المقالات
27 أبريل 2025
أحد توما
المسيح قام حقاً قام
ثمانية أيام مضت على خبر القيامة بتوكيدات وشهادات من ملائكة و شهود عيان كثيرين المجدلية والنسوة وتلميذا عمواس والأحد عشر وبالرغم من ذلك بقى توما وحده مصمماً على عدم قبول القيامة إلا بشروطه الخاصة وعلى العموم نحن نجد أن هناك تدرجاً في الإيمان بالقيامة:
الدرجة الأولى: يوحنا يؤمن بدون أن يرى يكفيه رؤية الأكفان الموضوعة في القبر الفارغ.
الدرجة الثانية: مريم المجدلية تؤمن بالقيامة دون أن تتحقق من شخصية الرب، ولكن بمجرد تذكر صوته.
الدرجة الثالثة: التلاميذ الأحد عشر آمنوا عندما رأوا وجسوا لحمه وعظامه وجروحه.
الدرجة الرابعة: توما، بعد أن استوفى لنفسه شرط الإيمان بوضع أصبعه في الجروح.
ثم أخيراً الدرجة فوق الأولى : وهي التي أعطى لها الرب الطوبى، وهي إيمان الذين صدقوا القيامة بالخبر وحسب.
الإنجيل لم يذكر لنا حادثة توما هذه المخجلة لكي يحط من قدر توما؛ بل لكي يوضح صعوبة الإيمان بالقيامة. فأصبح الإيمان بها يحفه القبول من اليمين بالمديح، كما يحفه الشك من الشمال بالتوبيخ. أما الطوبى، أي السعادة، فهي نصيب الذين يؤمنون ولا يطلبون شهادة العيان، لأن الحق يضيء قلوبهم.إذاً، فرواية توما لا تخص توما، بل هي حدثت لتكون ركناً ركيناً في استعلان شخص المخلص، كجزء حي في درجات سلم استعلان قيامة المسيح، كطوق نجاة للذين ستعصف بهم شكوك مثل شكوك توما!
وق. يوحنا يقدم لنا رواية توما على التوازي مع رواية تلميذي عمواس التي قدمها القديس لوقا. وكل من الروايتين حظت بظهور الرب وكل منهما حظي بالتوبيخ المناسب.
"قد رأينا الرب"
نفس ما قالته المجدلية: «قد رأيت الرب».لم تقع هذه البشارة المفرحة عند توما موقع التصديق، وذلك عن قصد من النعمة، ليكون أباً ومرشداً لكل الذين صاروا بعقولهم قوامين على قلوبهم، ومدوا أيديهم وأصابعهم عوض البصيرة ليتحسسوا بها طريق الحق. لقد صار توما في تاريخ الإيمان إمام الشكاكين. ويا ليت كل من يشك، ينطق بالنهاية بما نطق به توما لقد وقف توما على قمة الشكاكين مصمماً على حتمية أن تكون القيامة بنفس الجسد الذي تمزق على الصليب، وأن يكون على مستوى المس اليد ووضع الأصبع في نفس الجرح النافذ وفي نفس الجنب المطعون. ولكن لأن القيامة التي قامها الرب هي قيامة حقيقية بالجسد الميت فعلاً؛ لذلك لم يمانع الرب أبداً من تحقيق شرط تو ما وظهر له خصيصاً ليكمل له إيمانه هذا. فصار إيمان توما واعترافه المفاجئ: «ربي وإلهي» البرهان الأخير إزاء كل شكوك بأن المسيح قام حقاً، وبأنه قام بجسده الذي تمزق على الصليب هو هو فقال لهم "إن لم أبصر في يديه أثر المسامير، وأضع إصبعي في أثر المسامير، وأضع يدي في جنبه لا أومن".جروح الصليب مميتة، فكيف تصبح علامة حياة؟ إنه تعجيز! ولكنها هي حقاً معجزة توما يطلب المستحيل بالعيان واللمس، يطلب اقتران الموت بالحياة والحياة بالموت، فكان له ما شاء! إنها حقاً القيامة!
توما أراد أن يمسك بنار اللاهوت، فمسك ولم يحترق. توما أراد أن يُمثل بيده طعنة الحربة إن أهوال الصليب ضيعت من عقل توما كل معقولية الحياة من بعد الموت، لقد أصابت المسامير فكر توما بأكثر مما أصابت به يد الفادي الفادي قام ويداه في ملء الحركة والحياة، وفكر توما تسمر بالموت وبقى بلا حراك الجنب المفتوح بالحربة صار كهوة في إيمان توما، تفصل الميت عن الحياة، مع أن الدم والماء النازفين منه، كفيلان بأن يُحييا كل الأموات.
«لا أومن».
لقد جازف توما بكل إيمانه، لقد وضع إيمانه بالمسيح قائماً من الموت في كفة، ورؤية عينيه ولمس يده لآثار المسامير وطعنة الحربة في الكفة المقابلة! لقد ظن توما أن الإيمان بالقيامة رهن نظر العين ولمس اليد ولكن المسيح نفسه عندما ظهر للتلاميذ المجتمعين «أراهم يديه وجنبه»، فتوما وإن كان يُطالب بحقه الرسولي، كتلميذ له، في الرب المقام؛ إلا أن ما كان ينقص توما حقاً والذي وبخه المسيح على فقدانه، فهو الإيمان "ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام" "فجاء يسوع والأبواب مغلقة، ووقف في الوسط"
كان هناك نوع من الترقب لمجيء يسوع. فمن أسبوع كان التلاميذ قد حازوا على عطية الروح القدس الكفيل أن يشعرهم "بالأمور الآتية" وخاصة فيما للرب ومجيئه. جاء يسوع ووقف في "الوسط"، صحيح أنـــه جاء خصيصاً لتوما، ولكن حينما ظهر كان ظهوره للجميع والجميع له. ليس كبير أو صغير بينهم، فالكل فيه كبير، والكل فيه كريم ومكرم.
"وقال سلام لكم".
ليست هي مجرد تحية، ولكنها وديعة يستودعها الرب لكنيسته «سلامي أعطيكم»، فالرب لا يُقرى السلام، بل يعطيه، بل يسكبه ويبته فينا بثاً، ليسري في القلوب والأفكار والأرواح، ليبقى ويدوم ويترسخ داخل النفس، تلتجئ إليه يوم العاصف فتجده، وتستغيث به في الضيقة فتتسربل به.
"ثم قال لتوما: هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدي، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً".
عجيب أن الرب يعيد نفس الكلمات التي نطق بها توما وهو يتحدث مع زملائه، فكأن الرب كان واقفاً يستمع إلى شروط توما المغلظة، لم يعاتبه ولا حتى أخذه، بل بلطف يفوق كل لطف، أخضع جسده الذي ترتعب منه الأجناد السماوية لرؤية عين توما واللمس أصابعه عرى جروحه، وجعل جنبه المفتوح في متناول يده. وهكذا احتفظ الرب بعلامات الموت ليجعلها برهان الحياة، وجعل آثار الذلة والانسحاق لتكون هي هي أسباب المجد.ولكن ترى ماذا كان وقع كلمات الرب على توما، حينما ردد الرب المقام على مسامعه كل الكلام والشروط التي قالها للتلاميذ؟! أعتقد أنها فوق أنها أخجلته، فقد جعلته في غير حاجة لأن يمد يده أو إصبعه. ولكن حين مدها وحينما لمس إطاعة للأمر الذي صدر له، كان قد بلغ الإيمان في قلبه حد الصراخ والشهادة خبرة العين الروحية ابتلعت خبرة عين الجسد، ولمسة الروح في القلب طغت على لمسة اليد.
«لا تكن غير مؤمن، بل مؤمناً»
لم يكن توما غير مؤمن، وإلا لو كان هو فعلاً هكذا؛ أي غير مؤمن، لما ظهر له الرب على الإطلاق. ولكن لما استبد به الشك، كونه استثني من رؤية الرب، كان يطلب حقه في الرؤية العينية، إمعاناً في الوثوق الذي يطلبه. بمعنى أن توما كان في طريقه إلى الإيمان في حالة حصوله على ما احتاجه إيمانه: «أومن يا سيدي، فأعن عدم إيماني» الرب تنازل إلى مستوى شروط توما، ليقطع على كل توما، وعلى كل من يذهب مذهبه الطريق إلى عدم الإيمان.
"أجاب توما، وقال: ربي وإلهي"
هذه هي قمة الاستعلانات، بل هي قمة إنجيل يوحنا. والذي يزيد من قيمة هذا الاستعلان الذي استلهمه توما من رؤية الرب المقام، أنه جاء بعد أسبوع كامل من عذاب الشك وليل الظنون فهو، إن كان قد تأخر عن التلاميذ ثمانية أيام في التعرف على القيامة وتصديقها؛ إلا أنه سجل للكنيسة أول اعتراف علني بألوهية المسيح، خرج منه بتلقائية تعبر عن الحق الذي رآه كاعتراف إيمان بلغ الذروة، ليس في كل الأناجيل ما يُضاهيه إن ظهور الرب بحال قيامته كان كفيلاً بأن يُغيّر لا فكر توما بل روحه وحياته. إن ظهور الرب قوة، فالقيامة هي المجال الإلهي الفائق، الذي إذا دخله الإنسان يفقد رؤيته لنفسه والعالم، وكأنها أقنعة، يخلعها ليرى الحقيقة الدائمة، ولا يعود يرى نفسه إلا في الله : "ربي والهي" إنه يرى نفسه فيه ويراه هو في نفسه، وكأنه يُردد بلسان عروس النشيد: «أنا لحبيبي وحبيبي لي» لقد صار له المسيح وصار هو للمسيح فاستعلن له المسيح في ذاته رباً وإلهاً لقد تعرف على الله في المسيح، وتعرف على المسيح في الله. وأخيراً، أدرك توما أن المسيح ليس للمس اليد أو نظر العين !! فهو الملء الذي يملأ الروح والبصيرة والقلب، الذي لا تسعفه عين ولا يحيطه فكر قال له يسوع" لأنك رأيتني يا توما آمنت طوبى للذين آمنوا ولم يروا" لقد أمن المسيح على اعتراف وإيمان توما "ربي وإلهي"، ووافقه على إعلانه بلاهوته. فلو لم يكن المسيح إلهاً بالحقيقة ما كان قد ارتضى بهذا الإعلان. لقد رأى توما المسيح كما يريد المسيح أن يُرى.وهنا ظهرت رنة التوبيخ والعتاب في صوت المسيح لتوما، لأنه ما كان لائقاً بتلميذ عاشر الرب وسمع منه أنباء القيامة العتيدة، بل ورأى قوتها عياناً عند قبر لعازر، ثم بعد ذلك لا يؤمن، ولا يصدق من رأى وآمن ولكن شكراً لك أيها القديس توما، لأن بشكك ورثتنا الطوبى، بل أحسن الطوبى: «.. الذي وإن لم تروه تحبونه ذلك، وإن كنتم لا ترونه الآن، لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد» .
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
18 أبريل 2025
الساعة الثالثة من يوم الجمعة الكبيرة + مت ٢٧: ١٥ - ٢٦ + مر ٦:١٥- ٢٥ + لو ٢٣ : ١٣ - ٢٥ + يو ١٩: ١- ١٢
وَكَانَ الْوَالِي مُعْتَادًا فِي العِيدِ أنْ يُطلِقَ لِلجَمْعِ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ أَرَادُوهُ وَكَانَ لَهُمْ حِينَئِذٍ أَسِيرٌ مَشْهُورٌ يُسَمَّى بَارَابَاسِ. " فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بيلاطس: «مَنْ تُرِيدُونَ أنْ أَطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ ؟» لأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. " وَإِذْ كَانَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ الولايَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قائلة: «إِيَّاكَ وَذَلِكَ الْبَار لأني تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيرًا فِي حُلم مِنْ أَجْلِهِ». وَلَكِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالشَّيُوحَ حَرَّضُوا الجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلَبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ.فأَجَابَ الْوَالِي وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ مِنْ الاثنين تُريدُونَ أَنْ أُطلِقَ لَكُمْ؟» فقالوا: «بَاراباس!». " قالَ لَهُمْ بيلاطس: «فَمَادًا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ ؟» قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: «لِيُصْلب!» فقالَ الْوَالِي: «وَأَيُّ شَرِّ عَمِلَ؟» فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخا قَائِلِينَ: «لِيُصْلِبْ!» فلما رأى بيلاطس أنَّهُ لَا يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَعْبٌ، أَخذ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قَدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَم هذا الْبَارِ أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!». فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَقَالُوا: دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلادِنَا». حِينَئِذٍ أَطلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلِبَ.
أما يسوع فجلدوه وأسلموه ليصلب
طوبى للحزائي لأنهم يتعزّون، طوبى للمصلوبين لأنهم يتجلون، طوبى للمنسحقين لأنهم يملكون، طوبى للجياع لأنهم يشبعون، حيث تُنسى هناك كل أوجاعهم وتمسح دموعهم وينمو موضعها نور يشير إلى الأهوال التي اجتازوها وإلى سر المجد المتحصل منها، ويشرح عظم صبر الإنسان وقوة مراحم الله، حيث تبدو النسبة بين مقدار الألم ومقدار المجد المتحصل منه نسبة هائلة وغير معقولة، فيكتشف الإنسان أن الآلام كانت فخاً مقدساً نصبه الله ليصطاده إلى مجده. فاحتمال الألم أقوى من العبادة ويقول أحد القديسين أنه رأى في رؤيا جماعة الشهداء في مجد يفوق مجد الملائكة الذين كانوا معهم، ورأى حول أعناق الذين ماتوا منهم ذبحاً بالسيف زهوراً حمراء كعقد موضع الذبح تضئ وتتلألأ أشدّ لمعاناً من كل نور آخر ظهر في الرؤيا!
إن سرّ الصليب بالنسبة للمسيح هو سر مجده فالألم الساحق الذي عاناه الرب تحت وطأة التمزيق النفسي بسبب الظلم أثناء المحاكمة، وخيانة التلاميذ وتسليم يهوذا، وإحساسه أن حياته ثمنوها بثلاثين من الفضة ... هذه كلها كانت معبراً من عالم التفاهة المتناهية إلى مجد الآب. وعلى هذا المعبر عينه يلزم أن تمر أقدام الإنسان في كل زمان ومكان الصليب بآلامه الرهيبة لا يُمكن أن يساوى المجد الذي تحصل منه. الصليب لم يصادف الرب في طريق حياته، ولكنه ولد له "لهذه الساعة أنا أتيت" الإنسان يُولد للألم، والألم مولود للإنسان. ولكن في نفس الوقت، الصليب لم يكن إلزاماً حتمياً على الرب، كما نشعر من كلامه، وكما نتأكد من جهة قداسته ولاهوته، ولكن هو نفسه جعله إلزاماً حتمياً على نفسه الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟ لكي يشاركنا في حتمية الألم، فبدا الله في شخص المسيح ابنه أنه يتألم اضطراراً، حتى يجعل اضطرار الألم مساوياً لاختياره، حتى لا يُحرم أي إنسان في الوجود من رحمة الله، ويمتد الصليب ليشمل كل من تألم ظلماً إن الألم عشرة كبرى لعقل الإنسان، فالعقل لا يُجيز الألم كواسطة لأي خير، وما جهاد الإنسان في ميادين العلوم المختلفة ليس إلا محاولة لتجنب الألم والتعب لذلك فحتمية الألم لدى العقل أمر عسير وشاق جداً، بل ومحال قبولها، لأن الرضى بالألم هو بعينه إلغاء العقل وكل نشاطه فلو أدركنا أن الصليب هو أعظم مظاهر تحرك الله على الصعيد العياني المنظور الذي فيه تجلى الله للإنسان أكثر من تجليه على جبل تابور، حيث الصليب هو الألم في صورته التعسفية الظالمة؛ حينئذ علينا أن نحس أن الصليب هو الدابة التي ركبها الله القدير وانحدر عليها من مكان سكناه هناك من موطن احتجابه الأزلي، وجاء إلينا وصافحنا يداً بيد الصليب هو قوة ديناميكية الله الفائقة التي أحدرت الله إلينا واستعلنته واضحاً. الألم هو بصورته المادية جمود والحصار وتوقف، ولكن بجوهره الروحي تحرك وأي تحرك !
الإنسان يظل متوقفاً روحياً، وعاطلاً عن المسير، راجعاً مع المسيح إلى الله إلى أن يحمل صليبه الإنسان يستحيل أن يتحرك نحو الله عقلياً، فالعقل مهما بلغ بالتأمل، إنما يكتشف الله وحسب، ويكتشف نوره وحبه ويسعد ويرتد؛ ولكن التحرك الحقيقي کائن بالمسيح، فهو ابن الله الآتي إلينا على الصليب، وعلى الصليب نتبعه إلى الآب.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
17 أبريل 2025
الساعة الثالثة من يوم الخميس مت ١٧:٢٦ - ١٩
وفي أول أيام الفطير تقدَّمَ التَّلَامِيدُ إلى يَسُوعَ قَائِلِينَ لَهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أنْ نَعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الفِصْحَ؟» فقالَ: «اذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، إلى فلان وَقُولُوا لَهُ : الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إِنَّ وَقتِي قريب. عِنْدَكَ أَصْنَعُ الْفِصْحَ مَعَ تلاميذي». " فَفَعَلَ التَّلَامِيدُ كَمَا أَمَرَهُمْ يَسُوعُ وَأَعَدُّوا الْفِصْحَ.
جسد ودم وروح وحياة
المسيح هنا يرفع الأكل من الجسد المقدس والشرب من الدم المقدس من حالة الاختيار الحر والإرادة الحرة، إلى التزام، يُحسَب التخلي عنه موتاً أبدياً وحرماناً أبدياً من المسيح، وبالتالي حرماناً أبدياً من الحياة الأبدية لأن أكل الجسد وشرب الدم، مع الإيمان الصادق بالمسيح، هو بمثابة كل ما عمله المسيح لخلاصنا بالفداء الذي أكمله على الصليب، والقيامة المجيدة. فالذي يأكل جسد المسيح ويشرب دمه الأقدسين، يكون صدق وشهد وآمن بكل ما عمله المسيح للخلاص المجاني. فأكل الجسد وشرب الدم مصادقة إيمانية خالصة وكاملة ولها كل ما عمله المسيح في نفسه لأجلنا إنها بمثابة إعلان ونطق إيماني باتخاذ المسيح رباً وإلهاً. لذلك تدخل الشركة المقدسة في جسد المسيح ودمه، جزءًا لا يتجزأ من إعلان الإيمان بالمسيح والشهادة له فهي عملية إيمانية ذات أثر روحي يلازم المتناول من الجسد والدم يهبه شركة واقعية في المسيح ليس في جميع الأسرار التي تصادفنا في حياة المسيح وأقواله ومعجزاته ما يعادل هذا السر الرهيب، سر الخلود الذي أبقى المسيح إعلانه حتى آخر ساعة من حياته ففي الليلة التي كان مزمعاً أن يسلّم فيها نفسه للموت من أجل حياة العالم، جلس مع تلاميذه ومهد للسر بإعلان حبه لخاصته الذين في العالم، حبا وصفه الإنجيل أنه حتى المنتهى والمسيح لم يكن مغالياً حينما قال: " أنا هو خبز الحياة . إذ في العشاء الفصحي الأخير، لما أخذ الخبز على يديه ونظر إلى فوق، بثه روح الحياة الأبدية التي فيه. فحمل الخبز ذات الحياة الأبدية التي في جسده فصار الخبز الطبيعي معادلاً لجسده الإلهي الحي، أي خبزاً للحياة. وتمادى المسيح في إجراء السر على السر، إذ كسر الخبز من واقع ما سيتم على الصليب. وهكذا بث الخبز الحي موته المحيي أي حمله قوة الفداء والغفران بآن واحد. وهكذا أصبح كل مَنْ يأكل من هذا الخبز يعبر -كما عَبَرَ المسيح - بالجسد من الموت إلى الحياة، أي صارت في هذا الخبز الحي قوة القيامة من الأموات وهكذا حمل المسيح الخبز كسر الجسد، كما حمل الكأس سفك الدم وغفران الخطايا: «وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا». وهنا بقوله " شكر" وهو رافع عينيه إلى فوق يكون قد استودع الدم روح الحياة الأبدية التي فيه وهكذا حمل المسيح الخبز والكأس، سر كسر الجسد وسفك الدم على الصليب، ومغفرة الخطايا. ومن مضمون مغفرة الخطايا تستعلن الحياة الأبدية. وإذ عبرهم الموت بأكلهم الجسد المكسور وشربهم الدم المسفوك للفدية، فنالوا مغفرة الخطايا وقاموا معه الحياة أبدية، يكون قد سلمهم سر الخلود" الذي سماه القديس إغناطيوس ترياق عدم الموت". وبقول أوضح، ولكن أكثر سرية، يكون قد سلمهم ذاته ووجوده: جسد ودم، وروح وحياة !!
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
16 أبريل 2025
الساعة الثالثة من يوم الأربعاء لو ١:٢٢ - ٦
وَقَرُبَ عِيدُ القطير، الَّذِي يُقالُ لَهُ الفِصْحُ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَة يَطْلُبُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوا الشَّعْبَ. فَدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا الَّذِي يُدْعَى الإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الاثني عَشَرَ فَمَضَى وَتَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقَوَّادِ الْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ إِلَيْهِمْ فَفَرِحُوا وَعَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّة. فَوَاعَدَهُمْ. وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةٌ لِيُسَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلُوا مِنْ جَمْعِ.
الصليب شهوة المسيح العظمى
لقد بلغت شهوة الفداء في قلب يسوعنا الحبيب ذروتها في هذا الأسبوع، فرأى الصليب وكأنه يوم عرسه. لقد كان حب أبيه يُحرِّك قلبه ولسانه ويقود قدميه إلى الجلجثة. لقد ذهب خلسة من وراء تلاميذه وعاين رابية الجلجثة دون أن يراه أحد، فسر بها جداً واستحسن المكان وكأنه الفردوس الجديد وكتب اسمه هناك على الجمجمة للتذكار:
"أنا يسوع حضرت وعاينت المكان، إنه أشهى بقعة وجدتها على الأرض العتيقة الأزرع فيها حبي! لقد صعدت إلى المرتفع فرأيتُ مشورة قلب أبي من وراء الأرض والزمان فوجدتها تماماً حسب قلبي".
إن ذبيحة نفسي صارت موضوع سروري أمامي من هنا سأعلن للعالم كله عن أعظم هدية حملتها من عند أبي لبني الإنسان: آلامي التي هي سر الصعود إلى المجد. نعم سأجعل صليبي في متناول كل إنسان، حتى إذا انفتحت عيناه على سر آلامي ورأى وعاين وصدق وشاركني في ذبيحة حبي ولو بألم يسير يدخل إلى مجدي عيد صليبي؛ عيد جسدي المكسور، ليعاين سرى وسرَّ أبي؛ سر الحب الذي يجمع المتفرقين إلى واحد لقد غرست أمجادي في آلامي وأخفيتها فيها جداً بكل حكمة وفطنة، حتى لا يستطيع أحد أن يفرق أبداً بينهما، فلا يأخذ الواحدة ويترك الأخرى! لقد صممت أن أهب آلامي لكل إنسان حتى لا يُحرم أحد قط من مجدي؛ كل مَنْ ذاق ألماً باسمي !
المجد الذي أعطيه هو صليبي عاري مع خزيى، مري مع خلى، جسدي مع دمى. وآلامي الظاهرة مخفى فيها مجدي الذي لا ينطق بها كل من يتشجع ويذوقه يتحول تحت لسانه إلى بذرة حية، بذرة تسبيح وتمجيد لا يهدأ ، لا يسكنها خوف ولا ألم ولا وجع ولا موت، تظل تعطي المجد الله أي مع السبح والكرامة والسجود لأبد الآبدين أنا يسوع، أعطيت آلامي لتكون لحن الخليقة الجديدة، سأضع هذه البذرة في كل لسان يتحدث باسمي ويشهد لآلامي يا يسوع، لقد أحببت صليبك جداً، وكلنا تحبّك، تحبك كثيراً يا يسوع من أجل صليبك. لقد أسرتنا جلجثتك جداً، وسنذهب جميعاً وسنمضى كلنا كل واحد باسمه تحت إمضائك. لقد عشقنا صليبك بشهوة وأحببنا موتك، فكلاهما قد صار لنا ينبوعاً من الدموع أحلى وأشهى لنا من كل أمجاد الدنيا. سوف نحيا في الجلجثة، سنصنع فيها خيمتنا، سننتظرك هناك حتى تأتي حسب الوعد لقد بكيت بلا وعى، بكيتُ حتَّى لم تعد في داخلي قوة على البكاء.أسكت لا تبك كثيراً، هكذا سمعت صوتاً من داخل أعماقي. هوذا المسيح قادم من وراء القبر الفارغ، هو سيمسح دموعك. ولكنني ظللت أبكى وجريت نحوه. هل رأيتي يا ربي وأنت على الصليب؟ لقد كنتُ أنظر آلامك فتسيح الدموع من عيني بلا كيل، كنت أستمد دموعي من محبتك وليس من يأسى؛ ليس من يأسي أبداً يا رب أنا أحب صليبك يا رب، لأني أرى كل آلامي منقوشة عليه ومعها اسمي - الذي تعرفه أنت يا رب، الذي قد غيرته لي حين وجدتني تائهاً في دروب العالم -محفوراً على الخشبة ومطبوعاً على يدك الدم رسمه رسماً على كفك كختم. فكيف إذا لا يُمكنني أن أحب صليبك يا رب؟ إنه صليبي ويحمل اسمي.
آه يا ويحي من وجهك الشاحب الذي لمحته حين أنزلوك من على الخشبة! عندما سكنت خفاقات آلامك لما توقف قلبك. لقد خَفَقَ الحزن داخلي وسَرَتْ فِي خصة ربطتني بموتك إلى الأبد. فأقسمت بحبك ألا أحب أي وجه غير وجهك. وأحسست أن خفقات آلامي داخلي تشدني إليك وقد تحولت إلى خفقات الحياة آه! لقد تحول موتك إلى حياتي يا ربي أنا أحب موتك جداً، أحسه في داخلي حياة، وعبيقه أشهى من رائحة لبنان.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
15 أبريل 2025
الساعة الثالثة من يوم الثلاثاء مت ۲۳ : ۳۷ - الخ، ١:٢٤، ٢
( يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَة الأَنْبِيَاءِ وَرَاجمَة الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أنْ أجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحتَ جَنَاحَيْهَا ، وَلَمْ تُريدُوا ! هُوَذا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لا تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!. ثمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَل، فتَقدَّمَ تَلاَمِيدُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةُ الْهَيْكَل. فقالَ لَهُمْ يَسُوعُ أمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هَذِهِ؟ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَا يُتْرَكُ ههنا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لَا يُنْقِضُ !).
يا أورشليم يا أورشليم
حينما كرر المسيح القول: «يا أورشليم يا أورشليم» وأردف مباشرة بتصوير الدجاجة وهي تجمع أفراخها تحت جناحيها، يكون المسيح قد كشف عن مكامن أعماق الحب الإلهي بالنسبة لشعبه وحينما ناداها بخطيتها وبسفك دم الأنبياء ورجم المرسلين يكون قد كشف عن خطية الشعب وحينما سجل عليها عدد المرات التي طلب فيها أن يجمع أولادها فرفضت سجل عليها دينونتها العاجلة وحينما أفصح عن ذهابه وغيابه ثم عودته المباركة باسم الرب يكون قد أعطى الوعد بالمجيء الثاني حينما يكرر المسيح اسم أورشليم يذكرنا في الحال بـ «مرثا مرثا» و «شاول شاول» ويهوه في القديم إبراهيم إبراهيم بهذه النغمة الحبية التي تعبر عن القرب والانتماء لله، وبآن واحد تحمل هنا رئة حزن أسيف على فرصة انقضت كانت تتيح لأورشليم أعظم الفرص للمجد لتكون أم الدنيا وباباً أبدياً للملكوت. ولكن لم تكن تلك المرة الأولى بل الأخيرة، لأن يهوه في القديم أحبها وتودد إليها، ولكنها كانت دائماً أبداً تخون الأمانة والمودة، وكان تعبير المسيح لها بقاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين سيرة ممتدة حملتها أورشليم على مدى التاريخ، وقد اختصت دون كافة المدائن بالنصيب الأوفر في سفك دماء الأنبياء حتى قالها المسيح: «لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم، هذه شهادة دموية وضعها المسيح على جبين التاريخ لأورشليم والمسيح بقوله: «كم مرة أردت أن أجمع أولادك» فهو إنما يتكلم أيضاً بفم یهوه: « بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد» (إش ٦٥: ٢ ، رو ١٠: ٢١).والمسيح في هذا القول يحكي عن خبرته هو ، لأن قوله: كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها يعني تماماً أنه كان جادا في حمايتها من أعدائها ومن الرومان أيضاً، بأن يبث فيها روح السلام والوداعة والمحبة لتصبح هي مسئولة عن سلامة روما والعالم كله. فهي إن كانت وقعت فريسة الأسد الروماني الذي عراها من مجدها وخربها وتركها خاوية تنعي تاريخ مجدها، فلأنها قدمت لروما أسوأ صورة لأمة تعاهدت مع الشيطان للقتل والمقاومة بشراسة فبعد أن قتلت رئيس السلام ماذا يتبقى لها إلا الحديد والنار. رفضت السلام بيد الله فشربت كأس النقمة حتى النهاية ثلاث سنوات وأكثر وهو يتودد لها ليسقيها كأس المصالحة مع الله ويرفع رأسها وسط الشعوب لتصبح مدينة السلام بالحق كاسمها، ولكنها عوض أن تقبل من يده خلاصاً؛ سفكت دمه على الأرض ظلماً وهواناً.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
14 أبريل 2025
الساعة الثالثة من يوم الاثنين مر ۱۱ : ۱۱ - ١٩
فَدَخَلَ يَسُوعُ أَورُشَلِيمَ وَالْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذ كَانَ الوَقتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ الاثني عَشَرَ وَفِي الْعَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْهَا جَاءَ، فنظر شَجَرَة تين مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فلمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا إِلَّا وَرَقا، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقتَ التّين ، فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «لا يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَرًا بَعْدُ إلى الأبد!». وَكَانَ تَلَامِيدُهُ يَسْمَعُون. وَجَاءُوا إِلى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الهَيْكَل ابتدأ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفةِ وَكَرَاسِي بَاعَةِ الْحَمَامِ. " وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَجْتَارُ الهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا: بَيْتِي بَيْتَ صَلَاةٍ يُدْعَى لِجَمِيع الأمم؟ وَأنتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغارة لصوص». وَسَمِعَ الْكَتَبَة وَرُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ فطلبوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ من تعليمه. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ، خَرَجَ إلى خارج المَدِينَةِ.
لعن شجرة التين
قصة في ظاهرها يبدو المسيح بشراً عادياً يجوع في ميعاد الأكل. ولكن في باطنها كالعادة مستور سر حياته وخدمته ورسالته كلها. فبعد هذه المدة كلها في الكرازة والخدمة اشتهى أن يأكل من ثمر التينة التي هي دائماً رمز لإسرائيل، فما وجد ثمراً يؤكل بل ورقا أخضر كناية عن مظاهر وأعمال بلا فائدة فقال لها لا يأكل من ثمرك أحد إلى الأبد، فكان. ثم عاد حينما جلس معهم فكشف عن سر التينة أن في آخر الأيام تزهر وتثمر من جديد كأنه جاء أوان إثمارها بعد اللعن: «فمن شجرة التين تعلموا المثل، متى صار غصنها رخصاً وأخرجت أوراقها تعلمون أن الصيف (وقت الحصاد) قريب. هكذا أنتم أيضاً متى رأيتم هذا كله فاعلموا أنه قريب على الأبواب».
في الحقيقة إن موضوع شجرة التين يحتل جزءاً هاماً في هذه الأيام الأخيرة، وخاصة بعد أن بكى المسيح أورشليم ورثاها وتنبأ بخرابها .
كل معجزات المسيح السابقة كانت بدافع المحبة وذات ثمر للمحبة واضح. فلماذا - إذن - هذه المعجزة وكأنها تأديبية لخليقة لا تحس ولا تشعر ؟ وبلا ذنب اقترف. فهي بهذا تختلف كثيراً جداً عن باقي أعمال المسيح الأخرى، لأنه لم يأت ليهدم بل ليكمل ويشفي ويحيي!
ولكن واضح أن في هذا العمل كله نوعاً من الرمزية عنيفاً ومستتراً. ولهذا العمل علاقة جدّ شديدة وخطيرة بالموقف القائم بعد خدمة المسيح الطويلة وقد بلغت النهاية فعلاً، ببكائه على أورشليم وتنبئه بخرابها . أليس في هذا العمل تعبير عن مظهر الأمة اليهودية التي تبدو كشجرة التين الخضراء الجميلة من الخارج، وهي من الداخل عفنة شبه ميتة غير مثمرة البتة ! عَمِلَ فيها صاحب الكرم المستحيل لثلاث تعطيل لأرض السلام وتزييف لأشجار الله وإحباط لعمل المسيح الذي عمل ؟ لقد عُرفت شجرة التين بين الأشجار الطيبة أنها تكني عن الأمة اليهودية، وهذه الأمة اليهودية رفعت يدها على بعلها وجابلها تتوهم أن بقتله تستقل عن خالقها، فحكمت على نفسها بالهلاك لتخرج من دائرة ملكه قبل أن يُنصب هو ملكاً على الصليب.وهكذا كان لابد، وقبل أن تمد يدها بخلع «غصن يسى من أرض ميراثه، أن تتقبل اللعنة إلى الأبد. وما صنع المسيح بأكثر مما صنعت الأمة اليهودية في نفسها، فهي بواقعها الداخلي الذي تعفن وذبل واستقال من مجرى حياة مصيرها الموضوع تركت إلهها مصدر الوجود والحياة، فحكمت على نفسها - قبل أن تحكم على المسيح - بالفناء الوشيك. فالمسيح بلعن شجرة التين لم يزد عن مجرد إعلان وفاة قبل الحدث. ولم يشرح المسيح لتلاميذه معنى موت التينة، لأنه شرحه لما بكى على أورشليم. لقد رثاها بدموعه قبل أن يأمر بجفافها. وهناك هناك في بداية خدمته رأى هذه التينة عينها وتكلم عن قطعها: «كان لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه - ولم يكن هذا الواحد إلا الواحد الوحيد -- فأتى يطلب فيها ثمراً ولم يجد. فقال للكرام: هوذا ثلاث سنين آتي أطلب ثمراً في هذه التينة ولم أجد اقطعها. لماذا تبطل الأرض أيضاً؟». فبناءً على توسل الكرام أبقاها سنة أخرى، فلما جاء ميعاد التين ولم يجسد فيها ثمراً قطعها! «يا سيد اتركها هذه السنة أيضاً، حتى ألقب حولها وأضع زبلاً. فإن صنعت ثمراً، وإلا ففيما بعد تقطعها»! وهكذا لم يصنع المسيح إلا ما صنعه الكرام، ففك لغز المثل.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
11 أبريل 2025
جمعة ختام الصوم (لو ۱۳ : ۳۱- الخ)
في ذلِكَ الْيَوْمِ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ لَهُ: اخْرُجْ وَاذْهَبْ مِنْ هَهُنَا لأَنَّ هِيرُودُسَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ. فَقَالَ لَهُمُ امْضُوا وَقُولُوا لِهَذَا الثَّعْلَبِ: هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ، وَأَشْفِي الْيَوْمَ وَغَداً، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَكَمِّلُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ الْيَوْمَ وَغَداً وَمَا يَلِيهِ، لأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجاً عَنْ أُورُشَلِيمَ يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ، يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاحِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكَ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاحَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً ! وَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَنِي حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: مَبَارَكَ الْآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ ].
أردت ولم تريدوا
يشير الرب بهذا القول إلى المرات الكثيرة التي حاول الله فيها أن يجمع شعب إسرائيل إليه بحبه وحنانه بواسطة الأنبياء الذين أرسلهم مبكراً ومؤخراً. ولكن كانت النتيجة دائماً، كما في مثل الكرامين، أنهم رفضوه وأهانوا كل من أرسلهم كذلك فالرب يشير بهذا الكلام إلى تعاليمه وآياته ولطفه وإحسانه الكثير، الذي قصد به أن يجمع قلوبهم بكل إشفاق ومودة، فكانت النتيجة أنهم رفضوه ورذلوه.
«أن أجمع أولادك» :
الرب هنا يتكلم عن سر مشيئته التي من أجلها جاء ليجمع المتفرقين إلى واحد، إلى صدره الحنون وتحت ستر جناحيه وفي ظل منكبيه، ولكن انظروا ماذا فعلوا به عروا صدره الحنون وطعنوه وفردوا ذراعيه الحانيتين وسمروها على الصليب، والأرجل التي كانت تحول تصنع خيراً دقوها بالمسمار على الخشبة!
وهكذا عوض أن يتجمع إلى صدره وستر جناحيه هؤلاء الأولاد الأشقياء بنو إسرائيل، تركوه تركوني أنا الحبيب مثل ميت مرذول»، وذهبوا وراء شهواتهم، وهكذا تركت الفراخ حضن الدجاجة ولم تعبأ بتوسلها وبندائها، فوقعت في مخلب الصقر المتربص وانتهت إسرائيل إلى خراب ولعنة ولكن الدعوة مجددة لك هنا أيها الصديق العزيز، فالجناحان الحانيان مفرودان على الصليب والجنب الحبيب يسيل بدم الشفاء والفداء. المسيحلا يزال ينادي خرافه ويرسل صوته مبكراً كل يوم ليجمعهم تحت ظل جناحيه إلى أن يعبر الشر، وهو لا ينادي فقط؛ بل ويجري وراء الخروف الضال ليبطل جهالته ولكن ليس إلى ما لا نهاية.
«أردت ولم تريدوا»
ربما تقول في نفسك من هو هذا الشخص المجنون الذي لا يريد ما يريده الله ؟؟ ولكن رؤساء الكهنة ومجمع السنهدريم وشيوخ الشعب وحكماء إسرائيل لم يكونوا مجانين بل كانوا متأكدين أنهم حكماء وعلى حق وكل الناموس في صفهم، وأنهم على صواب كل الصواب حينما يحكمون بأن يرفض المسيح بل يُصلب ولكن من أين جاء هذا الالتباس الخطير؟ جاء من حيث أنهم كانوا يعيشون حياتين حياة خارجية ظاهرها التقوى والتدين والتدقيق في أصغر طقوس العبادة، ثم حياة أخرى داخلية منحلة، كلها انتهاز فرص وأطماع وتكالب على الدنيا. وهكذا ضاعت منهم إرادة الحق، ورفضوا، بل استهزأوا بإرادة القدوس، لأن إرادتهم لم تكن في ناموس الله أبداً، ولا هم كانوا في ناموسه يلهجون والآن، هوذا الصوت يأتينا مجدداً اليوم.
المسيح في ختام صومنا يسألنا: هل تريدون ما أريد؟
أنا أريدكم من نصيبي وأن تكونوا دائماً حيث أكون أنا، فهل تريدون؟؟
أريدكم بقلب وديع مثل قلبي، أريدكم تطلبون ملكوتي وبري، فهل تريدون؟؟
أريدكم أن لا تهتموا بهموم الدنيا؛ بل أن تحملوا نيري وأنا أحمل كل همكم؛ فهل تريدون؟؟
أريدكم أن لا تطالبوا بحقكم ولا تنتقموا لظلمكم، وأنا أرد لكم مائة ضعف؛ فهل تريدون؟؟
أريدكم أن تحبوا أعداءكم وتباركوا لاعنيكم وتحسنوا إلى مبغضيكم وتصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، وأنا أجازي، فهل تريدون؟؟
أريدكم أن تحملوا الصليب ولا تجزعوا من الصلب كما حملت أنا صليبي وطلبت عليه، فهل تريدون؟
أنا جزت هذا كله من أجلكم وغلبت العالم لتتشجعوا وتسيروا ورائي، فهل تريدون؟؟
والآن، لكي ننتقل من إنجيل اليوم لكي ندخل أسبوع الآلام، لابد أولاً أن نصفي حسابنا أولاً مع صوته القائل: كم مرة أردت و لم تريدوا؟»، لأنه إذا انتهت إرادتنا إلى هذا التعارض، فلا مناص من الدينونة الرهيبة، وسماع الصوت المحزن: هوذا بيتكم يترك لكم خراباً»! وإذ قد تم بالفعل خراب الهيكل وبقى خراباً إلى يومنا هذا، آية لصدق كلمة المسيح، فلا أقل من أن تشفق على أنفسنا من هذا المصير عينه، لأن هيكله هو نحن.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
08 أبريل 2025
يوم الثلاثاء من الأسبوع السابع (يو ١٢ : ٣٦ - ٤٣)
فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «النُّورُ مَعَكُمْ زَمَاناً قَلِيلاً بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلا يُدْرِكَكُمُ الظَّلامُ. وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظُّلامِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ. مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ آمنوا بالنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّورِ». تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا ثُمَّ مَضَى وَاخْتَفَى عَنْهُمْ. وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتِ هَذَا عَدَدُهَا ، لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الَّذِي قَالَهُ: «يَا رَبُّ، مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا ، وَلِمَنِ اسْتَعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ لِهَذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. لأَنَّ إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضاً: «قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ، وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ، لَتَلا يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ». قَالَ إِشَعْيَاءُ هَذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ. وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَيْضاً، غَيْرَ أَنَّهُمْ لِسَبَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِهِ، لِئَلَّا يَصِيرُوا خَارِجَ الْمَجْمَعِ، لَأَنَّهُمْ أَحَبُّوا مَجْدَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَجْدِ اللَّهِ ] .
إنجيل تصفية الحساب
إنجيل هذا اليوم هو إنجيل تصفية حساب. الله يصفي حسابه مع شعبه الذي رفضه، فرفضه الله لعل يكون في إنجيل اليوم توعية لنا، لأنه إنجيل يحاصر النفس محاصرة لا يمكن أن تفلت منها.
السؤال الذي حير ولا يزال يحير الجميع هو : لماذا لم يؤمنوا بالمسيح؟ المسيحجاءهم خصيصاً، إلى خاصته جاء»، فكيف رفضوه، لماذا رفضوه؟! جاءهم المسيح بحسب المواعيد تماماً، وفق النبوات بالحرف، كل العلامات التي أشارت إليه تمت فيه. ولكن العجب أن الرؤساء اجتمعوا به وهو في الهيكل في عيد التجديد، وقالوا له: إلى متى تعلّق أنفسنا ؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً. فكان رده في منتهى الوضوح قد قلت لكم ولم تؤمنوا. والقديس يوحنا يعطي سبباً عجيباً لعدم إيمانهم، يقول: «لأنه قد أعمى عيونهم، وأغلظ قلوبهم، لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم».
واضح هنا أن الشعب وبالأكثر المعلمين والرؤساء أصبحت لهم عيون عاطلة وآذان صماء، فكان أن الرب أسلمهم إلى ذهن مرفوض، فأكمل عماهم وأكمل صممهم وأغلظ قلوبهم فوق غلظتها. في الحقيقة ، هذا الأمر مهم جداً، وفيه خلاصنا الله وضع في الإنسان روحاً، والروح هي المركز. والمركز الروحي للروح الذي تعمل به له أيضاً عينان وأذنان وقلب، ولكن كلها من طبيعة روحية. وهذا المركز، أي جهاز الفطنة الروحية والوعي الروحي هو جهاز روحي حساس إلى أقصى الحدود، ولكنه مُعرَّض لثلاث ضربات يمكن أن تصيبه:
الضربة الأولى: هي أن الجهاز لا يعمل، أو بمعنى أصح تركناه ليعمل في أمور أخرى كثيرة في العالم، نعم ربما أشياء ليست رديئة أو بطالة، ولكن هذا الجهاز الحساس هو موضوع بالأساس لكي يتحسس به الإنسان صوت الله، يفهم كلام الله وماذا يريد أن يقوله. هنا طالما أن الجهاز لا يعمل فلابد أن يفسد ولا يعود صالحاً للعمل. وفي الحقيقة هذا الكلام ينطبق تماماً على المستوى المادي، فالجهاز الذي يترك فترة ولا يستخدم يخرب من ذاته.
الضربة الثانية هي أن الإنسان يعمل بالخطية. الخطية عنصر سلبي وعنصر فتاك بالنسبة للجهاز الروحي، وهو قادر أن يؤذيه ويُفسده تماماً لدرجة أنه قادر أن يقضي عليه. فلا يعود يسمع أو يفهم أي كلام روحي ينصد عن الأمور الروحية، ولا يعود لديه رغبة في الذهاب للكنيسة أو للصوم أو قدرة على محبة الله أو الناس. هنا الجهاز تالف، الخطية ضَرَبَتْهُ بسهمها، جعلته غير صالح.
يقول إشعياء وعنه نقل الإنجيليون: «سمعاً يسمعون ولا يسمعوا، نظراً ينظرون ولا ينظروا» هم رأوا المسيح ولم يستفيدوا، سمعوه وكأنهم لم يسمعوا شيئاً.
الضربة الثالثة: ضربة ملعونة ضربة مريعة جداً، هي الضربة القاضية. فإذا استمرأ الإنسان الخطية وأحبها، يبتدئ تتكون فيه عداوة ضد الله، يكره الكنيسة، يكره الإنجيل يكره أن يسمع كلام الحياة، لا يطيق الوعظ، لا يتحمل أن أحداً يوبخه، صار فيه بغضة طبيعية ضد الله، وهذه البغضة تزيد البعد عن الله. وهكذا في دائرة شيطانية لا تنتهي. وهنا الرب يطمس عينيه ويسد أذنيه ويُغلظ قلبه ويجعله لا يفهم أي أمر روحي على الإطلاق. ولكن لماذا؟! الرب يقول: لأنه احتقرني رفضني، أتلف جهازي داخله، جعله يعمل لنفسه وليس لي } .في الحقيقة، إن الكلام حتى الآن سلبي، ولكن الواقع أن الجهاز يعمل إيجابياً وليس سلبياً. فطالما أن الإنسان يسير مع الله، تزداد حساسية الجهاز، وتزداد قدرته على اللقط وتزداد قدرته على التسجيل، وتنفتحأذنه الروحية بأقصى حساسية، وباختصار ينفتح وعيه الروحي أكثر وأكثر.
في الحقيقة نحن معرضين كل يوم لمثل هذا : إما أن نغلق الجهاز ونخرج للكلام والرغي والذهاب هنا وهناك ونُضيع اليوم، واليوم يصير اثنين وثلاثة، وبالطبع عندما نقف للصلاة لا نجد نفساً، ترفع يدك توجعك، تقف تتعب لا تجد روحاً، لا تسمع صوتاً... ولو أنت تماديت فإن الأسبوع سيصبح أسبوعين وثلاثة وسنة وأكثر ... ماذا يعمل الرب هنا؟ لقد صار الجهاز تالفاً، ويحتاج الأمر إلى صراخ شديد من الله لكي بحنانه ورحمته يُغير القطع التي تلفت وتعود للجهاز إمكانياته الأولى.
مع أنه يكفي ولو نصف ساعة كل يوم تشغل فيهم الجهاز، فتضمن عدم تعطله، بل يزداد عافية.
لو كل يوم نراجع فيه صوت الله ونسمع ماذا يريد أن يقوله لنا، يكون من المستحيل أن يحدث أي ضرر للجهاز.
الخطورة، كل الخطورة أن نستهتر، ونستخف بالكلام الذي نسمعه، هنا نسمع ما قاله يوحنا: لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا» انتهت منهم قدرة الإيمان. لماذا؟ لأن الله أعمى عيونهم. الله يرحمنا.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
01 أبريل 2025
يوم الثلاثاء من الأسبوع السادس (لو ۹ : ۱۸ - ۲۲)
وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي عَلَى الْفِرَادِ كَانَ التَّلَامِيذُ مَعَهُ. فَسَأَلَهُمْ قَائِلاً: «مَنْ تَقُولُ الْجُمُوعُ أَنِّي أَنَا؟». فَأَجَابُوا وَقَالُوا: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: إِنَّ نَبِيًّا مِنَ الْقُدَمَاءِ قَامَ». فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ أَنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ: «مَسِيحُ اللَّهِ!». فَانْتَهَرَهُمْ وَأَوْصَى أَنْ لَا يَقُولُوا ذلِكَ لَأَحَدٍ. قَائِلاً: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيراً، وَيُرْفَضُ مِنَ الشَّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثالث يَقُومُ .
بعد أن أكمل الرب يسوع تعاليم كثيرة ومعجزات هذا عددها، أراد أن يتعرف على إيمان الشعب ماذا يقولون عنه البعض قال إنه يوحنا المعمدان، والبعض اعتقد إنه إيليا، والبعض حسبوه إرميا النبي. طبعاً كان هذا تقريراً محزناً للرب. وهنا سأل تلاميذه: وأنتم من تقولون إني أنا؟ فكان جواب بطرس أنه مسيح الله، ويضيف عليها القديس متى إنه قال إنه ابن الله الحي.ولكن المسيح أراد أن يُصحح لتلاميذه رؤيتهم عنه، قال لهم: إن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً ويُرذل ويُقتل. كانوا يظنوه مسيا السياسة، الملك العظيم الآتي ليعيد لإسرائيل ملكها وسلطانها وعلى هذا كانوا كثيراً ما يتشاجرون على الأولوية من المستحق لمكان الصدارة، من هو السكرتير العام؟
ولكنه، ليس مسيا السياسة؛ إنه مسيا الصليب كان هذا مصدمة لهم، كانوا يعرفون أن المسيح سيبقى إلى الأبد. لم يكن داخل في اعتبارهم موضوع الصليب لم يتعرفوا على المسيح في حقيقته.في الحقيقة إن الكلام عن المسيح صعب للغاية، وهو إن لم يكن عن اختبار وعن شعور صادق ووعي، يكون رغي وبلا قيمة. لذلك صليت كثيراً، وبكيت وطلبت وقلت له: لابد أن أعرفك حتى أستطيع أن أعلنك. لابد أن تساعدني وتفتح ذهني لكي ينطق لساني بحقيقة نفسك ولاهوتك. فأخذت أكتب قليلاً قليلاً كلمة كلمة وكأنها آتية من وراء الدهور، لكن كنت أكتب و شاعر بكم وأنتم أمامي، فلابد أن آخذ منكم وأعطيكم، بمعنى: لو أنتم غير موجودين، لكان من غير الممكن أن أتكلم، ولا كان يأتي لي كلام. قلت:
مناجاة
يا ربنا يسوع، أنت أعلنت لنا الله في ذاتك، فأنت هو الله المنظور والمسموع لنا .
كل صفات الله التي سمعناها سماع الأذن رأيناها فيك، كل ما كانت البشرية تشتهي أن تعرفه عن طبيعة الله، أعلنتها لنا في ذاتك كنا نتحرق شوقاً بين أنفسنا أن نعرف ما هي أفكار الله عنا؟ فعرفناها ولمسناها في كلماتك مع السامرية والكنعانية والأطفال الصغار ولمسات يدك وعطفك الفائض على الأبرص والمشلول والأصم والأعمى، كلها أحسسنا بها، ففرحنا بالله، إن كان الله هو أنت.
كل إنسان منا كان يسأل: ما هو شعور الله الخاص من جهة إنسان مولود أعمى؟ فعرفنا ولمسنا شعور الله في كلمات حبك ولمسات يدك على عينيه.
كنا نسأل في خجل، كخجل الأطفال، هل الله له سلطان على الرياحالعاتية وأمواج البحر الهائجة هل يستطيع أن يوقفها؟؟
فلما انتهرت الريح، وأبكمت البحر بكلمة سلطانك وهدأ ذاك وصمت ذلك، فرحنا بسلطان الله المنحاز لجبلتنا فيك.
كنا نسأل، هل الله يعتني بإنسان تائه في برية جائعاً عطشاناً؟
فلما أشبعت الجموع في البرية من خبزات الشعير الخمس والسمكتين الصغيرتين وفاض عنهم، وثقنا بحنان الله في حنانك، وتمثلت في مشيئتك كل مشيئة الله من نحونا.
كنا نسأل: هل موازين الله كموازين البشر؟ هل الخاطئ المنبوذ عند الناس، يكون كذلك حتماً عند الله؟ فلما قلت للزانية: اذهبي بسلام، أنا لا أدينك، تأكدنا إنك أنت أنت هو الله، ولست إنساناً مثلنا، ترى ما لا تراه وتحكم بما هو فوق أحكامنا، ففرحنا أن لنا عند الله رحمةً غير موجودة عند بني جلدتنا.
سلطان الموت علينا كان ينازع سلطان الله في إيماننا، وكان يرعبنا، فلما أقمت الميت من القبر بعد أن أنتن عززت إيماننا بسلطان الله، وآمنا أنه سلطانك، وتراجع الموت بسلطانه من قلوبنا.
ولكن، بعد أن أخليت ذاتك من مجد لاهوتك عجزنا أن تلاحق صفات الله فيك، في الحب والحنان والوداعة والاتضاع، بل القوة والسلطان والمعرفة الفاحصة لما وراء الزمن وما خفي في أعماق الإنسان.
فماذا يا رب نحن عاملون، إن أردنا أن نصفك قبل أن تخلي ذاتك من مجد لاهوتك؟ أو بعد أن أكملت رسالتك في تجسدك وجلست على عرش مجدك ؟
شيء واحد يتراءى أمامنا عن يقين؛ إن كان الله الذي لم يره أحد قط مثلك؛ فهو بالتأكيد إله صالح، ويجدر بنا أن نحبه ونعبده فيك من كل القلب والنفس وكل القدرة.
إن كان الله هو وحده القادر على تفتيح أعين الأعمى وإقامة الموتى من القبور؛ فأنت هو الله بالحق والحقيقة.
وإن كان الله وحده الذي له أن يغفر خطايا العالم كله، ويمسح الذنوب والآثام عن بني الإنسان جميعاً، بل ويرفعها بكل ثقلها من القلب ومن الضمير، بل ويغرس عوض عنها القداسة والكمال؛ فأنت بالذي عملته، أثبت أنك أنت هو الله.
يا سيدي يسوع المسيح، أنت وحدك الذي قدَّمت بذاتك أعظم تعبير عن الله، وحملت أصدق وأجمل صفات الله وعملت أجل أعمال الله، بل ومارست حبه من نحونا وأكملت سلطانه.
يا سيدي يسوع المسيح، قول أخير أقوله: نحن وجدنا الله فيك، أنت وحدك الجدير أن تمتلك ليس فقط قلبنا، بل قلب العالم كله .
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد