المقالات

14 أغسطس 2020

مريم العذراء فى عقيدة الكاثوليك

تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بأن مريم العذراء هى الدائمة البتولية، فقد كانت مخطوبة ليوسف النجار وبعد موت يوسف النجار لم تخطب أو تتزوج من أى شخص آخر، فهى لم تعرف رجلا قط كل أيام حياتها بمعنى العلاقة الزوجية والجسدية بين الأزواج، فقد كانت مريم هى العذراء قبل الحبل بيسوع المسيح وأثناء الحبل بيسوع وظلت عذراء بعد ولادة يسوع المسيح حتى آخر يوم فى حياتها على الأرض. (أولاً) نقاط الإتفاق بين الأرثوذكس والكاثوليك حول السيدة العذراء: 1- مريم العذراء ممتلئة نعمة بعكس البروتستانت (منعم عليها). 2- مريم العذراء دائمة البتولية. 3- شفاعة مريم العذراء التوسلية. 4- مريم العذراء والدة الاله (الذى يرفضة النساطرة). 5- مريم العذراء أم الكنيسة. 6- صعود جسد مريم العذراء إلى السماء. 7- عظمة مريم العذراء ووضعها فوق مستوى الملائكة. 8- تمجيد مريم العذراء. 9- الاحتفال بأعياد مريم العذراء. 10- بناء كنائس على إسم مريم العذراء. (ثانياً) نقاط الإختلاف بين الأرثوذكس والكاثوليك حول السيدة العذراء: 1- الحبل بمريم العذراء بلا دنس. 2- عبادة مريم العذراء. 3- عصمة مريم العذراء. 4- غفرانات مريم العذراء. 5- مريم العذراء سيدة المطهر. وتم مناقشة الخلاف بين المعتقدات فى الجزء الخاص بالعقائد. بتولية مريم العذراء فى عقيدة البروتستانت من الخطأ القول بأن كل البروتستانت ينكرون بتولية مريم العذراء، فالتراث البروتستانتي الأصيل يؤمن بضرورة إكرام مريم العذراء والقدّيسين، والواقع أن منكرى بتولية العذراء وإن كانوا يندسون الآن وينتمون للمذهب البروتستانتى وهو برئ منهم، فهم فى الأساس أبيونيون ونساطرة ولا يعلمون، ويتبعون بدعة نسطور الذى أنكر بتولية العذراء وأنكر عليها لقب والدة الإله، ليس هذا الإنكار لذاتها، بل لإنكار لاهوت المسيح نفسه، ويلقبون العذراء بأنها أخت لنا ومثل قشرة البيضة التى خرج منها الكتكوت فلا قيمة للقشرة بعد ذلك، أو مثل علبة القطيفة التى تحوى بداخلها جوهرة... ألخ، ولعلهم قد تناسوا أنهم بذلك يفصلون بين جسد العذراء وجسد السيد المسيح الذى إتخذة من مريم العذراء، فالطبيعة الجسدية واحدة ومتجانسة لهما، بعكس علبة القطيفة والجوهرة، وقشرة البيضة والكتكوت فلا تجانس بينهم وطبيعتهم المادية مختلفة. وكما يقول بولس الرسول أن أجسادنا هى أعضاء المسيح وهىهيكل الله الساكن فيها الروح القدس، فكم إذن بالأولى أحشاء السيدة العذراء هيكل الله المقدس التى تجسد منها المسيح وحل عليها الروح القدس وظللتها قوة العلى، وكان القدوس المولود منها إبن الله: + (لوقا 1: 35) اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. + (كورنثوس الأولى 3: 16) أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ + (كورنثوس الأولى 6: 15-16) 15أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا!. 16أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ وحتى لا نظلم زعماء ومؤسسى حركة الإصلاح البروتستانتى أنفسهم في القرن السادس عشر وعلى رأسهم مارتن لوثر، الذين أقروا أنّ مريم دائمة البتوليّة نضع هنا بعض أقوالهم الرائعة والخالدة فى حق التأكيد على دوام بتولية مريم العذراء: وقد أقرّ زعماء الإصلاح البروتستانت أنفسهم في القرن السادس عشر أنّ مريم دائمة البتوليّة. 1- مارتن لوثر سنة 1539: كتب لوثر سنة 1539 مقال بعنوان "في المجامع والكنائس"، جاء فيه: "هكذا لم يأت مجمع أفسس بشيء جديد في الإيمان، وإنّما دافع عن الإيمان القديم ضدّ ضلال نسطوريوس الجديد. فالقول إنّ مريم هي والدة الإله كان في الكنيسة منذ البداية، ولم يخلقه المجمع جديدًا، بل قاله الإنجيل أو الكتاب المقدّس. ففي القدّيس لوقا (1: 32)، نجد أنّ الملاك جبرائيل بشّر العذراء بأنّ ابن العليّ سوف يولد منها. وقالت القدّيسة أليصابات: "من أين لي هذا أن تأتي أمّ ربّي إليّ؟" وأعلن الملائكة معًا يوم الميلاد: "اليوم ولد لكم مخلّص، هو المسيح الربّ" (لو 1: 11). وكذلك بولس الرسول: "أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة" (غلا 4: 4). هذه الأقوال التي أؤمن بصحّتها تدعم، وبكلّ تأكيد، الحقيقة القائلة إنّ مريم هي والدة الإله". 2- مارتن لوثر سنة 1546: أكد على عقيدة بتوليّة مريم الدائمة طول حياتها، حيث قال عن مريم العذراء في الثاني من شباط سنة 1546، يوم عيد تقدمة المسيح إلى الهيكل: "كانت بتولاً قبل الحبل والولادة، وظلّت بتولاً حتى الولادة وبعدها". 3- زفينكلي سنة 1524: كتب زفينكلي سنة 1524 عظة عن "مريم الدائمة البتوليّة الطاهرة والدة الإله"، استعمل فيها بحرّية لقب "والدة الإله"، وأعلن في مقطع منها نافيًا اتّهامات ذوي الإرادة السيّئة الذين ادّعوا أنّهم سمعوه يتحدّث عن مريم بأنّها امرأة خاطئة شبيهة بأيّة خليقة وقال في عظة عن مريم العذراء أكّد بتوليّتها الدائمة بقوله: "إنّي أؤمن إيمانًا ثابتًا، استنادًا إلى ما جاء في الإنجيل المقدّس، أنّ هذه العذراء الطاهرة قد ولدت لنا ابن الله، وأنّها ظلّت، في الولادة وبعدها أيضاً، عذراء نقيّة وبكرًا إلى الأبد". ولم أفكّر إطلاقًا، ولم أعلّم، ولم أقل جهرًا عن العذراء الطاهرة، مريم أمّ مخلّصنا، أيّ قول معيب أو شائن أو سيّئ. كما تكلّم كثيرًا على بتوليّة مريم الدائمة، فأعلن في مدينة برن في كانون الثاني سنة 1528: إنّي أستشهد بكنيسة زوريخ التقيّة وبجميع مؤلّفاتي لأعترف بمريم بتولاً دائمًا وقدّيسة". 4- بولينجر: إنتقد نسطوريوس الذي رفض تسمية العذراء بلقب "والدة الإله". 5- القسّ الفرنسي شارل دريلانكور: "بسبب هذا الاتّحاد المتين غير المدرك (بين طبيعتي المسيح)، فإن ما يناسب إحدى الطبيعتين يمكن أن يُنسَب إلى الشخص بشكل عام. لهذا قال بولس الرسول: "إنّ اليهود صلبوا ربّ المجد" (1كو 2: 8). ولا نرى أيّ صعوبة في القول مع الأقدمين: - إنّ العذراء هي والدة الإله، لأنّ الذي ولدته هو الإله الفائق كل شيء المبارك إلى الأبد 6- كالفين: تردد في استعمال لقب "والدة الإله بسبب ما يحمله من خطر على سوء فهم علاقة مريم العذراء بالله،، ولكنة كان صريحًا في موضوع بتوليّة العذراء الدائمة، ورفض أن يكون لمريم أولاد غير يسوع وقال: - بتوليّة العذراء دائمة، وأرفض أن يكون لمريم أولاد غير يسوع. 7- ماكس توريان 1963: يؤكّد تقليد الكنيسة العريق على بتوليّة مريم الدائمة. ويوجز إيمان المصلحين بقوله: - "إنّ موقف مريم من احترامها سرّ إعدادها الأزلي يجعلنا نقرّ أنّ عقيدة مريم الدائمة البتوليّة التقليدية تنسجم، على الأقلّ، مع دعوة مريم الفريدة، المكرّسة تمامًا لخدمة الله، والممتلئة من نعمة الله، والمتّجهة كلّيًا نحو ملكوت الله. - مريم، في بتوليّتها، هي علامة الخليقة المصطفاة والمكرّسة والممتلئة من ملء الله، التي لم تعد تنتظر شيئًا غير الاكتمال النهائي في ملكوت الله الظاهر، وتعيشه الآن بشكل خفيّ ومسبّق. - هي علامة الكنيسة المقدّسة التي لا تنتظر ولا ترجو سوى عودة المسيح". أسباب إتهام الفكر البروتستانتى بإنكار بتولية مريم العذراء: بعد كل الأقوال الرائعة التى أقرها زعماء البروتستانت فى حق مريم العذراء بأنها كانت بتولاً قبل الحبل والولادة، وظلّت بتولاً حتى الولادة وبعدها"، وأن مريم هي والدة الإله. قد يتسائل القارئ، إذن لماذا أصابع الإتهام تشير دائماً أن البروتستانت هم منكرى دوام بتولية مريم العذراء؟ أحد الأسباب الرئيسية التى دفعت بعض البروتستانت للهجوم على العذراء مريم وإنكار لقب والدة الإله عليها وأنها دائمة البتولية، هو الفكر الكاثوليكى المتطرف الذى غالى فى تكريم مريم العذراء لدرجة العبادة، نعم فالكاثوليك الآن يقرون بعبادة مريم وأنها هى الوحيدة من البشر المعصومة من الخطأ والتى حبلت بها أمها حنة بلا دنس الخطيئة الأصلية لآدم، بل ولقبها الكاثوليك أيضاً بأنها سيدة المطهر بمعنى أنها سوف تتشفع من أجل الخطاة الذين ماتوا وذهبوا إلى الجحيم لكى ما ينقلهم المسيح إلى الفردوس!!. بل وصل الأمر أن بابا الكاثوليك هو أيضاً معصوم من الخطأ. والكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترفض كل ذلك ولكن لم تدفعها تلك العقائد الكاثوليكية إلى مهاجمة العذراء نفسها والإقلال من شأنها وكرامتها الموحى بها فى الكتاب المقدس، بعكس بعض البروتستانت الذين ردوا على تطرّف بعض الكاثوليك بتطرّف معاكس، فأنكروا إكرام مريم وأنها لا تمثل سوى قشرة بيضة خرج منها الكتكوت فلا قيمة للقشرة، ولا تعدو كعلبة قطيفة تحوى فى داخلها جوهرة غالية الثمن فإذا أخذنا الجوهرة لا قيمة للعلبة، كما أنكروا شفاعة العذراء والقدّيسين. وأنكروا أن العذراء دائمة البتولية، بل وتزوجت وأنجبت أولادا وإستشهدوا بعبارات إخوة يسوع المقصود بهم أبناء خالتة وأقرباؤة بأنهم إخوة أشقاء له ولدتهم مريم. ولكن بعد أن إنحسرت موجة المجادلات والنقاشات الحادّة، وعاد الجوّ الى التحاور بإعتدال ورصانة، رأى الفكر البروتستانتى حالياً ضرورة تصحيح تلك الأوضاع وإكرام العذراء مريم والدة الإله الإكرام اللائق بها. وفى الواقع أن ماكس توريان فى عام 1963 وهو أحد إخوة دير تيزيه البروتستانت نشر كتاب بعنوان: "مريم أمّ الربّ ورمز الكنيسة"، أوضح فيه نظرة الفكر البروتستانتي (الذي يدعى اليوم الإنجيلي) في مريم العذراء، ولا سيّما أفكار المصلحين الأوائل الذين انطلقت منهم مختلف الكنائس البروتستانتيّة. ولقد تطوّرت تلك الكنائس وتشعّبت كثيرًا، بحيث يستحيل تكوين فكرة واضحة عن التعليم البروتستانتى في مريم العذراء. والفكر البروتستانتي الحالى تمتّع في هذا الموضوع بكثير من الحرّية. وأن حق تفسير الكتاب المقدس مكفول للجميع، فإنتشرت مدارس تفسير الكتاب المقدس، إذ أعطى مارتن لوثر حق التفسير لكل مسيحى مؤمن حسبما يرشده الروح القدس وذلك رداً منه على تسلط الكنيسة الكاثوليكية، وإتسم الفكر البروتستانتى الحديث بأن الكتاب المقدّس هو مصدره الأوحد فى إقرار الأمور، وأن السيّد المسيح المخلّص هو محور تفكيره، والإيمان بالكتاب المقدّس وبالمسيح المخلّص هو ركيزة حياته وروحانيّته. ولا إعتراف بالتقليد أو أقوال الآباء أو تاريخ الكنيسة، لذلك ظهر في نظره كلّ ما يقال عن مريم العذراء بأنه شئ هامشى. وهب الفكر البروتستانتى إلى نقد الكاثوليك والأرثوذكسي فى المغالاة والتطرّف في إكرام العذراء، وكأنّه يخشى أن يقلل من الإكرامُ المؤدّى للعذراء مريم من الإهتمام بشخص المسيح نفسة المخلّص الأوحد والوسيط الأوحد بين الله والناس. ولكن إكرام مريم العذراء لا يقود إلى تقليل أهمّية الخلاص بالمسيح ولا إلى إنكار وحدانيّة وساطة المسيح. إنّ إكرام مريم العذراء يستند إلى كونها أمّ المسيح، وشفاعتها ترتكز على ارتباطها بوساطة المسيح. وهذه العلاقة بين مريم العذراء وابنها المسيح الربّ هي التي يؤكّدها المصلحون الأوائل، في مختلف النقاط المرتبطة بمريم العذراء. ولا شكّ أنّ الفكر البروتستانتي عرف في تطوّره مراحل كثيرة، وفي حدّة النقاش مع الكاثوليك ردّ بعض البروتستانت على تطرّف بعض الكاثوليك بتطرّف معاكس، فأنكروا إكرام مريم العذراء والقدّيسين. ولكن بعد أن انحسرت موجة المجادلات والنقاشات الحادّة، وعاد الجوّ الى التحاور باعتدال ورصانة، رأى البروتستانت ضرورة إكرام العذراء والقدّيسين، وإن بطريقة تختلف عن الطريقة المتّبعة في كنائس الكاثوليك والأرثوذكس. وهذا ما نقرأه في كتاب ماكس توريان، إذ يقول في فصل عنوانه: "مريم في الكنيسة": "مريم، حسب الإنجيل، "تطوّبها جميع الأجيال" (لو 1: 48): في الليترجيّا وفي المواعظ وفي تقوى الكنيسة. لأنّ مريم حاضرة في الكنيسة بكونها المرأة المسيحيّة الأولى، ولأنّها رمز الكنيسة، لها مكانتها في إعلان كلمة الله في الكنيسة وفي حياة المؤمنين الروحيّة. لا شكّ أنّ هذه الالتفاتة الى مريم في الكنيسة قد عرفت ولا تزال تعرف تطرّفًا قد يسيء الى عبادة الله الثالوث الذي له وحده يجب السجود. ولكنّ هذا الخوف من التطرّف يجب ألاّ يقودنا الى الصمت والى غياب مريم عن الضمير المسيحي، فيكون ذلك أيضًا عدم أمانة لإنجيل المسيح. "لقد أكّدنا، في خلال هذه الدراسة، استنادًا الى الكتاب المقدّس، كلّ ما تستطيع التقوى المسيحيّة أن تكتسبه من علم راسخ ومحيٍ في التأمّل بدعوة مريم، أمّ الربّ ورمز الكنيسة. بقي علينا هنا أن نحدّد كيف يمكن الإعلان عمّا صنعه الله في مريم أن يجد مكانه المشروع في ليترجيّا الكنيسة، وفي كرازتها، ليتاح لجميع الأجيال أن تطوّب أمّ الرب، حسب قول الكتاب المقدَّس. "للعذراء مريم مكانتها في الليترجيّا حيث يمكن أن تُعلَن، كما في الكرازة، النعمة التي صنعها الله فيها. "أو ليس الكتاب المقدّس رواية المعجزات التي حقّقها الله لشعبه ولكلّ من أفراده؟ ومريم، بكونها عضوًا متميّزًا في الكنيسة، وصورة لشعب الله الأمين والممتلئ من نعمته، يجب أن تكون المناسبة لليترجيّا لتمجّد بها الله تمجيدًا خاصًّا. ومارتن لوثر الذي حافظ على عدّة أعياد للعذراء في الليترجيّا قال في عيد البشارة في 25 آذار سنة 1539: "هذا العيد هو واحد من أهمّ الأعياد التي يمكننا الاحتفال بها كمسيحيّين. لأنّنا دعينا، كما يقول بطرس، الى أن نكون شعبًا يبشّر بعجائب الله ويعلنها". هذا هو معنى الليترجيّا التي تقام بمناسبة الأعياد التي تذكّر بدعوة مريم في تصميم الخلاص، لمجد الله وحده. إنّ حضور مريم في الليترجيّا، في بعض الأعياد الأكثر قدمًا، هو فرصة للمسيحيّين ليعلنوا، بمناسبة مريم، أمّ الربّ وصورة الكنيسة، تسابيح الذي دعاها ودعانا من الظلمة الى نوره العجيب. "إنّ ذكر الرسل والشهداء وشهود الكنيسة والعذراء مريم في الليترجيّا أمر ضروري لندرك أنّنا لسنا وحدنا في سجودنا لله وتضرّعنا له تضرّع شفاعة من أجل البشر. بل إنّ المسيح يضمّ في جسد واحد معنا كلّ "السحاب من الشهود الذي يحدق بنا". إنّ شركة القدّيسين توحّد جميع المسيحيّين في صلاة واحدة وحياة واحدة في المسيح. إنّها توحّد كنيسة اليوم وكنيسة كلّ الأزمنة، الكنيسة المجاهدة على الأرض والكنيسة المنتصرة في السماء. والكنيسة، في عراكها، بحاجة الى التطلّع الى آية سفر الرؤيا الإسختولوجية: المرأة الملتحفة بشمس الله، والكون تحت قدميها، وهي مكلّلة باثني عشر كوكبًا. هذه المرأة هي الكنيسة عينها، التي هي بالرغم من معركتها الضارية مع هذا العالم، موعودة بالمجد. والكنيسة بحاجة الى أن تشعر "بالسحاب الكثير من الشهود" يحيط بها لتسعى بثبات في ميدان المحنة المقدّمة لها (عب 12: 1). الكنيسة تسير نحو الملكوت بموكب عيد حافل: "لقد دنوتم الى جبل صهيون، والى مدينة الله الحيّ، الى أورشليم السماويّة، الى ربوات ملائكة، والى عيد حافل، الى جماعة الأبكار المكتوبين في السماوات، الى الله ديّان الجميع، الى أرواح الصدّيقين الذين بلغوا الى الكمال، الى يسوع وسيط العهد الجديد، والى دم مطهّر أبلغ منطقًا من دم هابيل" (عبرانيين 12: 22- 24). إنّ شركة القدّيسين هذه التي ترافق الكنيسة في عراكها وفي مسيرها نحو الملكوت تقوّيها في الإيمان، وتفرّحها في الرجاء، وتنعشها في المحبّة. هذا السحاب الكثيف من الشهود يذكّر الكنيسة بأنّها لا تحصى وبأنّها منتصرة في معركة تبدو وكأنّها ستغمرها. ومريم، أمّ الربّ وصورة الكنيسة، هي فرد من هذه الجماعة العظيمة من المسيحيّين، في مكان متميّز لكونها المسيحيّة الأولى الممتلئة نعمة. وهي أيضًا للكنيسة رمز أمومتها المتألّمة التي تلد المؤمنين الى حياة القيامة. إنّها مثال في الإلهي يمان والطاعة والثبات والقداسة، والكنيسة المجاهدة، وهي تتطلّع الى الكنيسة المنتصرة، ترى فيها مريم رمز انتصارها الأكيد. "إنّ أمّ الربّ يمكن للكنيسة أنّ "تطوّبها" في الذكرى الليترجيّة للأحداث الكبرى من حياتها، وذلك من خلال أعياد إنجيليّة بسيطة، في تسبيح يُرفَع لمجد الله وحده، وتقدّم لجميع المؤمنين بالمسيح مثالاً في الإيمان والطاعة والثبات والقداسة". ثمّ يذكر المؤلّف كيف حافظ مارتن لوثر على معظم أعياد العذراء ثمّ اكتفى بثلاثة منها: البشارة والزيارة وتقدمة يسوع الى الهيكل، لأنّه وجد لها مستندًا في الإنجيل المقدّس. أمّا كلفين، الأكثر تشدّدًا من بين المصلحين، فقد ألغى كلّ أعياد العذراء والرسل والقدّيسين. ويشير أخيرًا المؤلّف الى ضرورة المحافظة على أربعة من أقدم أعياد العذراء: البشارة والزيارة وتقدمة يسوع الى الهيكل ورقاد العذراء. ويختم بقوله: "ليس القصد في هذه الأعياد الأربعة إلاّ أن نرفع آيات المجد والشكر لله لأجل كلّ ما حقّقه في حياة أمّه البشريّة، ونطلب اليه نعمة اتّباع مثل العذراء مريم في إيمانها وطاعتها وثباتها وقداستها، ونفرح في شركة القدّيسين، بانتظار القيامة وملكوت الله، حيث سنحيا مع مريم وجميع القدّيسين حياة أبدية وفرحًا كاملاً". قد لا يجد الكاثوليكي أو الأرثوذكسي في هذه النظرة البروتستانتيّة الجديدة تعبيرًا كافيًا عن إيمانه بما صنعه الله في العالم بواسطة مريم العذراء. ولكنّنا نرى أنّ هذه المحاولة تقرّب وجهات النظر المختلفة التي عبّرت من خلالها كلّ كنيسة عن إيمانها بالله وبعمله الخلاصي في العالم. وهذا هو في النهاية موضوع إيماننا المسيحي الذي أعلنته الكنيسة منذ المجامع الأولى وأوجزته في قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني: "نؤمن بإله واحد آب ضابط الكل... وبربّ واحد يسوع المسيح... الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنّس..." إنّ إكرامنا لمريم العذراء يهدف أوّلاً الى تمجيد الله والإشادة بما صنعه "من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا"، فتجسّد بقدرة الروح القدس من مريم العذراء. ويهدف ثانيًا الى مساعدتنا على قبول هذا الخلاص الذي جاءنا به ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح المولود من مريم العذراء. وفي مسيرتنا الخلاصية هذه نتّخذ "جميع القدّيسين"، "وخصوصًا سيّدتنا الكاملة القداسة الطاهرة، الفائقة البركات المجيدة والدة الإله الدائمة البتوليّة مريم"، قدوة ومثالاً ورفقاء درب على طريق الملكوت.
المزيد
13 أغسطس 2020

«مهما قال لكم فأفعلوه» (يو2: 5)

العذراء أم النور هي أمنا جميعًا. نحن نحبها ونطلب شفاعتها عنا، وندعوها الشفيعة الأمينة المؤتمنة أمام ربنا يسوع المسيح. ومحبتنا للعذراء الطاهرة تجعلنا دائمًا نتطلع إليها ونتعلم منها وخاصة في فترة الصوم الذي يحمل اسمها المبارك. العذراء القديسة مريم لم تكتب لنا رسالة، ولكن تقدم لنا نموذج حياة طاهرة مقدسة لنقتدي بها. ومسرة قلبها نحونا أن نتجه إلى ابنها الحبيب ونطيع وصاياه، لأن طاعة الوصية هي علامة المحبة. فالسيد المسيح يقول لنا: «إنْ كنتُم تُحِبّونَني فاحفَظوا وصايايَ» (يو14: 15)، «إنْ أحَبَّني أحَدٌ يَحفَظْ كلامي، ويُحِبُّهُ أبي، وإليهِ نأتي، وعِندَهُ نَصنَعُ مَنزِلًا» (يو14: 23)... الوصية الوحيدة المذكورة في الكتاب المقدس والمنسوبة للعذراء هي «مَهما قالَ لكُمْ فافعَلوهُ» (يو2: 5)، أنها تلخّص رغبة العذراء نحونا أن نظهر محبتنا لابنها الحبيب بحفظ وصاياه. ووصية المسيح الأساسية لنا هي «هذِهِ هي وصيَّتي أنْ تُحِبّوا بَعضُكُمْ بَعضًا كما أحبَبتُكُمْ» (يو15: 12)، لأن محبة الآخرين علامة لمحبتنا لله «ولَنا هذِهِ الوَصيَّةُ مِنهُ: أنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أخاهُ أيضًا» (1يو4: 21). العذراء أم النور التي أحبت الله وحفظت وصاياه، قدمت لنا مثالًا لمحبة الآخرين من خلال خدمة المحتاجين. لأن المحبة الحقيقية هي المحبة بالعمل والحق «يا أولادي، لا نُحِبَّ بالكلامِ ولا باللِّسانِ، بل بالعَمَلِ والحَقِّ!» (1يو3: 18). أحبّت العذراء أهل عرس قانا الجليل، لذا ذهبت مع ابنها الحبيب لمشاركتهم فرحتهم، ولكن حدثت مشكلة إذ فرغ الخمر. لم تنتقد العذراء أهل العرس الذين لم يكونوا مستعدين لضيوفهم، ولكن فكرت كيف تساعدهم دون أن يطلب منها أحد ذلك. لذا تقدمت إلى ابنها الحبيب قائلة له «ليس لهُمْ خمرٌ» (يو2: 3). ونلاحظ أن العذراء عرضت على ابنها المشكلة وليس الحل، لقد تقدمت بثقة أنه سوف يحل المشكلة بالطريقة التي يراها مناسبة، ورغم أن إجابة المسيح لها «ما لي ولكِ يا امرأةُ؟ لَمْ تأتِ ساعَتي بَعدُ»، إلّا أنها لم تلحّ عليه أو تناقشه فيما قاله، بل بثقة تركت له الوقت والطريقة لحل المشكلة، ولأنها كانت تثق أنه سوف يفعل شيئًا لذا قالت للخدام «مَهما قالَ لكُمْ فافعَلوهُ». ماذا يفعل؟ ومتى يفعل؟ هذا أمر متروك له، ولكنها تثق أنه لن يترك هؤلاء الناس بدون مساعدة. العذراء تعلّمنا أن نعرض مشاكلنا أمام الله بثقة وإيمان، دون أن نفرض وقتًا وطريقة معيّنة للحل، فالله لديه حلول كثيرة. مريم ومرثا عرضتا على المسيح مشكلتهما «يا سيِّدُ، هوذا الّذي تُحِبُّهُ مَريضٌ» (يو11: 3). وتوقّعتا أن يأتي المسيح حالًا ليشفي المريض، ولكن المسيح ذهب بعد ستة أيام وكان لعازر قد مات ودُفِن، لذا قالت كلٍّ من الأختين للمسيح «يا سيِّدُ، لو كُنتَ ههنا لَمْ يَمُتْ أخي!» (يو11: 21، 32)، وهنا لم يشفِ المسيح لعازر من مرضه، ولكنه أقامه من موته بعد أن كان في القبر أربعة أيام. الله قادر على كل شيء، ولكنه يدبّر كل الأمور بحكمة. نعجز - نحن المحدودين - أن ندرك حكمة الله التي تفوق إدراكنا، لذا لنتعلم من العذراء مريم أن نطرح احتياجاتنا ومشاكلنا ومتاعبنا أمام إلهنا بثقة وإيمان دون كيف؟ أو متى؟ ولنقف لننظر خلاص الرب... نيافة الأنبا سرابيون مطران لوس آنجلوس
المزيد
12 أغسطس 2020

مريم العذراء فى عقيدة الأرثوذكس

تؤمن الكنيسة القبطية الأرثوذكسة بأن مريم العذراء هى الدائمة البتولية، فقد كانت مخطوبة ليوسف النجار وبعد موت يوسف النجار لم تخطب أو تتزوج من أى شخص آخر، فهى لم تعرف رجلا قط كل أيام حياتها بمعنى العلاقة الزوجية والجسدية بين الأزواج، فقد كانت مريم هى العذراء قبل الحبل بيسوع المسيح وأثناء الحبل بيسوع وظلت عذراء بعد ولادة يسوع المسيح حتى آخر يوم فى حياتها على الأرض. مكانة مريم العذراء فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية:- 1- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تكرم السيدة العذراء الإكرام اللائق بها دون مبالغة أو إقلال من شأنها. فهى القديسة المكرمة والدة الإله المطوبة من السمائيين والأرضيين, دائمة البتولية العذراء كل حين, الشفيعة المؤتمنة والمعينة, السماء الثانية الجسدانية أم النور الحقيقى التى ولدت مخلص العالم ربنا يسوع المسيح. 2- مريم العذراء هى الإنسانة الوحيدة التى إنتظر الله آلاف السنين حتى وجدها ورآها مستحقة لهذا الشرف العظيم "التجسد الإلهى" الشرف الذى شرحه الملاك جبرائيل بقوله "الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلىّ تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منكِ يدعى أبن الله" (لوقا 35: 1). لهذا قال عنها الكتاب المقدس "بنات كثيرات عملن فضلاً أما أنت ففقتِ عليهن جميعاً " (أمثال 29: 31) 3- هذه العذراء كانت القديسة كانت فى فكر الله وفى تدبيره منذ البدء ففى الخلاص الذى وعد به آدم وحواء قال لهما "أن نسل المرأة يسحق رأس الحية" (تكوين 15: 3) هذه المرأة هى العذراء ونسلها هو المسيح الذى سحق رأس الحية على الصليب. 4- تحظى مريم فتاة الله بمكانة عظمى في قلب معظم الذين انتسبوا الى المسيح المخلّص، ولها في قلوبهم محبة كبيرة. غير أن هذا لا يمنع القول ان مسيحيّي العالم -وإن قالوا، على العموم، قولا واحدا في حقيقة تجسد ابن الله الوحيد- لا يتفقون في وصف مريم وتكريمها ولا في تحديد مساهمتها في خدمة السرّ "الذي قبل الدهور". 5- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقدم السلام للعذراء مريم بخشوع كثير واحترام كما قدمه لها الملاك ولكن بلا عبادة. 6- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تكرم العذراء كأم الاله تكريما يفوق كل كرامة لاى ملاك او رئيس ملائكة وفوق الشاروبيم والسارافيم ايضا.. ولكن تكريمنا لها يحدده قولها * هوذا انا امة الرب * فهى فى تقليدنا عبده وامة خاضعة لسلطان الله.. فكأم الاله نكرمها ونعظمها جدا ونتشفع بها، وكأنسانة لايمكن ان نعبدها. 7- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تمجد العذراء لا كملكة السماء تجلس بمفردها.. ولكن كملكة تقف عن يمين الملك *قامت الملكة عن يمين الملك* حيث الوقوف لايؤهلها للمساوة كما فى حالة المسيح حينما جلس عن يمين ابيه 8- فى التقليد الكنسى يحتم فى الايقونة القبطية ان ترسم العذراء حاملة للمسيح على ذراعها الايسر *قامت الملكة عن يمين الملك* ولاتقبل الكنيسة ان تقدم تمجيدا للعذراء بشخصها بمفرده ولكن تمجدها كعذراء وكأم معا. 9- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترى ان مجد ام الاله مكتسب بسبب امومتها للرب يسوع، وليس طبيعيا لذلك لانقدمه لها فى شكل عبادة وانما فى صورة تكريم فائق. 10- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترى ان نصيب مريم فى استعلان المجد العتيد سيكون غير منفصل عن جسد المسيح الذى سيجمع البشرية كلها معا كانسان كامل رأسه المسيح، غير ان نصيبها سيكون فائقا بالضرورة وعلى كل وجه انما غير منفصل عنا. 11- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقدم البخور لله امام ايقونة مريم العذراء الحاملة يسوع المسيح لان مريم اصبحت هى الهيكل الجديد الذى احتوى الحمل المقدس المعد للذبيحة، لذلك اصبح لائقا ان يقدم امامها بخور لله لكى تشفعه هى بصلواتها عنا.. فيرفع البخور امام الله حاملا صلواتها وصلواتنا. 12- تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية أن العذراء بما أنها صارت أم الإله المتجسّد, فقد أصبحت أيضًا أمًّا لكلّ الذين صار ذاك الإله أخا لهم بالتجسّد: "لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا السَّبَبِ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً . فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا" (عبرانيين 2: 11-14). لقب مريم العذراء والدة الإله:- مريم العذراء هى "والدة الإله" theotokos، وهو اللقب الذي منحه اياها المجمع المسكوني الثالث المنعقد في افسس في العام 431م مريم العذراء هى "والدائمة البتولية" aeparthenos، وهو اللقب الذي جاء به المجمع المسكوني الخامس المنعقد في القسطنطينية في العام 553م. مريم العذراء هى "الكلية القداسة" panagia، فلم يحدَّد عقائديا، ولكنه مقبول ويستخدمه جميع الارثوذكسيين في العالم. ميزت الكنيسة الأرثوذكسية في تعليمها عن مريم بين اصطلاحي "العبادة" و"التكريم"، فهي لا تدعو، مطلقا، الى عبادة مريم كعبادة الله، وإنما تكرمها وتعظّمها لأن "إلهاً حقا وُلِدَ منها" (يوحنا الدمشقي)، وهي بذلك تطيع ما جاء على لسانها في انجيل لوقا: "ها منذ الآن (اي منذ قبولي الإلهَ في أحشائي) تكرمني جميعُ الأجيال" (لوقا 1: 48). تحمل عبارة "والدة الإله" تراثا إيمانيا ذا قيمة لاهوتية عظيمة، فاللفظة اليونانية تعني "حاملة الإله" اي التي حملت الإله في رحمها، وقد وُضعَ فحواها اولا على لسان أليصابات زوجة زكريا الشيخ التي لفظت ذاك النداء التعظيمي "من اين لي هذا أن تأتي أم ربّي اليّ؟" (لوقا 1: 41-43)، (غلاطية 4: 4)، وقد إنتشر ذلك اللقب وانتشر انتشارا واسعا منذ بدء المسيحية وفق شهادة إكليمنضس الإسكندري. استعمل لقب والدة الإله كثير من الآباء الأولين مثل: هيبوليتس، واوريجانس الذي شرحها في تفسيره للرسالة الى كنيسة رومية، وديديموس الضرير، وألكسندروس بطريرك الاسكندرية الذي خطّها في رسالة وجهها الى مجمع عُقد ضد بدعة آريوس في الاسكندرية في العام 320 (اي قبل المجمع المسكوني الاول بخمس سنوات)، وكيرلُّس الاورشليمي، وغريغوريوس النيصصي، وكيرلُّس الاسكندري وغيرهم، مما يؤكد انها كانت معروفة ورائجة قبل أن سطرها الآباء عقيدةً في مجمع أفسس. ويقول الاسقف كاليستوس (وير): إن تسمية والدة الإله "مفتاحُ العبادة الارثوذكسية الموجّهة الى العذراء"، وذلك اننا "نكرم مريم لأنها والدة إلهنا، ولا نكرمها منفصلة عنه وإنما بسبب علاقتها بالمسيح" (انظر الايقونات الارثوذكسية التي تظهرهما دائما معا، ولا تصوّر مريم من دون ابنها). ويتابع الأسقف بقوله: "إن التعليم الارثوذكسي المتعلق بوالدة الاله منبثق من تعليمها الخاص بالمسيح وحين أكد آباء مجمع أفسس (تسمية مريم بوالدة الإله)، لم يكن ذلك بقصد تمجيدها بل من اجل الحفاظ على العقيدة الحق المتعلقة بشخص المسيح"، ويخلص الى القول: "وأولئك الذين يرفضون تكريم مريم هم انفسهم اولئك الذين لا يؤمنون حقا بالتجسد". لقب "والدة الإله"، ليس لقب تكريمي فقط لمريم وإنما هو ضرورة لاهوتية تحتّمها، كما يقول القديس كيرلُّس الاسكندري، "حقيقة التجسد"، ولا يمكن لأحد أن يرفض هذه الحقيقة ويُقبَل في الإيمان الحق. فمريم هي ام الرب، وهي أمنا. لا يوجد مسيحي يقول ان مريم ولدت الاهوت، والقول أن مريم أم الله المتجسد مقصود به الناسوت وليس الاهوت. ففى مريم تمّ أولاً الاتحاد بين الله والإنسان، إذ أن ابن الله اتحد ذاته بجسد إتخذه من جسد مريم، لذلك تدعو الكنيسة العذراء "والدة الإله" لأنها ولدت الإله المتجسّد. تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية أن منزلة العذراء تفوق الملائكة إذ قد أُهّلَتْ أن تحمل فى ذاتها ابن الله المتجسد الذى لا تسعه السموات ولا سماء السموات، فصارت هى هيكل حي للإله الذى: {لا تجسر طغمات الملائكة أن تنظر إليه}. لذلك تخاطبها الكنيسة منشدة: {يامن هى أكرم من الشاروبيم وأرفع مجدًا بغير قياس من السارافيم}، وأيضًا: {لأنه صنع مستودعك عرشًا وجعل بطنك أرحب من السماوات}.
المزيد
09 أغسطس 2020

دلائل دوام بتولية مريم العذراء

مريم العذراء هي "أمّ وبتول معًا". وهي، بحسب إيماننا المسيحي، "الدائمة البتوليّة". ويؤكّد اللاهوت والليترجيّا أنّ مريم هي بتول قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة. أي إنّها حبلت بيسوع المسيح دون مباشرة رجل: تلك هي بتوليّة مريم قبل ولادتها ابنها يسوع؛ ثمّ إنّها ولدته وبقيت بتولاً: تلك هي البتولية في الولادة؛ وبعد أن ولدته لم يكن لها علاقة مع أيّ رجل: تلك هي البتوليّة بعد الولادة. إنّ ما تكرز به المسيحيّة قد يبّدو مناقضاً للعقل. ولكن ليس من أمر يستحيل على الله. فالذي في البدء وضع نواميس الحبل والولادة لدى البشر يغيّرها الآن في الحبل به وولادته، جامعًا في أمّه أروع مفخرتين تعتزّ بهما كلّ النساء: البتوليّة والأمومة. إنّ المسيحيّة، بتأكيدها حبل مريم البتولي، تهدف أوّلاً إلى إعلان إيمانها بأنّ يسوع المسيح هو أوّلاً وآخرًا "ابن الله". هذا ما يعنيه القول الأوّل من قانون الإيمان: "وتجسّد من الروح القدس". أمّا القول الثاني "ومن مريم العذراء" فيؤكّد الدور الذي تحتلّه البشريّة في سرّ التجسّد. فذكر بتوليّة مريم في قانون الإيمان هو للإشارة إلى أنّ الدور الذي أدّته البشريّة في التجسّد هو قبول عطيّة الله وليس أكثر. فباسّم البشريّة قبلته مريم دعوة الله وقالت: "ها أنا ذا أمة الربّ، فليكن لي بحسب قولك" (لوقا 1: 38). فقانون الإيمان يؤكّد إذن أمرين: أوّلاً إنّ حياة المسيح على الأرض لم تستمدّ معينها إلاّ من الله وحده، وثانيًا إنّ مريم أسهمت في هذا الحدث بقبولها عطيّة الله. (أولاً) بتولية مريم العذراء قبل الولادة: أوضح الوحى الإلهى أن مريم كانت عذراء قبل ولادة السيد المسيح: + (متى 1: 18) أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ + (لوقا 1: 26-28) 26وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ. 27إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. + (متى 1: 20) وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. وعندما قال الملاك لمريم العذراء: ها أنت ستحبلين وتلدين إبنا وتسمينه يسوع. فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً (أي أنا عذراء)" + (لوقا 1: 31-34) 31وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. 32هَذَا يَكُونُ عَظِيماً وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ. 33وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ». 34فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» (ثانياً) بتولية مريم العذراء أثناء الولادة: جاء فى الليترجيا البيزنطيّة: لقد تمّ اليوم عَجَب عظيم مُستغرَب: فإنّ بتولاً تلد وتبقى عذراء كما كانت. الكلمة يصير طفلاً ومن الآب لا ينفصل. الإله الكلّيّ الكمال يصير طفلاً والطفل يولد دون أن يزيل بتوليّة أمّه". وقال القدّيس إيرونيموس، وهو من أعاظم من كتب في الكتاب المقدّس: "مريم هي أمّ وبتول: بتول قبل الولادة وبتول بعد الولادة. الدهشة تغمرني: كيف من هو بتول يولد من البتول؟ وكيف بعد ولادته تبقى أمّه بتولاً؟ أتريد أن تعرف كيف ولد من عذراء وبقيت أمّه عذراء بعد الولادة؟ عندما دخل يسوع على تلاميذه من بعد قيامته "كانت الأبواب مغلقة" (يو 20: 19). لا تعرف كيف حدث ذلك لكنّك تقول: هذه قدرة الله. وكذلك عندما تعلم أنّ يسوع وُلد من عذراء وبقيت أمّه عذراء بعد الولادة قل: هذا عمل قدرة الله". لمّا خرج الطفل الإلهي من أحشاء أمّه لم ينتزع عنها صفاء مشاعرها البتوليّة، بل بالحريّ أضفى على قواها الحياتية مزيداً من الفخر والبهجة، وعلى معنى أمومتها مزيداً من الجلال والعظمة. لقد اجتمعت في مريم مشاعر البتوليّة ومشاعر الأمومة. ويهتف القدّيس غريغوريوس أسقف نيصص: "يا لَلْمعجزة الرائعة: العذراء تصير أمًّا وتبقى عذراء. لا البتوليّة حالت دون الولادة ولا الولادة أزالت البتوليّة. ولقد كان من الملائم أنّ الذي صار إنساناً لينقذ البشريّة من الفساد، يستهلّ عمله بتلك التي ولدته فيحفظها من الفساد". ثمّ يتابع قائلاً: "هذا ما سبق موسى فرآه في النار التي ألهبت العلّيقة دون أن تحرقها. فكما أنّ العلّيقة كانت ملتهبة لم تحترق، كذلك ولدت البتول النور دون أن يعتريها الفساد". فمن يقول أن مريم فقدت بتوليتها وغشاء بكارتها أثناء ولادة السيد المسيح، بدون أن يشعر هو يحد من الله غير المحود، فالله موجود فى كل مكان ولا يحده مكان والقادر على كل شىء فى إمكانه أن يخرج من رحم العذراء كما دخل دون أن يفض بكارتها، وأن يولد منها وتظل بتوليتها مختومة وهذا ما حدث فعلاً فكانت عذراء قبل الحبل وإستمرت عذراء بعد الحبل وظلت عذراء بعد الولادة. ومن ثم لقبتها الكنيسة "العذراء إلى الأبد" و "الدائمة البتولية". وكان هذا الإيمان هو إيمان الكنيسة الأولى، إيمان الرسل وخلفائهم وكان إيماناً مبنياً على الكتاب المقدس المسلم مرة للكنيسة. لقد كانت مريم العذراء بتولاً قبل أن تحمل بالسيد المسيح وأثناء الحمل بل وأثناء الولادة نفسها، وهنا أشار أشعياء النبى أن ولادة المسيح تمت بدون ألم، فقبل أن تأتى آلام الولادة للعذراء ولدت، ومن غير أن تتألم ولدت ذكراً. + (أشعياء 66: 7) قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا الطَّلْقُ وَلَدَتْ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا الْمَخَاضُ وَلَدَتْ ذَكَراً. وبولادة المسيح تحقق الفرح الذى تنبأ به أشعياء النبى لجميع الشعب + (أشعياء 66: 10) افْرَحُوا مَعَ أُورُشَلِيمَ وَابْتَهِجُوا مَعَهَا يَا جَمِيعَ مُحِبِّيهَا. + (لوقا 2: 10) فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: وفى القرن الثانى ذكر القديس إيرنياؤس نبؤة (أشعياء 66: 6-8) حيث تنبأ عن عودة الشعب الى أورشليم بطريقة ملحوظة خلال آلام صهيون مفسراً ذلك أن النبؤة تشير إلى العذراء مريم التى ولدت إبناً ذكراً بطريقة فريدة بغير آلام المخاض أى لم تفقد بتوليتها إذ يقول النبى قبل ان يأخذها الطلق ولدت قبل أن يأتى عليها المخاض ولدت ذكراً، ويعلن القديس بأن النبى قد أعلن بهذا من المنظورات، أى ميلاد الطفل من العذراء بطريقة فريدة، وبهذا يؤكد القديس بتولية القديسة مريم العذراء. والبرهان على أن العذراء كانت بتولاً أثناء الولادة هو نبؤة حزقيال النبى العظيم: + (حزقيال 44: 2) فَقَالَ لِيَ الرَّبُّ: [هَذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقاً, لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ, لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقاً. وقال القديس جيروم: مع أن الباب كان مغلق، دخل يسوع إلى مريم، القبر الجديد المنحوت فى الصخر الذى لم يرقد فية من قبل ولا بعدة، هى من تنبأ سليمان الحكيم فى سفر النشيد عن بتوليتها الدائمة فهى مثل الجنة المغلقة والينبوع المختوم: + (نشيد الأنشاد 4: 12) أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ. فكما خرج السيد المسيح من القبر عند قيامتة وهو مغلق، وكما دخل المسيح العلية على التلاميذ بعد قيامتة والأبواب مغلقة، وكما خرجت حواء من جنب آدم، وكما جرت المياه من الصخرة، وكما يمر النور من زجاجة مليئة بالماء وينفذ إلى الجهة الأخرة دون أن يثقب الزجاجة وبدون أن يسيل الماء من الزجاجة، هكذا تمت ولادة المسيح الذى خرج من رحم العذراء مريم دون أن تفقد بكارتها وظلت عذراء. (ثالثاً) بتولية مريم العذراء بعد الولادة: 1- من ينكر بتولية مريم العذراء بعد ولادة السيد المسيح، هو بالتالى ينكر نبؤة حزقيال النبى بدوام بتولية السيدة مريم العذراء، فالرب الذى دخل من رحم العذراء، وظل مغلقا لا يدخله ابن آخر لها، وحسب نص النبؤة فإن الرئيس الرئيس (تكررت مرتين للتأكيد) وحده (المسيح)، هو يجلس فى أحشاء العذراء ليأكل في محضر الله. فيدخل من مدخله ويخرج من نفس الطريق (رحم العذراء) والباب يكون مغلق لا يدخل ولا يخرج منه إنسان لأن المسيح وحدة هو الذى دخل فيه فيكون مغلقاً. + (حزقيال 44: 1-3) "ثُمَّ أَرْجَعَنِي إِلَى طَرِيقِ بَابِ الْمَقْدِسِ الْخَارِجِيِّ الْمُتَّجِهِ لِلْمَشْرِقِ وَهُوَ مُغْلَقٌ. 2فَقَالَ لِيَ الرَّبُّ: [هَذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقاً, لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ, لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقاً. 3اَلرَّئِيسُ الرَّئِيسُ هُوَ يَجْلِسُ فِيهِ لِيَأْكُلَ خُبْزاً أَمَامَ الرَّبِّ. مِنْ طَرِيقِ رِوَاقِ الْبَابِ يَدْخُلُ, وَمِنْ طَرِيقِهِ يَخْرُجُ» 2- عند هروب يوسف ومريم إلى مصر كان يسوع آنذاك قد قارب على السنتين، وعند الرجوع من مصر كان يسوع قد قارب على سن الخمس سنوات، ولم يذكر إسم أى إبن لمريم غير يسوع فقط، وهذا ينفى القول بان يوسف قد عرف مريم وتزوجها وأنجب منها أولاد وبنات عد ولادة يسوع: + (متى 2: 14) فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ + (متى 2: 20) قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». 21فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. 3- لم يذكر الإنجيل وجود أى إخوة للمسيح حتى بلوغه 12 سنة من عمرة، أى أنه على الرغم من مكث العذراء فى بيت يوسف النجار 12 سنة، ولكن لم تنجب منه أبناء، وهذا ينفى القول بان يوسف قد عرف مريم وتزوجها وأنجب منها بعد ولادة يسوع: + (لوقا 2: 42-43) 42وَلَمَّا كَانَتْ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ الْعِيدِ. 43وَبَعْدَمَا أَكْمَلُوا الأَيَّامَ بَقِيَ عِنْدَ رُجُوعِهِمَا الصَّبِيُّ يَسُوعُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُوسُفُ وَأُمُّهُ لَمْ يَعْلَمَا. 4- لم يذكر الإنجيل هؤلاء الإخوة والأقارب إلا عندما ذهب المسيح المسيح لوطنة فى بلدة الناصرة. 5- إخوة الرب هم أبناء مريم زوجة كلوبا وهى الأخت الصغيرة للسيدة مريم العذراء وكانت واقفة عند الصليب مع مريم العذراء، وبالتالى كانت أمهم على قيد الحياة وليس صحيح أنهم أولاد يوسف من زواج سابق من زوجتة المتوفية أو حتى من مريم العذراء: + (يوحنا 19: 25) "وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ". 6- من المرجح أن جملة أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ" الواردة فى (متى 13: 55)، (مرقس 6: 3) يقصد بها مريم خالتة أخت أمة مريم العذراء وبالتالى فإن أبنائها بالتبعية هم يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا، لأن الخالة والعمة فى التقليد اليهودى هى أم أيضاً. 7- من غير المعقول أن يكون لمريم العذراء كل هذا العدد من الأولاد والبنات ثم يعهد بها السيد المسيح وهو على الصليب إلى يوحنا الحبيب (يوحنا 19: 25-27)، فلاشك أن أولادها كانوا أولى بها لو كان لها اولاد!! وهى أمهم بالفعل. وقد يقول البعض معترضاً أن إخوتة لم يكونوا قد أمنوا به بعد، ولكن نرد ونقول ما علاقة هذا بذاك، فمن حيث المبدأ المقصود بإخوتة هنا هم أقرباؤة، وحتى على إفتراض زعم المعترض أنهم إخوة يسوع فعلا وأشقاؤة (حاشاً) ولم يؤمنوا به، فهل أيضا لم يؤمنوا بأمهم؟ حتى يتركوها تعيش فى منزل رجل غريب حتى وإن كان هو التلميذ الذى يحبه يسوع، هل أيضاً لم يؤمنوا بقول الله "أكرم أباك وأمك"؟ ويكسروا وصية الرب بإكرام الآب والأم، هل كان سيقبل هؤلاء الرجال الأربعة وبناتها هذا العار فى نظر الآخرين؟ بتركهم أمهم تسكن فى بيت رجل آخر!!: 8- كان يوسف خطيب مريم نجار يعمل فى مهنة النجارة: أَلَيْسَ هَذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ (متى 13: 55)، وجاء عن السيد المسيح أيضاً أنه كان نجار: أَلَيْسَ هَذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ (مرقس 6: 3)، ويذكر التقليد أن يوسف مات وكان عمر السيد المسيح يتراوح ما بين (16-19) سنة، ولا شك أن يوسف النجار علم السيد المسيح تلك المهنة ليتكسب منها قوت يومة وينفق على العذراء أمة لتغطية إحتياجات الحياة بعد ذلك، وتنفيذاً للوصية الإلهية "بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَاكُلُ خُبْزا"، وبالتالى لاشك أيضاً أن يسوع وأمة كانا يسكنان فى منزل يوسف النجار وبة مكان العمل الذى يحتوى على أدوات النجارة، وهذا دليل ضمنى على أن العذراء لم تتزوج بشخص آخر بعد وفاة يوسف بل لم تفارق منزل يوسف النجار.
المزيد
07 أغسطس 2020

المرأة العذراء أم يسوع

العذراء لقب وحيد لم يطلق إلا على والدة الإلة القديسة العذراء مريم أم الله المتجسد. معنى كلمة عذراء: (أ) عذراء مخطوبة (عوَلْما) بالعبرية: almâh (העלמה( هى فتاة ناضجة عذراء مخطوبة لرجل ولم تنجب أولاد. - في اليونانية (نيانيس neanis) - فى الإنجليزية damsel, maid, virgin وقد تكررت كلمة فتاة عذراء (عولما) فى الكتاب المقدس عدة مرات: + (تكوين 24: 14) فَلْيَكُنْ انَّ الْفَتَاةَ الَّتِي اقُولُ لَهَا: امِيلِي جَرَّتَكِ لاشْرَبَ فَتَقُولَ: اشْرَبْ وَانَا اسْقِي جِمَالَكَ ايْضا هِيَ الَّتِي عَيَّنْتَهَا لِعَبْدِكَ اسْحَاقَ. وَبِهَا اعْلَمُ انَّكَ صَنَعْتَ لُطْفا الَى سَيِّدِي». والفتاه المقصوده هنا عذراء غير متزوجه وهى رفقة التى ستكون عروس لإسحق. + (خروج 2: 8) فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: «اذْهَبِي». فَذَهَبَتِ الْفَتَاةُ وَدَعَتْ امَّ الْوَلَدِ. + (مزمور 68: 25) مِنْ قُدَّامٍ الْمُغَنُّونَ. مِنْ وَرَاءٍ ضَارِبُو الأَوْتَارِ. فِي الْوَسَطِ فَتَيَاتٌ ضَارِبَاتُ الدُّفُوفِ. المقصود بهن العذارى أو الفتيات غير المتزوجات. + (أمثال 30: 19) وَطَرِيقَ رَجُلٍ بِفَتَاةٍ. المقصود بها العروس التى حضرت تواً ولم يدخل بها العريس، أى ما زالت عذراء. + (نشيد الأنشاد 1: 3) لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ لِذَلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى. + (نشيد الأنشاد 5: 8) أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ إِنْ وَجَدْتُنَّ حَبِيبِي أَنْ تُخْبِرْنَهُ بِأَنِّي مَرِيضَةٌ حُبّاً. + (أشعياء 7: 14) وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ». وكلمة العذراء فى نبؤة أشعياء النبى، تعنى فتاة عذراء فى سن النضوج والزواج ولكنها غير متزوجة بمفهوم (العلاقة الجسدية)، مثل رفقة عروس إسحق وعذارى سفر النشيد وأخت موسى العذراء التى لم تكن قد تزوجت بعد وعروس النشيد وضاربات الدفوف فى المزامير فى فريق التسبيح للرب. + (تثنية 22: 23) فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُلٍ ولو قلنا أن ولادة المؤمنين من الله هى من أسرار الله: + (يوحنا 1: 13) اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ. وحتى الولادة الثانية بالمعمودية هى أيضاً من الأسرار: + (يوحنا 3: 3-6) 3فَقَالَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ». 4قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟» 5أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ. 6اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. إلا أنها تتكرر كل يوم ومع أشخاص كثيرين يقبلون الله، وينالون المعمودية، أما ولادة السيد المسيح من العذراء فهو حدث عجيب وفريد ووحيد خاص بالسيد المسيح والعذراء مريم وحدهما، فلم يحدث من قبل ولن يتكرر مرة أخرى. (ب) عذراء بتول - (بارثينوس) باليونانية Parthenos (παρθένος) هى فتاة عذراء بتول عفيفة لا تعرف رجلاً ولم تنجب أولاد (ويمكن أن تكون مخطوبة لرجل). + (تكوين 24: 16) وَكَانَتِ الْفَتَاةُ حَسَنَةَ الْمَنْظَرِ جِدّا وَعَذْرَاءَ لَمْ يَعْرِفْهَا رَجُلٌ. + (خروج 22: 16) عَذْرَاءَ لَمْ تُخْطَبْ + (لاويين 21: 13) هَذَا يَاخُذُ امْرَاةً عَذْرَاءَ. + (تثنية 22: 28) فَتَاةً عَذْرَاءَ غَيْرَ مَخْطُوبَةٍ وقد وصف الرسول بولس الكنيسة بأنها عذراء عفيفة مخطوبة لرجل واحد هو المسيح + (كورنثوس الأولى 11: 2) لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً (Parthenos) لِلْمَسِيحِ. فى العهد القديم وصف أشعياء النبى مريم العذراء بكلمة (عوَلْما): "عذراء مخطوبة" + (أشعياء 7: 14) هَا الْعَذْرَاءُ (عوَلْما) تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ». بينما وصف العهد الجديد مريم العذراء بكلمة (بارثينوس): "عذراء لا تعرف رجلاً": حيث إقتبس إنجيل متى نبؤة أشعياء وكتبها هكذا: + (متى 1: 23) «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ (بارثينوس) تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» وإنجيل لوقا كتب العذراء (بارثينوس): + (لوقا 1: 27) عَذْرَاءَ (بارثينوس) مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ (بارثينوس) مَرْيَمُ. والعجيب هنا أن أشعياء إستخدم في نبؤته لفظة (عَولْما)، ("عذراء مخطوبة") وهنا كان إختياره للكلمة أكثر ضمان للمعنى النبوي وأكثر إعجازاً من حيث وصف حقيقة ما سيتم بالفعل من أن مريم ستكون عذراء ومخطوبة لرجل (يوسف النجار). وهكذا إختار الوحى كلمة (عَولْما) للعذراء مريم فى سفر أشعياء للدلاله على أنها ستكون فتاة ناضجة وفى سن الزواج، كما إنها ستكون تحت وصاية خطيب لها، وذلك حسب الترتيب الإلهى لحمايتها عند الحمل والولادة وعدم إتهامها بالزنى. وشاء إلهام الوحى الإلهى فى الترجمة السبعينية من العبرية إلى اليونانية أن يتم ترجمة آية أشعياء النبى "هَا الْعَذْرَاءُ (عوَلْما)" بالعبرية إلى "هَا الْعَذْرَاءُ (بارثينوس)" باليونانية، بمعنى عذراء بتول بكر عفيفة لم تعرف رجلاً قط (أى عدم وجود علاقة جنسية)، ولم يتم ترجمها إلى (نيانيس neanis) وهو المرادف اليونانى لكلمة (عوَلْما) العبرية. وذلك للدلاله على أنها ستكون عذراء دائماً ولن تعرف رجلاً قط لأن محتوى الآية يدل ويؤكد على هذا المعنى وأن الفتاة المقصودة وإن كانت ستكون ناضجة ومخطوبة وتحت وصايا خطيب إلا أنها ستكون عذراء لم ولن تعرف رجلاً قط (بارثينوس) رغم خطبتها ليوسف. ولقد كان جميع الناس فى العهد القديم منتظرين ذلك المولود من نسل المرأة الذى سيأتى ويسحق رأس الحية ويكون بكراً مولود من فتاة عذراء (عوَلْما)، أى بحسب مفهومهم سيولد من عذراء تزوجت ثم أنجبت وليس من أرملة أو مطلقة عرفت رجلاً قبل ذلك. لأنه من الطبيعى فى ضوء العادات والتقاليد أن الفتاة المخطوبة (عوَلْما) مصيرها فى النهاية هو الزواج، فهل تخطب الفتاة لكى تظل مخطوبة دائماً؟ بالطبع لا تخطب الفتاة وتظل هكذا مخطوبة، بل حتماً تنتهى مرحلة الخطوبة بالزواج. أما فى العهد الجديد عند ولادة السيد المسيح وبعد إتمام خلاص العالم بصلب السيد المسيح، كشف لنا الوحى الإلهى فى الأناجيل إعلان تلك الحقيقة وفك رموز سر التجسد الإلهى العظيم: + (تيموثاؤس الأولى 3: 16) عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ فقد تبين لنا أن مريم العذراء (عوَلْما) كانت بالفعل مخطوبة، وظلت مخطوبة بدون زواج ولم تعرف رجلاً قط، ولكنها حبلت بالسيد المسيح بدون زرع بشر وبدون أن تعرف رجلاً قط، لأن الروح القدس حل عليها وقوة العلي ظللتها فكان القدوس المولود منها هو إبن الله، فإنطبق عليها لقب العذراء البتول (بارثينوس). وهكذا جمعت العذراء بطريقة معجزية بين الكلمة العبرية العذراء المخطوبة (عوَلْما)، والكلمة اليونانية العذراء البتول (بارثينوس)!!! فكانت العذراء البتول المخطوبة. والنقطة الهامة فى هذا الموضوع هو من ستحبل به هذه العذراء وتلده، إنه "عمانوئيل" أى "الله معنا" أى أن الذى ستحبل به العذراء هو "إيل الله" الذى إتحد بالناسوت داخل أحشائها، إنها ستلد الإله المتجسد، الله الظاهر فى الجسد، ستلد الناسوت المتحد باللاهوت "الذى فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" ولذلك كان لابد أن تكون عذراء وتظل عذراء لأنها لم تلد مجرد مخلوق بل ولدت الإله المتجسد الذى حل فى أحشائها تسعة أشهر وإتخذ جسداً داخل احشائها (عبرانيين 10: 5)، وتغذى على غذائها فكان لابد أن تحبل وهى عذراء وتظل عذراء وتلد وتظل عذراء، فالمولود هو الخالق ذاته. ولقد لقب أباء الكنيسة القديسة مريم بالعذراء (بارثينوس) والدائمة البتولية (إيبارثينوس). لقب العذراء فى الإنجيل: كما سبق وأوضحنا أن العذراء جمعت بطريقة معجزية بين الكلمة العبرية العذراء المخطوبة (عوَلْما)، وهى قبل ولادة يسوع بصفتها خطيبة يوسف النجار، والكلمة اليونانية العذراء البتول (بارثينوس)! وهى بعد ولادة يسوع وصارت والدة الإله أم يسوع وأم ربى. 1- لقب العذراء قبل ولادة يسوع (خطيبة يوسف النجار) يكشف إنجيل متى قبل ولادة يسوع أن يوسف النجار ومريم العذراء كانا خطيبان، فهما زوجان وفق العادات اليهودية القديمة تم عقد زواجهما في وقت سابق ولم تنتقل مريم بعد إلى بيت يوسف، وهذا ما تعنيه كلمة الملاك المشجّعة ليوسف القلِق بشأن حبلها: "لا تَخَفْ أن تأخذ مريم إمرأتك"، أى لا تبطئ وتتردد بنقلها إلى بيتك "لأن الذي حُبِل به فيها هو من الروح القدس" (متى 1: 20). وهكذا كان لقب العذراء قبل ولادة يسوع أنها إمرأة يوسف النجار + (لوقا 1: 27) عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. + (لوقا 2: 5) لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى. + (متى 1: 16) وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ. + (متى 1: 19) فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. + (متى 1: 20) يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ + (متى 1: 24) فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. وقد يتساءل البعض عما إذا كان قد وجد بين القديسة مريم والقديس يوسف علاقة جسدية، بعد إتمام الخطوبة ومراسم الزواج. العذراء بنفسها أجابت للملاك "كيف يكون لي هذا وأنا لا أعرف رجلا" (لوقا 1: 34)، وقد قال أوغسطينوس في تعليقه على سؤال القديسة مريم للملاك: بالتأكيد ما كانت تنطق بهذا ويوجد نذر مسبق بأن تقدم بتوليتها لله، وقد وضعت في قلبها أن تحققه. 2- لقب العذراء أثناء الحبل بيسوع (أم ربى "والدة الإله") تم الحبل الإلهى بالسيد المسيح منذ اللحظة التى قالت فيها العذراء للملاك ليكن لى كقولك، وبمجرد إعلان موافقتها، حينئذ تجسد الله الكلمة فى بطنها، ومضى من عندها الملاك. ونظراً لأن الله يقدِّس الحريّة الإنسانيّة، فيرى اللاهوتيون أنه فى اللحظة التي قدَّمت مريم الطاعة لله والخضوع له تم التجسُّد، إذ لم يكن ممكناً أن يتم التجسّد بغير إرادتها ورغماً عنها. + (لوقا 1: 36-38) 36وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا وَهَذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِراً. 37لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ». 38فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ. نستدل على أن التجسد الإلهى تم فى اللحظة التى قالت فيها العذراء للملاك ليكن لى كقولك، أن أليصابات كانت حبلى فى الشهر السادس، ولما ذهبت العذراء فى تلك الأيام لزيارة أليصابات نسيبتها فى يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات. فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت من الروح القدس وصرخت بصوت عظيم وقالت: «مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك! فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟ + (لوقا 1: 39-43) 39فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا. 40وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. 41فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا وَامْتَلَأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 42وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! 43فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ وكا سبق القول أن أيصابات كانت حبلى فى الشهر السادس، ولما زارتها مريم مكثت عندها نحو ثلاثة شهور ثم ولدت أليصابات فى شهرها التاسع يوحنا المعمدان: + (لوقا 1: 56-57) 56فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا. 57وَأَمَّا أَلِيصَابَاتُ فَتَمَّ زَمَانُهَا لِتَلِدَ فَوَلَدَتِ ابْناً. وهذا يدعم القول أن التجسد الإلهى تم فى اللحظة التى قالت فيها العذراء للملاك ليكن لى كقولك. 3- لقب العذراء بعد ولادة يسوع (أم يسوع "والدة الإله"): لقد نفى متى البشير بأسلوب رائع إمكانية قيام أية علاقة جسدية بين يوسف ومريم خارج نطاق الدور الذي أُوكل إليه من قبل الله أن يتممه، وهو أن يعطي يوسف الأبوة الشرعيةً باتخاذه يسوع إبنا له ويحافظ على "الصبي وأمه". وبعد ولادة يسوع نلاحظ أن متى لا يعود يربط بين يوسف ومريم، فلا يطلق على يوسف زوج مريم، ولا على مريم إمرأة يوسف، إنما أُبرز حصراً دوره الجديد فى رعاية الصبى وأمة. وأطلق على السيدة العذراء "أم الصبى": + (متى 2: 11) وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ وَرَأَوُا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ + (متى 2: 13) قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ + (متى 2: 14) فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ + (متى 2: 20) قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ + (متى 2: 21) فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. + (يوحنا 2: 3) وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». + (يوحنا 19: 25) وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ أُمُّهُ وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. + (أعمال الرسل 1: 14) هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ مَعَ النِّسَاءِ وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ وَمَعَ إِخْوَتِهِ. وهكذا أعطى متى البشير صورة أخرى عن هذه بتولية مريم العذراء، فقد كان الملاك يقول ليوسف النجار "قم وخذ الصبى وأمه" (وليس قم وخذ الصبى وزوجتك)، مما يدل ويؤكد انه لم يصبح زوجاً فعلياً لها بعد ميلاد يسوع، ولم يكن له أى صله زواجية بها وإلا لكان قال له "خذ الصبى وزوجتك" وليس "الصبى وأمه". ولكن قول الملاك هذا وتأكيد متى الإنجيلى يؤكدان أن مهمة يوسف كخطيب وزوج قد نجحت فى حماية العذراء من إتهامها بالزنا وكانت مهمة شرعية وظاهرية أمام الناس ولإخفاء سر التجسد والفداء عن الشيطان. ولذلك كان فى الظاهر أمام بنى إسرائيل أن يسوع هو إبن يوسف، وكان يوسف فى الظاهر أمام الناس هو أبيه بالإضافة إلى حرفة النجارة ولذلك قيل عن (يسوع) على ما كان يظن إبن يوسف"، ويسوع إبن يوسف الذى من الناصرة، وأليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذى نحن عارفون بأبية وأمه"، وأليس هذا إبن النجار. ولقد إستشهد متى بما جاء فى سفر أشعياء النبى عن بتولية مريم الدائمة: "هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عِمانوئيل الذي تفسيره الله معنا": + (متى 1: 23) «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا). + (أشعياء 7: 14) وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ». قال أشعياء النبى العذراء تحديداً، وليس عذراء، وإذ به يوضح أن العذراء هو لقب مقصود بالتحديد لتلك التى ستلد عمانوئيل، فهى ليست عذراء لحين بل عذراء كل حين (العذراء). لأنه من الطبيعى أن أى فتاة بكر تتزوج كانت فى الأصل عذراء، وقد تكون متزوجة (ليست عذراء) ولا تحبل، ولكن أشعياء هنا أكد أن تلك العذراء آية السيد الرب ستحبل وتظل عذراء وتلد وتظل عذراء، لأن لقبها العذراء. ولوحظ أن الاصل العبري في سفر إشعيا يُبرز معنى أن كلمة "العذراء" جاءت معرفة بحرفى الألف واللام، كصفة نوعية مستديمة ولقب دائم لأم عِمانوئيل، إذ عُرّفت ب "ال": "هوذا العذراء" وليس "هوذا عذراء" للربط بين دوام البتولية وحقيقة التجسد. ولقد كان فى إمكان أشعياء أن يقول: ها عذراء تحبل وتلد إبناً ولكن هذه الآيه تنطبق على كل النساء العاديات ويمكن القول عنهنّ: "ها إنّ عذراء حبلت وولدت" وبذلك لن تبقى عذراء بسبب زوال بكارتها بمجرد الزواج والحمل. أما هنا فإن القديسان متى وأشعياء يُصرّان على أنّ والدة السيد المسيح هي العذراء المقصودة بالنبؤة وحدها وقد ولدت السيد المسيح له المجد وظلّت عذراء. وهكذا إتفق أشعياء النبي ومتى الرسول على إطلاق لقب "العذراء" على مريم، ومع العلم بأنّ الطبيعة تنفي أن تكون الوالدة (الأم) عذراء. إلا أن وصف مريم بأنها "العذراء" يعني دوام بتوليتها وهذا اللقب خاص بها وحدها من دون نساء العالم من قبل ومن بعد والتأكيد على أنه حدث واحد وحيد حدث ولن يتكرر إلى الأبد. وقيل فى قصة سمعان الشيخ الذى حمل السيد المسيح وهو طفل على زراعية وباركة (لوقا 2: 25-35)، أنه كان أحد الإثنين وسبعين شيخًا من اليهود الذي طلب منهم بطليموس إبن لاجيس الملقب بالغالب حوالي سنة 269 قبل الميلاد ترجمة التوراة من العبرية إلى اليونانيّة وإيداعها فى مكتبة الإسكندرية، والتي سُمِّيت بعد ذلك بالترجمة السبعينيّة. وقيل أنه لما وصل إلى أية "هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»" (أشعياء 7: 14)، أنه أراد حذف أداة التعريف (أل) من كلمة (العذراء) لتصبح (عذراء) أو إستبدال كلمة العذراء بكلمة فتاة وهى تعنى عذراء أو إمرأة تخوفاً من سخرية الملك من ذلك، فظهر له ملاك الرب وأكّد له أن يكتب ما يقرأ (العذراء) وأنه لن يرى الموت حتى يعاين مولود هذه العذراء. وقد تم ذلك وعاش هذا البار نحو 300 سنة حتى ولد السسد المسيح. وكان قد كف بصره، وعند قدوم الطفل يسوع إلى الهيكل أتى بالروح إلى الهيكل وحمل الطفل يسوع على يديه وانفتح لسانه بالتسبيح، مشتهيًا أن ينطلق من هذا العالم بعد معاينته بالروح خلاص جميع الشعوب والأمم، ويقال أنه تنيح فى اليوم التالى مباشرة.
المزيد
05 أغسطس 2020

نسب مريم العذراء

عائلة مريم: نستطيع أن نتعرف على بعض أفراد عائلة مريم العذراء، فقد كان لها أخت تحمل نفس الإسم مريم، وجاء ذكرها في بشارة يوحنا عند حادثة الصلب حيث "كانت واقفات عند صليب يسوع أُمُّهُ وأخت أُمِّهِ مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية" (يوحنا 19: 25). وهى أيضاً نسيبه أليصابات زوجة زكريا الكاهن أم يوحنا المعمدان (لوقا 1: 36). 1- نسب مريم العذراء: يعود نسب القديسة العذراء مريم إلى زربابل من عائلة وبيت داود، ونجد أن البشير لوقا يؤكد هذه الحقيقية، أن العذراء مريم ووليدها يَعُودَان لسبط يهوذا، وبالتحديد بيت داود. حين كلمها الملاك قائلاً "فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية" (لوقا 1: 30 – 33). وهذا ما هو واضح في قول زكريا الكاهن "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه، وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاهُ" (لوقا 1: 68-69). وجاء عن نسب السيدة مريم العذراء فى السنكسار يوم 16 أمشير الآتى: تزوج متثات من سبط لاوي من بيت هارون من صوفية وأنجب ثلاث بنات حسب الترتيب الآتى: 1- مريم (أم سالومي) إهتمت بالعذراء مريم أثناء ميلاد المسيح 2- صوفية (أم أليصابات) والدة يوحنا المعمدان 3- حنة (أم مريم العذراء) أم يسوع المسيح إذن تكون: سالومي وأليصابات ومريم العذراء بنات خالات وهذا هو النسب الأوقع لأن الملاك قال لمريم هوذا أليصابات نسيبتك، فهى بنت خالتها. 2- نسب يوسف النجار قد قال القديس مار يعقوب اسقف اورشليم فى ميمر عن ميلاد السيدة العذراء مايأتى: - تزوج متان من سبط يهوذا ببيت داود من إمرأة فولدت له ولدين الأول يعقوب والثانى يواقيم - توفى متان فتزوجت إمرأته رجلا من نسل ناثان أخو سليمان بن داود وكان اسمه متثات بن لاوى فولدت إبنا إسمه هالى فصار أخو يعقوب ويواقيم من الأم - تزوج هالى إمرأة ثم توفى ولم يخلف نسلا.. فأخذ يعقوب أخوه إمرأته وأنجب منها ابنا سماه يوسف وهو الذى سمى خطيب مريم - كان يوسف ابن يعقوب ودعى بن هالى بالاسم من اجل قول الله لموسى: اذا مات رجل ولم يخلف ولدا فليأخذ اخوة امرأته ليقيم زرعا لاخيه. وأول ولد يأتى منه ينسب الى المتوفى الذى لم يخلف ولدا، ولذلك نسب لوقا الى يوسف انه يظن به انه ابن هالى بن متان بن لاوى بن ناثان. أما يواقيم أخو يعقوب فتزوج بأمرأة تدعى حنة وهى اخت اليصابات العاقر امرأة زكريا الكاهن ابو يوحنا المعمدان ومكثا بعد زواجهما احدى وثلاثين سنة ولم يرزقا نسلا وكانا بارين يتقيان الله ويحفظان وصاياه فأكثرا من الصلاة الى الرب طالبين ان ينزع عارهما ويهبهما نسلا وتعهدا بأنه اذا اعطاهما زرعا ولدا كان او بنتا يقدمانه قربانا للرب خادما ومسبحا فى هيكله فظهر ملاك الرب للقديسة حنة وبشرها بأنها ستلد زرعا يشيع اسمه فى جميع الارض سلاما وخلاصا ورحمة وبركة فحبلت حنة وولدت بنتا اسمتها مريم ولما اكملت من العمر ثلاث سنوات قدمها ابواها الى الهيكل اتماما لنذرهما وفى السنة السادسة من عمرها توفى ابوها وبعد ذلك بسنتين توفيت امها ايضا، ومكثت فى الهيكل الى ان بلغت الثانية عشرة من عمرها. 3- نسب يوسف النجار ومريم العذراء وضع القديس يعقوب الرسول جدول وملخصة أن: هناك أخوان (متثات – متان)، ومات متان بدون نسل فتزوج متثات زوجة أخية المتوفى متان فأنجب ولدين هما: هالى يواقيم ومات هالى بدون نسل فتزوج يعقوب من أرملة هالى وأنجب منها: يوسف النجار ويعقوب هذا إما هو أخو هالى ويواقيم أو قريباً لهما زوج حنة أم مريم العذراء: وأنجب يواقيم بنتين بإسم مريم: 1- الأولى مريم العذراء 2- الثانية مريم زوجة كلوبا التى ولدت: يعقوب - يوسى - سمعان – يهوذا وهؤلاء يقال لهم إخوة يسوع وبحسب هذا النسب يكون يوسف النجار إبن عم مريم العذراء، وكلوبا أو (حلفى) إما يكون أخو يوسف النجار أو قريباً له وهو زوج أختها الصغرى مريم التى أنجبت يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا. + (متى 13: 55) أَلَيْسَ هَذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟ + (مرقس 15: 40) وَكَانَتْ أَيْضاً نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي. + (مرقس 16: 1) وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ حَنُوطاً لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ. وهناك عدة أراء بخصوص نسب يوسف النجار: 1- يوسف إبن يعقوب بالجسد. 2- يوسف إبن هالى بالتبنى. 3- هالي هو جد مريم العذراء (حسب التلمود اليهودي وكتب اليهود). 4- حينما تزوج يوسف من العذراء نُسِبَ إلى هالي. 5- يقول البعض أن هالي كان والد مريم العذراء وليس جدها فهو اسم ثانٍ لاسم يواقيم. وعلى هذا المنوال يكون يوسف النجار أخو مريم العذراء، وهذا ليس صحيحاً. 6- والد مريم العذراء لم يكن له ابن لذلك دُعِىَ يوسف خطيب مريم ابناً له. وقد حدث هذا فى القديم: - هقوص تسمى باسم حميه برزلاى الجلعادي: + (نحميا 7: 63) وَمِنَ الْكَهَنَةِ: بَنُو حَبَابَا بَنُو هَقُّوصَ بَنُو بَرْزِلاَّيَ الَّذِي أَخَذَ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ بَرْزِلاَّيَ الْجِلْعَادِيِّ وَتَسَمَّى بِاسْمِهِمْ. - راعوث أصبحت بنتاً لنعمى حماتها (راعوث 2: 2) وهكذا يمكن أن ينسب الرجل لحميه. والبنت لحماتها أو حميها. وهناك رأي آخر يقول أن اليهود كانوا إذا تعذر عليهم معرفة الأب ينسبون الطفل لجده أبو أمه. ولذلك قال لوقا أنه على ما كان يظن ابن يوسف ابن هالي. ويوسف كان قريباً للعذراء مريم وكلاهما من سبط يهوذا ومن نسل داود الملك. وكانت عادة عند اليهود أن يزوجوا ويتزوجوا من الأقارب. ويوسف ابن هالي الشرعي ووارثه، مع أنه كان ابن يعقوب الطبيعي الحقيقي، فيكون متان تناسل من سليمان واقترن باستا، ومنها خلف يعقوب, وبعد وفاة متان اقترن متثات الذي كان من سبط يهوذا ولكنه من عائلة أخرى، بأرملة متان، فولد هالي, فكان يعقوب وهالي من أم واحدة, ومات هالي بدون نسل، فتزوج أخوه أرملته، وخلف يوسف، فكان ابن هالي الشرعي. أليصابات نسيبة مريم العذراء + (لوقا 1: 36) وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا سؤال: لماذا قال الملاك للسيدة العذراء: وهوذا أليصابات نسيبتك هى أيضا حبلى؟ والمعروف أن أليصابات هى إمرأة زكريا وهى من سبط لاوى والعذراء من سبط يهوذا؟ وكان آنذاك ممنوع التزاوج بين الأسباط المختلفة فكيف تزوج زكريا الكاهن من سبط لاوى من أليصابات من سبط يهوذا؟ الرد: + (لوقا 1: 5) كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا وَامْرَأَتُهُ مِنْ بَنَاتِ هَارُونَ وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ. + (لوقا 1: 26-27) 26وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ. 27إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. كلمة نسيبتك لها معنى أشمل وعام، فقد قال بولس الرسول عن اليهود: + (رومية 9: 3-4) 3فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُوماً مِنَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ الْجَسَدِ. 4الَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ وَلَهُمُ التَّبَنِّي وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ وَالِاشْتِرَاعُ وَالْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ وكما ان الملاك ظهر ليوسف فى حلم قال له: " يايوسف ابن داود " لانه اراد ان يذكره بوعد الله السابق ان المسيح سيأتى من نسل داود. وهكذا أيضا عبارة "هوذا اليصابات نسيبتك" ترجعنا الى ذاك الماضى البعيد، عندما تزوج قديما هارون أول رئيس كهنة حسب الناموس من اليشابع أى أليصابات إبنة عميناداب أخت نحشون + (خروج 6: 23) وَاخَذَ هَارُونُ الِيشَابَعَ بِنْتَ عَمِّينَادَابَ اخْتَ نَحْشُونَ زَوْجَةً لَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ نَادَابَ وَابِيهُوَ وَالِعَازَارَ وَايثَامَارَ. + (أخبار الأيام الأول 2: 10) وَرَامُ وَلَدَ عَمِّينَادَابَ, وَعَمِّينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُونَ رَئِيسَ بَنِي يَهُوذَا. وهكذا نجد أن إتحاد نفس السبطين تكرر مرتين وبنفس الاسم "اليصابات" التى تزوجها هارون واليصابات قريبة العذراء التى تزوجها زكريا الكاهن.
المزيد
02 أغسطس 2020

دَوَام بتولية مَرْيَم الْعَذْرَاء وَالِدَة الإلة

"ولد يسوع الْمَسِيح حَسَب الْجَسَد مَن سيدتنا القديسة المعظمة مَرْيَم وَالِدَة الإْلَه الدائمة البتولية" البابا بطرس خَاتَم الشهداء "كانت بتولاً قَبَّل الْحَبَل والْوِلادَة، وظلّت بتولاً حَتَّى الْوِلادَة وَبَعْدَهَاوَهَذِه الأقوال الَّتِي أؤمَن بصحّتها تدعم وبكلّ تَأْكِيد الْحَقِيقَة الْقَائِلَة إنّ مَرْيَم هِي وَالِدَة الإِلَه"مارتن لوثر مقدمة: إن دوام بتولية مريم العذراء، وإنجابها الطفل يسوع، وصلب المسيح إبن الله، من الأسرار العظمى التى أخفاها الله عن الشيطان رئيس هذا العالم، ثلاثة أسرار تحققت فى صمت الله ولكن تم إعلانها جهراً، وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ (1تيمو 3: 16). فقد عملت حكمة الله في سر، الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا، والتي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر، لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ (1كو 2: 8). وكما قال البابا بطرس خاتم الشهداء: "ولد يسوع المسيح حسب الجسد من سيدتنا القديسة المعظمة مريم والدة الإله الدائمة البتولية". وأكد ذلك مارتن لوثر أبو الإصلاح البروتستانتى عن مريم العذراء بقولة: "كانت بتولاً قبل الحبل والولادة، وظلّت بتولاً حتى الولادة وبعدها، وهذه الأقوال التي أؤمن بصحّتها تدعم وبكلّ تأكيد الحقيقة القائلة إنّ مريم هي والدة الإله". نعم، لقد كان ميلاداً معجزياً من عذراء بتول ومخطوبة، فكما خرجت حواء من جنب آدم (تكوين 2 : 21)، وكما ظهر ملاك الرب لموسى فى العليقة بلهيب نار ولم تحترق (خروج 3 : 2)، وكما جرت المياه من الصخرة (خروج 17 : 6)، وكما شاهد دانيال حجر المقطوع من الجبل ولم تلمسه يد إنسان البته (دانيال 2: 34)، وكما مشى السيد المسيح على الماء ولم يخرق غشاء الماء (متى 14 : 26)، وكما خرج المسيح من الأكفان عند قيامتة وهى ملفوفة حول جسدة (لوقا 24 : 12)، وكما دفن المسيح فى قبر لم يوضع فيه إنسان (لوقا 23 : 53)، (يوحنا 19 : 41) وخرج من القبر بعد قيامتة وهو مغلق (مرقس 16 : 4-5)، وكما دخل العلية بعد قيامتة على التلاميذ والأبواب مغلقة (يوحنا 20 : 19)، وكما يمر النور من زجاجة مليئة بالماء وينفذ إلى الجهة الأخرة دون أن يثقب الزجاجة وبدون أن يسيل الماء من الزجاجة، وكما سمح الله أن تحبل مريم بالمسيح كلمة الله وبتوليتها مختومة (متى 1 : 18)، فكم بالأحرى أن يولد المسيح من بطن العذراء مريم البتول بدون أن ينقض بتوليتها، وهكذا تمت ولادة المسيح من رحم العذراء مريم دون أن تفقد بكارتها وظلت عذراء. فهو الوحيد القادر أن تلد العذراء وتظل بكوريتها مختومة. ولقد دعانا السيد المسيح من محبتة لنا وتواضعه إخوة له، أما نحن فعبيدة، وقيل عن يعقوب ويهوذا أنهما من إخوة الرب، أما يعقوب فقد قال: "يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللَّهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (يعقوب 1: 1)، ويهوذا قال: "يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَخُو يَعْقُوبَ" (يهوذا 1: 1)، ويوحنا الحبيب التلميذ الذى كان يسوع يحبه قال عن نفسة "ِعَبْدِهِ يُوحَنَّا" (رؤيا 1: 1). أما إصرار الكنيسة على بتولية العذراء مريم، فلا يعني أن الأرثوذكسية تقلل من شأن الزواج الذى هو أحد أسرار الكنيسة السبعة أو تحقر من شأن الجسد. ولكنها تحارب فكرة مشاركة الإنسان لهيكل الله الذى تجسد فيه (رحم العذراء). ولقد حاربت الكنيسة منذ القديم بدعة أن مريم العذراء قد تزوجت وأنجبت أولاداً بعد ولادة السيد المسيح، فمن منطلق أن أحشاء العذراء كانت مسكنا وهيكلاً مقدس لكلمة الله المتجسد الذى حل فيه، فلا يعقل أن يوجد إنسان آخر (جنين) فى هيكل الله (أحشاء مريم العذراء)، ولا يعقل أيضاً أن تتزوج العذراء بعد ذلك بإنسان وتلد بنين وبنات، وقد أشارت نبؤة حزقيال النبى إشارة واضحة إلى بتولية العذراء الدائمة فقد حل عليها الروح القدس والكلمة الأزلى إتخذ جسداً من لحمها ودمها وحل فى أحشائها تسعة أشهر وخرج، وصارت أحشائها هيكلا لله. فلقد كانت بطن العذراء مسكن الله المتجسد فى أحشائها فهو رمز لهيكل الله لا يجلس فية سوى الله وحده، وعلى ذلك لا يمكن لأى إنسان آخر أن يشارك الله فى مسكنة وهيكلة. ومن الخطأ القول بأن البروتستانت ينكرون بتولية مريم العذراء، فقد أقر زعماء الإصلاح البروتستانت أنفسهم في القرن السادس عشر أنّ مريم دائمة البتوليّة وعلى رأسهم مارتن لوثر. ولكن الواقع الحالى أن منكرى بتولية العذراء وإن كانوا يندسون الآن وينتمون للمذهب البروتستانتى وهو برئ منهم، فهم فى الأساس أبيونيون ونساطرة ولا يعلمون، ويتبعون بدعة نسطور الذى أنكر بتولية العذراء وأنكر عليها لقب والدة الإله، ليس إنكاراً لذاتها، بل إنكاراً للاهوت المسيح نفسه. ومن جهة أخرى كانت مغالاة الكاثوليك فى تكريم العذراء مريم خلال القرن الماضى، أحد الأسباب الرئيسية التى دفعت بعض البروتستانت للهجوم على العذراء مريم وإنكار لقب والدة الإله عليها وأنها ليست دائمة البتولية، هو الفكر الكاثوليكى المتطرف الذى غالى فى تكريم مريم العذراء لدرجة العبادة، نعم!! فالكاثوليك الآن يؤمنون بعبادة مريم (حاشاً)، وأنها هى الوحيدة من البشر المعصومة من الخطأ والتى حبلت بها أمها حنة بلا دنس الخطيئة الأصلية لآدم، بل ولقبها الكاثوليك أيضاً بأنها سيدة المطهر التى سوف تتشفع من أجل الخطاة الذين ماتوا وذهبوا إلى الجحيم لكى ما ينقلهم المسيح إلى الفردوس!!. بل ووصل الأمر أن بابا الكاثوليك هو أيضاً معصوم من الخطأ. والكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترفض كل ذلك ولكن لم تدفعها عقائد الكاثوليك إلى مهاجمة العذراء نفسها والإقلال من شأنها وكرامتها الموحى بها فى الكتاب المقدس، بعكس بعض البروتستانت الذين ردوا على تطرّف الكاثوليكى بتطرّف آخر معاكس، فأنكروا إكرام مريم، وأنكروا شفاعة العذراء والقدّيسين. وأنكروا أن العذراء دائمة البتولية، بل وتزوجت وأنجبت أولادا وإستشهدوا بعبارات إخوة يسوع المقصود بهم أبناء خالتة وأقرباؤة بأنهم إخوة أشقاء له ولدتهم مريم. وأخذوا يشيهون العذراء مريم بأنها لا تمثل سوى قشرة بيضة خرج منها الكتكوت فلا قيمة للقشرة بعد ذلك، وأنها لا تعدو كعلبة قطيفة تحوى فى داخلها جوهرة غالية الثمن فإذا أخذنا الجوهرة لا قيمة للعلبة... ألخ، ولعلهم قد تناسوا أنهم بذلك يفصلون بين جسد العذراء وجسد السيد المسيح الذى إتخذة من مريم العذراء، فالطبيعة الجسدية واحدة ومتجانسة لهما، بعكس علبة القطيفة والجوهرة، وقشرة البيضة والكتكوت فلا تجانس بينهم وطبيعتهم المادية مختلفة. كما أن تشبيه العذراء بعلبة القطيفة معناه أن جسد المسيح ليس مأخوذاً منها بل كان موضوعا فيها "فإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم إشترك هو أيضاً كذلك فيهما" (عبرانيين 2: 14)، ولذلك قال بولس الرسول عن المولود إبن الله، أن الله أرسل إبنه مولودا من إمرأة (غلاطية 4: 4)، ونقول فى قانون الإيمان: "تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس". فالله قدس بطن العذراء حينما حل داخل أحشائها مثلما قدس صندوق تابوت العهد الخشى عندما وضع فيه لوحى الشريعة وقسط المن، لدرجة أن من يلمس تابوت العهد الخشى كان موتاً يموت من قبل الرب. وكما أن تابوت العهد قديماً كان يوضع فيه لوحى الشريعة (كلام الله) وقسط المن، هكذا حل المسيح كلمة الله المن الحقيقى فى بطن العذراء، وإستحقت أن تكون قسطاً للمن الجديد السماوى الذى يأكلة لا يموت (يوحنا 6: 50-51)، فمن يقول أن العذراء تزوجت وأنجبت أولاداً، فهو يقر بإمكانية وضع كلام آخر وخبز آخر داخل تابوت العهد (رحم العذراء) بجوار إبنها الكلمة المن الحقيقى خبز الحياة. نعرف أنه قديماً مَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ إِلَى تَابُوتِ اللَّهِ وَأَمْسَكَهُ... فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى عُزَّةَ وَضَرَبَهُ فَمَاتَ (2صم 6: 6-7)، فمن هو الذى إذن يجرؤ وأن يمس تابوت الله وهيكلة المقدس ويجلس فى مكان القدوس؟!!، ومن يقول أن العذراء مثل قشرة البيضة وعلبة القطيفة لا قيمة لها، يقول أن تابوت العهد لا قيمة له (حاشاً) فقد تقدس التابوت الخشبى عندما تم وضع كلام الله فيه، فكم بالأولى مريم العذراء أم المن الحقيقى كلمة الله المتجسد والمولود منها هو قدوس فإستحقت أن تكون والدة الإله أم القدوس. وفى الواقع تعود جذور تلك الفكرة الشيطانية، إلى زمن سقوط الشيطان نفسة الذى فكر أن يأخذ مكان الله، ويجلس فى هيكل الله على العرش الإلهى، فإنحدر إلى أسافل الجحيم: (أشعياء 14: 12-15) 12كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ 13وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ. 14أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. 15لَكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ. وبعد أن فشل مخطط الشيطان وإنحدر مسحوقاً إلى أعماق الجحيم منذ قديم الأزمان، عاد إبليس ببث سمومة من جديد وأغوت الحية القديمة حواء بالأكل من الشجرة قائلة لها "تَكُونَانِ كَاللهِ" (تكوين 3: 5)، وهكذا سقط الإنسان فى خطيئة الكبرياء التى سبقها الشيطان لها لأنه أراد أن يكون مثل الله، ثم عاد الشيطان مرة أخرى بنشر بدعة إنكار بتولية العذراء مريم وإنها أنجبت أبناء آخرين هم إخوة يسوع وكأنهم هكذا أصبحوا مثل الله جلسوا فى هيكلة وشاركوه فى نفس موضع سكنة وكانوا معة فى نفس تابوت العهد (رحم مريم العذراء)!!! وهكذا يتحقق لنا أنه بسبب خطيئة الكبرياء سقط الشيطان وأعقبة الإنسان العتيق آدم وحواء، أما العذراء مريم والدة الإله فقد إستحقت أن تدعى أُمُّ الرَّبِّ لأنها قالت: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». هذا ونؤكد أن بتولية القديسة مريم العذراء ليس أمراً يخص حياتها الشخصية، لكنها حقيقة إنجيلية تخفى إيماننا فى المسيح يسوع وينطوى ورائها الكثير من المفاهيم والحقائق اللاهوتية. فالمسيح كلمة الله عند تجسده لم يهتم بنوع الموضع الذى يضطجع فيه أو الملابس التى يتقمط بها أو الطعام الذى يقتات به، ولكنه إهتم وحدد بدقة "العذارء" التى ستصير له أماً. فقد قدم أشعياء النبى علامة نبوية لهذا الميلاد العذروى قائلاً "هوذا العذراء تحبل وتلد إبناً يدعى إسمه عمانوئيل". أما دوام بتولية القديسة مريم "دائمة البتولية" فأكدها حزقيال النبى بقوله عن رحم العذراء: "هذا الباب يكون مغلقاً لا يفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً" (حزقيال 44: 1-3). ويذكر التقليد المقدس أن مريم العذراء كانت نذيرة للهيكل وللرب من قبل ولادتها حسب نذر أمها حنة التى كانت عاقراً، وطلبت إذا رزقها الله نسلاً تنذرة للرب كل أيام حياتة، ولما ولدت مريم وأتمت ثلاث سنوات من عمرها نذرتها للهيكل، لتنضم إلى صفوف العذارى بالهيكل، ثم مات أبوها وعمرها 6 سنوات وماتت أمها وعمرها 8 سنوات، وعندما بلغ سن العذراء مريم 12 سنة، كان لابد من خروجها من الهيكل، ولأن كهنة اليهود يعلمون أنها نذيرة للرب كل أيام حياتها شاءت العناية الإلهية أن يستودعوها عن رجل شيخ بار إسمة يوسف النجار ليرعاها بعد موت والديها وحتى تكون معه تحت غطاء شرعى وقانونى قاموا بعقد الخطبة، تمهيدا لعقد زواج بتولى لهما قبل أن تسكن العذراء مع يوسف النجار. ولما حدث الحمل الإلهى وكان يوسف متحيراً ومتفكراً فى الأمر وإذا كان رجلاً بارا لم يشأ ان يشهر بها فأراد تخليتها سراً أى إعطائها كتاب طلاق على يد إثنين شهود بدلاً من فضح أمرها أمام الشعب ويرجموها كزانية حسب شريعة موسى، ولكن ظهر له ملاك الرب وأعلمة بسر الحمل الإلهى وطلب منه أن لا يخف من أن يأخذ مريم إمراتة إلى بيتة أى يتمم مراسم عقد الزواج البتولى، وبالفعل نفذ يوسف ما أمرة به ملاك الرب، وسكنت مريم فى بيت يوسف النجار ولم يعرفها ولا حتى بعد ولادة إبنها البكر: (متى 1: 18-24) 18أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 19فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. 20وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 21فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». 22وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: 23«هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا). 24فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. 25وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ.
المزيد
25 يوليو 2020

المقالة السابعة حكم

أيها العابد أسأل الرب أن يمنحك المواهب اللائقة بميعادك فيعطيك ربوات ضعف ما سألت.بغير ماء لا يبنى برج وبغير معرفة لا تقوم فضيلة، رأينا شاباً يعزي شيخاً ويلاطفه بمعرفة فأعطينا به المجد اللـه. أيها العابد لا تمضي وراء شهواتك وأمتنع من أمانيك، إن وسعت على نفسك بما تتمناه من الخير العالمي فقد جعلته شماتة للأعداء، من يسمن لحم جسده إنما يرى شهوات رديئة والأفكار القبيحة لا تزول من عنده.أضعف جسدك وعبده لئلا تصير منفياً، أعمل الخير به فتثمر للـه وأنت تتصرف مع الإخوة، أتشاء أن تجد نياحاً أرتضِ بمائدة الإخوة العمومية فتكون شفاء لجسدك واهتماماً لعظامك ونفسك لا تخسر. فإن بذلت عينيك لمعاينة البرك والأقداح ؛ ستنوح أخيراً ملدوغاً من حية، إن رأيت إنساناً ورعاً ماسكاً بيده أطعمة فلا تدينه بذهنك لأنك لا تدري لمن يقدمها.أهتم بالصنعة الباطنة ولا تزين حائطاً لا ينفع لأن زخرفة القلاية لا تمنح لك صبراً، فلنطلب الأمور الكافية حاجتنا فإن الأشياء الزائدة والمسببة لنا تجاذب الذهن غير نافعة، العاجز يحتج ويقول: أنا اليوم ساكن هنا وغداً أنتقل ولماذا أتعب.ضع في عقلك مثل مطرقة وسنديان مقدم أفكار قلبك ولا تسرع في عمل المنفية منها، من يشمت بسقطة العباد حسناً فذاك سيسقط سقوطاً مضاعفاً، ومن يسترجع إنساناً من ضلال طريقه يخلص.إذا أخطأ أخونا نوبخه بتلذذ وإذا أُدبنا لا نقبل التوبيخ بلذة، يا أخي لا تكن مع المحال بل بالحري كون علية، أتخذ يا أخي الأدب منذ حداثتك فتجد في أوان الشيب فطنة وفهماً، المستعد يحتمل بشهامة العوارض ومن بغض جزء من الحزن يحزن كثيراً، من لا يتوقع المحنة يحزن حزناً وافراً.تسليم المنزل من التواني والتواني شيء ردىء، أما اليقظة فتسبي السابين، ببطلان اليدين يكف البيت وإذ لا يشاء من فيه أن يقيم يهرب منه.العابد العاجز الذي لا يغلق باب قلايته البراني يتكسر من تحريك الرياح إياه، والمتيقظ يكون بغير لؤم، من يلجم عينيه يستر نفسه ومن يطمح بِهما يعبي لذاته ثقلاً لأنه زعم أن طموح الشهوة يضل عقلاً ساذجاً.إن كنت باختلاس أطلقت عينيك إلى الضلال والغرور فأغمض نظرك سريعاً لئلا تسقط في المجامعة القبيحة، وفي حال حرارة جسدك لا تمسه لئلا تضرم الحرارة جداً.الطوبى لمن قد غلب كل شهوة بشرية، ردىء أن ينمو فكر خبيث في النفس يينع كالعشب في مسكبة البقل، أيمكن لجزيرة في بحر أن تجعل الأمواج ألا تصدمها سوى كونِها تقدر أن تناصب بِها، كذلك نحن لا يمكننا أن نقطع ورود الأفكار لكن يمكننا أن نناصبها. ولعل يقول إنسان: فكيف تنغلب النفس وقتاً ما للأفكار ؟ الجواب: لأن النفس لا تناصبها بل تركتها أن تدخل إلى باطنها، فإذا وجدت بعد ذلك مرعى ففي طرفه تحل انتصاب النفس وتحطمها. أربعة آلام بصعوبة تقبل الشفاء: (1) محبة الذات. (2) محبة الفضة. (3) السبح الباطل. (4) أثرة الرئاسة. وهذه لا تقول حسبي لكن لا يصعب على اللـه برء واحدة من هذه. أقتلع الألم قبل أن يتأصل فيك، وقبل أن تغرس عروقه أسحب أصله من أسفل قعر الحفرة وأقتلعه، فإنك إن أهملته يعرق فيك أصلاً يستأسد عليك.المصلي بتيقظ يحرق الشياطين، ومن يصلي متنزهاً متلفتاً فهو مغلوب منهم.من ينقاد لشهوته وللذات الأفكار سريع الانقباض، ومن يحتم ويمسك ينجُ. عدم الأمانة تنتج رخاوة النفس، ورخاوة النفس تنتج التواني، والتواني ينتج النسيان، والنسيان ينتج الغفلة، والغفلة تنتج اليأس، واليأس يولد الموت. من أين تستأسد “تصير كالأسد” الآلام وتترأس علينا؟ أليس من توانينا. لا تستعبد من أعطاك ولا تجعل أعضائك تتمرد عليك وتغتصبك، أعمل بِها الخير لا الشر فتكون قنية مكرمة لسيدك. علامة النفس الوانية كونَها لا تسمع الكتب بتلذذ، والنفس المتيقظة تقبل الأقوال الإلهية كأرض ظامئة إلى المطر. المفرش الوطيئ يربي النوم وينميه، وعدم تقوى اللـه يقويه، ألك خروف لا تحبس معه ذئباً، والأمر الذي يحاربك به العدو لا تدخله إلى بيتك فإن أدخلته إلى بيتك فلا تتراخى للفكر لكن ضع مخافة اللـه بازاء عينيك لئلا تقهقه عليك أعداؤك. البيت المبني على الرمل لا يثبت ؛ ونسك ممزوج باسترضاء الناس لا يثبت ولا يدوم. من يعمل بخشية اللـه لا تخسر أخرته، لا تجلب مناجاة غريبة في وقت الصلاة. يا أخي إن قمت لترتل للـه أفتح فمك لقول اللـه نظير القائل: أرتل لإلهي ما دمت موجوداً. لئلا تناجيك أفكار غريبة فتزعج ذهنك وتكدره لكن رتل بالروح ورتل بالعقل. الدموع في الصلاة موهبة عظيمة والانقياد مع الأفكار الشيطانية هو نظير الموت ومساويه. قلب يتكردس من المعقولات السماوية يربطه الشيطان بالأمور الأرضية ويكتفونه بِها. إذا تَهاونت بالأمور البالية تأخذ الأشياء التي لا تبلى. على الجثة تجتمع النسور وعلى نفس يائسة من ذاتِها تجتمع الشياطين ؛ لأنه أينما تكون الجثة هناك تجتمع النسور. أيها الحبيب فليكن عقلنا فوقاً فإن من بعد مدة يسيرة ننصرف من هنا والأشياء التي قد جمعناها لمن تكون. كما يطرد الدخان النحل هكذا تطرد الرذيلة المعرفة. لا يفرح أحد بالعدل لكن بالاحتشاد، ولا أحد يسر بأنه لم يظلم قريبه بل يسر إن أبتاع بشىء يسير أشياء كثيرة. أمام الرعد يبرق البرق وقدام الغيم المتكاثف يجتمع كل طائر متسارع، وبأكله طُعم الفخ يسلم ذاته للذبح، وغيظ الإنسان يسبب له سقطة. السبع يصطاد من أجل جوفه، والنهم البطن يتهشم من أجل لذة البطن. الفرس الصعب الرأس يدفع صاحبه إلى يد الأشرار، والإنسان الصعب العنق يسقط في الأسواء. في أوان الثلج يقتفى أثر الصيد، وفي وقت التجربة يقتفي العابد الشيطان، دربة العابد تستبين في المحن. أجتهد أيها الحبيب أن تقتني الإفراز الذي فيه فضائل سيرة العبادة مكنوزة، فما ترجمة الإفراز سوى أن تحفظ رفيقك بلا شك ولا اضطراب، وأن تتكلم بأقوال مهذبة مفضلة مؤدية إلى الخلاص. أتريد أن تكون عظيماً صر أخِر الجماعة، أتشاء أن تقتني اسماً صالحاً جهز أعمالك بوداعة، أتقي الرب بالحقيقة ليصير حظك حسناً في أواخرك فإنه يشرف الذين يتقونه. أيها العابد لا تخضع للجسد ؛ ولا تكمن لأخيك ؛ وتصنع له اسماً ذا تعيير مريداً أن تطرده من مكانه بخزى لئلا تتكبد الأشياء التي تآمرت بِها على رفيقك، لأن من يحفر هوة لقريبه يسقط فيها ؛ ويسمع المكتوب: يسقط الخطاة في شركهم. ويتم فيه ذلك القول: كل الذين يريدون أن يعيشوا بالمسيح بتدين حسن يطردون. يا أخي لا تحتج قائلاً: أن الأخ فرزته الجماعة. لا تعمل بإنسان آخر سوءاً، ولا تشارك من يعمل الشر فإن الرب يفحص القلوب والكلى. إن خرج أخوك من الدير فلا تترفع عليه في ذهنك، ولا يكن مستحقراً في عينيك فإنك لا تعلم ماذا ينتج اليوم المقبل، أسمع القائل: من يظن أنه واقف فليحظر ألا يسقط. وأيضاً ليس من يبرهن عن ذاته هو المهذب بل من يبرهن اللـه عنه. لأن كثيرين ارتأوا أن يتقلدوا ويترأسوا فصاروا أقصى بعداً من المقصين، والميئوسين منهم أخذوا نعمة، لأن اللـه يناصب المتكبرين ويعطي المتواضعين نعمة. إن رأيت رجلاً لا يستمع ولا يتمسك في ذاته وهو متكبراً ويعد نفسه حكيماً فاضلاً هذا نصفه أنه مائت إذ لم يتقبل الدسومة الصائرة من مخافة اللـه، وإذا أبصرت إنساناً هادئاً ومتواضعاً فأعلم أن أصله سيثبت لأنه مسق من دسومة مخافة اللـه. يا إخوتي إن كانوا رؤساؤنا ليسوا حاضرين هنا لكن الراعي هو بيننا، لأن صادق هو القائل: أينما يكون اثنين أو ثلاثة مجتمعين باسمي فأنا هناك بينهم. فلنصغ إلى ذاتنا يا أحبائى، مستقبح للعابد أن يضع يده على إنسان، ومن يَرحم يُرحم. إن أعطيت أخاً عملاً فعملاً جيداً تكمل إن أعطيته أجرته بمحبة اللـه لأن من الورع أن لا تضر رفيقك. من وجد طريق طول الأناة والحلم فقد وجد طريق الحياة. الإنسان المسامح يعمل في اليوم المشهور ولا يتزعزع في عمله. عصفور يستدعي عصافير إلى القفص، والخاطئ يستدعي نظيره إلى الشرور. أيها العابد أستعفِ من أن تكون مع الذين يحبون البطالة ولا يرتضون السكون. أهرب من المحبين مجالس الشرب القائلين: أعمل أنا اليوم وتعمل أنت غداً فإنك إن تنازلت لهذه الأقوال فلا تقوم سيرة ذات فضيلة. لكن ماثل الحارين بالروح السالكين في الطريقة الضيقة والمحزنة لتدرك الحياة الخالدة، لأن الطريق العريضة الواسعة ترشد السالكين إلى الهلاك. العابد السئوم الضجور إذا وافاه فكر ما يغلق باب قلايته ويدور هنا وهناك كمركب لا رجل له. فأما الجالس بصبر فلا ينقاد مع الأفكار الباطلة. من يحسد أخاه على نجاحه يفصل ذاته من الحياة الدائمة، ومن يؤازر يكون شريكه. فإن الذين يسعون مع فاعلي الأفعال الطالحة لا يتبرءون لأن الحكم يعذب الفريقين جميعاً، ألا يليق بالرب أكثر أن يعطي ثواباً لمن يساعد في عمل مسرته، وقد كتب: أحزان الصديقين كثيرة ومنها كلها ينجيهم الرب، وكثيرة جلدات الخاطئ وموت الخطاة شرير. ليست هذه فضيلة أن تُشتَم فلا تحس، بل الأفضل أن تتفهم وتطرح المساوئ بتدين حسن لأنه قد قال: إن العاجز إذا عُير لا يخجل. فرأي حسن أن تقطع الغضب بالتبسم أفضل من أن تتوحش متنمراً بلا استئناس. الإنسان الحكيم يستلذ البكاء أكثر من الضحك، من يعطي لفمي حياطة ولشفتي خاتماً لئلا أهفو بِهما فيهلكني فمي، يا سيد حياتي لا تُهملني في رأيهما ولا تتركني أن أسقط بِهما. أنت يارب قلت: من أقوالك تتزكى ومن كلماتك تدان. إن كان النبي قال: إن عدلنا كله وبرنا كخرقة امرأة معتزلة. فماذا أقول أنا المولود بالخطايا؟ فالآن يا سيدى أعلق كافة رجائي برأفتك، فاغفر لي أنا الخاطئ، ولا تعطيني طموح عيني، وصُد عني الشهوة الرديئة. أيها الحبيب لا تصدق المنامات الخداعة فإن كثيرين أضلتهم وسقطوا إذ توكلوا عليها، لأننا إلى أى مقادير بلغنا حتى نعاين مناظر الملائكة. التواضع نجاح عظيم وشرف مجيد ولا سقطة فيه، علامة تواضع القلب أن تعمل بكلتا يديك في كل حين حاجة الأخ وتقبله كذلك. الذي يطلب أن يرث والديه بالجسد يقع في تغلبات تجاذب ذهنه ومن يتقي الرب ينج، لا تقل فإن شخت فمن أين أغتذى لأننا لم نؤمر أن نَهتم من أجل الغد أفتهتم من أجل شيخوختك، فاطلب ملك اللـه وعدله وهذه كلها تذدادها. هو قال: قد علم أبوكم السماوى وعرف الأشياء التي تحتاجونَها قبل أن تطلبوها منه، إن لم تطلب الأشياء أولاً فيكون أمرنا ظاهراً أننا لا نجتهد من أجلها، ألق إذاً همك على الرب فهو يعولك. إن كان في يدك شيء يسر الرب فأهتم به كمزمع أن تعطيه عنه حججاً وحساباً، من يرحم المسكين يشبع من الخيرات، ومن لا يرحم يغلق أمامه الخدر السماوي. كل من يتكل على إنسان لا يعاين الخيرات، ومن يتوكل على الرب يسلم. لا تكن فظاً خشناً بلسانك فإن فم الصديق يقطر نعماً ومنحاً. الأطعمة الكثيرة تكثف الذهن والمسك المعقول ينقيه. تأمل وتوق محادثات النساء، أحذر يا حبيبي لئلا بحجة قلنسوة أو إسكيم أو بأحد أنواع اللباس تصاد نفسك فإن مكائد المحال كثيرة، الأفضل أن تلبس عتقاً بالية وتقتني بنفسك مخافة اللـه من أن تلبس لباساً بَهياً وتسلك سلوكاً متدنساً. من يحفظ الوصايا يحب نفسه ومن يتهاون بِها يخسر نفسه. الرجل السكير والغضوب يقلق نفوس الإخوة وتعيره معه دائماً. ضع على الجرح مرهماً وعلى الشاب تورعاً لا رياء فيه. الشاب يعود مصفراً مقفراً إذا أتبع فكره ولا يقبل وعظ المجربين. ضلالة رديئة للشاب عدم الخضوع ؛ والطاعة بالرب ستر عزيز. الرجل المتكبر والغير مطيع يرى أياماً مرة، والمتواضع القلب والصبور يسر بالرب كل حين. فائدة عظيم خطرها أن يوجد إنسان صبوراً ومتواضعاً فلا يوجد شيء يوازي جماله. لا ترادد الحق مجاوباً وأخجل من عدم التأديب. لا تخجل أن تعترف بخطاياك ولا تقل قد أخطأت فماذا أصابني فإن الرب طويل الأناة، لا تتباطأ أن تعود إلى الرب ولا تدافع يوماً بعد يوم اذكر أن الرجز لا يبطئ. لا تكن يدك ممدودة إلى الأخذ ومقبوضة عن العطاء، العاقل يحصن ذاته بالمحبة والجاهل يكنز لذاته البغض، من يترفع على أخيه تلعب به الشياطين، لا تحتقر إلى الأبد أخاً لأنه قد كتب إن أمراء كثيرين جلسوا على الحضيض ومن لم يتوهم شيئاً لبس التاج. كن مستبشراً بالعدل مقطباً بازاء الخطية، سقم النفس أثرة الشرف أما السبح الباطل فهو ألم خبيث. إذا خرجت من قلايتك في خدمة فأرصد حواسك وصنها لئلا تجمع لك الأفكار قتالات واضطرابات، فإنه قد قيل القنية التي لا سياج لها تختطف، والإنسان الذي لا صبر له يتنهد سريعاً مخدوعاً. العاجز يجمع لذاته حججاً كثيرة والنؤوم يسقط في الأسواء. المحب القنية هو نخلة غير مثمرة، والعادم القنية كالنخلة المثمرة يتسامى إلى العلاء. المحب الهيولي يضاهي طائراً يطير وقد أخذ في رجليه سيراً وأينما جلس يلتف عليه، والذي لا هيولي يشابه مسافراً متشمراً. كثيرون يظنون بذاتِهم أنِهم عقلاء ولا يستطيعون أن يفطنوا، إن الفهم الذي يظنونه يجلب لهم خسارة النفس، لا تكون حكمة ولا توجد فطنة ولا رأي صالح في نفس تمقت مخافة اللـه. الحكمة بالحقيقة أن تعمل كل شيء كما يشاء اللـه. الخلق الحلو يكثر الأصدقاء، والمحب للرب يحفظ وصاياه. أكرم الأخ بحضرة معارفه فتكون قدام الرب مكرماً. القهرمان الأمين يربح نفوس إخوته وعزم الحقود يشتتهم. الخازن التقي العاقل يوزع الأنصبة بالعدل ؛ والخازن الجاهل ينشئ الخصائم. الذي لا يشبع لا يرضيه الأمر المقسط بالحق، واللبس يسبب الهيوج، والمتقي الرب يجلب صمتاً. القهرمان السكير يحط من شرفه ؛ والماسك والوديع والمتواضع القلب ينجح في الشرف. لا تحتج عن ذاتك بمرض وأنت معافى لأنه قد كتب: وأعطاهم شهوتَهم وبعد ذلك صرعهم. لا ننكر يا إخوتي نعمة الرب الذي رزقنا القوة لنعمل بِها الخير لكن إذا عملناه بِها فلنشكر الرب كل حين. من يضحك على قريبه كمن يغتابه والاغتياب مبغض عند اللـه والناس، ومن يغظ قريبه يستنهض غضبه والمصلح مغبوط لأنه يدعى ابناً للـه. أكرم الشيوخ من أجل الرب ؛ والشاب المعوز تألم معه ؛ فتأخذ من الرب الثواب، فقد كتب لا تعملوا للطعام الضائع بل أعملوا للطعام الباقي في الحياة الأبدية، فلتعمل يداك الخير لتعطي المحتاج، وليكن قلبك إلى اللـه كل حين فتكون عاملاً للطعام الباقي لا الفاني. أيها الأخ أعمل ولا تسترح فإن البطالة قد عملت رذيلة كبيرة. المتذمر يخسر كثيراً، والمحتمل بشهامة يجد في أواخره مسرة. الخادم العاقل لا يتوانى في عمله، والمتقي الرب لا يشكك إخوته. أيها الحبيب أتَهرب من الذين يرشقون الجسم ؟ فالأليق أن تَهرب من الذين يرشقون النفس. وتَهرب من حية تلدغ الجسد ؟ فالأولى بك أن تَهرب من المرأة التي تلدغ النفس. من يتمتع بجمال امرأة ؛ ينصب في نفسه اشتهاء حسنها، ومن يداوم المضي إلى أبواب منزلها ؛ يشبه من يمشي على الجليد لأن الزلق ليس بعيداً منه. أتَهرب يا حبيبي من النار لئلا تحرق جسدك ؟ فأهرب من الخطيئة لئلا تحرق جسمك مع نفسك في النار التي لا تطفأ. العابد الذي يحدث امرأة كمحاربين، والمتيقظ يغتم ولا يسلب. البواب الأمين حافظ النفوس بعد اللـه، والبواب الغير آمين يضيع المؤتمن عليهم ويضيف إلى نفسه أيضاً. ونحن إذا جهلنا الزمان الذي سلكناه في سيرة الغباوة والتواني الذي صنعناه فيها نتشامخ، مديح الرجل ليس بالزمان فقط بل بالنجاح والنمو؛ لا النمو في الشيب بل في اقتناء السيرة ذات الفضيلة. للجندي مبادئ وهي السلاح والسيف والخوذة، والعابد المبتدئ له مبادئ وهي الأمانة والتوبة والمحبة، فالأمانة تولد الطهارة، وتواضع القلب والطاعة يولدان طول الأناة والمسك، وأما التوبة فتنتج الدموع ؛ وأما المحبة فتولد الصبر والرجاء. من ينتقل دائماً من قلاية إلى قلاية أخرى يقتني أفكاراً جدداً، ومن يقم في موضع واحد يسكت أكثر. أيها الحبيب منذ حداثتك أختار التأديب فتجده في شيخوختك عقلاً وفهماً. منذ شبابك أزرع حقلك وأهتم به لئلا ينبت فيه شوك كما ينبت في البائرة، أجعل فيه ثمراً جيداً ؛ وأعطي مجداً لمن يرزقك القوة. المياه تُنبت الحشيش ؛ والحديث مع العلمانيين ينشئ ألم استعلاء الرأي؛ والخائف من الرب لا يترفع. إذا أهلت لموهبة فلا تعلي ذهنك فإن ليس لك شيء جيد ما لم تأخذه من اللـه، وإن لم تسلك برأيه ينتزع منك الشىء المختص به ويعطيه لمن هو أصلح منك، وحينئذ تشابه من يلزم أن يكمل رسم الكتابة بلا حبر. ديكان يجتمعان معاً كفكرين في قلب العابد ؛ فأخرج ما للغرباء وتسكت نفسك. الرجل العاقل يحفظ الوصايا ؛ ومن يحفظها فقد أقتنى فردوس النعيم الخالد. اسم صالح أفضل من غناء جزيل، والنعمة الصالحة أفضل من الذهب والفضة. أعطى النفس السائمة كلام تعزية فيوطد الرب قلبك. إذا تفرغ قدح النبيذ بعد الصلاة فاذهب إلى قلايتك مسرعاً ؛ وأشكر الرب الذي دبر ويدبر، لأن كثرة الكلام بعد الأغتذاء تولد زلات ونكالاً. الرجل السكير في حين المساء يقول ما لا يجب ؛ وعند السحر يندم ؛ وإذا صادف خمراً يتلطخ بتلك الأمور أيضاً. إن جُرِّبت دفعة فتحرز فيما بعد لأنه قد كتب: المولود من اللـه يحفظ ذاته ولا يمسه الخبيث. لا تشرب أيها الحبيب خمراً للسكر ؛ وإن تملقك الأصدقاء الحاضرون لأنه إن سكرت فقبل الكل يسخر بك الذين أمروك، فتحرز جداً من أن يسود عليك النسيان. يتعب البطينى ويتهشم ليملأ بطنه أطعمة، وإذا أكل يتوجع عند الهضم، والحمية تتبعها الصحة، واليقظة المسك، والدوار لا يسلم من جرح إن لم يتيقظ، ومن يثبت في المكان الذي دعي إليه يجد نياحاً أكثر. من يستحقر الأمور اليسيرة يسقط بعد يسير، والعجز بعد هنيهة ينتج فقراً اضطرارياً. لا ترفض وعظ الناس القديسين وإن كنت عالماً فإن هذا هو ثمر العلم. هروب العابد من أن يشارك ضوضاء ؛ وأخرته غم وندم. فقد كتب ” إذا مُدح الصديقون تسر الشعوب واسم المنافقين يخمد “. وأيضاً ” ليمدحك الغريب ولا يمدحك فمك، والغريب ولا شفتاك “. وأيضاً ” تختبر الفضة والذهب بالإحماء والتصفية ؛ والإنسان يختبر بفم الذين يمدحونه “. يحفظ الشريعة الابن الفهيم ؛ ومن يراع الفهم المحظور فقد شتم أباه. أكرم الكل من أجل الرب ولا تبتغي أنت إكراماً فتجد من لدن الرب نعمة، فقد كتب ” من لا يخجل من وجوه الصديقين فليس صالحاً فمن هو هكذا بأكلة خبز يسلم إنسان “. وكتب أيضاً ” طوبى لمن يتوقى كل شيء من أجل التورع والقاسي القلب يسقط في الأسواء “. الإنسان المحب للحكمة يُفرِّح أباه، ومن يراعي الزواني يضيع غناه. الأفضل أن ترعي باهتمام أجود من أن ترعى بلا اهتمام، والأجود أن تتعلم باهتمام أفضل من أن تعلم وتعمل أعمالاً لا يجب افتعالها. من يؤدب ذاته يؤدب إنساناً آخر، ومن يعلم ذاته يعلم قريبه. لا تثقل على أخيك ؛ فإنك إن وضعت على بَهيمتك حملاً يفوق قوتِها تجلس في وسط الطريق. كل شئ يثقل عليك فليكن لك به التدرب والخبرة ؛ واذكر المعونة الصائرة من للـه إليك. لا تبذل مسامعك لأقوال قبيحة لئلا يتدنس عقلك ؛ لأنه كما يضر العينين الدخان ؛ يضر الكلام القبيح النفس. إذا آذاك روح الزنا فأزجره قائلاً: ” الرب يلعنك أيها المملوء نتانة ؛ يا شيطان النجاسة. لأننا قد عرفنا القائل: إن رأي البشرة عداوة للـه. لا توجد حكمة ولا يكون عقل حيث ليس مخافة الرب، لأن رأس الحكمة مخافة الرب، فإنه قد كتب ” النور للصديقين كل حين وضوء الخطاة ينطفئ “. شجرة الحياة شهوة الصديق، ومن يبغض التوبيخات فجاهل. من أكثر في الكلام لا يفلت من خطيئة، ومن يشفق على شفتيه يكون فقيهاً. أفكار الصديقين حكم وتدبير، والمنافقين تدبيرهم غش. من يقدم قريبه في الكرامة يجد إكراماً، ومن لا يتورع من وجه أخيه يؤدب بتعب. إذا أكلت مع الإخوة فضع يدك في القصعة بترتيب، فإن اليمام والخطاطيف والعصافير وطيور البر قد حفظت أوقات ورودها. ضع يدك ولا تستهجن من أجل من هم أصغر منك فقد استكملت طول النهار صوماً ومن أجل لحظة ساعة تقلق. فالبطالة لذيذة عندك لكن نَهايتها مرة، أتتعب إذا عملت لكنك أخيراً تفرح. فقد كتب ” رذالة عند الرب الشفة الكذوبة ومن يعمل الصدق ذاك مقبول عنده “. من أكثر أقواله يمقت ؛ ومن يمسك فمه يُحَب. إذا رأيت رجلاً يتوانى عن التيقظ للفضيلة فلا تتراخ أنت بفكرك بل تشجع أكثر ؛ وفي أوان المحنة جاهد جهاداً جزيلاً. لا تغير حدود التواضع لئلا يظن أن لنا عذر فنفسد تورعنا وتستهون فيما بعد الخسارة من أجل القائل: ” أن عبد الرب ما سبيله أن يخاصم “. وأيضاً ” مغبوط من يرهب كل شيء من أجل التورع “. لا تبادر أن تغضب بروحك فإن الغضب إنما يستروح في حضن الجاهل فقد كتب ” الابن المكرم يطيع أباه والابن الذي لا يطيع يكون في الهوان”. من يحفظ فمه يصن نفسه ؛ والمتهجم تذهله شفاهه. الابن الغاش لا يكون صالحاً ؛ ومن يحفظ الوصايا مغبوط. شريعة الحكيم عين حياة ؛ ومن لا عقل له يموت في الفخ. من يسلك مستوياً يتقي الرب ؛ ومن يعوج طريقه يهان. تطلب عند الأشرار حكمة فلا تجد ؛ والحس موجود عند العقلاء. أمر سهل بستان لا سياج له إذا وطئ يصير بريه ؛ ومن لم يصن فمه يضيع ثمره. من يتوكل على الغنى يسقط ؛ ومن يعضد الصديقين يتلألأ لامعاً. من يفرق ماله بجهل ويبدده يصير محتاجاً ؛ ومن يبدده بأمانة الرب لا يخذل إلى الأبد ؛ لأنه قد كتب ” بدد وأعطى الفقراء وبره يبقى إلى أبد الدهور ورونقه يعلو في الشرف “. من يكثر يساره بالربا والربح يجمعه لمن يرحم المساكين بمقدار ما يترفع بكبرياء قلبه ويدوس الأرض التي منها أخذ، فإلى الأرض يذهب والرب يرفع شأن المتواضعين. الدخان يطرد النحل ؛ والحقد يطرد المعرفة من القلب. تضرع إلى الرب وأسكب دموعاً قدام خيريته ؛ ولا يقطن في قلبك حقد ؛ وتكون صلاتك كبخور قدامه ؛ فقد كتب ” نجس عند الرب كل متعالي القلب والشرف يتقدم أمام المتواضعين ” ؛ وأيضاً ” الإنسان يطلب حجة إذا أراد أن يفارق أصدقاءه وفي كل حين يكون معيراً “. وكذلك الذي يريد أن يفارق ديره يتعلل بالرئيس والإخوة. فقد كتب ” تكون طريق مظنونة عند الناس أنَها مستوية وأواخرها تقضي إلى قعر الجحيم. يا أحبائي فليعزِ بعضنا بعضاً، وليخدم بعضنا بعضاً، وليعظ بعضنا بعضاً بتقوى اللـه إلى أن ننتهي إلى ميناء الحياة. النهم البطن يهتم بأشياء كثيرة ؛ والممسك يضاهي غزالاً في غابة. كما أن الماء للسك ؛ هكذا السكوت للعابد بتواضع قلب ومحبة. زاد العابد لطريقه الورع ومخافة اللـه. تقوى الرب ذهن مهذب ؛ ومن أقتناه لا يخزل. ستبتدئ يا ابني الشياطين الأعداء أن يحوطوا بفكرك عند استماعك خبر والديك بالجسد لكن الفرح يضاعف لك والعز يزداد لك في ملكوت السماوات إن صبرت تخدم إلى النهاية. من يشاء أن يعيش في كل موضع عيشة سلامية فلا يطلبن نياحهُ بل نياحة قريبه بالرب فيجد النياح، فأما المماحك الردىء العزم فلا يسكت في موضع أصلاً. قبل أن يتهاون الإنسان بمخافة اللـه لا يخطئ قط في موضع. إن شئت أن لا تخطئ فأحفظ مخافة اللـه، أشعر أن الخطيئة كالجبال العالية أو كلجة البحر الموعبة مهاول الهيوج ؛ أو مثل لهيب النار الآكل من يسقط فيه، وإن حرص العدو أن يصغرها في عينيك إلى أن تسقط فيها. لا تشاء أن تخطئ ولا تحتج بأبيك، الرب قد نصبك راعياً فلا تدخل إلى رعيته ذئاب مفسدة لئلا ترد مقفراً من رعاية الغنم. وإذا جاء رئيس الرعاة فلا يرتضي بذلك، فأطرد من الغنم كل أمر يضاددها فلا تدعى أجيراً غاشاً بين إخوتك، المدبر مكرم والمتقين الرب مكرمين في عينيه. قبل أن تبدأ في أمر تفطن في نَهايته فقد كتب ” أن المولود من اللـه يحفظ ذاته ولا يمسه الخبيث “. ليس بأمر صعب أن يعرض شيء رديء لكن الرديء المستصعب هو الثبوت في الشر إن عرضت خصومة بين أخين فإذا تاب الأول يأخذ إكليل الغلبة، ويكلل الثاني إن لم يطرح التوبة بل يصنع بنشاط أسباب المصالحة. علامة نقص الأدب في العابد هي إذا جلس بين إخوته يكشف ساقيه، فأما المتورع فيجلس بزي حسن. تفكر في كثرة الكلام فإن ربوات الأقوال نَهايتها السكوت، فأسبق وخذ الفائدة وأهرب من الخسارات. أيها العابد أحتقر أمر الجوف فتكون لك راحة، وأطرح استعلاء القلب وأستدرج راية التواضع. أيها الحبيب إذا أُدخلت إلى قلايتك أحداً فأحرص أن تصرفه بزي حسن وغير مرتاب ولا مشكك، الأمر الذي معناه ألا تعمل شيئاً خارج مخافة اللـه لئلا تصير له رسم عمل لا بر فيه لأن الرسول يقول ” كونوا بلا عثرة لليهود ولا لليونان ولا لكنيسة اللـه “. يا عابد أكرم الكل لا من أجل مكافأة بل من أجل الرب. خلواً من نخر لا تنشأ دودة ؛ وبغير اهتمام لا تباد. بغير تواني لا ينشأ تَهاون ؛ وبغير اهتمام لا يقلع. أتقِ الرب فتجد نعمة، لا يصادفك العدو عاملاً أشياء خارج عن ميعادك فلا يذهلك البتة، الإنسان الذي يرضي الناس يحرص أن يرضي كثيرين لكن ليس من أجل الرب، والمتقي الرب يحفظ وصاياه. الخائف من الرب لا يغتر لأنه يسلك في نور وصاياه. الغضب للإنسان حفرة له ؛ ومن يغلب الغضب يعبر الحفرة قفزاً. من يؤدب شعبه يكون له صلح مع الذين خارج حوزته. والواثق بذاته يستكثر العداوة لنفسه. الطوبى لمن يحمل نير المسيح بوداعة إلى النهاية لأن الكبرياء رديئة. في ألفة الإخوة يسكن الرب ؛ وطرب العدو الغاش إنما هو معاداتِهم. إلى متى تخفي الأرض البذار المزروعة فيها ؟ إلى أن تأخذ نسيم الماء. أعمل أيها الحبيب وصايا المسيح عملاً مكتوماً ؛ فيعطيك في الجهر ظاهراً. العاجز والمحب لذاته إذا رأى العمل يخبئ ذاته، وفي العشاء يحسب ذاته في الأولين. العاقل لا يفضل ذاته على الإخوة الخاملين بل يصير رسماً للمؤمنين. الغير رحوم لا يتوجع لمريض لأن الطوبى للرحومين فإنَهم يرحمون. القهرمان الأمين لا يستغنم إخوته، وذو الفضيلة يعمل كل شيء كما يشاء اللـه. لا تسئ إلى أجير باذل نفسه، ولا تتأخر في أجرة الفاعل أذكر أنه قد تعبد لك وأعطية أجرته في وقتها فتنال ثواباً في حينه. ومن يُوبخ ويصمت في خبث يخبئ في قلبه حقداً، ومن يجاوب بوداعة سلامية يكون غير حقود. من لا أدب له يتهزأ بالشيوخ والمتأَدب يحب. من يحب الأدب يحب الحياة. كما أن الجليد والثلج يضمران الخضرة ؛ هكذا تضمر الخطيئة قلب من يعملها. كما ينضر النبات بورود المطر ؛ هكذا تتباهى نضارة القلب بالأعمال الصالحة. الرجل الغضوب والصياح يكون كثير الحلف ؛ أما الصامت فيكون فقيهاً. ما هو الغضب ؟ الغضب هو ألم لا حياة فيه ولا خجل. الألم هو الذي يعقبه التندم والحزن سريعاً، والحزن يأكل ويفني قلب من يسقط فيه. لا تعطي قلبك غماً لكن سلم ذاتك للرب. عدم الأمانة ولدت رخاوة النفس، والنفس الرخوة جلبت المحك، والمحك يتبعه الضلال، ومن قد ضل فليهتف بصوت عظيم إلى رئيس الرعاة مخلص نفوسنا كي ما إذا عاد يجمعه في صيرة غنمه. لا تستفحص أيها الحبيب قائلاً: كيف هذا أو ذاك بل آمن بالرب وصدقه فهو يضئ ذهنك لأنه بمقدار الأمانة تسكن النعمة في النفس، لأن الرب صادق في كافة أقواله وبار في جميع أفعاله. الأصوات ضربت في عساكر بني إسرائيل في البرية، أما كرازة الرسل فوصل صوتِها إلى كافة الأمم مثل البوق الجهير. الإنسان المؤمن دالية المسيح، والرجل غير العامل مثل العنقود المسطح على الأرض الغير نافع، هكذا الفكر المشتغل بالأمور الأرضية يصير غير مختبر في الفضيلة. من يبتغي المشاغبة يوافِ هلاكه بغتة، لأنه يفرح بسائر الأشياء التي يبغضها الرب، ومن يحب السلامة يرث السلامة. وداعة الرجل أن يقمع الغضب ويرده. إن عرض لك بغي وبعد ذلك ظهرت دالة ضميرك فلا تعلِّ رأيك بل أخدم بتواضع الرب الذي فداك من بغي الناس لئلا تسقط سقطة مذهلة. كما أن البلوط يربي الخنازير هكذا الأفكار الخبيثة تربي الشهوات الطالحة، الغضب والحقد يشابه سم الأفاعى لأنه يغير الصورة ويخبط العقل، ويحلل الغضب، ويضعف القوة عن العمل. أما الوداعة والمحبة فتفني هذه كلها، ثم يُحَل الحقد بتذكار مخافة اللـه ويوم الوفاة. أيها الحبيب تذكر أواخرك وأكفف عن الغيظ، وإذا تذكرت الموت فلا تترفع لأنه بعد يسير تدخل إلى القبر ؛ وهذا العمل الردىء ماذا ينفعك.والمجد للآب والابن والروح القدس الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين آمين مار إفرآم السريانى
المزيد
24 يوليو 2020

القديس إكليمنضُس الإسكندريّ

وُلد إكليمنضس الإسكندريّ من أبوين وثنيّين حوالى العام 150. بعد اهتدائه إلى المسيحيّة، استقرّ في مدينة الإسكندريّة حيث تتلمذ على يد المعلّم بانتينُس، ثمّ فتح هو نفسه مدرسة فلسفيّة وتكرّس للتعليم والتأليف. توفّي إكليمنضُس قبيل العام 216 في فلسطين بعد اضطراره إلى مغادرة الإسكندريّة بسبب الاضطهادات التي أثارها الإمبراطور سبتيمُس ساويرس. تميّزت شخصيّة إكليمنضس بالثراء والتنوّع، إذ كان مدافعاً عن المسيحيّة وفيلسوفاً وشارحاً للكتاب المقدّس ولاهوتيّاً عقائديّاً، ولكنّه كان أيضاً حارّ الإيمان وواعظاً ومربّياً ومرشداً أشهر مؤلّفات إكليمنضس هي سلسلة من ثلاثة كتب معروفة ب"الثلاثيّة". وهذه الكتب الثلاثة هي: "الإرشاد لليونانيّين" و"المربّي" و"المتفرّقات". يتضمّن "الإرشاد لليونانيّين" اثني عشر فصلاً يحثّ فيها الكاتب اليونانيّين على الاهتداء إلى المسيحيّة. فبعد أن يعرّف بالسيّد المسيح وتدبيره الخلاصيّ والفداء، ينتقل إلى انتقاد اعتقادات الوثنيّين وشعائرهم، ويدعوهم إلى الانضمام إلى الكلمة المتجسّد والتألّه معه، فهو المعلّم الذي يفوق جميع المعلّمين والفلاسفة اليونانيّين، وفي هذا السياق يتوجّه إليهم قائلاً: "بما أنّ الكلمة نفسه قد أتى إلينا من السماء، يبدو لي أنّه يجب علينا ألاّ نذهب بعد إلى أيّة مدرسة بشريّة، فلا نأبه لا لأثينا ولا لسائر اليونان". يتابع إكليمنضس في كتابه الثاني "المربّي" ما بدأه في الكتاب الأوّل. ولمّا كان الكتاب الأوّل موجّها إلى الوثنيّين فقد خصّ إكليمنضس كتاب "المربّي" بالمعمَّدين. والمقصود بالمربّي، هنا، المسيح المعلّم. ويتألّف الكتاب من ثلاثة أبواب يشيد فيها الكاتب بالطفولة الروحيّة وبالجدّة المسيحيّة ويرسم سلوك مَن يريد أن يكون مسيحيّاً حقيقيّاً. فيقول إكليمنضس عن المسيح المربّي: "يهتمّ الله بالإنسان، وفي الوقت عينه يعنى به، ويبيّن ذلك بالفعل إذ يربّيه بالكلمة الذي هو رفيق عمل محبّة الله للبشر". ويقول أيضاً: "نحن الأطفال، بحاجة إلى مربٍّ، والبشريّة كلّها بحاجة إلى يسوع". أمّا الكتاب الثالث "المتفرّقات" فهو مجموعة من الملاحظات والمذكّرات، وقد جمع فيها زبدة أفكاره عن المعرفة المسيحيّة. وفي هذا الكتاب يصف الإنسان المسيحيّ، فيقول عنه إنّه ذاك الذي "لا يرغب في شيء، إذ لا ينقصه شيء للتمثّل بالذي هو صالح وجميل (...) ليس هو عرضة للرغبة ولا للشهوة، ولا ينقصه أيّ خير من خيرات النفس، فهو بالمحبّة اتّحد بالحبيب (أي بالله)". ويتحدّث عن التنزّه من الأهواء الذي يبلغ إليه الإنسان الزاهد بالدنيا والساعي إلى الله، فيصير شبيهاً له. أمّا التنزّه عن الأهواء فهو "السيطرة المكتسَبة بالنعمة التي تستسلم لها حرّيّتنا، على كلّ ما يناقض فينا إشعاع المحبّة. إنّه إشعاع المحبّة المنتصر".إكليمنضس رجل فكر وفلسفة يحبّ الثقافة والعلم. ويعتبر أنّ العلم والمعرفة ضروريّان لخدمة الكنيسة، لذلك تكثر في كتاباته الاستشهادات المستلّة من الكتّاب والفلاسفة اليونانيّين الكبار كأفلاطون وهوميروس وغيرهما. غير انّ المعرفة الحقيقيّة تبقى، عنده، المعرفة الإلهيّة التي ينهل منها المرء في الكنيسة: "كنيستنا هي المدرسة الجامعة، ومعلّمها الأوحد إنّما هو عريسها (المسيح)، وهو التعبير الرحيم لإرادة الله الرحيمة، والحكمة الحقيقيّة ومقدِس المعرفة". والكنيسة، بالنسبة إليه، هي الأمّ الحاضنة المؤمنين: "الأمّ تضمّ إلى ذراعيها أطفالها الصغار، ونحن نبحث عن أمّنا الكنيسة".يمكن إيجاز فكر إكليمنضس بفكرة أساسيّة هي التأكيد على عمل الكلمة في حياة المؤمنين لتأليههم وتأليه العالم. ويتحدّث عن النعمة التي يمنحنّا إيّاها الله، والتي يعتبر أنّها كاملة ولا يمكن أن تكون ناقصة بأيّ حال من الأحوال: "إنّه منافٍ للعقل أن ندعو نعمةً إلهيّةً عطيّةً غير كاملة؛ فبما أنّ الله كامل، من الواضح أنّه يهب نعماً كاملة؛ فحالما يأمر، تُخلق الأشياء كلّها؛ وكذلك عندما يمنح نعمة، يريد أن تتمّ هذه النعمة في ملئها". وفي مكان آخر يؤكّد الكاتب على أنّ الله خلق الإنسان على صورته، وهو الذي يقوده إلى المثال: "نال الإنسان منذ ولادته الصورة، وكلّما تقدّم في الكمال، يتقبّل في ما بعد في ذاته المثال".يذكّر إكليمنضس دوماً في مؤلّفاته بمحبّة الله اللامتناهية للبشر، هذه المحبّة التي تمنحه الخلاص والحياة. ولا يغفل الكاتب التشديد على العناية الإلهيّة المرافقة للإنسان منذ ولادته: "إنّ الله، في محبّته العظيمة للبشريّة، يرتبط بالإنسان، وكما أنّ العصفورة الأمّ تطير إلى صغيرها عندما يسقط من العشّ، هكذا يبحث الله عن خليقته بأبوّة ويلتقط من جديد الصغير مشجّعاً إيّاه ليطير ثانيةً نحو العشّ". وفي الختام، نقول مع إكليمنضس: "الله يدعونا إل الاستحمام (المعموديّة)، إلى الخلاص، إلى الاستنارة، وكأنّه يصرخ قائلاً: أعطيك، يا صغيري، الأرض والبحر والسماء، أهبك جميع ما فيها من حيوانات، ولكن، يا بنيّ، ليكن فيك ظمأ إلى أبيك، فيظهر لك مجّاناً". آمين.
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل