المقالات

15 أبريل 2025

الساعة الثالثة من يوم الثلاثاء مت ۲۳ : ۳۷ - الخ، ١:٢٤، ٢

( يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَة الأَنْبِيَاءِ وَرَاجمَة الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أنْ أجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحتَ جَنَاحَيْهَا ، وَلَمْ تُريدُوا ! هُوَذا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لا تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!. ثمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَل، فتَقدَّمَ تَلاَمِيدُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةُ الْهَيْكَل. فقالَ لَهُمْ يَسُوعُ أمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هَذِهِ؟ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَا يُتْرَكُ ههنا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لَا يُنْقِضُ !). يا أورشليم يا أورشليم حينما كرر المسيح القول: «يا أورشليم يا أورشليم» وأردف مباشرة بتصوير الدجاجة وهي تجمع أفراخها تحت جناحيها، يكون المسيح قد كشف عن مكامن أعماق الحب الإلهي بالنسبة لشعبه وحينما ناداها بخطيتها وبسفك دم الأنبياء ورجم المرسلين يكون قد كشف عن خطية الشعب وحينما سجل عليها عدد المرات التي طلب فيها أن يجمع أولادها فرفضت سجل عليها دينونتها العاجلة وحينما أفصح عن ذهابه وغيابه ثم عودته المباركة باسم الرب يكون قد أعطى الوعد بالمجيء الثاني حينما يكرر المسيح اسم أورشليم يذكرنا في الحال بـ «مرثا مرثا» و «شاول شاول» ويهوه في القديم إبراهيم إبراهيم بهذه النغمة الحبية التي تعبر عن القرب والانتماء لله، وبآن واحد تحمل هنا رئة حزن أسيف على فرصة انقضت كانت تتيح لأورشليم أعظم الفرص للمجد لتكون أم الدنيا وباباً أبدياً للملكوت. ولكن لم تكن تلك المرة الأولى بل الأخيرة، لأن يهوه في القديم أحبها وتودد إليها، ولكنها كانت دائماً أبداً تخون الأمانة والمودة، وكان تعبير المسيح لها بقاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين سيرة ممتدة حملتها أورشليم على مدى التاريخ، وقد اختصت دون كافة المدائن بالنصيب الأوفر في سفك دماء الأنبياء حتى قالها المسيح: «لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم، هذه شهادة دموية وضعها المسيح على جبين التاريخ لأورشليم والمسيح بقوله: «كم مرة أردت أن أجمع أولادك» فهو إنما يتكلم أيضاً بفم یهوه: « بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد» (إش ٦٥: ٢ ، رو ١٠: ٢١).والمسيح في هذا القول يحكي عن خبرته هو ، لأن قوله: كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها يعني تماماً أنه كان جادا في حمايتها من أعدائها ومن الرومان أيضاً، بأن يبث فيها روح السلام والوداعة والمحبة لتصبح هي مسئولة عن سلامة روما والعالم كله. فهي إن كانت وقعت فريسة الأسد الروماني الذي عراها من مجدها وخربها وتركها خاوية تنعي تاريخ مجدها، فلأنها قدمت لروما أسوأ صورة لأمة تعاهدت مع الشيطان للقتل والمقاومة بشراسة فبعد أن قتلت رئيس السلام ماذا يتبقى لها إلا الحديد والنار. رفضت السلام بيد الله فشربت كأس النقمة حتى النهاية ثلاث سنوات وأكثر وهو يتودد لها ليسقيها كأس المصالحة مع الله ويرفع رأسها وسط الشعوب لتصبح مدينة السلام بالحق كاسمها، ولكنها عوض أن تقبل من يده خلاصاً؛ سفكت دمه على الأرض ظلماً وهواناً. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
14 أبريل 2025

الساعة الثالثة من يوم الاثنين مر ۱۱ : ۱۱ - ١٩

فَدَخَلَ يَسُوعُ أَورُشَلِيمَ وَالْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذ كَانَ الوَقتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ الاثني عَشَرَ وَفِي الْعَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْهَا جَاءَ، فنظر شَجَرَة تين مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فلمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا إِلَّا وَرَقا، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقتَ التّين ، فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «لا يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَرًا بَعْدُ إلى الأبد!». وَكَانَ تَلَامِيدُهُ يَسْمَعُون. وَجَاءُوا إِلى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الهَيْكَل ابتدأ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفةِ وَكَرَاسِي بَاعَةِ الْحَمَامِ. " وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَجْتَارُ الهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا: بَيْتِي بَيْتَ صَلَاةٍ يُدْعَى لِجَمِيع الأمم؟ وَأنتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغارة لصوص». وَسَمِعَ الْكَتَبَة وَرُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ فطلبوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ من تعليمه. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ، خَرَجَ إلى خارج المَدِينَةِ. لعن شجرة التين قصة في ظاهرها يبدو المسيح بشراً عادياً يجوع في ميعاد الأكل. ولكن في باطنها كالعادة مستور سر حياته وخدمته ورسالته كلها. فبعد هذه المدة كلها في الكرازة والخدمة اشتهى أن يأكل من ثمر التينة التي هي دائماً رمز لإسرائيل، فما وجد ثمراً يؤكل بل ورقا أخضر كناية عن مظاهر وأعمال بلا فائدة فقال لها لا يأكل من ثمرك أحد إلى الأبد، فكان. ثم عاد حينما جلس معهم فكشف عن سر التينة أن في آخر الأيام تزهر وتثمر من جديد كأنه جاء أوان إثمارها بعد اللعن: «فمن شجرة التين تعلموا المثل، متى صار غصنها رخصاً وأخرجت أوراقها تعلمون أن الصيف (وقت الحصاد) قريب. هكذا أنتم أيضاً متى رأيتم هذا كله فاعلموا أنه قريب على الأبواب». في الحقيقة إن موضوع شجرة التين يحتل جزءاً هاماً في هذه الأيام الأخيرة، وخاصة بعد أن بكى المسيح أورشليم ورثاها وتنبأ بخرابها . كل معجزات المسيح السابقة كانت بدافع المحبة وذات ثمر للمحبة واضح. فلماذا - إذن - هذه المعجزة وكأنها تأديبية لخليقة لا تحس ولا تشعر ؟ وبلا ذنب اقترف. فهي بهذا تختلف كثيراً جداً عن باقي أعمال المسيح الأخرى، لأنه لم يأت ليهدم بل ليكمل ويشفي ويحيي! ولكن واضح أن في هذا العمل كله نوعاً من الرمزية عنيفاً ومستتراً. ولهذا العمل علاقة جدّ شديدة وخطيرة بالموقف القائم بعد خدمة المسيح الطويلة وقد بلغت النهاية فعلاً، ببكائه على أورشليم وتنبئه بخرابها . أليس في هذا العمل تعبير عن مظهر الأمة اليهودية التي تبدو كشجرة التين الخضراء الجميلة من الخارج، وهي من الداخل عفنة شبه ميتة غير مثمرة البتة ! عَمِلَ فيها صاحب الكرم المستحيل لثلاث تعطيل لأرض السلام وتزييف لأشجار الله وإحباط لعمل المسيح الذي عمل ؟ لقد عُرفت شجرة التين بين الأشجار الطيبة أنها تكني عن الأمة اليهودية، وهذه الأمة اليهودية رفعت يدها على بعلها وجابلها تتوهم أن بقتله تستقل عن خالقها، فحكمت على نفسها بالهلاك لتخرج من دائرة ملكه قبل أن يُنصب هو ملكاً على الصليب.وهكذا كان لابد، وقبل أن تمد يدها بخلع «غصن يسى من أرض ميراثه، أن تتقبل اللعنة إلى الأبد. وما صنع المسيح بأكثر مما صنعت الأمة اليهودية في نفسها، فهي بواقعها الداخلي الذي تعفن وذبل واستقال من مجرى حياة مصيرها الموضوع تركت إلهها مصدر الوجود والحياة، فحكمت على نفسها - قبل أن تحكم على المسيح - بالفناء الوشيك. فالمسيح بلعن شجرة التين لم يزد عن مجرد إعلان وفاة قبل الحدث. ولم يشرح المسيح لتلاميذه معنى موت التينة، لأنه شرحه لما بكى على أورشليم. لقد رثاها بدموعه قبل أن يأمر بجفافها. وهناك هناك في بداية خدمته رأى هذه التينة عينها وتكلم عن قطعها: «كان لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه - ولم يكن هذا الواحد إلا الواحد الوحيد -- فأتى يطلب فيها ثمراً ولم يجد. فقال للكرام: هوذا ثلاث سنين آتي أطلب ثمراً في هذه التينة ولم أجد اقطعها. لماذا تبطل الأرض أيضاً؟». فبناءً على توسل الكرام أبقاها سنة أخرى، فلما جاء ميعاد التين ولم يجسد فيها ثمراً قطعها! «يا سيد اتركها هذه السنة أيضاً، حتى ألقب حولها وأضع زبلاً. فإن صنعت ثمراً، وإلا ففيما بعد تقطعها»! وهكذا لم يصنع المسيح إلا ما صنعه الكرام، ففك لغز المثل. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
11 أبريل 2025

جمعة ختام الصوم (لو ۱۳ : ۳۱- الخ)

في ذلِكَ الْيَوْمِ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ لَهُ: اخْرُجْ وَاذْهَبْ مِنْ هَهُنَا لأَنَّ هِيرُودُسَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ. فَقَالَ لَهُمُ امْضُوا وَقُولُوا لِهَذَا الثَّعْلَبِ: هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ، وَأَشْفِي الْيَوْمَ وَغَداً، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَكَمِّلُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ الْيَوْمَ وَغَداً وَمَا يَلِيهِ، لأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجاً عَنْ أُورُشَلِيمَ يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ، يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاحِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكَ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاحَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً ! وَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَنِي حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: مَبَارَكَ الْآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ ]. أردت ولم تريدوا يشير الرب بهذا القول إلى المرات الكثيرة التي حاول الله فيها أن يجمع شعب إسرائيل إليه بحبه وحنانه بواسطة الأنبياء الذين أرسلهم مبكراً ومؤخراً. ولكن كانت النتيجة دائماً، كما في مثل الكرامين، أنهم رفضوه وأهانوا كل من أرسلهم كذلك فالرب يشير بهذا الكلام إلى تعاليمه وآياته ولطفه وإحسانه الكثير، الذي قصد به أن يجمع قلوبهم بكل إشفاق ومودة، فكانت النتيجة أنهم رفضوه ورذلوه. «أن أجمع أولادك» : الرب هنا يتكلم عن سر مشيئته التي من أجلها جاء ليجمع المتفرقين إلى واحد، إلى صدره الحنون وتحت ستر جناحيه وفي ظل منكبيه، ولكن انظروا ماذا فعلوا به عروا صدره الحنون وطعنوه وفردوا ذراعيه الحانيتين وسمروها على الصليب، والأرجل التي كانت تحول تصنع خيراً دقوها بالمسمار على الخشبة! وهكذا عوض أن يتجمع إلى صدره وستر جناحيه هؤلاء الأولاد الأشقياء بنو إسرائيل، تركوه تركوني أنا الحبيب مثل ميت مرذول»، وذهبوا وراء شهواتهم، وهكذا تركت الفراخ حضن الدجاجة ولم تعبأ بتوسلها وبندائها، فوقعت في مخلب الصقر المتربص وانتهت إسرائيل إلى خراب ولعنة ولكن الدعوة مجددة لك هنا أيها الصديق العزيز، فالجناحان الحانيان مفرودان على الصليب والجنب الحبيب يسيل بدم الشفاء والفداء. المسيحلا يزال ينادي خرافه ويرسل صوته مبكراً كل يوم ليجمعهم تحت ظل جناحيه إلى أن يعبر الشر، وهو لا ينادي فقط؛ بل ويجري وراء الخروف الضال ليبطل جهالته ولكن ليس إلى ما لا نهاية. «أردت ولم تريدوا» ربما تقول في نفسك من هو هذا الشخص المجنون الذي لا يريد ما يريده الله ؟؟ ولكن رؤساء الكهنة ومجمع السنهدريم وشيوخ الشعب وحكماء إسرائيل لم يكونوا مجانين بل كانوا متأكدين أنهم حكماء وعلى حق وكل الناموس في صفهم، وأنهم على صواب كل الصواب حينما يحكمون بأن يرفض المسيح بل يُصلب ولكن من أين جاء هذا الالتباس الخطير؟ جاء من حيث أنهم كانوا يعيشون حياتين حياة خارجية ظاهرها التقوى والتدين والتدقيق في أصغر طقوس العبادة، ثم حياة أخرى داخلية منحلة، كلها انتهاز فرص وأطماع وتكالب على الدنيا. وهكذا ضاعت منهم إرادة الحق، ورفضوا، بل استهزأوا بإرادة القدوس، لأن إرادتهم لم تكن في ناموس الله أبداً، ولا هم كانوا في ناموسه يلهجون والآن، هوذا الصوت يأتينا مجدداً اليوم. المسيح في ختام صومنا يسألنا: هل تريدون ما أريد؟ أنا أريدكم من نصيبي وأن تكونوا دائماً حيث أكون أنا، فهل تريدون؟؟ أريدكم بقلب وديع مثل قلبي، أريدكم تطلبون ملكوتي وبري، فهل تريدون؟؟ أريدكم أن لا تهتموا بهموم الدنيا؛ بل أن تحملوا نيري وأنا أحمل كل همكم؛ فهل تريدون؟؟ أريدكم أن لا تطالبوا بحقكم ولا تنتقموا لظلمكم، وأنا أرد لكم مائة ضعف؛ فهل تريدون؟؟ أريدكم أن تحبوا أعداءكم وتباركوا لاعنيكم وتحسنوا إلى مبغضيكم وتصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، وأنا أجازي، فهل تريدون؟؟ أريدكم أن تحملوا الصليب ولا تجزعوا من الصلب كما حملت أنا صليبي وطلبت عليه، فهل تريدون؟ أنا جزت هذا كله من أجلكم وغلبت العالم لتتشجعوا وتسيروا ورائي، فهل تريدون؟؟ والآن، لكي ننتقل من إنجيل اليوم لكي ندخل أسبوع الآلام، لابد أولاً أن نصفي حسابنا أولاً مع صوته القائل: كم مرة أردت و لم تريدوا؟»، لأنه إذا انتهت إرادتنا إلى هذا التعارض، فلا مناص من الدينونة الرهيبة، وسماع الصوت المحزن: هوذا بيتكم يترك لكم خراباً»! وإذ قد تم بالفعل خراب الهيكل وبقى خراباً إلى يومنا هذا، آية لصدق كلمة المسيح، فلا أقل من أن تشفق على أنفسنا من هذا المصير عينه، لأن هيكله هو نحن. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
08 أبريل 2025

يوم الثلاثاء من الأسبوع السابع (يو ١٢ : ٣٦ - ٤٣)

فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «النُّورُ مَعَكُمْ زَمَاناً قَلِيلاً بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلا يُدْرِكَكُمُ الظَّلامُ. وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظُّلامِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ. مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ آمنوا بالنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّورِ». تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا ثُمَّ مَضَى وَاخْتَفَى عَنْهُمْ. وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتِ هَذَا عَدَدُهَا ، لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الَّذِي قَالَهُ: «يَا رَبُّ، مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا ، وَلِمَنِ اسْتَعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ لِهَذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. لأَنَّ إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضاً: «قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ، وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ، لَتَلا يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ». قَالَ إِشَعْيَاءُ هَذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ. وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَيْضاً، غَيْرَ أَنَّهُمْ لِسَبَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِهِ، لِئَلَّا يَصِيرُوا خَارِجَ الْمَجْمَعِ، لَأَنَّهُمْ أَحَبُّوا مَجْدَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَجْدِ اللَّهِ ] . إنجيل تصفية الحساب إنجيل هذا اليوم هو إنجيل تصفية حساب. الله يصفي حسابه مع شعبه الذي رفضه، فرفضه الله لعل يكون في إنجيل اليوم توعية لنا، لأنه إنجيل يحاصر النفس محاصرة لا يمكن أن تفلت منها. السؤال الذي حير ولا يزال يحير الجميع هو : لماذا لم يؤمنوا بالمسيح؟ المسيحجاءهم خصيصاً، إلى خاصته جاء»، فكيف رفضوه، لماذا رفضوه؟! جاءهم المسيح بحسب المواعيد تماماً، وفق النبوات بالحرف، كل العلامات التي أشارت إليه تمت فيه. ولكن العجب أن الرؤساء اجتمعوا به وهو في الهيكل في عيد التجديد، وقالوا له: إلى متى تعلّق أنفسنا ؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً. فكان رده في منتهى الوضوح قد قلت لكم ولم تؤمنوا. والقديس يوحنا يعطي سبباً عجيباً لعدم إيمانهم، يقول: «لأنه قد أعمى عيونهم، وأغلظ قلوبهم، لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم». واضح هنا أن الشعب وبالأكثر المعلمين والرؤساء أصبحت لهم عيون عاطلة وآذان صماء، فكان أن الرب أسلمهم إلى ذهن مرفوض، فأكمل عماهم وأكمل صممهم وأغلظ قلوبهم فوق غلظتها. في الحقيقة ، هذا الأمر مهم جداً، وفيه خلاصنا الله وضع في الإنسان روحاً، والروح هي المركز. والمركز الروحي للروح الذي تعمل به له أيضاً عينان وأذنان وقلب، ولكن كلها من طبيعة روحية. وهذا المركز، أي جهاز الفطنة الروحية والوعي الروحي هو جهاز روحي حساس إلى أقصى الحدود، ولكنه مُعرَّض لثلاث ضربات يمكن أن تصيبه: الضربة الأولى: هي أن الجهاز لا يعمل، أو بمعنى أصح تركناه ليعمل في أمور أخرى كثيرة في العالم، نعم ربما أشياء ليست رديئة أو بطالة، ولكن هذا الجهاز الحساس هو موضوع بالأساس لكي يتحسس به الإنسان صوت الله، يفهم كلام الله وماذا يريد أن يقوله. هنا طالما أن الجهاز لا يعمل فلابد أن يفسد ولا يعود صالحاً للعمل. وفي الحقيقة هذا الكلام ينطبق تماماً على المستوى المادي، فالجهاز الذي يترك فترة ولا يستخدم يخرب من ذاته. الضربة الثانية هي أن الإنسان يعمل بالخطية. الخطية عنصر سلبي وعنصر فتاك بالنسبة للجهاز الروحي، وهو قادر أن يؤذيه ويُفسده تماماً لدرجة أنه قادر أن يقضي عليه. فلا يعود يسمع أو يفهم أي كلام روحي ينصد عن الأمور الروحية، ولا يعود لديه رغبة في الذهاب للكنيسة أو للصوم أو قدرة على محبة الله أو الناس. هنا الجهاز تالف، الخطية ضَرَبَتْهُ بسهمها، جعلته غير صالح. يقول إشعياء وعنه نقل الإنجيليون: «سمعاً يسمعون ولا يسمعوا، نظراً ينظرون ولا ينظروا» هم رأوا المسيح ولم يستفيدوا، سمعوه وكأنهم لم يسمعوا شيئاً. الضربة الثالثة: ضربة ملعونة ضربة مريعة جداً، هي الضربة القاضية. فإذا استمرأ الإنسان الخطية وأحبها، يبتدئ تتكون فيه عداوة ضد الله، يكره الكنيسة، يكره الإنجيل يكره أن يسمع كلام الحياة، لا يطيق الوعظ، لا يتحمل أن أحداً يوبخه، صار فيه بغضة طبيعية ضد الله، وهذه البغضة تزيد البعد عن الله. وهكذا في دائرة شيطانية لا تنتهي. وهنا الرب يطمس عينيه ويسد أذنيه ويُغلظ قلبه ويجعله لا يفهم أي أمر روحي على الإطلاق. ولكن لماذا؟! الرب يقول: لأنه احتقرني رفضني، أتلف جهازي داخله، جعله يعمل لنفسه وليس لي } .في الحقيقة، إن الكلام حتى الآن سلبي، ولكن الواقع أن الجهاز يعمل إيجابياً وليس سلبياً. فطالما أن الإنسان يسير مع الله، تزداد حساسية الجهاز، وتزداد قدرته على اللقط وتزداد قدرته على التسجيل، وتنفتحأذنه الروحية بأقصى حساسية، وباختصار ينفتح وعيه الروحي أكثر وأكثر. في الحقيقة نحن معرضين كل يوم لمثل هذا : إما أن نغلق الجهاز ونخرج للكلام والرغي والذهاب هنا وهناك ونُضيع اليوم، واليوم يصير اثنين وثلاثة، وبالطبع عندما نقف للصلاة لا نجد نفساً، ترفع يدك توجعك، تقف تتعب لا تجد روحاً، لا تسمع صوتاً... ولو أنت تماديت فإن الأسبوع سيصبح أسبوعين وثلاثة وسنة وأكثر ... ماذا يعمل الرب هنا؟ لقد صار الجهاز تالفاً، ويحتاج الأمر إلى صراخ شديد من الله لكي بحنانه ورحمته يُغير القطع التي تلفت وتعود للجهاز إمكانياته الأولى. مع أنه يكفي ولو نصف ساعة كل يوم تشغل فيهم الجهاز، فتضمن عدم تعطله، بل يزداد عافية. لو كل يوم نراجع فيه صوت الله ونسمع ماذا يريد أن يقوله لنا، يكون من المستحيل أن يحدث أي ضرر للجهاز. الخطورة، كل الخطورة أن نستهتر، ونستخف بالكلام الذي نسمعه، هنا نسمع ما قاله يوحنا: لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا» انتهت منهم قدرة الإيمان. لماذا؟ لأن الله أعمى عيونهم. الله يرحمنا. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
01 أبريل 2025

يوم الثلاثاء من الأسبوع السادس (لو ۹ : ۱۸ - ۲۲)

وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي عَلَى الْفِرَادِ كَانَ التَّلَامِيذُ مَعَهُ. فَسَأَلَهُمْ قَائِلاً: «مَنْ تَقُولُ الْجُمُوعُ أَنِّي أَنَا؟». فَأَجَابُوا وَقَالُوا: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: إِنَّ نَبِيًّا مِنَ الْقُدَمَاءِ قَامَ». فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ أَنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ: «مَسِيحُ اللَّهِ!». فَانْتَهَرَهُمْ وَأَوْصَى أَنْ لَا يَقُولُوا ذلِكَ لَأَحَدٍ. قَائِلاً: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيراً، وَيُرْفَضُ مِنَ الشَّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثالث يَقُومُ . بعد أن أكمل الرب يسوع تعاليم كثيرة ومعجزات هذا عددها، أراد أن يتعرف على إيمان الشعب ماذا يقولون عنه البعض قال إنه يوحنا المعمدان، والبعض اعتقد إنه إيليا، والبعض حسبوه إرميا النبي. طبعاً كان هذا تقريراً محزناً للرب. وهنا سأل تلاميذه: وأنتم من تقولون إني أنا؟ فكان جواب بطرس أنه مسيح الله، ويضيف عليها القديس متى إنه قال إنه ابن الله الحي.ولكن المسيح أراد أن يُصحح لتلاميذه رؤيتهم عنه، قال لهم: إن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً ويُرذل ويُقتل. كانوا يظنوه مسيا السياسة، الملك العظيم الآتي ليعيد لإسرائيل ملكها وسلطانها وعلى هذا كانوا كثيراً ما يتشاجرون على الأولوية من المستحق لمكان الصدارة، من هو السكرتير العام؟ ولكنه، ليس مسيا السياسة؛ إنه مسيا الصليب كان هذا مصدمة لهم، كانوا يعرفون أن المسيح سيبقى إلى الأبد. لم يكن داخل في اعتبارهم موضوع الصليب لم يتعرفوا على المسيح في حقيقته.في الحقيقة إن الكلام عن المسيح صعب للغاية، وهو إن لم يكن عن اختبار وعن شعور صادق ووعي، يكون رغي وبلا قيمة. لذلك صليت كثيراً، وبكيت وطلبت وقلت له: لابد أن أعرفك حتى أستطيع أن أعلنك. لابد أن تساعدني وتفتح ذهني لكي ينطق لساني بحقيقة نفسك ولاهوتك. فأخذت أكتب قليلاً قليلاً كلمة كلمة وكأنها آتية من وراء الدهور، لكن كنت أكتب و شاعر بكم وأنتم أمامي، فلابد أن آخذ منكم وأعطيكم، بمعنى: لو أنتم غير موجودين، لكان من غير الممكن أن أتكلم، ولا كان يأتي لي كلام. قلت: مناجاة يا ربنا يسوع، أنت أعلنت لنا الله في ذاتك، فأنت هو الله المنظور والمسموع لنا . كل صفات الله التي سمعناها سماع الأذن رأيناها فيك، كل ما كانت البشرية تشتهي أن تعرفه عن طبيعة الله، أعلنتها لنا في ذاتك كنا نتحرق شوقاً بين أنفسنا أن نعرف ما هي أفكار الله عنا؟ فعرفناها ولمسناها في كلماتك مع السامرية والكنعانية والأطفال الصغار ولمسات يدك وعطفك الفائض على الأبرص والمشلول والأصم والأعمى، كلها أحسسنا بها، ففرحنا بالله، إن كان الله هو أنت. كل إنسان منا كان يسأل: ما هو شعور الله الخاص من جهة إنسان مولود أعمى؟ فعرفنا ولمسنا شعور الله في كلمات حبك ولمسات يدك على عينيه. كنا نسأل في خجل، كخجل الأطفال، هل الله له سلطان على الرياحالعاتية وأمواج البحر الهائجة هل يستطيع أن يوقفها؟؟ فلما انتهرت الريح، وأبكمت البحر بكلمة سلطانك وهدأ ذاك وصمت ذلك، فرحنا بسلطان الله المنحاز لجبلتنا فيك. كنا نسأل، هل الله يعتني بإنسان تائه في برية جائعاً عطشاناً؟ فلما أشبعت الجموع في البرية من خبزات الشعير الخمس والسمكتين الصغيرتين وفاض عنهم، وثقنا بحنان الله في حنانك، وتمثلت في مشيئتك كل مشيئة الله من نحونا. كنا نسأل: هل موازين الله كموازين البشر؟ هل الخاطئ المنبوذ عند الناس، يكون كذلك حتماً عند الله؟ فلما قلت للزانية: اذهبي بسلام، أنا لا أدينك، تأكدنا إنك أنت أنت هو الله، ولست إنساناً مثلنا، ترى ما لا تراه وتحكم بما هو فوق أحكامنا، ففرحنا أن لنا عند الله رحمةً غير موجودة عند بني جلدتنا. سلطان الموت علينا كان ينازع سلطان الله في إيماننا، وكان يرعبنا، فلما أقمت الميت من القبر بعد أن أنتن عززت إيماننا بسلطان الله، وآمنا أنه سلطانك، وتراجع الموت بسلطانه من قلوبنا. ولكن، بعد أن أخليت ذاتك من مجد لاهوتك عجزنا أن تلاحق صفات الله فيك، في الحب والحنان والوداعة والاتضاع، بل القوة والسلطان والمعرفة الفاحصة لما وراء الزمن وما خفي في أعماق الإنسان. فماذا يا رب نحن عاملون، إن أردنا أن نصفك قبل أن تخلي ذاتك من مجد لاهوتك؟ أو بعد أن أكملت رسالتك في تجسدك وجلست على عرش مجدك ؟ شيء واحد يتراءى أمامنا عن يقين؛ إن كان الله الذي لم يره أحد قط مثلك؛ فهو بالتأكيد إله صالح، ويجدر بنا أن نحبه ونعبده فيك من كل القلب والنفس وكل القدرة. إن كان الله هو وحده القادر على تفتيح أعين الأعمى وإقامة الموتى من القبور؛ فأنت هو الله بالحق والحقيقة. وإن كان الله وحده الذي له أن يغفر خطايا العالم كله، ويمسح الذنوب والآثام عن بني الإنسان جميعاً، بل ويرفعها بكل ثقلها من القلب ومن الضمير، بل ويغرس عوض عنها القداسة والكمال؛ فأنت بالذي عملته، أثبت أنك أنت هو الله. يا سيدي يسوع المسيح، أنت وحدك الذي قدَّمت بذاتك أعظم تعبير عن الله، وحملت أصدق وأجمل صفات الله وعملت أجل أعمال الله، بل ومارست حبه من نحونا وأكملت سلطانه. يا سيدي يسوع المسيح، قول أخير أقوله: نحن وجدنا الله فيك، أنت وحدك الجدير أن تمتلك ليس فقط قلبنا، بل قلب العالم كله . المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
25 مارس 2025

يوم الثلاثاء من الأسبوع الخامس (یو ۸ : ۱۲ - ۲۰)

ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً قَائِلاً: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلَا يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ». فَقَالَ لَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: «أَنْتَ تَشْهَدُ لِنَفْسِكَ. شَهَادَتُكَ لَيْسَتْ حَقًّا أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «وَإِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي حَقٌّ، لَأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَا تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ آتِي وَلَا إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. أَنْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ تَدِينُونَ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ أَدِينُ أَحَداً. وَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَدِينُ فَدَيْنُونَتِي حَقٌّ، لأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَالآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. وَأَيْضاً فِي نَامُوسِكُمْ مَكْتُوبٌ: أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ حَقٌّ أَنَا هُوَ الشَّاهِدُ لِنَفْسِي، وَيَشْهَدُ لِي الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي». فَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ هُوَ أَبُوكَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «لَسْتُمْ تَعْرِفُونَنِي أَنَا وَلَا أَبِي لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً». هذَا الْكَلَامُ قَالَهُ يَسُوعُ فِي الْخِزَانَةِ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ. وَلَمْ يُمْسِكُهُ أَحَدٌ، لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ . أنا هو نور العالم «ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً : أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة». نحن الآن في عيد المظال، وكان يُجرى فيه طقس يسمى طقس النور، ويتم فيه إيقاد ٤ منارات مرتفعة داخل الهيكل، وكان هذا تذكاراً لعمود النور الذي أرسله الله لهم ليقودهم في برية التيه أثناء الليل. ولكن .. كان عمود النور هذا وقتياً، أما المسيح، فهو النور الذي جاء لينير العالم دائماً وإلى الأبد. وحينما يقول المسيح: «أنا هو نور العالم»، فهو يعني نور الحياة، هو النور المعطي الحياة، والتي لخصها ق. يوحنا فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، فالحياة في المسيح هي نور العالم. لقد دخل النور الحقيقي إلى العالم ملتحفاً جسد إنسان، وهو أصلاً اللابس النور كثوب جاء لينير البشرية من داخل كيانها، فصارت حياة الإنسان نوراً بعد أن كان يتخبط في ظلمة العالم. لقد استنارت حياة الإنسان بالنور الإلهي، فأنارت وصارت أنواراً في العالم: «أنتم نور العالم». ولا يزال المسيح هو هو عمود النور الذي يسير بالبشرية المستنيرة به وبالله، في طريقها الضيق الحرج، داخل برية العالم المظلم، يقودنا خطوة بعد خطوة. والذي يتبع النور لا يشعر بليل العالم، ولن تدركه الظلمة، هذه حقيقة يدركها كل من استنار بالمسيح والتصق به: الرب نوري وخلاصي ممن أخاف والواقع إن الطبيعة البشرية بالنسبة للنور الإلهي مظلمة خاطئة يدب فيها الموت، وشعاع الله لم يكن ينفذ إليها أبداً، ولكن حينما استعلن لنا الرب الطبيعة الإلهية التي فيه، وصيرنا شركاء فيها، هنا نفذ النور الإلهي إلى أعماقنا، فأدركنا طبيعة الله وأسراره واستنارت عقولنا وقلوبنا بفكره ومشيئته وكلماته. وهكذا دخل النور أي الطبيعة الإلهية، إلى طبيعتنا العمياء الخرساء، فتغيرت وتجددت، وصارت لها أذن تسمع ما لم تكن تسمع، وعين ترى ما لم تكن ترى، وقلب يستطلع بالروح حتى أعماق الله، وروح تحيا مع الله. « أنا هو نور العالم ». هذا القول يستحيل أن ينطقه إلا الله وحده: «وقال لي اكتب، فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة... والمدينة لا تحتاج إلى شمس ولا إلى قمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها، والخروف سراجها، وتمشي شعوب المخلصين بنورها ... لأن ليلاً لا يكون هناك». وإشعياء النبي يصف هذا الإشراق العجيب في ملء الزمان بالنسبة للكنيسة هكذا: قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك، لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم، أما عليك فيشرق نور الرب (أنا) هو نور العالم ومجده عليك يرى. فتسير الأمم في نورك، والملوك في إشراقك»، ويقول في موضع آخر: «لا تكون لكِ بعد الشمس نوراً في النهار ولا القمر ينير لك مضيئاً، بل الرب يكون لك نوراً أبدياً وإلهك زينتك. لا تغيب بعد شمسك وقمرُكِ لا ينقص، لأن الرب يكون لك نوراً أبدياً» والعجيب أنه بعد أن قال المسيح : أنا هو نور العالم"، قام بتفتيح عيني المولود أعمى، لتتم النبوة: «أنا الرب لقد دعوتك بالبر، فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهداً للشعب، ونوراً للأمم، لتفتح عيون العمي، لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة». وهنا يجمع النبي معاً بين النور وتفتيح العيون. أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة». كان عمود النور الذي قاد شعب بني إسرائيل في القديم هو رمز، كان نوراً خارجياً، ولكنه لم يدخل داخلهم؛ ولكن جاء المسيح، النور الحقيقي، لينير من الداخل. لكي يصير فينا لكي نأخذ هذا النور، لكي نحتويه ونمتلكه في داخلنا فتتحول فينا الرؤية إلى حياة أي يكون لنا نور الحياة وبالتالي نتبعه ولا نمشي في الظلمة. وهنا التبعية ليست ظاهرية، إنها تبعية داخلية بالكلمة؛ بمعنى السير إثر وصاياه. ماذا ستكون النتيجة عندئذ؟ سنكون بني النور، مولودين من النور مولودين من المسيح؛ لا لأننا صرنا نوراً؛ ولكن لأننا احتوينا النور، صار لنا نور الحياة. لأجل هذا هو قال: فليضئ نور کم هكذا أمام الناس، حتى يستعلن المسيح الذي فينا يلزمنا جداً أن نفهم أننا في رحلتنا إلى الأبدية نحن نسير في عالم الظلمة، عالم موضوع في الشرير تفعل فيه الخطية ما تشاء في الفكر والجسد، هنا جاء المسيح إلى العالم، لكي ينير للمؤمنين باسمه طريق الحياة من داخل العالم.في الحقيقة، إن الإنسان الذي ينير له المسيح سوف يرى أعز ما في العالم وكأنه ظلمة، سوف يكتشف الجهالة التي فيه. لذلك حق قول المسيح: من يتبعني فلا يمشي في الظلمة. لقد صار المسيح بالنسبة لنا هو عمود النور لرحلتنا السعيدة إلى الوطن السماوي على أساس أن نحتويه داخل قلوبنا، فيصبح سراجاً لأرجلنا ونوراً لسبلنا.والمسيح عندما قال: «أنا نور العالم هنا النور موصل، نور متحرك، نور ليس جامداً، ولكنه فعل يقود الإنسان، يعلن للإنسان حقائق العالم والحقيقة الأبدية. وهكذا المسيح يقود النفس من نور إلى نور، أي من حق إلى حق الإنسان الذي يجلس كل يوم ساهراً أمام المسيح، هذا الإنسان تنسكب الكلمة داخله بغنى، وينكشف له الحق، ويُبكت من الكلمة وتنكشف حقائق الحياة وحقائق نفسه، ويُعدّل ويُصحح المسيرة. فإن لم يمسك الإنسان بكلمة الحياة جداً، ويأخذ المسيح كشخص حقيقي وكمصدر للنور والحركة؛ فهذا الشخص لابد أن يتوه في متاهة هذه الدنيا، ليس فقط ٤٠ سنة كالشعب القديم؛ ولكن تتوه ٨٠ سنة ولا تفوق إلا آخر لحظة وتجد أن الوقت قد فات ولا فائدة أو مكان للتوبة. فالعالم هنا هو عالم تيه، ما لم يقودنا نور المسيح المسيح نور، ولكن نور فقط للسائرين، والذين يتبعونه يكون لهم النور في داخلهم، يقودهم للوطن السماوي. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
18 مارس 2025

يوم الثلاثاء من الأسبوع الرابع (لو ٩ : ٥٧ - ٦٢)

وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي» . قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْ كَارٌ ، وَأَمَّا ابْنُ الْإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأَسَهُ». وَقَالَ لَآخَرَ : «اتَّبَعْنِي». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللَّهِ». وَقَالَ آخَرُ أَيْضاً: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلَكِنِ الْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاتِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللَّهِ ] . تبعية المسيح إنجيل هذا القداس هو عن الدعوة لاتباع الرب، هذا الإنجيل يخصنا في الصميم. أعطانا فيه المسيح ٣ أمثلة، تبلورها في البداية لكي تكونوا على وعي بها، وكلها واقعة تحت الخداع الأول شخص واقع تحت خداع المظاهر، الثاني: شخص واقع تحت خداع المجاملات، الثالث: واقع تحت خداع العواطف. الشخص الأول: «يا سيد أتبعك أينما تمضي». المنظر يبدأ هكذا كانت الرفقة تسير مع يسوع ملتفين حوله في سعادة غامرة، يسألون يسوع وهو يجيبهم بأحاديثه التي لا يمكن أن يجاريها حديث قيل عنها: إنه «ليس كالكتبة والفريسيين»، وإنه « لم يتكلم قط إنسان مثل هذا الإنسان». هذا الكاتب أخذ بالجماعة السائرة التي تتحدث بفرح وسعادة عن ملكوت الله، فكر في نفسه: لماذا لا يتبع ذلك المعلم كفاه قوانين الناموس وتعقيدات التلمود. لم يدر هذا الكاتب أن هذا الفرح والسرور وهذه البهجة ثمرة نباتها مر علقم، نباتها اسمه الضيقة. وبدون الضيقة لا يمكن لإنسان أن يذوق فرح ولا بهجة سماوية انخدع الكاتب بالمظهر الخارجي لأنه وجد أن كلام المسيح شهي، حياة تبدو أنها جميلة جداً، لم يكن يعلم ما وراءها، لم يعمل حساب النفقة طبعاً الذي تغره المظاهر من المستحيل أن يسأل عن الأتعاب التي وراءها. هذا المعلم الذي تريد أن تتبعه أيها الكاتب وراءه صليب يُحمل من دون الصليب لا يمكن أن يكون هو معلم صح، ولا أنت تلميذ صح كان رد المسيح لهذا الشخص، كما لكل إنسان: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، أما ابن الإنسان فليس له أن يسند رأسه». لم يقصد المسيح أن ييس هذا الكاتب، ولكن أن يُوَعيه، فإن كان هو يطلب حقاً الفرح الحقيقي الذي يدوم معه، لابد عليه أن يُفرِّط، لابد أن يترك الأرض التي هو ممسوك بها والمواريث التي تقيده وكل ما يتعلق بالماضي والحنين إليه قال له المسيح: أنا ليس لي مكان أستريح فيه على الأرض، مكان راحتي هو في قلب الآب؛ فإن كنت تراني فقط كإنسان يستطيع أن يعطيك ما تطلبه وما ترتاح له، فأنت مخطئ. أما إن كنت تستطيع أن تبقى كالثعالب وكالطيور، لا يكون لك جحر يأويك وعش ترجع إليه، تكون كطائر سماوي، هنا فقط تقدر تتبعني.المسيح هنا يضع الحد الفاصل بين أهداف مربوطة بالأرض وأهداف مربوطة بالسماء. الله قال لإبراهيم: اخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك. دعاه ليخرج من وطنه الأكبر أي أرضه، ومن وطنه المتوسط أي عشيرته، ثم يخرج من وطنه الأصغر أي بيته. هذه هي الأشياء التي تحجبه عن الله، التي تمنعه من الاستمرار في المسيرة السماوية. قال له اترك كل هؤلاء! أطاع إبراهيم. ولكن كيف استطاع إبراهيم أن يطيع، على أي أساس، ونحن نقول إنَّ الغريزة تتملك في الإنسان مثل هذا التملك؟! اسمع أعجب ما في الإنسان إنه يحوز غريزة أقوى، غريزة الخلود، غريزة الحياة الأبدية. هذه الغريزة هي الأفضل وهي الأقوى، إذا صحيت في الإنسان تخمد الغريزة الجسدية، لا يعود لها وجود. لذلك سمع إبراهيم الصوت وأطاع، لأن صوت الله أحيا فيه الحنين إلى ما فوق. الشخص الثاني هنا الرب هو الذي يدعو : وقال لآخر اتبعني. فقال يا سيد الذن أولاً أن أمضي وأدفن أبي كلمة: أولاً، أتعبت المسيح جداً، المسيح لا يلقي الدعوة جزافاً، إنه يدعو إنساناً وجده مستحقاً وجديراً بالدعوة، إلا أنه أحس بأن هناك ربط تكبله بالأرض ولا تجعله قط قادراً أو مهياً لملكوت الله فانتهز له فرصة أو بالحري مأزق ومحك شديد، دعاه لحظة وفاة أبيه وهو ما يزال بعد في البيت لم يُدفن. هذا الإنسان كان . مربوطاً بالأصول والواجبات، دعاه المسيح وهو في أحرج المواقف، ولكن كان قصد المسيح أن يحرره إلى الأبد من ربط المجاملات التي كانت كفيلة بأن تطمس معالم الحياة الأبدية من قلبه إلى الأبد. هذا الموقف نجح فيه أنطونيوس، ترك أباه، وانطلق. الشخص الثالث: أتبعك يا سيد، ولكن ائذن لي أولاً أن أودع أهل بيتي». هذا هو الشخص المربوط بالعواطف والمجاملات، المسيح استطاع أن يفكه منها. في الحقيقة إن الذي يحب أهل بيته أكثر من الله إنما هو يهين الله، والذي يحب العالم يكون عدواً لله . «محبة العالم عداوة لله». لذلك حقاً قال المسيح: «أعداء الإنسان أهل بيته». قصة بنت يفتاح في العهد القديم، التي أمر أبوها بتقديمها ذبيحة، فقالت له: أعطني مهلة 3 شهور أبكي فيها عذراويتي، ثم اذبحني بعدها. وكأني بهذا الرجل يريد أن يبكي عذراويته يبكي موته. يذهب إلى الحياة ليبكي موته! هنا معكوسة. المسيح لا يدعو إلى الموت، إنه يدعو إلى الحياة. هل الشخص المدعو للحياة يذهب ليودع الموت والموتى!! مشورة الجسد مسمومة هذا الشخص يريد أن يعود للجسد ليتلقى قبلة الأم، فتكون سهماً في قلبه لا يعرف أن يتخلص منه للأبد. كان رد المسيحعليه أشد الردود جميعاً، وأكثرها قطعاً ومنعاً: «ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله». المحراث هو الإنجيل، والذي يحرث لابد عليه أن ينظر لفوق حتى تخرج الخطوط مستقيمة. أن ننظر للوراء معناه أن المحراث سوف يفلت منا، معناه حرث معوج، معناه إهانة لله الله وضع للإنسان بعدين: بعد للأمام للملكوت، وبعد خلفي للبيت ولأهل البيت. فإذا سرت صح من أول خطوة في الطريق؛ ستأخذ قوة للترك وللاندفاع إلى الأمام، وتكون مثل بولس: «أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام». يا تيموثاوس: امسك بالحياة الأبدية التي إليها دعيت». المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
11 مارس 2025

يوم الثلاثاء من الأسبوع الثالث (یو ۸: ۳۱- ۳۹)

فَقَالَ يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ: «إِنَّكُمْ إِنْ تَبْتُمْ فِي كَلَامِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تلاميذي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ». أَجَابُوهُ: «إِنَّنَا ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ تُسْتَعْبَدُ لأَحَدٍ قَطُّ كَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: إِنَّكُمْ تَصِيرُونَ أَحْرَاراً؟» أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. وَالْعَبْدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ، أَمَّا الابْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الْابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً. أَنَا عَالِمٌ أَنَّكُمْ ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ. لَكِنَّكُمْ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي لأَنَّ كَلَامِي لَا مَوْضِعَ لَهُ فِيكُمْ أَنَا أَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْتُ عِنْدَ أَبِي، وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَا رَأَيْتُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ». أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ : أَبُونَا هُو إِبْرَاهِيمُ». قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ أَوْلَادَ إِبْرَاهِيمَ، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ!] ما الذي تفعله الخطية؟ إنجيل هذا الصباح يحمل قضية الإنسان العظمى، الأولى والأخيرة قضية الخطية: «من يعمل الخطية فهو عبد للخطية». سنتكلم هنا عن كيف تستعبد الخطية الإنسان، وكيف يصير الإنسان خاضعاً كسيراً مقهوراً تحت سلطانها. سنعبر عليها درجة درجة الدرجة الأولى: حينما يخطئ الإنسان الروحي لأول مرة يحس أن الخطية غريبة عليه، ويبدأ الضمير يشهد ضده. يضطرب قلبه تضطرب نفسه، يشعر أن عنصراً خطراً دخل فيه. ثم بعد أن يقع الإنسان في أول خطية، في الحال. يحس بشعور الذنب هنا الخطية أعلنت عن نفسها بمنتهى الصراحة، كما أعلن الله نفسه أيضاً بمنتهى الصراحة. إذ يشعر الضمير أنه قد اقترف التعدي. وهنا يُبرئ الله ذمته من الإنسان، ليبدأ الإنسان يدخل مجال الخطية بإرادته. الدرجة الثانية: تبدأ الخطية تستقر في أعماق الشعور، أي العقل وما يتبعه، أي الإنسان الباطن غير الواعي تبدأ الخطية تعيش في الإنسان كغريب ولكن مقتحم أعطني له الفرصة أن يدخل البيت رسمياً وبأمر من الإرادة وبموافقة من النفس والعقل ، فهو صحيح غريم خطير ؛ ولكن في يده تذكرة دخول لا يستطيع الإنسان أن يحتج، فإرادته الحرة هي التي سمحت لها بالدخول. الدرجة الثالثة: تبدأ الخطية تنطبع في الإنسان قليلاً قليلاً، لدرجة أننا نطلق على الإنسان اسم الخطية، وكأن الخطية صارت جزءاً لا يتجزأ من طبيعته. الإنسان العظيم الذي على صورة الله أخذ اسم الخطية بكل مسمياتها الكريهة، فهذا سارق، وهذا زاني، وهذا مغتصب. يا إلهي وهكذا ترتفع الخطية على الإنسان وتستحوذ على أثمن ما في داخله وما في خارجه. الدرجة الرابعة هي المعركة الحاسمة : حيث ينتبه الإنسان لحاله الرديء بأي طريقة من الطرق عظة كلمة روحية نصيحة ناصح، أو حتى من ضميره. يحس بالفارق فيما كان وفيما صار إليه، يحس باحتقار الناس له، ولكن بالأكثر يحس باحتقاره لنفسه في نفسه، هذا أمر صعب جداً. وفي الحال يفكر بعزم أن يقاوم. ولكن، إذ به يتكشف له، ولأول مرة في حياته، أن الخطية تحصنت داخله وعملت لها سراديب داخل نفسه وشعوره ولا شعوره داخل الأعصاب والعواطف والمشيئة، وإذا بها متسلحة به ضده. يستجمع إرادته؛ يلقاها متآكلة يستنفر قواه النفسية فلا يجدها، ويكتشف أن الخطية كانت هي اللص الذي اعتاد الدخول فعرفت خفايا البيت، وتسلحت بأسلحة صاحب البيت تسلحت بالإرادة ضد الإرادة، وبالفكر ضد الفكر، وبالنفس ضد النفس، وينقسم الإنسان على ذاته، ولا يبق له إلا الخراب في الخراب وتكون النتيجة أن كل محاولاته تبوء بالفشل وتزيده سقوطاً في الوحل. حصر التلفيات، ماذا صنعت الخطية؟ الخطية فعل سلبي، والأفعال السلبية حينما تتكرر، تعمق وتحفر داخل الإنسان الطبيعي لتشوه صورته الطبيعية وتعطيه صورة غير طبيعية، ويكتشف الشخص الأضرار: أولاً النفس: تصبح نفساً منحرفة لا تسير في مسارها المستقيم، بل تنحرف ذات اليمين وذات الشمال. ثانياً الإرادة كل مرة يخطئ فيها الإنسان بإرادته أو بجزء من إرادته تلتهمه الخطية ويصير تابعاً لها، ومرة وراء مرة تبتدئ الإرادة تتهرأ وتنحاز إلى الخطية. ثالثاً الأعصاب الأعصاب مخلوقة في الإنسان لتعمل على مستوى الطبيعة الإيجابي، ولكن ما أن ينحرف عن ما خُلق عليه؛ يصير ثقل الخطية على الأعصاب أكثر من احتمالها، ولا يعود ذلك الجهاز الحساس على مستواه الأول، بل تحدره الخطية إلى مستوى الصفر. رابعاً الشعور الواعي وهو الذي يُعبّر عن الشخصية، مثل العقل والعواطف والمشاعر، فهو من كثرة التأنيب والعجز عن المقاومة، تضعف الشخصية، ويحس الإنسان إنه ضاع. عنه خامساً اللاشعور : معروف أن . كل فعل يؤديه الإنسان وهو غير راض . يسقط في اللاشعور، ويعيش هناك ويُفرّخ، ثم يظهر بصورة تلقائية غير إرادية ويفضحه، كما يظهر في أحلام النوم، فيستيقظ الإنسان فيرى أن الخطية قد استطاعت تخريب كل ملكاته الداخلية وأضعفت نفسه وكل ملكاته. مزيد من التلف بتكرار المحاولات الفاشلة التي يحاول بها الإنسان في ضعفه وعجزه أن يتغلب على الخطية يزداد يأسه فيزداد ضعفه وكلما استنزفت الخطية من إمكانياته كلما خضع لها أكثر وأكثر، وازدادت عبوديته إجباراً. وهكذا، في النهاية، يكتشف هذا الإنسان العظيم الجبار ذو النفس الجميلة البهية كيف هو صار مقهوراً ساقطاً تحت سلطان الخطية، وكيف هي غررته وخدعته تحت سلطان الشهوة واللذة والغنى الحرام، ويقيس فيجد أن كله كذب في كذب، لأن الخطية في الحقيقة هي أكبر كذبة في عالم الإنسان، ولا يدرك هذه الحقيقة إلا من تمرمر تحت ثقلها وذاق عمقها الفاجر، لكي تتركه في الختام فاقداً أعز ما يملك. وبهذا يتم قول المسيح: الذي يعمل الخطية هو عبد للخطية». ولكن، الله، لم يترك الإنسان في هذا الوضع، الله تحرك منذ البدء وحرك السماء والأرض وحرَّك الأجيال والأنبياء والزمان والتاريخ ليعمل كله لحساب هذا الخاطئ الواقع في هذه العبودية، أرسل ابنه لينقذه منها، بل إن أول اسم حازه المسيح هو : مخلص، جاء ليخلص شعبه من خطاياهم، هذا هو عمله الوحيد أمات الخطية وقام غالباً إياها ورفع عن الإنسان ثقلها، وأعطاه جدة روحية في كل شيء فكر جديد، إرادة جديدة، مشيئة جديدة. كل شيء قد صار جديداً للإنسان. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
04 مارس 2025

يوم الثلاثاء من الأسبوع الثاني (مر ۱۰: ۱۷-۲۷)

[ وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى الطَّرِيقِ، رَكَضَ وَاحِدٌ وَجَنَا لَهُ وَسَأَلَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ. أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لَا تَزْنِ. لَا تَقْتُلُ. لَا تَسْرِق. لَا تَشْهَدْ بِالرُّورِ. لَا تَسْلُبْ أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هذه كُلُّهَا حَفَظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي». فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: يُعْورُكَ شَيْءٍ وَاحِدٌ. اذْهَبْ بِعْ كُلِّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَيْرٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتَّبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ». فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِينَاً، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ. فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الْأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ! فَتَحَيَّرَ التَّلَامِيذُ مِنْ كَلامِهِ. فَأَجَابَ يَسُوعُ أَيْضاً وَقَالَ لَهُمْ: «يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الْأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ! مُرُورُ جَمَلٍ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ! فَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُص؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ، لأَنَّ كُلِّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللَّهِ ]. الشاب الغني وتبعية المسيح نحن هنا أمام إنسان كامل من جميع ما يُطلب من الإنسان اليهودي، فهو مؤدب ويحترم المعلمين، وهو كما سنرى حفظ الناموس كله منذ حداثته، أما كونه ذا أموال كثيرة ففي اليهودية هذا يُعتبر نجاحاً ليهوديته وتوفيقاً من الله ومجالاً كبيراً لعمل الخير والصلاح. كذلك واضح أن هذا الغني الذي حفظ الناموس يعرف جيداً أن هناك حياة أبدية يرثها الذين أكملوا الناموس، فهو يسأل عما يعمله أكثر من حفظ الناموس ليرث الحياة الأبدية. إلى هنا لا نجد غباراً على هذه الشخصية اليهودية التي تسعى نحو الحياة الأبدية. وهو حينما جثا أمام المعلم أعلن جهاراً الطاعة الكاملة والخضوع لكل ما يشير به المعلم، ودعاه صالحاً توقيراً منه المعلمه منتظراً المشورة لما يعمله بعد أن أكمل الناموس، وكان أمله أن يدله على عمل يكمل الناموس باستخدام ثروته، ولا مانع إذا كان يأخذ منها المعلم شيئاً نظير مشورته. فابتدره المسيح بأن رفض لنفسه لقب الصلاح كمعلم، فالصلاح الله وحده وليس للمعلمين «فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْرٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتَّبَعْنِي حَامِلاً الصليب» هذه أول مرة في الأناجيل يُصرح أن المسيح أحب إنساناً، وحينما يقول الإنجيل إنه أحبه فيعني أنه أحبه شاب غني يحفظ الناموس باهتمام منذ صباه ويذهب وراء المعلمين يسأل باهتمام ماذا أعمل بعد حفظي الناموس حتى أرث الحياة، هذا نموذج فريد لا يمكن أن نجد في كلامه أو سلوكه أي خطأ ولكن للأسف لقد أخفق الفتى فيما أخفقت فيه إسرائيل كلها، لقد سحرها مالها وغناها ونسيت إلهها وعبدت كل ما عداه، ولكن إسرائيل جاءها المسيح يطلب ودها فرفضته، وذبحته، وهذا الغني جاء يطلب ود الله ولكن كان قد اقتنى مالاً كثيراً فحجزه عمن أحبه. "اذهب بع كل ما لك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء" عملية تحويل بديعة وناجحة ومربحة بالدرجة الأولى، تحويل مدخراتك من بنك الأرض إلى بنك الأرصدة المرصودة لحساب الحياة الأبدية ومقره السماء، حيث لا ينقب سارق ولا يفسد سوس بأرباح مركبة المسيح هنا يقدم المشورة الناجحة للغني الساعي الميراث ملكوت الله، والمسيح لا يقدمها من فراغ بل يقول وهو الضامن لما يقول، وأمر يسوع يخرج مدعماً بقوة على التنفيذ، فمهما كان الأمر صعباً وشبه مستحيل ففي أمر المسيح ضمان التنفيذ والنجاح، لأنه لم يعد قولاً عادياً، بل أمراً يتحمل المسيح شخصياً لا نجاحه فقط بل ويتحمل أيضاً كل مسئولية تنشأ أثناء التنفيذ وبعد التنفيذ، لأنه لم يصبح أمراً عادياً بل رهاناً على مصداقية المسيح فكل من سمع وآمن وأطاع ونفذ يتحقق من مصداقية المسيح، ويرى ويعاين مجده «إن آمنت ترين محد الله». «وتعال اتبعني حاملاً الصليب» إن هو حقا باع وألقى بنفسه على رجاء أمر المسيح؛ يحمله المسيحويضعه على الطريق وإذ يكون قد تحرر من حمله الثقيل يستطيع أن يسير ويتبع المسيح. والذي باع كل ما له لم يعد له ما يستحق أن ينظر وراءه، ففي الحال يرى السماء مفتوحة، ويأتي إليه من يضع علامة العبور على كتفه. «فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِيناً، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ» . لقد سحر المال ذلك الغني فقيمه بأكثر من الحياة الأبدية التي جاء يطلبها ودله عليها المسيح لأنه لما وازن بين المال والملكوت زين له العدو عظمة الغنى في هذا الدهر، فانطفأت جذوة الحياة الأبدية من قلبه فاغتم ومضى حزيناً على أشواق ذهبت ولن تعود وهذا هو الغم الذي اشتراه بأمواله، وهذا هو الحزن الذي ورثه له غناه! «فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الْأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ! فَتَحَيَّرَ التَّلَامِيذُ مِنْ كَلَامِهِ». هنا القديس مرقس ينقل عن شاهد عيان دقيق الملاحظة يستطيع أن يقرأ الحركات والسكنات ويحولها إلى لغة وأوصاف. فالمسيح هنا ينظر حوله ليستطلع مدى تأثر التلاميذ بالدرس العملي الذي ألقاه عليهم على مستوى وسيلة الإيضاح فالشاب الغني كاد يبكي على حال غناه إذ جعله المسيحيقف موقفاً حاسماً من نفسه: المال أم الملكوت؟ فاختار المال ومضى مغموماً حزيناً!! وكأن المسيح يقول لهم بنظراته أسمعتم ورأيتم كيف وقف المال عثرة كؤود في طريق الملكوت؟ وبعدها قال حكمه الإلهي: «ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله». «فَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُص؟» كلام المسيح لا يخضع لمنطق العالم، والخلاص أيضاً لا يخضع لمنطق أبناء هذا الدهر، ولكن باستطاعة الله أن يخلص الغني ويخلص كل إنسان، إن هو سمع صوت دعوة الله. وكل إنسان يتعذر خلاصه إن هو أراد أن يخلص نفسه، ولكن إن سلم حياته للمسيح خلص: «آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك». وأخيراً نقول : الخلاص ليس في يد إنسان بل في يد الله، فلا نستطيع نحن أن تدبر الخلاص لأنفسنا. فالخلاص هو باستطاعة الله وحده، لذلك من الخطأ بل والخطية أن نسأل مَنْ يستطيع أن يخلص؟ لأنه لا يستطيع الإنسان أن يُخلّص نفسه، هذا باستطاعة الله وحده خلوا من غنى أو فقر. شيء واحد تعلمناه من درس هذا الغني أنه إن لم يبع الإنسان كل ماله ويعطي الفقراء ويتبع المسيح حاملاً صليبه، فعسير عليه أن يخلص! المتنيح القمص متى المسكين
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل