لأنني صرت طُرقاً لكل ألم ولكل خطيئة ؛ والعدو ربط فيَّ كل عضو، فينبغي لي أن أنتحب وأبكي على ذاتي من أجل الخزي الحاصل فيَّ.
لأني أهتم بالأشياء التي للآخرين، وكان سبيلي أن أنتزع أولاً السارية التي في عيني ؛ ثم أعاين القذى الذي في عين أخي.
إلا أن التهاون الصائر الآن في وقتنا يغيصني في الحزن جداً ؛ لأنني أبصر الونية المشتملة علينا الآن ؛ ولا يمكنني أن أحتمل بل أتوجع نظير القائل:
” رأيت الذين لا ذهن لهم فذبت “.
لأن أية آلة لم ينصب لنا المعاند ؛ أو أية صناعة كثيرة أنواعها لم يمسكنا بِها، ويلي من لا يبكي على الأسواء المتشبثة بنا ؛ أصغوا إلى المقولات فإنني أتضرع إليكم أنتم الذين اخترتم هذه السيرة أن تصغوا وتفرقوا رعباً.
لأننا قد لبسنا زي الملائكة ونحن نناجي المحال، إن الإسكيم ملائكي والسيرة عالمية، أَترى الملائكة في السماوات يسيرون بالمحك والغيرة كما نشاهد الآن فينا، لأنه قد تأصل فينا الحسد والغيرة والوقيعة.
لأن المحال المكار قد نضح سمه بحال مختلفة في كل واحد منا ؛ وبصناعته يعرقلنا.
فواحد قد قوم الصوم، وقد مُسِك بالغيرة والحسد، وآخر قد مسك ذاته من الشهوة الشنعاء ؛ وقُيد تقييداً بالسبح الباطل، آخر قد قوم السهر وقد أقتنص بالوقيعة.
آخر قد أبعد الوقيعة ؛ وامتلأ من عدم الخضوع والمجاوبة، آخر قد مسك ذاته عن الأغذية ؛ وغرق بالصلف والتيه، آخر يواظب على الصلوات ؛ وينغلب من الغضب والغيظ.
آخر قد قوم شيئاً يسيراً ؛ وهو مترفع على المتوانيين، وآخر قد قيدته الرذيلة ؛ وليس من يفهم.
من أجل هذا يوجد في العبادة مماحكات وانشقاقات ؛ ويلي من لا يتنهد ؛ من لا ينوح على ضعف هذه السيرة الملائكية ؛ لأننا قد تركنا العالم ؛ ونحن نعقل معقولات العالم. طرحنا القنيان ؛ ولا نكف ولا نستقر من الخصومات. تركنا المنازل ؛ ونذوب بالاهتمام بِها كل يوم.
ليس لنا غنى ؛ والكبرياء لا نتركها. أهملنا التزويج ؛ ولا ننتقل من الطغيان الباطل. من داخل نتواضع ؛ وبالنفس نلتمس الكرامات. عادمين القنية بالظن ؛ ومضبوطين باحتشاد المال. عادمين القنية بالكلام ؛ ومرتبطين بالذهن بمحبة الاقتناء.
من لا ينوح على زهدنا وعلى ونيتنا، من يبصر ولا يعجب من صنائع العُباد ولا سيما المبتدئين والشباب، لأنَهم ما زهدوا بالقول ؛ ويتصلفون. وما خاطبوا أحداً بالإسكيم ؛ ويتعظمون. ما سمعوا التعليم ؛ ويعظون. لم يبصروا الدهاليز ؛ ويتصورون الأشياء التي داخل.
لم يرتقوا الدرج ؛ ويطيرون نظير السحب. بالسواء لم يذوقوا النسك؛ ويتدرعون بالسبح الباطل. لم يسمعوا صوت الآذان ؛ ويربون. لم يجتمعوا بالرفقة الأخوية، ويتسيدون متمولين. لم يدخلوا أبواب الدير ؛ وقد صاروا يظنون ويذمون ويقطبون.
فلا أفني الوقت لأن صنائعهم كثيرة ؛ وليس من يفهم ؛ ولا من يزهد من أجل اللـه ليبذل ذاته بالطاعة عبداً لأخوته ؛ لكن إن أنتهر ؛ يجاوب بمعاني من الخطابة. وإذا أطاع ؛ يشكك ذاته ولا يغاير العزم الصالح. ويرتب ذاته في الأشياء التى لا تنفع.
ليس له ثلاثة أيام منذ زهده في العالم ؛ ويخاصم من شاخ في الإسكيم، إذ لا يريدون أن يطيعوا ؛ يخترعون لذاتَهم صنائع. إذ لا يحتملون حرارة الجسد ؛ ويتهم ويعادي بعضهم بعضاً، ما دخلوا تحت النير ؛ وينتهرون ويأمرون ويسخطون.
أعمل هذا أيها الأخ ؛ فيقول: لا أعمله إن لم يجئ فلان. فلان متشاغل بدراسة الكتب ؛ فسبيلي أنا أن أثابر عليها.
ولعله قبل زهده كان يعيش عيشة الفعلة، ولم يعرف في قديم أمره ما هي يمناه ويسراه، وفي حال مجيئه إلى الدير قد ظهر محباً للعلم ومترجماً.
فلان الأخ مرتاح ؛ فينبغي لي أنا مثله أن أرتاح. يتفرج ؛ فسبيلي أنا أن أتنزه. يلبس حلة ؛ فيجب لي أن ألبس مثله. أخذ كرامة ؛ فينبغي لي أن أُكرم، قد مضى يحدث الآباء ؛ فسبيلي أن أفاوضهم. فوض إليه السلطان على الأمر الفلاني، أتراني لا أستحق أن أؤتمن أنا عليه.
هذه الأمور التي يرضاها الشباب. هذا تواضع المبتدئين. هذه أتعاب وأثمار الزيتون الحديث نصبه. أبِهذا الجهاد يحرصون أن يرثوا الملكوت.
من أجل هذا صاروا أعداء للـه. بِهذه الأشياء يظهر أننا لم نزهد بشىء يسير من سيرة العالم لأننا بالوهم زهدنا ؛ وبالحقيقة نعقل معقول العالم.
وبالحقيقة ليس لنا اعتذار لأننا بالإسكيم عباد ؛ وبالخلق جفاه وعادمو الإنسانية. بالإسكيم متورعون ؛ وبالخلق قتّال. بالإسكيم والزي متواضعون ؛ وبالخلق مفسدون. بالإسكيم والزي محبون ؛ وبالسخاوة ماقتون. بالإسكيم صادقون ؛ وبالسمية معادون.
بالشكل صائمون ؛ وبالقلب مجربون. بالإسكيم نساك ؛ وبالقلب متكبرون مجاهدون. بالزي أعفاء ؛ وبالقلب زناة. بالزي صامتون ؛ وبالقلب طامحون. بالزي ودعاء ؛ وبالخلق متعظمون.
بالزي معزون ؛ وبالسجية شامتون. بالزي مشيرون ؛ وبالحال مراءون، بالزي هادئون ؛ وبالخلق ماكرون. بالزي غير حاسدين ؛ وبالخلق حسودين. بالزي ناصرون ؛ وبالشيمة دافعون.
أترى من أين تعرض لنا مثل هذه الأمور ؟ سوى من كون ليس لنا محبة كاملة بعضنا لبعض، وليست لنا ألفة نقية ؛ وليس لنا تواضع حقيقي ؛ وليس لنا خوف اللـه أمام أعيننا.
أننا نتهاون ونتغافل ونظن أن الوصية الخلاصية خرافة وهذيان، بكلمة اللـه تتشدد السماوات ؛ ونحن لا نقبله بصفة أخ.
ذلك الفم المرهوب والغير مدرك والمرعب قال: ” من يشاء أن يكون فيكم عظيماً فليصر لكم خادماً “. ونحن قبل أن نعاين درجة الإسكيم نتكبر ويستعظم الواحد منا على الآخر ؛ ويطفر بعضنا على بعض، وكلنا عقلاء عند ذاتنا، كلنا مدبرون.
كلنا متسلطون ؛ مرتبون ؛ منتهرون ؛ مفترضو الشريعة ؛ محبو الأمر والنهي ؛ مترجمون ؛ معلمون ؛ كلنا نأمر ؛ كلنا مهتمون ؛ قهارمة ؛ أولون.
أترى لا يقنعكم قول الرسول بولس إذ يقول: ” إن كان الجسد كله سمعاً، فأين المشم ؟ “. إن كان الكل أولو الجماعة ؛ مدبرو ؛ الكافة مرتبون، فأين تفاضل ترتيب اللـه ؟
ومع هذا ألا يقنعكم أن تذعنوا للقائل: ” ليس أحد يأخذ الكرامة من ذاته إلا المدعو من اللـه “.
أم كيف يقول أيضاً: ” أترى كلهم معلمون “.
من أجل هذا رتب اللـه رئاسات وسلطات ؛ لأنه إن كان في السماوات كل أرواح الخدمة الغير بالين ولا مائتين لم يرضي اللـه أن يكونوا في رتبة واحدة ؛ بل رتب رؤساء وسلاطين وعظماء ؛ وكل واحد منهم لا يتجاوز رتبته ؛ وكافة الأشياء قد صارت بترتيب وثبات.
فلِمَ نخاصم بعضنا بعضاً خصومات جائرة ؛ والملائكة ورؤساء الملائكة لا يتجاوزون الحدود المرتبة لهم.
ونحن ندفع بعضنا بعضاً ؛ ويريد الواحد أن يكردس الآخر ؛ ويسابق بعضنا بعضاً قفزاً، ونزدري ونستصغر كأننا نستطيع أن نقوِّم شيئاً أكثر منهم. ترحماً لعماية الذهن.
ألا تذعنون لقول القائل: كل أحد فليثبت في الأمر الذي دعي إليه. كيف تتقون القائل: ” إن من يعطى كثيراً يطالب بكثير “. لكي تقتنوا بِهذا تواضعاً. يا إخوتي لا نستكمل عمرنا بِهذه المناقص المذمومة، كمن ليس أمام أعينهم القضية المرهوبة.
لا نسير كمن لا يزعمون أن يعطوا جواباً عن كل أمر، لا تصيروا عثرة وشكاً للذين هم من خارج، لا نضيفن خطيئة على خطايانا، لا يُفترَ على الإسكيم الجليل من أجل عدمنا الفهم، بل الأليق أن يُمدح بنا.
فإنه ستوافي وتجئ تلك الساعة المرهوبة ولا تبطئ ؛ وفيها نكون بلا اعتذار، لأنه ماذا نستطيع أن نقول للـه ؟ وماذا احتجنا أن يصنعه بنا ولم يفعله ؟
هل ما رأينا الإله نفسه متواضعاً بصورة عبد لنتواضع نحن ونصير متواضعين، أما رأينا وجهه الأقدس الذي لا يصفه عقل مبصوقاً عليه لكي إذا شُتمنا وانتهرنا لا نتوحش ونتنمر، بل أما شهدنا ظهره مبذولاً للسياط لكي نخضع لمدبرينا، أو ما عاينا وجهه وقد لطم لكي إذا رفضنا لا نتنمر.
هل ما سمعنا عنه أنه لم يناصب ولم يجاوب ؛ لكي لا نكون مستبدين برأينا ولا نجاوب. وأما سمعناه يقول: أنا لا أعمل من ذاتي شيئاً. حتى لا نصير نحن متعظمين مالكين مشيئتنا بذاتنا وحاوين السلطان على ذاتنا. بل ترى أما سمعناه قائلاً: تعلموا مني فإني وديع ومتواضع القلب. لنصير نحن ودعاء ومتضعين القلب.
لكننا نحن نحسد بعضنا بعضاً ؛ وننهش ونأكل بعضنا بعضاً. أي جواب نعطيه.
أطلب إليكم لا من أجل الآلام البشرية نخرج من السعادة التي لا تنتهي؛ ولا من أجل الكرامة الوقتية نضيع المجد المؤبد، ولا من أجل المحك والغيرة والحسد نشجب في نار جهنم.
قد التمست أن تخلص فلِمَ تفحص أمر قريبك، قد دخلت تحت النير فلِمَ توعز وترتب ليشتهر ثمر طاعتك.
ثق فإنه لا مرتبة ؛ ولا كرامة ؛ ولا عظم شأن ؛ ولا بأن يقال لأحد أولاً وثانياً، ولا بأن يسمى مدبراً، ولا بأن يدعى أيها الشريف، ولا بأن يفوض إليه كرامة، ولا بأن يؤتمن على مرتبة يدخل بِهذه إلى ملكوت السماوات، أو يعطى صفحاً عن خطاياه، أو ينجى من التعذيب. بل هذه تُشجب وتُهلك.
لكن التواضع ؛ والطاعة ؛ والمحبة ؛ والصبر ؛ وطول الروح ؛ تمنح ملكوت السماوات وتوابعه. لأنه لا يستطيع أحد أن ينجح ويوقر ويخلص إلا بالتشبه بالرب في الكل.
أما قد سمعتموه قائلاً: ” ما جئت لأُخدَم بل لأَخدُم “. وأيضاً: ” ما جئت لأصنع مشيئتي بل مشيئة من أرسلني “. وأيضاً: ” من يعلي ذاته يوضع “. أو ما سمعتم كيف يطوب قائلاً: ” الطوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السماوات “.
أما سمعت أنك كنت إذا جلست تغتاب أخاك وكيف يوعد أنه سيوبخك تجاه وجهك، أما قد سمعتم أن من يبغض أخاه هو في الظلمة وأن المحال من أجل الجسد سقط من السموات. أو ما قد وعيتم أنه من أجل الكبرياء والمجاوبة هبط من أي مجد وشرف، وأن مريم أخت موسى من أجل كلمة تعيير أصيبت بالبرص.
فلماذا ولنا مثل هذه الأنموذجات نسد آذاننا كما لأفعى، لا أعني الآذان الجسدانية بل آذان القلب، لأن هذه تتذكر لكن تلك لا تتذكر.
لم لا تصدق القائل: ” أن من يثبت في المحبة يثبت في اللـه “.
أتضرع إليكم يا معشر الرعية المنتخبة أن نستفيق ما دام لنا وقت، ولنتعفف ما دمنا في الإمهال.
لئلا تفاجئنا تلك الساعة المرهبة المؤلمة ؛ فننوح بمرارة نادمين تندماً لا ينفع، لئلا نخزى بذلك الخزي العظيم أمام اللـه والملائكة والناس.
ولنكف عن الخصومات ؛ ولا سيما نحن الحاويين الحواس الشبابية، تواضعوا بكل ما لكم من قوة لتستطيعوا أن تدركوا الكمال.
قد علمتم كم كان لآبائنا من راحة وتحرز، وكم تواضع وتحفظ، وشقاء وازدراء بذاتَهم، فالآن الحرب عظيمة فلا نتهاون، ولا تظنوا أنكم قد وصلتم إلى الكمال ؛ إن الحاجة ماسة إلى تعب كثير وجهاد جزيل لننال الخلاص.
لا تظنوا أن التزين الكثير أو سدل الثياب هو التعبد ؛ أو أن تكون يدا الإنسان بَهيتين ذلك يخلصه، أو حسن المنطق، أو ترجمة الكتب هو الكمال، أو كشف الرؤوس ؛ أو تسريح الشعور وتنظيفها بغير الفضائل الموافقة الملائمة التي لا تنحصر في لبس الإسكيم.
لكن الإسكيم الذي يتبعه الخلق الجميل والأعمال ؛ لأن الإسكيم خلواً من الأعمال ليس شيئاً ؛ فلا تُهملوا الاهتمام ؛ ولا تتراخوا لأن الحاجة إلى تعب كثير كي نلجم الحداثة.
فإن كنتم تستثقلون المقولات ؛ لكن ذلك لا يغمني لأنني أشاء أن تقبلوا مكاوِ لتزيلوا القبح وتنزعوا التماسي، ولا تظنوا إن كتمتم آلامكم ينساها اللـه ؛ فإنني أقول لكم إن الأفعال الخفية فيكم أستقبح أن أكتبها لأنني إن عملت ذلك لا تثبتون بل تَهربون.
فلهذا أطلب إليكم أن تواضعوا ذاتكم بالطاعة بالمحبة بالحقارة بالإهانة، وبِهذه أطيعوا بعضكم بعضاً، وأخضعوا بالصوم بالصلاة بالسهر بالترتيب الممدوح، لا تكونوا في الخصومة أقوياء وفي الترنيم ضعفاء.
لا تكونوا منتبهين إلى مناجات الأفكار وناظرين مثل وحوش، وفي الصلاة متناعسين وتغمضون عيونكم، لا تكونوا في الحديث الباطل أقوياء كالثيران وفي هذيذ تمجيد اللـه ضعفاء كالثعالب، لا تكونوا في حجج الخصومة غير مغلوبين وفي الأقوال الروحانية تتثآبون.
لا تكونوا في اللعب أصحاء وإذا وعظتم تقطبون، لا تكونوا في النهار معافين بنهم البطن وفي الصلاة الليلية متمارضين، لا تكونوا في المحادثات جبابرة وفي الأعمال منحلين، لا تكونوا في أن تأمروا مكرمين وفي أن تؤمروا متنافرين.
لا تكونوا ملتذين بأن تطاعوا وفي أن تطيعوا مقطبين، لا تكونوا في أن تأمروا صارمين وإذا أُمرتم تتذمرون، لا تكن الأيدي إلى الأصابع واللسان إلى الصدر، لا تكونوا إلى المائدة متسارعين وفي الأعمال متوانين.
لا تكونوا في استدعاء النواظر إليكم متيقظين وفي أن تميزوا شيئاً صالحاً مظلمين، لا تكونوا بحضرة الإناث متأدبين ومع إخوتكم متنمرين، لا تكونوا في كثرة الغتذاء أقوياء وفي الصيام ضعفاء، لا تكونوا في شرب الخمر مسرورين وفي شرب الماء مقطبين ومكتئبين.
لكنني أتضرع إليكم يا أولاد اللـه ؛ أن تتخذوا الغيرة النفيسة ؛ ومهما كان ممدوحاً صالحاً يختص بالمنفعة، اقتنوا أول كل المناقب التواضع ؛ المحبة؛ الخيرية ؛ الوداعة والدعة سامعين بعضكم لبعض.
ولا تتخاصموا في شىء لا ينفع، وكونوا غير عاجزين في الصوم والصلاة لتستطيعوا أن تغلبوا الآمر الجسد ؛ لكي لا من أجل الآلام المنكرة نعدم مثل جسامة هذه الخيرات، لا نبتغِ الوقتيات فنضيع المجد الذي لا يفنى.
أسرعوا وبادروا وما دمنا في الجسد فلنعمل المناقب التي ترضي اللـه، ولنحرص فقد حصلنا في شىء عظيم، فلا نُهمل الاهتمام فليس صراعنا بإزاء أناس مبصرين لكي ما إذا رأيناهم نتحرز منهم بل الذين يحاربوننا لا يرون.
فلأجل هذا إن العطب عظيم للمتوانين ؛ وإذا غلبوا فلهم ثواب جزيل، فلنغلبهم بالحيل ولنصاففهم، فإذا حرضنا العدو على شره البطن فلنحاربه بالصوم، إن هيجنا إلى اشتهاء امرأة فلنستعمل الصبر ؛ ونمسك الحس ونَهرب من المكان.
إذا أنْهضنا إلى الغيظ فلنتضرع بالسلامة، إن جعلنا أن نغضب فلنتخذ الوداعة، إن أنْهضنا إلى المقت فلنلاصق المحبة، إذا حصلنا إلى ابتغاء الإكرام فلنوضح رغبة الاستحقار.
إذا حضنا إلى رغبة الشرف فلنتخذ الخفضة والدناءَة، إن خيل لنا أمور الاستعلاء فلنصور في ذهننا تواضع الرب، أن حرضنا إلى مغايرة أخينا فلنخطر ببالنا سقطة قايين.
إن استنهضنا إلى الحسد فلنذكر هلاك عيسو ؛ إن حركنا إلى الاغتياب فلنسيج علينا الصمت، إن قاومناه هكذا يهرب ولا يثبت، وتوافي وقتئذ النعمة وتكللنا كما يليق بالظافرين.
صدقوني يا إخوتي أنني مشجوب من جميع الأشياء التي وعظتكم أن تحفظوها فقد صرتم أتقياء وأنا متوحل بحمأة الخطايا.
لكن بادروا أن تبتعوني بتوبتكم الجليلة، صدقوني أنني ما حفظت شيئاً مما قلته، زينوا أقوالي بأعمالكم وأنا متيقن أنكم ستوجدون بلا عيب وأنا سأُدان عن الأقوال التي أقولها ولا أعملها.لا نتوانى عن خلاصنا ؛ ولا نحسب المقولات مثل أمثال ؛ فإننا ما أوردنا شيئاً خارج المكتوبات والمقولات ليست كاذبة.فلنقبل زرع هذا القول ؛ ونثمر كالأرض الصالحة بعض ثلاثين وبعض ستين وبعض مائة، لكي ما إذا حملنا الأثمار وتسربلنا ببهاء الفضائل نفرح بربنا يسوع المسيح، وهو ينجينا في ملكوته.فإن له يليق المجدإلى أبد الدهورآمين
مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
12 سبتمبر 2020
المقالة الثامنة نصائح
يا حبيبى أحمل الضعيف فإن القوي لا يحتاج إليك فقد كتب: ” إن الأقوياء لا حاجة بِهم إلى طبيب بل المرضى “. فأنتم المقتدرين احملوا ضعف الذين لا قوة لهم.
إذا رأيت إنساناً قد نال رتبة جسيمة على الأرض فلا تعجب من هذا بل أعجب من الذى يبغض الشرف الأرضي.
إذا ظهرت في أعين إخوتك كالذهب النقي فأحتسب ذاتك مثل إناء لا يُحتاج إليه فتفلت من الكبرياء الممقوتة من اللـه ومن الناس.
شاب يدور لا يتعلم أن يكون بطالاً فقط بل مهذاراً ومتفحصاً ويتكلم بما لا ينبغي.
من يسكت بتواضع يُحب. لا تشرب خمراً على انفراد مع أخ قد شاع عنه خبر ردىء. ولا تلاعب من لا أدب له، ولا تعير أحداً، وأحفظ ذاتك طاهراً، وأهرب من مجالس الشرب لئلا تتوجع في أواخرك.
إن كنت عليلاً بأخلاقك لا تقترن بالسقيم بفكره، فهذا قلته لا لترفض أحداً كأنه خاطئ لكن لكي لا تضره ويضرك.
إن كنت مقتدراً أن تعزي بالرب فتقدم فتجد ثواباً.
إن أبصرت إنساناً قد أخطأ وشاهدته في الغد فلا تعتقد به في ذاتك كخاطئ ؛ فإنك لا تعرف إن كان بعد غيابك قد عمل شيئاً صالحاً بعد السقطة ؛ وتضرع إلى الرب بزفرات وعبرات مرة وأستعطفه.
فلهذا نحتاج أن نبتعد من أن ندين أحداً، ويحتاج كل واحد منا أن يواضع ذاته كما أمر القائل: ” إن آثامي قد علت فوق رأسي وعملي مثل وقر ثقيل “.
كافة حطب الغابة لا تُشبع النار ؛ والجسد لا يَشبع من النياحة.
تقوى الرب فردوس النعيم، وعديم التقوى ترثه الثعالب.
إن قوتل أخوك فهرب من الدير ؛ وخرجت لتطلبه ؛ فإذا وجدته فجاوبه مجاوبة سلامية ؛ لئلا تضيف وجعاً على وجع نفسه ؛ مراقباً ذاتك حذراً ألا تُمتحن أنت.
إن كنت ذا خبرة بالصناعة الطبية وشفيت ؛ فكن متيقظاً فائقاً لئلا بمداواتك آخرين تضع ذاتك متألماً، إذ الرسول يقول: ” لا يفترى على عملكم الصالح “.
إذا وضعت مبادئ حسنة فأجتهد أن تتممها حسناً لتأخذ ثواباً كاملاً.
يا سيد الكل لا تعطيني قلباً مبغضاً للطاعة وتأديب الأب، وأبعد عني أفكار الكبرياء، لأنك أنت يارب مقت المتكبرين، إذ قد كتب ” أجعل ذاتك جزيل المحبة للجميع وذلل رأسك للمتعظم ولا تخجل من أجل نفسك “. فرب خجلاً يجتلب خطيئة ؛ وحياء يجتلب شرفاً ونعمة.
لا تغر أخاً على أخيه ثالباً، فإن ليست هذه محبة أن تستنهض قريبك إلى هلاك نفسه، صر مصلحاً لتؤهل أن تدعى ابناً للـه.
أتشاء أن تحب بمحبة مخلصنا يسوع المسيح أمقت المحبة البشرية التي تشمل على هذه الأنواع *نَهم البطن. *السكر. *النهم في القبائح. *الحسد. *الشر. *الفجور. *الألم. *الإنسحاق. *الحزن الجسدي. ونظائر هذه التي نَهايتها الموت.
فأما المحبة التي بالمسيح فتشمل على هذه المناقب: *خيريه. *أدب. *علم. ونَهاية هذه حياة أبديةً.
لاصق إنساناً يتقي اللـه ليعلمك أن تخاف الرب، لا تحب أن تماشي المتهاونين.
أيها الحبيب أتبع الرب ليعليك ؛ لأن شرف هذا العالم لا يبقي، فليكن الرب نصب عينيك كل حين ؛ فإنه ينجي المتوكلين عليه.
الرجل المتدرع مرهوب في الحرب ؛ والقوى في الإيمان مرهوب عند الأعداء الذين لا يرون.
الرجل المائق يقول: ماذا يجزعني، والمتواضع القلب يوجد عاقلاً.
هيولي النار الحطب ؛ وهيولي الغضب استعلاء الرأي.
أتشاء أن تلطف الغضب وتسكنه ؛ أتخذ التواضع ؛ وأسلك في طريق الودعاء والمتواضعين.
إذا عرضت خصومة بين الإخوة ؛ فالمصلح مغبوط، وأما من يشعلها فلا يكون غير معذب.
الحجر الرملي والنفس غير المؤمنة بعد هنيهة ينحلان.
في نفس المؤمن الفكر الذي لا يتحرك، وفي الرجل الوديع والمتواضع تستريح روح الحكمة، الرب يحب الذين يسلكون بحكمة.
أيها الحبيب أنظر ألا تشتهي كرامة ذائدة فتجذب لذاتك هواناً، كرامة الإنسان بالحقيقة أن يعمل كل شيء كما يشاء اللـه ؛ وإهانة عظيمة مخالفة الوصايا.
الراعي المستيقظ لا يسلم الغنم المؤتمن عليها، والنوام يصير للوحوش صيداً لأن في يد السكير ينبت الشوك والنفس الماسكة تمجد اللـه دائماً.
الذهب لا يمنح صبراً ؛ والأمانة تؤسس من يقتنيها.
ضلالة الرجل ألا يعرف الكتب ؛ ويضل ضلالاً مضاعفاً من يعرفها ويتهاون بِها.
أيها الحبيب عز ذاتك وأصبر على كل غمٍ لكي لا فيما تعزى من آخرين بمداومة تصير متشامخ الرأي، لأن الرسول يقول: عزوا ذاتكم في كل يوم ما دام يسمى اليوم لئلا يقسي أحدكم طغيان الخطيئة لأننا صرنا شركاء المسيح أن مسكنا الابتداء فبدء كل فضيلة الأمانة.
إذا أقتنى العابد سيرة ذات فضيلة يسمع عطآت أبيه، ويعود عارياً إذا أقتنى عدم الخضوع.
والطريقة العريضة فكر شيطان يخامر العابد إذا اشتهى درجة غريبة.
المشتبك بأمور العالم ؛ يصير سريع السقوط.
الوديع الصامت ؛ يرث حياة دائمة.
الشمس والقمر وسائر النجوم تفرح بالذين يخدمون السيد المسيح خدمة مستوية.
كل من يحب السكوت بمحبة ؛ يكنز لنفسه في السماء.
المتقي الرب بالحقيقة ؛ يصير طبيباً للآلام.
الوديع هو: جسوس على الآلام ومترصد لها.
الشعوب يسبحون الرب لأجل من لا يتوانى في خلاصه بل يهتم بانصرافه ووقوفه أمام عرش المسيح المرهوب.
كل من يحب خلاص نفسه ؛ يصير منزلاً للروح القدس.
كل من يحب الطهارة والعفة ؛ يكون هيكلاً للـه.
ذكر الموت والعقوبات ؛ سيف على شيطان الضجر.
العاقل لا يدين قريبة الغير عامل، والضجور يخرب أماكن كثيرة.
المحب للمسيح ؛ يؤتمن على كلمات الحياة الأبدية.
الرجل المحب للغرباء ؛ حنطة نقية.
لوم الإنسان لذاته كل حين ؛ يهدم الخطايا.
المسك ؛ عصب يشد الصبر.
من يحد عن وصايا المسيح ؛ يخنق نفسه، ومن يحفظها بحق يرث فرحاً لا ينعت.
رتل أيها الحبيب بالروح ورتل بالعقل: ” كلامك في حلقي أحلي من العسل والشهد في فمي “.
بدء المؤمنين ونَهايتهم ؛ الإيمان والرجاء والمحبة.
الضجر هو أصعب من الأشياء المستصعبة ؛ لا سيما لو أتخذ عدم الإيمان معضداً له، فإن أثماره مملوءة سم الموت.
تذكر يا حبيبي عرش الإله المرهوب كل حين ؛ فيكون لك ثباتاً، ويعاقب عوضك المغتالون على نفسك.
العاقل إذا بُعث في خدمة يبذل نفسه من أجل السلامة، والجاهل الفاقد الأدب ينشئ خصومات.
يارب يا سيد حياتي لا تُسلط عليَّ روح البطالة والإستفحاص وأثرة الرئاسة، بل هب لعبدك روح العفة والتواضع والصبر.
وسخ الرجلين بقلب نقي من أجل الفضيلة ؛ أفضل من الاهتمام بتنظيفهما وغسلهما بألم.
من يحفظ أعضاء المسيح حفظاً باراً يتبرر، ومن يفسد هيكل اللـه يفسده اللـه.
كما تطرد الكلب، جاوب بانتهار شيطان الزنا ؛ ولا تشاء بالجملة أن تنقاد مع هذا الفكر، فإن من شراره يتكاثر الجمر ؛ ومن الفكر الردىء تتزايد الشهوات الرديئة، أبغض ذكرها أكثر من أن تكنس نتانة الحمأة.
كما أن البخور يلذذ المنخرين ؛ هكذا يُسر بالطهارة الروح القدس ويسكن في الإنسان.
كما يطرب الخنزير برمغة الحمأة ؛ هكذا تطرب الشياطين بالزنا والنجاسة.
النور العظيم والفرح والسلامة والصبر يسكن في الأطهار، والحزن والضجر والنوم الذي لا يشبع منه والظلمة المدلهمة تسكن في الزنا.
حب الطهارة بمحبة المسيح لأنَها توافق سيرتك وتلائمها ؛ كما يليق القدوم بالنجار.
قوتل أخ ما بالزنا فأنتهر الشيطان وقال: أذهب يا شيطان إلى الظلمة أترى كما تعلم أنني وإن كنت غير مستحق فأنا حامل عضو المسيح. فللوقت سكنت الحرارة عنه كمن ينفخ سراجاً ويطفئه ؛ فعجب في ذاته من هذا الأمر ومجد الرب.
كرامة عظيمة الطهارة بمحبة المسيح ؛ وإهانة عظيمة الزنا والحسد.
أيها الأخ أهكذا بلا خشية تنظف ذاتك وتزينها ؛ أسمع الرسول يقول:
” أهرب من الشهوات الشبابية لأنك لا تعرف أي عدو تصارع “.
ألا تعلم أنه صعب أن يكون أحد فخاً لنفس آخر، أتعرف أي نتانة مهلكة وتقيح يزمع أن يرثها الذين يعملون هذه القبائح، وأريد أعرفك هذا، أنه إن كان الإنسان البراني رائقاً وخزانة النفس موسخة فلا يبطئ حسنه أن يتشوه.
فإن اقتنيت جمال النفس فإن النفس تعطي من نورها للإنسان البراني وهذا الحسن يبقي لك.
من يزين ثيابه ويملأ بطنه يقاتل كثيراً، ومن هو متيقظ يكون مرهوباً عند المضادين.
النفس الخبيثة إذا تلاطفت تتعظم ؛ وإذا شتمت تغتاظ، والصالحة إذا تلاطفت لا تفرح ؛ وإذا شتمت لا تسخط.
الصمت للشاب، كاللجام للفرس ؛ ومن هو غير مُلجم، يسقط في الأسواء.
لتكن خشية اللـه في قلبك أيها الحبيب مثل السلاح بيد الجندي.
أعتنق بتواضع في ذاتك المحن المجلوبة عليك من المحال لتنسحق مثل دقيق التراب أعدائك من قدام وجهك، وثق أنك لا تنهزم وأنت متقلد مثل هذا السلاح.
من لا يحب الرب يجرب أقنومه ؛ ويحزن مدبريه ؛ ومن يحب الرب يحفظ وصاياه.
البواب الحكيم يعرف أن يجاوب المسكين بوداعة، والصغير النفس والغير حكيم هو متكبر.
نعم يا أخي ما لنا شيء نَهبه فلتكن منك كلمة طيبة متحرزاً من ذاتك ألا تسقط أنت في مثل هذه الأشياء لأنه قال: ” في كل أعمالك تذكر أواخرك فإنك إلى الأبد لا تخطئ “.
البواب العاجز يخسر خسارة كبيرة ؛ وأما العالي بالروح يصنع لذاته إكليلاً.
ها الإخوة في مجمع الصلاة واقفون يباركون اللـه وأنت تتنزه خارجاً.
ألا تعلم أنك تخسر نفسك، قل لفكرك أترى لو كانت تحفة تعطى أما كنا نسارع قبل الجماعة لنتقبلها، فإن كان في الأمور البشرية حرص مثل هذا فكم أولي بنا أن نحرص في الفوائد الروحانية ؛ صر حاراً بالروح مثل القديسين لتساكنهم في ملكوت السماوات.
من يتكلم كلاماً باطلاً وهو يعمل ممتداً في العمل ؛ يخسر ؛ ومن يدرس الأقوال البارة ؛ ينجح أكثر.
إذا كنت تعمل وآذاك روح الزنا ؛ فلا تعجز أن تمد يدك للصلاة ؛ وإن ثقل عليك ؛ فإحنِ ركبتيك ؛ فإن صلاة الأمانة تحارب عنك.
لا ترقد حاقداً على أحد ؛ لئلا تزعجك الخيالات القبيحة في الليل.
لا يكن وجهك مطرقاً إلى أسفل فقط ؛ لكن وقلبك.
لا تتعظم على قريبك ؛ نج أخاك من الخطيئة فينجيك الرب في يوم الرجز.
من يتعب في الكنونيون لا يتوانى ولا عن موضع إبراز الفضلات ؛ لأنه ليس غير واجب أن يتعب فيه المتعبدون حسناً.
لا تخف من المرض قائلاً: أخشى ألا أمرض. أخطر بذهنك أن القديسين كلهم بمكابدة الآلام أرضوا اللـه.
العاجز لا ينفع ذاته ولا قريبه، والغير عاجز يستنهض المتوانين إلى الفضيلة. من يحتقر مدبره يخطئ، ومن يطع بالرب يرث مجداً.
لا ترد مبتدئاً ونفساً ظامئةً إلى الرب؛ فإن الرب ينظر فلا يرضيه ذلك.
الابن الخبيث يسيء خطابة والده ؛ والذين يسمعونه يذمونه.
من يكافئ عوض شر بشر هو غير رحوم، أما من يجازي بشرور عوض صالحات فماذا يقنعه.
لا تَهتم أن تسمع هفوات أجنبية ؛ لئلا تصير أخطائك مسموعة عند الكل.
من يسكت عند المائدة ؛ يضاهي من يأكل خبزه بعسل، ومن يكثر كلامه ؛ يقلق الساكت.
كل السمكة بترتيب ؛ وليكن شربك بلا جلب.
العابد الملتوي ومن يطلب ما يشكك قريبه لا يرضيهما بواب أمين.
ضيق على شهوتك أيها الحبيب ؛ قبل أن يضيق عليك من أجلها ؛ فإنِها تحدر إلى قعر الجحيم الذين يتبعونَها.
ليس وزن يعادل الصبر إن مُزج بالمحبة.
أيها الرب خولني أن أبصر هفواتي لئلا أدين أخي.
إن سكن مبتدئان مع شيخ ؛ فمن منهما أعظم عند الرب ؟
من يواضع ذاته بمخافة اللـه. لأن صادقاً القائل: ” من يواضع ذاته يرفع شأنه “.
من عنده مبتدئان يحتاج يقظة جزيلة لئلا يجد المنتصب بازائنا فسحة فيصنع بِهما شيئاً من الأشياء المختصة به.
المبتدئ الذي يحب الضحك والدالة يصنع لنفسه تَهشماً وشقاءً.
لا تتكلم بأقوال الخلاعة التي لا يجب التنعم بِها ؛ بل بالحري أتل شكراً وتسبيحاً.
لا تكن عاصياً فظاً ومتهاوناً ؛ لكي لا تضر نفسك والسامعين.
إن صرت متورعاً محقاً ومتواضعاً يسكب عليك الرب رأفاته.
اسمع يا حبيبي ممن يعظك بالرب: اتقِ الرب ؛ فيكون لك سوراً ؛ وتجد في يوم وفاتك دالة.
لا تزدرِ بعالمي أو تحتقره بذهنك؛ فإن الرب وحده يعرف خفايا القلب.
أكرم الكل من أجل الرب ؛ ليكرمك رب الكل.
من يشاء أن ينقل صخرة ؛ يضع المخلِ تحتها لا فوقها ؛ وحينئذ يدحرجها بسهولة ؛ فهذا نموذج التواضع.
أيها العابد تركت قلايتك لتتمشى في العالم ؛ ألا تخشى من الإثم والمجاوبة التى في المدينة.
من خلع عقل العالم بالكلية ؛ يلبث غير مجروح، ومن لم ينزعه، يقبل جراحات متواترة.
إن عرض للدير الذي تسكنه ضيقة من حوائج الجسد ؛ فلا تترك الموضع ؛ فإنك لا تجد فيما بعد خيراً كثيراً.
لا يرضى الفاقد البر مدبراً باراً، ولا الصديق يرضيه كل أمر ظالم.
اغفر لأخيك إذا أخطأ إليك ؛ فيغفر لك الرب هفواتك.
أسبق إلى قلاية الأخ الذي أحزنك ؛ وتب إليه بقلب نقي، من أجل القائل: اغفر للأخ لا سبع مرات فقط بل إلى سبعين مرة سبع مرات.
أقبل أيها الحبيب توبة الأخ كمرسل من اللـه ؛ لئلا تخالف من أرسله؛ وتحركه إلى أن يسخط عليك.
حب السلامة والطهارة ؛ لتؤهل لمعاينة وجه الرب الإله.
لا تؤذي أخاك في يوم حزنه، ولا تضف إلى وجع نفسه وجعاً.
المدبر الذي يتعب ؛ هو جمال ترتيب الإخوة، والشيوخ العقلاء سلوة الشباب.
لا ينبغي أن نصدق الثلاب، فإنه ربما تصير نميمة من حسد ؛ بل نحتاج أكثر أن نلتمس شواهد الحق.
ويجب أن يُبكم المتجاسرون والمبتدئون بالمقاومة، لتثبت الرفقة الأخوية بلا قلق.
إن شاهدت إخوة متولعين في الشر ؛ فلا تشارك عدم ترتيبهم ؛ بل أجنح عنهم ؛ واذهب إلى قلايتك متذكراً القائل: ” عبد الرب ما سبيله أن يخاصم “.
إذا أبصرت أخاً سائماً أو عليلاً ؛ فجيد هو أن تتوجع له، لأن العدل يسر قلب من يعمله ؛ والذين يحبون الرب يرثون العدل.
يا أخي أمتنع من الخلاعة والمزاح لئلا يجعلك عادم الحياء، فإن عدم الحياء هو أم الفجور.
لا تطف القلالي سكراناً لئلا تضيع بغتة غنى العفة.
لا تكن حاقداً على أخيك لأنه قد كتب: ” إن طرق الحقودين مؤدية إلى الموت “.
إن كان لا يمكنك أن تحتمل شيئاً ؛ أصمت فتستريح.
إن كنت لا تستطيع أن يغض أحد نظرة عنك فلا تحول نظرك أنت عن أحد.
الطوبى لمن وجد رفقة صالحين ؛ وأبغض مشيئته.
أيها الأخ كمل عملك بلا غش ؛ لأنه هكذا يليق بالمؤمنين ؛ لتجد نعمة في أعمالك.
لا تشرب خمراً للسكر ؛ فتحصل خزي الوجه ؛ لأنه يكون حينئذ خزي عظيم إذا وجدت مثل سكير.
الوداعة للعابد مثل سلسله ذهب على عنق رجل، كما أن العسل حلو في فم الإنسان كذلك الأقوال الإلهية حلوة في النفس التي تخاف اللـه.
الشيوخ الحكماء عصمة الإخوة ؛ والغير حكماء يكونون محاربين لهم.
الكبرياء ممقوتة عند اللـه وعند الناس ؛ والرب يعطي المحبين التواضع.
المكان المعتدل القانون هو ميناء حسن المرسى ؛ والذين ليس لهم تدبير يسقطون كالورق، لأنه يجب على من يخدم أن يخدم كمن يخدم اللـه لا كمن يخدم إنساناً يأخذ منه الأجرة ؛ والمخدوم سبيله أن يحتمل بتواضع كأنه مخدوم من الرب.
إذا أكلت خبزاً وشبعت فأعطِ مجداً للإله الذي أشبعك، وإن شئت ولبست أقل من شبعك فأعطِ مجداً للإله الذي قواك، ولا تقل بحضرة الجماعة أنا ما أكلت مثل هذا الخبز، ماذا إذاً تمنحه لذاتك أو تدين الذين يأكلون ويشكرون.
أصبر للرب في يوم الحزن ؛ ليسترك في يوم الرجز.
لا تضحك على مغموم، ولا تفرح بمن عاد خائباً ؛ لئلا يسخط عليك الرب ؛ ولا تجد ناصراً في يوم الحزن، ولا تطرد إخوة على أثرة الرئاسة فإن هذا الرأي إن لم يكن من اللـه لا يثبت فإن كان من اللـه وأختفأت مثل شاول بين الأمتعة يأخذك اللـه من هناك وينصبك مديراً لشعبه.
من لا يتنهد على هؤلاء أنَهم ما أوضحوا ولا فضيلة واحدة في سيرة العبادة ويطلبون الرئاسات فمن أين يعطوا، نحن على يبوسة من البر دائماً أليس من عدم الأختضاع ومن فقد التأديب ؛ لا نحسن أن نحرك المقذاف ونحاول أن ندبر.
ماذا أشر ممن له ماء حلو ولا يسقي نفساً ظامئة ؟ أو من أغزر حسداً ممن له كتاباً نافعاً ولا يعطيه لأخيه متوخياً نفعه وبنائه، من أوفر عجزاً ممن هو عطشان جالس بقرب العين ولا يمد يده ليأخذ ما يسكن عطشه.
أو من أكثر ونية ممن له كتاباً يملكه ؛ ويتوانى عن القراءة فيه.
أتعب مع من يريد أن يتعلم الكتابة ؛ حتى إذا قرأ عجائب اللـه يمجد اسمه ويكون مانحاً لك ثواباً.
الضجور إما يعانده صغر النفس على من له صبر ؛ وإما يقاومه استعلاء الرأي ؛ ومن يحب الرب بتحقيق ينج من الحالين جميعاً.
العاجز يخسر فوائد كثيرة ؛ والمتيقظ لا يتهاون ولا بساعة واحدة.
العاجز والمماحك لا يشرف لأنه مغيظ ممرمر.
الغير مطيع يختبر مواضع كثيرة ؛ والمتواضع القلب يطيع بالرب.
المبتدئ الفهيم يستمع لمن هو أعظم منه بالرب ؛ والغير مطيع يكون في الهوان.
من يحفظ طهارة جسمه يتعجب منه كثيرون ؛ ومن يتهاون به يلام من قوم كثيرين ويذم.
تأمل يا حبيبي مقادير كل واحد من المطيعين من أجل القائل: ” إذ واحد يثمر ويعمل مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين “.
النهم البطن يدعو الصوم ضيقة وشدة ؛ والممسك لا يقطب.
لا تصنع أمراً يحزن قريبك بل كن مؤدباً في كل أمورك.
الرجل الغير مؤدب يترصد جاره والسالك في النور لا يتفكر في الشر.
من يحب الرب لا يغظ قريبه بل يصون ذاته ويحفظها من أجل القائل: ” جميع الأشياء التي تريدون أن يعملها بكم الناس اصنعوها أنتم بِهم فهذا هو الناموس والأنبياء “.
أعمل في الشتاء لتفرح إذا دخلت إلى ميناء الحياة، إن العدو يسلح الإخوة المتوانين كثيراً على الحرصين جداً.
فالحريصون يجدون بالمتوانين صناعة مفيدة، إذا حملوا أمراضهم من أجل الرب.
من يعمل بقريبه رحمة ؛ يجد رحمة عند اللـه ؛ والدينونة بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة.
لا ترافق أخاك في الخطيئة بل الأولي بك أن تنجيه منها ؛ لتعيش أنفسكما بالرب.
لتكن مخافة اللـه قدام عينيك في كل حين فلا تسود عليك خطيئة.
لا تقل اليوم أخطئ وغداً أتوب ؛ فإنك لا تيقن علم ما في الغد ؛ لكن اليوم فلنتب ؛ والرب يهتم بأمور الغد.
رُب من يستعجل في الصلاة ؛ وإذا سمع من يرفع صوته فيها يتناول العمل.
لا تتوانى في الصلوات الجامعة ليستضىء ناظر ذهنك ؛ فإن المقتني فماً جسوراً يعاب ؛ والمتقي الرب يتورع.
كن بكلية قلبك متوكلاً على الرب ؛ فتجد في كل حين نعمة. إن صبرت له فلا يضيع ثوابك.
المياه تدفق في يوم الحريق ؛ والدموع في أوان المحنة.
الماء يطفئ اللـهيب المضطرم في البيت ؛ والدموع في الصلوات تخمد الشهوات الخبيثة.
كما تتباهى نضارة النخلة في الشواطئ ؛ هكذا تتباهى ألفة الإخوة بالرب.
من يكرم من هو أعظم منه قدراً ؛ يُسِر من هم أصغر منه ؛ وفي يوم صلاته يُستجاب له.
إن أعرت أخاك شيئاً ؛ وتباطأ في إعادته إليك ؛ وأردت أن تذكره ؛ فذكره مرة ؛ لأنه ربما يلحقه نسيان.
وإن استعرت شيئاً من أخيك ؛ فأستعمل التورع ولم يذكرك ؛ فأنت كما يليق بالمتقي الرب لا تعدمه الشىء الذي له، لأنه قد كتب: ” لا تكونوا غرماء لأحد في شىء إلا في أن يحب بعضكم بعضاً “.
سبيلنا أيها الإخوة أن نحتقر كافة الأشياء المفسدة ونصنع لنا عوضها الحياة الأبدية.
إن فوض إليك أن تتوسط بشىء ؛ فلا تتوانى في خلاصك محتجاً بالخطايا، لأن يوسف قد توسط في مصر بأمر ؛ ولم يقبل الاهتمام بمنزل واحد فقط بل بكافة أرض مصر ؛ فلم يجنح عن سبيل الحق ؛ فلذلك شرفه اللـه.
إذا كانت نفسك معافاة لدى الرب ؛ فستنتفع في كل شىء.
إذا رأيت تاجراً ؛ فقل في ذاتك: يا نفسِ هذا يشتهي الأشياء الوقتية فيصبر على مثل هذه الأتعاب ليجمع الأمور التي لا تبقى، أفتتوانين أنتِ في الأشياء التي لا تزول.
إذا أبصرت أناساً مخاصمين ؛ ويتحاكمون ؛ فقل في ذاتك: يا نفسِ هؤلاء قد أدخلوا ذاتـهم في مثل هذا الحرص والخصومة لأجل شىء لا منفعة فيه ؛ وأنت غريمة بربوات قناطير، أما تسجدين للـه كما يجب لتنالي الصفح.
إذا شاهدت الذين يبنون البيوت الطينية ؛ قل في ذاتك: هؤلاء يا نفسِ إنما يبنون بيوتاً طينيةً فيستعملون الحرص ليتمموا العمل أفتتهاونين أنتِ بالمساكن السماوية.
وإن عددنا الأمور واحداً فواحداً ؛ فلا نفرغ من القول، فأي أمر أبصرناه في العالم من الأفكار العالمية ؛ والمعقولات الدنيوية ؛ فلنستبدله بمعقولات روحانية فننال بلا مراء منفعة بموأزرة النعمة إيانا.
العابد يضاهي رجلاً تدحرج منحدراً من موضع عالِ ؛ فوجد حبلاً معلقاً في جبل رفيع شامخ ؛ فقبض عليه ؛ وتعلق به وهو يستغيث بلا فتور بالرب أن يغيثه عالماً أنه إن أطلق قوته وأرخى تلك يديه يسقط ويموت.
يا ابني أتخذ الحياة الخالدة التى دعيت إليها وأقررت بالإقرار النفيس أمام شهود كثيرين ؛ لأنه بعد حين يسير يجىء الوارد ولا يبطئ.
ولكوننا لا نشاء أن نحتمل حزناً يسيراً من أجل الرب ؛ نلج بلا اختيارنا في غموم كثيرة وشرور جزيلة.
ولكوننا لا نريد أن نترك مشيئتنا من أجل الرب ؛ نسبب لذاتنا خسارة النفس.
ولكوننا لا نحتمل أن نكون من أجل الرب في الطاعة والهوان ؛ نُعدم ذاتنا عزاء الصديقين.
ولكوننا لا نذعن لوعظ الذين يعظونا من أجل الرب ؛ نجعل ذاتنا شماتة للشياطين الخبثاء.
ولكوننا لا نقبل الأدب الذي بالعصى ؛ نعاقب بأنواع العذاب حيث ليس من يعزي.
من يعطي لرأسي ماءً ؛ ولعيني ينبوع دموع ؛ ووجهاً بَهياً لدى الذين من خارج ؛ لأبكي على خطاياي نَهاراً ليلاً ؛ وأقول للضحك: كن بعيداً مني ؛ وللدموع تعالي إليَّ ؛ لأن خطيئتى أمام الرب جزيلة جداً ؛ ولا لهفواتي عدد.
وأعلموا يقيناً أن الدموع ثلاثة أنواع في الناس:
(1) دموع من قِبل الأمور الظاهرة. وهذه هي مرة جداً وباطلة.
(2) ودموع للتوبة إذا تاقت النفس للخيرات الدهرية ؛ وهذه هي حلوة ونافعة جداً.
(3) ودموع من التندم حيث البكاء وتقعقع الأسنان، وهذه هي مرة وغير نافعة لأنَها لا تنفع حينئذ شيئاً حين لا يوجد أوان للتوبة.
أستيقظ أيها الحبيب يقظة جزيلة في شبابك ؛ لتوجد في أواخرك مهذباً مختبراً.
لا يقنعك الحبيب الذي يخطر لك أفكاراً خادعة، ويقول لك: أنت الآن شاب ويليق بك أن تعيش سنيناً أُخر كثيرة ؛ فلهذا أفرح الآن وتنعم ولا تغم نفسك، وعند شيخوختك يجب أن تتوب.
أما تعرف أيها الأخ الغبي أن العدو يطغيك بِهذه، لأنه إذا كنت أنت بعد شاباً وفي عنفوان حداثتك حين تستطيع أن تصبر على كل تعب وتحتمل كل نسك لا تتوب ؛ فإن شخت ألا تتعلل بضعف الشيخوخة.
إن أهملت التوبة في حداثتك ماذا تعمل ؟ فأطرح إذاً طريقة العدو وأسمع صوت السيد الحقيقي القائل: ” تيقظوا إذاً وصلوا فإنكم لا تعرفون الساعة ولا اليوم “.
أيها الرب يسوع المسيح ملك الملوك ؛ الحاوي سلطان الحياة والموت ؛ العالم بالمكتومات والخفيات ؛ يا من لا يخفي عليك رؤية ولا فكر ؛ طهرني من مكتوماتي التي صنعتها ؛ فإني قد عملت العمل الخبيث أمامك لأن أيامي تفنى يوماً فيوماً وخطاياي تتكاثر، فأنت يارب يا إله الأرواح وكل جسد تعرف كثرت ضعف نفسي وجسدي.
فأمنح يارب لعديم القوة قوة ؛ وعضدني أنا الشقي ؛ لأنك أنت تعلم أنني قد صرت مثل آية لكثيرين ؛ وأنت معيني العزيز.
أعطيني يارب قلباً حسن العزم جميل الحفظ، أذكر أيها الصالح إحساناتك كل حين ؛ ولا تذكر كثرة خطاياي ؛ ولا تحقد على زلاتى، ولا تعرض يارب عن طلبتي أنا الخاطئ، لكن كما سترتني نعمتك حتى الآن وإلى الانقضاء ؛ لا تنزعها مني لأنَها هي حكمتي ؛ ومغبوطون هم الذين يحفظون طرقها فإنَها تكون لهم إكليل مجد.
أشكرك وأسبحك أيها الموضح فيَّ وفور رأفتك أنا غير المستحق ؛ لأنك صرت لي معيناً وساتراً ؛ فليكن اسم عظمتك مباركاً إلى الأبد، لأن بك يليق العظمة أيها الرب الإله.
أيها الحبيب علم أخاك طريقاً ؛ لا الطريق المؤدي إلى العالم ؛ بل المؤدي إلى ملكوت السماوات، أتقِ الرب بكل قوتك؛ ولا تعاين أعمال المنافقين؛ فإن نارهم لا تنطفئ ودودهم لا يموت.والمجد للآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين
مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
31 أغسطس 2020
العاطفة والإعجاب
الإعجاب..!
حيرة شاب...
" إني معجب بها من أول مرة رأيتها، وأشعر نحوها بعاطفة رقيقة، وأودّ لو أرتبط بها مستقبلا... وكنّي لست أدري: هل هي مرتبطة بشخص آخر؟ أود لو كانت هي أيضاً تبادلني نفس المشاعر... ولكن كيف أتأكد من ذلك؟ لماذا لا اسألها غداً بعد انتهاء المحاضرة..؟ّ "
وقلق شابة...
" إنه حقاً شخصية جذّابة، فلم يحدث من قبل أن شُغِلتُ بشاب مثلما شُغِلتُ به، ولم يسبق لي أن جذب أحد انتباهي، أو استأثر بتفكيري مثلما فعل هو... حقاً إنه يكبرني سنّاً، ولكن ما المانع من أن أتزوج أستاذي في الجامعة؟ لقد حدث ذلك مع كثيرات غيري... ولكنني –للأسف- غير متأكدة من أنه يشاركني نفس المشاعر، حقاً إنه يعرف اسمي ولكن لا أظن أن هذا يكفي..! إني في حيرة من أمري...!!"
كثيرا ما يحدث انجذاب إلى شخص من الجنس الآخر، وقد لا يكون انجذاباً من النوع الحسّي، إذ كثيراً ما ينجذب الفرد إلى شخصية الآخر، حيث يُعجَب بأسلوبه في التفكير والحديث ومعالجة الأمور، أو قد يُعجب برد فعله في موقف ما، أو قد يكون الإعجاب مزيجا من الانجذاب العقلي والعاطفي والجسدي بآن واحد.
حاول تقييم إعجابك:
ينبغي هنا أن ننظر إلى الأمر من الوجهة الإنسانية، ثم من وجهة النظر الروحية، وليجلس كل شاب وشابة مع نفسه، للإجابة على التساؤلات التالية:
التقييم الإنساني للتعلق العاطفي:
• لماذا أعجبت به (بها) بالذات ؟
• في أي مرحلة أنت من مراحل النمو النفسي والاجتماعي ؟
• ما هدف هذا الإعجاب في رأيك؟ وماذا أنت مُزمِع أن تفعل إن وجدت هذا الإعجاب مُتبادلاً ؟
• على أي مقياس بَنيتَ إعجابك؟ هل على المقياس العقلي أم على المقياس العاطفي؟
• هل تهدف إلى مزيد من توطيد العلاقة؟ وماذا سيكون في نظرك شكل العلاقة؟
• هل تفكّر في الصداقة أم في الارتباط؟ وإلى أي مدى أنت مستعد للزواج؟
• هل تعرف أبعاد علاقة الصداقة وإمكانية تطورها إلى أمور أخرى ؟
• هل ترى أن هذا الشخص يصلُح شريكا لحياتك؟ وهل تظن أن الاختيار للزواج يتم بمثل هذه السرعة؟
• ألست معي في أن الإبطاء في الاختيار يوسِّع مجال الاختيار، ويعطي فرصة أكبر لاختيار الشخص المناسب؟
• هل تعرف طباع هذا الشخص وإمكانية توافُقه معك، أم ما زلتَ منبهراً به دون الدخول إلى عمقه؟
التقييم الروحي للتعلق العاطفي:
• ما موقفك من الجنس بوجه عام؟ ، ما نوع نظرتك إلى الجنس الآخر؟
• ماذا يُرضيك في الجنس الآخر؟ وعن أي شيء تبحث وأنت تتعامل مع الجنس الآخر؟
• لماذا لا تكون علاقاتك بالجنس الآخر علاقة عادية، حتى لا تَحِدّ من انطلاق قدراتك النفسية والروحية؟ لماذا لا تستفيد من تعامُلك بتلقائية مع الجنس الآخر لتنمية شخصيتك؟
• أين أنت من الله؟ هل بدأت الطريق الروحي؟.. إن الدخول في علاقة عاطفية قبل بداية الحياة الروحية يجعل تقييم الأمر مختلفاً تماماً..
• هل حدّدت أهدافك في الحياة؟ وهل تغيّرت هذه الأهداف لتصير أهدافاً روحية؟
• هل تعتقد أن الله يدبّر كل حياتك؟ وأن اختيار الشريك المناسب يهم الله وأنه يهتم به جداً؟
• هل تؤمن بتسليم الأمر لإرادة الله لكي يختار لك شريك الحياة، حيث أن هذا الأمر روحي لا جسدي، لأنه سوف يؤثر على الحياة الروحية تأثيرا إيجابياً أو سلبياً؟؟.
• هل تضمن عدم تغيّرك أو تغيّر الطرف الآخر؟.. استمع إلى خبرات السنين من أناس بدءوا بالتعلق العاطفي بلا وعي، ثم اندفعوا نحو الزواج دون تعقّل.
الإعجاب وأحلام اليقظة:
من المفيد لنا كشباب، أن نضع حدّاً فاصلاً بين الحقيقة والخيال، كما ينبغي أن يكون تفكيرنا موضوعياً واقعياً دون أن نسترسل في أحلام اليقظة...
" أنا معجب بها، وارسم أحلاماً وخيالات حولها، وأرتّب أحداثاً على أحداث... فقد خطبتها، وخرجنا معاً في نزهة رائعة.. وقد تزوجنا وعشنا معاً في بيتنا البهيج، وقد...، وقد...، وإذا بي أجد نفسي وقد عُدتُ إلى الواقع، وإذا بأحلامي تتبخّر.. لقد رأيتها مرة واحدة في إحدى الرحلات، ولا أعرف سوى اسمها..!!".
إننا كثيراً ما نحاول أن نهرب من الحقيقة، ولا نريد أن نواجه الواقع، وبدلاً من ذلك نحاول أن نفتح مجالاً نستمتع فيه بتحقيق رغباتنا، ولو بصورة وهمية.
وكثيرا ما نجد حالات تعلّق عاطفي من طرف واحد، حيث يفسَّر الشاب مثلاً تصرفات الفتاة تفسيراً يخدم رغباته الخاصة..فإذا ابتسمت، يتّخذ من ذلك دليلاً على أنها متعلّقة به عاطفياً..! وإذا سألته عن محاضرة سابقة يعتبر أنها تريد أن تُوجد مَداخل للحديث معه..! فإذا به يتعامل معها على هذا الأساس..!.
الإعجاب بين الواقع والخيال:
إنه لأمر طبيعي أن يُعجب الفرد بآخر من غير جنسه، فالميل الجنسي الهادف إلى التكامل مِنْحة وهبها الله لطبيعتنا البشرية حتى يمكن من خلالها أن يتحقّق بين الشاب والشابة الاستحسان المتبادل، ثم الإعجاب المتبادل، فالاقتناع العقلي، ومن ثم نشوء الحب اللازم للاختيار الزوجي والذي يدعّمه مزيد من التفاهم بين الشريكين.
ولكن يمكن أن تتحرك الأحداث في غير إطارها الإنساني والروحي السليم.. فقد يبدأ الفرد بالإعجاب ثم تطغى العاطفة على العقل، فيرى الواحد فيمن يُعجَب به ملاكاً بلا أخطاء، ويراه في غاية الجمال واللطف، ومُنزّهاً عن العيب. بالطبع لا يوجد ذلك الإنسان الكامل الذي هو ( هي ) في غاية كل صفة من الصفات الإنسانية إلا في نظر شخص يُقيّم الأمور مدفوعاً بالعاطفة المتأجّجة التي تتجاهل كل الأخطاء والعيوب..!.
وحينما تشتعل العاطفة فلن يسأل الفرد عن مدى التناسب فيما بينهما، وتتصاعد الرغبة في الارتباط " بالآخر" بأي شكل من الأشكال، سواء كان مناسباً لظروفهما الاجتماعية والعائلية والاقتصادية أم غير مناسب، وقد يتغاضى الفرد عن كل الاعتراضات، ويُسهِّل كل العقبات، متطلّعاً بشغف لأن " يحصل " على " الآخر" دون أن يدرك من "الآخر" سوى القشرة الخارجية، فلا يحاول الدخول إلى أعماقه..
وماذا تكون النتيجة؟.
النتيجة علاقة عاطفية قد تؤدّي إلى زواج غير متناسب، بعده يستيقظ كلا الشريكين من نومهما العميق، حينما تتصادم الإرادتان، وتتنافر الرغبات، وتختلف الآراء، ويبدأ الصراع والتجريح..!.
أين كان العقل وأنتما هائمان بالعاطفة العمياء كلّ نحو الآخر؟.. وهل الزواج مجرد عاطفة وجسد؟ أم هو كائنان عاقلان متوافقان متناسبان متناغمان، يعزفان معاً لحناً واحداً بلا نشاز؟ وهل يتوافق بعد الزواج من لم يتأكّدا من انسجام طباعهما قبل الزواج ؟ وهل تكفي العاطفة المشتعلة وحدها لتكوين كيان زوجي ناجح؟؟.
العاطفة وحدها تخدع الفرد حتى ليظن أن من أعجب به، ربما من النظرة الأولى، يصلح شريك حياة، وربما يظن أن كلاّ منهما قد خُلق لأجل الآخر..!
إعجاب ومجازفة!
كم من شباب أضاعوا أوقاتاً مهمة من عمرهم من أجل تعلّق زائف غير واقعي من طرف واحد..
وكم من شباب اندمجوا في علاقات متبادلة مع الجنس الآخر، أضاعوا فيها سنوات كان يمكن الاستفادة بها في أداء أعمال مفيدة، ولم ينفع الندم بعد أن اكتشف كلّ منهما أن الآخر لم يكن يصلح له شريكاً، وأن علاقتهما كانت تحدياً للعقل والواقع، وإهداراً لحياتهما الروحية.
إن فترة الشباب هي أغنى أوقات العمر إذا استثمرها الفرد في التحرك نحو النضج العقلي والعاطفي والاجتماعي والروحي..
لكن – للأسف – يوجد شباب كثيرون أصابهم القلق والتوتّر العصبي، والأرق ( قلة النوم )، وفقدان شهية الطعام من شدّة الحيرة بسبب رغبات لم تتحقّق، مما يؤدي أحياناً إلى الفشل الدراسي.
لكن يوجد شباب لم يفشلوا دراسياً ولكنهم بسبب التعلّق الشديد بشخص من الجنس الآخر، تعطّل نموهم النفسي لأنهم بدلاً من أن يستفيدوا بتلك المرحلة الجوهرية من حياتهم في الانفتاح على مجالات الحياة المختلفة، والنمو العقلي بالثقافة البنّاءة، والنمو العاطفي بالتفاعل مع الآخرين بلا تخصيص ولا تركيز على شخص محدّد..
بدلاً من كل ذلك حاصروا أنفسهم بعواطف متقلّبة شاردة، وركّزوا عقولهم في البحث عن إرضاء الدوافع الأنانية، وهكذا تحوّلت العاطفة عندهم إلى ميل نحو الامتلاك، امتلاك الشخص الآخر والحصول عليه إرضاءً للكرامة الشخصية: " كيف تستعصي علىَّ هذه الفتاة؟ هذه أول مرة تهزمني فتاة..!! " ولا يخفي علينا خطورة هذا الاتجاه السلبي المنحرف على الزواج مستقبلاً، حيث تصبح النظرة إلى شريك الحياة نظرة نفعية حسّية متدنّية.
الإعجاب الإيجابي:
من خلال حياتنا اليومية سواء في الدراسة أو العمل أو الرحلات... إلخ، يمكن أن يلتقي الشاب والشابة، وهو أمر طبيعي وعادي، ويمكن أن يلفت أحدهما نظر الآخر بشخصيته المتميزة، وهذا أيضاً أمر طبيعي وعادي، ولكن ينبغي أن نضع في الاعتبار الحقائق المهمّة التالية:
1- ليس معنى الإعجاب بشخص من الجنس الآخر أن أحاول أن تكون لي علاقة خاصة معه، تمهيداً للارتباط به!.. لماذا لا يستمر الإعجاب إعجاباً دون أن يرتبط بمعانٍ عاطفية؟!.
ينبغي ألاّ ننسى أن هناك شخصيات لها جاذبية عامة، أي تتمتّع بقدرة عالية على جذب انتباه كل من يتعامل معها.. فهل يفكر كل من يلتقي بمثل هذه الشخصيات أن يرتبط بها عاطفياً..؟! أليس هذا نوعاً من تحويل الأشخاص في نظرنا إلى أشياء نمتلكها ونحتفظ بها..؟!.
2- ليس معنى إعجابي بشخص أن يُعجَب هو بي بالضرورة..!، ألا يُعتَبر هذا تفكيرا أنانياً، ليس فيه احترام لحرية " الآخر " الذي من حقه أن يُعجَب أو لا يُعجَب ؟.. إنني كثيراً ما أفترض أو أتوهّم أني نِلتُ إعجابه حتى أبرّر لنفسي الخطوة التالية، أي تكوين علاقة معه.
3- لا مانع من أن أعجب بالآخرين، فكل إنسان فيه من الصفات ما يستحق الإعجاب، ولكن المهم هو رد فعلي للإعجاب.. يوجد رد فعل إيجابي، حيث يمكن أن أستفيد من صفات الشخص الذي أعجب به.. كيف يمكن ذلك؟.. إن إعجابي بصفة معينة في شخص، معناه أن هذه الصفة تنقصني وأريد أن أكتسبها، مثل صفة اللباقة وفن الحديث إن كان ينقصني ذلك، أو الصبر وطول البال إذا كُنتُ شخصاً غضوبا، أو الاهتمام بالآخرين إذا كُنتُ شخصاً أنانياً... إلخ.
من خلال التفاعُل مع الشخص الذي أعجب به أستطيع أن أكتسب بعض صفاته، ومن الناحية الأخرى يُمكنني أن أساهم في تجلّي وازدهار صفات الآخرين الذين أعجب بهم، من خلال التعارُف بهم والتعامل معهم.
لكن يوجد رد فعل سلبي لإعجابي بشخص ما، هو أن أحاول امتلاك هذا الشخص من خلال تكوين علاقة خاصة معه..! مندفعاً وراء عاطفتي دون تعقّل..!
الإعجاب الواعي:
إن الإعجاب يُحرّك العاطفة فتتولّد منها مشاعر الحب نحو الشخص الذي نُعجَب به، وبالطبع ليس في الإعجاب شيء خاطىء ولكن يكمُن الخطأ في انحرافه من "الآخر" إلى "الذات".. فبدلاً من أن أقدّم المحبة "للآخر" بلا أغراض شخصية، أتقرّب إليه بحثاً عن فائدة، وكأني أريد امتلاكه..
من هنا تنشأ العلاقات العاطفية الخالية من الحب الحقيقي، والتي لا يُحرّكها سوى الرغبة في امتلاك "الآخر"، أي النظر إليه كجسد ( كشيء ) بدلاً من تقديره واحترام حريته كشخص له كيانه المتميز.
ليس هناك إذن، خطأ في أن أعجب بالآخرين، ولكن ينبغي ألا يُترجَم إعجابي إلى عاطفة مندفعة غير متروّية، أيضاً ليس هناك خطأ في العاطفة بحد ذاتها، ولكن ينبغي أن تُراعِي العاطفة الجوانب الأخرى من حياة الإنسان، فلا يندفع الفرد في إعجابه اندفاعاً يؤدي به إلى علاقة سابقة لأوانها، لا تهدف إلى تكوين رابطة زوجية وإنما تستهدف التسلية وإضاعة الوقت.
الإعجاب وقرار الارتباط:
أخي الشاب – أختي الشابة..
لا تجعلا العاطفة تسيطر عليكما، فالأمر يتطلّب نوعاً من التعقّل والتفكير والاستكشاف، قبل اتخاذ قرار الارتباط، فليس كل لقاء سطحي مع فرد من الجنس الآخر يمكن أن يكون بادرة لكيان زوجي ناجح، وليس كل علاقة تعارُف بين الجنسين تنبىء بارتباط زوجي متناسب، فليس الأمر بهذه البساطة.
بناء على ذلك فإن قرار الارتباط يتطلّب تَعقُّلاً، ولابد أن يستغرق وقتاً فيه يدر كلّ من الطرفين طباع الآخر من خلال التفاعُل المشترك في كافة المجالات والمواقف والتعاملات، ووسط مجتمع الأسرة والأصدقاء، حيث يكتشف كلّ منهما.. إنما للعقل دور فعّال يساند العاطفة تجاه الآخر في ظروفه الطبيعية.
ولأن الزواج المسيحي غير قابل للانفصام، فينبغي إذن، ألاّ يقرّر الفرد فيه بمثل هذه السرعة، ولا يحكُم فيه من خلال العاطفة وحدها، ويأتي إرشاد الله للمؤمن كي ينير له الطريق.
غير أنه لا يُشترط أن يأتي الزواج نتيجة قصة حب رومانسي، على طريقة أفلام السينما، إنما يُكتفَى مبدئياً بوجود الارتياح الداخلي، فليست العاطفة المُشتعِلة وحدها مقياساً دقيقاً لنجاح الحياة الزوجية.
إن الخبرة علمتنا أن التعلّق العاطفي الأهوج، أمر يدمّر الحب، و يشتّت العقل، ويفسد على الشباب حياتهم..
فلتكن إذن، علاقات الشباب متّزنة عاقلة، وينبغي ألاّ نفكّر في الارتباط إلا في الوقت المناسب، فلا نستسلم إلى الفكر القائل: " سوف تضيع مني هذه الفتاة ( الشاب) إن أنا انتظرت حتى أنتهي من دراستي الجامعية! "
إن الله لا يتخلّى عن أولاده، بل يبارك اختياراتهم، ويقود خطواتهم في الوقت المناسب.. فلنتّكل على الرب، عالمين أنه يهمه جداً أن يكون الارتباط الزيجي مقدساً ليصبح الزواج طريقاً للملكوت السمائي، وإلا صار الزواج مجرد شكل للحياة الأرضية يموت بموتنا..
إن الزواج المسيحي ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو طريق خلاص مشترك يسلك فيه الزوجان في اتجاه الحياة الأبدية.
إن المحبة المسيحية تدفع بالمؤمن كي يقدم قلبه وعاطفته للرب يسوع، بطاعة وخضوع لإرشاد روح الله، وبذلك تتقدّس العاطفة، فتَصدُر منها مشاعر المحبة والعطاء.. محبة " لا تطلب ما لنفسها " ( 1كورنثوس 13: 5 ).. وهكذا تتقدس المشاعر، وتتنقّى النظرة، ويرتقي الإعجاب فوق مستوى النفّعية والحسّ.فلنقدّم عواطفنا للرب يسوع كي يقدّسها، ويرتقي بمشاعرنا وانفعالاتنا ورغباتنا ويستخدمها لمجد اسمه القدوس.
المزيد
22 أغسطس 2020
التسبحة
أولاً: طبيعة التسبحة
أرقى أنواع الصلاة لأنها تعكس إحساس الإنسان بعمل الله (ويشعر الإنسان انه قريب من الله) ويقترب الإنسان من الصورة الملائكية في التسبيح ولذلك يقال عن التسبحة أنها طعام الملائكة أو ما يسمى بعمل السمائيين – شغلتهم أنهم يسبحون الله وليس لهم عمل آخر غير ذلك.أنها تعبير عن الشكر بالإحساس بالخلاص – بصفة خاصة: يعني التسبيح مرتبط بالإحساس بالخلاص مثل شعب إسرائيل بعد نجاته من فرعون سبح الله، وداود بعد انتصاره على جليات سبح الله وكل الشعب معه والثلاثة فتية القديسين سبحوا الله في آتون النار.التسبحة أيضاً هي تراث آبائي أختبرها الآباء وقدموا لنا صلوات مختبرة بمعنى أنها مفعمة بخبرات الآباء وهناك تأملات كثيرة للآباء في التسبيح.والتسبحة أيضاً تعبر عن مكنونات النفس في علاقتها بالله: تعبر عما بداخل النفس من مشاعر مثل الانسحاق والخشوع والفرح والألم والنصرة في المزامير أيضاً توضيح أن الهدف من حياة الإنسان هو التسبيح فيقول في مز 146 : 2 – 10 " أسبح الرب في حياتي وأرنم لإلهي ما دمت موجوداً" في المزامير أيضاً تتكلم عن الحالة النفسية التي يمر بها الإنسان فمثلاً في حالة الترك والتخلي يقول " إلى متى يا رب تنساني.. إلى الانقضاء" (مزمور 12 بالأجبية).
وظيفة الكنيسة:-
الكنيسة هي مؤسسة إلهية تترجم عمل الله على الأرض بمعنى أنها تشيد بعمل الله، التسبيح جزء من طبيعة الكنيسة وقبل القداس لازم نصلي التسبحة.
اللاهوتيات في التسبحة:-
لاهوتيات : يعني تعبير عن لاهوت السيد المسيح. نجد في التسبحة في ثيؤطوكية الأحد، ثيؤطوكية الخميس، ثيؤطوكية الجمعة. واضح في الثلاث أيام هذه أحاديث كثيرة في التسبيح بتتكلم عن لاهوت السيد المسيح ولذلك التسبيح له معاني فوق اللفظ فمثلاً لما نقول السلام للعذراء المعمل الإلهي الذي اتحد فيه اللاهوت مع الناسوت. هذا كلام له معنى أكبر من مجرد الألفاظ، فصور اللغة أحياناً تجعلنا نحيط الكلام بمشاعر وتأملات لكي نصل إلى المعاني الحقيقية للكلمات.
ثانياً: حكمة ترتيب التسبحة:
طريق التسبيح:-
1- طريقة المرابعة: المجاوبة الصوتية مجموعة تقول ومجموعة ترد عليها.
خورسان : في مجموعتان يسبحان بالتتابع الربع البحري، والربع القبلي 0أي شمال وجنوب والكل ناظر إلى الشرق)
2- طريقة التسبيح المنفردة: مثال لذلك الكاهن وهو يصلي صلوات منفرداً في صلوات القداس والشعب يردعليه.
3. طريقة المردات: المرنم يقول – وباقي الخورس يرد بالمرد الخاص مثل : جيف بيف ناي شوب شا إينيه.
4. الطريقة الجماعية: الكل يقول كل شيء – الجميع يشتركون- مثل ختام الصلوات وختام التسبحة
والتنوع هو نوع من أنواع الإثراء ويجعل التسبيح بدون ملل وبدون ارتباط بطريقة واحدة.
الحان التسبحة:-
لها 24 لحن وفيها حاجة اسمها لبش واللبش هو تفسير باللحن (أي تفسير ملحق) وألحان التسبحة تتفاوت بين الطول والقصر وبين القلة والكثرة حسب الجزء الذي يلحن لكن لازم كل هوس يبقى له لبش وهو كنفسير يقال بلحن معين.
ترتيب فقرات التسبحة:-
صلاة نصف الليل:-
المزامير نلاحظ أن البداية دائماً بمزامير نصف الليل يوجد 3 خدمات (تسمى أيضاً 3 هجعات وهجعة بمعنى سجدة) وهي التسمية المسيحية التقليدية الرهبانية.
خدمة يعني خدمة الصلاة وتعني أيضاً تقدمة.
هجعة يعني حركة الجسد المعبر عن العبادة وهي حركة مجاوبة.
سجدة معناها تلاقي الركبة والرأس في السجود على الأرض.
فالخدمة الأولى تتكلم عن السهر يقول فيها المزمور الكبير 119 فيه تلتقي النفس مع كلمة الله.
والخدمة الثانية تتكلم عن التوبة – مزامير المصاعد – الإنجيل.
والخدمة الثالثة تتكلم عن الإعداد للملكوت وانتظار الملكوت وتقال فيها مزامير النوم، النوم يشير إلى الموت ثم القيامة.ثم تختتم الخدمة الثالثة بانجيل (اطلق عبدك بسلام) وهنا تعبر الكنيسة عن حالة تجلي نعيشها وكأنها اختطفت إلى الملكوت وصارت في الحفوة الإلهية وتختم بكيرياليسون 41 مرة ثم قدوس قدوس قدوس رب الجنود.ثم تبدأ تسبحة نصف الليل بالترتيب الآتي:
(1) قطعة تين ثينو: ومعناها: قوموا يا بني النور وهي الدعوة العامة للتسبيح.
(2) مديح القيامة: تين ناف (كلمة قبطي) وهذا بعد الخماسين يقال في الأحاد فقط حتى الأحد الأخير لشهر هاتور (ولا يقال من أول كيهم حتى عيد القيامة) ةالكنيسة تعطينا الإحساس بالمناسبة قبلها (أي قبل المناسبة) فمثلاً قبل التجسد تعطينا إحساس بالتجسد وهكذا في القيامة وما بعدها. وكذلك حتى بداية الصوم الكبير.
(3) الهوس الأول: (كلمة قبطي) وكلمة هوس معناها تسبحة أو يسبح (مارن هوس – فلنسبح) في الهوس الأول تذكر قصة نجاة الشعب من يد فرعون. نجدها في (خر 15 ، رؤ 15) والارتباط بينهما وفي خر 15 عبور البحر الأحمر فخلصوا من نير فرعون. وفي رؤ 15 أيضاً المفديين يقولون تسبحة موسى والخروف.
- (لبش 0مديح) الهوس الأول: وهو على نفس معنى الهوس الأول أي خلاص إسرائيل من يد فرعون – وعبورهم البحر الأحمر بقيادة موسى النبي – ثم يطلب المرتل صلوات موسى رئيس الأنبياء وشفاعة والدة الإله.في أيام الأسبوع العادية (فيما عدا الأحد) يصلي بعد الهوس الأول ولبشه تقال القطع (السابعة ، والثامنة والتاسعة ) من ثيؤطوكية الأحد. بعد تلاوة فصل الإنجيل "الآن يا سيد تطلق عبدك بسلام"
لماذا القطع الثلاثة هذه من ثيؤطوكية الأحد؟لأنها تطبق بين الرمز والمرموز إليه وهذه الثلاث قطع تتحدث عن التجسد بصورة كاملة لأن نجاة الشعب من يد فرعون كانت رمز لنجاة البشرية من يد الشيطان عن طريق تجسد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.
(4) الهوس الثاني: عبارة عن مزمور 135 وهو شكر على الخلاص ولذلك يجيء هذا الهوس بعد المرموز إليه – يبقى عملنا الرمز، المرموز إليه وبعدين الشكر على الخلاص هذا الهوس 28 ربع وكل ربع يتكرر فيه عبارة "لأن على الأبد رحمته" واحنا بنتكلم عن رحمة ربنا نجد 14 جيل إلى داود و 14 جيل إلى المسيح جملتهم 28 وداود يرمز إلى السيد المسيح كل جيل له ربع >إلى الأبد رحمته" دليل على أن رحمة الله تشمل كل جيل.
لبش الهوس الثاني: مارين أو أونه فلنشكر المسيح إلهنا مع المرتل داود النبي وهذا اللبش على نفس الهوس الثاني نعبر فيه عن ابتهاجنا وشكرنا للرب الذي أنعم علينا بالخلاص.
(5) الهوس الثالث: تسبحة الثلاث فتية سفي الآتون وهي تمثل تجار بالحياة- لأن أي إنسان ممكن أن يلقى في الآتون بيد بشرية شريرة تلقيه في آتون التجاربز الثلاث فتية سجلوا انتصارات كمثال أولاد الله الذين ينتصرون على العالم. العجيب أننا نجد في الهوس الثالث نظرة الخليقة من خلال عمل الله. فيها دعوة للخليقة لكي تسبح الله في عمله فالشمس تسبح ربنا لعملها بالفلك الذي تدور فيه لذلك يقول المرنم السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه.هذا يدل على انتصار أولاد الله في كل الظروف المحيطة الخارجية – المتعبة علاوة على الانتصار الداخلي على أي مشاعر غير روحية في النفس الهوس الثالث عبارة عن 40 ربع نجد أن ال 6 أرباع الأولى: خاطب فيها الفتية الثلاثة السيد المسيح 6 مرات قائلين مبارك أنت وهي إشارة إلى أو ترمز إلى (600 سنة) بين ملك نبوخذ نصر وميلاد السيد المسيح – أي بمعدل كل 100 سنة ربع كذلك ال 34 ربع بعد هذه الأرباع الستة هي رمز على سني حياة السيد المسيح التي عاشها على الأرض 33 سنة و ثلث تقريباً أي بمعدل كل سنة بريع. وهذا يوضح قيمة السيد المسيح على الأرض في ال 6 أرباع الأولى يسبح الفتية الثلاثة القديسون الله على مجد صفاته الذاتية وفي الأربع والثلاثون التالية وحتى آخر الهوس على مجده المستعلن في الخليقة وبالخليقة.
(6) لحن اريبصالين: وهي ابصالية واطس للثلاث فتية وهي أرباع مرتبة من الألفا (كلمة قبطي) إلى الأوميجا (كلمة قبطي) على الحروف الهجائية اليونانية أي الربع الأول يبدأ ب ألفا والثاني ب فيتا والثالث بجاما وهكذا على الربع الأخير الذي يبدأ ب أوميجا.وهي قطعة يونانية وقبطية تسير على منهج الهوس الثالث ونمطه.وطريقة هذه الإبصالية ثابتة لا تتغير بتغير المناسبات كما في باقي الابصاليات.
(7) لحن تيه أويه انسوك (كلمة قبطي)وهو مقدمة المجمع أي نتبعك بكل قلوبنا وهو عبارة عن مديح واطس للثلاث فتية القديسين وهو لبش الهوش الثالث.من الملاحظ في ليلة أبو غالمسيس يعمل زفة 3 مرات في هذه الليلة.
المرة الأولى: بعد المزمور 151 ومعنا سفر المزامير ملفوف في ستر أبيض.
المرة الثانية: بعد مديح تين أويه إنسوك أو نقول فيها تيه أويه أنسوك.
الملاحظ هنا ولأننا نقول " نتبعك بكل قلوبنا" غننا نجد أكبر رتبة ليس في الآخر كما في الزفات الآخرى بل نجدها في الأول وراء الصليب مباشرة تمثل المسيح والكل يسير وراءه يقولون نتبعك بكل قلوبنا.ومن هنا نرى روعة الطقس في كنيستنا القبطية لأن هذا معناه أن السيد المسيح حاضر من خلال هذه الرتبة سواء البطريرك أو الأسقف أو الكاهن أكبر رتبة موجودة في الكنيسة في هذه الليلة تسير خلف الصليب والكل وراءه يقولون نتبعك بكل قلوبنا.وهذا اللحن يعبر عن أن مجمع القديسين يقولون للسيد المسيح بكل قلوبنا وكأنه درس نتعلمه من خلال طقس الكنيسة الحالية نتعلمه من الذين سبقونا إذ ساروا وراء السيد المسيح بكل قلوبهم.
(8) مجمع القديسين في التسبحة:
- نجد فيه 20 (عشرون) اسم من آباء وأنبياء العهد القديم ويوحنا المعمدان السابق، لأنه سبق المسيح ب 6 أشهر الصابغ لأنه عمد الشعب.نجد ال 144 ألف البتوليين غير الدنسين عبارة عن 12 × 12 × 1000رقم 12 يشير إلى ملكوت الله 3 × 4× 12 يشير إلى الأبدية الشيء الثابت الدائم× 1000 يعنى السماء.نجد 12 تلميذ ، 70 رسول.+ نجد أكثر من 100 شهيد ، 100 قديس.بالنسبة لرقم 12 وملكوت ربنا نجد في سر التثبيت (سر الميرون)فرشم الإنسان 36 رشمة 12 × 3ال 12 عبارة عن 3 × 4 رمز لملكوت اللهفال 36 رشم عبارة عن ال 12 اللي هي ملكوت الله في ال 3 اللي هو التثبيت.لكن 12 × 12 يشير إلى الملكوت الأبدي. × 12 يشير إلى الملكوت الكنسي، كيف أن الله يملك على الإنسان من خلال الكنيسة.
(9) الذكصولوجيات: وهي تماجيد القديسين والقديسات وهي كلمة مكونة من كلمتين (كلمة قبطية) بمعنى، والكلمة الثانية (كلمة قبطية) بمعنى بركة.ولذلك كلمة دكصولوجيا تعني أننا نأخذ بركة المجد الذي وصل إليه القديسون، وهناك ذكصولوجيات للسيدة العذراء، والملائكة، والسمائيين... الخ، وكذلك المناسبات إشارة للبركة التي أخذناها في هذه المناسبات ومنها الأعياد السيدية الكبرى ، الصغرى ، عيد الصليب المجيد، شهر كيهك، الصوم الكبير. وتقال الذكصولوجيات بنفس الطريقة التي يقال بها المجمع والباش الأيام الواطس (جمع لبش) في التسبحة.
(10) الهوس الرابع: وهو عبارة عن الثلاثة المزامير الأخيرة 148 ، 149 ، 150 ويعتبر الهوس الرابع امتداد للهوس الثالث في تسبيح الخليقة كلها أما المزمور 151 فيقال ليلة أبو غالمسيس.
(11) ابصالية اليوم: ابصالية من كلمة ابصالي اليونانية بمعنى ترتلة، أو تتمجيد للسيد المسيح، فيه ابصالية آدام (أيام الأحد والاثنين والثلاثاء) ولها نغمة قصيرة.
ابصالية واطس أيام الأربعاء والخميس والجمعة والسبت، ولها نغمة مطولة نوعاً.
أي أن كل يوم ابصالية كذلك هناك ابصاليات المناسبات، والابصالية تحمل نوع من الصلاة القلبية مثل ابصالية أعطى فرحاً لنفوسنا التي تقال يوم السبت.
(12) مقدمة الثيؤطوكية والثيؤطوكية: كل يوم من أيام الأسبوع له ثيؤطوكية وهي عبارة عن تمجيد للسيدة العذراء التي تم عن طريقها سر التجسد الإلهي.
(13) اللبش الخاص بالثيؤطوكية: وهو تفسير الثيؤطوكية ويقال بلحن مختلف عنها، بالنسبة ليوم الأحد ليس له لبش.
أما لبش الإثنين والثلاثاء فيقالا بطريقة الهوس الأول والثاني.
أما الألباش الواطس فتقال بطريقة حسب الطقس فتقال إما سنوي أو فرايحي أو كيهكي أو صيامي أو شعانيني.
(14) الطرح: في بعض الأيام أو المناسبات لها طرح أي تفسير وكلمة طرخ أي شيء مطروح على آذان الناس.
(15) الدفنار: وهو سيرة مختصرة لقديس اليوم ويقال بطريقة الترتيل.
(16) ختام الثيؤطوكيات: فأيام الواطس لها ختام "ربنا يسوع المسيح" وأيام الآدام لها ختام "مراحمك يا إلهي"
(17) ختام التسبحة:
- قانون الإيمان
- كيرياليسون باللحن المعروف
- قدوس...
- ابانا الذي في السموات ثم يقرأ الكاهن تحليل نصف الليل الخاص بالكهنة.
المزيد
20 أغسطس 2020
ليتورجيا كنيسة المشرق الكلدانية ج2
العذراء مريم في طقس كنيسة المشرق
ثانيا- مكانة العذراء مريم في رتب اسرار الكنيسة:-
ان ذكر العذراء مريم بارز في رتب اسرار البيعة، الا انه يحتل مساحة أضغر من المساحة التي يشغلها في ساعات الصلاة الفرضية. نحاول اكتشاف هذه المكانة السامية في رتب العماد، والقداس، والرسامات الاكليريكية، والزيجة، ورتب تشييع الموتى المؤمنين.
1-رتبة العماد
يتشفع المصلون بالعذراء مريم مراراً في رتبة العماد، نشير الى اهم الاماكن التي يرد ذكرها فيها:
أ- تُخصّصُ المناداة التي تقال بعد تلاوة الانجيل الطاهر”طلبة” بمريم العذراء، مطلعها”لاجل تذكار
الطوباوية مريم البتول القديسة…”، ورد ذكرها آنفاً، لان هذه المناداة تكرر يومياً خلال صلاة المساء.
ب- تَكوّن “قانون الايمان” ضمن اطار مراسيم المعمودية، اذ كان على طالبي العماد ان يتعلموا بنود الايمان المسيحي خلال فترة الموعوظية، ويعلنوا اعتناقهم عقيدة الجماعة المسيحية التي يطلبون الانتماء اليها. يرد ذكر العذراء مريم في فقرة من فقرات “قانون الايمان” الذي يُتلى قبل رتبة تقديس الماء والزيت، حينما يؤكد بان”…ابن الله الوحيد… صار انساناً، وجبل به وولد من مريم العذراء…”.
جـ -يرتل الشماس مدراشاً بعد منح سر العماد مباشرة. والمدراش لحن تعليمي، يتحدث هنا عن عماد يسوع وعن مفاهيم المعمودية المسيحية. يرد ذكر العذراء مريم في المقطع الاخير على النحو التالي:
– “تصف السماء مجد الرجل ذي البهاء السني
– (ظهر) في الغمام كصبي
– فُتحت الاسفار امامه
– انحدر ونزل بهاؤه الخفي
– مالت مريم وقبلته
– مادت مياه المعمودية
– وانحدر الروح ورفرف عليه”(63).
د- يتلو الكاهن في نهاية رتبة العماد صلوات ختامية، يلتجئ في احداها الى شفاعة العذراء مريم: “ايها الرب،
لتكن صلاة البتول القديسة حمى لنا…”(64).
2- رتبة القداس الالهي
يرد ذكر العذراء مريم في عناصر القداس المتغيرة، وفي الصلوات التالية:
أ- العناصر المتغيرة: يطلب المصلون شفاعة امهم العذراء عبر التراتيل التي تتغير وفق المواسم الطقسية المختلفة وهي:
1- “ترتيلة قدس الاقداس” ، التي ينشدونها في مستهل القداس، داخل قدس الأقداس، اذ يكون ستار قدس الاقداس مسدلاً.
2- “ترتيلة الانجيل”، التي يؤديها الجوق في فناء الكنيسة خلال موسم الحر، أي خلال الفترة الممتدة ما بين عيد الصعود والاحد الاول من تقديس الكنيسة.
3- “ترتيلة الاسرار”، التي ترنم اثناء نقل التقادم، أي الخبز والخمر، من “بيت الكنز” الى المذبح(65).
4- “ترتيلة البيم”، التي يرتلها الجوق الجالس في البيم اثناء التناول. نقدم نموذجاً من هذه التراتيل، وهي “ترتيلة قدس الاقداس” التي يؤدونها في عيد تهنئة العذراء:
“يا رب الكل، تشكرك القديسات اللواتي أحببن اسمك، لانك اخترت مريم من جنسهن، واحللت فيها سرك الخفي، اذ ظهر منها المسيح مخلص العالم بقوة الروح القدس. لذا تحتفل الكنيسة المقدسة بيوم عيد البتول”(66).
ب- يتناوب جوقا المذبح والبيم في ترتيل اربعة ابيات شعرية، بعد “ترتيلة الاسرار” وقبل “قانون الايمان”، وذلك احياءً لذكر العذراء، والرسل، وشفيع الكنيسة والموتى المؤمنين. فيما يلي ترجمة البيت الاول المخصص بمريم العذراء “المجد للآب وللابن والروح القدس: لنذكر على المذبح المقدس العذراء مريم ام المسيح”(67).
جـ- اضاف الكاثوليك ذكراً للعذراء مريم في النَّصَّين التاليين الواردين في انافورا الرسل للقديسين أدي وماري:
1-يشكر الكاهن المولى القدير من أجل النعم التي أغدقها على القديسين، وفي مقدمتهم العذراء مريم، على النحو التالي:”ايها الرب الاله القدير، اقبل هذا القربان الذي نقربه لك عن جميع النعم التي افضتها على الطوباوية مريم الدائمة البتولية، وعلى جميع الابرار الذين ارضوك…”(68).
2-يستمطر الكاهن بركات الله على المؤمنين بشفاعة العذراء عبر الصلاة الختامية التالية:“ليفض عليكم خيراته، وليمطر في بيوتكم وابل بركاته ومواهبه، وليُنجكم ربنا والهنا من الشرير وقواته بصلاة السيدة الطوباوية وجميع القديسين، وليصنكم من كل أذية خفية وظاهرة، الآن وكل أوان والى الأبد”(69).
3-كتاب الحبريات
يحتوي كتاب “الحبريات” الكلداني، الذي طُبع بهمة مجمع الكنائس الشرقية في روما عام 1957 على الطقوس التالية:
أ-رتبة تقديس المذبح، وتستخدم لتكريس الكنائس الجديدة، أعده البطريرك ايشوعياب الثالث الحديابي(649-659م).
ب-رتبة تكريس الزيوت المقدسة، من أعداد البطريرك عبد يشوع الخامس خياط(1894-1899م).
جـ- رتب رسامة الشمامسة والكهنة والأساقفة والبطاركة.
نجد في كل من هذه الرتب صلوات وتراتيل عديدة مخصصة بمريم العذراء، نذكر بعضاً منها:
أ-رتبة تقديس المذبح والكنائس الجديدة:
“مدينة الملك العظيم(مزمور 48/2): أيتها البتول القديسة الطاهرة مريم، يا هيكل الروح القدس، تضرعي الى المسيح، لينجز الوعد الذي قطعه للكنيسة من خلال بطرس بكر إيماننا”(70).
ب- رتبة تكريس الزيوت:
“ايتها البتول القديسة مريم، ام يسوع مخلصنا، تضرعي واستمطري الرحمة على الخطأة الملتجئين إلى
صلواتك، لئلا يهلكوا. لتكن صلاتك حمى لنا في هذا العالم وفي الدهر الآتي”(71).
جـ-رتب الرسامات:
1-تدعو تراتيل الرسامات العذراء مريم، ام يسوع الكاهن والحبر الأعظم، لتسهر على الكنيسة وخَدَمِتها، ليتمكنوا من أداء مهامهم ومواصلة رسالة المسيح الخلاصية(72).
2-اقتبست رتب الرسامات العديد من التراتيل من كتاب الفرض، وخاصة من مجموعة “تراتيل طلب العون الإلهي” (73). نقدم فيما يلي ترجمة إحدى هذه التراتيل “لان ينبوع الحياة عندك(مز 36/9): أضحت مريم معين الخيرات ومصدر المعونات لجنس البشريين. فلتحرسنا صلواتها من الشرور، لنصبح معها من ورثة الملكوت”(74).
4-مراسيم الزواج
يرد ذكر مريم العذراء مراراً في مراسيم رتبة الزواج، الا ان معظم هذه التراتيل المريمية مستقاة من كتاب الفرض الإلهي، سبق وان ذكرنا العديد منها، لذا نكتفي بالإشارة اليها وذكر مطلعها.تتكون رتبة الزيجة من المراسيم التالية:
أ- مراسيم العقد
انه عقد أولي لمراسيم الزواج، يطلب الكاهن في احدى الصلوات من الله ان ينزل غيث بركاته على المتعاقدين وان يضع الأُلفة والمحبة بينهما “بشفاعة العذراء البتول، والدة المسيح، مستودع النعم والبركات…(75).
ت- رتبة البركة على ثياب العروسين
ترتل الجوقة ترنيمة، ترجو فيها حماية العذراء مريم وشفاعتها لأبناء آدم كافة، مطلعها: “يا مريم يا من ولدت
دواء الحياة لأبناء آدم…”(76).
جـ- رتبة الخطوبة
تستنجد تراتيل هذا القسم بالبتول القديسة مراراً في المقاطع التالية:
1″- ترتيلة مطلعها:”لتكن صلاة مريم ام يسوع مخلصنا سوراً لنا ليلاً ونهاراً…”(77).
2″-ترتيلة مطلعها أخرى تبدأ بالمجدلة ، مطلعها:”افرحي وابتهجي، أيتها المملؤة نعمة، مريم البتول الطاهرة، والدة المسيح…”(78).
3″- تبدأ ترتيلة أخرى بعبارة” يقول الشعب آمين: ايها الرب بارك النساء كما باركت السيدة مريم الطوباوية…”(79).
4″- ترجو الكنيسة العون الإلهي في ردة القانون أي (مز 37/23-28) “الرب يقدم خطوات الرجل…” على النحو التالي:”اللهم لتكن صلاة العذراء مريم وصلاة القديسين والشهداء حمى لساجديك…”(80).
5″-فيما يلي ترجمة لمقطع من مقاطع التسبيحة “لتكن صلاة البتول مريم سوراً لنا ليلاً ونهاراً ازاء الشرير وقواته…”(81).
د- رتبة الاكليل
نجد في رتبة الإكليل الترتيلة التالية المقتبسة من “الحان طلب المعونة”:“أرسل الله نعمته وحقه(مز57/4):أُرسل جبرائيل من بين صفوف الملائكة، فانحدر وزف لابنة المائتين بشرى أبهجت العالم كله، وسلم لها مرسوم الامان والسلام، وبشرها بحبل ملؤه العجب. القى عليها السلام، فقبلت حبلاً مدهشاً. قال لها “السلام عليك وطوباك، لأنك تلدين بلا زواج، اذ منك يشرق المسيح الملك، وبه يتجدد العالم العلوي والعالم السفلي، وكل ما فيهما، المجد له”(82).
هـ- رتبة بركة الخدر
نجد في الرتبة التراتيل المريمية التالية:
1″- “يقول الشعب آمين: ليسد السلام المسكونة بصلاة(العذراء) المباركة”(83).
2″-“التسبيحة: لتكن صلاة البتول سوراً لنا (يحمينا) من الشرير وقواته ليلاً ونهاراً(84).
3″- الصلاة الختامية: اللهم رب الكل، يا من قبلت قربان الآباء الصديقين القدامى…ليرض عنكم كما رضي بالقديسين. ليستجب صلواتكم… ليغنكم بالثروات الروحية والنعم المادية… بصلاة تابوت الخلاص، السيدة مريم الكلية الطهارة، ام المسيح ملكنا ومحيينا…”(85).
5- تشييع الموتى المؤمنين
يحتوي كتاب “تشييع الموتى” على الطقوس والمراسيم التي تقام من أجل الموتى المؤمنين بكل فئاتهم: رجالاًونساءً، أطفالا وكباراً، اكليروساً وعلمانيين، وذلك خلال الايام الثلاثة التي تلي الوفاة، أي يوم التشييع واليوم الثاني والثالث.يتردد ذكر العذراء مريم في التراتيل التي تُرنم أثناء جلسات الصلاة في بيت الفقيد، وأثناء تشييعه الى المقبرة، وأثناء الصلاة المقامة عن روحه في الكنيسة خلال اليومين: الثاني والثالث للوفاة، وكلها مقتبسة من كتاب صلاة الفرض الإلهي، وخاصة من مجموع “تراتيل طلب العون”(86).
أ-“ملأت الأرض منها(مز80/9): يا مريم، يا من ولدت دواء الحياة لأبناء آدم، اجعلينا نجد بصلاتك المراحم يوم الانبعاث…”(87).
ب-“انه سيدك، فله اسجدي(مز 45/12): يا مريم، أيتها البتول القديسة، ام يسوع مخلصنا، لتكن صلاتك حمى لجمهور المؤمنين، ولتستجب صلواتنا بشفاعتك. ساعدي ضعفنا لنرى معك المسيح يوم ظهوره”(88)
ج-أثناء الصلاة المقامة في الكنيسة بمناسبة اليوم الثاني لحدوث وفاة إحدى النسوة، يصعد احد الشمامسة الإنجيليين الى البيما الكائن وسط الهيكل، ويجلس بقية الحاضرين في أماكنهم. يقف الشماس متوجهاً صوب المشرق، ويتلو تعليماً مقتبساً من الكتب المقدسة، ليُلهِمَ ذوي الفقيدة الصبر والسلوان، مؤكداً بأنه لا مفر من الموت، لأن كل الأبرار والصديقين ذاقوا طعمه كسائر البشر، وذلك بدءاً بآدم وحواء، هابيل، ملكيصادق، إبراهيم، اسحق، يعقوب، داود، سليمان، ابن سيراخ، صموئيل وغيرهم، ويختم الشماس قائلاً:“… ان ربنا، الذي تشبه بنا واتخذ جسداً من بشريتنا، قد ذاق الموت كذلك، والسيدة مريم العذراء الطاهرة التي ولدته، وبها اكتملت كل المواعيد، ذاقت بدورها طعم الموت… فلا نتضايقن في العالم بسبب فراق اختنا… لان المسيح الملك يلبسها حلة المجد في العالم الجديد…”(89).
الخاتمة
لا تقتصر مظاهر التقوى والتكريم التي يبيديها أبناء كنيسة المشرق على الأدعية التي يرفعونها لمقامها السامي أثناء الرتب الطقسية الآنفة الذكر، بل تتجلى في أمور عديدة(90)، نذكر بعضاً منها:
أ-الكنائس والمزارات
أقيم العديد من الكنائس والمعابد على اسم العذراء مريم. يذكر الأب جان موريس فييه في كتابه”آشور المسيحية” ثلاثاً وعشرين كنيسة شيدت على اسم العذراء منتشرة في شمال العراق(91)، يرتقي بعضها إلى العهود القديمة. مثال ذلك كنيسة مريم العذراء “سيدة الانوار” في قرية حوردبني(92)، التي تذكرها مخطوطات قديمة منها مخطوطة الرهبنة الكلدانية 195، التي جددها وأصلحها الشماس هومو ابن القس دانيال ابن القس إيليا الالقوشي لأجل كنيسة السيدة في حوردبني(93). وكنيسة السيدة مريم في قرية خردس المذكورة في مخطوطة الرهبنة الكلدانية 224 التي كتبها القس كوركيس ابن القس إسرائيل الالقوشي الساكن انذاك في تلكيف، وفرغ من كتابتها في 4 حزيران سنة 2026 يونانية (=1715م)(94).نجد حالياً في بغداد وحدها نحو عشرين كنيسة او معبداً على اسم البتول الطاهرة موزعة على مختلف الطوائف المسيحية، وفي مقدمتها الكاتدرائية الكلدانية، التي تحمل اسم “كاتدرائية ام الأحزان”. وتحمل كاتدرائية البصرة الكلدانية اسم العذراء، وأشهر كنيسة في مدينة الموصل تدعى “كنيسة الطاهرة مريم” للكلدان، التي كانت كنيسة الدير الأعلى، الذي يرتقي عهد تأسيسه الى القرن الميلادي السابع.
ت- الاحتفالات الشعبية
يقيم المؤمنون احتفالات بمناسبة اعياد العذراء في الكنائس المقامة على اسمها. يبدأ الاحتفال بإقامة الذبيحة الإلهية،حيث يقترب المؤمنون من سري التوبة والقربان المقدس، ثم يقيمون ما يسمى بـ”شيرا” وهو نوع من المائدة الأخوية المشتركة. اذ يجلب المؤمنون أصنافاً من الأطعمة الى فناء الكنيسة، حيث يضعونها على الموائد او على الأرض. وبعدما يتلو الأسقف او الكاهن البركة على هذه الأطعمة، يتناول منها الحاضرون سويةً، ليعبروا عن اخوَّتهم، كأبناء ام واحدة هي العذراء.
جـ-العبادات التقوية
هذا بالإضافة الى مختلف العبادات التقوية المريمية المعروفة، التي استقاها الكلدان من أبناء الكنائس الأخرى كالمراسيم المقامة خلال الشهر المريمي وصلاة الوردية والتساعيات وغيرها
المزيد
16 أغسطس 2020
بتولية مريم العذراء فى كتب أبوكريفا
كما كانت عقيدة "الدائمة البتولية" لمريم العذراء عقيدة راسخة فى الكنيسة، كانت أيضاً منتشرة فى الكتابات الأبوكريفيه التى إنتشرت فى القرن الثانى وحتى السادس والتى أعطاها مؤلفوها لقب أناجيل ونسبوها أو أسموها بأسماء بعض الرسل لتلقى رواجاً بين بعض المؤمنين، وكانت تعبر عن الفكر الشعبى المسيحى وأحياناً يعتبر بعضها تاريخاً. ومع أن الكنيسة رفضتها من البداية لأنها أخذت أفكارها الرئيسية من الأناجيل القانونية ولكن موضوعاتها كانت مخله مملؤه بالمعجزات الصبيانيه الخرافية ومع ذلك فهى لا تعدو كونها تراث فكرى وشعبى مبكر، خاصة وإن كانت أفكار تلك الكتب منسجمة مع فكر الكتاب المقدس والكنيسة، وهذه الكتب الأبوكريفية غير القانونية أو معظمها أكدت دوام بتولية مريم العذراء.
وقد أكدت كتب أبوكريفا على دوام بتولية القديسة مريم وهى:
1- كتاب صعود أشعياء:
وجد رحمها كما هو عليه قبل الحمل.
2- كتاب أناشيد سليمان:
أنها ولدت أبناً بغير آلام المخاض
3- إنجيل العبرانيين المنحول:
كاتب إنجيل العبرانيين يهودي متنصِّر جمع أخبار يعقوب بتدقيق يعوَّل عليه، وإنجيل العبرانيين هو أوثق كتابات الأبوكريفا وأقدمها حسب رأى العالِم ليتفوت وجاء فيه:
أن يعقوب هذا كان قد قطع على نفسه أن لا يأكل خبزاً بعد أن شرب الرب الكأس (كأس الموت) حتى يراه قائماً من الأموات، وبعد القيامة ظهر له الرب، وأخذ خبزاً وباركه وكسر وأعطى يعقوب قائلاً: كُلْ خبزك يا أخي لأن ابن الإنسان قد قام من بين الأموات.
وهذه الرواية تشابه قصة ظهور الرب ليعقوب، طبقاً لما جاء فى رسالة بولس الرسول الأولى لأهل كورنثوس، حسب ما إستلم وهو في أُورشليم في زيارته الأُولى:
+(كونثوس الأولى 15: 5-8) 5وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ. 6وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ أَكْثَرُهُمْ بَاقٍ إِلَى الآنَ. وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. 7وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ.
4- إنجيل بطرس المنحول:
هو كتاب أبوكريفى من القرن الثاني أو قبل نهايته، وجده سيرابيون أسقف أنطاكية متداولاً في مدينة روسوس Rhossus إحدى مدن كيليكية وقد وصل ليوسابيوس القيصري قطعة من كتابة سيرابيون الأسقف هذا يقول فيها إن هذا الإنجيل كان متداولاً منذ أيام قديمة. ويقول العالِم المصري أوريجانوس إنه اطّلع على هذا الإنجيل وفيه أن أخوة الرب كانوا أبناء ليوسف القديس من زوجة سابقة. وهكذا يؤكِّد دوام بتولية القديسة مريم العذراء.
5- إنجيل يعقوب الأول المنحول:
- دافع كتاب إنجيل يعقوب الأول غير القانوني عن بتولية القديسة مريم مشيرا إلى أن أخوة يسوع ليسوا إلا أبناء القديس يوسف من زواج سابق. هذه الفكرة انتقلت إلى الكتابات القبطية والسريانية واليونانية، كما نادى بها بعض الأباء العظام، فأشار إليها كل من القديس أكليمنضس الإسكندري وإغريغوريوس النيصيصي وكيرلس الإسكندري وأمبروسيوس والعلامة أوريجانوس وهيجيسيوس ويوسابيوس أسقف قيصرية وهيلارى من بواتييه وأبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص الذي دافع عن هذه الفكرة بحماس شديد حتى نسبت إليه: "الأبيفانية". ويقدم هذا الكتاب يوسف النجار كرجل متقدِّم في الأيام عندما خُطبَت له القديسة مريم العذراء، وكان له أولادٌ من زوجة سابقة ولكن لم يكن له بنات.
- أن سيدة تدعى سالومى قد لاحظت بتولية القديسة مريم بعد ولادة يسوع.
- "وقال الكاهن ليوسف أنت أخترت من الكثيرين لتأخذ عذراء الرب لتحفظها لديك وكان يوسف خائفاً وأخذها ليحفظها عنده".
- أن القديسة مريم ولدت من يواقيم وحنة الشيخين، وأن والدتها قد نذرت أبنتها خادمة للرب كل أيام حياتها. وفي الثالثة من عمرها، قدمت مريم للهيكل، حيث كانت تتغذى بأيدي ملائكة. وبحسب التقليد القبطي يحتفل بعيد "دخولها الهيكل" في الثالث من شهر كيهك، فيه نذكر الطفلة مريم كعذراء تعيش بين العذارى، فنترنم باللحنين التاليين:
- "في سن الثالثة قدمت يا مريم للهيكل، جئت كحمامة، وأسرعت الملائكة إليك!"
- "كانت بين العذارى تسبح وترنم معهن، دخلت الهيكل بمجد وكرامة".
وفي الثانية عشر من عمرها اجتمع الكهنة ليناقشوا أمرها إذ كان يلزم أن تترك الهيكل. فأحضروا اثني عشر رجلا من سبط يهوذا، وأودعوا عصيهم داخل الهيكل. وفي اليوم التالي أحضر أبيثار الكاهن العصي وقدم لكل منهم عصاه. وأن أمسك القديس يوسف بعصاه حتى جاءت الحمامة استقرت عليها، كانت بيضاء أكثر من الثلج وجميلة للغاية، صارت ترفرف لوقت طويل بين أجنحة الهيكل وأخيرا طارت نحو السماوات. عندئذ هنأ الشعب كله الشيخ، قائلين له: "هوذا قد صرت مطوبا في شيخوختك أيها الأب يوسف، فقد أظهرك الله مستحق الاستلام مريم. أما القديس ففي البداية أعتذر بشيخوخته، ولكنه أطاع الكهنة الذين هددوه بحلول غضب الله عليه إن رفض.
6- إنجيل متى المنحول:
"ترتيب جديد فى الحياة إكتشف بواسطة مريم وحدها التى وعدت أن تظل عذراء لله". وذكر أن العذارى كن مع مريم وقت أكتشاف يوسف للعمل قلن له: "يمكن أن تختبر أنها ما زالت عذراء ولم تلمس". وجاء فيه أن سالومى لما شكت فى حقيقة بتولية العذراء ودوام هذه البتولية قالت: "أسمح لى أن المسك وعندما سمحت لها.. صرخت... بصوت عال وقالت: يارب يارب يا قدير أرحمنا لم يسمع أبداً ولم يفكر فى أن واحد امتلأ ثدياها باللبن وأن ميلاد ابن يبين أن أمه ما تزال عذراء... عذراء حبلت، عذراء ولدت، وتظل عذراء".
وهذه الواقعة تذكر أيضاً فى إنجيل يعقوب الأولى.
7- إنجيل طفولة مريم:
- سوف لن تعرف إنساناً أبداً فهى وحدها بدون نظير، نقية، بلا دنس، بدون اجتماع رجل، هى عذراء، ستلد ابناً.
- أخذ يوسف العذراء طبقاً لأمر الملاك كزوجة له وبرغم ذلك لم يعرفها ولكن أعتنى بها وحفظها فى طهارة.
8- كتاب تاريخ يوسف ومريم:
يدعو كتاب "تاريخ يوسف ومريم" العذراء ب "السيدة مريم أمه العذراء".
9- كتاب نياحة وصعود مريم:
يدعو مريم: المقدسة، والدة الإله، العذراء النقية، العذراء دائماً، مريم المطوبه، العذراء مريم.
10- كتاب طفولة المخلص:
يدعو كتاب "طفولة المخلص" مريم ب "السيدة مريم أمه العذراء".
المزيد
15 أغسطس 2020
ليتورجيا كنيسة المشرق الكلدانية
العذراء مريم في طقس كنيسة المشرق
المقدمة
حظيت مريم العذراء بمكانة مرموقة في حياة ابناء كنيسة المشرق الكلدانية والآثورية، حيث غطى ذكرها مساحة كبيرة في مختلف الرتب والطقوس، أوسع من ان تحتويها صفحات مقال في مجلة. إن كلَّ ما نطمح اليه في هذا المقال هو رسمُ الخطوط العريضة لمكانة العذراء في هذا الطقس العريق تعكس مكانة العذراء في ليتورجيا كنيسة المشرق منزلتها في الكتب المقدسة. انها مكانة متوازنة، فلا مغالاة في تكريمها، أي لا إفراط في رفع منزلتها الى حدّ تنافس فيه الله في التقوى والعبادة، ولا تقليل او انتقاص في شأنها، أي عدم التنكرّ لصفاتها الأساسية السامية يمكننا تحديد مكانتها بكلمات قليلة على النحو التالي:”ان مريم العذراء هي والدة المسيح، الرب المخلص “، لذا فإن شفاعتها قديرة لدى الله، وهي الى ذلك امّ لأخوة يسوع ابنها، لذا فإنها كلية الحنان والشفقة بنا نحن البشر يتكون بحثنا عن مكانة العذراء مريم في طقوس المشارقة من القسمين التاليين:-
مكانة العذراء مريم في الصلاة الفرضية
مكانة العذراء مريم في رتب اسرار الكنيسة
في طبعات الكتب الطقسية الكلدانية أجريت بعض التغييرات على نصوص التراتيل منها تبديل عبارة “أم المسيح” بعبارة ” أم الله”، كما جرى تحوير في تعابير لاهوتية تتحدث عن سر تجسد المسيح، سنشير الى الاختلافات الموجودة بين طبعات الكلدان وطبعات الآثوريين.
أولا مكانة العذراء مريم في الصلاة الفرضية:-
تتجلى منزلة العذراء السامية واضحة جلية من خلال الصلاة الفرضية التي يرفعها الكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة وسائر المؤمنين في الكنائس الراعوية وفي معابد الاديرة، وذلك عبر مواسم السنة الطقسية نتقصى مكانة العذراء مريم في الصلاة الفرضية من خلال العناصر التالية:-
أ- مكانة العذراء في بنية ساعات الصلاة:-
1 – مكانة العذراء في السنة الطقسية:-
تعكس منزلة العذراء مريم في السنة الطقسية الكلدانية المكانة التي منحها اياها الانجيل المقدس. إذ يرد ذكرها حينما تؤدي دوراً هاماُ خلال احداث حياة يسوع المسيح الارضية، أي انها تشارك يسوع ابنها في تنفيذ مخطط الله لخلاص البشر، لذا لا يمكننا فهم مكانتها السامية إلاّ ضمن إطار تدبير الخلاص قام البطريرك إيشوعياب الثالث الحديابي (649-659) بتنظيم التقويم الطقسي لكنيسة المشرق، فوزّع مراحل عمل يسوع الخلاصي عبر مواسم السنة الطقسية بحيث يحتفل المؤمنون بسر الخلاص كاملاً خلال السنة. فقسم السنة الى سبع فترات، تتكون كل فترة مبدئياً من سبعة اسابيع، واضاف اليها فترتين تتكون كل فترة منها من اربعة اسابيع، وضع الاول في بداية السنة والاخرى في نهايتها تبدأ السنة الطقسية بفترة البشارة / الميلاد التي تحيي ذكرى تجسد يسوع، الاله الكلمة من مريم العذراء، ثم تتوالى الفترات لتذكر بقية مراحل الخلاص، من عماد الرب، وتبشيره بالانجيل، موته وقيامته، والتطلع الى مجيئه الثاني، وتختم السنة بالتأمل بسر الكنيسة التي هي إمتداد لحضور يسوع في العالم ان ما يُلفت النظر في السنة الطقسية الكلدانية الحالية، هو ان للعذراء مريم ذكراً خاصاً في كل فترة من فتراتها، وذلك من خلال الاعياد المريمية المختلفة او من خلال المواسم الطقسية المقامة فيها، او من خلال الصلوات والادعية التي ترفع خلال ساعات الصلاة يظهر ذلك جلياً من خلال العرض السريع التالي لفترات السنة الطقسية:
– فترة البشارة/ الميلاد: عيد البشارة، عيد مريم العذراء المحبول بها بلا دنس، عيد الميلاد، عيد تهنئة العذراء بميلاد الرب يسوع، عيد تقدمة يسوع وتطهير مريم العذراء.
– فترة الظهور(الدنح) أي العماد: الاحد الرابع: ذكرى معجزة تحويل الماء خمراً بناءً على طلب مريم العذراء(يو2/ 1-12)
– فترة الصوم الكبير: موسم الكنيسة مريم الطاهرة( الموصل).
– فترة القيامة: عيد مريم العذراء حافظة الزروع.
– فترة الرسل: عيد حلول الروح القدس على التلاميذ بحضور العذراء مريم (اعمال1/14).
– فترة الصيف: عيد انتقال مريم العذراء.
– فترة ايليا/ الصليب: عيد ميلاد مريم العذراء.
– فترة موسى وفترة تقديس الكنيسة.
2– فترة البشارة/ الميلاد
تمتاز فترة البشارة/ الميلاد عن الفترات الطقسية الاخرى بتخصيصها مساحة كبيرة لذكر العذراء مريم، لذا فانها تستحق ان نتحدث عنها بصورة خاصة.
تبدأ السنة الطقسية الكلدانية بفترة البشارة، وتصادف عادة اما الاحد الاخير من شهر تشرين الثاني او الاحد الاول من كانون الاول من كل سنة. قوامها اربع آحاد، تسبق عيد الميلاد المجيد، هدفها اعداد المؤمنين لذكرى تجسد المخلص.
تتّسم فترة البشارة/ الميلاد هذه بطابع مريمي رائع، إذ تحتوي على نصوص إنجيلية وتأملات لاهوتية تشرح سر تجسد المسيح وسر والدته المجيدة. ولا فترة طقسية اخرى تعطي هذه الاهمية لذكر العذراء. ويظهر ذلك من خلال النصوص الانجيلية التي تُتلى على مسامع المؤمنين اثناء القداس، ومن خلال التراتيل والابتهالات التي ترفع اثناء ساعات الصلاة الفرضية.
النصوص الانجيلية:
تسرد قراءات الانجيل المقدس، التي تُتلى أثناء قداس الآحاد والأعياد، احداثاً هامة من حياة مريم العذراء، وذلك على النحو التالي:
1-الاحد الثاني من البشارة: بشارة الملاك جبرائيل للعذراء مريم بالحبل البتولي، زيارة مريم لنسيبتها اليشباع، الحوار بين اليشباع ومريم، نشيد “تعظم نفسي…”(لوقا 1/26-56).
2-الاحد الثالث من البشارة: ولادة يوحنا المعمدان (لوقا1/ 57- 80).
3- الاحد الرابع من البشارة: إعلان الملاك جبرائيل للقديس يوسف حبل مريم العذراء العجائبي والايعاز اليه بجلب العذراء الى بيته(متى 1/ 18-25).
4-عيد الميلاد المجيد: ميلاد يسوع المسيح، بشارة الملاك للرعاة، وعبارة لوقا”وكانت مريم تحفظُ هذا الكلام كله وتفكر به في قلبها”(لو 2/ 1-20).
5- الاحد الاول بعد الميلاد: زيارة المجوس للطفل يسوع مع مريم أُمه، هرب العائلة المقدسة الى مصر والعودة الى فلسطين(متى2/1-22).
6-الاحد الثاني بعد الميلاد: مراسيم ختانة يسوع، رتبة تطهير العذراء في الهيكل، وتقدمة يسوع، وعثور مريم ويوسف على يسوع وهو في الهيكل، فكرة عن سياق حياة العائلة المقدسة في الناصرة، وعبارة لوقا “وكانت امه تحفظ هذا الكلام كله في قلبها”(لوقا 2/ 21-54).
ب- التأملات اللاهوتية:
لا تشرح الصلوات والتراتيل التي تُؤدّى خلال فترة البشارة/ الميلاد النصوص الانجيلية التي تُقرأ ايام الآحاد، كل أحدٍ او اسبوع على حدة، بل تقدم خلال الفترة كلها تأملات لاهوتية عن سر التجسد، واتحاد الله الكلمة بالطبيعة البشرية، والحبل العجائبي، ودور العذراء مريم في سر التجسد، كما أنها تعبّر عن المشاعر البنوية التي تغمر أبناءَ كنيسة المشرق تجاه ام المخلص وامهم. فيما يلي بعض من هذه التأملات اللاهوتية والمشاعر البنوية:
1ً- اختار الله مريمَ من نسل ابراهيم لتلد المسيح
تُستهلُّ السنة الطقسية بصورة عامة، وفترة البشارة بصورة خاصة، بترتيلة نموذجية، تتسم بطابع صلوات المسيحيين الاولين، فهي تعبّر عن معان لاهوتية عميقة بكلمات قليلة، انها تقدم تأملاً سامياً بسر الكلمة المتأنس وبسر والدته القديسة.
تُرتّل هذه الترنيمة خلال صلاة المساء، عشية الاحد الاول من البشارة، وفيما يلي ترجمتها:
“إن الله(المولود) من الآب، لم يتخذ هيئة العبد(فيلي 2/7) من الملائكة (عبر1/5)، بل من زرع ابراهيم، واتى الينا في ناسوتنا بنعمته، ليخلص جنسنا من الضلال”(2)
هكذا تتحدث السنة الطقسية في بدء دورتها عن دور العذراء مريم في تدبير الخلاص من خلال عبارة “زرع ابراهيم”، التي تشير الى اياتٍ نبوية من العهد القديم، منها قول الرب لابراهيم ابينا “يتبارك بنسلك جميع الامم” (تك 22/18). ان العذراء مريم هي نسل او زرع ابراهيم، الذي منه اتخذ الله الكلمة جسداً بشريا ليخلصنا من الضلال، إذ لم يأتِ من أجل الملائكة بل من اجل البشر، كما يقول القديس بولس ” لم يقم لنصرة الملائكة، بل قام لنصرة نسل ابراهيم، فحق عليه ان يكون مشابهاً لأخوته في كل شيء…(عبرانيين2/16-17).
2- المسيح آدم الثاني والعذراء حواء الثانية
“المجد للآب والابن والروح القدس:… يا لحكمة الله، إن رحم حواء، التي قضي عليها أن تنجب بالآلام، أصبح معيناً يهبُ الحياة. فحبلت بدون زرع وانجبت عمانوئيل، وحررت هكذا جنسنا من الفساد…” (3)(جلسة صلاةالأحد الأول من البشارة).
“تجاوز آدم الأول بواسطة امرأة، وبواسطة العذراء تجدّد في المسيح من الفساد…” (4)(جلسة صلاة الاثنين الاول بعد الميلاد).
3- تستحق العذراء مريم كل اكرام لانها انجبت المسيح يسوع:
“الام التي انجبته تستحقُ البركات، الاذرع التي حملته تسأهل المديح، الركب التي ربّته تستحق الثناء…” (5)(مدراش صلاة الليل للاحد الاول بعد الميلاد).
4- ولدت العذراء مريم يسوعَ بقدرة الله:
“…حبلت(العذراء) من دون أن يعرفها رجل، وذلك بقوة الروح القدس. الذي خَلَقَ آدم من التراب، وابدع حواء منه بلا زرع، هو نفسه جعل سارة العاقر تلد(التكوين 17/21)، ومن بعدها رفقة (التكوين 25/21)، وهو الذي كشفَ للعذراء حالة اليصابات…” (6)(ترتيلة قدس الأقداس للأحد الرابع من البشارة).
5- يتكرر ذكر البشارة في كل لحن:
“…أنا جبرائيل، القائم للخدمة امام تلك السيادة الرهيبة، ارسلني الآب لابشّركِ ببشارة تُبهجُ العالم كله: انك ستقبلين حبلاً- معجزة، إذ ستخلقه قدرةُ العلي في أحشائك، وتلدين ابنه عمانوئيل، الذي سيصالح الكائنات السماوية مع الأرضية، فيحمده الجميع قائلين: “المجدُ لكَ، يا مخلص العالم” (7)(جلسة صلاة الأحد الأول من البشارة).
المزيد