المقالات

18 يوليو 2020

المقالة السادسة في مشابهة الأمثال،وفي المخافة الإلهية

من يؤمن بابن اللـه له حياة دائمة، من يؤمن بابن اللـه لا تتعرقل خطواته ولو سلك في النار لا يحرقه اللـهيب، من يؤمن بابن اللـه كما قال الكتاب: تجري من بطنه أنَهار ماء حي.الحطب الكثير ينمي اللـهيب ومخافة اللـه تكثر المعرفة في قلب الإنسان والعمل يحقق العلم.فق كثيراً إذا كنت تزرع بزار سيدك لئلا يخلط فيه زارع الزوان شيئاً من بذوره لأنه له عادة أن يعمل في الخير الشر، فلنطلب من الرب النعمة ليعطينا معرفةً وفهماً لنتيقظ في كل شيء.الكور يختبر الفضة والذهب ويصفيهما وتقوى الرب تُهذب أفكار الناس وتنقيها.الصائغ الجالس وراء السندان يعمل أواني حسنة نافعة كذلك مخافة اللـه تجرد كل فكر خبيث من القلب وتنظفه وتبرز ألفاظاً بمعرفة.فلنعطِ مجداً لمن منحنا مخافته في قلوبنا لأنه هو الذي يفيد الإنسان علماً.بدء الحكمة تقوى الرب ؛ والفهم صالح نافع لكل من يعمل به.العبادة الحسنة للـه بدء حسن، الحكيم يحفظ وصايا المسيح ومن يسلك فيها لا يخزى إلى الأبد ؛ ومن يهملها فذاك جاهل ورجائه باطل. من يحفظها بتحقيق فذاك قد أنتقل من الموت إلى الحياة ؛ ولا يعاين إلى الأبد ظلاماً ؛ وفي يوم وفاته يجد دالة ونعمة، وملائكة أتقياء يرشدون نفسه، وأساسه على الصخرة التي لا تتزعزع ويصير وارثاً للحياة الخالدة.هذا هو المغبوط لأنه عرف أن يصنع مشيئة خالقه، إذا ضُربَ البوق يستعد الجيش للحرب لكن في أوان الجهاد ليس الكل محاربين.كثيرون عباد بالزي وقليلون هم المجاهدون. في وقت التجربة تظهر دربة العابد وخبرته. قبل الوفاة لا تغيظن أحداً وقبل الموت لا ييأس أحداً. لا تقل عن ذاتك إنكَ صدِيق ولا عيب لك قدام اللـه فإن الأشياء التي نسيتها أنت تلك ظاهرة قدام اللـه.يجب أن نتيقن إننا إن صبرنا له يكون لعملنا ثمر. أشاء أن أكون عاملاً وممدوحاً عند الإخوة أكثر من أن أكون مخالفاً للوصايا ومرفوضاً عندهم. من يتعلم ويعرف كل كتاب ويعرض عن وصايا المسيح يُضرب جلدات كثيرة، ومن يعمل مشيئة الرب فذاك يحسب رجلاً كاملاً، ليس المكان يجعل الإنسان تاماً بل الفرز ‘ الإفراز ’.فليكن للضعفاء موضع معتدل الحد. من هو الرجل الكامل ؟ هو من يحب الرب بالحقيقة وقريبه كما يحب نفسه، أتقِ الرب فتجد نعمة لأن خشية الرب تولد أحوالاً وعادات تتقوم بِها الفضائل، فأما عدم المخافة فتنتج غيرة مرة ومحكاً ونظائرهما. مخافة الرب ينبوع الحياة، مخافة الرب تثقف عقلاً عاقلاً، مخافة الرب صيانة للنفس، مخافة الرب تعطي للمتقي الرب نعمة في كل تصرفه، مخافة الرب مدبرة للنفس، خشية الرب تضىء النفس، مخافة الرب تذيب الخبث تقوى الرب تنقض الآلام، مخافة الرب تنمي المحبة.خشية الرب تجفف كل شهوة رديئة، مخافة الرب تقطع اللذة، خشية الرب مأدبةً للنفس لأنَها تبشرها بآمال صالحة، مخافة الرب تقلد طرق السلامة، خشية الرب تملأ النفس من الروح القدس وتعطيها لواء ملكوت السماوات. ليس في الناس أعظم قدراً من المتقي الرب، المتقي الرب يضاهي نوراً يرشد الأكثرين إلى الخلاص، المتقي الرب يشابه مدينةً حصينةً موضوعةً فوق الجبل ومن قدام وجهه يتفرق الجن الخبثاء، النفس التي تخاف الرب مغبوطة لأنَها تتقدم فتبصر أمامها القاضي العادل كل حين، إن كنت تتقي الرب فأحفظ وصاياه فلا تخزى. يوجد من يترك موضعه من أجل فضيلة ويوجد من يخلي مكانه التماساً للبطالة وعدم الخضوع، ويوجد من يضطهد من أجل ميراث ويوجد من يفحص عن أشياء كثيرة مريداً أن يتعلم الحكمة ؛ ويوجد من يستفحص عن معجمات كثيرة ابتغاء للسبح الباطل. ويوجد من يحاضر ويجاهد من أجل محبة المسيح ويوجد من يجري ويجتهد من أجل المجد الفارغ، يوجد من يخضع ويطيع من أجل وصية المسيح ومن يخضع ويذعن من أجل درجة وفائدة قبيحة. يوجد من يمدح قريبه من أجل استرضاء الناس ومن يمدح قريبه من أجل وصية المسيح، يوجد من يثلب قريبه من أجل نَهم البطن ومن يواضع ذاته من أجل وصية المسيح. يوجد من يثلب ذاته من سفاهة ؛ ومن يكون شديداً من أجل محبة الفضة، يوجد من يعمل كثيراً من أجل الصدقة ومن يعمل في وقت لا يجب أن يعمل وفي أوان العمل لا يعمل. يوجد من يرتل ويصيح في وقت لا يجب ذلك وفي وقت الترتيل يسكت أو يكلم قريبه كلاماً بطالاً، يوجد من يسهر وقت لا يصلح السهر وفي وقت السهر يتذمر. قد كتب أن الجحيم والهلاك ظاهران عند اللـه فكيف لا تكون قلوب الناس ظاهرة عنده. بدء السيرة الصالحة الدموع في الصلاة أما استماع الكتب الإلهية فهو ابتداء العقل المقسط. ربوات كتب في أذان الجاهل تحسب لا شيء ومن هو الجاهل إلا المتهاون بمخافة الرب. قد كتب أن قلب الحكيم يقبل الوصايا، وأعطي الحكيم شيئاً فيكون أوفر حكمة، أعرف المقسط المحق وعلمه فيزيد في قبولك. الابن المؤدب يكون حكيماً والجاهل يستعمل خادماً. ذوو الغنى العاجزون يصيرون محتاجين أما ذوو الجزالة فيتأصلون في الغنى، الحكيم إذا خشى جنح عن الشر والجاهل إذا وثق بنفسه يختلط بالأثمة. الحاد الغضب يبيع بغير مشاورة والرجل العاقل يحتمل أشياء كثيرة، أكرم الرب فتكون مناهجك ممهدة، أكرم الكاهن والشيخ لتوافى إليك بركة أفواههما، أكرم الشيوخ لأنَهم قد خدموا المسيح كثيراً، أكرم إخوتك لأنَهم عبيد المسيح لكي ما تُحَب منهم. يا أخي إن أحببت السكوت فستعبي غناك بسكون، من يهرب من سكوت قلايته يتخيل الأمور الأرضية، والمهتم بالصناعة يشتهي الأشياء المعدة للقديسين في السماوات. الرب قد تقدم فعرف أفكار العابد إذا اشتهى الكهنوت، فالكهنوت درجة عظيمة إذا أُكملت بلا دنس. الملك المحب للمسيح يُطَوَب لأنه خلف تذكاره للبركة ومدحه في السماء وعلى الأرض، والملك الكافر لا يعرف في حياته حكمة وإذا توفي فقد ترك ذكره للعنة وعاره لن يمحى إلى الأبد. كرسي المؤمن مثبت إلى الدهر، القاضي المبتغي العدل تباركه أفواه الصديقين، والظالم لا تُرحم نفسه لأنه لم يعمل على الأرض حُكماً عادلاً، قد كتب من يُغضِب فقيراً يصنع لذاته أسواء كثيرة. لا تغضب فقيراً لأنه مسكين، ولا تشتم عليلاً أمام الباب لأن الرب يحكم حكومته لأنه قد كتب أنقذ المأخوذين إلى الموت، ولا تُسلم عبداً إلى يدي سيده لئلا يلعنك فتبيد وتَهلك، لأنه قد كتب من يشمت بالهالكين لا يتزكى ومن يتحنن عليهم يُبَارك. المؤمن له العالم وأمواله أجمع، والغير مؤمن لا فلس له، من يرحم مسكيناً يقرض اللـه ونظير عطيته يجازيه، فقد كتب ميزان كبير وصغير ومكاييل مثناه نجسة عند اللـه كلها، من يحفر حفرة لقريبه يسقط فيها. أتقي الرب فينقذك في اليوم الشرير. الملك الحسن التدبير يهتم بمواني البحر، والمجرب في الفهم لا يتوانى في حدود حصونه والفريقان كلاهما يشرفان في الملك لكثرة تدريبهما ويقظتهما. الملك المؤمن يتذكر كل حين الدينونة الدهرية ؛ ومن يتذكر القاضي العادل لا ينسى حرية النفوس التي في الشدائد والضيقات والمحصورة في المحابس والمنافي. الطوبى للرجل الذي يقتني بالسلطان الوقتي المجد الباقي لأن من هو اليوم ملك غداً يتوفى، ومن يعمل مشيئة الرب يثبت إلى الأبد، الطبيب الحاذق في تجربة الأمور يصير مجرباً، التنعم الكثير يولد آلاماً وأمراضاً، والعمل المتعب فيه تعب في الحاضر وبعد التعب ينتج عافية وصحة. أيها العابد لا تشتهي لحماً ولا تشرب خمراً للسكر لئلا يتلف ذهنك ولا تفني منك المهمات العالمية، أكسح النخلة فتسموا إلى العلا وأجتز من النفس الأمور العالمية فتعلوا إلى الفضيلة. من يُقرَف أو يُظلَم فيحتمل فهو يشبه من قد حبس سبعاً في قفص، أما من يخاصم فيشبه من يفسد ذاته. أمر حسن أن توجد في الصلاة الجامعة قبل الكل وتركك إياها من قبل انتهائها من غير اضطرار ليس حسن، أصبر أيها الأخ وأسمع الكتب الإلهية لكي ما تنتفع لأن كما أن السائر في الحر حلوٌ عنده كأس ماءٍ بارد هكذا الأقوال الإلهية تندي النفس. إن شئت أن تسمع فأصبر ؛ وإن سمعت ستكون حكيماً، وإن كنت تحتمل بتثقل ثقل استماع الكلام فكم بالحري العامل فمن هنا تعرف ذاتك إنك متوانٍ. إذا دخلنا إلى بيت اللـه فلا يكون ذهننا طموحاً يتنزه بل فليشتغل إنساننا الباطن بنظر اللـه والصلاة، وإذا صلينا وقلنا يا أبانا الذى في السماوات فلنتحرز أن تخطر لنا الأفكار شيئاً آخر فتزعج ذهننا وتكدره. وإذا وقفت في الصلاة فأعرف بين يدي من أنت ماثل ولتكن نفسك وقلبك كله ناظراً إليه تفهم ما أقوله، إذا أخذ إنساناً بيده صرة دراهم ومضى إلى الموسم ليبتاع بقراً هل يتأمل الخنازير ؟ وإن أراد أن يبتاع حميراً، هل يتفرس في الكلاب ؟ أليس كل فكره منتصب في الأشياء التي يشتهيها لئلا يسخر به فيضيع الذي بيده باطلاً. وإن كان الأخ الواقف إلى جانبك مريضاً بالجسم ويتفق له أن يسعل أو يبصق كثيراً فلا تتضجر منه لكن اذكر أن كثيرين بذلوا ذاتَهم لخدمة سقماء ومجروحين. وإذا كنت معافى في جسمك فلا تترفع لكن خف فإن كل إنسان في يدي يسوع المسيح مخلصنا مثل معزفة كثيرة أوتارها في يدي الرجل. وقد كتب أن أنظار الأشرار دائماً تتقبل الأسواء ؛ والصالحين فستكون كل حين في مناهج الحياة التي فيها معقولات ؛ الفقيه ليجنح عن الهاوية ويخلص، لأنه قد كتب أن الغير مؤدب لا يحب اللذين يوبخونه ولا يخاطب الحكماء. ومن يشتم فقيراً يخطئ، ومن يرحم المسكين يطوب إذ قد كتب إن سقط عدوك فلا تشمت به ولا تعجب بعثراته فإن الرب يبصر ذلك فلا يرضيه ويصرف نظره عنك. من يصم أذنه لئلا يسمع الضعفاء سيستغيث ولن يوجد من يسمعه. لا تفتخر بالأمور التي في غد فإنك لا تدري ماذا يولد اليوم الآتي، لا تعمل سوءاً فلا تدركك المساوئ، لا تحب أن تغتاب أحداً لئلا تنتزع فإنه قد كتب من يجاوب كلاماً قبل أن يسمع فذلك سفاهة له وعار، لا يفرح الأب بالابن العادم الأدب، والابن المتأدب يكون حكيماً. الحكمة ليست بكثرة تعلم الكتب بل كما كتب بدء الحكمة تقوى اللـه ؛ ومعرفة الشريعة إنما هي العزم الصالح ؛ الأمانة تنتج العزم الصالح والعزم الصالح يولد أنْهار ماء حي ومن يقتنيه يشبع من ماءه. بغير زيت لا يوقد السراج وخلواً من الأمانة لا يمكن أن يقتنى العزم الصالح لأنه قد كتب من يقصي الأدب يمقت ذاته، ومن يحرز التوبيخات يحب نفسه. لا تتكردس بسرعة إلى الخصومة لئلا تندم في أواخرك، الاسم الممدوح مأثور أكثر من الغنى الجزيل، والنعمة الصالحة أكثر من الفضة والذهب. بغير صبر لا يبنى البرج وبلا معرفة لا تقتنى فضيلة، ليس للصبر وزن يعادله إن أمتزج به التواضع، موهبة الصبر تعطى من الرب للذين يحبونه والذين يتمسكون بِها ينقذون من غموم كثيرة. الجاهل يكثر أقواله ومن يشفق على شفتيه يكون فقيهاً، العابد العاقل إذا بعث في خدمة يذهب بزي جميل والذين يبصرونه يعطون للرب مجداً، والجاهل أو السكران يفضح زيه في القرى بقباحة فيخجل رئيسه وإخوته. عدم التقوى يولد فكر الحداثة ؛ وخشية الرب تجعل الشباب شيوخاً، أكرم الرب ولا تفتن عالمياً، ماثل صموئيل النبي فإنه أرضى اللـه ونفع الناس، وأولئك الذين عدموا التقوى سقطوا بالسيف. لا تعطي الشاب الجموح دالة ولا تطلق شيخاً أن يفعل أفعالاً غير واجبة فإن المتقي الرب يهتم بشعبه. التورع والتواضع والمحبة تعلي رأس العابد، وفي أوان افتقاده يلمع شارقاً، بغض أو حسد مخبوء في ورع هو ماء مر في آواني ذهب فأطرح فيه عود الحياة فيحلوا لأن الماء حليت من العود فيضمحل منه كل اغتيال الغاش. بصليب مخلصنا يسوع المسيح تضئ المحبة عين الذهن ومن يحب العداوة والمحك فذاك يضاهي من يدخل يده بمداومة إلى جحر أفعى. الدودة في الخشب كالسبح الباطل في العابد وألم محبة الفضة في قلب الإنسان، لا تعلِ ذاتك لئلا تسقط وتجتلب لنفسك هواناً لأن الرب يعضد الورعين ويذل الخطاة إلى الأرض، من يعلِّ ذاته يصنع لنفسه هواناً، ومن يخدم قريبه بتواضع يشرف. من يتحنن على قريبه في يوم حزنه يتحنن الرب عليه في كل حين لأن رحمة الإنسان كخاتم معه. رُب إنسان إذا ما استولى على شيء يظهر رحوماً ووديعاً ثم إذا نال سلطاناً ينتصب نشيطاً يأمر ويوعز بلا تمييز فإن انتزعت منه الرياسة لا يستطيع احتمال الأوامر المأمور بِها منه فذلك كجاهل لم يعرف ضعفه. يا أخي في كافة أعمالك تذكر أواخرك فلا تخطئ إلى الأبد، لا تعجب بكلامك ولا تتغطرس بل واضع ذاتك فإن طائلة المنافقين نار ودود. أقتني خشية اللـه لترهبك الشياطين لأن الأشياء المصنعة دائماً باطلة، إن آثرنا كلنا أن نأمر ونترأس فمن هو المأمور والمطيع، إن اشتهينا كلنا الكرامة فمن يزرع الكرامة. الرجل الحكيم يستعفي من أن يأمر لا من أن يؤمر مكملاً وصية القائل: من يشاء أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً ؛ ومن يريد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبداً ؛ كما أن ابن الإنسان ما جاء ليُخدَم بل ليَخْدُم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين. إذ اُنصبت مديراً فلا تشمخ بل صر بين الإخوة كواحد منهم. كرر التفكر في أتعابك القديمة وأعرف أن أُولئك قد تصرفوا في مثل تلك الأتعاب ولا تتوانى بِهم بل أهتم فإنه قد كتب أن شرف الملك بالأمة الكبيرة، وبنقص الشعب ينصحق المقتدر. الإنسان الطويل الأناة كثير الحظ في العقل والصغير النفس جاهل جداً، نصلي أن نؤهل لموهبة فإذا أهلنا لها نتهاون بِها، من يهتم بأخيه بتأديب الرب ووعظه تكون نفسه حسنة الرضاء عند الرب، ومن يتهاون بحياته يخطئ إلى اللـه. لا تفرح بنقص أدب إخوتك لأنك لا تأخذ من الإهانة شرفاً ؛ ولا تحسد نجاح إخوتك فإن الكتاب يقول: ليس لي أعظم من هذا الفرح أن أسمع عن أولادي سالكون في الحق. وقد كتب: أن الذين لا سياسة لهم يسقطون كالورق. والخلاص إنما هو في المشاورة الجزيلة، إن كان الأخ عالماً فلا تُحزن روحه إن سلك سلوكاً باراً لكن كما استبان ليعقوب وجه لابان السرياني هكذا فليبصر وجهك. أفأنت تدعي عالماً فأعرف ذاتك من أعمالك لأنه كما أن الجسم بغير روح مائت كذلك العالم خلواً من العمل باطل، علامة السيرة أن الفضيلة في الشاب العابد هو الابتعاد من كثرة النبيذ ومن إكثار الكلام بتواضع. ومن يحب هذين لا يكمل سيرة ذات فضيلة، لا تلزم أخاك أن يشرب خمراً للسكر وإن كان قد ذاقه في مدة من الزمان، لأن المركب يصلح للسفر زماناً طويلاً وإذا صدم لحظة فيكسر. ولتحب نفسك شاباً وديعاً لكن لا تضع عليه ثقلاً يفوق طاقته كي تنجى بالرب نفسه وإذا ظهر رئيس الرعاة تأخذ إكليل المجد الذي لا يضمحل. حصن بيتك من كل جانب ولا تسمح أن ينقب في بدء تحصنك أياه لئلا يدخل اللص من النقب فيسلب منزلك وتكون أنت سبباً لهلاكك. أعطي المحتاج ولا تقل أنه لا يحتاج أهتم به لئلا تدان كالغير ودودين ولا رحومين. فلنسمع يا إخوتي من القائل: إذ لنا قوت وكسوة فلنكتفي بِهما. فالذين يريدون أن يستغنوا يقعون في تجربة وفي فخ، وفي شهواتٍ كثيرةٍ غبيةٍ ومضرةٍ تغرق الناس في الفساد والهلاك لأن أصل الشرور كلها محبة الفضة. بكل طاقتك أكرم أباك ولا تجعل فرائض الذي ولدك بالرب منقوضة فإنه بِهذه الحال لا يتقوى عليك الجن الخبثاء المتجبرون، واضع نفسك قدام الرب جداً فتجد نعمة فإن منازل الشتامين يقتلعها الرب وينصب عوضهم الودعاء. ولا تعيرون إنساناً راجعاً عن الخطية ؛ ولا تشتم رجلاً في شيخوخته لأن الشيوخ شاخوا منا، ولا تتوانى عن عليل لأنه قد كتب: من يصم أذنه لئلا يسمع من المرضى يستغث ولا يجد من يسمعه ويسير ممقوتاً في مسكنه. من يحمل قولاً من بيت إلى بيت فهو فاعل مخزي فالرجل العاقل يستعمل الصمت. لا تدخل إلى قلاية أخيك قبل أن تقرع بابَها فإنه لا يوافق الاضطراب للصمت. المدبر الفهيم يدهن نفوس إخوته بوعظ الرب وتعليمه والمتهاون يخسر، أمنح الشيوخ كرامة من أجل الرب ومن أجل أنَهم أوفر من الإخوة علماً، لا تلزم الشيوخ بالعمل فإنَهم قد سحقوا بالنسك بشرة حداثتهم، الضمير يكفي لمن يتقي الرب. من يمكنه أن يعمل ويأكل باطلاً ليس بإنسان صالح إذ الرسول يقول: حفظت لكم ذاتي غير مثقل وأحفظ. وقد كتب الطوبى للرحومين فإنَهم يرحمون. لا تظلم قريبك محتجاً بالمكان فإن الكنيسة ليست بالعُمْدَان بل بالناس لأنه قد كتب: ويل لمن يحتشد لذاته أشياء لم يكن له منها شيء فإن الذين يثلبونه ينهضون بغتة ويتيقظ عليه المغتالون ويصير لهم جدوى يختلسونَها. من يبني منزله من الظلم إنما يبني لِذاته شهادة الهلاك لأن القديسين مقتوا كل طريقة ظالمة، عطب عظيم صبي في كنونيون ” شركة ” سيما إن كان ليست في الوسط سياسة وليس من يربي. مغبوط من يرضي اللـه، الراعي الذي ينام خارج حظيرة الغنم لا يسبب لذاته خسارة يسيرة لأن فرح الذئاب رقاد الرعاة. إن تواضع الأخ تحت يدك فأفطن أنه ليس من أجل خشيتك تذكر إذاً الرب وما صبر من أجلك ولا تسىء إليه، لا ترغب في ربح فيه خسارة للنفس لأنه ماذا أكرم من النفس قدراً. عابد مسكين يسكن بتواضع أفضل من عابد موسر يتصدق بتكبر وتشامخ. لا تربطن ذاتك بعهد مع الأخ بل فليكن لك ألفة بمخافة اللـه. يا عابداً أحذر أن تؤثر أن ترضي الذين يعقلون المعقولات العالمية فتضيع سيرة العبادة بل كن موسوماً بمخافة اللـه طول النهار. العابد المتذمر يخسر كثيراً ومن يحتمل بأناة يرث الفرح. لا تسأموا يا إخوتي فأننا لا نريد أن نكون في هذا العالم دائماً، كل ما يصنعه الإنسان من أجل الرب فهو ربح له لأن الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة واللـه يبطلهما جميعاً. أيها العابد إن أصغيت إلى ذاتك فترحم ذاتك أولاً ثم تفرح الذين يحبونك لأن الحكمة تقول: يا ولدى إن كنت حكيماً فستكون حكيماً لذاتك ولقريبك وإن ظهرت رديئاً فتعرف المساوئ وحدك. أيها العابد أفهم ما أقول لا يكن لك من خارج وفي القلاية هياج لئلا تشابه القبور المبيضة التي تبين من ظاهرها بيضاء ومن باطنها مملوءة عظام الناس والنجاسة لأن في كل مكان الإله الواحد الذي له المجد إلى أبد الدهور. آمين. أطرح فكر الكبرياء قبل أن يذللك، أهدم فكر ترفع القلب قبل أن يهدمك، أحزن الشهوة قبل أن تغمك ؛ لا تعيرن أخاً لا جلوس له في قلايته لئلا تسقط في ألمه. إن جلست مع شيخ كبير لا تحدث بفضائله فقط بل تشبه بسيرته لأن هذا نافع لك. أيها العابد أطل أناتك على مبتدئك فإن الأشياء كلها مستطاعة عند اللـه. المبتدئ الذي ليس له أتضاع ليس له سلاح بإذاء المعاند ومن هو هكذا يتهشم كثيراً. من يشتهي راحة جسده يصطنع لذاته أوجاعاً كثيرة أما الطويل الروح فيخلص. المدبر الفهيم لا يستحقر استماع مفاوضة المبتدئ مع من هو أعظم منه والعالم يستفحص تحرير كلام المبتدئ إلى من هو أكبر منه. من يكثر أقواله في الكنونبون يكثر لنفسه خصاماً وبغضاً ومن يحفظ فمه يُحَب. يا أحبائي جليلة هي الطاعة الصائرة من أجل اللـه ؛ فبهذا أعرف الطاعة التي يرضي اللـه بِها، الطاعة الصائرة من أجل اللـه هي مملوءة قداسة. جاهد إلى الموت عن ذاتك ولا تستحي من سقطتك فقد يجتلب خجل خطيئة وربَّ خجل يتجلب شرفاً ونعمة. يا حبيبي إن سقطت في مرض فأذكر القائل: يا ولدي لا تسأم من تأديب الرب ولا تنحل إذا وبخت منه فإن الرب يؤدب من يحبه ويجلد كل ابن يقبله. مرض أخ في وقت ما وقال في ذاته: ويلي أنا الخاطئ أنني عازم أن أصارع هذا الألم. ولما صار معافى سقط أيضاً في ألم أخر أصعب من الأول، وقال ذلك القول أيضاً لكنه لم يظهر سريعاً ألمه لإنسان بل كان يطلب من الرب رأفةً ليهب له عافيةً من المرض وقوة من العلة. إن أتى إليك روح الضجر لا تدع له مسكناً عندك بل قاتله بالصبر، لا يقنعك الفكر قائلاً: أنتقل من مكان إلى مكان فإنك إن تنازلت لهذا الفكر فلا تثبت في موضع قط، فقد كتب بماذا يقوم الشاب طريقه ؟ بحفظه أقوالك. بِهذا يخلص. خاصة المتصرف مع إخوة بأن يقتني مخافة اللـه والعفة في نَهاية غايتهما اللتين منهما تتولد المحبة والفرح والسلامة والطاعة وطول الروح والمسك والصبر وكل المناقب اللائقة بالمسيحيين. ويصير سريعاً إلى الاستماع بطيئاً في التكلم ممسكاً عن الغيظ لأن غضب الإنسان لا يصنع عدل اللـه ؛ ويكون بصيراً كمن لا يبصر إلى الأمور الغير نافعة ولا موافقة. وسامعاً كمن لا يسمع الأشياء التي لا تغني ؛ ويجعل ذاته أدنى وأخر الآخرين فيجد راحة، لأن من يواضع ذاته يرتفع ومن يرفع ذاته يوضع. إن بدأت أن تأمر بأمر ولا تتعب بقدر طاقتك فسيصير لك تعباً عند الأواخر لأن ليس كل وقت يهب هذا الريح نفسه لكن للرياح تغيرات وتنقل. فلهذا نحتاج أن نعود ذاتنا على العمل لأننا لا نعرف ماذا ينتج اليوم الآتي ؛ فليكن قدام عينيك دائماً القائل: لا تدينوا لئلا تدانوا لأنه بالدينونة التي بِها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. لِمَ تبصر العود الذي في عين أخيك ولا تتأمل الخشبة التي في عينك أيها المرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تبصر أن تخرج القذاء من عين أخيك ؛ وبلا محال أنك ستجد نعمة قدام الرب والناس. لا تطلق لعينيك أن تطمحا ولا تتأمل تَصَفح جمالاً غريباً لئلا يتناولك معاندك بعينيك. لا تغاير سيرة المتوانيين بل سيرة المزينيين بكل فضيلة. يا أخي لا تتعربس فإن الأشياء الصائرة خارج مخافة اللـه ليس فيها شيء أخر إلا لؤم وندامة، مغبوطة النفس التي تخدم اللـه بتحقيق فإنَها ستجد نياحتها من عند اللـه في أواخرها. توني قليل ينتج خطيئة عظيمة، ويقظة يسيرة تسترجع خسارة كبيرة، أمر مفضل أن تأكل بالرب وتشكر له من أن لا تأكل وتدين الذين يأكلون ويشكرون الرب. إذا جلست على المائدة فكل خبزاً ولا تغتاب قريبك لئلا تأكل لحم أخيك بالاغتياب. لأنه قد كتب: “الذين يأكلون شعبي في إغتذاء الخبز ولم يدعوا الرب”. إذا كنت معافى بالأمانة فكل كل شيء يقدم لك بالرب ؛ فإن قدم لك طعاماً ما لا تشتهي أن تأكله فلا ترده إذا كان أكثر الجلوس معك يريدون أكله ويشكرون الرب. وإذا جلست على المائدة فكل أكلاً لائقاً بالإنسان ولا تحول نظرك حولك كمن لا أدب له. قال أخ لست أستعفي للصون من أكل اللحم لأن كل ما يراه اللـه جيد وليس شيء نجس إذا أخذ بشكر لأنه يتقدس بقول اللـه والتضرع، لكن قد كتب لا يوافق للجاهل أن يتنعم. وعدم أدب للعابد أن يأكل قرصاً صحيحاً والكسر موضوعة قدامه، لا تستحقر الكسر فإن الرب قال لتلاميذه أن يجمعوا الكسر التي فضلت لئلا يضيع منها شيء. أيها الحبيب إن أنغلب أخ وأنصرف من موضعه وبعد ذلك ندم وأراد أن يرجع فلا تمنعه بل أولى بك أن تعزيه وتلاطفه ليعود لأنك لا تعرف ماذا ينتج اليوم الوارد ؛ فلا يجب أن تستحقر مثل هؤلاء كملعوب بِهم بل يجب بالحري أن تعتنق أمرهم أكثر من المعافين من المرضى. إذا سكنت مع إخوة فلا تصر لأحدهم سبباً من أن يفارقهم لئلا تدان في ذلك العالم، وتحرز جداً من أن تقلق أحداً فلا تفرز من ملكوت السماوات مع صانعي الشكوك. إن مرض أخوك فأتعب معه لتؤهل أن تسمع من الرب في ذلك اليوم: ” إذ قد صنعت إحساناً بأحد إخوتي هؤلاء الحقيرين فبي فعلته”. من يتوانى بعليل يغيظ من أدبه، ومن يشمت بسقطة أخيه سيسقط سقطة مذهلة. لا تقل اليوم أخطئ وغداً أتوب ؛ لكن الأوجب أن تتوب اليوم لأننا لا نعلم إن كنا ندرك الغد. يا أحبائي إذا أخطأنا فلنتب فإن الرب يقبل توبة التائبين بالحقيقة، أيها الأخ لا تقل أن هنا قتال وضيقة وهناك راحة وعدم هم، من هو الذي يقاتلنا إن كنت تعرف ؟ أليس هو عدونا المحال. أسمع منذ الآن ماذا يقول في خبر أيوب ” قال الرب للمحال: من أين أقبلت؟ حينئذ قال المحال للرب: من الجولان في الأرض ومن التمشي فيها”. فأعرف أن الشيطان موجود أينما مضيت وأثبت إذاً في المكان الذي دعيت إليه وناصب المحال فيهرب منك، وأقترب إلى اللـه فيدنوا منك. من يحب الذهب لا يتزك ومن يحب الرب يبارك، من يتوكل على الذهب يسقط ومن يتوكل على الرب ينج. الويل لمن يدخله عدم الأمانة وفقد التقوى ونقص الرأي وقلة المعرفة والجهالة والوقاحة فسيكون حظاً للثعلب. مغبوطة النفس التي تسكن فيها خشية اللـه، من لا يرضى أن يخدم سيداً واحداً سيخدم كثيرين، ومن لا يحتمل أن يخضع لرأس واحد سيخضع لكثيرين في أماكن متباينة، من لا يثبت في عمل صناعة واحدة سيتهشم في أعمال مختلفة. من يزين ثيابه يضر نفسه ؛ لأن الثياب الجزيلة أثمانِها تعيب نفس العابد والثياب الحقيرة تنفعه. إن الكبرياء والجسارة وعدم الحس وفقد الخجل وعدم الإفراز تعيب العابد عيباً خبيثاً. عيب العابد العين الطامحة لأن العابد الطامح يجمع أوجاعاً كثيرة لمن يتبعها. إن لم تمسك من أن تطمح بعينيك فلا تشق يمَّ العفة مستوية، عيب الرجل أن يسكر بالنبيذ رأيت كثيرين ولم أشبههم به. العابد المفتخر بقوته سيفه أول خزيه وعاره أن يفتخر بقوته لأن المفتخر ينبغي بالرب أن يفتخر. الجاهل في الضحك يعلي صوته، وأجهل منه من يمشي ويحرك كتفيه وساعديه معاً تحريكاً بتألم. وعلامة نقص الأدب في العابد أن يرفع جانب مزرته الأيسر رفعاً بألم، العابد المتأدب يتورع في كل شيء. الألم المبوق في الإنسان يعوده أن يحلف بفمه، لا تجعل لفمك عادة الحلف لئلا تتكاثر جهالتك وعوض العدل تجمع لذاتك خطية. شرف العابد أن يتقي الرب ويحفظ وصاياه، شرفه أن يواضع ذاته للكبار والصغار، شرفه الإفراز والتواضع، مجده عدم الحقد والصبر والتيقظ في كل عمل صالح. لا تحتقر شيخاً إن أراد أن يجىء إلى تعب العبادة لأن الرب لم يطرح الذين عملوا من الساعة الحادية عشرة ؛ فانك لا تعلم إن كان إناء مختار. إن أحببت الكبرياء فقد صرت من حظ الشياطين، إن أحببت التواضع فقد صرت من حظ السيد المسيح. إن اقتنيت الفضة ستنصرف من هنا فارغاً، وإن أحببت عدم القنية فلا تعدم الغنى السماوي. إن أخفيت في قلبك ألم الحقد فقد صرت خزانة للغضب وعدم المعرفة والحزن ويستحيل منظر وجهك لأنه قال: إن طرق الحقودين مؤدية إلى الموت. الرجل المترفع الرأي يحزن كثيراً والمتواضع يفرح بالرب كل حين. استعلاء الرأي يبتغي في كل حين إكراماً وتواضع الذهن لا يشمخ ولا يحزن من هوان لأنه ينتظر الثواب من اللـه. من يخفي في قلبه حقداً يشبه من يربي حية في حجره. لا تعطي قلبك حزناً لأن حزن العالم يصنع موتاً والحزن الذي من أجل اللـه يصير سبب حياة دهرية. يا حبيبي أطلب الرب بكل قوتك لتخلص نفسك ؛ ولا تسكن الرذيلة في قلبك، وكما أن الحاجز يرد نَهضة المياه هكذا الرذيلة ترد المعرفة من القلب. إن ابتغيت العدل تأخذه وتلبسه مثل تاج الشرف، العابد المشتبك بأمور العالم يخسر كثيراً، ومن يصبر في الأتعاب النسكية لن يخسر أصلاً. من يعطف فكره إلى الأشياء العالمية بعد زهده ومفارقته إياها فلا يفضل شيئاً على غيره، ومن يظن أنه يلعب بالأمرين جميعاً فإنه يخادع ذاته لأنه قد كتب أن اللـه لا يخادع. لأن الذى يزرعه الإنسان إياه يحصد. يا عابداً لا تجل بنظرك في شوارع المدينة ؛ ولا تطف في أسواقها لئلا يلتقيق عارض قتزلق نفسك إلى الهلاك. التشامخ يعمي عين الذهن ؛ وأما التواضع بالمحبة فيضيئها ؛ لأن الرب يعلم الودعاء طرقه. يا أخي لا تتورط في حمأة الطين، وأبعد ذاتك من إنسان سالك في عدم التقوى. ردىء للرجل أن يتوكل على ذاته ؛ ومن يتوكل على الرب يسلم، من يزين ثيابه وينظفها متكبر، المتكبر نسر بلا جناح، المتواضع ساعٍ خفيف ومثل رامٍ يصيب الإشارة. كما أن الحديد يدق كل شيء ويضمره هكذا التواضع الذى من أجل اللـه يفني حيل العدو ويبيدها. كما أن البوق للبوقي والسلاح للجندي هكذا هو التواضع للعابد. أيها الأخ بادر أن تدخل مختاراً في الطريقة الضيقة قبل أن تدخل قسراً فيما هو أضيق منها. فخر الإنسان العالمي أن يطوف متنزهاً، وفخر العابد أن لا يعبر فكره أسكفة بيته. أسمع يا حبيبي إن المجاهد إذا جاهد يطبق فمه ؛ فأطبق أنت فمك من الأقوال الزائدة فتكون لك راحة. قيل من يجد الحكمة هو عظيم الشأن لكنه لن يفوق المتقي الرب. المبتدئ شيء عظيم لكنه ليس مثل الصبور. المحل الأول جسيم لكنه ليس مثل من يتمم. لا تحب الراحة البشرية لئلا تجد فيها خسارة روحانية. لا تفحص عن الأمور التي ليست لك لئلا تضيع التي لك. لا تكد ذاتك في عمل لا حد له لأن كل الأشياء التي تعمل بحد وترتيب نافعة حسنة. من لم يقتني مخافة اللـه في قلبه ولو أكل كل يوم لبناً وعسلاً لا يستطيع أن يسكت. الإنسان المؤمن يحتمل بشهامة، أثبت في نير الرب الصالح لتفلت من نير هذا العالم الفاقد الصلاح والثقيل. لا تداوم المضي إلى قلاية أخيك. إن كان لك كتاباً نافعاً وسمعت أن أخاً يريد أن يستعيره فأعطيه إياه بلا حسد. وإذا استعرت أنت هذا الشىء يا حبيبي فأحفظه باهتمام وأدفعه إلى صاحبه بسلام. أن استعرت من الكنونيون كتاباً فلا تطرحه في قلايتك متهاوناً به بل أحفظه وأطبقه باهتمام بما أنه شيء للـه. الجسور يُخجل رئيسه وإخوته ؛ والعابد الحكيم يتورع. النسك يذيب الجسد وكثرة الأكل يكثف الذهن. لا يكمل ترتيب العمل بغير حزن، إذ يعطى العابد صبراً في قلايته ؛ لكن مخافة اللـه ؛ وذكر الموت ؛ والتعاذيب ؛ والعمل ؛ والصلاة ؛ ودراسة الكتب الإلهية ؛ أفضل من أن يفني الساعات ويشتغل بالكلام الباطل الذي منه تتولد الوقيعة. لا تجرب أخاك باختلاقك أقوالاً مضحكة لئلا تُدفع إلى الشدائد لأنه قد كتب من يماحكك بأقواله لا يسلم من أن يجعل ذاته ممقوتاً برداءة عقله، ومن يحب الذين يحبونه أي ثواب له إذ الرب يقول ” أليس العشارون والخطاة يعملون هذا الأمر بعينه “. الإنسان الجاهل يقلق نفوس الإخوة، والطويل الأناة يتقي الرب بمحبة. لا تستثقل بالتعب الشبابي، ولا توافق شيخاً لا فهم له، الشيوخ الفهماء هم بعد اللـه عصمة الإخوة. إن مسك العينين والبطن واللسان هما تقويمة عظيمة. الإنسان المتزايد في الرحمة يتلألأ كالمصباح. كمن يكنز لنفسه خيرات هكذا من يمدح قريبه في غيابه. أتقِ الرب فتجد الخيرات. لا تسلك مناهج الخطاة بل أقتفِ طرق الصديقين. إن أحببت طريق العدل ستجد الحياة الدائمة. إن أحببت الصمت ستقطع سير مركبك بسكون. إن أحببت السكون صرت محبوباً من الكل. إن رددت عينيك لئلا تبصر أشياء غرارة ستجد أفكاراً نقية. إن ثبت على المسك والحمية فقد ألجمت شيطان الزنا. إن أحببت المسكنة فقد طرت شيطان محبة الفضة. من يكنز ذهباً في قلايته إنما يكنز آلام استعلاء الرأي وعدم الطاعة. من يخزن لذاته صلوات وصدقات يستغنَ لدى اللـه. إن قوماً آخرين اكتنزوا لذاتِهم أموالاً ؛ فأنت أخزن لنفسك صلوات وصدقات. آخرون يفرحون بالأصوات والأغاني الموسيقية ؛ فأفرح أنت بالترنم والتهليل وبالتمجيد للرب. آخرون يسرون بالبطر والسكر ؛ فأجذل أنت بالمسك والقداسة. آخرون يطربون باللذات ؛ فأفرح إذا صنعت مشيئة الرب. آخرون يسرون بشرف فارغ ؛ فأبتهج أنت بالرب الذي أعد لك وللذين يحبونه إكليل المجد. الإنسان المحب للمسيح هو برج لا يحارب، والتام في المحبة هو سور لا ينقب. إن أردت أن تدرس ماشياً فأدرس صامتاً فيهرب السبح الباطل. جيد هو تقويم من يغلط ولا يضحك عليه. الرياح القبلية تخبط البحر ؛ والحمق يزعج فكر الإنسان. الطويل الأناة يطرد الغضب ؛ وحيث يوجد غضب فقد سكن الغيظ. يا حبيبي إن لم تشأ أن تبني فلا تنقض المناقب المبنية. إذا لم تريد أن تنصب فلا تقلع الغروس المنصوبة. يا أخي إن لم تشاء أن تسكت فلا تقلع رأي الذين يسكتون. يا أخي إن لم تريد أن ترسل للرب تسابيح فلا تبطل الذين يسبحون. الغني إذا تكلم يصمت الكل ويرفعون كلامه إلى السحب ؛ واللـه يخاطبنا بالكتب المقدسة فلا نريد أن نسكت ونسمع لكن واحد يتكلم وأخر يتناعس وأخر تجول أفكاره خارجاً، فماذا يقول الكتاب ؟ ” من يرد مسامعه لئلا يسمع شرائع العلي فصلاته ترفض “. المتواني يستعجل في الصلاة ليسمع آمين، والمتيقظ إذا صلي لا يضطرب، فليكن بعيداً منا المقول بالنبي: ” أنت قريب من شفاههم بعيد من قلوبِهم “. لا تُقلق أخاً ولا توافقه في خطيئة لئلا يسخط الرب عليك ويسلمك في أيدي الأشرار. الطوبى للإنسان الذي لا يفتن على قريبه ولا في أمر واحد من الأمور فإن ثوابه كثير في السماوات. من يتجسس بلا تمييز ولا إفراز يشكك كثيرين. إن لم يضع الإنسان أولاً خطاياه بين عينيه في كل موضع فلا يمكنه أن يسكت. الطوبى لمن يبتدئ بسيرة جيدة ويكملها بمرضاة الرب فقد كتب: ” من يكرم أباه يسر بأولاده وفي يوم صلاته يسمع منه “. من يشرف أباه تطول أيامه وفي يوم وفاته يجد نعمة، أكرم أباك بالقول والفعل لترد إليك البركة منه، لا تتشرف بإهانات أبيك فلا يكون لك من الهوان شرفاً. إن شرف الإنسان إنما هو من إكرام أبيه، وعار الأولاد أم ذات هوان. أيها العابد عوض والديك بالجسد لك من ولدوك بالرب وبالروح ؛ الذين يرشدونك إلى الحياة الدهرية. يا أخي أسمع القائل: يا ولدي تمم أعمالك بوداعة فتُحب من الإنسان المقبول، بمقدار ما أنت عظيم بمقدار ذلك واضع ذاتك فتجد لدى الرب نعمة لأن قدرة الرب عظيمة، ومن المتواضعين يشرف ويمجد، مصيبة الكبرياء ليس لها شفاء لأن نصبة الخبث قد تأصلت فيها. ثلاثة أنواع تكثر الضلال والغرور والرابع ليس صالحاً: ( 1 ) عدم الطاعة للشاب. ( 2 ) وشيوخ يحسدون نجاح الشاب. ( 3 ) والمتورع إذا جنح إلى الأشياء الظالمة. ( 4 ) والرئيس إذا أحزن نفوس الإخوة بغير معرفة. أربعة أشياء تكنز شرف المناقب والخامس صالح قدام اللـه والناس. ( 1 ) ألفة الإخوة بوداعة وعدل. ( 2 ) وأخ يعظ أخاه بمخافة اللـه. ( 3 ) وشاب يخضع للشيوخ مثل أسياد له. ( 4 ) ورئيس يحب إخوته كما يحب ذاته. ( 5 ) ويهتم بخلاص نفوسهم. بالحقيقة إن الكبرياء رديئة للرجل، على كل حال يا حبيبي لا تحب الكبرياء فليست فيها منفعة، كل ألم إذا أُهتم به ينال البرء أما ألم الكبرياء هو شر صعب الشفاء لأنه يطرح دواء البرء ويركب لذاته سماً قاتلاً لا يوجد في عبيد السيد المسيح. فخر العابد الكلام الصادق المرتب حسناً، ومن يحب المزاح والخلاعة فهو جاهلاً. عيده حفظ وصايا المسيح وعزاؤه اجتناب فعل الشر، فرحه السفر إلى الرب، وفخره مخافة الرب. ما أمكنني أن أشارك فلسفة العالم بل أسأل الرب أن يمنحني نعمة مع غفران الخطايا أفضل من الزبرجد والياقوت، وأجل قدراً من خوابي مملوءة ذهباً، وأرفع سمواً من كثرة علم هذا العالم. أشكرك أيها الرب فأنك لم تعدمني طلبتي ولم تعرض عن ابتهال عبدك العاطل لأنك أنت هو رجاء اليائسين ومغيث الذين لا عون لهم.فليكن اسم عظمتك مباركاً إلى دهر الدهورآمين مار إفرآم السريانى
المزيد
11 يوليو 2020

المقالة الخامسة فى النسك والتعزية الكثيرة والخشوع

للمريدين أن يخلصوا يضرنى الوجع أن أتكلم وعدم الاستحقاق ينهرنى كى أصمت والأوجاع تكلفنى أن أتكلم وخطاياى تحضنى على السكوت فإذ قد اكتنفت من الأمرين جميعاً فالأوفق لى أن أتكلم لكي ما أنال الراحة من أوجاع قلبى لأن نفسى توجعنى وعيناى تشتهيان الدموع فمن يعطى لرأسى ماءً ولعينى عين دموع فأبكى نَهاراً وليلاً على كلوم نفسى وعلى رخاوة الموعظة الصائرة فى أيامنا لأن نفسى مملوءة جراحات ولا تعلم لأن تعظمها لا يسمح لها أن تتأمل كلومها لتشفى لأن ذلك كان وحده عظة فى أيام آبائنا لأنَهم أشرقوا كالشمس وكالنجوم فى كافة الأرض سائرين بِها فى وسط القرطب والأشواك أى بين الهراطقة والناس المنافقين مثل جواهر كريمة ولؤلؤ جزيل ثمنه الذين من أجل مسكهم الجزيل وسيرتِهم الصعبة صار الأعداء أنفسهم متشبهين بِهم، لأن من كان يشاهد تواضع رأيهم ولا يتخشع، أو وداعتهم وصمتهم فلا يتحير أى محب للمال كان يعاين عدمهم للقنية ولا يصير مبغضاً للعالم، أى متغطرس ومستكبر كان يرى سيرتِهم الحسنة ولا ينتقل إلى التواضع وأى خبيث ودنس كان يبصرهم فى الصلاة واقفين ولا يظهر فى الحين عفيفاً وطاهراً، وأى سخوط أو غضوب إذا كان يخاطبهم فلا ينتقل إلى الوداعة ههنا جاهدوا وهناك ابتهجوا لأن اللـه يُمَجَد بِهم، والناس ابتنوا وانتفعوا، فأما العظة التى لنا فقد جعلتنا نترك الطريق المستقيم ونعشق الهوى لأن ليس أحد يترك الأموال من أجل اللـه، ولا أحد يزهد من أجل الحياة الأبدية، وليس أحداً وديعاً ومتواضعاً، ولا ساكن الأخلاق ومبتعداً من السب أو صبوراً على القذف بل الجماعة سخوطون ومجاوبون، والكل عاجزون وغضوبون، ومتزينون بالثياب، الكافة معجبون وللشرف محبون، والجماعة محبون ذاتَهم لأن الذى قد جاء ليُوعَظ فقبل أن يُعَظ يَعظ، أو قبل أن يُعَظ يُعَلِّم، وقبل أن يَتَعَلَّم يشترع فرائض، وقبل أن يتهجى في الكتب يصنع كتباً، وقبل أن يُطِيع يُرام أن يُطَاع، وقبل أن يُؤمَر يأمر، وقبل أن يُعاتَب يشترع العتاب إن كان شيخاً يأمر بتأمر وتعظم، وإن كان شاباً يُجَاوِب، وإن كان موسِراً للخير يطلب إكراماً، وإن كان مسكيناً يسأل عن الراحة، وإن كان صانعاً ينظف أصابعه ويصون تنضيدها من لا يبكى يا أحبائى على التعليم الذى لنا لأننا قد زهدنا فى العالم ونعقل المعقولات الأرضية، الفلاحون قد زهدوا فى الأرض والمظنون أنَهم روحانيون قد ارتبطوا بِها، لا نعرف يا إخوتى إلى أين قد دعينا، وإلى أى أمر جئنا دعينا إلى المسك والحمية ونشتهى الأطعمة الطيبة، وجئنا إلى العرى ونخاصم من أجل ثياب ناعمة، دعينا إلى الطاعة والوداعة ونجاوب متنمرين، نقرأ ولا نعرف، ونسمع ولا نعقل القول الذى فى ذاتناإن صادف إنسان فى الطريق بغتة قتيلاً تستحيل نضارة وجهه، ويجزع قلبه، ونحن نقرأ أخبار الرسل المقتولين والأنبياء المرجومين ونظنها قيلت عبثاً ولم أقول عن الأنبياء والرسل فقط بل نسمع عن الإله الكلمة نفسه عُلِقَ على خشبة من أجل خطايانا وقُتِلَ ونحن نضحك ونتنزه، الشمس لم تحتمل شتيمة السيد فنقلت بَهاءها إلى الظلمة، ونحن لا نشاء أن ننتقل من ظلمة رذيلتنا فلنطهر ذاتنا يا أحبائى ليسكن الإله فينا وننال مواعيده، ولا نشتم اسمه القدوس الذى دعى علينا، ولا يجَدف من أجلنا على اسم إلهنا، فلنشفق على ذاتنا متفهمين أن اسمنا قد أتفق مع اسم المسيح، لأنه هو المسيح ونحن ندعى مسيحيين الروح هو الإله ونحن صرنا روحانيين، لأنه حيث روح الرب فهناك الحرية، فلنحرص أن ننال هذه الحرية، ولنخطر بذهننا لأية سيرة قد أُهلنا عالمين أنه إلى عرشه دعانا فلنحب ذاتنا ولو مثل ما أحبنا هو، ولنشتاق إليه ليشرفنا اصغوا إلى ذاتكم لئلا نطالب بطائلة مضاعفة يوم الدينونة. قد انفصلنا من العالم ونعقل معقولات العالم، استحقرنا الأموال ونَهتم من أجلها، هربنا من الأشياء البشرية ونحن نطلبها، ونخشى من أن يدهمنا بغتة ذلك اليوم ونوجد عراه وأشقياء وغير مستعدين فتندم أنفسنا لأن هذا الأمر نفسه أصاب الذين كانوا على عهد نوح، وفى أيامه كانوا يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون، يبيعون ويبتاعون إلى أن جاء الطوفان فأهلك الكل إن الأمر يا إخوتى عجيبٌ جداً أنَهم كانوا يعاينون الحيوانات البرية ملتئمة كانت تتقاطر جمعاً واحداً، الفيلة كانت تتقاطر من بلاد الهند وفارس ؛ والأسد والنمور تجتمع مع الغنم والمعزى ولا تآزى والدواب والطيور تتوافى من غير أحد يسيرها وتحل حول السفينة بحرص وهذه كانت فى أيام طويلة ونوح نفسه كان يعمل السفينة بحرص، ويهتف إليهم توبوا فلم يرتدعواوكانوا يشاهدون متعجبين من اجتماع البهائم والحيوانات البرية، فلم يتخشعوا ليخلصوا فلنرهبن يا أحبائى لئلا يصيبنا نظير هذه لأن المكتومات قد كملت والعلامات المقولة لها انقضت، وما تبقى شيء آخر سوى أمور عدونا معاند المسيح لأنه كما في مملكة الروم يجب أن تكمل الأشياء كلها فمن يشاء أن يخلص فليحرص أن يريد أن يدخل إلى الملك، فلا يتوانى من يشاء أن ينجى من نار جهنم فليجاهد فرط الجهاد، ومن يريد ألا يطرح فى الدود الذى لا يرقد فليتيقظ مستفيقاً، ومن يريد أن يستعلى فليتواضع، ومن يشاء أن يتعزى فلينح. ومن يحب أن يدخل الخدر ويبتهج فليأخذ مصباحاً بَهياً وزيتاً فى وعائه، ومن ينتظر أن يتكئ فى ذلك العرس فليقتنِ حلة منيرة. فإن مدينة الملك هى مملوءة سروراً وابتهاجاً، موعبة نوراً وحلاوة نابعة لذة وحياة أبدية للساكنين فيها.فمن يحب أن يساكن الملك، ويستوطن مدينته فليسرع لأن النهار قد مال ولا يعلم أحد ماذا يلتقى فى الطريق، لأنه مثل مسافر يعرف بُعد مسافة الطريق فأضجع ونام إلى قرب المساء ثم أنتبه وأبصر النهار قد مال.فلما أبتدأ بالمشى تدارجته بغتة الغيوم والبرد والرعود والبرق محتفة بالهواء فاشتمله الغيوم من كل جهة، وتضايقت حياته لأنه لا يستطيع الوصول إلى المنزل ولا يستطيع أن يعود إلى موضعه.هكذا يصيبنا نحن إن توانينا واضطجعنا فى أوان التوبة لأننا نحن سكان وراحلون، فلنحرص أن ندخل إلى مدينتنا وموطننا بعزاء نحن يا إخوتي تجار روحانيون طالبوا الجوهرة الجزيلة قيمتها التى هي المسيح مخلصنا، الفخر والكنز الذي لا يُسلب فلهذا فلنقتنه بحرص كثير فمغبوط ومثلث السعادة من قد حرص أن يقتنيه، شقي من توانى أن يقتنى صانع الكل.أو لا تعلمون يا إخوتي أننا أغصان الكرمة الحقيقية التي هي المسيح. فأحذروا إذاً أن يوجد أحد غير مثمر، فإن أب الحق هو الفلاح الذى يعمل هذه الكرمة، والذين يعطون ثمراً يطهرهم ليأتوا بثمر ؛ والذين لا يأتون بثمر يقطعهم ويرميهم خارج الكرم ليحرقوا بالنار.فتأملوا ذاتكم حذرين أن توجدوا غير مثمرين فتقطعوا، وتلقون فى النار ؛ فكذلك نحن بذار جيد زرعه المسيح سيد المنزل صانع السماء والأرض، وأوان الحصاد قد حان والحصادون بأيديهم المناجل منتظرين إشارة السيد، فاحظروا أن يوجد أحدكم زواناً فيُشد حزمناً ويحرق بالنار الدهرية.ألا تتفهمون يا إخوتى أننا مزمعون أن نعبر لجة مرهبة.فالذين هم تجار حاذقون وحكماء مستعدون، وتجارتِهم بأيديهم منتظرون هبوب الرياح ليسيروا ويبلغوا إلى ميناء الحياة، وأنا ومن يشابِهنى نتنزه بلا كسب ولا فائدة.ليس لنا شيء موضوع فى ذهننا لنعبر به هذا البحر ونخشى أن تَهب الرياح بغتة، ونوجد غير مستعدين فيقيدونا ويرمونا من المركب، وسنبكى هناك على ونيتنا ناظرين إلى آخرين مبتهجين مسرورين ونحن فى وجع وحزن لأنه فى تلك الميناء يفتخر كل أحد بتجارته وثروته.فأخشى يا أحبائى أن تخرجنا آلام الجسد خارج الحذر إذ نحن من خارج لابسين زياً لأن الذى من خارج يعرف أين هو قلبنا وعقلنا.التزين وتنظيف الثياب يوضحان أننا مجردون من ذلك المجد مفتكرون فى الأشياء الأرضية، وأثرة التشرف تدل أننا معجبون، والتلذذ بالأطعمة يدل أننا شرهون البطن، والونية توضح أننا عاجزون.ومحبة الاقتناء توضح أننا لا نشتاق إلى المسيح، والحسد يخبر أننا ليس لنا محبة فى ذاتنا، وغسل أرجلنا ووجوهنا يدل على أننا عبيد الآلام، لأن القلب يشتاق إلى شيء والأشياء التى يودها القلب يتلوها اللسان، وشفاهنا تستوضح مكتومات قلبنا.متى أنفتح الفم ولا باب له ولا حراسة يخرج كلامنا بلا تحفظ، وبأقوالنا نسلب متاع قلبنا لأن فماً لا يحفظ أسرار القلب يسترق أفكاره والرؤيات التى يظن أنَها باطنة تشتهر بالفم، والنتائج التى يظن أنَها لا ترى تبصر، التلذذ بالمثالب يوضح أننا موعوبون بغضاً.فلا ينخدعن أحد بالورع الظاهر فإنه يخدع ذاته وأخاه، من يظن أنه يخدع بالورع الظاهر فتصرفه يظهر كذب ورعه.إن شئت أن تعرف أفكار القلب فتقدم إلى الفم ؛ ومنه تعرف بأى شيء تَهتم ؟ وعلى ماذا تحرص ؟ أعلى الأشياء الأرضية أو على المناقب السماوية. على الأمور الروحية أو على الأشياء البشرية.من أجل اللذة اهتمامك أو من أجل الحمية، بِهجر القنية تَهتم أو باستكثارها، بالتواضع أو باستعلاء الرأى، بالمحبة أو بالبغضة، لأن من كنز القلب يخرج الفم اهتماماته، وهذيذ اللسان يوضح إلى ماذا يشتاق إلى المسيح أو إلى أمور العالم الحاضر.والنفس التى لا ترى تبصر بأفعال الجسد ما هى إن كانت صالحة أو خبيثة لأنَها صالحة بطبيعتها وتنتقل إلى الشر بالنية المتسلطة على ذاتِها لكن لعل أحداً يقول إن الآلام الطبيعية والذين يعملونَها لا جناح عليهم.أصغ إلى ذاتك ولا تنسب حسن اختراع الإله الصالح إلى زلة الجنوح فإنه قد صنع البرايا كلها حسنة جداً وزين الطبيعة بسائر الصالحات، فمن يجع إذاً لا يذنب إن أكل بمقدار لأن الجوع طبيعي، وإذا عطش إنسان كذلك وشرب قدر كفافه فلا يخطئ لأن العطش طبيعي.إذا نام أحد فلا يخطئ إن لم ينم بلا مقدار ويرخي ذاته ويدفعها إلى النوم ؛ حقاً أن النوم الذي لا مقدار له عادته تغلب الطبيعة لأن العادة والطبيعة هما كارزان بحظوظ كل واحد منهما بل فالطبيعة توضح العبودية، والعادة تشهر النية لأن منهما كلهما تتضح كيفية الإنسان. فالنية هي مسلطة على ذاتِها فهي مثل فلاح تطعَّم في ذاتِها عادات رديئة وصالحة كما تشاء.أما العادات الرديئة فتطعمها هكذا تطّعم في الجوع نَهم البطن، وفي العطش كثرة الشرب وفى النوم الرخاوة وفى النظر الرؤية الرديئة وفى الحق الكذب.وكذلك تطعم الفضائل الصالحة هكذا فى الإغتذاء المسك، وفى العطش الصبر، وفي النوم السهر، وفى الكذب الحق، وفي النظر التعفف، وفى التأمل لحظة عين، فهي مثل فلاح تقتلع العادات الرديئة وتطعم الفضائل الصالحة فتغلب الطبيعة.فأرض عملنا هي الطبيعة، والفلاح هي النية ؛ والكتب الإلهية هم المشيرون، والمعلمون يعلِّمون فلاحنا أية عادات تقلع وأية فضائل صالحة تُنصب ؛ فما دام فلاحنا مستفيقاً وحريصاً من قبل تعليم الكتب الإلهية فهو قوي لأنَها تعطيه ” الكتب الإلهية ” من غصونِها فهماً وقوة فضائل صالحة ليطَّعم في شجرة الطبيعة.الأمانة فى عدم الأمانة، ورجاء فى عدم الرجاء،ومحبة في البغض، ومعرفة فى عدم المعرفة، وحرصاً فى التواني ومجداً ومديحاً في عدم الشرف، وعدم موت في الأمانة، ولاهوتاً فى الناسوت.فإن شاء وقتاً ما فلاحنا بتعظمه أن يترك المعلم والمشير عليه أعني الكتب الإلهية، يوجد تائهاً ويصادف نتائج خبيثة جامعاً عادات لا نفع فيها ويطعم فى الطبيعة التطعيمات التى خارج الطبيعة.أعني عدم الأمانة، وجهالة ؛ وبغضاً ؛ وحسداً ؛ وكبرياء، وسبح باطل ؛ وأثرة الشرف ؛ ونَهم البطن ؛ وخصومة ؛ ومجاوبة ؛ وأشياء أخرى أكثر من هذا لأنه لما تَرك المشرع تُرك منه.فإن تندم وعرف ذاته وسجد للمشترع الشريعة قائلاً: قد أخطأت إذ تركتك. يقبله المشترع السنة فى الحين بتعطفه على الناس ويمنحه فقهاً واقتداراً صالحاً ليعمل أيضاً أرض فلاحته وطبيعته، ويقتلع منها العادات الرديئة وينصب عوضها الفضائل الصالحة.بل ويمنحه أكلَّة ويعطيه جوائز ومدائح هكذا كما قلت ؛ أنه يجوع بالغريزة فيحتمي ويصبر ؛ ويعطش لكنه يصبر ؛ يشتهي لكنه يغيف ؛ يثقل بالنوم أو يشتمله عجز فى تمجيد السيد، لكنه إذا سهر يكلف نفسه في تسبيح اللـه. وكذلك يكلل إذا غلب الطبيعة وأقتني الفضائل.فالمجد إذاً لتعطفه والشكر لصلاحه، والسجود لتحننه، أي رب رؤوف هكذا، أي أب رحوم هكذا، أي أب هكذا يحب مثل سيدنا الذي أحبنا نحن عبيده، ويهب لنا كل شيء ويدبر أمورنا، ويشفي جراحات نفوسنا بكثرة صنوف الأدوية ؛ ويتمهل علينا إذا خالفناه.ويشاء أن يخلصنا كلنا، ويشاء أن يصيرنا وارثين ملكه، ويريد أن تُمدح خيريته إذا شفت الأمراض السهلة الشفاء والحقيرة، لأن الأسقام الثقيلة والصعب شفائها هو يشفيها !فيشفى جراحات العاجز بنفخة فمه لدراسته بتمجيده، ويصفح عن خطايا الخاطئ باستنهاضه إياه إلى النشاط، ويسمع من السقيم سريعاً لئلا تصغر نفسه، ويمنح الطويلة أناتَهم والقارعين أبوابه دائماً الموهبتين كلتيهما أي الشفاء والثواب.لأنه يقدر أن يشفي جراحات نفوسنا كلها وينقلها غصباً إلى الحرية لكنه لا يشاء لئلا تعدم نيتنا المدائح التي منه، ونتوانى أن نستغيث به لمعونتنا ونصرتنا، فلمحبته إيانا ورأفته بنا قد اقتادنا وأنار أعين ذهننا منحنا المعرفة وأذاقنا محبته لنطلبه بلا تقصير.الطوبى لمن ذاق محبته وأعد ذاته أن يمتلئ منها دائماً فإنه إذا امتلأ من مثل هذه المحبة لا يقبل فى ذاته محبة أخري، يا أحبائي من لا يحب مثل هذا السيد من لا يسجد ويشكر لصلاحه.أي اعتذار لنا في يوم الدينونة إن توانينا ؟ أم ماذا نقول له ؟ أنقول ما سمعنا وما عرفنا ! أو ما عملنا ! ماذا ينبغي أن يعمله ولم يعمله بنا ؟ ألم ينحدر إلينا من العلو الذى لا يُقَدَر ! وألم ينزل من حضن الآب المبارك ! أما شوهد الغير المرئي منا، وإذ هو غير مائت ألم يتجسد من أجلنا أو ما لطم ليعتقنا.يا للعجب الموعب خوفاً ورعباً أن يداً طبيعية خُلقت من طين الأرض لطمت خالق السماء والأرض، ونحن الأشقياء والأدنياء ترابيون ومائتون ورماد ولم نحتمل كلمة بعضنا من بعض.هو غير مائت ؛ ألم يمت من أجلنا ليحينا، أو لم يُدفن لينهضنا معه، فكَنا من رباطات العدو وربطه، وأعطانا سلطاناً أن ندوسه، متى استغثنا به ولم يجيبنا، أو قرعنا بابه ولم يفتح لنا وإن تباطأ وقتاً ما أليس ذلك ليُكثر ثوابنا.أيها الحبيب لِمَ زهدت فى العالم ؛ ألكي تطلب نياحة جسدانية، وبدل العرى أتبتغى حلة، وعوض العطش أتبتغى شرب الخمر.دعيت إلى المحاربة ؛ وتروم أن تتقابل مع أعدائك بدون أسلحة، عوض السهر تنحدر إلى النوم، وعوض البكاء والنحيب تبذل ذاتك للضحك، وبدل المحبة تحوي بغضاً لصاحبك.جئت إلى الطاعة وأنت تجاوب، جئت لترث مُلكاً وأنت تعقل المعقولات الأرضية، وعوض التواضع والوداعة تشتمل بالتعظم والتكبر.ماذا تقول له فى ذلك اليوم ؟ أتقول أننى تواضعت من أجلك ! وتمسكنت وتعريت، وجعت وعطشت من أجل محبتك من كل نفسي، وأحببت قريبي كنفسي.لا تستهجل أن أقوالك وأفكارك ليست غير مكتومة، وضميرك هو الناظر إياك، إن كذبت لا تجهل أنه لا يوبخك، أو لا تعلم أن البرية كلها تقف أمام مجلسه بخوف ورعب شديد وتحوط به ألوف ألوف وربوات ملائكة رؤساء ملائكة ؟وإن كنت تفتكر أن تكذب وتقول قد احتملت من أجلك مثل جسامة هذه الأشياء، أحذر أن تبدى طائلة كبيرة عن أعمالك الخبيثة وعن كذبك فق من نومك وعد إلى ذاتك، أجمع أفكارك وأنظر أن النهار قد مال.أفهم هذا المعنى أيها الأخ، إن إخوتنا الذين كانوا معنا بالأمس يكلمونا ليسوا معنا اليوم لأنَهم دعوا إلى ربِهم وربنا ليريه كل واحد منهم تجارته.ها أنتم قد عرفتم أمور أمس الماضي وأمور اليوم، كيف مضي أمس كزهرة صباحية واليوم هو كفى مسائي، فتأمل أمتعة تجارتك إن كانت قد نَمت فائدتِها من أجل اللـه، لأن أيامنا تجوز مثل مشي ساعي.الطوبى لمن يتجر وينمي بضاعته يوماً فيوماً، ويجمع فوائد الحياة الدائمة. لِمَ تتوانى أيها الحبيب، لِمَ تضجع وقد سكرت بالضجر كسكرك من النبيذ، ماذا تميز فى ذاتك إنك تجعل لك منزلاً فى هذا الدهر.لأنه مثل أثنين مسافرين أتفق أحدهما مع الآخر فى الطريق، وكل واحد منهما ذاهب إلى منزله فلما أدركهما كلهما المساء نزلا فى الفندق الذى بلغا إليه، ولما صارت الغداة فارق أحدهما الآخر، وكل واحد منهما يعرف ما له في منزله إما غنى وإما فقيراً، إما نياحة إما حزناً.هكذا نحن فى هذا العالم فإن هذا العمر يضاهي مسكناً ومنه نفترق ذاهبين إلى موضعنا عالمين ما لنا أمامنا لأن كل واحد منا لا يجهل ما تقدم فأنفذ إلى السماء.كما أقول إن كان أرسل صلاة بدموع، أو سهراً نقياً، أو ترتيلاً، أو تخشعاً، أو مَسْكَاً بتواضع الرأي، أو زهداً فى الأمور الأرضية أو محبة بلا رياء تتوقان إلى المسيح.إن كنت سبقت فأرسلت هذه فثق إنك ستمضي إلى نياحة وراحة، وإن كنت ما أرسلت ولا واحدة من هذه فَلِمَ تغيظ قريبك في مسكن الاغتراب لأنك غداً تفارقه، لِمَ تتكبر، لِمَ تتعظم، لِمَ تحزن. أتريد أن تحمل المسكن معك، لِمَ تَهتم من أجل ثياب وملابس وطعام فالمعطي البهائم غذائها ألا يغذيك أنت الذي تمجده.يا من ترجوا أن تصير وارثاً أتَهتم بثياب وملابس، يا من قد أمت ذاتك من العالم أتعقل المعقولات الأرضية، لِمَ تغيظ الطبيب بأنك تريد أن تبرأ وفي زمان مداواتك تخفي جراحاتك ؛ وتدعى على الطبيب أنه ما أبرئك.قد أُعطيت وقتاً للتوبة، وأنت تتواني فى التوبة. فماذا تدعى على المشترع السنة أإنه أجتلب الموت لما تَهاونت ؛ أتراك تقول للموت دعني أتوب.فق أيها الحبيب متيقظاً فإن تلك الساعة كالفخ تأتي إليك وحينئذ يشتمل ذهنك ذهول، وتقول: كيف جازت أوقاتي ؟ وكيف عبرت أيامي فى حال تنزهى فى الأفكار الغير واجبة ؟وما المنفعة أن تفتكر بِهذه وقت الموت، ولا يسمح لك أن تعود إلى هذا الدهر منذ الآن ضع عقلك فى المقولات وليدخل فى مسامعك أقوال الرب، إن كنت تصدقه لأنه هو قال إنك تعطي فى ذلك اليوم جواباً عن كل كلمة بطالة.يخزينا هذا الفصل إن كان ذهننا مستفيقاً ؛ فالذي يتفهم المكتومات ولا يسمع المقولات فهو يضاهي كوز مياه يقبل الماء ولا يحس إنه يجوز فيه.ترى من لا يبكى، ومن لا يرى، ومن لا يحزن، ومن لا ينذهل، إن سيد الدنيا كلها يهتف بذاته، وبعبيده الرسل والأنبياء، ويكرز صارخاً وليس من يسمع.وما هي الأشياء التي أشار إليها ؟ العرس معد قال والمسمنات قد ذبحت والختن جالس بعظم جلاله ومجده فى الحجلة يستقبل المقبلين إليه بفرح.الباب قد فتح، الخدام متسارعون، فأعدوا قبل أن يُغلق الباب لئلا تبقوا خارجاً ولن يوجد من يدخلكم، ومع ذلك لا يحترس أحد بل يضجع ويهتم بِهذا الدهر، فالكتب الإلهية نكتبها خطاً مستوياً إلا أننا لا نشاء أن نكمل الأوامر التى فيها.ترى من هو الذى يسافر بلا زاد في طريق بعيده كما نشاء نحن أن نترك زادنا ههنا ولا نأخذ معنا شيئاً للسفر، فمغبوط من يسافر للرب بدالة حاملاً زاده بلا احتياج إلى غيره.فها العشر عواتق نائمات والعبيد يتجرون وينتظرون سيدهم عالمين أنه قد أخذ الملك وهو آتي باقتدار ومجد جزيل فيكلل عبيده الذين تاجروا حسناً بالفضة التي قبضوها منه، ويقتل أعدائه الذين لم يريدوا أن يملك عليهم.أنه في النوم الذي يشتمل طبيعة الناس في نصف الليل يصير من السماء بغتة دوي عظيم ورعود مرهبة، وبروق مفزعه مع زلزلة.يذهل بغتة الراقدون، ويتذكر كل أحد أعماله التي عملها إن كانت صالحة أو طالحة.ويقرعون صدورهم صائحين على مضاجعهم لأنَهم ليس لهم موضع يهربون إليه أو يختفون فيه، أو يندمون على ما عملوا، لأن الأرض تتزلزل، والرعود ترعب والبروق تُذهل، وظلمة عميقة تطوف بِهم.هكذا تكون تلك الساعة تزعج الأرض كلها كبرق حاد مدلهم لأن الصور يبوق بخوف من السماء وينهض الراقدون وينتبه الهاجعون منذ الدهر لأن هذه السماوات مع كافة قوتِها تضطرب والأرض تتموج كلها كالبحر مرتعدة من اتجاه مجده.لأن ناراً مرهبة تتقدم سعيرها أمامه تنظف الأرض من الآثام التي دنستها ويفتح الجحيم أبوابه الدهرية، ويبطل الموت وتراب الطبيعة البشرية المتماسي إذا سمع صوت البوق يعيش ويحيا لأنه بالحقيقة يكون ذلك عجباً.يرى مستعجباً كيف بطرفة عين،كما أن السمك الكثير الذى يذهب ويجىء ويتقلب فى البحر، هكذا كثرة عظام الطبيعة البشرية التي لا تحصى ينزع كل واحد منها طالباً مفصله، وإذا نهضت تحاضر كلها وتقول المجد لمن جمعنا واستنهضنا بتعطفه على الناس. وحينئذ يبتهج الصديقون ويُسر الأبرار، والنساك الكاملون يتعزون من تعب نسكهم، والشهداء والرسل والأنبياء يكللون.الطوبى لمن أستحق أن يرى تلك الساعة كيف بمجد يخطف فى السحب لاستقبال الختن الذى لا يموت ؛ وكافة الذين أحبوه وحرصوا أن يتمموا مشيئته،كما قد عظم كل واحد جناحه ههنا هكذا يطير إلى شواهق الأعالي، بمقدار ما نظف كل واحد ذهنه وصفاه هكذا يبصر مجد اللـه. وبقدر ما أشتاق الإنسان إليه هكذا يتملى شبعاً من محبته، ويتعجب في تلك الساعة آدم الأول إذا أبصر العظائم والمرهوبات.كيف قد حضر منه ومن قرينته ما لا يحصى من كثرة الأجناس، وإذا تكاثر تعجبه لكونه من طبيعة واحدة وخليقة واحدة صاروا فى الفردوس وفي الجحيم متواترين بمجد الإله الخالق، والمجد للحكيم وحدة.يا أحبائي لقد تذكرت تلك الساعة وارتعدت، وتأملت تلك الدينونة المفزعة فانذهلت، وذلك السرور الذي في الفردوس فتنهدت وبكيت حتى لم يبقى فيَّ قوة لأبكي أيضاً، لأن أيامي عبرت في التواني والتنزه. وفي الأفكار النجسة أكملت سنين حياتي.كيف سرقت ولم أعلم ؟ وكيف عَبَرت ولم أحس ؟ فأيامي فنيت وآثامي تكاثرت، ويلي ويلي يا أحبائي ماذا اصنع بخزي تلك الساعة إذا طاف حولي الذين يعرفوني، والذين لما أبصروني فى هذا الزي طوبوني وأنا من داخل مملوء إثماً ونجاسة، متناسي الرب فاحص القلوب والكلى.بالحقيقة أن هناك الخزي والافتضاح، والشقي هو الذي يخزى هناك. أيها الصالح العطوف أستحلفك برأفتك آلا توقفني على اليسار مع الجداء التي أغاظتك، ولا تقل لي لستُ أعرفك، بل أعطيني بحنانك بكاءً دائماً وتخشعاً، وأعطي قلبي تواضعاً وطهره ليصير هيكلاً لنعمتك المقدسة لأننى وإن كنت خاطئاً ومنافقاً لكنني قارعاً بابك بمداومة، وإن كنت عاجزاً ووانياً لكنني في طرقك سالكاً .يا إخوتي الأحباء أتضرع إلى ألفتكم أن تجزموا على أن ترضوا اللـه ما دام موجوداً، أبكوا قدامه نَهاراً وليلاً في صلواتكم وترنيمكم لينقذكم من ذلك البكاء الذي لا ينقضي، ومن تقعقع الأسنان، ومن نار جهنم، ومن الدود الذي لا يرقد، ويفرحكم في مملكته في الحياة الخالدة حيث يهرب الوجع والحزن والتنهد.حيث لا يحتاج أحد دموعاً ولا توبة حيث لا مخافة ولا رعدة، حيث لا فرق ولا تفاضل، حيث لا يوجد المحارب والمعاند، حيث لا خصومة ولا سخط، حيث لا بغض ومعاداة.ولكن ذلك كله مملوء فرحاً وسروراً وابتهاجاً ومائدة مملوءة أطعمة روحانية أعدها اللـه للذين يحبونه، فمغبوط من يؤهل لها، وشقي من يعدمها.فأطلب إليكم يا أحبائي أن تسكبوا علىَّ تحننكم، وتشفعوا عني ساجدين لابن اللـه الوحيد الصالح العطوف ليصنع معي رحمة وينجيني من غزارة مآثمي ويسكنني حول مساكنكم في ساحات الفردوس المبارك الوارثين إياه حتى أصير جاركم.لأنكم أنتم الأولاد المحبوبون وأنا كالكلب المرفوض، انفضوا لي فتات موائدكم فيتم علىَّ الفصل المكتوب: ” والكلاب تشبع من فتات المائدة المتساقط “.نعم يا أحبائي اسكبوا علىَّ صلواتكم، وهلموا أن نحرص من أجل حياتنا فإن الأشياء كلها تعبر كعبور الظل، ولنبغض العالم والأشياء التى فى العالم والاهتمام البشري، ولا نتخذ هماً آخر سوى الاهتمام بخلاصنا كما قال ربنا” ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ؟ أو ماذا يعطي الإنسان فدية عن نفسه “.أيها الإخوة نحن تجار روحانيون فلنتشبه بالتجار العالميين، فالتاجر يحسب كل يوم ربحه وخسارته، فإن خسر يحرص ويهتم كيف تُرد خسارته.كذلك أنت أيها الحبيب في كل صباح ومساء وغدوه تأمل بمبالغة كيف تتجر تجارتك، وفي كل عشية أدخل إلى قلبك، وتفكر وقل في ذاتك أتراني أغضبت اللـه في شيء ؛ أو تكلمت كلمة بطالة أو جدفت.أتراني أغضبت أخي، أو اغتبت أحداً ؛ أتراني تخيل ذهني الأمور التي في العالم، أم ترى جاءت إلىَّ شهوة بشرية فقبلتها بتلذذ وانغلبت للهموم الأرضية أم خسرت في هذه الدنيا.فأحرص أن تترك هذه التأملات تَهذأ بك لئلا تخسر فى هذه، وإذا صار الصباح أدرس في هذا وقل ترى كيف عبرت هذه الليلة أربحت فيها تجارتي أترى سهر عقلي مع جسمي، أدمعت عيناي دموعاً في إحناء ركبتي، أو جاءت إليَّ أفكار خبيثة ودرستها بتلذذ.فإن إنغلبت في هذه فأحرص أن تشفيها، وأقم حافظاً في قلبك لئلا تصاب بِهذه نفسها.إن اهتممت هكذا فستسلم تجارتك وتصير مرضياً للـه، ولنفسك نافعاً. اصغ إلى ذاتك وأحذر أن تدفع ذاتك إلى الونية والرقاد فإن ابتداء الهلاك تمرد النية.تأمل النحلة وابصر سرها العجيب كيف تجمع صناعتها من أزهار الأرض المشتتة أنواعها وتأمل ذميم قدرها فإنه لو اجتمع كافة حكماء الأرض وفلاسفة المسكونة لما قدروا أن يلخصوا ويصفوا حكمتها.إن كيف تبني من الأزهار القبور وتدفن فيها أولادها وإذا أحيتها تأمرها بعد ذلك مثل أمر رئيس القواد وتسمع كلها صوتِها وتتطاير فإذا تطايرت تعمل وتملأ تلك القبور أطعمة حلاوتِها حتى أن كل فقيه يشاهد أتعابَها يمجد الإله الباري منذهلاً قائلاً: يا لحكمة وهبت لطائر ذميم.كذلك أنت يا حبيبي صر مثل تلك وأجمع من الكتب الإلهية غنى وكنزاً لا يسلب إلى السماوات ؛ لأن رؤساء الأرض إذا أراد أحدهم أن يسافر إلى بلدة بعيدة يرسل قدامه غلمانه مع ثروته لكي يوافي إلى راحة معدة فيرتاح.كذلك أنت أيها الحبيب أرسل غناءك إلى السماء لتُقبل في مساكن القديسين، ولا تتوانى في هذا الزمان القصير لئلا تندم إلى الدهور التي لا انقضاء لها. ألم تسمع الرب يقول: سيكون لكم في العالم حزن. وقال أيضاً: بصبركم تملكون أنفسكم. فإن كنت أنت برخاوتك وونيتك تشتاق أن تَهرب من حزن هذا الدهر ومن الصبر وتحب اللذة البشرية فَلِمَ تسلب نير المسيح الصالح النفيس من أجل رخاوتك وتَهجوا بأنه صعبٌ وثقيلٌ، ولا يمكن أن يُحمل، وتعطي ذاتك للهلاك.من ذا يرحمك وأنت تقتل نفسك، ومن يترأف عليك، لأنك قد أخذت أسلحة المسيح التي تحتاج أن تحارب بِها العدو فأنفذت السيف في قلبك، فإن كنت تتباهى بِهذه الحياة فرجاؤك باطل، وانتظارك فارغ.ماذا يصلي فمك إلى اللـه ؟ وما هي الوسيلة التي تطلبها منه ؟ أَنياحة هذا الدهر، أو الحياة التي لا تفنى ولا تشيخ.إن طلبت هذه الأشياء الوقتية والغير ثابتة فإن السارق والزاني أفضل منك ؛ لأنَهما يصليان ليخلصا ويطوباك لأنك سائر بِهذه السيرة بكذب، وأنت قلت أحببت النور وأبغضت الظلمة وتركت ملكوت السماوات وتَهتم بالأمور الأرضية.أحسبت يا شقي أن الإله الصالح المتعطف ينكر تعبك، وهو الذى منحك قوة ونعمة وخشوع قلبك وهو يعطيك ثوابك، والأشياء كلها منه وأنت تتعظم، وهو يطالب بأجرة الأجير من الذين ينكرونَها عليه.أفينكر أجرة دموعك، وخشوعك ! حاشا لأن الذي قال: اطلبوا تجدوا ؛ اقرعوا يفتح لكم. أيصير كاذباً حاشا، أذهب يا شقي مَنْ الذي حسدك، مَنْ الذي مكر عليك. أليس هو المعاند المبغض الخبيث الذي يحرص ألا يجعل أحداً يبلغ إلى السماوات.فمنذ الآن عد إلى ذاتك، ولا تمقت نفسك، أفتح عيني ذهنك وأبصر الذين معك كيف يجاهدون، كيف يحرصون وهم ماسكون مصابيحهم، وفمهم يسبح ويمجد الختن الذي لا يموت، وأعينهم تتأمل جماله، وأنفسهم نضرة بَهجة.تأمل أنه قد قرب ولا يبطئ، لأنه سيجىء ويفرح الذين ينتظرونه، سيصير بغتة صوت ها هو الختن آتٍ فيجئ الذين معك بفرح ومصابيحهم معهم مضيئة، وحللهم منيرة فإذا سمعوا صوته القائل:” تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم “.فبعد أن يصير الصوت تقول لهم: يا إخوتي هبوا لي زيتاً قليلاً لأن مصباحي ها هو ينطفئ.فتسمع منهم لعله لا يكفي لنا ولك، أمضي إلى الباعة وأشتري، فتمضي متندماً ومغموماً ولا تجد ألبته زيتاً لتبتاعه، لأن الأرض كلها ترتعد كما يتموج ماء البحر من تجاه مجده.فتقول حينئذ منتحباً أمضي وأقرع ومن يعلم إن كان يفتح لي، فإذا مضيت لتقرع لا تجد أحداً يجاوبك.فتلبث تقرع أيضاً، فيجاوبك من داخل قائلاً: حقاً أقول لك أنني لست أعرفك من أنت أنصرف عني يا عامل الإثم.وفي حال وقوفك هناك يأتي إلى أذنك صوت السرور والابتهاج، وتعرف صوت كل واحد من رفقائك، فتتنهد وتقول: ويلي ويلي أنا الشقي كيف عدمت هذا المجد الذي لإخوتي واُنتزعت من رفقتي الذين كنت طول زمان حياتي معهم والآن ميزت منهم.أصابني هذا بواجب لأن أولئك كانوا يمسكون ويحتمون، وأنا كنت أجدف ؛ أولئك كانوا يرتلون، وأنا كنت أتفرج صامتاً ؛ أولئك كانوا يحرصون في إحناء الركب، وأنا نائم، أولئك كانوا يصلون، وأنا أتنزه. أولئك كانوا يواضعون ذواتِهم، وأنا أتكبر أولئك كانوا يحتقرون ذواتِهم، وأنا أتزين.لهذا الآن أولئك يسرون، وأنا أنتحب ؛ أولئك يبتهجون، وأنا أبكي. فق إذاً أيها الشقي قليلاً متأملاً محبة اللـه للناس التي لا تتجاوز نَهايتها، ولا تضجع في خلاصك، أطلبه فيصبح لك سريعاً خلاصاً، وأستغث به فينصرك، أعطيه لتأخذ مائة ضعف.وإذا كان الصك الذي لا نفس له يهتف بما مكتوب فيه بتأدية الديون فكم أولى بالإله الصالح أكثر أن يعطي للذين يطلبونه نعمه المعهودة بالكتائب التي يتمنى أن تزداد رباءً على رباءٍ ؛ ونعمة اللـه الكثيرة تكثر أجرة صلواتنا وطلباتنا.فلا تضجع ولا يطرأ عليك الاهتمام بالأمور الأرضية ؛ ولا تدفع ذاتك إلى اليأس ؛ فإن اللـه من أجل تحننه يقبلك وينصرك أنت وكافة الذين يبتغونه بكل قلوبِهم.فتقدم إليه بلا خجل، وأسجد له بتنهد، أبكي وقل: ” يا ربي ومخلصي لِمَ تركتني ترأف عليَّ فانك أنت العطوف وحدك، خلصني أنا الخاطئ فإنك أنت الغير خاطئ وحدك لتنشلني من حماة مآثمى لئلا أنغمس فيها إلى أبد الدهور.أنقذني من فم العدو فإنه مثل سبع يزأر مريداً أن يبتلعني، أنْهض قوتك وهلمَ لتخلصني، أبرق ببرقك وشتت اقتداره لينذهل ويهرب من أمام وجهك لأنه ضعيف عن الوقوف أمامك، وأمام وجه الذين يحبونك، لأنه إذا رأى علامة نعمتك فيجزع منك ويتنحى عنهم خازياً فالآن أيها السيد أعني فإني إليك لجأت “.إن ابتهلت إليه هكذا واستغثت به من كل قلبك للحين يرسل مثل أب صالح ومتحنن نعمته إلى معونتك، ويكمل كافة مشيئتك.يا حبيبي نعم تقدم ولا تضجع، ولا تنظر إليَّ أنا الواني المضجع لأنه يخزيني خزي وجهي إذ أقول ولا أعمل، وأعظ ولا أفهم.لكن صر مشابِهاً للأباء الكاملين الروحانيين وأتبع رسمهم، ولا تبتدئ بالأمور العالية جداً التي تفوق قدرتك ولا يمكنك أن تتممها، ولا تبتدأ بالأفعال الحقيرة جداً ليكثر توانيك.ولا تسمن جسدك لئلا يحاربك، ولا تعوده على اللذات البشرية لئلا يصير ثقلاً لنفسك ويحدرها إلى أسفل أعماق الأرض ؛ لأنك إن بذلت ذاتك لإكمال مشيئته فإنه سيترك الطريق المستوية ويمشي في الهوة، ويقبل بسهولة كل فكر نجس، ولا يتعفف.وإن ضيقت عليه فوق المقدار وآلمته يصير ثقلاً لنفسك ويسودها ويشملها الكآبة والضجر.وتصير سخوطة وعاجزة في دراسة التسبيح والصلاة والطاعة الشريفة، فدبر ذاتك بمقدار جيد معتدل.قل لي أما رأيت قط موقف السباق ؟ أو ما رأيت قط مركباً في البحر ؟ لأن الخيل إذا لهدها أحد بلا مقدار تخور من الجري، وإن رخا لها بلا مقدار تمد الركب وتطرحه.وكذلك المركب في اللجة إن أُوسق فوق حد وسقه يمتلئ من الأمواج، ويغرق وإن سبح مخففاً بلا وسق تقلبه الرياح سريعاً. نظير هذا المقياس النفس والجسد، إن ثُقلاَ بلا مقدار بالأشياء المقدم ذكرها يسقطان، فلهذا جيداً أن تبتدئ، وتتمم وترضي اللـه، وتنفع ذاتك وقريبك.أنتم يا رعية المسيح المباركة، ونجوم المسكونة، وملح الأرض، أيها النساك الكاملون والمحبون على الأرض السيرة الملائكية، إن تعبكم وقتي والمجازاة والمدائح أبدية، وتعبكم يسير والنياحة والكمال بلا هرم.وبمقدار ما تجاهدون بنشاط في تقويم الفضيلة بقدر ذلك يشتغل عدوكم غيظاً ويخبئ لكم فخاخاً متلونة.فأصغوا إذاً لذاتكم حذرين من مكامنه، لأنه خلواً من جهاد لا يكلل أحد، بل ونعمة اللـه لا تتخلى عمن يحارب ويجاهد بنشاط.فإن أرخى أحد ذاته، وعجز أن يفتح فمه ويستدعى النعمة لنصرته ليجعل العلة ذاته لا النعمة كأنه لم يعاين منها، لأنه يكون مثل واحد يديه صحيحتين وأمامه كثرة أطعمة موضوعة فيعجز أن يمدها ويملأ ذاته من الخيرات المنصوبة لديه، فمن ذاته تكون خيبته وخسارته.هكذا العابد الذى له تجربة النعمة والخبرة بِها فإذا توانى في الاستغاثة بِها والتملي من حلاوة أطعمتها فهو يضر ذاته ولا يحس.يشبه العابد جندياً برز إلى الحرب وقد دجج جسده من كل جهة بجملة أسلحة وهو متيقظ إلى الغلبة ومجاهد لئلا يكسبه محاربه بغتة فإن وجد غير متحفظ فيأخذه، كذلك العابد إن أضجع وتوانى يقتنصه عدوه بسهولة.لأنه يخطر له أفكاراً نجسة فيقبلها بتلذذ ؛ أعني أفكار استعلاء الرأي والسبح الباطل والحسد والوقيعة ونَهم البطن، والنوم الذي لا يشبع منه، ومن هذه يقوده إلى اليأس وأثرة المساوي.وإن كان مستفيقاً كل حين متيقظاً يجذب نعمة اللـه لمعونته ويتخذها ويعلم كيف يرضيه، فيصير في ذاته ممدوحاً ومادحاً ويكون مثل إنسان ينظر في مرآة فيرى ويُرى.كذلك النعمة أينما تجد راحة وتسكن في إنسان فتختبره وتختبر منه لأنه خلواً من معونتها لا يقدر القلب أن يكتفي بذاته، ولا أن يمتلئ تخشعاً، ولا أن يعترف للسيد كما ينبغي لكنه يبقى مسكيناً ومحتاجاً وفقيراً من الحسنات ؛ وتسكن فيه الأفكار النجسة والممقوتة كما يسكن البوم في الأماكن الخربة.فإذا استدعاها ” النعمة ” إنسان لتجئ فتضئ ذهنه وتضطره ليقتنيها ساكنة معه، ومعينة لذاته، فبها يقوم كل فضيلة، ويستضئ منها، فيستطيع أن يتأمل تكوُن الدهر المستأنف وجمال صورته، لأنَها تصير له سوراً حصيناً، وتحفظه من هذا الدهر لحياة الدهر الآتي.أصغ إذاً مسامعك فأكن لك أيها الحبيب مشيراً صالحاً إن اشتهيت الحياة الخالدة، وتطويب ربك، قل لي لِمَ تغسل وجهك بماء لترضي قريبك إنك ما نبذت آلام بشرتك بل أنت مستعبد لها، إن أردت أن تغسل وجهك فأغسله بالدموع والبكاء ليشرق بمجد اللـه والملائكة القديسين.لأن الوجه المغسول بالدموع هو جمال لا يضمر لكن لعلك تقول لي: إن وسخ وجهك يخجلك.فأعلم إذاً أن وسخ رجليك ووجهك مع نقاوة قلبك يلمع أكثر من الشمس بين يدي اللـه والقديسين.ولِمَ تضحك بلا تحفظ ويسود عليك الضحك وقد أُمرت أن تنوح، من أين هذا ؟ لأنك لا تشتاق إلى تطويب الرب، ولا تخيفك تعاذيبه، فالمجرب يستطيع أن يعظ غير المجربين، والتاجر الذي سقط بين اللصوص يأمر المسافرين بالتحفظ والتحرز.فإذ قد جربت أنا بجزء من التجربة أقول لفهمك لأنني تحرزت قليلاً، ومن أجل رخاوتي أوقعتني الونية في الأمر نفسه، فلهذا أشير عليكم يا رعية المسيح المأثورة أن لا تعدموا من أجل آلام الجسد ولذة العالم مجد اللـه، وتتغربوا من سرور الخدر الذي لا تبلى بَهجته، عالماً أن تعب النسك هو مثل نوم وارد، ونياحة المكافأة هي لا تنقضي، ولا تنعت.فأصغِ إلى ذاتك لئلا توجد واقعاً من الحظين كلاهما وتؤدي طائلة عنهما جميعاً، لكن أحرص أن تقتني الفضيلة التامة الموشاة بكافة المناقب التي يحبها اللـه ؛ فإنك إن اقتنيتها فلا تغيظ اللـه قط، ولا تعمل بقريبك سوءاً.فهذه تدعى الفضيلة ذات النوع الواحد، وهي حاوية في ذاتِها جمالاً، وتكون كافة الفضائل مثل تاج الملك، وهذه قد تكون غير تامة، وغير مختبرة إن كانت تنقص واحدة من المقومات المحصورة في الفضيلة. وتضاهي نسراً عظيماً طائراً في الأعالي فلما أبصر في الشرك طعاماً انحدر وأنقض عليه بسرعة فإذ رامَ أن يختطف الصيد تعلق بطرف مخلبه.وبذلك العضو الصغير رُبطت كافة قوته، وفيما هو يظن أن كافة جسمه معتوق وخارج من الشرك فيجد بالحقيقة أن قوته كلها قد قيدها الشرك.والفضيلة مثل هذا القياس إن رُبطت بأحد الأمور الأرضية تموت وتنقسم وتَهلك ولا يمكنها أن ترتقي إلى العلو إذ قد سمرت بأمر أرضي وتقيدت به.فمن له دموع فليجئ وليبكِ، ومن لا يمكنه التخشع إذا عبر فليتنهد على هذه الفضيلة أنَها بعد أن ارتقت إلى السماء وبلغت إلى أبواب الملك أنفسها لم تقدر أن تدخل.كما قلت أيها الحبيب أن قوماً قوموا هذه الفضيلة بربوات أتعاب ووشوها مثل تاج الملك ؛ فلما ارتبطوا بأمر أرضي هلكوا ووقفوا خارج المُلك السماوي.فصن ذاتك إذاً وأحذر أن تشتبك في شيء مثل هذا وتدفع ذاتك إلى العدو، وتحل الفضيلة العجيبة التي اقتنيتها هكذا أو تنقضها بأتعاب مثل هذه جزيلة فتمنعها من الارتقاء إلى السماء، وتقيمها أمام الخدر خازية، لكن أعطيها دالة أن تدخل بصوت عالٍ مبتهجةً نائلةً ثوابِها.يا للعجب إن سبع يُربط بشعره ويجول إلى هنا وهناك، هكذا هذه الفضيلة إذا رُبِطت باهتمام أرضي تتهرى إلى الأرض ويذل شرفها لأن هذه الفضيلة تُشَبه بالسبع.فق إذاً أيها الحبيب ؛ وحرك ذاتك ؛ وأقطع الشعرة الحقيرة كي لا يضحك عليك مثل ذلك القوي الذي قتلَ بالفك في لحظة عين ألوفاً وحرر ذاته وقتل أعدائه ورد الظفر إلى اللـه ونقلت طلبته ذلك الفك عيناً نابعاً.فذلك الذي قوم مثل هذه المناقب قدر جسامتها سلم نفسه بانتزاع شعره بسفاهته إلى الأعداء، وقيد قوته المرهوبة والعجيبة جداً.فأنت الآن أصغ إلى ذاتك، ولا تربط مثل هذه الفضيلة بعمل ردىء ما أرضي بل حررها من كافة الأشياء الضارة وجهزها إلى السماء.ومثل غواص يغوص في العمق ليجد الدرة الجزيل ثمنها والشائع ذكرها إذا وجدها يصعدها إلى أعلى المياه، ويثبت على الأرض عارياً ومعه ثروة جزيلة.كذلك جرد ذاتك من كل أدناس العالم، وألبس هذه الفضيلة وتزين بِها وتيقظ نَهاراً وليلاً لئلا تتعرى منها، فإن النفس التي اقتنتها لا يمكن أن يحيلها شيء ولا واحد من الأسواء يغيرها، لا من جوع تتغير أو من عري أو ضجر أو مرض أو مسكنة أو اضطهاد ما أو محبة أخرى كاذبة إذا كانت متيقظة.فبمثل هذه المقدم ذكرها تنمو أكثر وتكلل، وتنجح لدى اللـه دائماً ويتباهى جمالها فالموت نفسه لا يستطيع أن يشينها، وإذا خرجت من الجسم تقبلها مبتهجة الملائكة من السماوات ويدخلونَها إلى أبي الأنوار. المجد والجلالة للإله المتعطف وحده. صلاة أتضرع إلى خيريتك أن تشفي كلوم نفسي وتضئ عيني ذهني لأتأمل تدبيرك فيَّ ؛ وإذ قد تسفه ذهني فليطيبه ملح نعمتك، ماذا أقول لك يا ذا العلم السابق، والفاحص القلوب والكلى ؟أنت وحدك تعلم أن نفسي كالأرض الفاقدة الماء، قد عطشت إليك وتاق إليك قلبي لأن الذي يحبك حباً دائماً تشبعه نعمتك.فكما سمعتني دائماً لا تعرض الآن عن وسيلتي فإن ذهني هو مثل أسير لك، وإياك يطلب.أيها المخلص الحق أرسل إذاً نعمتك لكي إذا جاءت تشبع جوعي، وتروى عطشي إليك أشتاق وأعطش يا نور الحق، وآتي بالخلاص أعطيني طلباتي وأقطر في قلبي نقطة واحدة من محبتك لتتقد كاللـهيب في قلبي وتحرق أشواكه وقرطبه، أي الأفكار الخبيثة التي فيه.بما انك إله أعن الإنسان الحقير بسماحة ودعة وكثرة إحسان، لأنك أنت الصالح ابن الإله الصالح.وإن كنت أنا خالفت وأخالف لأنني ترابي وابن ترابي لكن يا من ملأت الجرار من بركتك أرو عطشي، يا من أشبعت الخمسة آلاف من خمسة خبزات أشبع جوعي.أيها العطوف الصالح، يا من قبلت فلسي الأرملة ومدحتها أقبل طلبة عبدك، وامنحني وسيلتي لأصير هيكلاً لنعمتك، وتسكن فيَّ وتكبح ذهني كبحاً كأنه بلجام لكي لا أضل فأخطئ إليك وأخرج من نورك ؛ بل أهلني أن أدعى وارثاً لملكك وأقدم غماراً موعبة خشوعاً واعترافا بشفاعة كافة قديسيك، اسمع ابتهالي يا من لم تزل مباركاً من الكل. آمين. أطلب إليكم أن تستيقظوا في هذا الزمان القصير وتجاهدوا في هذه الساعة الحادية عشرة ؛ فإن المساء قد حان ومعطي الأجرة سيوافي بمجد ليقضي كل واحد نظير أعماله.فأحذروا أن يتوانى أحدكم في تقويم الفضائل فيضيع منحة أجرة المخلص التي لا تحصى ؛ فإن العابد يضاهي حقلاً مزروع لفلاح وهو ينمو بالأمطار وبتخالف النداء، وحامل ثمر السرور.فإذا بلغ إلى أوان الثمر جعل الفلاح في اهتمام أكثر لئلا يفسده برد أو وحوش برية إلى أن يصل إلى حصاد الغلة فينقل الفلاح إلى المخزن ثمر أراضيه فرحاً مسروراً شاكراً للرب.كذلك العابد ما دام في هذا الجسد ينبغي له أن يهتم من أجل الحياة الأبدية، ويتعب في النسك إلى يومه الأخير لئلا يتوانى فيحاضر بلا فهم إلى أمر لا منفعة له فيه بل لكي إذا أكمل سعيه يحمل إلى السماء مثل الفلاح ثمرات أتعابه جاعلاً بذلك للملائكة فرحاً وسروراً.فلا يضجعنَّ أحدكم أو يدهش من التجارب ؛ بل فليعضد القوي الضعيف وليعز النشيط الصغير النفس، ولينهض المستفيق المضبوط بالنوم، وليعظ الثابت في ترتيبه من لا ترتيب له، ولينتهر الممسك من لا تحفظ له ولا ترتيب.وهكذا بالمسيح المخلص يؤازر كلنا بعضنا بعضاً ؛ ونخزي العدو مصارعنا، ونمجد إلهنا، ونسر الملائكة القديسين، وينتفع منفعة عظيمة الذين يبصروننا ويسمعون الأوصاف عنا.لأن عسكر الملائكة القديسين مثل جماعة العباد الذين ذهنهم شاخص إلى اللـه كل حين على حالة واحدة.ومجاوبة الأخ قريبه بمحبة مثل العسل والشهد في الفم.وكمحل الماء البارد للعطشان في وقت الحر محل كلام التعزية عند الأخ في أوان حزنه.وكما أن إعطاء أحد يده للواقع لينهضه ؛ هكذا ينهض لفظ الوعظ وكلام الحق النفس والوانية والسائمة. الزرع الجيد وحسن النمو في أرض سمينة كالأفكار الصالحة في نفس العابد.سد وثيق في بناءٍ كطول الروح في قلبه أوان الترتيل، غرارة ملح على رجل ضعيف كالنوم وهم العالم على العابد.الأشواك وكثرة القرطب في زرع جيد كالأفكار الدنسة في نفسه، من به داء السرطان ويداوى ولا ينال البرء كالحقد في نفس العابد، الدودة التي تنخر الخشبة وتفنيها كالعداوة التي تبتلي قلبه.السوس يقرض الثوب ويفسده والوقيعة تدنس نفسه، المتكبر والمتعظم كشجرة مرتفعة وبَهية ولا ثمر فيها، الحسود المتنافس كثمر بَهي من ظاهره ومتهرئ باطنه، مجاوبته بغضب تزعج ذهن قريبه كما يكدر عيناً صافية من يطرح حجراً فيها.من يقلع وينقل شجرة مثمرة يفسد ثمرها ويزيل ورقها كذلك من يترك موضعه وينتقل إلى مكان آخر، بناء لا أساس له على صخرة كمن لا صبر له على الأحزان.من يتكلم في أوان الترتيل مثل إنسان واقف أمام الملك وهو يخاطبه فيناديه نظيره في العبودية فيترك مخاطبة الملك العجيبة والشريفة ويفاوض نظيره في العبودية. فلنفهم يا إخوتي أننا بين يدي من نحن ماثلون لأنه كما أن الملائكة واقفون برعب كثير يقضون التسبيح للباري ؛ هكذا يجب علينا نحن أن نقف بجهاد في أوان الترتيل، وأن لا تكون أجسامنا واقفه وذهننا يتخيل ويتصور أمور العالم، فلنجمع أفكارنا ليكون لنا فخر عند إلهنا ونصطبر على تجارب عدونا لنشرف.فخر العابد الصبر في الأحزان، فخر العابد طول الأناة مع المحبة، فخر العابد عدم القنية وتواضع الرأي، والبساطة تشرف قدام اللـه والملائكة.فخر العابد السكوت والسهر بتخشع ودموع، فخر العابد أن يحب اللـه من كل قلبه وقريبه كما يحب نفسه، فخر العابد مسك الأطعمة واللسان، وإذا وافقت أقواله أفعاله يقيم في موضعه ولا ينتقل مثل صخرة تصدمها الرياح، ومثل مسمار في أمواج البحر.ويلي يا أحبائي فإني قد صرت مثل منفاخ كور الحداد الذي يمتلئ ويتفرغ ولا يستفيد من الرياح شيئاً لأنني سردت فضائل رعية المسيح ولا أعرف في ذاتي شيئاً منها المجد لعظمته وصلاحه.يا إخوتي إن أقتنص أحدكم بالأفكار النجسة فلا يتوانى ويبذل ذاته لليأس بل فليكن قلبه أمام اللـه وليتنهد بعبرات وليقل: يارب أنْهض وأصغ إلى حكمي يا إلهي وربي انظر إلى طائلتي يارب دني كعدلك لأنني أنا صنعة يديك ؛ فلِمَ أهملتني وأعرضت عني ؛ لِمَ تصد بوجهك عني وتنسى مذلتي لأن العدو قد أضطهد نفسي وأذل في الأرض حياتي وانغمست في حمأة العمق وليس لي قيام فلتدركني نعمتك لئلا أهلك.إن داومت هكذا تستغيث به ؛ للحين يرسل المحب الناس نعمته إلى قلبك ويعزيك من الحزن المؤلم والمتعب.فلا نتوانى إذاً ولا نضجع إذ لنا سيد مثل هذا متحنن يترأف علينا ما دمنا هنا، ويخلصنا ويغفر آثامنا، من لا يتعجب أنه بدموع ساعة قصيرة يخلص وأنه في هذه الساعة الحادية عشرة نفسها يغفر هفوات عددها ربوات، وكذلك يشفي ربوات جراحاتنا.وإذا شفى يعطي أيضاً أجرة الدموع لأن هذا هو المألوف من نعمته أنَها بعد أن تشفي تضاعف الأجرة، فلنحرص أن نبرأ يا إخوتي هنا بترأف وترحم نعمته وهناك ليس كذلك.هناك عدل وانتصار ومجازاة لكل المفعولات، هناك إبراهيم المتحنن ظهر غير متحنن على الغني ولا رحوم ؛ والذي تضرع من أجل أهل سدوم لم يتضرع من أجل خاطئ واحد ليرحم.فلا نربطن ذهننا بالأمور الأرضية لكن فلنحرص أن نصير نظير الآباء القديسين، ولا نخل منا سيرتَهم لئلا نعدم شرفهم ؛ فلنحرص أن نكلل مع التامين فإن لم نبلغ أن يكون حظنا مع التامين فعلى الأقل أن نمدح مع الآخرين.الطوبى لمن يجاهد أن يكلل مع التامين وشقي من لا يمدح مع الآخرين، مغبوط من يؤهل للإكليل ولميراث القديسين وللصوت القائل:” تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم “.يا إخوتي أي اعتذار لنا إن توانينا الرجل العالمي ربما له عذر بأنه مرتبط بالعالم، فنحن ماذا نقول ؟ فأخشى أن يكون الذين يمدحوننا هنا يستهزئون بنا هناك. لا يحل لنا الرقاد واهتمام العالم لئلا تمرمرنا النار الخالدة والدود الذي لا يرقد فلنفيقن قليلاً ونبكي لننجوا من النار الأبدية، آلا تصدقوا قول المخلص أن وروده يكون كالبرق بغتة ؛ فلنرهب من أن يدركنا بغتة ونحن غير مستعدين فتندم نفوسنا على ونيتنا ولا ينفعنا ذلك شيئاً صدقوني يا إخوتي إن الساعة الأخيرة هي ؛ احذروا أن يتم فينا قول النبي: ويل للذين يشتاقون إلى يوم الرب. وأصغوا إلى ذواتكم حذرين أن نوجد مثل ذلك العبد الذي جاء مولاه فوجده متنعماً فجعل حظه مع الكافرين وشطره نصفين، بل فلنطلب بوقاحة ولجاجة لينقظنا من الظلمة وصرير الأسنان ويؤهلنا لملكه. صلاة:- إليك أتضرع أيها المسيح مخلص العالم أنظر إليَّ وارحمني، ونجيني من كثرة مآثمي فإنني قد أنكرت سائر الصالحات التي صنعتها معي منذ حداثتي لأنني كنت أمياً وللفهم عادماً فجعلتني مملوءاً علماً وحكمة وتكاثرت عليَّ نعمتك فأشبعت جوعي وبردت عطشي وأضأت ذهني المظلم وجمعت من الضلال أفكاري. فالآن أسجد وأتضرع إلى تعطفك الذي لا يوصف معترفاً بضعفي سكن عني أمواج نعمتك وأحفظها لي في ذلك اليوم ولا تسخط عليَّ أيها الكلي الصلاح لأني لا أحتمل فيضانَها، قد اجترأت على التهجم بِهداية صورة الآب وشعاع المجد الذي لا يوصف ارحمني منها فإنِها كالنار تلهب كليتي وقلبي ؛ أعطيني إياها هناك وحصلني في ملكك إذا صنعة عندي منزلاً بظهورك مع أب صلاحك المبارك نعم أيها السيد الآتي بالحياة وحدك أعطيني طلبتي وأحجب مآثمي عن معارفي ذاكراً عبراتي التي ذرفتها قدام شُهدائك القديسين لتترأف عليَّ في تلك الساعة الرهيبة واسترني تحت أجنحة نعمتك نعم أيها السيد أوضح فيَّ أنا الخاطئ تعطفك الذي لا ينطق به واجعلني لذلك اللص مشاركاً ؛ الذي صار بكلمة واحدة وارثاً للفردوس ؛ وأدخلني إلى هناك حتى أبصر أين اختفى آدم وأقرب لتعطفك مجداً لأنك استمعت لعبراتي وغفرت كافة آثامي ضع عبراتي قدامك يارب كوعدك ليخز عدوي إذا رآني في صقع الحياة الذي أعددته لي رأفاتك ويظلم خائباً إذا رآني فى الصقع الذي هيأته لي رافاتك من أجل تحننك نعم يا سيدي غير الخاطئ وحدك والمتعطف أسكب عليَّ صلاحك الذي لا يوصف، أعطيني ولكافة الذين يحبونك أن نسجد لمجدك في ملكك، وإذا تنعمنا بجمالك نقول المجد للآب الذي خلقنا، والمجد للابن الذي خلصناوالمجد للروح الكلي قدسه الذي جددنا إلى كافة أبد الدهورآمين مار إفرآم السريانى
المزيد
04 يوليو 2020

المقالة الرابعة فى الحض على التوبة

تعالوا يا أحبائى هلموا يا آبائى وإخوتى يا رعية الآب المنتخبة يا جند المسيح الموسومين تعالوا فاسمعوا قولاً يخص نفوسكم، هلموا فلنتجر ما دام الموسم واقفاً، تعالوا فلنجد حياة أبدية هلموا فلنتبع خلاص نفوسنا املئوا أعينكم دموعاً ففى الحين تنفتح أعين ذهنكم ؛ تعالوا كلنا أجمع الأغنياء والفقراء ؛ الرؤساء والمرؤوسين ؛ الشيوخ مع الشبان ؛ الأبناء والبنات ؛ وكل البنين المريدين أن ينجوا من العذاب الخالد ويصيروا لملكوت السموات وارثين فلنتضرع مع داود النبى إلى الرب الرحوم المتعطف على الناس قائلين ” اكشف حجاب عينى فأتأمل من ناموسك عجائب ؛ أنر عينى لئلا أتضجع للوفاة “.ولنهتف كما هتف الأعمى: ” يا ابن الإله ارحمنى “ فإن منعنا قوم وانتهرونا لنصمت ؛ فلنصرخ نحوه أكثر ولا نضجر من الصراخ إلى أن يفتح يسوع المعطى النور أعين قلوبنا، تقدموا إلى المسيح اقتربوا منه واستضيئوا فلا تخزى وجوهكم واتخذوا فكراً سديداً وشوقاً إلى الملك والفردوس تَهاونوا بأمور هذا الدهر ؛ اجتهدوا فى هذه الساعة الحادية عشر ؛ حاضروا لئلا يغلق الباب دونكم ؛ فقد قرب المساء الذى يأتى فيه المعطى الأجر بمجد جزيل ليعطى كل أحد نظير أعماله ولنتبن يا إخوتى ما دام لنا وقت ؛ فقد سمعتم ماذا يقول المسيح: ” إن فرحاً يصير فى السماء بخاطئ واحد يتوب “ أيها الخاطئ لم تتوانى لم تيئس ؟ إن كان يصير فى السماء فرح إذا تبت فممن تخاف ؟ إن الملائكة يفرحون وأنت تتوانى، رئيس الملائكة هو الكارز بالتوبة وأنت تَهرب، الثالوث الطاهر والذى لا يوسع والمسجود له يستدعيك وأنت تتنهد لا يحل لنا اهتمام العالم لئلا تمررنا النار الخالدة والدود الذى لا يرقد، فلنبكى ههنا قليلاً لئلا نبكى هناك إذا عُذِبنا بكاءً أبدياً، احذروا آلا يتوانى أحدكم فإن ورود المسيح يصير بغتة كبرق خلب ؛ أما ترهبون ؟إن فى تلك الساعة ينال كل أحد نظير أعماله، كل أحد يحمل وسقه، كل أحد يحصد ما زرع، كلنا نقف عراة أمام عرش المسيح ، وكل واحد منا يعطى القاضى جواباً فى تلك الساعة لا يقدر أحداً أن يغيث أحداً، لا الأخ أخاه، ولا الوالدين أبنائهم، ولا الأولاد آبائهم، ولا الأصدقاء خلانِهم، ولا رجل قرينته، لكن كل واحد يقف بخوف ورعب منتظراً أن يسمع القضية من اللـه.فلِمَ نضجع فيما بعد ولا نستعد ؟ لماذا لا نَهتم بحجج الاعتذار ما دام لنا وقت ؟ ولِمَ نتهاون بالكتب المقدسة وبكلمات المسيح ؟ هل تظنون أن أقواله وأقوال القديسين لا تديننا فى ذلك اليوم بحضرة المقام المرهب إن لم نعمل ونحفظ كل ما أوصتنا قد سمعتم ماذا يقول الرب للتلاميذ: ” من يسمع منكم يسمع منى ومن يخالفكم إياى يخالف ولأبى “ وفى فصل آخر يقول أيضاً: ” من يخالفنى ولا يسمع أقوالى أنا لا أدينه لكن له من يدينه القول الذى قلته ذاك يدينه فى اليوم الأخير “.ترى أى قول مزمع أن يديننا فى ذلك اليوم الأخير ! هو إنجيله المقدس وباقى كتب الأنبياء والرسل المقدسة فلهذا اطلب إليكم يا إخوتى ألا تتهاونوا بالمكتوبات، إن السماء والأرض تزولان وأما أقوال المسيح فلا تتغير. هلموا يا إخوتى قبل مجىء ذلك اليوم الرهيب، فلنلقى أنفسنا فى لجة رأفات اللـه فهو الإله ؛ فيتقدم ويأمر ويستدعينا كلنا قائلاً: ” تعالوا إلىَّ يا كافة المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم “.فالمحب للناس، والمحتمل البشر يستدعى فى كل وقت الجميع. المتحنن والمتمهل الذى يريد أن جميع الناس يخلصون لم يأمر باستدعاء المختصين به فقط بل يستدعى ٍالكل. ” تعالوا إلىَّ كلكم “.وإن كنت موسراً أو مقفراً فإن المقبل إلىَّ لا أخرجه خارجاً. من هو المقبل إلىَّ ؟ الذى عنده وصاياى ويقبلها ويحفظها، الذى يسمع قولى ويؤمن بمن أرسلنى.مغبوط من يسمع قوله ويحفظه، وشقى من يخالفه، فإن ذلك القول يدينه فى اليوم الأخير، كما كتب مرهوب هو الوقوع فى يد اللـه الحى.تب أيها الأخ ولا تجبن، تب أيها الخاطئ واثقاً وناظراً إلى تعطف المسيح الذى لا يحصى القائل: “ما جئت لأدعو صديقين فقط بل خطاة إلى التوبة “. تب لئلا تخجل أمام المقام المرهب حيث تقف بخوف حيث ألوف وربوات ملائكة ورؤساء ملائكة حين تصير الأشياء المكتومة ظاهرة.حين تفتح الكتب، حين يفرز البعض من بعض كما يفرز الغنم عن الجداء، بالحقيقة أنَها ساعة مرهبة ومجزعة، لأن الحاكم عادل مرهوب مذهل.من ذا لا يخلف ! من لا يجزع من تلك الساعة ! لأن القاضى قوى الاقتدار، ومجلس القضاء غير مستشفع، وأعمالنا تكون منتصبة أمام أعيننا، ونَهر النار قبالة الموقف، وتسبيح الملائكة مع الصديقين بلا صمت، ونحيب الخطاة غير محتمل، والدموع غير نافعة، حينئذ تنفتح الكنوز والصديقون يتمتعون.مغبوطون الذين عطشوا وجاعوا فإنَهم هناك سيشبعون، وويل للشباعى فإنَهم هناك يجوعون ويعطشون، والطوبى للذين افتقروا وبكوا فإنَهم هناك يضحكون ويُعَزون وويل للذين يضحكون الآن فإنَهم هناك ينوحون ويبكون بلا فتور، والطوبى للذين رحموا فإنَهم هناك سيرحمون، والويل للذين لا رحمه لهم لقد سمعتم كيف يطوب المجاهدين ؛ وكيف يعطى الويل للمتوانيين ؛ فإذ لنا مثل هذه كلها فلنحرص أن نخلص، ولا نبصر إلى المتوانيين والمتنعمين فإنَهم كالحشيش يجفون سريعاً.لا نحب هذا الدهر فأنه يعرقل الذين يحبونه، يطرب مقدار ساعة ويرسل الإنسان إلى ذات العذاب عارياً.اسمع وأصغ إلى الكتب الإلهية، فلا تتعرقل ولا تنخدع من هذا العالم الخبيث، اسمع هذا يقول يوحنا المتكلم فى اللاهوت ” لا تحبوا العالم ولا شيئاً مما فيه فإن سائر الأشياء التى فى العالم هى شهوة الجسد وشهوة العيون والعالم يعبر ومن يعمل مشيئة اللـه يبقى إلى الأبد “.اسمع الرب يقول: “ماذا ينفع الإنسان إن ربح العالم كله وخسر نفسه”.أصغَ باهتمام إلى كلامه فإن القول الذى قال وعلم به ذاك يديننا فى اليوم الأخير، أترى الرب كاذباً حاشا لأنه هو الحق فإن كنت تعرف بمبالغه أنه هو الحق وأن أقواله غير كاذبة فلِمَ تتوانى يا شقى ؟ ماذا تتوقع ؟ ماذا تفتكر ؟ من يعتذر عنك ؟أما عرفت أن كل أحد يعطى عن نفسه للـه جواباً ؟ أما عرفت أن كل أحد يحصد ما زرع ؟ وكل أحد يحمل أثقاله ؟.فإذ لك وقت فبدد ثقل خطاياك فإن الإله العطوف على الناس يستدعيك قائلاً: ” تعالوا يا معشر الموقرين “. فإذ يأمر الكل بِهذا فلا ييئس أحد، ولا يجترئ أحد أن يقول: ” أننى ما أخطأت “.فإن من يقول أننى ما أخطأت فذلك أعمى ومكفوف وأشقى كافة الناس لأن يوحنا الإنجيلى يقول: “إن قلنا أن لا خطيئة لنا نكذب ولا نعمل الحق ونخادع أنفسنا ونجعل اللـه كاذباً “. لأن ليس أحد نقياً من خطية.فماذا إذاً، إن الحاجة ماسة إلى الدموع لنغسل خطايانا قائلين مرتلين مع داود النبى ” اغسلني فأبيض أكثر من الثلج “. وأيضاً ” أحم فى كل ليلة سريرى وأبل فراشى بعبراتى “.وذلك إنما أخطأ ليلة واحدة فبكى كل ليلة، فلذلك أستوضح مغبوطاً لأن النبى سبق فأبصر بمبالغة القائل: الطوبى للذين ينوحون.لا تشتهى شيئاً من أشياء هذا العالم الزائل، أبغض الثياب الناعمة والزينات والوشاءَ أمقت تلوينات الأصباغ، التصفف، التزين، التبختر، الأغانى الشيطانية، والمعازف، والصفارات، وتصفيقات الأيدى، والأصوات الغير مرتبة الوحشية.أولاً تعلم يا شقى أن هذه كلها بذور الشيطان هذه كلها يعملها أمم العالم الذين لا رجاء خلاص لهم، فلا نماثلن الأمم لئلا ندان معهم.قد سمعتم الرسول يقول: هذا أقوله واستشهد بالرب ألا تسلكوا أيضاً كما تسلك الأمم باغترار عقلهم المظلم ذهنهم.فإذ قد تركنا أعمال الأمم فلا نعود إلى الأشياء التى وراء أى التى قد سلفت ونعملها أيضاً ؛ قد جحدت دفعة الشيطان وملائكته ووافقت المسيح بحضرة شهود كثيرين.فانظر لمن قد وافقت وعاهدت ولا تستهون به ؛ واعرف هذا أن فى تلك الساعة كتب ملائكة أقوالك ومعاهداتك وخضوعك وخباؤها فى السموات إلى يوم الدينونة الرهيب.فمن أجل هذا لا تخشىَ ولا تفرق إذ فى يوم الدينونة يُحضِر الملائكة كتاب الوثيقة التى عليك وكلمات فمك أمام المقام المرهب حيث يقف الملائكة مرتعدين، وحينئذ تسمع الصوت المويِّل: ” أيها العبد الخبيث من فمك أدينك بالحقيقة “.أنك تتنهد حينئذ تنهداً مراً، وتبكى فى تلك الساعة ولن ينفعك شىءٌ ارحم نفسك ولا تبغض مهجتك.افتح عينيك وابصر كيف أن قوماً كثيرين يجاهدون ؛ كيف يحرصون أن يخلصوا ؛ كيف يكلفون ذواتِهم فى كل عمل صالح.كيف يحفظون ذاتَهم من الحسد، من القرف، من البغض، من الضحك، من الزنا، من التنعم، من الخصومة ؛ كيف قد احبوا الطريق الضيق صائمين ساهرين ملازمين الشقاء وباكين، كيف قد أعدوا مصابيحهم بَهية.كيف يسبح فمهم كل حين ويمجد الختن الذى لا يموت وعيونَهم متأملة جماله ونفوسهم مبتهجة.تأمل وانظر أنه قد قرب ولا يبطئ ؛ لأنه يجىء ليفرح الذين يُحبونه، يأتى ليعزى الذين ناحوا وبكوا لا على المائت ولا على خسران المال الوقتى بل من أجل الخطية السهل افتعالها ؛ ومن أجل الملكوت الذى لا نَهاية له.ومن أجل نعيم الفردوس المطرب الذى أُخرجنا منه لما خالفنا وصية اللـه حيث يعود إليه أيضاً النائحون والباكون.يجىء ليكلل الذين جاهدوا بمفترض الجهاد الذين احبوا الطريقة الضيقة الضاغطة، يأتى ليرحم الرحومين.يجىء ليطوب الذين تمسكنوا من أجله، يأتى ليشبع الذين جاعوا من أجله وعطشوا من الخيرات، يجىء لينير مكتومات الظلمة ويظهر آراء القلوب.ولِمَ لا أقول قولاً وجيزاً يجىء ليعطى كل أحد نظير أعماله، يجىء لا من الأرض كما جاء فى المرة الأولى لكن من السموات بقوة ومجد كثير.حينئذ تُضرب الأبواق فتتزعزع قوات السماء، وترتعد الأرض كلها كالبحر من قِبَل مجده، ويجرى أمامه نَهر نار ينظف الأرض من المآثم.حينئذ يصير بغتة صوت ها الختن يجئ ؛ ها السرور المنتظر يوافى، وها فخر الصديقين، شمس العدل مقبل هل ملك المتملكين وارد الذى لا انقضاء لملكه، ها القاضى العادل آتى الآن اخرجوا لاستقباله سريعاً.وحينئذٍ يوافى الذين لهم مصابيح مضيئة وحلتهم منيرة فيسمعون صوت الختن قائلاً: ” تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم “.فلما يصير هذا الصراخ مسموعاً من الكل يخرج إلى استقباله الذين لهم مصابيح مضيئة بَهية بدالة جزيلة مبتهجين واثقين أن مصابيحهم لا تنطفئ.حينئذ إذا رأيت ذاتك فى غم عظيم، فى خيبة رديئة وشدة غير محتملة، وإذا عاينت مصباحك انطفأ تقول بخزى وخجل: ” يا إخوتى أقرضونى زيتاً قليلاً فقد انطفأ مصباحى “.فيجيبونك قائلين: ” لعله لا يكفينا وإياك لكن أذهب إلى الذين يبيعون وأشترى لك “.فتمضى بخزى وتوجع وتنهد مر باكياً فلا تجد ألبته زيتاً تشتريه لأنه قد أنحل موسم الحياة وكل حياتَهم ترتعد كالبحر.قد انصرف الفقراء الجالسون حول أبواب الكنائس الذين يبيعون الزيت هناك، فتضيق بك الأمور من كل جهة وتتحير باكياً منتحباً قائلاً: أمضى أقرع باب المسيح لكن من يعرف إن كان يفتح لى.فإذا جئت تقرع يجاوبك الختن من داخل: ” حقاً أقول لك لستُ أعرفك أنصرف عنى يا عامل الإثم ما رَحمت فلا تُرحم، ما سمعت صوت الفقراء ولا أنا اسمع صوتك.كنت تسمع كتبى المقدسة وتضحك ؛ فلهذا لا اسمح لك أن تدخل، نبذت أوامر أنبيائى ورسلى ؛ فلهذا القول الذى قلته ذاك يدينك فى هذا اليوم الأخير انصرف عنى.لم تقبل الباب الضيق ؛ خضبت بشرتك وقتلت نفسك ؛ وكيف تريد أن تدخل ههنا وتدنس مملكتى ؛ دنست بشرتك وأوعبت فمك قرفاً وسلباً وعملت مشيئات الشيطان وطرحت مشيئتى ؛ وأبغضت قريبك والآن تتضرع أن تدخل إلى حيث لم تُرسِل شيئاً حيث ليس لك شيئاً موضوع.لا دموع، ولا بكاء، ولا صوم، ولا سهر، ولا تسبيح، ولا بتولية، ولا صبر، ولا صدقة، ولا شيئاً من هذه تقدمت وأرسلتها إلى هنا، فماذا تطلب ؟هذا مسكن إنما يسكنه الذين تمسكنوا من أجلى، هذه المملكة للرحومين، هذا الفرح للنائحين، هذا السرور للنادمين والتائبين، هذه النياحة للصائمين والساهرين، هذه الحياة لليتامى والأرامل.ههنا يفرح الذين جاعوا وعطشوا فرحاً مؤبداً، فأنت قد أخذت خيراتك فى حياتك أنصرف عنى إلى النار الأبدية “.هذه تسمعها واقفاً خازياً ؛ ومطرقاً إلى أسفل ؛ وفى حين وقوفك يأتى إلى أذنك صوت الفرح والابتهاج وتعرف صوت كل واحد من رفقائك، فحينئذٍ تتنهد تنهداً مراً قائلاً:” ويلى أنا الشقى كيف عدمت هذا المجد وتميزت عن رفقتى ؛ كنتُ معهم طول أيام حياتى والآن انفصلت عنهم، بالحقيقة أصابنى هذا عن استحقاق.كان أولئك يمسكون عن الأغذية وغيرها وأنا كنت أبادر إلى الأغذية والأعشية، كان أولئك يرتلون وأنا صامت، كان أولئك يصلون وأنا أتنزه، كان أولئك يضعون ذاتَهم وأنا أتكبر، كان أولئك يستهونون بذاتِهم وأنا أتزين، كانوا يبكون وأنا أضحك.فلهذا الآن أولئك يبتهجون وأنا أنتحب أولئك يسرون وأنا أبكى، يتملك أولئك مع المسيح إلى الدهور التى لا تنتهى وأنا أُرْسَّل مع معاند المسيح إلى النار الخالدة، الويل لى أنا الشقى. ما هو الذى أنا أدخل به ؟ كم خيرات قد عدمتها لكى ما أعمل مشيئة الشيطان زمناً يسيراً.الآن علمت أن كل أحد يأخذ نظير أعماله، الآن علمت أن العالم غرر بى واعتقلنى، وها كم من خيرات عدمتها نفسى وكم شرور جلبتها على ذاتى “.هذه ونظائرها تقولها منتحباً لكنك لا تنتفع بِها لأن هناك لا منفعة من التوبة والندامة.فمن أجل هذا تُناشدنا وتُوصينا الكتب المقدسة كتب الرسل والأنبياء والقديسين أن الحظوظ الصالحة التى أعدها اللـه للذين أحبوه ما رأتْها عين ولا سمعتها أذن ولا خطرت على بال إنسان.فقد سمعت أيضاً الرب يقول: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد. وفى فصل آخر يقول أيضاً: الطوبى للمطرودين من أجلى.ولهذا يقول الرسول: لا تنخدعوا فإن اللـه لا ينخدع، الشىء الذى يزرعه الإنسان إياه يحصد فمن يزرع فى الجسد يحصد بلاءً ومن يزرع فى الروح يحصد من الروح حياة خالدة، لأن الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج.أصغوا يا إخوتى وتذكروا المكتوب فقد قال:خرج الزارع ليزرع زرعه.فمن هو الذى خرج وزرع ؟ هو ربنا يسوع المسيح سيد المنزل الخطير. ماذا زرع ؟ قول البشارة، وصاياه المقدسة. أين زرعها ؟ وفى أية أرض ؟ فى قلوب الناس، فى كافة أقاصى الأرض. لكن الكل لم يسمعوا الإنجيل، ولا كلهم يعملون فلاحات لكي ما وقع زرع الرب يعمل ثمراً ؛ لكنهم فى أرض بور، وذات شوك وخديعة.يقبلون قول الإنجيل، وإذ هم متصرفون فى أمور العالم وثروته ولذاته يختنقون ولا يعطون ثمراً.فأنتم يا أحبائى قوموا قلوبكم ومهدوها لقبول بشارة الإنجيل، ولا يخنق قلوبكم اهتمام العالم الكثير، فلنسعى من أجل الحاجة لا من أجل التنعم، ولنرضى بالقوت الكافى.إن لازمتم التنعم والاستكثار فسيكون تعبكم كثيراً وجريكم لا يقف أصلاً وغمكم لا ينتهى وعيشكم كثير الاهتمام يا إخوتى إن الحاجة إلى شيء واحد كما قال الرب، وهذه الأشياء يجب أن نصنعها فى جزء من همنا من أجل اضطرار الجسد، وتلك الفضائل يجب أن نصنعها بلا فتور من أجل خلاص النفس لأن ليس شيء أعلى قدراً من النفس. فمن أجلها يا إخوتى فلنحاضر ونَهتم ونستعد كل يوم ولا نفنِ كل زماننا فى الاهتمام بالجسد، لكن إذا جاع الجسم وطلب طعاماً فتذكر أنت أن النفس أيضاً لها حاجتها.وكما أن الجسد إن لم يستعمل خبزاً لا يستطيع أن يعيش كذلك النفس إن لم تتغذى بالحكمة الروحانية فهى مائتة ؛ لأن الإنسان مركب من نفس وجسد فلذلك قال المخلص: أنه ليس بالخبز يعيش الإنسان فقط.فأنت إذاً كقهرمان نجيب أعطِ النفس أغذية النفس وأمنح الجسد أغذية الجسد ؛ ولا تطعم جسدك وحده وتترك نفسك مقفرة مائتة بالجوع، ولا تدع نفسك تموت لكن غذيها بالأقوال، بالمزامير، بالتسابيح، بالترانيم الروحانية، بقراءَة الكتب الإلهية، بالأصوام، بالأسهار، بالعبرات، بالرجاء، والدراسة فى الخيرات المستأنفة. هذه ونظائرها هى طعام النفس وحياتَها أحذروا يا إخوتى أن يوجد أحدكم غير مثمر، من يزرع للجسد تمتع العالم، تنعماً ؛ الأعشية والأغذية ؛ من جسده يحصد بكاءً.ومن يزرع للروح صلاة، وسهراً، وصوماً من الروح يحصد حياةً أبديةً.تأملوا وأبصروا إن المتنعمين لا يمدحهم أحداً أصلاً، ولا المتنزهين، ولا الضاحكين لأن هذه تصنعها الأمم.أما الشريعة التى لنا فهى هذه: ” مغبوطون المساكين بالروح، الطوبى للنائحين، الطوبى للرحومين، الطوبى للمطرودين، الطوبى للمعيرين، الطوبى للأنقياء القلب، الطوبى للمتمسكين بالحِمية.الطوبى للذين حفظوا المعمودية طاهرة، الطوبى للذين يزهدون فى هذا العالم من أجل المسيح، مغبوطة أجسام البتوليين، الطوبى للذين لهم نساء وكأن ليس لهم، الطوبى للمتيقظين والمصلين.الطوبى للذين يقدمون نظرهم للوارد ليدين الأحياء والأموات، الطوبى للذين يبكون فى صلواتَهم “.هذه الفرائض المستقيمة هى أمانتهم الإلهية، أى كتاب يطوب الذين يصفرون، ويعزفون، أو الذين يضحكون، أو الذين يتنعمون، أو السكيرين، والمعربدين، أو الذين يرقصون، والمحبين للعالم.هذه الأشياء التى فى العالم لم تأمرنا بِها شريعتنا، ولم تُشِر إليها ؛ هذه لم يُعَلم بِها ربنا.لكن يويل من يستعملها قائلاً:الويل للضاحكين الآن لأنَهم سيبكون وينوحون، الويل للشباعى لأنَهم سيجوعون، الويل لكم أيها الأغنياء.ويقول أيضاً النبى: الويل للذين يقولون إن الردىء جيد والجيد ردىء، والجاعلين النور ظلمة والظلمة نوراً، الجاعلين الحلو مراً والمر حلواً، الويل للذين يذكون المنافق من أجل الهدايا وينتزعون حق الصديق. الويل للذين يقومون بالغداة ويطلبون المسكر ويلبسون فيه إلى المساء فإن الخمر تحرقهم، لأنَهم بالمعازف والدفوف والصفارات يشربون النبيذ، ولا يشاهدون أعمال اللـه، ولا يتأملون صنائع يديه وهذه ونظائرها للمحبين العالم ؛ والناس الوادين للجسد لا المحبين للمسيح.أتشاء أن تسمع أوصاف يسيرة من التى المحبين للمسيح، والسالكين فى الطريق الضيق، اسمع الرسول قائلاً: ” فى كل شيء نُظهر ذواتنا كما يليق بخدام المسيح بصبر كثير، بغموم، بشدائد، بضيقات، بجراحات، بحبوس، باضطرابات، بأتعاب، بأسهار ؛ بأصوام، وتوابعها “.والرب يقول أيضاً: قوموا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة.ماذا يجب أن نعمل يا إخوتى ؟ ها قد سمعتم كيف يطوب السالكين فى الطريق الضيق، وكيف يوَّيل للسائرين فى الطريق العريض الواسع المؤدي إلى الهلاك.فلنتعب زماناً يسيراً لنملك إلى الأبد وليكن بإزاء أعيننا كل حين الوارد ليدين الأحياء والأموات ونتذكر دائماً الحياة الخالدة، والملكوت الذى لا موت فيه، والتصرف مع الملائكة، والعيشة مع المسيح.فلنتذكر أن ليس فى العالم شىء سوى دموع، وتعييراً، ومثالب، وتوانِ، وأتعاب، وأمراض، وشيخوخة، وخطايا، وموت.فلا تحب العالم، أحذر لئلا يطربك العالم، ويعرقلك، ويرسلك عارياً إلى ذلك الدهر، تذكر القائل: صلوا بلا فتور.لا تسر بزهزهة العالم، ليكن المزمور كل وقت فى فمك فإن الرب نفسه يعظ به، ويعزى نفوسنا، ومهما أجترمناه وهفونا به ما دام لنا أوان التوبة فلنداوه بالعبرات.وقت التوبة قليل وملكوت السموات لا نَهاية له، ونحن نطوب القديسين ونتوق إلى إكليلهم، ولا نشاء أن نشابه جهادهم.هل تظنون أنَهم كُللوا بغير أتعاب وأحزان كما نشاء نحن ! أتشاء أن تسمع أى نياحة كانت للقديسين فى هذا العالم، بعضهم ضُربت أعناقهم، آخرون ذاقوا تجربة استهزاء، وسياط، وقيود، وحبوس.رجموا، ونشروا، وماتوا بقتل السيف، طافوا بجلود غنم، وبجلود المعزى، معوزين، مغمومين، مذلين، قوم لم يستحقهم العالم، تائهين فى البرارى، والجبال، والمغائر، ومثاقب الأرض.ها قد سمعتم جزءاً من كثير من نعم القديسين ونياحهم فى هذا العالم وكأنَهم فى سرور احتملوا جميع هذه ونظائرها إذ كانوا يقدمون نظرهم إلى الخيرات المحفوظة فى السموات التى لم تراها عين ولم تسمع بِها أذن ولم تختر على قلب إنسان التى أعدها اللـه للذين يحبونه.إن أخذت اسم اللـه تطرد الشياطين، تحرك يدك للعمل ليرتل لسانك، ويصلى عقلك إن شئت أن تنجو من العذاب، لا تقرف أحداً قط، الويل لمن لا شريعة له لأنه إذا استضاء الكل يُظلم هو، الويل للمفترى فإن لسانه سيعقد، فكيف يعتذر لدى الحاكم لا يستطيع ذلك.الويل للمتكبر فإن ثروته تَهرب والنار تقبله، الويل للوانى فإنه سيطلب الزمان الذى أضاعه بؤساً وإذا طلبه لا يجده، الويل لمحب الزنا فإنه قد وسخ الحلة العروسية، وسيخرج بخزى من العرس الملكى.الويل للثلاب ومعه المستكبر فإنَهما سيرتبان مع القتلة ويعذبان مع الزناة، الويل لمن يتنعم زماناً قليلاً فإنه سَيُطلب كالخروف للذبح، الويل للمرائى فإن الراعى يجحده والذئب يخطفه.الطوبى لمن سلك الطريقة الضيقة ؛ فإنه سيدخل إلى السماء لابس الإكليل، الطوبى لمن سيرته عالية وعقله متضع فإنه تشبه بالمسيح فسيجلس معه، مغبوط من قد صنع بالفقراء إحساناً كبيراً فإنه إذا حُوكِمَ سيجد كثيرين ينتصرون له، الطوبى لمن يكلف ذاته فى كل شىء فإن المقتسرين يخطفون ملكوت السموات.فلنكلف ذاتنا يا أحبائى فى كل عمل صالح ؛ ولنعز ذاتنا ولنعظها ؛ لينير الواحد نفس الآخر كما أنكم تعملون ذلك فى كل وقت.ولكن حديثنا عن الدينونة وعن اعتذارنا إن كنتم تعملون عملاً، أو كنتم تسلكون، أو على الغذاء، أو على مضاجعكم، أو فى عمل آخر اهتموا فى كل وقت من أجل الدينونة وبإتيان الحاكم العادل.وتذكروا فى قلوبكم هذا، وليقل بعضكم لبعض. ترى كيف تلك الظلمة البرانية ؟ ترى كيف هى النار التى لا تطفأ، والدود الذى لا يرقد ؟ ترى كيف هو صرير الأسنان ؟. ” هذه فليخاطب بِها بعضكم بعضاً كل حين ليلاً ونَهاراً “.وأين يجرى النهر النارى، وينظف الأرض من آثامها ؟ كيف تدرج السماء كالدرج ؟ وكيف تنشر النجوم كورق التينة ؟ كيف تفنى الشمس والقمر ؟ كيف تنشق السموات بأمر السيد ؟ كيف يبرز القاضى من السماء وينحدر ؟ كيف تضطرب قوات السموات وتحاضر ؟ كيف يستعد العرس الرهيب ؟ كيف يتزلزل القرار منتظراً وطئ القاضى عليه ؟ كيف تتكاثر أصوات الأبواق ؟ كيف تنفتح القبور ؟ كيف تنقض الأجداث ؟ كيف ينهض الراقدون منذ الدهر كمن يقوم من نوم ؟ كيف تتحاضر النفوس إلى الأبدان ؟ كيف يتبادر القديسون إلى الاستقبال؟ كيف يؤهل المستعدون إلى الدخول؟كيف تغلق دون المتوانيين.هذه إذا دُرِست تفيد عادة حسنة، هذه إذا أهتم بِها ليلاً ونَهاراً تقنى أمراً نفيساً لأن من يتذكر الموت دائماً لا يخطئ كثيراً.لا نحاضر طول حياتنا من أجل البطن، ومن أجل الملابس فهذه إنما يصنعها الأمم الذين ليس لهم أمل فى الحياة الأبدية. فلا نماثلهم بل نسمع الرب يقول: اطلبوا أولاً ملكوت السموات وبره وهذه كلها تزاد لكم.فلنطلب يا إخوتى ذلك الملكوت الذى لا نَهاية له، ولا انقضاء ؛ فلنطلب ذلك الفرح المؤدى إلى الدهور التى لا تنتهى، لنبتهل يا أحبائى بوجع قلب، وبدموع، وتنهد، ألا نخيب من سماع ذلك الصوت المغبوط ولنمتنع من التنعم هنا لنستفيد هناك فرح الفردوس ونعيمه،ولنبكِ هنا قليلاً لنضحك هناك، ولنجع لنشبع هناك، ولندخل من الباب الضيق والطريق الصعب لنتخطر هناك فى الطريق العريض الواسع.وأقول أيضاً: احذروا أن يعرقلكم العالم ويلعب بكم ويرسلكم إلى ذلك الدهر عراه أشقياء فإنه قد عرقل كثيرين ولعب بكثيرين، وكثيرون أعمتهم خديعة هذا العالم فنحن يا إخوتى فلنصغ إلى ذاتنا ولنسمع الرب قائلاً: ” تعالوا ورائى “. فلنترك كل شيء ونتبعه وحده ولننبذ كل فرح هذا العالم فإنه سيخزى كل من يحبه فلنسرع نحن أن نتخذ الحياة الأبدية ومجاورة الملائكة والتصرف مع المسيح. فإن له المجد والاقتدار مع الآب والابن والروح القدس إلى أبد الدهور. آمين. مار إفرآم السريانى
المزيد
27 يونيو 2020

المقالة الثالثة فى هدم الكبرياء

كل نسك؛ كل حمية ؛ كل طاعة ؛ كل هجر قنية ؛ كل غزارة التعليم؛ باطلة إذا كانت عادمة تواضع الرأي، كما أن ابتداء الصالحات وكمالها هو التواضع ؛ هكذا ابتداء الشرور ومنتهاها هو شموخ الرأي. وهذا الروح النجس هو كثير الأنواع وكثير الصور، فلهذا يجتهد أن يتسلط على الكل، وأية صناعة تصرف فيها كل أحد ينصب له فيها فخه فالحكيم يتكبر بحكمته، والقوى بالقوة، والغنى بثروته، والحسن الوجه بجماله، والدرب المنطق بالكلام الطيب، والنغمة بحسن صوته، الحاذق الصنعة بحذاقة صنعته، الجميل التصرف بحسن تصرفه وكذلك لا يفتر من تجربة الروحانيين، فالطائع يمتحنه بالطاعة أى يتعظم بطاعته، والماسك بالمسك، والصامت بالصمت، والعادم القنية بِهجر القنية، والجزيل العلم بسرعة تعلمه، والمتورع بحسن الورع، والعَالم بالعلم فالمعرفة الحقيقية إنما هى مقترنة بالتواضع، ولهذا يحرص أن يزرع فى الكل الزوان الذى له فلذلك لما عرف الرب هذا الألم أنه أينما تأصل يطوح ذلك الإنسان مع العمل الذى له أعطانا ضده التواضع سلاحاً قائلاً: ” إذا عملتم سائر الأوامر التى أُمرتم بِها فقولوا أننا عبيد بطالون “ فَلِمَ نجذب إلى أنفسنا الخفة ومضرة العقل والرسول يقول: ” إن ظن أحد أنه شيئاً فإنما يخدع عقله ؛ وكل أحد فليختبر عمله ؛ وحينئذ فليكن افتخاره فى ذاته لا على أحد آخر “ فلما نخادع ذواتنا ويترفع بعضنا على بعض ؛ فإن كنا شرفاء فى العالم ونستحقر الأدنياء فأننا نجد الرب يعلم: ” أن الحظوظ السامية عند الناس مرفوضة عند اللـه “ وإن كنا ممسكين فنتعالى على الضعفاء لكن الرسول يوبخنا قائلاً: “ليس من يثبت أمر نفسه ذلك هو المدرب المهذب بل الذى ثبت أمره الرب “وإن كنا نتعب فى الخدمة أكثر فنستعظم برأينا على الصامتين فأننا نجد الرب يمدح مريم أكثر لأنَها اختارت الحظ الصالـح وإن كنا صامتين فنترفع على المتغلبين بالخدمة فأننا نصادف الرب يُعلم قائلاً: ” ما جئت لأُخدَم بل لأَخدُم وابذل نفسى فدية عن كثيرين “ كى فى كل أمر ينبغى أن نقصى استعلان الرأى، وأن كنا جلوساً فى مكان هادئ ومبيض مسقول نتشامخ، لكن ماذا ينفعنا عمل المكان إن لم نعمل بتواضع إذ الرسول يقول: ” لا نراقب الأشياء الأرضية المرئية بل التى لا ترى لأن الأمور التى ترى وقتية والتى لا ترى أبدية “وإن كنا نسكن فى جب أو فى مغارة ننتفخ فهذه سمات الوفاة. وعدم الهم بالأمور العالمية فالأمر الذى اخترته لذاتك لتقويم الفضيلة لا يصيرنَّ لك سقطة الكبرياء فتضاهى طنجير لا فهم له؛ ولا يعرف العمل الذى له وعوض قطعة حديد تروم أن تحمى عوداً فتحتاج أن تتخذ التواضع بقوة وإن كنت موسراً وحاوياً حدود العدل فأنك لم تبلغ إلى حدود إبراهيم الذى جعل ذاته تراباً ورماداً وإن كان فوض إليك الاهتمام بالشعب فموسى قد تقلد الاهتمام لا برئاسته شعب عدده ألف فقط لكن كثرة شعوب لأنه بعد أن ضرب اللـه مصر بيد موسى وهرون ونشف أرض البحر الأحمر، وسير إسرائيل بلا بلل وعبرهم تلك البرية المرهبة اقبلوا إلى تخوم أهل موآب فابصر أهل موآب كثرة الشعب كما كتب أن موآب قال لمشيخة مدين أن هذا الجمع يلتحس كافة الأشياء التى حولنا كما يلتحس العجل النبات الأخضر من البقعة لأنه كان أحصى الشعب سوى النساء والصبيان وقبيلة اللاويين من ابن عشرون سنة وما فوقها كل من ينتصب فى مصاف الحرب من إسرائيل فكان عددهم ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسين رجلاً وكل هؤلاء كان هو رئيساً عليهم ؛ وصار مناجياً للـه ومعايناً مجد الرب ؛ فلم يترفع قلبه ولا توانى فى التواضع فقد شهد عنه الكتاب المقدس قائلاً: ” والإنسان موسى كان وديعاً جداً أكثر من كافة الناس الموجودين على الأرض “وإن كنت بَهى الوجه وقوى البأس وعليك التاج موضوعاً فإنك لم تبلغ إلى حدود داود الملك الذى واضع ذاته قائلاً: أنا دودة ولست إنساناً وإن كانت لك معرفة وحكمة ومسك فإنك لم تبلغ إلى حدود الثلاثة فتية ودانيال النبى الذين أحدهم قال: يارب أنت هو العدل ونحن فلنا خجل وجهنا إلى هذا اليوم ؛ وأما الثلاثة فتية فابتهلوا بنفسٍ مسحوقة وروح متواضع فإن كان الصديقون أوضحوا مثل هذا التواضع فكم يجب أن نكون نحن الخطاة أكثر تواضعاً لأن من يترفع ويعظم رأيه فذاك هو عقل البشركما يقول الرسول: ” إن كنتم تعيشون للجسد فستموتون وإن كنتم تميتون بالروح أفعال الجسد فستعيشون “وغير ممكن أن يمسك الآلام من لم يقوم الفضيلة أولاً، أو ما قد سمعتم كم من مصاعب احتملها الرسول بولس عن الأمانة البهية لأنه كتب إلى أهل كورنثوس يقول” فى الأتعاب أزيد جداً فى العقوبات أكثر كثيراً جُلدت من اليهود خمسة مرات أربعين جلدة إلا واحدة ضربتُ بالعصا ثلاثة دفعات، رجمت دفعة، غرقت ثلاثة دفعات، أقمت فى العمق يوم بليلة، وفى الأسفار مراراً كثيرة، احتملت معاطب الأنْهار ومخاوف اللصوص، معاطب من جنسى، مصاعب من الأمم، معاطب فى المدن، ومخاوف فى البرية، معاطب فى البحر، مصاعب من الإخوة الكذبة ؛ بالتعب وبالحرص فى الأسهار مراراً كثيرة، بالبرد والجوع والعطش، وبالأصوام دفعات كثيرة، بالبرد والعري وما يتبع ذلك “ أترانا نستطيع نفتح فمنا ؛ وابصر فضله بعد مثل عظم هذه المعاطب وبعد مثل جسامة هذه التقويمات، كيف واضع ذاته وقال: ” أيها الإخوة أنا ما احتسب ذاتى أننى قد أخذت شيئاً “. فقال هذه الألفاظ لينفى التشامخ عالماً أى رجز يحل بمن يعشقه من يتشامخ يشبه من يعير اللـه بتقويماته كما فى الأمور البشرية، من أعطى قريبه عطية وتشامخ عليه فقد سلب صلاته ونقض صداقة قريبه، ولهذا من هو هكذا فهو مرذول فلأجل هذا أراد الرب المهتم بحياتنا أن يجعلنا غرباء عن هذا الألم المفسد فعلمَ قائلاً: ” إذا صنعتم كل البر فقولوا أننا عبيد بطالون “فإن لم نصنع ذلك لا نكون أكفاء ولا نسمى عبيد بطالين لأن ربنا عظيم ومواهبه عظيمة جسيمة وقوية ولنعلم أن الرب ما علمنا أن نتواضع قولاً فقط بل أدبنا أن نتواضع برأينا بالفعل: ” ائتزر بمئزر وغسل أرجل رسله “فذلك قال: ” تعلموا منى فإنى وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لأنفسكم “فإذا وافتك المحزنات بخلاف نيتك وصبرت عليها كان ورودها كأنه فى نيتك فتعرف حينئذ ذاتك أنك قد بلغت إلى حدود إنسان ذى فضيلة ومتواضع وتنذهل إذا عرفت كيف احتملت الفكر الخادع الذى أخطر لك الرؤيات الظالمة وكان يقول لك أنك عتيد أن تؤخذ بِها بل الأولى بك كما نزعت رؤيتك من مثل هذا الأمر أن تقول لذاتك: أنت من أنت إلى أى حدود قد وصلت ؛ هل أنت إيليا ؟ أتراك صنعت عجائب مثل ذاك ؟فإنه بصلاته أغلق السماء فلم تمطر ثلاثة سنين وستة أشهر، ثم بصلاته أيضاً أعطت السماء مطراً، وبصلاته أيضاً أحضر من السماء ثلاثة مرات ناراً وان كنت اقتنيت الأمانة كلها فأعطينا خبره بذلك ؛ أرنا عجائب وآيات، أقم بصلاتك موتى، أفتح أعين العميان، أطرد جناً، نقى برصاً، أقم مشلولاً، أمشى على البحر كمشيك على الأرض الياببسة، حول الماء خمراً، أشبع بصلواتك من الخمسة خبزات والسمكتين جموعاً كثيرة لأنه صادق هو القائل: ” الحق أقول لكم إن من يؤمن بى يعمل الأعمال التى صنعتها أنا وأعظم منها يعمل” لكن لعل أحد يعير فيقول: فإن لم يعمل أحد تلك الأعمال والأمور اللائقة باللـه لا رجاء خلاص له. بل لنا رجاء خلاص إن اعترفنا بضعفنا وقلة إيماننا وإن لم تُعمَل هذه بنا لأن الضعيف إنما يلتمس رحمة لا تعظماً فإن كنا محتاجين إلى الرحمة وإياها نطلب فنحتاج إلى التواضع لنجذب بالتواضع الرأفات إلينا من اللـه لأنه قد كتب: ” أنه بتواضعنا ذكرنا الرب وأنقذنا من أعدائنا “. وأيضاً: ” تواضعت فخلصنى “وإن كنا نستند على الرياح ونعظم رأينا فلسنا صانعين شيئاً آخر إلا أن نكردس ذاتنا ونزجها فى اللجة فلا تقبلن مرض الكبرياء لئلا يسرق العدو رؤيتك بغتة إذاً فق من فكر الاعتداد بالذات لا تلف شبكته على رجليك، أغسل بالتواضع ذهنك ونظفه من هذا السم القاتل ليؤدبك منظر الذى يكنس بيته كيف ينحنى إلى الأرض وينظفه فكم يحتاج بالأكثر أن تنحنى باهتمام كبير وتتضع من أجل تنظيف النفس ولا تترك فيها الأشياء التى يمقتها اللـه لأنه فى النفس المتواضعة يسكن الآب والابن والروح القدس فإنه مكتوب أية شركة للبر مع الإثم أو أية مساهمة للنور مع الظلمة، وأى اتفاق للمسيح مع المارق، وأى حظ للمؤمن مع الكافر، وأى موافقة لهيكل اللـه مع هيكل الأوثان. نحن هيكل اللـه كما قال اللـه ” أننى سأسكن فيهم وأمشى بينهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لى شعباً لهذا أخرجوا من بينهم وتميزوا منهم قال الرب ولا تمسوا دنساً وأنا أقبلكم وأكون لكم أباً وتكنون أنتم لى بنيناً وبنات يقول اللـه الممسك الكل “فإذ لنا مثل هذه المواعيد يا أحبائى فلنطهر أنفسنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة بخشية اللـه فإذا اجتهدت إذاً أن تخرج من الأمور العالمية وتنتقل من مصاعب العالم الشرير جاهد جهاداً متكاثراً حذراً حينئذ من أن تشارك روح الكبرياء النجس ليقبلك الرب لأن نجس بالحقيقة عند اللـه كل متعالى القلب أما تخطر ببالك النار التى مزمع أن تعبر فيها. إذا عبرنا فى تلك النار وكنا أنقياء بلا عيب حينئذ نعرف ذاتنا من نحن لأن ذلك اليوم يوضح عمل كل أحد كما كتب أنه بالنار يختبر فلنتضرع للرب بتواضع كثير أن ينقذنا من الخوف المنتظر ويؤهلنا لذلك الاختطاف حين يختطف الصديقين فى السحب إلى الهواء لاستقبال ملك المجد وأن يورثنا مع الودعاء المتواضعين ملكوت السموات لأنه كما قال ” مغبوطون المساكين بالروح فإن لهم ملكوت السموات” وكذلك ” ويل للمستكبرين والمستعلين برأيهم فإن لهم أتون النار “لأنه فى الكبرياء يسكن القائل ” اصنع بقوتى وبحكمة فمى أنتزع تخوم الأمم وأرتقى قوتِهم وأزلزل مدناً مسكونة وأتناول المسكونة كلها بيدى مثل عش وأحملها كبيض مهمل ولا يفلت أحد منى أو يقاوم قولى لكن الرب الإله رب الأجناد يرسل إلى كرامتك هواناً وإلى شرفك نار متوقدة تحرق وأيضاً أنت قلت فى ذهنك لأصعدن إلى السماء ولأضعن كرسى فوق نجوم السماء ولأجلس فى الجبل الشامخ على الجبال الشاهقة نحو الشرق وأرتقى فوق الغيوم، أكون نظير العلى. فالآن إلى الهاوية تنزل وإلى أساس الأرض فلنهرب منذ الآن من الكبرياء التى يبغضها الرب ولنحب تواضع العقل الذى به أرضى الرب جميع الصديقين، لأن تواضع العقل قربان جسيم قدره وشرف عظيم ونجاح نفيس وكرامة جزيلة للذين قد اقتنوه لأن فيه سعى لا يمسك وحكمة كاملة لأنه باستعلاء الرأى ذل قدر ذلك الفريسي، وبتواضع العقل أرتفع شأن العشار الذى معه يؤهلنا الرب للحظ الذى لا يبلى مع كافة الصديقين فإن به يليق المجدإلى الأبد آمين مار إفرآم السريانى
المزيد
20 يونيو 2020

المقالة الثانية توبيخ لذاته واعتراف

يا إخوتي تأملوا معى وليكن لكم تحنن ورأفات، فإنه ما قال الكتاب الإلهي باطلاً: ” أن الأخ الذي يعينه أخوه يكون كمدينة حصينة شاهقة لأنه يقدر كاقتدار المملكة المتوطدة “ ويقول أيضاً: ” ليعترف بعضكم لبعض بالخطايا، وليصلى بعضكم لبعض لتشفوا “اقبلوا أيها المختارون من اللـه وسيلة ممن عاهد أن يرضى اللـه فكذب على خالقه، لكى ما بطلبتكم أنجوا من الخطايا المطيفة بى فأصير معافى وأنْهض من سرير الخطية المفسدة فإنى منذ طفولتى صرت إناءً طالحاً ومرفوضاً والآن إذ أسمع بالدينونة أتَهاون بما أن لى خطايا وجرائم تفوق العظم وأعظ آخرين أن يبتعدوا من الأشياء التى لا تنفع وتلك الأشياء تكمل منى مضاعفة ويلى فى أى يأس قد وقعت، ويلى فى أى خزى قد حصلت، ويلى لأن باطنى ليس كظاهرى فلهذا إن لم تشرق علىَّ رأفات اللـه سريعاً فليس لى من أعمالى ولا رجاء واحد للخلاص لأننى أتكلم على الطهارة وأتفكر فى الفجور، أنشئ أقوالاً على عدم التألم وفىَّ موجود الهذيذ فى الآلام النجسة ليلاً ونَهاراً فأى اعتذار لى ويلى أى فحص قد أستعد لى بالحقيقة أن زي الديانة الحسنة موضوع علىَّ وليس فىَّ قوتِها بأى وجه أتقدم إلى الرب الإله العارف مكتومات قلبى وأنا مديون بمثل هذه المساوئ ؛ وأجزع أن أقوم فى الصلاة لئلا تنحدر علىَّ من السماء نار فتبيدنى، لأنه إن كان الذين قَدموا فى البرية ناراً غريبة خرجت من الرب ناراً فأحرقتهم فماذا انتظر أنا، ومثل مقدار هذه الذنوب موضوع علىَّ ؟فماذا هل أقطع رجائى من خلاصى ؟ حاشا. لأن هذا هو الذى يحرص عليه المضاد انه إذا أنحضر أحد إلى اليأس حينئذ يقبض عليه هو، فأنا لا أيأس من نفسى لأننى أثق برأفات اللـه وبتوسلاتكم، فلا تفتروا إذا من التضرع إلى المتعطف لكى يعتق قلبى من عبودية الآلام المحتقرة فقد عمىَّ قلبى واستحال فكرى المتدين حسناً وأظلم ذهنى فرجعت وصرت مثل الكلب العائد إلى قيئه فليس ذهنى نقياً، ولا دموع لى فى صلاتى، إن تنهدت نشف ماء وجهى، من الخزي أقرع صدرى فهو خزانة الآلام لك المجد أيها المحتمل، لك المجد أيها المتمهل، لك المجد أيها المتأنى على البشر، لك المجد أيها المتعطف على الناس، لك المجد أيها الصالح، لك السبح أيها الحكيم وحدك، لك المجد أيها المحسن على النفوس والأبدان لك المجد أيها المشرق شمسه على الأشرار والأبرار، والممطر على الصديقين والظُلام، لك المجد أيها المغذى كافة الأمم وكل الطبيعة البشرية مثل إنسان، لك المجد أيها المغذى طيور السماء والوحوش والدواب والبرايا المائية مثل عصفورٍ حقيرلأن كافة البرايا تنتظر لتعطيها قوتَها فى أوانه لأن عظيمة قدرتك ورأفاتك مسبوغة على سائر أعمالك فلهذا يارب أطلب ألا تطرحنى مع القائلين يارب يارب ولا يعملون مشيئتك، بشفاعة كافة الذين أرضوك لأنك أنت تعرف الآلام المكتومة فىَّ وأنت خبير عالم بجراحات نفسى أشفينى يارب فأبرأ جاهدوا يا إخوة معى بالصلوات طالبين رأفات خيرية اللـه ؛ ونفسى التى تمررت من الخطايا حلوها من الكرمة المحقة التى غصونِها هى لكم، اعطوا العطشان من ينبوع الحياة الذى قد أُهلتم لخدمته أنيروا قلبى يا من صرتم أبناء النور ؛ أرشدونى أنا الضال إلى طريق الحياة يا من ثبتم فيها، أدخلونى فى الباب الملكى كما يُدخل السيد عبده، يا من قد صرتم للملك وارثين فإن قلبى قد أنسكب فلتدركنى بتوسلاتكم رأفات اللـه قبل أن أُجتذب مع عاملى الإثم فهناك تنكشف سائر الأفعال فى الظلمة وفى الجهر فأى شيء يدركني إذا رآنى مديوناً، أين الذين يقولون الآن أننى بلا عيب قد خليت الصناعة الروحانية وخضعت للآلام لا أريد أن أتعلم وأشاء أن أُعلم، لا أريد أن أُطِيع وأشاء أن أُطَاع، لا أختار أن أتعب وأريد أن أُتعِب، لا أشاء أن اعمل وأشاء أن أشجع على العمل، لا أشاء أن أُكرِم وأشاء أن أُكرَم لستُ أشاء أن أُعيَّر وأشاء أن أعيِّر، لا أريد أن أُحتقَر وأشاء أن أحتَقِر، لا أريد أن يتكبر علىَّ أحد وأشاء أن أتكبر، لا أختار أن أُوَبَخ وأشاء أن أُوَبِخ، لا أريد أن أَرحَم وأشاء أن أُرحَم، لا أشاء أن أُنتَهر وأريد أن أَنتَهِر، لا أريـد أن أُظلَم وأشاء أن أَظلِم لا أختار أن أُضَر وأشاء أن أُضِر، لا أريد أن أُغتاب وأشاء أن أَغتاب، لا أشاء أن أَسمع وأريد أن أُسمع، لا أشاء أن أُمَجِّد وأريد أن أُمَجَد، لا أشاء أن أُمسَك وأريد أن أمسِّك، حكيماً فى الوعظ لكنى لستُ فى العمل حكيماً، أقول ما يجب أن يُعمل وأعمل ما لا ينبغى أن يقال من ذا لا يبكى علىَّ، أبكوا علىَّ أيها الأبرار والصديقون أنا المضبوط بالآلام، أبكوا أيها المحبون النور والباغضون الظلمة على المحب لأعمال الظلمة لا لأفعال النور، أيها المختبرون أبكوا على المنفى غير المختبِرأيها الرحومون أبكوا على المرحوم والمفرط، أيها الصائرون فوق كل مذمة أبكوا على الغريق فى الآثام، أيها المحبون الخير والمبغضون للشر أبكوا على المحب للأفعال الخبيثة والمبغض للأعمال الصالحة، أيها المتمسكون بالسيرة ذات الفضيلة أبكوا على الذى ترك العالم بالذي فقط أيها المرضون للـه أبكوا على المرضي للناس، أيها المقتنون المحبة التامة أبكوا على أنا الذى أحب قريبى بالأقوال وابغضه بالأفعال أيها المهتمون بأنفسكم أبكوا على المهتم بالأشياء الغريبة، أيها المقتنون للصبر والمثمرون للـه أبكوا على الغير صبور والعادم الثمرأيها المشتاقون إلى الأدب والتعليم أبكوا على الفاقد الأدب والمرفوض، أيها المتقدمون إلى اللـه بلا خجل أبكوا علىَّ أنا الغير مستحق أن أتفرس وابصر علو السماء، أيها المقتنون وداعة موسى أبكوا علىَّ أنا الذى أضعتها باختيارى، أيها المقتنون عفة يوسف أبكوا علىَّ أنا الذى دفعتها وطرحتها، أيها المحبون مسك دانيال أبكوا علىَّ أنا الذى عدمتها باختيارى يا من اقتنوا صبر أيوب أبكوا علىَّ أنا الذى صار غريباً منه،يا من اقتنيتم مثل الرسل فى عدم اقتنائهم عدم القنية أبكوا علىَّ أنا المبتعد منها بعيداً أيها المؤمنون والراسخ قلبهم فى الرب أبكوا على الضعيف النفس والجبان، أيها المحبون للنوح والرافضون للضحك أبكوا على المحب للضحك والمبغض للنوح، يا من حفظتم هيكل اللـه بلا دنس أبكوا علىَّ أنا الذى قد دنسته ووخسته يا من يتذكرون الفراق والطريق التى لا عفو منها أبكوا على الغير ذاكر ولا مستعد لهذا السفر، يا من تصورت فى عقولهم الدينونة التى بعد الموت أبكوا على المعترف بذكرها والفاعل ضدها، يا وارثى ملكوت السموات أبكوا على وارث جهنم النار ويلى أنا الذى لم تترك فىَّ الخطية عضواً صحيحاً أو حاسة لم تفسدها وأنا لا هم لى والموت على الأبواب قد وقف وأنا لا هم لى يا إخوتى هاأنذا قد كشفت لكم كلوم نفسى فلا تتوانوا فىَّ أنا المتألم لكن اطلبوا من الطبيب فى أمر السقيم، إلى الراعى من أجل الخروف، إلى الملك من أجل الأسير إلى الحياة من أجل المائت لأنال الخلاص الذى بيسوع المسيح ربنا من الخطايا المطيفة بى ويرسل نعمته ويؤيد نفسى التى تزلق بسرعة، فإنى مستعد لمقاومة الآلام وحين ملاحمتى إياها تحل رداءة حيلة الثعبان باللذة نفسى وتقيدنى مأسوراً وانشط أن أجذب المحترق فتطرأ علىَّ حرارة النار فتجذبنى إلى وسط لهيبها، اطفر إلى استخلاص الغريق ومن عدم التدريب أغرق معه اشتهى أن أصير طبيباً للآلام وأنا نفسى مضبوط بِها وعوض المداواة أجرح من المريض، أنا لم أزل أعمى وأروم أن أرشد العميان فلذلك أنا محتاج إلى صلوات كثيرة حتى اعرف قدري ولكى تظللنى نعمة المسيح وتضئ قلبى المظلم وتسكن فىَّ عوض الجهالة معرفة إلهية ؛ لأنه لا يصعب على اللـه كل كلمة، هو منح شعبه فى البحر الذى لا يُسلك مسلكاً، هو أمطر لهم المن ومن البحر أرسل لهم سلوى كرمل البحر.هو منح العطاش ماء من صخرة صلبة، وهو وحده خلص بصلاحه الواقع بين اللصوص؛ وبتحنن صلاحه يخلصنى أنا الواقع فى الخطايا المغلوب مثل مكبل بسوء الرأى ؛ فليست لى دالة لدى فاحص القلوب والكلى ولا يستطيع أحد أن يشفى وجع نفسى إلا هو العالم أعماق القلب كم من مرة وضعت فى ذاتى حدوداً وابتنيت حيطاناً بينى وبين الخطية المخالفة للشريعة ؛ وبين المعاندين الذين يخطرون من النتائج المضادة الخواطر للحرب فعبر ذهنى التخوم وهدم الحيطان لأن التخوم لم تكن لها قوة صائنة بخشية ممن هو أفضل من الكل والحيطان لم تأسس على التوبة الخالصة فلذلك اقرع الآن ليفتح لى؛ وألبس طالباً لأنال المطلوب كمن لا خجل له اطلب أن اُرحم يارب ؛ أنت أيها المخلص قد وهبت لى خيريتك وأنا كافأتَها بالمساوئ ؛ تمهل على أنا الجافى فلست أسأل عفواً عن كلمات باطلة بل إنما اطلب من خيريتك صفحاً عن أعمالى التى لا بر فيها يارب جددنى من كل فعل خبيث قبل أن يدركنى الموت حتى أجد فى ساعة الوفاة نعمة أمامك لأن ليس فى الهاوية من يشكرك يارب خلص نفسى من المخافة المنتظرة وبيض حلتى المتسخة من أجل رأفاتك وصلاحك لكى إذا سربلتنى بالبياض أنا الغير مستحق أؤهل لملكوت سماواتك وإذا حصلت فى السرور الذى لا ينقرض أقول: المجد لمن أستخلص نفساً مغمومة من فم السبع وجعلها فى جنة النعيم لأن لك المجد أيها الإله الكلى القداسة. آمين مار إفرآم السريانى
المزيد
13 يونيو 2020

المقالة الأولى رسالة إلى يوحنا الراهب فى الصبر والحذر

رسالة إلى يوحنا الراهب فى الصبر والحذر أن لا ينخدع بالأفكار فى طلب السياحة والعفة قد وعظنا تادرس المتورع كثيراً بعظاتٍ كثيرة ألا يبتعد عن موضعه، وما أمكننا أن نقنعه. بل قال أنا: إن أردت أن تعيننى، وتخلص بعد اللـه نفسى فأرسلنى إلى ديرك.فأجبته: يا هذا إن اهتمام الدير قد فوضته إلى يوحنا الأخ وبدون رأيه لا يمكننى أن آمر أحداً بسكناه فقد فعلت فعلاً حسناً إذ قبلت الأخ السالف ذكره لأنه حين عاد إلينا أخبرنا عن أى تعطف أوضحته له.لأن مثل هؤلاء الذين أحبوا الرب ينبغى أن يكونوا عندك مكرمين أكثر من الأب والأم والإخوة والأخوات والمرأة والأولاد والأنسباء والأصدقاء.فلقد صنعت حسناً لأنك خصصت نفسك للأعمال الحسنة ولا سيما إذ صرت قدوة للإخوة الساكنين معك مثل الأمر الذى اتضح فى المسيح حين صنعه إذ رفع تلاميذه إلى سمو التواضع.فقال: إنما أعطيتكم نموذجاً لتعملوا أنتم نظيره وذلك لكى الذين لا يقنعهم القول يقنعهم الفعل.وبولس الرسول يعظ قائلاً: ” صيروا متشبهين بى كما تشبهت أنا بالمسيح “.فلا تتهاونوا أنتم بالخدمة الروحانية، ولا تكونوا بحجة الأمور الجسدانية متوانين فى صلواتكم لأن أقوال الرب إذا درست ورُتلت دائماً تغذى النفس، وتحفظها وتوقى الجسد وتؤدبهُ، وتطرد الشياطين وترهبهم، وتجعل فى النفس سكوناً عظيماً.أما عن الذين ابتدءوا بأفعال تفوق طاقتهم فقد سقطوا فى تجارب لانَهاية لها فحسب أقوال بولس الرسول: ” لا يرتأى الإنسان فوق ما لا ينبغى أن يرتأى بل يرتأى إلى التعقل “.واسمع من الحكيم الذى قال: ” لا تصير صديقاً كبيراً ولا تحاكم حكماً زائداً لئلا تُدهش.لأنه أتفق فى هذه الأيام أن قوماً من الإخوة تركوا قلاليهم ومضوا إلى الأرض القفرة التى لا ماء فيها، ولا تمر لها فزجوا ذواتِهم فيها بعد أن وُعِظوا عظات كثيرة من الآباء والإخوة ولم يذعنوا لرأيهم قائلين:” نحنُ نمضى لنكون سواحاً “.فلما وصلوا إلى البرية القاحلة جداً وعاينوا أن الأرض التى لا تُسلك قد اكتنفت ذواتِهم صاروا يستصعبون الأمر جداً ثم حاولوا أن يعودوا إلى الأرض المسكونة فلم يقدروا أن يُخرجوا ذواتِهم من البرية الصعبة لأنَهم لم يوصلوا إليها بسهولة.فأشتد عليهم الجوع والعطش والحر، وجلسوا مكتئبين وظامئ النفس.ثم بتدبير من العناية الإلهية صادفهم قوم وهم قد قاربت أنفسهم أن تنتزع منهم فوضعوهم على دوابِهم وحملوهم إلى المواضع المسكونة.ومجموعة منهم ماتوا وأكل أجسادهم الطير والوحوش والذين نجوا لبثوا مرضى مدة طويلة فعند ذلك عرفوا بالخبرة ألا يعملوا شيئاً بغير مشورة.وكثيرين إذ كان فيهم فكر العظمة وذهبوا إلى أرض لا ثمر فيها ولا ماء فسببوا لأنفسهم موتاً محققاً ؛ وآخرون إذ لم يريدوا أن يطيعوا ولم يحتملوا أن يخدموا إخوتِهم سقطوا فى هذا الأمر نفسه، وآخرون إذ لم يرتضوا أن يعملوا بأيديهم فسدوا.وكذلك آخرون هُزئ بِهم من فكر الاعتداد بالذات والتشامخ بالسبح الباطل، فتصيدوا المديح من السامعين: ” أنَهم قد صاروا سواحاً ” ؛ وإذ لم يفكروا فى الأتعاب التى تصادفهم ألقوا أنفسهم فى هذه المعاطب نفسها.فلا ينبغى الآن أيها الحبيب أن ننقاد لأفكارنا بلا تمييز، لأننا نحتاج كثيراً أن كل واحد منا يعرف مقداره ويتواضع لقريبه بمحبة اللـه.وإن شعر أحد أنه قد قوَّم الفضيلة ومسك الآلام وتملك على الشهوات فلا يثق هكذا برأيه، لئلا يقال عنه الفصل المكتوب: ” أن الملك الجسور يسقط فى المساوئ وملاك الرب ينجيه “.لكن ربما يغتر أحد فيقول: وكيف نجد قوماً من الآباء قد قوموا هذه الفضيلة ؟فقد احتجنا أن نظهر لكم هذه الشهادة من أخبار سير الآباء القديسين، ونوضح أن الآباء القديسين ما عملوا شيئاً عبثاً ولا جزافاً.لأنه قد حكي عن مقاريوس الراهب أنه قال: بينما أنا كنت جالساً فى قلايتى بالاسقيط آذتنى الأفكار قائلة:امضى إلى داخل البرية وافهم ماذا تعاين هناك.فلبثَ محارباً للفكر خمسة سنوات خائفاً أن يكون هذا الفكر من الشيطان.فأبصِر فهم الرجل أنه لم ينقاد للفكر ولا عمل به بل لبث يميزه صائماً ساهراً مصلياً ليعرف إن كان من الشيطان أم لا.” فنحنُ إذا جاء إلينا الفكر ونحن ثابتون فننفرد وننعزل ولسنا نميزه مصلين بتوجع قلب، بل ولا إذا وعِظنا من آخرين نقتنع ونخضع لرأيهم فلذلك يسبينا المعاند بسهولة “.ثم لما ثبت الفكر ودام خرج إلى البرية فصادف هناك بحيرة مياه وجزيرة فى وسطها فإذ بأنعام البرية قد جاءت تشرب منها ورأى فى وسطهم رجلين مجردين.فبعد أن سلما على بعضهما بعضاً. قال لهما مقاريوس: كيف يمكننى أن أصير راهباً.فقال له: إن لم يزهد أحد فى الأشياء التى للعالم كلها مبتعداً عنها فلا يستطيع أن يكون راهباً.فقال لهما: أنا ضعيف ولا أستطيع أن أكون مثلكما فقال له: إن لم يمكنك أن تصير مثلنا فأجلس فى قلايتك وأبكِ على خطاياك يا لجسامة تواضع الإنسان الإلهى ويا لسمو فهم النفس المتورعة ؛ من قد أوضح مقدار تلك النصرات الممدوحة ومثل عِظم جسامتها ؛ فلم يوضح من ذاته أنه مستحق للأمر لكن قال لهما:” أنا ضعيف ولا أستطيع أن أكون مثلكما “.فنحن لا اضطهاد قام علينا ولا اضطهدنا أحد ومع ذلك نسلك بسيرتنا بالتهجم والاعتداد بالذات ؛ ونبتدئ بأفعال تفوق حدودنا كمجربين الرب الإله. الأمر الذى هو مُرهَب جداً.الويل للإنسان المتوكل على قوته ونسكه أو على ذكائه، ولا يكون اتكاله على اللـه لأن منه وحده العزة والقوة وإن أطلعنا على سيرة أنطونيوس الراهب نجده صانعاً كل أفعاله من استعلان إلهى.ألم يجلس فى دير ؟ أو ما احتاج ملابس ؟ أو ما أكل خبزاً ؟ أو ما عمل بيديه ؟ أو ما أقتنى تلاميذ ؟ أما كفنوه مائتاً ودفنوه ؟ أو هل استعمل المغبوط أنطونيوس وحده هذه السيرة ؟بل وباقى الآباء الذين أكمل اللـه بِهم آيات واشفيه لأنَهم كانوا كالمصابيح البهية مشهورين بالفضائل.فلنسر نحن يا أحبائي سيرتَهم ومذهبهم ونسلك فى الطريقة الملوكية غير جانحين إلى يمينها ولا إلى يـسارها فلنثابر على السكوت، الصوم، السهر، الصلاة، الدموع، الصلوات الجامعة، عمل اليد، مخاطبة الآباء القديسين، إطاعة الحق، استماع الكتب الإلهية لكى لا يصير فكرنا بوراً عاشباً بالآلام.ولنوقف ذاتنا مخصوصاً لنستحق التقرب من الأسرار المقدسة الطاهرة، لكى تتنظف أنفسنا من الأفكار النجسة المتولدة، ويسكن الرب فينا فينفذنا من الشيطان.وقبل هذه كلها فلنحفظ المحبة الصافية بعضنا لبعض وللكل، لأنه من جهة محبتنا للقريب يقتنى الإنسان المكافئة أو العقاب. لأن القائل صادق:” إنه إذا صنعتم بأحد إخوتى هؤلاء المحتقرين شيئاً فبى قد صنعتم.وقال للآخرين: ” إذا لم تعملوا بأحد إخوتى هؤلاء المحتقرين شيئاً فبى لم تفعلوا، فيذهب هؤلاء إلى العذاب الخالد ويمضى الصديقون إلى الحياة الأبدية. إن القدماء كانوا يذبحون عجولاً، وكباشاً، وخرافاً كلها نقية لا عيب فيها ويقدمونَها تقدمة، فلنقدم نحن جسمنا للرب بالروح القدس ولا ننجسه بالأفعال المحذورة ولا ندنسه بفكر ما لئلا تصير ذبيحتنا غير مقبولة.وبأية حاله يجب أن نقتنى القداسة فيثاب الذين لهم عقل العين المستفيقة، وذكر اللـه الذى شعاعاته تضىء لكل قلب.فأما الذين هم ضعفاء فى مثل هذا الفكر فهم محتاجون إلى نماذج ومقاييس ليقتنوا مثل هذه الفضيلة ويقومونَها، فلتكن مقاييسنا مثل هذه.إن الذين يتناظرون فى الحروب العالمية، تنصب لهم صور على الحيطان وفى الألواح ينقش فيها رواية الحرب، كيف بعض يمدون قسياً وبعض مجروحون، وقوم قد هربوا، وقوم يقاتلون بأيديهم وسيوفهم مجردة، ويحصدون مصارعيهم كحصاد السنبل.وهذه المقاييس يصنعونَها ليعرفوا الذين يصيرون إليها فيما بعد، ولذكر المفضلين على من بارزهم فى الحرب، وكثيرون صوروا جهاد القديسين فى هياكل الصلوات لكى يغيروا منها التى قلوبِهم قاسية ولتفريح الناظرين إليها فإذاً سيرتنا سوف تكتب وتصور وتنصب فى علوٍ شاهق ليعاينها الكل فاحرصوا، بل فلنحرص أن نقوم الفضيلة لئلا تكون فى أيقونتنا شيء مذموم وغير ملائم، لأنه قبيح بالحقيقة أن يُبصَر فى أيقونة رجل يعانق امرأة وأقبح منه إن كان من المظنونين أنه لابس زى التدبير الحسن.فإن كان ذلك فهو على رأى القائل: ذكور يعملون الفحشاء بذكور، فمن هو يا ترى يجترئ أن يعاين تلك الأيقونة، لأنه منظر يجب أن يُهرب منه.فإذ نعلم يقيناً أن عذاباً لا يُحتمل يحل بمن يُوجد فى مثل هذا الهوان فلنهتم أن تصير وضع الرواية الواصفة أخبارنا وإتقانِها حسنة وممدوحة ناهضة إلى فعل الصالحات لمن يصادف جمالها، ولا نصور فيها شيئاً رديئاً لا يختص بالفضيلة.لأن الرواية المسندة من أهل سدوم منتصبة انتصاباً لا يضمحل مخبرة كيف أطاف أولئك الفجار النهمة شهوتِهم بمنزل الصديق إلى أن ضُربوا بضربة فقد النظر واحترقوا بالمطر النارى وترمدوا هم وأرضهم التى عملوا فوقها المجامعات النفاقية.فهذه الرواية كأيقونة ما مملوءة خوفاً وضعها الإله خالقنا فى ضمير كل واحد منا حتى إذا نظرنا مثل تلك الأمثال الرادعة نبعد عن الأفعال الرديئة.فأما الذين يغمضون أعينهم من معاينة تلك الرواية التى نُصبت لنا وعظاً فأولئك يتهورون بسهولة فى هوة اللذات.أنت إذاً فليكن ناظر ذهنك مقترناً بمثل هذه المعاينة لكى تصدم بالخوف الآلام النجسة وتطمر بانتظار السخط الآلام المضطرمة لأن من يتصور ذلك الرجز المسير من اللـه فلا يجزع ولا ينقبض ذهنه إن لم يستعمل هذه المعاينة استعمالاً زائداً. أما أنا الوانى لما نصبت فى عقلى هذه الرواية تنهدت ووضعت وجهى بين ركبتى وبكيت لما رأيت تصور جريان تلك النار المتداركة هولها والأرض نفسها مضطرمة وكلها مملوءة قتاماً ودخاناً.وقاتنيها قد ذابوا كالشمع، أترى لا تستطيع النموذجات والأحداث السالف حدوثها أن تعزل النفس الصخرية وتلينها.فمنذ الآن فلنتفرس فى هذه الرواية بمداومة، بل فلنتأملها بلا فتور لكي ما بالحرص فى الأشياء المفضلة نَهرب ونفلت من حيرة النقم السابق ذكرها لأن التوانى ينشئ عدم الخشية ومنها جميعاً تنشأ العادة، والذين يصيرون فى عادة السير يصعب انتشالهم منها وهم جانحون كل حين إلى فساد الثمر الروحانى.وينبغى أيضاً أن نتذكر يوسف كأنه فى أيقونة ونتفطن فى أمره كيف اجتذبته المصرية استخرجته إليها، أما هو المحب للـه فترك ثوبه وهرب من افتعال الدنس.بل ونعاين الشيخين اللذين كان فى بابل فى ذهننا كأيقونة، كيف استدعيا سوسنة المغبوطة إلى الفعل النجس فاستعملت هى فكراً مؤمناً شجاعاً فحطمتهما.هكذا فلنجاهد نحن بثبات ولا سيما إذ نتأكد أنه ليس مكتوماً إلا ويظهر، لكى يثنى علينا بتثنية الفضيلة والمدح كى نوجد مع الممدوحين لا مع المذمومين.فأما عن الذين يلتمسون استعلام كيف يتصرفون مع الإخوة ويسترضون الإله الحقيقى.فإذا صليتم عنا سنرسم لكم أخيراً بمؤزرة النعمة إيانا مهما أمكن أن يقال فى هذا المعنى ؛ وليكن بيننا وبينكم الرب عين الحياة الممطر سروراً وقداسه وسلامة ورجاء صالحاً على الذين يبتغونه بالحقيقة.قبل عنى الإخوة الذين معك، تقبلك الإخوة الذين هنا. مار إفرآم السريانى
المزيد
07 يونيو 2020

الأحد السابع من الخماسين

ماذا قال الآباء عن الروح القدس؟ أولاً: القديس أثناسيوس؟: أكد القديس أثناسيوس لاهوت الإبن وأنـه مساوٍ للآب فى الجوهر. قال أيضا بوضوح أن الروح القدس مساوٍ مع الآب فـى الجوهر. إذ أنه مساو مع الإبن فى الجوهر، والإبن مساو للآب فى الجوهـر.. إذن فهو مساو للآب فى الجوهر.ويقول أيضاً أنه يوجد ثالوث مقدس وكامل ومعترف بـه: الله الآب والإبن والروح القدس.. وهو متماثل، غير قابل للتجزئـة بطبيعتـه، ونشاطه واحد.. الآب يعمل كل شئ بالإبن فى الروح القدس.. وهكـذا ينادى بإله واحد فى الكنيسة، الذى على الكـل ( كلـى الأصل )، وبـالكل ( كلى السبب )، وفى الكل ( كلى التنفيذ ). الكل المطلق.. أى الله فى ذاته الكلية المطلقة: 1- كآب : بداية وينبوع. 2- به الكل : بالإبن 3- وفى الكل : بالروح القدس. وعن علاقـة الروح القدس الجوهرية بالآب والإبن فى الثالوث قــال القديس أثناسيوس فى رسائله إلى الأسقف سرابيون + الثالوث إله واحد وقد أسس الرب الكنيسة عليه.. ( الثالوث كله إله واحد ولا موضع فيه لشىء غريب عن الله ) (سرابيون1 :17). + هذا هو إيمان الكنيسة الجامعة لأن الرب أسسها فى الثالوث وأصلـها فيه عندما قال لتلاميذه ” إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بإسم الأب والإبن والروح القدس ” (مت 19:28) (سرابيون 6:3). ويؤكد القديس أثناسـيوس أن الـروح القـدس منبثـق مـن الآب ومرسل من الإبن: ( لكى نعتقد أن هناك قداسة واحدة مسـتمدة مـن الآب بالإبن فى الروح القدس.. وكما أن الإبن مولود وحيد الجنـس هكذا كان الروح القدس واحد وغير متعدد، ليس واحد من كثير بـل روح وحيد ).وكما أن الإبن الكلمة وحيد هكذا ينبغى أن يكون ( روح الإبن )، القـوة الحية المعطية الذى به يقدس ما وينير، ينبغى أن يكون وحيدا كاملا تاما، وهو الذى قيل أنه ينبثق من الآب لأنه من الكلمة المعترف أنـه مـن الآب، وهوالذى قيل أنـه يشرق ويرسل ويعطى.وكما أن الإبن ارسل من الآب كذلك الإبن يرسل الـروح القـدس ” وإن ذهبت أرسل لكم الباراكليت ” (سرابيون 20:1). وقال أيضاً: الروح القدس هو الروح الحق وينبثق من الآب لكنـه يأخذ من الإبن الملك كل ما هو لـلآب، ليبيـن أن جوهـر الآخـذ والمأخوذ منه والمنبثق منه ( الروح والإبن والآب ) واحد.إن الآب وحده آب لأنه مبدئ، والإبن وحده إبـن لأنـه مولـود، والروح القدس وحده روح لأن انبثاقه من الآب بمفرده. وهنا يعطى القديس أثناسيوس مثل الشمس لتوضيح هذا الأمر ( كما أن قرص الشمس هو علة وغير مولود من أحد أما الشعاع فمعلـول ومولود من القرص والنور منبثق من القرص وحده وهو بالشـعاع مرسل ومشرق على الأرض، هكذا الله الآب وحده علة الإثنين وغير مولود وأما الإبن فإنه من الآب وحده معلول ومولود، والروح القـدس من الآب وحده معلول ومنبثق، وهو بالإبن مرسل إلى العالم ). ثانياً: القديس كيرلس؟: 1- نعرف ثلاثة أقانيم ونؤمن بها: الآب الـذى لا ابتـداء لـه، والإبن الوحيد، والروح القدس المنبثق من الآب وحده. 2- إن الروح القدس هو منبثق من الآب حسب قول المخلص، لكنه ليس بغريب عن الآب من حيث وحدة الجوهر. 3- نؤمن بالروح القدس كما نؤمن بالآب والإبن لأنه مساو لـهما فى الجوهر وهو منبثق من ينبوع الله الآب. 4- كما أن الإبن من الآب على جـهة الولادة هكذا الـروح القـدس من الآب على جـهة الإنبثاق. 5- الحصول على الآب والإبن داخل النفس هو أصل وأساس شـبع النفس ومجدها وهذا مخزون للذى يحفظ وصاياه.. فمن يرغب الإشتراك فى الطبيعة الإلهية وينال الرب آب الكـون سـاكناًَ ومقيماً فى أعماق القلب بإبنه فى الروح القدس، فليطهر نفسـه تطهيراً شاملاً ويغسل وسخ الشر بكل الوسائل التى يسـتطيعها، وفوق الكل بكل أنواع الصلاح فبذلك يصير حقا هيكلاً لله. 6- حينما يسكن مخلصنا المسيح فينا بالروح القدس فبالتأكيد سـيكون أبيه أيضاً هناك، لأن روح المسيح هو روح الآب أيضاً (رو 8: 11، غل 4: 6).. وهكذا نرى أن نفس الروح خاص بالآب والإبن. 7- فكلمة الله الوحيد الجنس يمنح القديسـين ميـلاً إلـى طبيعتـه الخاصة وطبيعة الله الآب بإعطائهم الروح وذلك بإتحادهم بـه بالإيمان والقداسة الكاملة، وهو يغذيهم فى التقوى ويعمل فيـهم لمعرفة كل فضيلة وكل الأعمال الصالحة. 8- الله الآب له روحه الذاتى من ذاته وفى ذاتـه الـذى بـه، أى الروح، يسكن فى القديسين ويعلن لهم أسراره، لا كأن الـروح يمارس مجرد وظيفة خدمة بل بالحرى كمن هو فيه جوهريـاًَ ومنبثق منه بغير إنفصال ولا إنقسام.. وهو يفسر ما هو خـاص بذلك الذى هو كائن فيه والذى منـه يصـدر- وهـذا هـو ما يخصه أيضاً هو نفسـه ( أى الروح )- لأن الله لـه إتحـاد بالخليقة فقط بواسطة إبنه فى الروح.وهذا الروح هو أيضاً خاصية الإبن الوحيد لأنه واحد معه فى الجوهر. ثالثاً: القديس باسيليوس الكبير: ( الفصل التاسع من كتاب الروح القدس ) وأول شئ نسأل عنه هنا هـو: عند سماع ألقاب الروح القدس.. من لا يسمو روحياً ومن لا يرتقـى إيمانـه إلى الطبيعة الإلهية؟!فالروح يدعى ” روح الله ” (مت 12: 28)،” وروح الحق الذى من عند الاب ينبثق ” (يو 15: 26)، ” والروح المستقيم ” (مز 51: 10)، ” وروح الرياسة ” (مز 12:51).أما إسمه الخاص ولقبه المعروف فهو الروح القدس، وهـو إسم لا يدل بالمرة على أنه محسوس بل روح محض بسيط.وعندما أراد ان يعلم أن يعلم المرأة السامرية التـى اعتقـدت بـأن الله محصور فى مكان ينبغى عبادته فيه، قال أن الله منزه عـن الجسـد ولا يمكن حصره فى مكان ” الله روح ” (يو 24:4).ولذلك إذا سمعنا كلمة ” الروح ” فمن الخطأ أن نكون صـورة عـن طبيعة محدودة خاضعة للتغيير والظروف أو تشبه المخلوق، بل تحتـم علينا كلمة ” روح ” أن نسمو إلى ما هو أعلى.. إلى طبيعة عاقلة وغـير محدودة القوة والعظمة لا تقاس بالزمان أو العصور بل محسن يعطـى من خيراته، وكل الذين يحتاجون إلى التقديس يلتفتون إليه ويسعى إليـه كل الذين يعيشون فى الفضيلة، والكل كما لو كان يشرب من إلهامـه وبه يتقدم نحو غايـة خلقه.هو يكمل كل شئ ولا ينقص شيئاً حتى لا يحتاج إلى تجديد حيـاة فهو ينبوع الحياة، لا ينمو ولا يضاف إليه بل هو دائما ملآن، كـائن فى كل مكان، ينبوع التقديس ونور لا يدركه إلا العقل يعطى من لدنـه الإستنارة لكل قوة عقلية تطلب الحق.الروح القدس بطبيعته غير مدرك ولكن يمكن الإقتراب منه ومعرفتـه بصلاحه، يملأ كل الأشياء بقدرته، ويعطى للمستحقين فقط ولا يعطـى بمكيال بل يوزع قوته على قدر الإيمان (رو6:12)، جوهـره بسـيط وقوته متنوعة، حاضر كله فى كل أحد لأنه حاضر فى كل مكان. مـوزع على الكل دون أن يعانى التقسيم. يشترك فيه الكل دون أن يفنى، مثل أشعة الشمس تسقط على كل من يريد أن يتمتع بها كما لو كـانت أشـعة الشمس لكل فرد على حدة لكنها تضئ الأرض والبحر وتمتزج بالـهواء، هكذا الروح القدس بالنسبة لمن يأخذه يكون كمن أعطى له وحده إلا أنـه يرسل نعمته التى تكفى الكل والتى تملأ الإنسانيـة، والذين ينالونه يتمتعـون به على قدر ما تحتمل طبيعتهم وليس على قدر قوة الروح القدس. وقال أيضاً: كما أن الروح القدس ليس له الولادة بحالة ما.. وهكـذا الإبن ليس له إنبثاق. وكما أن الإبن ليس هو من الروح القدس، هكذا الروح ليس من الإبن. وكما أن الإبن مولود من الآب وحده، هكذا الروح القدس منبثق من الآب وحده رابعاً: القديس يوحنا ذهبى الفم: يقول البعض أنه ما أعطاهم الروح لكنه جعلهم مسـتعدين لقبـول الروح بنفخته، فلا يخطئ من يقول أنهم أخذوا حينئذ سلطاناً روحيـاً ونعمة، ولكن ليس ليقيموا أمواتاً ويعملوا قوات بل لكـى يفحصوا عـن الخطايا لأن مواهب الروح القدس مختلفة، ولذلك استثنى بقولـه: ” من غفرتم لهم خطاياه غفرت لهم “.. موضحاً أى نوع فعل أعطاهم.فهناك من بعد أربعين يوماً أخذوا أنواع مواهب. وهذا صار لتعليـم أن موهبة الآب والإبن والروح القدس واحدة وسـلطانهم واحد، لأن المواهب التى تظن بها أنها مختصة بالآب لاتلبث أن تسـتبين أنـها مختصة بالإبن والروح القدس أيضاً. وقال أيضا : إن الروح القدس من الآب منبثق، والروح الذى أعطاه المسيح للرسل عندما نفخ فيهم، والذى حل عليهم يوم العنصـرة، لـم يكن جوهر الروح ولا أقنومه بل قوته. خامساً القديس كيرلس الأورشليمى: 1- يوجد روح قدس واحد وحيد، المعزى. وكما يوجـد الله الآب واحد وليس آب آخر، وكما أن هناك إبن واحد وحيد كلمـة الله الذى ليس له أخ، هكذا يوجد روح قدس واحد وليس هناك ثـان مساو له فى الكرامة. 2- الروح القدس قوة غاية القدرة ( أقنوم )، إلهى لا يستقصى.. فهو حـى عاقل مقدس كل ما خلقه الله خلال الإبن. 3- إنه يدعى المعزى لأنه يعزينا ويشجعنا ويعين ضعفنـا ” إذ لسنا نعلم ما نصلى لأجله كما ينبغى لكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها ” (رو 8: 36). 4- الآب معطى كل النعم خلال الإبن بالروح القدس، مواهب الآب ليست إلا مواهب الإبن ومواهب الروح القدس.لأنه يوجد خلاص واحد.. قوة واحدة.. ايمان واحد.إله واحد الآب، ورب واحد إبنه الوحيد، وروح قدس واحد المعزى. وعن أسماء الروح القدس… قال القديس كيرلس الاورشليم: + الروح : لأنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة” (1كو 8:12). + المعزى : “لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى” (يو 7:16). + روح الحق : “فيعطيكم معزياً أخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق” (يو 17: 16، 17). + روح الله : لأن الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله” (رو 14:8). + روح الرب : كقول بطرس: ” ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب” (أع 5: 9). + روح المسيح : ” وأما أنتم فلستم فى الجسد بل فى الروح إن كان روح الله ساكنا فيكم. ولكن إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له” (رو 8: 9). + روح إبن الله : كما هو مكتـوب: “بما أنكم أبناء أرسل الله روح إبنه” (غل 6:4). + روح يسوع المسيح: “بطلبتكم ومؤازرة روح يسوع المسيح” (فى 1 :19). + روح القداسة: كما هو مكتوب: “حسب روح القداسة” (رو1: 4). + روح التبني : كما قال بولس: “إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضا للخوف بل أخدتم روح التبنى الذى بـه نصرخ يـا أبا الأب” (رو 8: 5 1). + روح الموعد: كما قال بولس: “الذى فيه أيضا إذ أمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس” (أف 1 :13). + روح الاعلان : كما هـو مكتـوب: “كى يعطيكم روح الحكمة والإعلان فى معرفته” (أف1 :17). + روح النعمه : كما قال بولس: “من حسب دم العهد الذى قدس به دنسا وازدرى بروح النعمة” (عب 10: 29). ختام للقديس كيرلس الأورشليمى: (ياليت إله الكل ذاته الذى تكلم بالروح القـدس خـلال الأنبيـاء والذى أرسل على رسله فى يوم البنطقستى فى هـذا المكـان، هـو نفسه يرسل عليكم فى هذا الوقت، وبواسطته يحفظنا نحن أيضاً لكـى نتمتع بالبركات السمائية ويكون فينا ثمار الـروح القـدس: محبـة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، إيمان، وداعة، تعفف.. فـى المسـيح يسوع ربنا الذى له وبه ومع الروح القدس المجد للآب الآن وإلـى الأبد وإلى أبد الأبد آمين).
المزيد
01 يونيو 2020

رحلة العائلة المقدسة الي مصر

بشائر وومضات الرحلة المقدسة في عام 1 قبل الميلاد، ظهر جبرائيل ملاك الرب لعذراء مخطوبة اسمها مريم، ليبشرها بميلاد ابن اسمه يسوع أو عيسى. وبالطبع أدرك الملاك أن خطيبها يوسف النجار سوف تنتابه الشكوك من هذه المسألة؛ فظهر له هو الآخر وطمأنه. وكان من الواضح انشغال السماء بهذا الميلاد، فمع هذين الاثنين ظهرت رؤية لثلاثة ملوك من بلاد فارس وأنبأتهم بالخبر؛ كما ظهر ملاك لأحد أحبار اليهود وبشره بميلاد ابن له يدعي يوحنا المعمدان (النبي يحيي)، وأنبأه بأن تلك ستكون علامة لميلاد يسوع. وكانت التوراة مليئة بنبوءات قديمة تتحدث عن تفاصيل هذا الميلاد، ومكانه، وعما سيهديه الملوك لهذا المولود، وعن رحلته لأرض مصر وكذلك عن جنون الملك الذي سيؤدي إلى هذه الرحلة. وفي العام صفر، صدرت أوامر من أوغسطس قيصر بأنه على اليهود التوجه إلى الدائرة التابع لها لكي يتمكن من عمل تعداد للسكان. فاصطحب يوسف النجار خطيبته إلي بيت لحم (حيث تنبأت الكتب القديمة أن الملك سيولد هناك)، ونظراً لأن الفنادق كانت كاملة العدد؛ اضطرا للبيات في مذود بقر، والتي تعد إشارة لتواضع الملك القادم.في طريقهم، مر ملوك الشرق بهيرودس ملك اليهود وسألوه عن مكان ميلاد الملك الطفل؛ فرحب بهم وقدم لهم الطعام والضيافة وقام بواجب الضيافة علي أكمل وجه. ولكن اضطرب قلبه خوفاً على عرشه من ذلك المولود الطفل، فجمع كل رؤساء الكهنة وسألهم:" أين يولد ملك اليهود؟" فقالوا له طبقاً للنبوءات القديمة، سيولد الملك الطفل في بيت لحم. فأوصي ملوك الشرق بأن يعودوا له بعد أن يجدوا المولود لكي يذهب هو أيضاً ويسجد له مُقدماً واجب الضيافة. ذهب الملوك لحظيرة البقر وسجدوا مع رعاة الغنم وقدموا هداياهم ذهباً" رمزاً لملكه" وألباناً" رمزاً" لآلامه على الأرض" ليظهر لهم النجم ويرحل بهم بعيداً عن هيرودس ملك اليهود.جن جنون هير ودس -الذي يعد واحداً من أكثر الملوك شراً في التاريخ- خوفاً من أن يشب هذا الرضيع ليأخذ ملكه، فأصدر أوامره بذبح كل طفل يبلغ من العمر أقل من عامين؛ ولكن كان الملاك قد ظهر ليوسف النجار في الحلم وأخبره بأن يأخذ الطفل ومريم إلى مصر، قائلا : خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر، وكان هناك إلى وفاة هيرودس ، بهذه الكلمات تحدث الإنجيل عن رحلة السيد المسيح والسيدة مريم العذراء إلى مصر، التي سطرت صفحة جديدة في تاريخها واستغرقت زيارة العائلة المقدسة في مصر 3 سنوات، وقد رصد البابا "ثاؤفيلس" البطريرك رقم 23 في كرسي الكرازة المرقسية بمصر في الفترة ما بين 385-412م وفقا لمخطوطة " الميمر" (وهى كلمة سيريانية تعني السيرة)، أهم المحطات الرئيسية في رحلة العائلة المقدسة، بداية من "الفرما" والتي كانت تعرف بـ"البيليزيوم"، وهي المدينة الواقعة بين مدينتي العريش وبور سعيد حاليا، حتى جبل قسقام بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، حيث رجعا مرة أخرى إلى فلسطين بعد وفاة الملك هيرودس.وفي أكثر تفصيل يحدثنا أشعياء النبي في سفره الإنجيلي عن هذه الرحلة المقدسة فيقول : "هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر ، فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها وهذا ما حدث فعندما كان السيد المسيح يدخل أي مدينة في مصر ، كانت الأوثان تسقط في المعابد وتنكسر، فيخاف الناس من هذا الحدث غير المألوف ويرتعبون" .وكان دخول السيد المسيح أرض مصر بركة كبيرة لأرضها وشعبها ، فبسببها قال الرب "مبارك شعبي مصر" ( أش 19 : 25 ) ، وبسببها تمت نبوءة أشعياء القائلة : " .. يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر فهو مذبح كنيسة السيدة العذراء مريم الأثرية بدير المحرق العامر ، حيث مكثت العائلة المقدسة في هذا المكان أكثر من ستة شهور كاملة ، وسطح المذبح هو الحجر الذي كان ينام عليه المخلص الطفل .ويقع دير المحرق في منتصف أرض مصر تماماً من جميع الاتجاهات ، كما كثرت في أرض مصر على امتدادها الكنائس ، خصوصاً في الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة وباركتها. مسار الرحلة سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق ( الفلوسيات ) غرب العريش بـ ٣٧ كم ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهه الفرما ( بلوزيوم ) الواقعة بنين مدينتى العريش وبور سعيد.ودخلت العائلة المقدسة مدينه تل بسطا ( بسطة ) بالقرب من مدينه الزقازيق بمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى ١٠٠ كم من الشمال الشرقى وفيها انبع السيد المسيح عين ماء وكانت المدينة مليئة بالاوثان وعند دخول العائلة المقدسة المدينه سقطت الأوثان على الأرض فأساء اهلها معاملة العائلة المقدسة فتركت العائلة المقدسة تلك المدينة وتوجهت نحو الجنوب.تم غادرت العائلة مدينه تل بسطا ( بسطه ) متجهه نحو الجنوب حتى وصلت بلدة مسطرد - المحمة وتبعد عن مدينه القاهرة بحوالى ١٠ كم تقريباً.وكلمة المحمة معناها مكان الاستحمام وسميت كذلك لان العذراء مريم أحمت هناك السيد المسيح وغسلت ملابسة وفى عودة العائلة المقدسة مرت ايضاً على مسطرد وانبع السيد المسيح له المجد نبع ماء لا يزال موجوداً الى اليوم.ومن مسطرد انتقلت شمالاً الى بلبيس ( فيلبس ) مركز بلبيس التابع لمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة حوالى ٥٥ كم تقريباً.واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة عرفت باسم شجرة العذراء مريم ومرت العائلة المقدسة على بلبيس ايضاً فى رجوعه.ومن بلبيس رحلت العائلة شمالاً بغرب الى بلدة منية سمنود - منية جناح مــن منيـة سمنود عبـرت العــائلة المقـدسـة نهـر النيــل الـى مـدينة سمنـود ( جمنوتى - ذبة نثر ) داخـل الدلتا واستقبلهم شعبها استقبـالاً حسناً فباركهـم السيد المسيح لـه المجـد ويوجد بها ماجور كبير من حجر الجرانيت يقال ان السيدة العذراء عجنت به اثناء وجودها ويوجد ايضا بئر ماء باركه السيد بنفسه ومن مدينة سمنود رحلت العـائلة المقدسة شمالاً بغــرب الـى منطقة البرلس حتى وصلت مدينة ( سخا - خـاست - بيخـا ايسوس ) حالياً فــى محافظة كفــر الشيخ.وقد ظهر قدم السيد المسيح على حجر ومنه اخذت المدينه اسمها بالقبطية وقد اخفى هذا الحجر زمناً طويلاً خوفاً من سرقته فى بعض العصور واكتشف هذا الحجر ثانيه من حوالى ١٣ عاما فقط.واذا كانت العائلة المقدسة قد سلكت الطريق الطبيعى اثناء سيرها من ناحية سمنود الى مدينة سخا فلا بد انها تكون قد مرت على كثير من البلاد التابعة لمحافظة الغربية وكفر الشيخ ويقول البعض انها عبرت فى طريقها فى برارى بلقاس.ومن مدينة سخا عبرت نهر النيل (فرع رشيد ) الى غرب الدلتا وتحركت جنوباً الى وادى النطرون ( الاسقيط ) وقد بارك السيد المسيح وامه العذراء هذا المكان.ومن وادى النطرون ارتحلت جنوباً ناحية مدينة القاهرة وعبرت نهر النيل الى الناحية الشرقية متجهه ناحية المطرية وعين شمس. ومنطقة المطرية وهى بالقرب من عين شمس ( هليوبوليس - اون ) وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى ١٠ كم وفى هذا الزمان كانت عين شمس يسكنها عدد كبير من اليهود وكان لهم معبد يسمى بمعبد اونياس. وفى المطرية استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة تعرف الى اليوم بشجرة مريم . وانبع الرب يسوع عين ماء وشرب منه وباركه ثم غسلت فيه السيدة العذراء ملابس الطفل يسوع وصبت الماء على الارض فنبت فى تلك البقعة نبات عطرى ذو رائحة جميلة هو المعروف بنبات البلسم او البلسان يضيفونه الى انواع العطور والاطياب التى يصنع منها الميرون المقدس.ومن منطقة المطرية وعين شمس سارت العائلة المقدسة متجهه ناحية مصر القديمة وارتاحت العائلة المقدسة لفترة بالزيتون وهى فى طريقها لمصر القديمة.ومرت وهى فى طريقها من الزيتون الى مصر القديمة على المنطقة الكائن بها حالياً كنيسة السيدة العذراء الاثرية بحارة زويلة وكذلك على العزباوية بكلوت بك.ووصلت العائلة المقدسة الى مصر القديمة وتعتبر منطقة مصر القديمة من اهم المناطق والمحطات التى حلت بها العائلة المقدسة فى رحلتها الى ارض مصر ويوجد بها العديد من الكنائس والاديرة. وقد تباركت هذه المنطقة بوجود العائلة المقدسة ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها الا اياماً قلائل نظراً لتحطم الاوثان فأثار ذلك سخط والى الفسطاط فأراد قتل الصبى يسوع. وكنيسه القديس سرجيوس ( ابو سرجه ) بها الكهف ( المغارة ) التى لجأت اليه العائلة المقدسة وتعتبر من اهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة.وارتحلت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة متجهه ناحية الجنوب حيث وصلت الى منطقة المعادى احد ضواحى منف - عاصمة مصر القديمة.وقد اقلعت فى مركب شراعى بالنيل متجهة نحو الجنوب بلاد الصعيد من البقعة المقام عليها الان كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية لان منها عبرت (عدت) العائلة المقدسة الى النيل فى رحلتها الى الصعيد ومنها جاء اسم المعادى وما زال السلم الحجرى الذى نزلت عليه العائلة المقدسة الى ضفة النيل موجوداً وله مزار يفتح من فناء الكنيسة.ومن الاحداث العجيبة التى حدثت عند هذه الكنيسة انه فى يوم الجمعة الموافق ١٢ مارس ١٩٧٦ م وجد الكتاب المقدس مفتوحاً على سفر اشعياء النبى الاصحاح (١٩- ٢٥) مبارك شعبى مصر طافياً على سطح الماء فى المنطقة المواجهه للكنيسة من مياة النيل.وبعد ذلك وصلت العائلة المقدسة قرية دير الجرنوس(ارجانوس) على مسافة ١٠ كم غرب اشنين النصارى - مركز مغاغة.وبجوار الحائط الغربى لكنيسة السيدة العذراء يوجد بئرعميق يقول التقليد ان العائلة المقدسة شربت منه.مرت العائلة المقدسة على بقعة تسمى اباى ايسوس ( بيت يسوع ) شرقى البهسنا ومكانه الان قرية صندفا ( بنى مزار ) وقرية البهنسا الحالية تقع على مسافة ١٧ كم غرب بنى مزار.ورخلت العائلة من بلدة البهنسا ناحية الجنوب حتى بلدة سمالوط ومنهاعبرت النيل ناحية الشرق حيث يقع الآن دير السيدة العذراء بجبل الطير ( اكورس ) شرق سمالوط ويقع هذا الدير جنوب معدية بنى خالد بحوالى ٢ كم حيث استقرت العائلة بالمغارة الموجودة بالكنيسة الاثرية. ويعرف بجبل الطير لان الوفاً من طير البوقيرس تجتمع فيه. ويسمى ايضاً بجبل الكف حيث يذكر التقليد القبطى ان العائلة المقدسة وهى بجوار الجبل - كادت صخرة كبيرة من الجبل ان تسقط عليهم فمد الرب يسوع يده ومنع الصخرة من السقوط فامتنعت وانطبعت كفه على الصخر.وفى الطريق مرت على شجرة لبخ عالية ( شجرة غار ) على مسافة ٢ كم جنوب جبل الطير بجوار الطريق المجاور للنيل ، والجبل الواصل من جبل الطير الى نزلة عبيد الى كوبرى المنيا الجديد ويقال ان هذه الشجرة سجدت للسيد المسيح له المجد وتجد ان جميع فروعها هابطة بإتجاه الارض ثم صاعدة ثانيه بالاوراق الخضراء ويطلق عليها شجرة العابد.وتغادر العائلة المقدسة من منطقة جبل الطير وعبرت النيل من الناحية الشرقية الى الناحية الغربية واتجهت نحو الاشمونيين ( اشمون الثانية ) وحدثت فى هذه البلدة كثير من العجائب وسقطت اوثانها وباركت العائلة المقدسة الأشمونيين.وارتحلت العائلة المقدسة من الاشمونيين واتجهت جنوباً حوالى ٢٠ كم ناحية ديروط الشريف فيليس ثم تغادر من ديروط الشريف الى قرية قسقام ( قوست قوصيا ) حيث سقط الصنم معبودهم وتحطم فطردهم اهلها خارج المدينة واصبحت هذه المدينه خراباً.وتهرب العائلة المقدسة من قرية قسقام واتجهت نحو بلدة مير ميره تقع على بعد ٧ كم غرب القوصية وقد اكرم اهل مير العائلة المقدسة اثناء وجودها بالبلدة وباركهم الرب يسوع والسيدة العذراء.ومن مير ارتحلت الى جبل قسقام حيث يوجد الان دير المحرق ومنطقة الدير المحرق هذه من اهم المحطات التى استقرت فيها العائلة المقدسة حتى سمى المكان بيت لحم الثانى. يقع هذا الدير فى سفح الجبل الغربى المعروف بجبل قسقام نسبة الى المدينة التى خربت ويبعد نحو ١٢ كم غرب بلدة القوصية التابعه لمحافظة اسيوط على بعد ٣٢٧ كم جنوبى القاهرة. مكثت العائلة المقدسة نحو حوالى سته اشهر وعشرة ايام فى المغارة التى اصبحت فيما بعد هيكلاً لكنيسة السيدة العذراء الأثرية فى الجهه الغربية من الدير ومذبح هذه الكنيسة حجر كبير كان يجلس عليه السيد المسيح. وفى هذا الدير ظهر ملاك الرب ليوسف فى حلم قائلا قم وخذ الصبى وأمه وإذهب أرض اسرائيل لانه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى.وفى طريق العودة سلكوا طريقا أخر إنحرف بهم الى الجنوب قليلا حتى جبل اسيوط المعروف بجبل درنكة وباركته العائلة المقدسة حيث بنى دير باسم السيدة العذراء يقع على مسافة ٨ كم جنوب غرب اسيوط. ثم وصلوا الى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها الى سيناء ثم فلسطين حيث سكن القديس يوسف والعائلة المقدسة فى قرية الناصرة بالجليل.وهكذا انتهت رحلة المعاناة التى استمرت اكثر من ثلاث سنوات ذهابا وايابا قطعوا فيها مسافة اكثر من الفى كيلو متر ووسيلة مواصلاتهم الوحيدة ركوبة ضعيفة الى جوار السفن احيانا فى النيل وبذلك قطعوا معظم الطريق مشيا على الاقدام محتملين تعب المشى وحر الصيف وبرد الشتاء والجوع والعطش والمطاردة فى كل مكان فكانت رحلة شاقة بكل معنى الكملة تحملها السيد المسيح وهو طفل مع أمه العذراء والقديس يوسف بفرح لأجلنا. دلالات وبراهين عُرفت مصر منذ فجر التاريخ بأنها واحة الأمن والأمان وموطن الحضارات ومهد الأديان. وخير مثال علي ذلك احتضانها لكثير من أنبياء العهد القديم؛ ومن بينهم إبراهيم، ويعقوب، والنبي موسي _الذي تهذب بحكمة المصريين_، ويوسف الصديق _الذي جاء إلى مصر أيام فرعون حتى أصبح وزيراً_؛ بل نجد أكبر مثالاً على أن مصر خطاها الأنبياء والقديسون هو رحلة العائلة المقدسة، وقد سارت العائلة المقدسة في البلاد من أقصاها إلى أقصاها لتباركها، ولكي تحطم الوثنية بأصنامها وتغرس غرساً روحياً مباركاً يدوم مع الزمن.احتمت العائلة المقدسة في حضن مصر وباركت أرضها. فقد نشرت جامعة كولون بألمانيا لأول مرة بردية أثرية ترجع إلى القرن الرابع الميلادي تتحدث عن فترة وجود السيد المسيح والعائلة المقدسة في مصر؛ مؤكدة أن طفولة السيد المسيح استمرت ثلاث سنوات وأحد عشر شهراً. وقد كُتبت البردية باللهجة القبطية الفيومية، وتؤكد أحد المصادر المهمة أن البردية تؤكد أن البركة قد حلت بمصر وأن شهر بشنس هو أكثر شهور السنة بركة؛ لذا نجد الكنيسة القبطية تحتفل في اليوم الرابع والعشرين منه_ والذي يوافق 1 يونيو_ من كل عام بذكري دخول العائلة المقدسة إلى مصر. إن رحلة العائلة المقدسة لمصر تحمل الكثير من المعاني والقيم التي يجب أن يتحلى بها الجميع، أهمها أن مصر بلد للسلام والاطمئنان، وأن رحلة المسيح فيها ملأت ربوعها بالبركة؛ فكل الأديان السماوية أكدت أن مصر هي واحة الأمان. كما تتمثل العظة الكبيرة من هذه الرحلة في الاقتداء بهؤلاء العظماء في طريقة عيشهم البسيطة وتعاملهم بالمودة مع الناس؛ فمصر هي أرض التعايش والضيافة، أرض اللقاء والتاريخ والحضارة والسلام، وهي الأرض المباركة عبر العصور بدم الأبرار والشهداء الثمين؛ فهي التي عاش فوقها القديس يوسف، والعذراء مريم والطفل يسوع والكثير من الأنبياء.ويُقال أيضاً أنه ارتجفت الأوثان آنذاك في عهد الرومان من هيبة يسوع، وتزلزلت الأرض تحت أقدامها ومالت بثقلها الحجري فتحطمت وتكسرت أمام رجلي الصبي القادم على مصر. وقد روي المؤرخون هذه الحادثة أيام حكم الرومان فقالوا:" إن الأصنام كانت تتكسر لدي ظهوره أمامها والبراري أفقرت من شياطينها، وذاب قلوب كهنة الأصنام خوفاً وهلعاً فهرعوا إلى حكام مصر لينصروهم على القادم الصغير ولكنه لم يكن سلطان الظلمة له سيطرة عليه."وفي أثناء هروب العائلة المقدسة من بلدة إلى أخري، كان يؤمن بعض المصريين بيسوع ولكنه كان يجد الكره والعداوة من بعضهم الآخر ومن كهنة الأوثان وخدامها لفقدهم أرزاقهم؛ فحلت على الأولين بركته وحلت على الآخرين هيبته. وكما تحطم تمثال داجون أمام تابوت العهد المقدس سقطت التماثيل عند مجيء يسوع، فلم تقو على مواجهة حضوره. تحمل هذه الرحلة في طياتها دلالات ومعان حضارية، وتاريخية وثقافية؛ بل تحمل أيضاً مفاهيم إنسانية راقية؛ وتتمثل المعاني التاريخية أنها تحمل تراثاً إنسانياً عظيماً ملكاً لكل إنسانية، وروعته أن هذا الحدث التاريخي والتراثي في مصر _التي تمثل قلب العالم_. وقد تمثل المعني الديني والروحي في البعد الكتابي، حيث وردت نصوص عنها في العهد الجديد، ووردت نبوءات عنها في العهد القديم. كما أن هناك بعداً وحقيقة أثرية، فما زالت هناك أثاراً تؤكد مجيء العائلة المقدسة لأرض مصر منها أديرة، وكنائس أثرية، وهياكل، ومذابح أثرية، ومغائر دينية، وصخور، وأحجار، وآبار وأشجار. وهذه الأثار تمتد على طول البلاد الواقعة على مسار الرحلة ويضاف لذلك الأيقونات الأثرية، والمخطوطات والقطع الفنية، والأديرة والكنائس الأثرية القديمة.وهناك أيضاً بعداً حضارياً يمثل جزءاً من الهوية المصرية وتلامساً مع البعد التاريخي، فرحلة العائلة المقدسة في أرض مصر هي من المكونات الأساسية للحضارة المصرية القبطية بل زادت أهمية أرض مصر بين العالم لأنها أرض الطيبة التي قدمت الحماية واحتضنت العائلة المقدسة منذ وقت مبكر من التاريخ، بل بني في معظم مسار العائلة المقدسة الأديرة والكنائس التي عمرت مصر بالإيمان بالله، كما حملت قيماً إنسانية رائعة تتمثل في المحبة، والسلام والتعايش علي أرض مصر.
المزيد
31 مايو 2020

الأحد السادس من الخماسين

كتابات القديس اغسطينوس فى هذا الإنجيل، يقول ربنا يسوع المسـيح: ” قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فى سلام. فى العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم “. الرب يسوع المسيح يحدثنا من خلال هذه الآية عن: 1- السلام. 2- الضيق. 3- غلبة العالم ( النصرة- الغلبة ). دعنا نبحث عما قاله الآباء عن هذه الموضوعات.1-السلام: قال القديس يوحنا ذهبى الفم: لقد دعى السيد المسيح ” رئيس السلام ” (أش 6:9) ، وإنجيله هـو ” إنجيل السلام ” (أف 6: 15) وملكوته ” بر وفرح وسلام فى الروح ” (رو 17:14). وأما ثمن هذا السلام فهو دمه الثمين المبذول على الصليب. وقال أيضا: نعم قد صار هذا هو عمل الإبـن الوحيـد، أن يوحـد المنقسمين ويصالح الغرباء. ويرى القديس أغسطينوس أن صنع السلام ليـس عمـلا خارجيـا يمارسه الإنسان وإنما هو طبيعة ينعم بها أولاد الله فى داخلهم، خـلال السلام الداخلى الذى يحل بين الروح والجسد بـالروح القـدس فـى المسيح يسوع فيظهر ملكوت الله داخلنا.. لذلك قال: ( يكـون كمـال السلام حيث لا توجد مقاومة، فأبناء الله صانعوا سلام لأنهم ينبغـى أن يتشبهوا بأبيهم. أنهم صانعوا سلام فى داخلهم إذ يسيطرون على حركات أرواحهم ويخضعونها للصواب أى للعقل والروح، ويقمعـون شهواتهم الجسدية تماما، وهكذا يظهر ملكـوت الله فيـهم فيكـون الإنسان هكذا.. كل ما هو سام وجليل فى الإنسان يسيطر بلا مقاومة على العناصر الأخرى الجسدانية ). وقال أيضا: ( ليكن السلام حبيبا لك وصديقا، واجعل قلبك مضجعـا نقياً له. ولتكن لك معه راحة مطمئنة بدون مرارة، وعنـاق عـذب، وصداقة لا تنفصم عراها ). وقال القديس جيروم: (المسيح ربنا هو السلام.. لنحفظ السلام فيحفظنـا السـلام فـى المسيح يسوع). وقال ايضا: السلام هو قوة المسـيحيين ” سلام الله الذى يفوق كل عقل ” (فى 7:4)، ” وطوبى لصانعى السلام ” (مـت 5: 9)، لا بإعادة السلام بين المتخاصمين فحسب وإنما للذين يقيمون سلاماً فى داخلـهم. فإنه إن لم يوجد سلام فى قلبى مـاذا يفيدنـى أن يكـون الآخريـن فى سلام. أما القديس كبريانوس فله تأمل فى عبارة السيد المسـيح: ” سلاما أترك لكم. سلامى أعطيكم ” (يو 27:14).. إذ يقول: لقد أعطانا هذا ميراثاً، فقد وعدنا بكل العطايا والمكافآت التى تحدث عنها خلال حفظ السلام. إن كنا ورثة مع المسيح فلنسكن فى سلامه. إن كنا أبناء الله، يلزمنا أن نكون صانعى سلام، إذ يليق بأبناء الله أن يكونوا صانعى سلام، ذوى قلب شفوق، بسطاء فى الكلام، متحدين فى المحبـة، مـترابطين معاً إرتباطاً وثيقاً بربط المودة الأخوية. وقال ايضاً: يليق بإبن السلام أن يطلب السلام ويتبعه. الذى يعـرف رباطات الحب ويحبها يلزمه أن يمنع لسانه عن شر الخصام. وقال القديس اغريغوريوس اسقف نزينزا : (لنكرم عطية السلام التى تركها لنا المسيح عند رحيله. فالسلام علـى وجه الخصوص يخص الله الذى يوحد كل الأشياء معا فى واحد). 2-الضيق: “فى العالم سيكون لكم ضيق”… قال القديس اغسطينوس: +الذى يرفض أن يتحمل الضيق لا ينجيـه عـدم صـبره مـن الضيقات التى تحل به. + لا يوجد علاج مؤثر لشفاء الأوجاع مثل الصديق الصادق الـذى يسليك فـى ضيقاتك. + إن الضيقات التى تتحملها فى حياتك ها هنا هى بمثابـة عصـا تأديب من الله + فى الضيق لايجد المرء مجالا ليسمع.. إسمع فى وقت الرخاء. + ضيق الزمان يعلمك وتجارب الحياة الحاضرة تصقل مـا فيـك من شوق. + الضيقات وإن كثرت سبيل إلى الكمال وليست سببا للهلاك. + الرب يمتحن الإنسان بالضيقات لكـى يعرفه حقيقة نفسه فيلومها. + النار تمتحن إناء الفاخورى، والتجربة تمتحن الأبرار. + إذا كان الأصدقاء يفسدونك بكثرة مدائحـهم فالأعداء يصلحـون عيوبك بما يوجـهونه لك من اتهامات. + كيف تعرف أن الله لا يريد لـك الشـفاء والتـأديب لا يـزال مفيدا لك. + لا العنقود يصير خمراً ولا حبة الزيتون تصير زيتاً ما لم يمـر فوقهما حجر المعصرة. + إن الشهداء وسط آلامهم وعذاباتهم كـانوا يطلبـون خلاص مضطهديهم. + لا ترجع النفس إلى الله إلا إذا أنتزعت من العالم، ولا ينزعـها بحق إلا التعب والألم. القديس يوحنا ذهبى الفم والضيقات: عندما عانى القديس يوحنا ذهبى الفـم الآلام والإضطـهادات مـن الإمبراطورة أفدوكسيا، كتب من سجنه إلى الأسقف قرياقص قـائلاً: عندما استبعدت من المدينة لم أقلـق بـل قلـت لنفسـى: إن كـانت الإمبراطورة ترغب أن تنفينى فلتفعل ذلك، فإنه ” للرب الارض وملئها “. وإن أرادت إغراقى فى المحيط. أفكر فى يونان. وإن ألقيت فى النار.. أجد الثلاثة فتية قد تحملوا ذلك فى الأتون. وإن وضعت أمام وحوش ضارية.. أذكر دانيال فـى جب الأسود. وإن أرادت رجمى.. فإن استفانوس أول الشهداء أمامى. وإن طلبت رأسى.. فلتفعل.. فإن المعمدان يشرق أمامى. عريانا خرجت من بطن أمى وعريانا أترك العالم، وبولس يذكرنى: ” إن كنت بعد أرضى الناس فلست عبدا للمسيح “. العلامة أوريجانوس والضيقات: كتب العلامة أوريجانوس إلى القديسين أمبروسيوس وبرينكتيـوس، وهما تحت المحاكمة فى ظل الإضطهاد الـذى أثـاره مكسـيميانوس تراكس، قائلاً لهما: “فى أثناء محاكمتكما القائمة الآن بـالفعل أود أن تتذكرا دائمأ تلك المجازاة العظيمة التى يعدها الآب فى السـماء مـن أجل المظلومين والمزدرى بهم بسبب البر ومن أجل إبن الإنسان. إفرحا وابتهجا كما فرح الرسـل وابتـهجوا ” لأنهم حسبوا أهلا أن يهانوا من أجل إسم المسيح ” (أع 5: 41)، وإذا شعرتما بالحزن فاستغيثا بروح المسيح الذى فينا لكـى يرد روح الحـزن ويـنزع القلـق مـن قلبيكما. ” لماذا أنت حزينة يا نفسى ولماذا تزعجيننى. ترجى الـرب لأنى أقدم له التسبيح ” (مز 42: 5). إذن فلا تجزع أرواحنا، بل حتى أمام كراسى القضاء وفى مواجـهـة السيوف التى شحذت لتقطع رقابنا تظل أرواحنا محفوظة فـى سلام الله الذى يفوق كل عقل.. نستطيع أن نشعر بالطمأنينة والـهدوء عندمـا نتذكر أن الذين يفارقون الجسد يعيشون مع إله الكل (2 كو 8:5). عن الضيقات، قال الأب اسحق: الله لا يريد النفس المتشامخة التى فى تهور لا تحتاط فى التجربـة أو الضيقات، إنما يريد النفس المتضعة فيكون نصرتها بالله أكثر مجـدا وهزيمة الشيطان أكثر تأكيداً. + أيوب جرب لكنه لم يدخل فى تجربة، إذ لم ينطق ضد الله بـأى تجديف ولا استسلم لفم الشرير كرغبة الشرير نفسه. + إبراهيم جرب ويوسف جرب لكن لم يدخل أحدهما فى تجربـة لأنهما لم يستسلما ليرضيا المجرب. وقال الأنبا بولا اول السواح : من يهرب من الضيقة يهرب من الله. 3-الغلبة والنصرة: ” ثقوا أنا قد غلبت العالم “… قال القديس اغسطينوس: + انتصر على ذاتك فينهزم العالم أمامك. + ليت الرب ينصركم، ليس من الخارج على عدوكم وإنمـا مـن الداخل على انفسكم. + لا ترهب العدو الذى يأتى من الخارج فإنك إن غلبـت نفسـك ستصير غالباً للعالم. + فكيف تنتصر على عدو غضبان إذا لم تتمكن مـن الإنتصـار عليه متى لاطفك. وقال أيضاً: مع كل حركة حب وجهاد فى الرب يرفعنى بتعزياتـه الإلهية كما إلى جبل قدسه ليعلن لى بهاء مجده الداخلى، فـأعود مـن جديد لأدخل فى معركة جديدة روحية ” لا ضد لحم ودم بل ضد أجناد الشر الروحية فى السموات ” (أف 6: 12). لذلك قال داود النبى: ” الذى يعلم يدى القتال فتحنى ساعدى قوسا من نحاس. ومنحتنى نصرة خلاصك. ويمينك عضدتنى ” (مز 18: 34، 35). وقال أيضاً: يعلمنى الله أن أكون ماهراً فى القتال ضـد الشـياطين الذين يهدفون إلى إقامة حاجز يحجبنى عن ملكوت السموات. القديس كيرلس الاورشليمى والغلبه والنصرة: فى تأمل له عن قيامة المسيح قال: إفرحى يا أورشـليم.. إصنعـوا عيدا عظيما يا جميع محبى المسيح، لأنه قام. إفرحوا يا من نحتم من قبل حين رأيتم جسارة اليهود وشرهم، لأنـه قد قام. فليفرح السامعون بأخبار القيامة المبهجة.. ليتحول الحزن إلى فـرح والنوح إلى سرور وليمتلئ فمنا فرحا وتهليلا به، إذ قال بعـد قيامتـه ” إفرحوا ” (مت 9:28). الآن قد قام الميت الذى كـان ” حرا بين الأموات ” وهـو مخلـص الأموات، ذاك الذى أهين محتملا بصبر إكليل الشوك.. لقد قام متوجـاً بإكليل النصرة على الموت. فى مقالة عنوانها ” آدم الثانى واهب النصرة “.. قال القديس سـرابيون: إن كان بولس الرسول قد أوضح بكلماته أن ربنا يسوع المسـيح ” قد جرب فى كل شىء مثلنا ” إلا أنه قيل عنه أنه ” بلاخطية ” (عب 4: 15). إى لم تنتقل إليه عدوى الشهوات لأنه لا يعرف إغراءات الشـهوات الجسدية التى بها نضطرب ضد إرادتنا وبغير معرفتنا. وقد وصف رئيس الملائكة غبريال حالة الحبل بـه قـائلاً: ” الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى إبن الله ” (لو 1: 35). وكان يلزم بحق لربنا أن يجرب بنفس التجارب التى جرب بها أدم حيـن كان فى صورة الله قبل إفسادها، والتى هى: النهم، الإفتخار، الطمع، الكبريـاء.. والتى تشبكت وأفرخت بعدها تعدى الوصية وإفساد صورة الله وشبهه. لقد أعطانا الرب بمثاله كيف نستطيع أن ننتصر كما إنتصـر هـو حين جرب. لقد لقب كلاهما بــ ” أدم ” ” أحدهما كان الأول فى الخراب والمـوت وأما الثانى فكان الأول فى القيامة والحياة. بالأول صارت البشرية كلها تحت الدينونة وبالثانى تحررت البشرية.
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل