المقالات
27 أكتوبر 2020
القُمُّص بِيشُوي بُطْرُس(من رواد مدارس احد اسكندرية)
وُلد ثروت بطرس فى ٦ ديسمبر ۱٩٤۲ بمدينة نقادة محافظة قنا ، من أسرة كهنوتية ؛ فكان جده القمص متياس ، لذلك تربىَ في وسط تقوى أصيل ، جعله يذهب في شبابه ليتتلمذ في خدمة الدياكونية الريفية على يد المتنيح الطيب الذكر أنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة ؛ حيث أخذ يجُوب البلاد والنجوع واعظاً ؛ إلى أن أتى إلى القرى المحيطة بغرب الإسكندرية في طريقها الصحراوى بإرشاد القمص بولس بولس رائد الدياكونية ومدارس الأحد الشهير .
أسس الشماس ثروت فروع مدارس الأحد واجتماعات الوعظ للكبار كخادم مكرس في كتيبة الدياكونية الريفية، فبدأ أول خدمة في منطقة الصحراوى (مصر - إسكندرية) على جانبي الطريق لأطراف متباعدة منها (منطقة كينج مريوط -المستعمرة - عبد القادر - العرجى - العامرية - الناصرية - قرى النهضة - العشرة آلاف - النوبارية - بهيج - برج العرب - الغربنيات - الحمام - الضبعة..) حيث كان الأخ ثروت بطرس يجمع الناس في خدمة كرازية بدأها في البيوت والحقول وبذرها من لا شيء؛ بلا إمكانيات ولا زاد ولا زواد ؛ حتى دعته النعمة ليكون كاهناً للمذبح المتنقل في الصحاري والبراري ؛ يفتقد ويزور كل بيت وموضع ؛ بداية من ضواحي الإسكندرية إلى مشارف محافظة مطروح ؛ قبل أن تُبنىَ كنيسة هناك آنذاك ؛ لكنه تشرَّب فكر الإنجيل وكرازة بشارته التي تأسَّست عليها منهجية مدارس الأحد ؛ فأسس الكنيسة كمعنىً وكحياةٍ أولاً؛ حتى أفاض الله عليه بالعطايا عندما بنى الكنيسة كمبنىً ؛ بل وكنائس وقباب ومنارات أعدها العَليُّ لسُكناه ومواضع لرضاه ؛ لأجل استصلاح الصحاري والجُدُوب ؛ لزراعة فلاحة الله ببذار الكلمة .سيم كاهناً في ٤ / ٧ / ١٩٧٥ بيد الأنبا باخوميوس مطران البحيرة والخمس مدن الغربية ؛ بإسم القس بيشوي ؛ وصار باكورة كهنة المذبح المتنقل في القطر المصري لقطاع الصحراء الغربية ..بداية من بوابات الاسكندرية ومحيطها الصحراوي والساحلي .ليكون المذبح المتنقل والقداسات اليومية زاده الوحيد ، حاملاً الأوانى المقدسة للقرى المجاورة (في شنطته المتهرئة الشهيرة)، رافعاً الصعائد والقرابين ومفسراً لكلمة الحياة ، محباً للتكريس وللصلاة والكتاب المقدس ولخدمة الأطفال والكبار، ولخدمة الفقراء والأعضاء المتألمة، وأيضاً اهتم بأعمال التنمية والترقية الريفية؛ محولاً الطريق الصحراوي إلى طريق عامر بالبيع والكنائس المقدسة ؛ وَفِيًّا للروح والطريقة التي تسلمها من رُوَّاد التربية الكنسية والدياكونية الريفية على يد الخدام الكبار أنبا صموئيل أسقف الخدمات الأول وأنبا أثناسيوس مطران بني سويف وم. يوحنا الراهب وم. يسي حنا ود. طلعت عبدة حنين وجيل الأولين الذين رفعوا عيونهم إلى السماء؛ وثبتوا أرجلهم على أرض واقع الإنسان المعذب ؛ كي يعبُروا إليه بالمعونة؛ من أجل الخلاص والإشباع والنجاة والحرية التي صنعها ابن الإنسان الكلمة المتجسد من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا...
حقيقة صارت مدارس الأحد هي ثمرة الكنيسة ؛ وأيضاً الكنيسة صارت ثمرتها ؛ فهناك كنائس بدأتها مدارس الأحد؛ وكانت المباني الكنسية تالية لها .. وقد لمستُ ذلك في عشرات الفروع التي أنشأها أبونا القمص بيشوي بطرس ؛ عندما كان يبدأ خدمة قرية بإنشاء فرع لمدارس الأحد واجتماعاً للكبار يتحول إلى كنيسة ومذبح وذبيحة وليتورجيا ما بعد الليتورجيا ، في خدمة العطاء والتوزيع التي أجاد فُنُونها؛ وتطوَّر معها كخادم مُبدع في بساطته ؛ غنياً في افتقاره ؛ بناءاً حكيماً في أرض مَذَلَّته .ترقىَّ إلى رتبة القمصية في ۲٨ فبراير ۱٩٩۲ وقد أعطاه الله من فيض نعمته ، فمن كنيسة في كُوخ صغير؛ صارت كنيسة وكاتدرائية ضخمة؛ ومقراً لأسقفية جديدة وحديثة . رُسم لخدمتها عشرات وعشرات من الآباء الكهنة والمكرسين.. هذا وقد بنى مقودا بذراع الله الرفيعة ؛ أكثر من ٢٠ كنيسة لتكون منائر ومذابح لله وخدمات وملاجئ وبيوت لخدمة الحالات الخاصة ومستشفى لعلاج وخدمة الفقراء ؛ وأعمال مجيدة صار فضل القوة فيها لله الذي استخدم هذا الخادم البسيط والنقي ليكون آلة عمله ؛ حتي يتكامل ويزداد العمل بجهاد وأتعاب آباء جُدُد يستكملوا التسليم حسبما تسير كنيستنا على مر الأزمان .
إن الخادم الغلبان ثروت بطرس (القمص بيشوي) رمزٌ وعلامة لخدام مدارس الأحد والدياكونية والقرى المجاورة؛ يجُول ويصلي ويبني ويعطي في خدمة نارية ؛ مهموماً بمحيط رعيته نارياً في خدمته ؛ محباً للفقراء وللتعمير ، يجول في الخلاء وقيظ الشمس حتى أخرجه الرب إلى الرَّحْب والسعة . وستبقى الخفيات في أعماله أكثر من المُعلَنَات ، وسيكافئه الرب عنها جميعاً .
وعن روحة البسيطة والوثَّابة الطموحة التي استقاها من تلمذته للمتنيح أنبا صموئيل ومن قيادة القمص بولس بولس لخدمته ، ومن إرشادات أبيه الروحي القمص بيشوي كامل ؛ لذلك تمنطق وغسل الأرجل وأكمل الطاعة وصار قربانةً مطحونة وصعيدة مسحوقة مُقدَّمة كصعيدة حُب؛ ناطقة على المذبح وكشمعة أضاءت الأرجاء ، حاملاً على كتفه صليب الأتعاب والمسافات والظروف والصعاب، عندما مات مِيتات كثيرة في بناء وتأسيس النفوس والمباني بمشورات الله .تنيح بسلام فى ٥ مارس ۲٠۱۳ الموافق ٢٦ أمشير ١٧٢٩ وستبقى سيرته مثالاً للوُعاظ المتجولين ولخدام القرى المجاورة والمذبح المتنقل إلى يوم مجيء السيد الرب .
القمص اثناسيوس جورج كاهن كنيسة الشهيد مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
26 أكتوبر 2020
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (12) العطاء
مفهوم العطاء وبركاته ..
مفهوم العطاء .. فى عصر يسوده التكالب على المادة والاقتناء والانانية نرى ابناء الله يعطون أنفسهم اولاً لله ثم يبذلون أنفسهم فى سعادة من أجل أخوتهم لاسيما المحتاجين والفقراء متذكرين كلمات الرب يسوع ان الغبطة فى العطاء { في كل شيء اريتكم انه هكذا ينبغي انكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع انه قال مغبوط هو العطاء اكثر من الاخذ} (اع 20 : 35). العطاء ليس هو عطاء المال فقط ، ولكنه يشمل العطاء في كل شئ بالبذل والمحبة والتضحية والتشجيع والخدمة والوقت والمال والعواطف الصادقة . ان العالم بما فيه من غزارة فى الانتاج وسوء فى التوزيع، ومن فيه من فقراء ومحرومين واناس بلا مسكن مناسب واناس تموت من سوء التغذية او انعدام الماء النظيف او الحرمان من الرعاية الصحية والتعليمية والاخلاقية فى حاجة ليرى محبة الله المعلنة فى المسيح يسوع من خلال المؤمنين ليري الناس اعمالنا الصالحة ويمجدوا ابانا الذى فى السموات . ان العطاء وعمل الرحمة يشمل كل أشكال الرحمة والعطاء والمساعدة المادية والمعنوية والنفسية والروحية للمحتاجين والفقراء بصفة عامة والكنيسة واحتاجاتها فى الخدمة المادية والروحية وكل عمل يهدف الى أظهار رحمة الله الحانية على كل احد فى حكمة فى العطاء والتوزيع فلا يؤخد مال المحتاجين ويعطي للمحتالين فى عالم يموت فيه ربع مليون كل يوم من الجوع يجب ان يُقدم عمل الرحمة للمحتاجين من اي جنس او دين وامة ولاسيما أهل بيتنا وخاصتنا المحتاجين {وان كان احد لا يعتني بخاصته ولا سيما اهل بيته فقد انكر الايمان وهو شر من غير المؤمن} (1تي 5 : 8).
العطاء تشبه بالله واشتراك فى العمل معه ... ان الله هو الرازق ومعطي جميع الخيرات ، وهو الخالق القدير الذي يملك كل شيء والذي يعطي بسخاء ولا يعير وهو يريد ان يشركنا معه فى كل عمل صالح {ولكن من انا ومن هو شعبي حتى نستطيع ان ننتدب هكذا لان منك الجميع ومن يدك اعطيناك} (1اخ 29 : 14) . { وهو يفعل خيراً يعطينا من السماء أمطاراً وأزمنة مثمرة ويملأ قلوبنا طعاما وسروراً}أع17:14. الله هو الذى أمطر مناً من السماء أربعين عاماً ليأكل الشعب ولم تفرغ خزائنه، وأعطاهم لحماً ليأكلوا أربعين يوماً صباحاً ومساءً . وهو الذي عال إيليا النبى عندما كان الرب يرسل له غراباً بخبز ولحم صباحاً ومساءً كل يوم.. فمن أين وكيف؟ وهل تعلم أن الغربان من أشد الطيور نهماً وأكلاً للحوم؟ ثم ذهب ايليا بامر الرب إلى امرأة أرملة لديها ابن وحيد. وبسبب المجاعة لم يبق لديها إلا كف من الدقيق والزيت ليكفيها هي وابنها لوجبة واحدة قادمة { وفيما هي ذاهبة لتاتي به ناداها وقال هاتي لي كسرة خبز في يدك. فقالت حي هو الرب الهك انه ليست عندي كعكة ولكن ملء كف من الدقيق في الكوار وقليل من الزيت في الكوز وهانذا اقش عودين لاتي و اعمله لي ولابني لناكله ثم نموت. فقال لها ايليا لا تخافي ادخلي واعملي كقولك ولكن اعملي لي منها كعكة صغيرة اولا واخرجي بها الي ثم اعملي لك ولابنك اخيرا . لانه هكذا قال الرب اله اسرائيل ان كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص الى اليوم الذي فيه يعطي الرب مطرا على وجه الارض. فذهبت وفعلت حسب قول ايليا واكلت هي وهو و بيتها اياما. كوار الدقيق لم يفرغ وكوز الزيت لم ينقص حسب قول الرب الذي تكلم به عن يد ايليا} 1مل 11:17-17. ان عطاء المرأة من اعوازها كان أمتياز لها . الرب الخالق لا يحتاج ولكنه يحبنا ويريد أن نشترك معه في عمله ونكون جزء من تتميم مقاصده . هو يريدنا أن نكون أعضاء بره. يريد أن يعطي بنا ويشبع من خلالنا ، فنجد الشبع والعطاء يرتد إلينا فائضاً يملأ كل احتياجتنا بل ويزيد ويفيض .
العطاء نمو لخبرتنا الإيمانية... قبلت الأرملة دعوة الرب لتقدم الخبز لإيليا أولاً. فاختبرت حياة الإيمان كما حصلت على المكافآت وتسديد الاحتياجات. وهناك أرملة أخرى قدمت فلسين هم كل ما عندها ومدحها السيد المسيح لانها وثقت فى الله الذي يدبر كل احتياجاتنا حسب غناه فى المجد {ذوقوا وانظروا ما اطيب الرب طوبى للرجل المتوكل عليه.اتقوا الرب يا قدسيه ، لانه ليس عوز لمتقيه. الاشبال احتاجت وجاعت واما طالبو الرب فلم يعوزهم شئ} مز 8:34-10. العطاء امتياز خاص بحياة الإيمان بالرب، لذا يدعونا للعطاء ليعلمنا حياة الايمان وليس بالحسابات البشرية المعقدة والمخاوف النفسية. أعطوا بالإيمان وأنتوا تنتظروا حصاداً وفيراً فى الارض وفى السماء { اعطوا تعطوا كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون في احضانكم لانه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم} (لو 6 : 38) . وبينما نرى البعض يجعل من المال الها يتعبد له نري ابناء الله يستخدمون اموالهم وممتلكاتهم وحياتهم للنمو في الايمان والعطاء ويفيض عليهم الله ببركاته { لا يقدر خادم ان يخدم سيدين لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الاخر او يلازم الواحد و يحتقر الاخر لا تقدرون ان تخدموا الله والمال. وكان الفريسيون ايضا يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزاوا به. فقال لهم انتم الذين تبررون انفسكم قدام الناس ولكن الله يعرف قلوبكم ان المستعلي عند الناس هو رجس قدام الله} لو13:16-15.
العطاء والبركة والخير .. ان الله كآب صالح يدرك حاجتنا لان نري خيراً ومكأفاة ليس في السماء فقط بل وعلى الارض ايضا { اكرم الرب من مالك ومن كل باكورات غلتك فتمتلىء خزانتك شبعا وتفيض معاصرك مسطارا } ( ام 3 : 9 – 10}.{ ايسلب الانسان الله فانكم سلبتموني فقلتم بم سلبناك في العشور و التقدمة. قد لعنتم لعنا واياي انتم سالبون هذه الامة كلها.هاتوا جميع العشور الى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربوني بهذا قال رب الجنود ان كنت لا افتح لكم كوى السماوات وافيض عليكم بركة حتى لا توسع} ملا 8:3-10. العطاء وعمل الرحمة ينجي من الشر واقراض لله يعود علينا بربح جزيل {من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفة يجازية} ( ام 19 : 17). الله ليس بظالم حتى ينسى تعب المحبة وعمل الرحمة { هذا وان من يزرع بالشح فبالشح ايضا يحصد ومن يزرع بالبركات فبالبركات ايضا يحصد} (2كو 9 : 6). {طوبى للذي ينظر الى المسكين في يوم الشر ينجيه الرب }(مز41 :1).
العطاء ومحبة الله لنا .. ان كنا نريد ان نكون محبوبين للرب يجب ان نعطي بسرور وسخاء ليس عن أضطرار او بتغصب {كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن او اضطرار لان المعطي المسرور يحبه الله} (2كو 9 : 7).والخير الذي نصنعه اليوم نجده ولو بعد أيام كثيرة لنا ولابنائنا من بعدنا { ارم خبزك على وجه المياه فإنك تجده بعد أيام كثيرة }( جا 11 – 1 }. { كنت فتى وقد شخت ولم أر صديقاً تخلى عنه ولا ذرية له تلتمس خبزاً }( مز 37 – 25 ) . {فاذا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لاهل الايمان }(غل 6 : 10).
العطاء وقبول الصلاة وغفران الخطايا .. لقد أمر الله أشعياء قائلا ناد بصوت عال لا تمسك ارفع صوتك كبوق واخبر شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم أن سخط الله قد اشتد عليهم بسبب خطاياهم وكبريائهم وعدم الرحمة لديهم { يقولون لماذا صمنا ولم تنظر ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ ويعاتبهم ها أنكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمة الشر لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء. أمثل هذا يكون صوم اختاره يوما يذلل الإنسان فيه نفسه يحني كالأسلة رأسه ويفرش تحته مسحا ورمادا هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا للرب. أليس هذا صوما اختاره حل قيود الشر فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحرارا وقطع كل نير. أليس أن تكسر للجائع خبزك و أن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك إذا رأيت عريانا أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك. حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعا ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك. حينئذ تدعو فيجيب الرب تستغيث فيقول هأنذا} (أش2:58-9).إن العلاج لاستعطاف الله قد أعطي لنا في كلمات الله نفسه فالتعاليم الإلهية تعلمنا ما ينبغي أن نفعله ، ان نرحم اخوتنا . لأن من لا يرحم لا يستحق مراحم الله ولا يتحصل على أي نصيب من العطف الإلهي حتى لو صلي مادام ليس لديه رحمة نحو طلبات الفقير هذا ما أعلنه الروح القدس في الإنجيل فطوبى للذي ينظر إلى المسكين في يوم الشر ينجيه الرب (مز 41: 1) وروفائيل الملاك يشهد بذلك ويحث على أن تعطي الصدقة باختيار وسخاء قائلا الصلاة جيدة مع الصوم والصدقة لان الصدقة تنجي من الموت وتطهر من الذنوب (طو: 8-9).
الأجر السمائي ... ما من شئ يبقى لنا كنز فى السماء مثل أعمال الرحمة والعطاء للمحتاجين {طوبى للرحماء لانهم يرحمون (مت 5 : 7) من اجل هذا يوصينا السيد المسيح بان نكنز في السماء بعمل الرحمة { لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون.لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضا} مت 19:6-21. ان مقياس دخولنا للسماء هو عطائنا ومحبتنا {ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم.لاني جعت فاطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فاويتموني.عريانا فكسيتموني مريضا فزرتموني محبوسا فاتيتم الي. فيجيبه الابرار حينئذ قائلين يا رب متى رايناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك.ومتى رايناك غريبا فاويناك او عريانا فكسوناك.ومتى رايناك مريضا او محبوسا فاتينا اليك. فيجيب الملك ويقول لهم الحق اقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم} مت 34:25-40. يا له من جزاء عظيم أن نطعم السيد المسيح عندما يكون جائعا او نسقيه عندما يكون عطشانا او نستضيفه غريبا او نكسوه عريانا فى احد الفقراء ويالها من جريمة كبري أن نزدري بالمسيح متي كان جائعا او عطشانا او عريانا ..الخ .
ان الصدقة تمحو الخطايا وتؤهلنا لنوال الرحمة والحياة الابدية {لان الصدقة تنجي من الموت و تمحو الخطايا وتؤهل الانسان لنوال الرحمة و الحياة الابدية }(طو12 : 9) . {لان الصدقة تنجي من كل خطيئة ومن الموت ولا تدع النفس تصير الى الظلمة} (طو4 : 1). {الماء يطفئ النار الملتهبة والصدقة تكفر الخطايا} (سيراخ 3 : 33).
العطاء فى حياة السيد المسيح وتعاليمه..
السيد المسيح مثالاً وقدوة .. يقدم لنا السيد المسيح قدوة ومثالاً فى العطاء والرحمة والمحبة الباذلة لنتبع خطواته اذا كان يجول يصنع خيراً ، يشبع الجائعين ويشفى المرضى ويقيم الساقطين ويتحنن على المحتاجين ويعلم الجهال ويكرز ببشارة ملكوت الله داعياً الى التوبة {ولما راى الجموع تحنن عليهم اذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها} (مت 9 : 36). من أجل ذلك قيل فيه {فانكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح انه من اجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا انتم بفقره }(2كو 8 : 9). عاش كفقير وهو الذي يشبع كل حي من غناه وعندما أقلبت اليه الجموع وعلمهم {ولما صار المساء تقدم اليه تلاميذه قائلين الموضع خلاء والوقت قد مضى اصرف الجموع لكي يمضوا الى القرى ويبتاعوا لهم طعاما. فقال لهم يسوع لا حاجة لهم ان يمضوا اعطوهم انتم لياكلوا. فقالوا له ليس عندنا ههنا الا خمسة ارغفة وسمكتان. فقال ائتوني بها الى هنا. فامر الجموع ان يتكئوا على العشب ثم اخذ الارغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره نحو السماء وبارك وكسر واعطى الارغفة للتلاميذ والتلاميذ للجموع.فاكل الجميع وشبعوا ثم رفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشر قفة مملوءة. والاكلون كانوا نحو خمسة الاف رجل ما عدا النساء والاولاد} مت 15:14-21.
من السيد المسيح نتعلم المحبة والخدمة الباذلة ... فالمحبة كانت الدافع والمحرك للخدمة بتواضع وبذل لخاصته وللخطاة والاشرار ولكل البشرية فى كل زمان ومكان { ليس لاحد حب اعظم من هذا ان يضع احد نفسه لاجل احبائه }(يو 15 : 13). هو السيد والرب احبنا وبذل ذاته فدءاً عنا {اما يسوع قبل عيد الفصح وهو عالم ان ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم الى الاب اذ كان قد احب خاصته الذين في العالم احبهم الى المنتهى} (يو 13 : 1) . وهكذا علم تلاميذه ويعلمنا كيف تكون الخدمة والعطاء {فدعاهم يسوع و قال لهم انتم تعلمون ان الذين يحسبون رؤساء الامم يسودونهم وان عظماءهم يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم بل من اراد ان يصير فيكم عظيما يكون لكم خادما.ومن اراد ان يصير فيكم اولا يكون للجميع عبدا.لان ابن الانسان ايضا لم يات ليخدم بل ليخدم و ليبذل نفسه فدية عن كثيرين} مر42:10-45.
ما لدينا هو وزنات وهبات من الله .. ان كل ما لدينا من وزنات ومواهب وأمكانيات هي عطايا من الله وما نحن الا وكلاء على مواهب وعطايا الله المتنوعة وسنعطي عنها حسابا يوم الدين {وكانما انسان مسافر دعا عبيده وسلمهم امواله. فاعطى واحدا خمس وزنات واخر وزنتين واخر وزنة كل واحد على قدر طاقته وسافر للوقت. فمضى الذي اخذ الخمس وزنات وتاجر بها فربح خمس وزنات اخر. وهكذا الذي اخذ الوزنتين ربح ايضا وزنتين اخريين. واما الذي اخذ الوزنة فمضى و حفر في الارض واخفى فضة سيده.وبعد زمان طويل اتى سيد اولئك العبيد وحاسبهم.فجاء الذي اخذ الخمس وزنات وقدم خمس وزنات اخر قائلا يا سيد خمس وزنات سلمتني هوذا خمس وزنات اخر ربحتها فوقها. فقال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك. ثم جاء الذي اخذ الوزنتين وقال يا سيد وزنتين سلمتني هوذا وزنتان اخريان ربحتهما فوقهما.قال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} مت 14:25-23. لهذا يوصينا بالعطاء ويعدنا بالمكافأة {اعطوا تعطوا كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون في احضانكم لانه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم (لو 6 : 38). ويقول لنا ان نصنع لنا اصدقاء بمال الظلم اي ما نحجبه من عشورنا ونذورنا وبكورنا عن المحتاجين {وانا اقول لكم اصنعوا لكم اصدقاء بمال الظلم حتى اذا فنيتم يقبلونكم في المظال الابدية }(لو16 : 9). وان كانت العشور والنذور والبكور هي عطايا العهد القديم ويقدمها الكتبة والفريسيين فاننا مطالبون باكثرمنها {فاني اقول لكم انكم ان لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات }(مت 5 : 20).
العطاء للجميع بدون انتظار المقابل .. ان الله في خيريته يشرق شمسه على الصالحين والطالحين ويمطر على الابرار والاشرار ويتأني ويرحم الجميع ويريد منا ان نتعلم منه الرحمة والمحبة للجميع دون أنتظار لمقابل والله هو الذى يعطينا الاجر العظيم كابناء له {وكل من سالك فاعطه ومن اخذ الذي لك فلا تطالبه.وكما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا انتم ايضا بهم هكذا.وان احببتم الذين يحبونكم فاي فضل لكم فان الخطاة ايضا يحبون الذين يحبونهم.واذا احسنتم الى الذين يحسنون اليكم فاي فضل لكم فان الخطاة ايضا يفعلون هكذا. وان اقرضتم الذين ترجون ان تستردوا منهم فاي فضل لكم فان الخطاة ايضا يقرضون الخطاة لكي يستردوا منهم المثل.بل احبوا اعداءكم واحسنوا واقرضوا وانتم لا ترجون شيئا فيكون اجركم عظيما و تكونوا بني العلي فانه منعم على غير الشاكرين والاشرار. فكونوا رحماء كما ان اباكم ايضا رحيم} لو30:6-36.
العطاء في الخفاء ..السيد المسيح يعلمنا ايضا ان نعطي فى الخفاء لكي لا نجرح مشاعر المحتاجين ولا نعطي بدافع العجب والتفاخر وتمجيد الذات {احترزوا من ان تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم والا فليس لكم اجر عند ابيكم الذي في السماوات. فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الازقة لكي يمجدوا من الناس الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم. واما انت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك . لكي تكون صدقتك في الخفاء فابوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية} مت1:6-4. فمن الجانب السلبي يحذّرنا الرب من ممارسة الصدقة لأجل الناس: "لكي ينظروكم" اي لأجل إشباع الذات، قائلاً: فلا تعرف شمالك الأنا (ego) ما تفعل يمينك. فإن كان اليمين يُشير إلى نعمة الله التي تعمل فينا، فإنّنا نفسد هذا العمل إن قدّمناه ليس من أجل الله، وإنما لإشباع الأنا بإعلان العمل للشمال.الأنا هو أخطر عدوّ يتسلّل إلى العبادة ذاتها والسلوك الصالح، ليحطّم ما تقدّمه نعمة الله لنا خلال يميننا، وتفقده جوهره خلال الرياء الممتزج بالكبرياء. كان المراءون يصنعون الصدقة بينما يُصوّت بالبوق قدّامهم، أي تقدّم لهم دعاية، سواء في عطائهم العام في المجامع من أجل احتياجات الجماعة أو في الأزقّة .احترزوا من السلوك بالبرّ بهذا الهدف، فتتركّز سعادتكم في نظرة الناس إليكم، "وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات". فقدانكم للأجر السماوي لا يكون بسبب نظرة الناس إليكم، بل لسلوككم بهذا الهدف. لم يمنعنا الرب من صنع البرّ أمام الناس ان لم نستطيع صنعه خفية ، لكنّه يحذّرنا من أن نصنعه بغرض الظهور أمامهم .
عدم الرحمة يقود للهلاك .. قدم لنا السيد المسيح مثالاً لعدم الرحمة او الشفقة بمن حولنا وكيف يقود الى الهلاك { كان انسان غني و كان يلبس الارجوان والبز وهو يتنعم كل يوم مترفها. وكان مسكين اسمه لعازر الذي طرح عند بابه مضروبا بالقروح.ويشتهي ان يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني بل كانت الكلاب تاتي وتلحس قروحه.فمات المسكين وحملته الملائكة الى حضن ابراهيم ومات الغني ايضا ودفن. فرفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب و راى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه.فنادى وقال يا ابي ابراهيم ارحمني وارسل لعازر ليبل طرف اصبعه بماء ويبرد لساني لاني معذب في هذا اللهيب.فقال ابراهيم يا ابني اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا و الان هو يتعزى وانت تتعذب} لو 19:16-25. ان لعازر البلايا قد يكون معنا في البيت او جار لنا او بعيد عنا او زميل لنا فى العمل ، ونحن يفيض عنا الخبز وهو يهلك جوعا .وقد يحتاج منا الى العطاء المعنوي والروحي والتشجيع ويجب ان نقدمه له لئلا نحرم من ملكوت الله . فلنسلك كحكماء لا كجهلاء مفتدين الوقت لان الأيام شريرة . لقد نصح دانيال النبي نبوخذ نصر بصنع الرحمة لينجو من العقاب ولم يسمع له { لذلك ايها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك وفارق خطاياك بالبر واثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك} (دا 4 : 27) .من اجل هذا يدعونا القديس كيرلس الكبير ان نكون رحومين: ( لذلك فمن واجبنا أن نكون أمناء لله، أنقياء القلب، رحومين وشفوقين، أبرارًا وقديسين، لأن هذه الأمور تطبع فينا ملامح صورة الله، وتكمِّلنا كورثة للحياة الأبدية).
حياة الكمال والعطاء.. قدم السيد المسيح مثالا عاليا فى الكمال المسيحى للشاب الغنى ولمن يريد {قال له يسوع ان اردت ان تكون كاملا فاذهب وبع املاكك واعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني (مت 19 : 21). وهذا مافعله الرسل { و ابتدا بطرس يقول له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك.فاجاب يسوع وقال الحق اقول لكم ليس احد ترك بيتا او اخوة او اخوات او ابا او اما او امراة او اولادا او حقولا لاجلي ولاجل الانجيل.الا وياخذ مئة ضعف الان في هذا الزمان بيوتا واخوة واخوات وامهات و اولادا وحقولا مع اضطهادات وفي الدهر الاتي الحياة الابدية} مر 28:10-30. لقد نال الرسل بحق الكرامة وعمل المعجزات وخضعت لهم الشياطين ولم يعوزهم الله شئ وللان نكرمهم وهكذا فعل الأنبا أنطونيوس أب الرهبان الذى كان يملك ما يذيد عن ثلاثمائة فدان من أجود أراضى الصعيد، فباعها ووزعها أمواله واملاكه على الفقراء وعاش في الصحراء حياة الفقر الاختياري فذاع صيته فى كل الارض ونال حكمة من الله وعمل المعجزات وأقام الاموات وللان الكثير من الاديرة تسمى باسمه ليست فى مصر فقط بل وفي كل العالم .
ليست العبرة عند الله بكم العطاء لكن بكيف نعطي .. فالمرأة التى أعطت الفلسين فى الخزانه مدحها السيد لانها أعطت كل ما عندها {وتطلع فراى الاغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة. وراى ايضا ارملة مسكينة القت هناك فلسين.فقال بالحق اقول لكم ان هذه الارملة الفقيرة القت اكثر من الجميع.لان هؤلاء من فضلتهم القوا في قرابين الله واما هذه فمن اعوازها القت كل المعيشة التي لها} لو 1:21-4.والفريسى الذى يعطي العشور بكبرياء قلب ويدين الآخرين لم يتبرر امام الله كما العشار المنسحق والمرأة ساكبة الطيب الكثير الثمن بدافع المحبة مدحها الرب وقال حيثما يكرز بالإنجيل يبشر بما فعلته تذكاراً لها. وراينا كيف قبل الله عطايا كرنيليوس القائد الاممى وارسل له بطرس الرسول ليؤمن ويعتمد هو واهل بيته وكان إيمانه بداية قبول الامم فى الايمان المسيحى {فقال كرنيليوس منذ اربعة ايام الى هذه الساعة كنت صائما وفي الساعة التاسعة كنت اصلي في بيتي و اذا رجل قد وقف امامي بلباس لامع.و قال يا كرنيليوس سمعت صلاتك وذكرت صدقاتك امام الله.فارسل الى يافا و استدعي سمعان الملقب بطرس انه نازل في بيت سمعان رجل دباغ عند البحر فهو متى جاء يكلمك.فارسلت اليك حالا و انت فعلت حسنا اذ جئت والان نحن جميعا حاضرون امام الله لنسمع جميع ما امرك به الله} أع 30:10-33.
الاغنياء وصنع الصلاح والسخاء .. من أجل هذا راينا الانجيل يوصى الاغنياء ان يصنعوا صلاحا ويكونوا اسخياء فى العطاء لكي يمسكوا بالحياة الإبدية {اوص الاغنياء في الدهر الحاضر ان لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع.وان يصنعوا صلاحا وان يكونوا اغنياء في اعمال صالحة وان يكونوا اسخياء في العطاء كرماء في التوزيع. مدخرين لانفسهم اساسا حسنا للمستقبل لكي يمسكوا بالحياة الابدية} 1تيم 17:6-19. لقد ذكر الإنجيل كثيراً من الاغنياء مثل ابراهيم واسحق ويعقوب ويوسف الرامي وفى تاريخنا القبطي المعلم ابراهيم الجوهري ولم تتعلق قلوبهم بغناهم او يتكلوا عليه بل وثقوا فى الاله الحي هكذا يحذرنا الكتاب لئلا ينسى الانسان الله فى غناه {احترز من ان تنسى الرب الهك ولا تحفظ وصاياه واحكامه وفرائضه التي انا اوصيك بها اليوم. لئلا اذا اكلت وشبعت وبنيت بيوتا جيدة وسكنت. وكثرت بقرك وغنمك وكثرت لك الفضة والذهب وكثر كل ما لك. يرتفع قلبك وتنسى الرب الهك} ثت 11:8-14.
العطاء وشركة الجسد الواحد .. {فانه كما في جسد واحد لنا اعضاء كثيرة و لكن ليس جميع الاعضاء لهاعمل واحد . هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح واعضاء بعضا لبعض كل واحد للاخر} (رو 12 : 4- 5). فيجب علينا ان نحس باحتياجات اعضاء الجسد المحتاجة والضعيفة ونهتم بها . ولهذا راينا كيف حث القديس بولس اهل كورنثوس على العطاء من أجل الكنيسة فى اورشليم حيث كانت تعاني من الاضطهاد والمجاعة بسبب الجفاف {فرايت لازما ان اطلب الى الاخوة ان يسبقوا اليكم ويهيئوا قبلا بركتكم التي سبق التخبير بها لتكون هي معدة هكذا كانها بركة لا كانها بخل . حثه اياهم على العطاء بسخاء مشبهاً الاعطاء بالزرع. هذا وان من يزرع بالشح فبالشح ايضا يحصد ومن يزرع بالبركات فبالبركات ايضا يحصد. كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن او اضطرار لان المعطي المسرور يحبه الله.والله قادر ان يزيدكم كل نعمة لكي تكونوا ولكم كل اكتفاء كل حين في كل شيء تزدادون في كل عمل صالح. كما هو مكتوب فرق اعطى المساكين بره يبقى الى الابد. والذي يقدم بذارا للزارع و خبزا للاكل سيقدم و يكثر بذاركم و ينمي غلات بركم.مستغنين في كل شيء لكل سخاء ينشئ بنا شكرا لله . ان خدمتهم هذة تسد اعواز القديسين وتسبب الشكر الجزيل لله} 2كو 5:9-11. أنه نعمة وبركة من الله ان يشركنا فى العمل الصالح معه و يكون لنا أحاسيس الرب نفسه تجاه أخوتنا {بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة. وأما مَنْ كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً وأغلق أحشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه} 1يو3: 16-17.
اين ندخر اذاً اموالنا ؟... ان ما نقدمه لاخوتنا من رحمة هو كنوز لنا فى السماء {لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون . بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا و حيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون (مت 6 : 19- 20). يقول القديس أغسطينوس: ( إن أراد المسيحيون أن يرفعوا قلوبهم إلى فوق عليهم أن يدخروا ما يحبونه هناك فرغم وجودهم بالجسد على الأرض إلا أنهم يقطنون مع المسيح بالقلب وإذ صعد رأس الكنيسة أمامها هكذا ينبغي أن يصعد قلب المسيحي قدامه وإذ تذهب الاعضاء إلى حيث ذهب المسيح قدامها هكذا كل إنسان في القيامة يذهب إلى حيث تقدمه قلبه. لنذهب إلى السماء بذلك الجزء (القلب) الذي يستطيع الذهاب الآن وعندئذ سيتعبه إنساننا الكامل. ينبغي ان يهدم مسكننا الأرضي فإن مسكننا السماوي أبدي لنرسل أمتعتنا مقدما إلى حيثما نستعد للرحيل).ويقول الشيخ الروحاني: (من يترحم على إنسان،يصير باب الرب مفتوحاَ لطلباته في كل ساعة. ذو الإفراز بكسرة خبز يشتري لنفسه الملكوت).
أهمية العمل والتعفف .. اننا نوصي الجميع بالرحمة والعطاء وحياة الشركة بين المؤمنين وهذه هي سمة الكنيسة الاولي { وكانلجمهور الذين امنوا قلب واحد ونفس واحدة ولم يكن احد يقول ان شيئا من امواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركا }(اع 4 : 32). وفي نفس الوقت نحذر هؤلاء الذين يتعودوا على الاخذ بان يعملوا ماداموا قادرين ويكونوا أعفاء النفس واليد واللسان لكي تكون تقدمات وعطايا الكنيسة ومؤمنيها للمحتاجين بالحقيقة { فاننا ايضا حين كنا عندكم اوصيناكم بهذا انه ان كان احد لا يريد ان يشتغل فلا ياكل ايضا }(2تس 3 : 10). فالقادر على العمل لابد ان يعمل ولا يكون عبء على مجتمعه واهله، لهذا راينا القديس بولس الذى جال العالم كارازاً يحيا متعففاً عاملاً لخدمة نفسه ومن معه وفي نهاية خدمته رايناه يقول {فضة او ذهب او لباس احد لم اشته.انتم تعلمون ان حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان. في كل شيء اريتكم انه هكذا ينبغي انكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع انه قال مغبوط هو العطاء اكثر من الاخذ} أع 33:20-35.ان القديس بولس الرسول هو قدوة هنا لكل الاكليروس مع اننا نحرص على ان يحيا خدام الكنيسة حياة كريمة ويتفرغوا للعبادة والكرازة وكما قال الكتاب { الستم تعلمون ان الذين يعملون في الاشياء المقدسة من الهيكل ياكلون الذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح. هكذا ايضا امر الرب ان الذين ينادون بالانجيل من الانجيل يعيشون. اما انا فلم استعمل شيئا من هذا ولا كتبت هذا لكي يصير في هكذا لانه خير لي ان اموت من ان يعطل احد فخري} 1كو 13:9-15. لكن على الخدام ان يكونوا امناء فيما لله مكتفين بالقليل ، صائرين أمثلة للرعيه فى العفاف المسيحي والعطاء من الاعواز.
المال خادم وليس سيد مخدوم .. ان المال بالنسبة للمؤمن خادما وللخدمة وليس سيداً قاسيا {وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم.اذ لم يكن فيهم احد محتاجا لان كل الذين كانوا اصحاب حقول او بيوت كانوا يبيعونها و ياتون باثمان المبيعات. ويضعونها عند ارجل الرسل فكان يوزع على كل واحد كما يكون له احتياج} أع 33:4-35.ويجب ان يكون لدي الجميع قناعة بما لديهم {واما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة.لاننا لم ندخل العالم بشيء وواضح اننا لا نقدر ان نخرج منه بشيء. فان كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما .واما الذين يريدون ان يكونوا اغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس في العطب والهلاك.لان محبة المال اصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان وطعنوا انفسهم باوجاع كثيرة} 1تيم 6:6-10. {فاذا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لاهل الايمان }(غل 6 : 10).
طوبى للرحماء لانهم يرحمون..
ايها الاله الكثير الرحمة ومصدر كل الخيرات ، يا من تشبع كل حي من غناك وتشرق شمسك على الصالحين والطالحين وتمطر على الابرار والاشرار لانك انت يا رب صالح وغفور وكثير الرحمة . نصلي اليك شاكرين عطاياك ونباركك على احساناتك يا من تعولنا منذ الصغر ولا تتركنا فى الكبر والشيخوخة ، أدم مراحمك على كنيستك وبلادنا وعالمك ولتفض علينا بمحبتك ورحمتك واحساناتك لكي نسبحك كل حين كل ايام حياتنا .
ايها الرب الهنا صانع الخيرات ، اعطنا ان نتعلم منك الرحمة والكرم فى العطاء والسخاء فى التوزيع واعط الحكام والمسئولين والاغنياء وكل شعبك قلبا حكيما رحيما يشعربالآم المحتاجين والمرضى والايتام والارامل والمعوزين والمحرومين ويجزل لهم العطاء ويرسم البسمة على الشفاه ويسعى لخلاص الساقطين بعين الرحمة الإلهية التى تحب الجميع وتريدنا ان نحيا الحياة الأفضل، اعطنا الحكمة التى بها نحيا كوكلاء حكماء على نعمك المتنوعة .
يارب اعطنا قلبا نقياً وروحاً مستقيما فى عمل الخير لا ينسى أحساناتك وفضلك لكي نسبحك مع داود النبى : {باركي يا نفسي الرب و كل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس.باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل امراضك.الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة و الرافة.الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك. الرب مجري العدل والقضاء لجميع المظلومين . الرب رحيم و رؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب اثامنا}. ايها الرب الاله المحب هبنا ان نقتدي برحمتك واحساناتك ونسعى بالحكمة فى عمل الرحمة والاحسان لنجد رحمة من لدنك يا رحيم.
القمص أفرايم الأورشليمي
المزيد
25 أكتوبر 2020
الملابس المستخدمة في القداس الإلهي
البروتستانت يقولون في (1 كو11: 11) الرجل لا يغطي رأسه فكيف الكاهن، الأسقف الراهب يلبس غطاء لرأسه؟
الرد:
ليس عندنا غطاء رأس ولكن القلنسوة التي يلبسها الراهب هي خوذه الراهب التي تحمى فِكْره. لها من كل ناحية 6 صلبان ومن الوراء صليب كبير إشارة للسيد المسيح والـ12 تلميذ وهذا اللبس هو ما سلمه الملاك للأنبا أنطونيوس ويتم ارتداء الملابس باللون الأبيض وليس بالأسود في القداس إشارة للقيامة وخدمة الحياة
أما ارتداء الملابس باللون الأسود إشارة للآلام.
الطيلسانة: تاج الكهنوت مشبوك فيها طرحة إلى أسفل تشير لطرح العالم وراء ظهره وبنظره جانبية لتاج الكهنوت نجد التاج عند عمل مقطع فيه نجد شكل أقرب إلى حرف (D) وليس خط واحد. إشارة إلى أن الأسقف يخدم أكثر من كنيسة "مسئول عن أكثر من كنيسة" إذا ليس عندنا غطاء لرأس الرجل.
سؤال: ما موقف الكنيسة من الشملة؟
الرد: الشملة غطاء رأس (طرحة) هو خطأ لذلك المجمع المقدس أصدر قرار بمنعها ولا ينبغي لأحد ن يلبسها.وهذه الشملة متحورة من شملة طويلة يلفها الراهب علي رأسه والجزء الأخير يغطي به، وكانت تخص الرهبان العجائز لأن الرهبان لا يلبسوا الطيلسانة (تاج الكهنوت) للكاهن المتزوج. أما الطرحة الصغيرة خطأ لأنها غطاء رأس لا تصلح.إذًا الطرحة الثابتة بالطيلسانة هي المهمة إشارة لطرح العالم وراء الظهر.
نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
عن القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي
المزيد
24 أكتوبر 2020
المقالة الرابعة عشرة في رثاء النفس
في بعض الأيام نَهضت في الدلج ؛ وذهبت أنا واثنان من الأخوان إلى مدينة الرها المباركة ؛ فرفعت عيني إلى فوق السماء فعاينت المدينة كامرأة صافٍ صقالها ؛ تتلألأ على الأرض كالنجوم لامعة بمجد.فإذ تعجبت كثيراً قلت: إن كانت هذه البرايا تلمع بمجد هكذا كم أولى بالقديسين والصديقين الذين صنعوا مشيئة الإله القدوس ؛ في تلك الساعة إذا جاء الرب أن يشرقوا أكثر بنورٍ لا ينعت ؛ بنور مجد المخلص.وللحين تذكرت ورود المسيح المرهوب ؛ فاضطربت عظامي، وانقطعت قوة نفسي مع جسمي ؛ وبكيت بوجع قلب ؛ وقلت بزفرات: كيف أُوجد أنا الخاطئ في تلك الساعة الرهيبة ؟ كيف أمثل بحضرة مجلس القاضي المرهوب ؟ كيف أُوجد أنا المتنزه مع الكاملين ؟
أم كيف أقف أنا الجدي مع الخراف عن ميامن المسيح ؟ أم كيف أُوجد أنا الغير مثمر مع القديسين العاملين هنا ثمر العدل ؟ أو إذا عرف القديسون بعضهم البعض في الحجلة السمائية ماذا أصنع أنا ؟
ترى من يعرفني ! هل الصديقون في الخدر ؟ أو المنافقون في النار ؟ فترى الشهداء عذاباتِهم والنساك فضائلهم. فماذا أرى أنا سوى رخاوة نيتي، أيتها النفس المتنزهة، يا نفسي الخاطئة، أيتها النفس التي لا حياء لها، أيتها النفس الماقتة حياتِها إلى متى تجذبك الهموم على الأرض ؟
إلى متى يجرك سوء عادة الأفكار الخبيثة ؟ أما قد علمت أن الأفكار الخبيثة في كل ساعة تصير كسحابة مظلمة قدامك ؛ وتحجزك عن أن تقفي لدى اللـه.أنتِ تتوقعين بوفور ونيتك أن الختن السمائي سيبطئ في وروده، لا يبطئ يا شقية بل كبرق خلب يكون وروده من السماء، احرصي أن توجدي مستعدة في تلك الساعة المخيفة ؛ لكي لا تبكين هناك إلى أبد الدهور.لا تصغي بالكلية إلى هفوات آخرين، بل انتحبي على زلاتك، لا تبصري إلى القذاء في عين الأخ والقريب، بل تأملي الجذع في ناظرك تأملاً متواتراً، إن أمكنك أن تنتزعي أولاً الجذع من عينك فأخرجي قذاء الأخ والقريب، وإن لم يمكنك فنوحي على ظلمتك المستصعبة.
كيف تظنين أنك تمنحين القريب نوراً، صيري يا نفسي طبيبة لذاتك كل ساعة ؛ ثم بعد ذلك أشفي أخاكِ السقيم، فليست لك حجة عن توانيكِ لأن الإله الرحوم قد أعطاكِ كل المواهب، تمييزاً وفهماً ومعرفة روحانية، فاعرفي منذ الآن ما يوافقك.فبكى عند ذلك الأخوان اللذين معي ؛ وقالا: لم تبكِ أيها الأب بكثرة نحيب ؟ فقلت لهما: يا ولدي المحبوبين أنوح على ذاتي من أجل ونيتي، لأن الإله الصالح قد أعطانا استنارة العلم وأنا أخالفه يوماً فيوماً.لأنني إن أكملت مشيئة الرب فسأكون في تلك الساعة مغبوطاً ؛ ولست وحدي بل والذين يعملون مسراته، فمن أجل هذا يا إخوتي لا معذرة لنا هناك البتة لأننا نخطئ بمعرفة، فلنتأمل تدبير اللـه في كافة المواهب التي أعطانا إياها.فنعمته تتعهد قلوبنا دائماً ؛ فحين تجد راحة لها تدخل تسكن في النفس سرمداً ؛ وإن لم تجد القلب نقياً نظيفاً تبتعد عنه، ثم تضطرها رأفاتِها أن تتعهد الخاطئين. فإذا كنا متغيري العزم ؛ وذهننا يستحيل متقلباً، أليس بالطبع نوجد دائماً متنزهين ومسترخين حسودين خبثاء مفتكرين بعضنا ببعض أفكاراً رديئة، فاسقين نجسين متذكرين أفعالاً رديئة خبيثة، دائماً مطروحين في حمأة منتنة من الأفكار.فإذا جاءت النعمة تفتقدنا تجد في قلوبنا نتانة الأفكار الخبيثة، فتتنحى وتبتعد إذ لم تجد مدخلاً تدخل وتسكن فينا كما تريد، سوى أنَها تنخر القلب بحلاوة منيرة ليحس بأنَها تعهدته ولم تجد لها مدخلاً.
لكي إذا تحلى الإنسان بالأنوار سار يطلبها ؛ ومع هذا فهذه النعمة لا يمكنها أن تبتعد منا بالجملة لأن تحننها يلزمها ويضطرها أن ترحم الكل.أرايت تدبير اللـه السابق، أرايت تحنن المسيح الإله القدوس كيف يحبنا دائماً مريداً أن يخلصنا. فمغبوط الإنسان الذي يحرص كل وقت أن يعد قلبه نقياً نظيفاً للنعمة ؛ لكي ما إذا جاءت تجد فيه طيب نسيم الفضائل وطهارة النفس فتسكن فيه إلى أبد الدهور.فماذا نعطي الإله المتحنن عن كافة خيراته ومواهبه، إذ نزل من السماء من لدن الآب ؛ وتجسد من أجلنا في مستودع البتول، ومن أجلنا لطم مثل عبد، فماذا نقضي عن اللطمة وحدها ؟ إن عشنا على الأرض ألف سنة لا نستطيع أن نفي اللـه كما يجب له مجازاة نعمته.إني أخشى من هذا يا ولديّ المحبوبين ؛ لأنني أعرف ونيتي وأخاف من أن يكون كافة الناظرين إليَّ ؛ ومطوبي ورعي الكاذب ؛ يبصقون عليَّ هناك إذا أبصروني متحرقاً بالنار.أرثِ يارب، أيها المتحنن، المسيح المخلص ؛ الابن الوحيد ؛ لعبدك العاطل لئلا أوجد هناك قدام المنبر واقفاً بخوف وخزي عظيم ؛ وعاراً للمشاهدين أي الملائكة والناس.أدبني هنا يا مخلصي كما يليق بالأب المتحنن المحب ولده، واغفر لي هناك بما أنك أنت الإله السماوي الغير خاطئ وحدك، فإنك إن لم تيقظ الشقي وتعطيه استنارة قلب ليتوب بلا خجل عن خطاياه، فماذا يصنع هناك إذ لا عذر له ؟
فإذ لم أكن موجوداً على الأرض فجبلتني يا سيدي برأفاتك الجزيلة في جوف أمي الخاطئة، وولدت أنا الغير مستحق برحمتك ؛ وأُهلت أن أصير أناة لنعمتك ؛ ورباباً جليلة تترنم على الدوام كلمات الخلاص لكافة السامعين.فأخذت هذه الصلاة أنا المسترخي الخاطئ ؛ وأنكرت بتوانيَّ وإرتخائي ؛ لكن نعمتك لا تزال تترنم بفم المتواني ترنيمات بارة ؛ وتنير المعقول المظلم؛ وتحرك فيَّ نغمات ترنيمك أيها المسيح.فمن أجل هذا أجثو ساجداً لنعمتك أيها الابن الوحيد مخلص نفوسنا ؛ طالباً كما صارت عنا نعمتك فيَّ أنا الغير مستحق كل ساعة استنارة وصيانة ونصراً وفرحاً ؛ أن تسترني هناك تحت أجنحتها من تلك الطائلة المخيفة ؛ وتوقفني في الجهة اليمنى في ملكك ؛ مترأفاً عليَّ ؛ مخلصاً إياي برحمتك ؛ لأسبح وأمجد طول أناتك ؛ لأنك لم تعرض عن عبرات عبدك العاطل الخاطئ.لك السبح إلى أباد الدهورآمين
مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
23 أكتوبر 2020
«مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَح»
الخطيّة هي التعدّي أو قُل أنّها فِعل الإرادة عندما تنفصل عن الله. أو هي عمل الإرادة الذاتية في مخالفة وصايا الله. وقال الكتاب أنّ أجرة الخطيّة هي موت.وبداية سقوط الإنسان كانت مخالَفة وصيّة خالِقه، ومع المخالفة صار الانفصال عن الله -عن مصدر الحياة والنور- ومع الخطية دخل الموت، وساد على الإنسان بإرادته عندما ابتعد عن الحياة، لذلك قال: «مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ» (أم28: 13). المسيح جاء للخطاة -أي للموتي بالخطايا- جاء إليهم ليهب الحياة للميّت. جاء ليقيم الموتى ويحييهم. ولما كان هو غير الخاطئ وحدَه.. لذلك حمل خطيّة الخاطئ، ودفع أجرة الخطيّة عنه لما مات على الصليب، ووفّى الدين بالكامل، وخلّص الخاطئ من حكم الموت. لذلك عندما اشترانا المسيح من الموت، وسدّد الدين، وعَتَقَنا من العبودية، صرنا مديونين للمسيح. وصِرنا أحرارًا من العبودية لمّا محا الصكّ الذي كان علينا.
سؤال: بعد أن تحرّرنا بنعمة المسيح من الموت، لماذا مازلنا نخطئ؟
المسيح لما اشترانا لم يَلغِ إرادتنا ولم يُنهِ حرّيتنا بل قال: «إِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يو8: 36).
تقديس الإرادة وتقديس الحريّة هو هدف الحياة في المسيح. ليست الحرية أن أفعل ما أريد، بل الحريّة هي أن لا أُستعبَد لشيء بَطَّال.. «كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» (يو8: 34).. الخطيّة تُفقِدني الحرّيّة الداخلية، وتتسلّط على إرادتي فأصير ضعيفًا..أنا ضعيف، وأنا مُعَرّض للسقوط.. هذا حق. قد أَسقُط، ولكنّ الصِّدّيق يسقط والرب يقيمه. الخطية لم تعُد من طبيعتي، بعد أن تجدّدتُ بالمعمودية.. الخطية عنصر غريب.. بل قُل هي مرض الموت. كِتمان الخطيّة واخفاؤها هي كَمَن يُخفي مرضَهُ عن الطبيب. هذا يصير في خطر الموت.
من أكبر النعم التى حصلنا عليها في المسيح غفران الخطايا.
نحن نكشف قلبنا للنور فتتبدّد الظلمة. الشيطان وكلّ قواته لا يعمل إلاّ في الظلام.
كَشْفُ الخطايا يجعل إبليس يهرب. أنا أعترف أمام الكاهن.. هو وكيل الله كقول الرسول ووكيل سرائر الله. وفى نفس الوقت هو أبي..
عندما أعترفُ، أنا أرجع إلى أبي، أقول أخطأتُ وأطلبُ غفرانًا. لمّا أخطأ داود النبي وأخفى خطيّته قال: «لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي» (مز32: 3)، صار مُعَذّبًا، ولمّا اعترف أمام ناثان النبي وقال: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ». فقال له النبي في الحال: «الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ» (2صم12: 13).التوبة هي عقدٌ للصلح بيني وبين الله الذي أخطأتُ إليه. أنا راجع مِثل الابن الضال.. باكيًا نادمًا حزينًا بعد أن بدّدتُ مالي وصرتُ في العوز. عقدٌ للصلح بين اثنين: الخاطئ الراجع، والآب السماوي، ويُمَثِّله وكيله. الوكيل يمثل الله، وينوب عنه، ويمضي العقد، لأنّه مُفَوَّض بتوكيل. أنا أسمع كلمة غفران من فمِ الوكيل.الوكيل لا يملك شيئًا بل هو مؤتَمَن على أموال موكِّله، هو يمثّله في كلّ شيء. لذلك لا يصح أن اعترف بخطاياي أمام أي أحد ليس عنده توكيل. الوكيل لا يعطي من ذاته ولا يصرف من خزانته. الوكيل يتصرف بحسب أوامر سيده.الكاهن يضع يده بالصليب على رأس المعترف.. فالصليب هو الذي دفع ثمن الخطيّة بموت المسيح عليه.. في الصليب الغفران، ودم يسوع المسيح يطهّرنا من كلّ خطيّة. والكاهن يقول لله: «الذين أحنوا رؤوسهم تحت يدك» فيد الكاهن المنظورة تشير إلى يد الله غير المنظورة..أنا أطلب الحل والغفران فيقول الكاهن: «الله يحالك من خطيتك».رباطات الخطية هي رباطات الموت.. والكاهن وكيل الله أخذ هذا من فم المسيح «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ» (يو20: 23). هو قال للرسل الأطهار لما أقام لعازر: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ» (يو11: 44). أنا أخرج من الاعتراف في قمّة الفرح، لأجل غفران الخطايا، وكسر القيود، وحلّ الرباطات التي كنتُ مربوطًا بها.أشعر أنّ روحي عادت إلى حريّتها ورونقها ورجائها. قد تبدّدت الظلمة. لم يعد في نفسي شيء أخجل منه.. أشرق النور داخلي.. أعودُ أجدّد عهودي، وأسترد قوتي للجهاد الروحي، والسعْي نحو خلاصي وتمتُّعي بالنعمة.
المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
22 أكتوبر 2020
شخصيات الكتاب المقدس أخنوخ
"وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه" تك 5: 24
مقدمة
لا أعلم كيف فاتني أن أتعمق في دراسة شخصية أخنوخ، ولا أعلم كيف فاتني -لسنوات متعددة- أن أقترب أكثر من هذا الشعاع من النور الذي أضاء في فجر الحياة البشرية، ولا أعلم لماذا لم أصدق في هذه الهالة التي لفت وجه الرجل السابع من آدم، الذي يقول البعض: إنه اسمه يعني "المبتدئ" أو "الجديد" أو "المكرس" وعلى أي حال فإن العدد "سبعة" رمز الكمال في لغة الكتاب، ويبدو أن الرجل كان بمثابة بداية جديدة أو نقطة تحول في مفهوم التكريس وعمقه وجلاله ومجده أمام الله والناس،.. هل يرجع الأمر إلى أن الكلمات التي جاءت عنه كانت قليلة ويسيرة في أربع آيات في سفر التكوين وآية واحدة في الرسالة إلى العبرانيين، واثنتين أخريين في رسالة يهوذا؟!! أم لأننا مرات كثيرة لا تستلفت القصة أنظارنا إن لم تكن مصحوبة بوقائع معينة، تعين على الرؤيا أو تحديد الملامح؟!! أما لأننا في عجلة الحياة وسطحيتها وضجيجها وعدم تعمقها نغفل عن أن نطل على الجواهر المتلئلئة المضيئة، فلا نرى الرجل الذي كان أشبه بالفلته النادرة في عصره فعاش الحياة ولم ير الموت، لأنه عاش أجمل حياة على الأرض، وبرح الدنيا إلى حياة أبدية أسمى وأجمل، دون أن توضع على شفتيه كأس المنون ليجرعها، كما يجرعها كل إنسان على الأرض؟!!.. لقد أفلت أخنوخ وإيليا من الموت، ولن يوجد على شاكلتهما إلا أولئك الأحياء الذين يعيشون دون أن يروا الموت في المجيء الثاني السعيد!!.. من يكون هذا الرجل وما هي السمات التي يمكن أن تتميز بها شخصيته الرائدة العظيمة؟.. إنه في تصوري هو "المتصوف" الأول في الحب الإلهي إن جاز هذا التعبير؟!!.فإذا قرأنا عن قافلة المحبين لله، الذين يركضون في سباق الحب الإلهي، فسنجد هذا الرجل أول المتسابقين في فجر الحياة البشرية!!.. لقد فتحت عينيه على الله، وإذ رآه لم يعد يرى شيئاً في الوجود غيره، فتن بالله، واستغرقه الحب الإلهي، وكان أسعد إنسان في عصره يسير هائماً مع الله، وقد ازدادت سعادته بهذا اليقين الذي ملأ قلبه أنه أرضى الله،.. وإذا صح أن رجلاً إنجليزياً عطوفاً تحدث ذات يوم إلى غلام كان يمسح حذاءه، وكان البرد قارساً،.. وقال الإنجليزي للغلام بعطف عميق: يا غلام.. هل أنت مقرور؟، وأجاب الغلام بابتسامة عميقة: لقد كنت كذلك يا سيدي إلى أن ابتسمت في وجهي!!.. إذا صح أن وجهاً بشرياً يطل على آخر فيصنع الابتسامة ويشيعها فيه، فكم يكون الله الذي أطل على أخنوخ ورضى عنه وأحبه!!.. إنها قصة جميلة رائعة، تستدعي تأملنا وتفكيرنا، ولذا يمكن أن نرى أخنوخ من عدة نواح.
أخنوخ من هو؟!!
لا أستطيع أن أتصور أخنوخ دون أن أراه الإنسان ذا الهالة والوجه النوراني، وهل يمكن لإنسان أن يعيش مع الله، ويسير في صحبة الله، دون أن تطبع الصورة الإلهية، أو الجمال الإلهي عليه؟. لقد صعد موسى إلى الله أربعين يوماً وأربعين ليلة، وعاد وجهه يشع بالنور وهو لا يدري، ولم يعرف حقيقة حاله، إلا من فزع الإسرائيليين الذين لم يستطيعوا أن يبصروا هذا الإشعاع من النور دون رهبة أو إجلال أو فزع، ولقد تعود موسى أن يضع البرقع على وجهه، ليغطي هذا النور كلما اقترب من الناس أو التقى بهم، فكيف يمكن أن يكون أخنوخ الذي تعرف على الله وهو في الخامسة والستين من عمره، وسار مع الله ثلاثمائة عام بأكملها من ذلك التاريخ؟!! وإذا صح أن "دانتي" كان يرسم على وجهه -وهو يكتب الكوميديا الإلهية- كل التأثرات والانفعالات التي تجيش في نفسه، فإذا كتب عن السماء، فهو أرقى إلى الملاك وهو يكتب، مأخوذاً بالصور السماوية الرائعة،.. وإذا تحول إلى الجحيم يدير وجهه، وكأنما الشيطان ينعكس من خلال ملامحه ونظراته، فهو أدنى إله وأقرب،.. وإذا صح أن الحياة تطبع على وجه الإنسان في الأربعين من عمره -كما يقال- معالمها من ذات السلوك الذي يسلكه بين الناس، فإن الرجل الذي يسير ويستمر مع الله في سيرة ثلاثمائة عام متوالية، لابد أن ينال من الجمال الإلهي ما لم يعرفه معاصروه أو أجيال كثيرة تأتي بعده،.. وهو الرجل النافذ النظر، البعيد الرؤيا، الحالم الوجدان، الذي يمد بصره إلى ما وراء المنظور، فيرى من لا يرى، شخص الله الذي آمن به، واستولى على كيانه وسيطر على كل ذره من تفكيره وعواطفه وبنيانه،.. وإذا كانوا قد قالوا: أن المصور المشهور "هولمان هانت" عندما قيل له كيف يستطيع أن يصور المسيح ويرسمه دون أن يكون قد رآه،.. أجاب: إني سأراه وأعيش معه، سأراه طفلاً في مذود بيت لحم، وسأذهب وراءه إلى مصر، وأعود معه إلى الناصرة، وأصعد وإياه فوق جبل التجلي، وأجول معه في جولاته بين الناس، وأتمشى وراءه في أورشليم، ولن أترك مكاناً ذهب إليه دون أن أذهب، وسأرسمه مأخوذاَ بهذه كلها، فإذا صح أن هذا المصور يعيش بخياله مع المسيح على هذا النحو الجليل فإن أخنوخ -وهو يضرب بقدميه في كل مكان، وقد أخذ الله بلباب حياته- لابد أن يكون الإنسان السارح الفكر البعيد الخيال، الممتد الرؤيا، الكثير التأمل، بل لعله من أقدم الشخصيات التي صلت فأطالت الصلاة، وناجت فمدت المناجاة، وهل يمكن أن يسير مع الله وهو أصم أو أعمى أو أبكم، لقد استيقظت حواسه بأكملها، فهو سامع مع الله، متكلم معه، وهو الذي سيجد من الشركة مع الله، ما يعطيه أن يشدو ويترنم ويسبح ويغني!!.. فإذا أضفنا إلى ذلك أن هذا الرجل كان واحداً من أقدم المحبين الذين ملأ حب الله قلوبهم بل لعلنا نذهب أكثر فنراه المتصوف الذي بلغ أعلى درجات الحب الإلهي،.. فإذا كان اليونانيون قد جاءوا بعد آلاف السنين ليفصلوا أنوع الحب، وكانت هناك كلمات ثلاث مختلفة عندهم الأولى Evrn وتعني حب الشهوة ليس بين الرجل والمرأة، بل كل الأنواع التي تستحق أن تملك كمثل حب الجمال أو الخير، أو الحب الذي هو أساس الحياة الأدبية كحب الفضيلة، أو أساس الحياة الفنية كتذوق الجمال، أو أساس الحياة الفلسفية، وقد رأوها في حب الآلهة، أو الأبدية أو الخلود.. وكانت الكلمة الثانية Phibein وهي حب الخير غير الأناني الذي يعني بالإنسان والصديق والوطن وما أشبه، وكان اليونانيون يصفون به أعلى الناس، وقد وصفت به أنتيجون، الفتاة التي تابعت أخاها حتى القبر، وظلت إلى جوار جثته حتى ماتت، ووصفت به نبلوب التي ظلت عشرين عاماً تحدق في الفضاء البعيد تنتظر مجيء زوجها وسفنه الضائعة،.. والكلمة الثالثة Agapan وقد استخدمت في أكثر من معنى، وشاعت عباراتها بالمعنى السالف للكلمتين، وإن كانت تعبر عن الحب القوي العميق!!.. إذا كان أخنوخ في فجر الحياة البشرية لم يفصل أو يفرق بين هذه الأنواع، إلا أنه عاشها، فقد عاش يتذوق الحب الإلهي، ولعله صاح طوال حياته للناس: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب، كما صاح المرنم الذي تغنى بذلك بعد آلاف السنين، أو لعله قال: "إلى اسمك وإلى ذكرك شهوة النفس بنفسي اشتهيتك في الليل أيضاً بروحي في داخلي إليك أتبكر لأنه حينما تكون أحكامك في الأرض يتعلم سكان المسكونة العدل. يرحم المنافق ولا يتعلم العدل. في أرض الاستقامة يصنع شراً ولا يرى جلال الرب" كما قال إشعياء فيما بعد!!. وعاش الحب الذي خرج به عن نفسه، واستغرق لا العشرين عاماً التي عرفتها بنلوب وهي تحدق في الفضاء البعيد، والتي لم تر بغير زوجها بديلاً،.. ولم ير زوجها بغيرها بديلاً –حتى في جنات الآلهة كما سرح الخيال الوثني- وظلا كلاهما على الوفاء بعد حروب تراوده حتى التقيت آخر الأمر،.. إن حب أخنوخ لله، كان هو التصوف الذي أشرنا إليه، والذي عاشه ثلاثمائة عام، وتجاوز به حاجز الموت حتى التقى بالله ليسبح في بحر الحب الإلهي إلى آباد الدهور!!.وكان أخنوخ –ولا شك كما وصفه الكسندر هوايت- أسعد إنسان في عصره، ورغم أن العصر الذي عاش فيه –كما سنرى- من أشر العصور وأفسدها،.. لكن الرجل مع ذلك وجد جنته الحقيقية في السير مع الله،.. إنه لم يفزع من الله كما فعل آدم عندما زاره الله في الجنة، وكان عرياناً يخجل من خطيته، ويتنافر بالخطية تلقائياً عن محضر الله أو السير معه،.. إلا أن أخنوخ كان على العكس، لقد أدرك ترياق الله من الخطية، وتعلم كيف يتقرب إلى الله بالذبيحة، بل يلتقي المحبان في نشوة الحب وعمقه وصدقه وجلاله وحلاوته،.. وأجل وتلك حقيقة أكيدة إذ أن حب الله استحوذ عليه فغطى على كل عاطفة أخرى، وجاء البديل لكل حاجة أخرى، وأسكره وهو يعلم أو لا يعلم عن كل خمر يمكن أن يقدمها الناس بعضهم لبعض في هذه الحياة!!.. لقد عرف أخنوخ لغة الشاعر المتصوف الذي أنشد قصيدته بعد ذلك وهو يقول لله:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا نلت منك الود يا غاية المنى فكل الذي فوق التراب تراب
وكان أخنوخ أكثر من ذلك الرجل الغيور الملتهب، إن سيره مع الله لم يحوله إلى مجرد إنسان تأخذه النشوة، فيعيش في الأحلام دون أن يرى الواقع الذي يلمسه في العالم الحاضر الشرير، لقد زمجر كالأسد كما جاء في رسالة يهوذا قائلاً: "قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار"، وهنا نرى رجلاً ممتلئاً من الشجاعة، وقف إلى جانب الحق ومواكبه، ورفض أن يساير الباطل أو يرضى على الكذب أو يعيش في دنيا الخداع والنفاق والضلال،.. لقد أدرك أن الحق حق، وسيبقى ويسير هو إلى جانب الحق، حتى ولو امتلأت الدنيا بالباطل!!.. كان شجاعاً، وكان غيوراً، وكان الشاهد على عصره، لعصر يجري سريعاً ويستعد للطوفان المدمر المقبل الرهيب!!
أخنوخ المجدد
ولعله من الواجب أن نلاحظ هنا، أن ما أشرنا إليه عند تحليل شخصية أخنوخ، لا يعني بذلك أنه كان من طينة غير طينتنا، أو من طبيعة غير الطبيعة البشرية.. لقد ولد أخنوخ في عالمنا وجُبِّل كما جُبِّلنا،.. وهو يمكن أن يقول ما قاله آخر فيما بعد: "ها أنا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي".. لقد ولد أخنوخ بالخطية، وفي الخطية، ولكنه كأي مؤمن آخر، عرف الحياة الجديدة، والولادة الثانية.. ومن العجيب أن هذه الولادة.. جاءت نتيجة ولادة ابنه، إذ يقول الكتاب: "وسار أخنوخ مع الله بعدما ولد متوشالح".. لقد تطلع إلى وجه ابنه، ومن خلال هذا الوجه عرف الآب السماوي، لست أعلم مدى حبه لهذا الولد، ولكن هذا الولد كان بمثابة الفجر الجديد في حياته الروحية، أو في لغة أخرى: لقد أدرك أخنوخ أبوه الله عندما أصبح هو أباً، ومن خلال حنانه على ابنه أدرك حنان الله عليه.ما أكثر الوسائل والطرق التي يستخدمها الله حتى تفتح عيوننا على ذلك الطارق العظيم الذي يقف على الباب ويقرع، فإن سمع أحد وفتح الباب، يدخل إليه ويتعشى معه، وهو معه،.. ومن الناس من يجذبه الله بالعطية، فتأتي قرعته الحبيبة في صورة إحسان دافق، وخير عظيم. قد يعطينا ولداً يؤنس حياتنا، أو معونة تسد حاجتنا، أو رحمة تقابل تمردنا وعصياننا،.. قد يأتي إلينا كما جاء إلى يعقوب الهارب في دجى الليل، بعد أن خدع أباه وأخاه، وكان من الممكن أن يقسو الله عليه أو يعاقبه، ولكنه على العكس رأى سلم السماء والله فوقها يقول له: "أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله اسحق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أُعطها لك ولنسلك ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض، وها أنا معك وأُحِطَك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض ولا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به".. وقد كان الله أميناً ودقيقاً وصادقاً في وعده إلى الدرجة التي جعلت يعقوب في عودته يصرخ أمامه قائلاً: "صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك، فإني بعصاي عبرت هذا الأردن والآن قد صرت جيشين".. وقد يأتي الله بصور متعددة أخرى، قد يكون ظاهرها الغضب، وباطنها الرحمة، أو شكلها التأديب وقلبها المحبة،.. ولكنها على أي حال هي نداءات الله إلى النفس البشرية حتى تعود من الكورة البعيدة إلى بيت الآب حيث الفرح والبهجة والحرية والجمال والعزم. وقد جاء هذا النداء بقدوم متوشالح ومعه عندما كان أخنوخ في الخامسة والستين من عمره!!..
أخنوخ المؤمن
فتح أخنوخ بالتجديد الصفحة العظيمة في العلاقة بالله، وهي ما أطلق عليها سفر التكوين: "وسار أخنوخ مع الله بعد ما ولد متوشالح ثلاثمائة سنة وولد بنين وبنات".. أو ما دعاه كاتب الرسالة إلى العبرانين حياة الإيمان، "بالإيمان نقل أخنوخ لكي لا يرى الموت ولم يوجد لأن الله نقله إذ قبل نقله شهد له بأنه قد أرضى الله ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه".. أي أن السير مع الله، كان حياة الإيمان المرضية لله، والمبهجة لقلبه،.. ولم يكن هذا السير جدولاً رقراقاً بل نهراً متدفقاً، ولم يكن فتيلة مدخنة، بل ناراً متوهجة،.. أو في لغة أخرى كان إيماناً قوياً كاسحاً غلاباً لا يتذبذب، وهو بهذا يعد من أبطال الإيمان، وإذا شئنا أن نحلل إيمانه أو نصفه، يمكن أن نراه أولاً وقبل كل شيء المؤمن ذهناً، أو المؤمن الذي آمن عقلياً بالله، وكل خلية في ذهنه كتب عليها الله،.. لقد ابتدأ بما انتهى إليه الفيلسوف ديكارت،.. لقد أراد ديكارت أن يصل إلى الله، فبدأ من النقطة التي عزل فيها فكره عن كل مسبقات،.. وافترض أنه لا يوجد شيء يؤمن به، فهو لا يرى الطبيعة، وقد يكون الإيمان بها هو ختال النظر، وخداع الحس، وهو لا يؤمن بالله، فقد يكون الله موجوداً أو غير موجود، وظل ديكارت يشك في كل شيء إلى أن بلغ النقطة أنه لا يشك في أنه يوجد إنسان يشك، ومن سلم الشك آمن أنه موجود، إذاً فلابد أن له عقلاً، وأن هذا العقل يستطيع أن يفكر، وأخذ من سلم الشك طريقه إلى الإيمان، حتى توج هذا الإيمان بوجود الله، علة كل معلول، لا أعلم إن كان أخنوخ فكر في شيء من هذا، لكني أعلم أنه آمن بوجود الله وأدرك أن الله هو الحقيقة العظمى في الوجود، بل إن الله هو حقيقة كل حقيقة وصلت إلى ذهن الناس، وبلغت إدراكهم، فالله هو علة كل معلول، ومسبب كل سبب.. على أن إيمان أخنوخ لم يكن مجرد إيمان عقلي، بل كان أكثر من ذلك هو الإيمان الوجداني الذي تملك عاطفته، وسيطر على مشاعره وإحساساته،.. إن عواطفه كانت كلها إلى جانب الله، هل رأى الله في الطبيعة الساحرة؟!! هل رأى الله في الزنبقة الجميلة؟!! هل رأى الله خلف العصفور المغرد؟!! هل رأى الله في الخضرة المذهلة؟!! هل رأى الله في السموات البعيدة؟!! هل رآه في الشمس والقمر والنجوم؟، لقد رآه كاتب المزمور الثامن والتاسع عشر، ورآه وردثورت في الجبال العظيمة، ورآه يوناثان إدواردس في مظهر الطبيعة الخلاب، ورأته أعداد من الناس لا تنتهي، ممن يتحسسون الجمال، فلم يؤمنوا بجمال الطبيعة فحسب، بل قالوا مع الشاعر العظيم ملتون: بناء هذا الكون بناؤك وهو عجيب الجمال فكم أنت في ذاتك عجيب!!.. ورأى أخنوخ الله أكثر في أعماق نفسه فهو لا يرى الله حوله، بل أكثر من ذلك يرى الله داخله، أو كما وصفه أحدهم بالقول: إنه لم يره في الجمال الخارجي فحسب، بل رآه في جمال الداخل، في ذلك الشيء الحلو الدافق الذي يغمر قلبه، وفي السكرة اللذيذة التي تدغدغ حياته،.. إنه ذلك المحب الذي يسرح بعيداً بطرفه لا لأنه يرى شيئاً أمامه، بل لأنه الحب الرابض في أعماقه وقلبه، وهو الذي يتمتم بكلمات غير مسموعة، لأنه يناجي وجدانه الداخلي، وهو مرات كثيرة يمتليء بالبشاشة والسرور، لأن منظر المحبوب ومض أمام عينيه بصورة تبعث على النشوة، وتملأ الجوانح بسعادة لا توصف،.. وهكذا كان أخنوخ يسير مع الله وكأنما يشرب كأساسً منزعة مردية من الراح!!.على أن أخنوخ في سيره مع الله كان أكثر من ذلك المؤمن اختباراً وعملاً،.. كانت له جنته الحقيقية في قصة الحياة اليومية العملية مع الله، ونحن لا نعلم هل كان الله يظهر له بين الحين والآخر كما كان يظهر لأبينا إبراهيم؟ لكننا نعلم بكل تحقيق أن صلته لم تكن منقطعة بالسماء، وكل ما يفعله الإيمان في حياتنا اليومية، كان من المؤكد يفعله في حياة ذلك الرجل القديم،.. وهل هناك من شك في أن أشواقه كانت سماوية، ففي الوقت الذي كان فيه معاصروه يضجون بما تضج به الحياة الأرضية من أكل وشرب ولهو ولعب وتجارة وعمل وصراع وقتال، كان هو يسير بقدميه على الأرض، وأشواقه وأنظاره متطلعة إلى السماء.. كان متخفف الثقل من الجاذبية الأرضية، إنه لم يكن يعيش ليأكل "بل يأكل ليعيش.. وكان الناس يحيون في العالم ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، وأفكارهم واهتماماتهم في الأرضيات، أما هو فعاش ثلاثمائة وخمسة وستين عاماً، وأفكاره بعد الحياة المجددة لمدة ثلاثمائة عام أفكاره سماوية، عاش الناس يزرعون حدائقهم، ويرون أشجارهم، ويأكلون ثمارها، أما هو فكان يعيش بطعام أبقى وأسمى، وهو يأكل من حديقة الله غير المنظورة في الشركة مع سيده، كان طعامه من المن المخفي في العلاقة بسيده،.. ولم تكن مجرد الأشواق هي التي تفصل بين أخنوخ ومعاصريه،.. بل الصلاة أيضاً، لقد عرف الصلاة بكل أنماطها وألوانها في العلاقة مع الله، كان من أوائل الذين تخاطبوا مع الله، وأكثروا الصلاة،.. فحياة الشكر كانت على لسانه في كل وقت،.. هل رأى عصفوراً يغرد على شجرة؟.. إنه يشكر الله الذي صنع الشجرة، وصنع العصفور، وصنع الصوت الجميل الذي يغرد به العصفور؟!! هل تمتع في الحياة بمتعة ما، إنه يشكر الله الذي هو مصدر كل متعة يحس بها بين الناس.. وهل احتاج إلى شيء، وانتظر أمراً؟ إنه قبل أن يتحدث به مع الناس، أو يتخاطب به مع البشر، يخاطب به الله الذي يستودعه كل انتظاراته واحتياجاته؟!!.. هل جاءت الغيمة، وغطت الشمس، وحل الظلام؟.. إنه يؤمن بأن الشمس خلف الغيمة، وأنه مهما تتلبد الغيوم، فإنها لابد أن تنقشع، ويعود النور مرة أخرى، وتتوارى التجارب والآلام والمتاعب!!.. إنه على أي حال يصلي بصلوات وابتهالات وتضرعات،.. لأن الصلاة عنده هي النداء الذي يتجه به إلى الله في السماء!!.. لم تكن الحياة عند أخنوخ مجرد التطلع إلى الغيبيات، بل كانت أكثر من ذلك، الحياة التي تواجه الواقع في مختلف ألوانه وظروفه، هل ناله الأذى من الناس؟ وهل أمعنوا في إيذائه؟ هل تحولت الحياة ضيقاً ما بعده من ضيق؟.. لقد عرف الرجل طريقة إلى النصر، في النظر إلى معنى الضيق في الأرض، لقد أدرك نفسه غريباً في الأرض، يطوي الزمن كما يطوي الجواب الصحراء القاسية، ولابد من الوطن، والضيق يهون، ما دام السبيل إلى الله يتدانى ويقترب، وخفة ضيقته الوقتية ستنشئ أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً!!وفي كل الأحوال واجه أخنوخ الحياة، وكافح الصعاب والمشقات والمتاعب، ولعله أدرك الحكمة التي غابت عن الصبي الصغير الذي وقف يرفع حجراً ثقيلاً –كما تقول القصة- وكان أبوه يرقب محاولته اليائسة دون جدوى،.. وقال الأب –وقد أدرك جهد ابنه البالغ. هل جربت يا بني كامل قوتك في رفع الحجر؟!!، وأجابه الصغير: نعم يا أبي، وليس عندي قوة أكثر من ذلك.. وقال الأب: لا أظن يا بني فمثلاً أنا قوتك، ولم تدعني لمساعدتك على رفع الحجر!!.. كان أخنوخ يعلم أن الله قوته التي يستعين بها في مواجهة كل صعوبة أو مشكلة أو معضلة أو تعب كان أخنوخ السابع من آدم نبياً، وكان من الأنبياء الشجعان الأقوياء، وعندما رأى الفساد يتزايد في الأرض ويستشري، زمجر كالأسد في مواجهة الخطاة، وكشف لهم عن دينونة الله الرهيبة العادلة، وغضب الله الذي سيلحق بفجور الناس وإثمهم، وربما كان أخنوخ أول من تحدث عن عقاب الله الأبدي الرهيب!!..
أخنوخ الخالد
كان أخنوخ الأول في الجنس البشري الذي قفز فوق سور الموت، ودخل الحياة الأبدية دون أن يتذوق كأسه القاسية المريرة،.. وكان أول البشر في الإعلان عن الخلود في الصفحات الأولى من كتاب الله، بل كان أولهم الذي يمكنه أن يقول: وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوماً فيوماً، لم يكن هناك موت بالنسبة لأخنوخ، بل كان هناك انتقال وتطور، كان هناك مجرد انتقال من رحلة الأرض إلى رحلة السماء،.. هل انتقل في مركبة من نار كما انتقل إيليا؟ أم انتقل إذ أخذته سحابة كما أخذت المسيح عن أعين التلاميذ؟.. وهل جاء الانتقال أمام الناس كما يعتقد الكثيرون، حتى يبدو الأمر شهادة على سيطرة الله على الموت؟ أم اختفى فجأة على وجه لم يستطع أحد معرفة مكانه، وعبثاً وجدوا مكانه كما فعل أبناء الأنبياء عندما حاولوا التفتيش على إيليا؟ على أي حال.. لقد امتلأ أخنوخ بالحياة مع الله، وتشبع بهذه الحياة، حتى لم يجد الموت مكاناً له عنده،.. إنه يذكرنا بأسطورة الرجل الذي قيل أن الموت جاءه مفاجأة ذات يوم، وطلب الرجل إمهاله بعض الوقت، وقيل أن الموت أمهله قائلاً: سأعود إليك بعد سنة وشهر ويوم وساعة،.. وفزع الرجل محاولاً أن يجد السبيل إلى الخلاص من الموت، فذهب إلى الشمس وسألها: هل يمكن الهروب من الموت؟.. وأجابته الشمس: إنها تشرق على الناس وصرخاتهم كل يوم وهم يدفنون من لهم، ولم يحدث في يوم واحد أن غاب الموت عن الناس في الأرض،.. ذهب إلى الرياح يسألها: هل يمكن الهروب من الموت؟ وأجابته الرياح: إنها تلف الكرة الأرضية، وتلف بالصارخين الذين يصرخون وراء موتاهم في الأرض، ذهب إلى البحر يسأل: هل يمكن الهروب من الموت؟ وقال له البحر: ما أكثر الذين ضمتهم الأمواج والمياه من الغرقى أو الذين ماتوا على ظهر السفن، وطوح بهم تأكلهم الأسماك.. وحار الرجل، وفي حيرته التقى بملاك فوجه إليه السؤال: هل يمكن الهروب من الموت؟.. وقال الملاك: إنك تستطيع إذا سرت في موكب الأرض، والتقيت بالطفل الصغير الباكي، وعليك ألا تتركه حتى يضحك، والبائس حتى ترسم السعادة على شفتيه، والمنكوب حتى يرتفع فوق مأساته ونكبته ويترنم،.. وصدق الرجل، ووقف أمام آلام الناس وأحزانهم ومآسيهم وتعاساتهم، وهو يحول الدموع إلى الضحك والابتهاج والترنم،.. وقيل إن كل ابتسامة أوجدها على فم صغير أو كبير، انتقلت إليه وحولته هو إلى ابتسامة كبرى، دهش الموت عندما جاء لأنه وجد الرجل طيفاً مبتسماً في الأرض،.. هذه خرافة ولا شك، ولكنها تحمل المعنى العميق بالنسبة لأخنوخ، لقد ظل أخنوخ يتخفف من ثقل الأرض، ويرتفع في اتجاه السماء، حتى أفلت من الجاذبية الأرضية، وأخذته السماء بكل ما فيها من جلال وعظمة وبهجة ومجد.. ولم يوجد لأن الله أخذه قد تسألني: ولكن كيف يمكن أن يكون هذا، وكيف يتحول الجسد المادي الحيواني إلى جسد روحاني؟
لست أعلم، وليس في قدرتي أن أصف كيف يتجمع التراب والرماد ليعود جسداً ممجداً في القيامة من الأموات،.. كل ذلك فوق علم الإنسان وفهمه وتصوره وخياله،.. لكني أعلم أن هناك فارقاً كبيراً بين الجسد الذي عاش به أخنوخ على الأرض، والجسد الممجد في السماء.. هذا الفارق هو ذات الفارق بين البذرة، والشجرة، وبين صغر الأولى وضآلة منظرها وحجمها، وكبر الثانية وعظمة صورتها وجلالها.. ومهما يعجز الخيال البشري عن توضيح الفرق بين الحياة هنا، والحياة هناك، إلا أن أخنوخ كان بانتقاله إلى حضرة الله، نبرة الخلود وتوضيحاً للكلمات العظيمة التي ستأتي بعد آلاف السنين على فم السيد المبارك: "من آمن بي ولو مات فسيحيا، ومن كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد".. أو ما قاله الرسول عن المسيح: "الذي أبطل الموت وأناد الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" أجل.. سار أخنوخ مع الله، وعندما بلغ النهر ووقف على الشاطيء، حمله الله عبر المجرى إلى الشاطيء الآخر الأبدي، ليسير الأبدية كلها في صحبة الله وملكوته ومجده، مع جموع المفديين، وحق له كالبشرى الأول أن يوصف بالقول: "بالإيمان نقل أخنوخ لكي لا يرى الموت ولم يوجد لأن الله نقله إذ قبل نقله شهد له أنه قد أرضى الله ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه، لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن أنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه"..
المزيد
21 أكتوبر 2020
اليأس من إمكانية التوبة
حدثتكم في مقالنا السابق عن بعض أنواع من أفكار اليأس التي يغرسها الشيطان في نفوس الناس. وكان موعدنا اليوم أن نطرق موضوع اليأس من إمكانية التوبة، وهذه محاربة شيطانية شائعة وأفكارها معروفة طالما أتعبت الكثيرين وفي هذه المناسبة، أتذكر أنني منذ حوالي أربعين عامًا وصلني خطاب من أحد الشبان، قرأته فتأثرت كثيرًا جدًا... ثم أرسلت له ردًا قلت له في مقدمته "وصلني خطابك يا أخي المحبوب، ويُخيلّ إليَّ أنني قرأته مرارًا قبل أن أراه... إنه قصة قلوب كثيرة..".
إن اليأس من التوبة هو أكثر خطورة من السقوط في الخطيئة، لأن أي شخص يمكن أن يخطئ ثم يتوب. أما في حالة اليأس فإنه قد يندمج في الخطيئة بالأكثر، ويتدرج من السيئ إلى الأسوأ. وربما تكون مقدمة اليأس بعض سقطات متتالية يوقع فيها الشيطان ضحيته بلا هوادة، حتى يصرخ الخاطئ قائلًا "لا فائدة فيَّ. فمن المستحيل أن أنجو مما أنا فيه"! وربما تكون مقدمة اليأس سقطة كبيرة أو خطيرة، يُشعره الشيطان بعدها بأنه لا مغفرة..! أو قد لا تكون السقطة بهذه الدرجة، ولكن الشيطان من عادته أنه يضخمّ في الأخطاء ليوقع صاحبها في اليأس إن الشيطان ماكر جدًا في هذه الناحية: فهو قبل السقوط يسّهل موضوع الخطية جدًا حتى لتبدو شيئًا عاديًا، ويضع لها مبررات... أما بعد السقوط، فإما أن يستمر في سياسة التهوين حتى تتكرر. أو أنه يدخل في أسلوب التهويل ليقع صاحبها في اليأس قائلًا له "هل من المعقول أن يغفر الله كل هذا الجرم؟!"وقد يجرّه إلى اليأس بإشعاره أنه لن يتوب... فيقول له: "هل من المعقول أنك ستترك الخطية؟! مستحيل. لقد صارت تجرى في دمك. عزيمتك انتهت، وإرادتك انحلت. بل حتى مجرد الرغبة في التوبة لم تعد موجودة عندك... كم مرة حاولت من قبل أن تتوب وفشلت؟ كم مرة ندمت على خطاياك، ثم رجعت إليها وربما في حالة أسوأ مما كنت؟!". وهكذا يحطم معنوياته، حتى يستسلم له، ويتوقف عن المقاومة!!يقول له: "قد صرت كلك في يديّ، فكرًا وقلبًا وعملًا. بحيث أنى أنقلك من هذه اليد إلى الأخرى، بكل سهولة كما أشاء. فلا داعي إذن لصراع فاشل لا تكتسب منه شيئًا وطبعًا كل هذه تخاويف لا أساس لها، وتهديدات زائفة.. فإن الله قادر أن يمنح الإنسان التوبة، مهما كانت حالته سيئة. والتاريخ يحكى لنا عن قصص كثيرة لتوبة أشخاص كانت سقطاتهم كثيرة ومريرة يا أخي، لا تركز تفكيرك في عجزك عن القيام من سقطاتك. بل تذكرّ أن نعمة الله قادرة على إقامتك. وحيث تعمل النعمة فلا مجال لليأس. فاطلب إذن معونة من الله، وقل له في صلاتك "توّبني يا رب فأتوب. أنت يا رب تريدني أن أعيش حياة نقية بلا خطية. فامنحني هذه الحياة. وأعطني الإرادة والعزيمة، وابعد عنى كل مجالات السقوط. وامنحني قوة لكي أسلك كما ينبغي، وأصمد أمام كل الإغراءات"ولعل الشيطان يحاربك قائلًا "من غير الممكن أن تتوب وقد تعودت على الخطية وأصبح قلبك يحبها! وكيف ستعيش طول عمرك بعيدًا عن هذه الخطية التي تشتاق إليها؟! فلو أنك تبت عنها إلى حين، لابد سترجع إليها".. ولا شك أن هذه مغالطة من الشيطان لكي يلقيك في اليأس، زاعمًا انك ستعيش في التوبة بنفس القلب الذي يحب الخطية!! كلا، فإن الله سوف يعطيك قلبًا جديدًا، وينزع منك محبة الخطية. وحينئذ لن تفكر أن ترجع إليها... بل على العكس سوف يجعلك الله في توبتك تكره الخطية وتشمئز منها ويستمر الشيطان في حربه، فيقول لك "حتى أن تبت، ستبقى أفكارك ملوثة بصور قديمة"! لا تخف، ففي التوبة سوف ينقى الله فكرك ويمحو منه صور الماضي. وثق أن الخطاة الذين تابوا كانوا في حالة أقوى بكثير وأنقى.وربما من حيل الشيطان أن يحاول إقناعك بأنك لن تفلت مطلقًا من العدل الإلهي، وان الله لن يغفر لك كل ما فعلته...! كلا، فإن الله كثير المغفرة، ورحمته تشمل الكل. وكل جند السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب لذلك لا تيأس مطلقًا. وتأكد أن اليأس هو من حروب الشيطان. وإن كنت ماشيًا في الطريق الروحي ووقعت، لا تظن أنك لا تحسن السير، بل قم في رجاء المؤمن وأكمل مسيرتك.إن الشيطان يحسد رغبتك في التوبة، ويريد أن يعرقلها. ذلك لأنه هو نفسه لا يعرف التوبة ولا يؤمن بها. واعلم أنه لولا صفاء نيتك، ما كان يحاربك. لأنه دائمًا يحارب الراغبين في حياة البر، ويخاف جهادهم ضده لذلك كن قوى القلب مهما كانت حروب الشيطان شديدة ومهما استمرت. كن راسخًا ولا تتزعزع ولا تقلق. ولا تيأس مهما سقطت، ومهما فشلت في تنفيذ وصية الله بل شجّع نفسك، وقل: لابد أن اثبت وارجع إلى الله مهما حاول الشيطان تعطيلي. سأسير نحو الله، حتى إن كنت أجرّ رجليّ جرًا إليه. ومهما سقطت في الطريق، سأقوم مرة أخرى وأكمل طريقي، وسوف تسندني نعمة الله وقوته...
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
20 أكتوبر 2020
دير السلطان القبطي ( طمس الهوية ضمن خطة تهويد القدس ! )
سلم السلطان صلاح الدين الايوبي هذا الدير العريق للاقباط بعد حرب الفرنجة ؛ لذلك سمي الدير " بالسلطان " ؛ وترجع اهمية هذا الدير المقدس لعراقته التاريخية وقيمته كتراث قبطي مملوك للكنيسة القبطية الارثوذكسية المصرية في الكرسي الاورشليمي ..كذلك تتضاعف اهميته الجغرافية لموقعه الاستراتيجي في الارض الاورشليمية المقدسة ؛ تجعله تاريخ في قلب جغرافيا الزمان ؛ وزمان في صميم مقادس الكرة الارضية ؛ تهفو اليه القلوب وتاتيه الشعوب من كل البقاع . تقع ساحةالدير فوق كنيسة القديسة هيلانة الملكة ؛ وهو مطل علي كنيسة القيامة المجيدة ؛ لذلك هو اقصر طريق موصل من مقر المطرانية القبطية لمدخل كنيسة القيامة ...لكن القوات الاسرئيلية طردت الرهبان الاقباط من الدير ومكنت الاثيوبيين من وضع يدهم عليه ؛ بالرغم انهم كانوا مستضافين بالدير كضيوف علي سبيل المسافرة فقط ؛ وذلك بعد نكسة يونيو ١٩٦٧ ..فبالرغم من سندات ووثائق حجج الملكية الشرعية ؛ وبالرغم من الاثر المعماري القبطي وتقويم السنة القبطية المدون تاربخه علي حجاب الهيكل وايضا بالرغم من احكام المحاكم وعقود مشتريات وترميمات وقفية باسم الارخن ابراهيم الجوهري ؛ كذلك وبالرغم من فرمان الاستاتيكو وصدوره بادارة القبط للدير ؛ لكن هذه القرائن جميعها ؛ لم تمنع اسرائيل من تعنتها لحساب اثيوبيا ؛ في سلب الحق القبطي في ملكية دير " السلطان " ؛ وفي طمس هويته الحضارية عند الترميم ...واليوم تصارع مطرانيتنا صراع وجودها هناك ؛ علها تجد دعما من حكومة بلادها المصرية ؛ دعما يرقي الي الحماية والي احقاق الحق ؛ واسترجاع المسلوب الي اصحابه الاقباط .
القمص اثناسيوس جورج كاهن كنيسة الشهيد مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
19 أكتوبر 2020
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (11) الصوم
مفهوم الصوم وأهميته الروحية..
الصوم فى معناه العام يعنى الامتناع عن الطعام فترة من الزمن يعقبها تناول أطعمة نباتيه خاليه من اللحوم ومنتجاته أما المعنى الروحى فيشمل كل انواع ضبط النفس والنسك والامتناع عن الشهوات وخطايا اللسان والعواطف، الصوم ليس تحريما لانواع معينه محلله للأكل بل البعد عنها لفترة نسكاً وزهداً وتعففاً . الابتعاد عن الاطعمة التى تثقل الانسان من اجل أشباع الروح وضبط النفس وكما قال السيد المسيح { ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله} (مت 4 : 4). الصوم جوع الى حياة البر والتقوى والشبع بالروحيات { طوبى للجياع والعطاش الى البر لانهم يشبعون} (مت 5 : 6).
ان البطن هى سيدة الاوجاع التى متى تم ضبطها، ينضبط الانسان كله روحاً وفكراً وجسداً . فمن يقدر ان يضبط نفسه فى الأكل والشرب يستطيع ان يضبط ذاته ويقول لا لشهواته واهوائه وانفعالاته ومالك نفسه خير من مالك مدينة لذلك راينا القديس بولس الرسول يقول { بل اقمع جسدي واستعبده حتى بعدما كرزت للاخرين لا اصير انا نفسي مرفوضا }(1كو 9 : 27). لقد كان كسر الصوم بالأكل من الشجرة المحرمة علة سقوط ابوينا القدماء أدم وحواء ومن يريد ان يرجع الى الفردوس مرة اخرى عليه ان يبدأ بالصوم وضبط النفس وتقوية ارادته وأشباع روحه . ان معظم الحروب والخصومات على المستوى الفردى والجماعى تبدأ من سعى الانسان لاشباع لذاته وشهواته وسعيه الى التملك الانانى للاشياء دون النظر الى حاجة اخوته { من اين الحروب والخصومات بينكم اليست من هنا من لذاتكم المحاربة في اعضائكم تشتهون ولستم تمتلكون تقتلون وتحسدون ولستم تقدرون ان تنالوا تخاصمون وتحاربون ولستم تمتلكون لانكم لا تطلبون. تطلبون ولستم تاخذون لانكم تطلبون رديا لكي تنفقوا في لذاتكم}.(يع 4 : 1-3). من هنا تأتى أهمية الصوم بضبط النفس وزهدها حتى فيما هو محلل لها { ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الاهواء والشهوات }(غل 5 : 24). اننا نحتاج الي اشباع الروح مع ضبط الجسد والاهتمام به وتقويته واعطائه ما يلزمه لا ما يشتهيه { اما انا فبالبر انظر وجهك اشبع اذا استيقظت بشبهك }(مز 17 : 15).
الصوم وصية منذ العهد القديم {اضربوا بالبوق في صهيون قدسوا صوما نادوا باعتكاف.اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الاطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها. ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا اشفق يا رب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار حتى تجعلهم الامم مثلا لماذا يقولون بين الشعوب اين الههم} يؤ15:2-17.{ اعلموا ان الرب يستجيب لصلواتكم ان واظبتم على الصوم والصلوات امام الرب} (يهو 4 : 12). الصوم الجماعى فى قوته رايناه فى صوم وتوبة أهل نينوي { فامن اهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم الى صغيرهم. وبلغ الامر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد. ونودي وقيل في نينوى عن امر الملك وعظمائه قائلا لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا لا ترع و لا تشرب ماء.وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا الى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في ايديهم.لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك . فلما راى الله اعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم ان يصنعه بهم فلم يصنعه} يو5:3-10.والصوم الخاص راينا فى كثير من رجال الله القديسين كما صام دانيال والفتية الثلاثة القديسين { فقال دانيال لرئيس السقاة الذي ولاه رئيس الخصيان على دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. جرب عبيدك عشرة ايام فليعطونا القطاني لناكل وماء لنشرب. ولينظروا الى مناظرنا امامك والى مناظر الفتيان الذين ياكلون من اطايب الملك ثم اصنع بعبيدك كما ترى.فسمع لهم هذا الكلام وجربهم عشرة ايام.وعند نهاية العشرة الايام ظهرت مناظرهم احسن و اسمن لحما من كل الفتيان الاكلين من اطايب الملك} دا 11:1-15.{فوجهت وجهي الى الله السيد طالبا بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد }(دا 9 : 3). وكما صلى داود وصام { اما انا ففي مرضهم كان لباسي مسحا اذللت بالصوم نفسي و صلاتي الى حضني ترجع (مز 35 : 13).{ولكن الان يقول الرب ارجعوا الي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح (يؤ 2 : 12).
الصوم فى حياة وتعاليم السيد المسيح..
لكي يبين لنا السيد المسيح أهمية الصوم فانه بدء خدمته العامة بعد العماد بالاختلاء والصوم مع الصلاة لمدة اربعين يوماً { ثم اصعد يسوع الى البرية من الروح ليجرب من ابليس. فبعدما صام اربعين نهارا واربعين ليلة جاع اخيرا. فتقدم اليه المجرب وقال له ان كنت ابن الله فقل ان تصير هذه الحجارة خبزا. فاجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله} مت 1:4-4. الصوم يعطينا القدرة على الانتصار على تجارب الشيطان ورفض مشورته. علمنا السيد الرب كيف نشبع بكلمة الله وهو يقيت الجسد ايضا { لذلك اقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تاكلون وبما تشربون ولا لاجسادكم بما تلبسون اليست الحياة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس.انظروا الى طيور السماء انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن وابوكم السماوي يقوتها الستم انتم بالحري افضل منها.ومن منكم اذا اهتم يقدر ان يزيد على قامته ذراعا واحدة.ولماذا تهتمون باللباس تاملوا زنابق الحقل كيف تنمو لا تتعب ولا تغزل.ولكن اقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فان كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا افليس بالحري جدا يلبسكم انتم يا قليلي الايمان.فلا تهتموا قائلين ماذا ناكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس. فان هذه كلها تطلبها الامم لان اباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها. لكن اطلبوا اولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم} مت 25:4-33. نعم عمل مشيئة الله شبع للانسان الروحي فعندما ذهب التلاميذ ليبتاعوا طعاما فى السامرة ورجعوا { وفي اثناء ذلك ساله تلاميذه قائلين يا معلم كل. فقال لهم انا لي طعام لاكل لستم تعرفونه انتم.فقال التلاميذ بعضهم لبعض العل احدا اتاه بشيء لياكل.قال لهم يسوع طعامي ان اعمل مشيئة الذي ارسلني واتمم عمله} يو 31:4-34.
ان الصوم قوة روحية بها نستطيع ان ننتصر على ابليس وهذا ما أكد عليه السيد المسيح عندما اتوا اليه بشاب عليه ارواح نجسة ولم يستطيع التلاميذ ان يخرجوها وشفاه السيد المسيح وعندما ساله التلاميذ لماذا ؟ { ولما دخل بيتا ساله تلاميذه على انفراد لماذا لم نقدر نحن ان نخرجه.فقال لهم هذا الجنس لا يمكن ان يخرج بشيء الا بالصلاة و الصوم} مر28:9-29. فالصوم ضرورة روحيه ، عندما كان السيد المسيح مع التلاميذ وساله اليهود { وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيرا ويقدمون طلبات وكذلك تلاميذ الفريسيين ايضا واما تلاميذك فياكلون ويشربون. فقال لهم اتقدرون ان تجعلوا بني العرس يصومون ما دام العريس معهم.ولكن ستاتي ايام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون في تلك الايام} لو33:5-35. كان وجود المسيح له المجد وجودا للعريس والفرح معهم وعندما صعد الى السماء صام الرسل والمؤمنين الصوم الذى سُمى بصوم الرسل والذى نصومه حتى اليوم .
هناك اصوام خاصة نصومها كما ان هناك أصوام جماعية تصومها الكنيسة كلها ، لقد صام المسيح لنتعلم من ونتبع خطواته لهذا نصوم الاربعين المقدسة كل عام والاربعاء والجمعة من ايام الاسبوع منذ العصر الرسولى { وانتخبا لهم قسوسا في كل كنيسة ثم صليا باصوام واستودعاهم للرب الذي كانوا قد امنوا به }(اع 14 : 23). وكما قال القديس بولس { في اتعاب في اسهار في اصوام }(2كو 6 : 5). كما نصوم صوم الميلاد استعدادا لاستقبال الله الكلمة المتجسد كما صام موسي النبى قديما اربعين يوما ليستقبل لوحى العهد . بالاضافة الى الصوم المعروف لدينا بصوم العذراء الذى صامه المتبتلين اولا ثم عامة الشعب وراينا مثال له فى الانجيل { وكانت نبية حنة بنت فنوئيل من سبط اشير وهي متقدمة في ايام كثيرة قد عاشت مع زوج سبع سنين بعد بكوريتها. وهي ارملة نحو اربع و ثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة باصوام وطلبات ليلا ونهارا. فهي في تلك الساعة وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في اورشليم} لو36:2-38.
اهتم السيد المسيح بعدم مظهرية الصوم { ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فانهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم. واما انت فمتى صمت فادهن راسك واغسل وجهك. لكي لا تظهر للناس صائما بل لابيك الذي في الخفاء فابوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية} مت 16:6-18. يقول القديس باسليوس الكبير ( لاتكونوا عابسين وأنتم تستعيدون صحتكم. فإنه لا بدّ لنا أن نتهلل لصحة نفسنا، ولا مجال للحزن بسبب تبدّل الطعام وكأننا نؤثر ملذّات البطن على منفعة نفسنا، لأن الشبع يقف إحسانه عند حدود البطن، أما الربح الناتج عن الصوم فهو يَنفذ إلى النفس. كن فرحاً لأنك أعطيت من قبل طبيبك دواء ينزع الخطايا. لا تبدّل وجهك كما يفعل المراؤون. إن الوجه يتبدل عندما يظلم الداخل مع التظاهر الخارجي، وكأنه مخفي وراء ستار كاذبالمرائي هو الذي يكون له على المسرح وجه آخر. يرتدي قناع السيّد وهو في الحقيقة عبد. يلبس قناع الملك وهو بالحقيقة من عامة الناس. هكذا أيضاً في الحياة الحاضرة، كثيرون يتظاهرون وكأنهم على المسرح. يكونون على كل شيء في عمق القلب ويتظاهرون بوجه آخر أمام الناس. أما أنت فلا تبدّل وجهك. كما أنت هكذا أظهر للآخرين. لا تبدّل مظهرك عابساً ساعياً وراء الشهرة عن طريق التظاهر بالصوم والإمساك، لأنه لا نفع للإحسان الذي يطبَّل له، ولا ثمر للصوم الذي يشهّر أمام الناس، أي كل ما يقوم به الإنسان بغية التظاهر أمام الآخرين لا ينفذ إلى الدهر ولا يتخطى حدّه مدح الناس. أسرع بفرح إلى هبات الصوم. إنّه هبة قديمة العهد لا تعتق ولا تشيخ، بل تتجدد وتزهر على الدوام).
الصوم لكى يكون مقبولا يجب ان يكون مقرونا بالتوبة والتواضع والمصالحة مع الخير { ناد بصوت عال لا تمسك ارفع صوتك كبوق واخبر شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم، واياي يطلبون يوما فيوما ويسرون بمعرفة طرقي كامة عملت برا ولم تترك قضاء الهها يسالونني عن احكام البر يسرون بالتقرب الى الله. يقولون لماذا صمنا ولم تنظر ذللنا انفسنا ولم تلاحظ ها انكم في يوم صومكم توجدون مسرة وبكل اشغالكم تسخرون،ها انكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمة الشر لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء. امثل هذا يكون صوم اختاره يوما يذلل الانسان فيه نفسه يحني كالاسلة راسه ويفرش تحته مسحا ورمادا هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا للرب.اليس هذا صوما اختاره حل قيود الشر فك عقد النير واطلاق المسحوقين احرارا وقطع كل نير. اليس ان تكسر للجائع خبزك وان تدخل المساكين التائهين الى بيتك اذا رايت عريانا ان تكسوه وان لا تتغاضى عن لحمك.حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعا ويسير برك امامك ومجد الرب يجمع ساقتك.حينئذ تدعو فيجيب الرب تستغيث فيقول هانذا ان نزعت من وسطك النير والايماء بالاصبع وكلام الاثم.وانفقت نفسك للجائع واشبعت النفس الذليلة يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر.ويقودك الرب على الدوام ويشبع في الجدوب نفسك وينشط عظامك فتصير كجنة ريا وكنبع مياه لا تنقطع مياهه.ومنك تبنى الخرب القديمة تقيم اساسات دور فدور فيسمونك مرمم الثغرة مرجع المسالك للسكنى} اش1:58-12.
لقد اختبر ابائنا القديسين الصوم وفائدته ومارسوه بمحبة وبه سمت ارواحهم وتهذبت نفوسهم وقويت ارواحهم وقالوا فيه الكثير حسب خبرتهم . قال القديس مكسيموس (من غلب الحنجرة فقد غلب كل الأوجاع) شيخ حدثته أفكاره من جهة الصوم قائلة (كل اليوم وتنسك غدا فقال لن أفعل ذلك .لكنى أصوم اليوم وتتم ارادة الله غدا. الصوم عند الاباء هو صوم الجسد عن الطعام وصوم اللسان عن الكلام البطال وصوم القلب عن الشهوات ونقاوته من الخطايا قال مار اسحق (الذى يصوم عن الغذاء ولايصوم قلبه عن الحنق والحقد ولسانه ينطق بالأباطيل فصومه باطل لأن صوم اللسان أخير من صوم الفم وصوم القلب أخير من الاثنين). قال القديس باسيلوس الكبير ( أن الصوم الحقبقى هو سجن الراذئل أعنى ضبط اللسان وامساك الغضب وقهر الشهوات الدنسة). ونجد ان المقدرة على الصوم تأتى بالتدريج فقد قال أنبا أولوجيوس لتلميذه (يا بنى عود نفسك اضعاف بطنك بالصوم شيئا فشيئا لأن بطن الانسان أنما تشبه زقا فارغا فبقدر ما تمرنه وتملأه تزداد سعته كذلك الأحشاء التى تحشى بالأطعمة الكثيرة ان أنت جعلت فيها قليلا ضاقت وصارت لا تطلب منك الا القليل) . الصوم عند الاباء هو الحصن الذى نحتمى فيه والصلاة هى السلاح (حصن الانسان الروحي هو الصوم وسلاحه هو الصلاة فمن ليس له صوم دائم فلا يوجد حصن يمنع عنه العدو ومن ليست له صلاة نقية فليس له سلاح يقاتل به الأعداء). الصوم انتصار على اوجاع الجسد الروحية ، قال القديس يوحنا القصير (اذا أراد ملك أن يأخد مدينة الأعداء فقبل كل شئ يقطع عنهم الشراب والطعام وبذلك يذلون فيخضعون له هكذا أوجاع الجسد اذ ضيق الانسان على نفسه بالجوع والعطش ازاءها فانها تضعف). القصد الالهى من الصوم هو الجهاد المستمر بإيمان ضد الذات واغراءات العالم والجسد حتى نصل إلى نقاوة القلب التى بها نعاين الله ونشبع به .
الصوم وحياة الفضيلة والنمو الروحي .
الصوم رياضة روحية .. قل لي بماذا تهتم اقول لك من انت؟ اننا على قدر ما نهتم بارواحنا واشباعها بالله وبمحبته والنمو فى الفضيلة نصير اناس روحيين { فان الذين هم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون و لكن الذين حسب الروح فبما للروح. لان اهتمام الجسد هو موت و لكن اهتمام الروح هو حياة وسلام.لان اهتمام الجسد هو عداوة لله اذ ليس هو خاضعا لناموس الله لانه ايضا لا يستطيع. فالذين هم في الجسد لا يستطيعون ان يرضوا الله} رو 5:8-8. من اجل هذا يقول لنا مخلصنا الصالح { اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الابدية الذي يعطيكم ابن الانسان لان هذا الله الاب قد ختمه }(يو 6 : 27). الصوم اذاً ليس هدفاً فى حد ذاته لكنه وسيلة للأهتمام بالروحيات والشبع بكلمة الله . من أجل هذا راينا سليمان الحكيم الذى اعطاه الله حكمة عندما أهمل الروحيات واهتم باشباع شهواته وملذاته سقط وعبد الهه غريبه {ومهما اشتهته عيناى لم أمنعة عنهما }(جا 2: 1). ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه وعصفت به الشهوات الكثيرة فالصوم يقاوم الاخطاء ويقوى الروح ويضبط النفس ويعطي صحة للجسد .+ الصوم وحياة التوبة .. ان الصوم هو الفترة المناسبة للتوبة والتذلل الى الله ، ومع ان التوبة عمل مستمر للانسان الروحى الا ان الصوم فترة للتخلص من الاخطاء لاسيما خطايا اللسان والعادات الضارة ، حيث تقوى الارادة ويكون صوم الفم عن الطعام وانشغاله بعمل ارادة الله دافع للتواضع والتذلل { اذللت بالصوم نفسي }(مز 35 : 13). والصوم خاصة فى مواجهة الضيقات يجعل الله ينظر الى تواضعنا حيث تتعمق صلواتنا ونطلب تدخل الله هكذا عندما راي الله كيف صام وتاب وتواضع اهل نينوي غفر لهم خطاياهم . وفي صوم استير والشعب كله، حينما تعرضوا لمؤامرة هامان(أش 4: 16). وكيف كانت استجابة الرب سريعة و عجيبة. كذلك نسمع عن صوم نحميا لما جاءته الأخبار أن { سور أورشليم منهدم، أبوابها محروقة بالنار } (نح 1: 3، 4). ويروى سفرنحميا أيضاً كيف كانت استجابة الرب سريعة وعجيبة.. كذلك يروى لنا الكتاب كيف صام عزرا وهو باك، وكيف كان تأثير ذلك في تنقية الشعب وتطهيره. وفى تاريخ الكنيسة راينا كيف ان الصوم نقل جبل المقطم فى أيام البابا ابرام ابن زرعه . هكذا نصلى فى قسمة الصوم الكبير ونقول كيف ان الصوم والصلاة صنعا المعجزات وكانا عونا للقديسين فى الضيقات .
الصوم والتداريب الروحية .. الصوم فترة مقدسة يكون فيها الجسد خفيف مما يساعد على الصلاة والسهر والقراءة فى الكتب الروحية والسجود لله فى مطانيات وركوع طلباً لمراحم الله { لذلك انا ايضا ادرب نفسي ليكون لي دائما ضمير بلا عثرة من نحو الله و الناس} (اع 24 : 16). اننا نري حتى أتباع البوذية والهندوسية يصلون لسمو روحى عالي بالصوم والتدريب فكم يجب علينا نحن ان ندرب انفسنا على حياة التقوى والاستنارة الروحية نحن الذين يجب ان ننقاد لروح الله ونأتي بثمر ويدوم ثمرنا { واعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة.عبادة الاوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة. حسد قتل سكر بطر وامثال هذه التي اسبق فاقول لكم عنها كما سبقت فقلت ايضا ان الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله.واما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول اناة لطف صلاح ايمان. وداعة تعفف ضد امثال هذه ليس ناموس.ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الاهواء والشهوات.ان كنا نعيش بالروح فلنسلك ايضا بحسب الروح} غل 19:5-25. نحن يجب ان نقرن الصوم بالتداريب الروحية ومنها الصلاة الدائمة والتامل فى محبة الله والشبع بكلامه واقتناء الفضائل الروحية كالصمت والهذيذ فى وصايا الله ورفع القلب بالحديث مع الله والصلاة من اجل الآخرين ولاسيما المتضايقين والمشكلات التى تواجه الكنيسة وأعضائها ليتدخل الله ويحلها.
الصوم ونجاح الخدمة .. ان نجاح الخدمة يحتاج لايدى مرفوعة بالصلاة كل حين والصوم يرفع من حرارتنا الروحية . ان الرسل فيما هم يصومون ويصلوا كان الرب يعمل معهم وينجح خدمتهم
{ وفيما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس،افرزوا لى برنابا وشاول العمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا، ووضعوا عليهما الأيادى} أع 13: 2، 3. وراينا اثر الصوم روحياً فى اخراج الشياطين وفي ذلك قال السيد الرب في معجزة إخراجه لشيطان عنيد لم يقو التلاميذ على اخراجه.، حينئذ قال الرب { وأما هذا الجنس، فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم }مت 17: 21. ذلك لأن صلاة الصائم تكون لها روحياتها وتأثيرها. من اجل هذا قال القديس بولس الرسول { بل في كل شئ نظهر أنفسنا كخدام لله.. في أتعاب في اسهار في أصوام} 2كو 6: 4 ، 5.
الصوم والعطاء .. الصائم يشبع بالصلاة ويبرهن على محبة لله بالنسك الجسدى ويعبر عن محبته لاخوته ويجعلنا نشعر بالآم الفقراء وحاجتهم فنعطيهم بسخاء ومحبة غير متغضين عن اخوتنا { صالحة الصلاة مع الصوم والصدقة خير من ادخار كنوز الذهب} (طو 12 : 8). من اجل هذا يوصينا الانجيل بالعطاء وان نكنز كنوزنا فى السماء {لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون.لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضا} 19:6-21. ان ما نقدمة لاخوتنا المحتاجين نقدمه لله ويبقى لنا كنزاً لا يفنى {لان الصدقة تنجي من الموت وتمحو الخطايا وتؤهل الانسان لنوال الرحمة والحياة الابدية (طو 12 : 9).
الصوم ونقاوة القلب . الصوم فترة يقل فيها شغب الجسد وتتقوى الروح وفرصة للدخول الى حياة العمق والتأمل وفحص القلب والضمير والنفس . اذ لا يعرف الانسان الا روح الإنسان الساكن فيه وفي الصوم تصفو النفس ويتنقى القلب ونتوب ونرجع الي الله . فلنحرص اذاً ان يكون صومنا ليس مجرد استبدال طعام حيوانى باخر نباتى ولا مجرد الامتناع عن الطعام لفترة من الزمن ثم نأكل ما لذ وطاب بل يجب ان يكون صومنا فرصة للنمو الروحى وضبط النفس وتقوية الارادة وحرارة الروح . نشبع فى الصوم بالصلاة ونتوب ونتخلص من الضعفات والخطايا ونلتصق بالله وكلمته القوية والفعالة والقادرة على أشباع ارواحنا وبكل الوسائط الروحية التى تشعل محبة الله فى القلب ونهتم بان نكنز لنا كنوزاً فى السماء بالعطاء للمحتاجين والفقراء والصلاة من أجل المتضايقين وخدمة المحتاجين والضعفاء والعمل على نقاوة القلب وقداسته فطوبى لانقياء القلب لانهم يعاينون الله .
الصوم والصحة النفسية والجسدية .. أن فوائد الصوم لصحة الإنسان وسلامة بدنه كثيرة جداً، منها ما يتعلق بالحالة النفسية للصائم وانعكاسها على صحته الجسدية ، حيث أن الصوم يساهم مساهمة فعالة في علاج الاضطرابات النفسية والعاطفية، وتقوية إرادة الصائم، ورقة مشاعره، وحبّه للخير، والابتعاد عن الجدل والمشاكسة والميول العدوانية، وإحساسه بسمو روحه وأفكاره، وبالتالي تقوية وتدعيم شخصيته، وزياة تحمّلها للمشاكل والأعباء بالاضافة الى مساعدته في علاج الكثير من أمراض الجسم، كأمراض جهاز الهضم، مثل التهاب المعدة الحاد، وأمراض الكبد، وسوء الهضم، وكذلك في علاج البدانة وتصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وغيرها. كتب الطبيب السويسري بارسيليوس (إن فائدة الجوع قد تفوق بمرّات استخدام الأدوية). أما الدكتور فيليب، فكان يصوم مرضاه من الطعام لبضعة ايام، ثم يقدّم لهم بعدها وجبات غذائية خفيفة، ولذلك فأهمية الصوم تكمن في أنه يساعد على القيام بعملية التخلص من الخلايا القديمة، والخلايا الزائدة عن حاجة الجسم . ان فوائد الصيام كثيرة تشمل كل أبعاد الحياة الإنسانية، بحيث أنها تدخل في كل خلية من خلايا الجسم.. فيسهم الصوم فى ..
1- الوقاية من الأورام .. وهو يقوم بدور مشرط الجراح الذي يزيل الخلايا التالفة والضعيفة في الجسم، باعتبار أن الجوع يحرك الأجهزة الداخلية في الجسم لمواجهة ذلك الجوع، ما يفسح المجال للجسم لاستعادة حيويته ونشاطه، ومن جانب آخر، فإنه يقوم بعملية بناء الخلايا والأعضاء المريضة، ويتم تجديد خلاياها، فضلاً عن دور الوقاية من كثير من الزيادات الضارة مثل الرواسب والزوائد اللحمية والأكياس الدهنية، والأورام في بدايات تكونها.
2 ـ التوازن في الوزن .. يقوم بدور إنقاص الوزن لمن يعاني السمنة، ولكن بشرط أن يصاحبه اعتدال في كمية الطعام بعد فترة الانقطاع عن الطعام ، والاكتفاء بالخضروات والبقول والفاكهة المفيده للجسم .
3ـ الحماية من السكر.. يقوم بعملية خفض نسبة السكر في الدم إلى أدنى معدلاتها، ويتم ذلك من خلال إعطاء البنكرياس فرصة للراحة، لأن البنكرياس يفرز الأنسولين الذي يحوّل السكر إلى مواد نشوية ودهنية تخزن في الأنسجة، وعندما يزيد الطعام عن كمية الأنسولين المفرزة يصاب البنكرياس بالإرهاق ويعجز عن القيام بوظيفته، فيتراكم السكر في الدم وتزيد معدلاته بالتدريج حتى يظهر مرض السكر، ويحتاج الامر منا الى متابعة طبيعه لدي المتخصصين.
3ـ علاج الأمراض الجلدية.. إن الصيام يفيد في علاج الأمراض الجلدية، ويعمل على زيادة مناعة الجلد ومقاومة الميكروبات والأمراض المعدية الجرثومية. والتقليل من حدة الأمراض الجلدية التي تنتشر في مساحات كبيرة من الجسم مثل مرض الصدفية.وتخفيف أمراض الحساسية والحد من مشاكل البشرة الدهنية. ومع الصيام تقل إفرازات الأمعاء للسموم وتناقص نسبة التخمر الذي يسبب دمامل وبثوراً مستمرة.
4ـ الوقاية من داء النقرس والآم المفاصل .. النقرس ينتج عادة عن زيادة التغذية والإكثار من أكل اللحوم، ومعه يحدث خلل في تمثيل البروتينات المتوافرة في اللحوم داخل الجسم، مما ينتج عنه زيادة ترسيب حامض البوليك في المفاصل، خاصة مفصل الأصبع الكبير للقدم، وعند إصابة مفصل بالنقرس فإنه يتورم ويحمر ويصاحب هذا ألم شديد، وقد تزيد كمية أملاح البول في الدم ثم تترسب في الكلى فتسبب الحصوة، وإنقاص كميات الطعام علاج رئيسي لهذا المرض. ويعالج آلام المفاصل الذي يتفاقم مع مرور الوقت، فتنتفخ الأجزاء المصابة به، ويرافق الانتفاخ آلام مبرحة، وتتعرض اليدان والقدمان لتشوهات كثيرة، وذلك المرض قد يصيب الإنسان في أية مرحلة من مراحل العمر، ولكنه يصيب بالأخص المرحلة ما بين الثلاثين والخمسين ، ولكن ثبت بالتجارب العلمية أنه يمكن للصيام أن يكون علاجاً حاسماً لهذا المرض، وقد أرجعوا هذا إلى أن الصيام يخلص الجسم تماماً من النفايات والمواد السامة.
5ـ الحماية من جلطة القلب والمخ.. أكد الكثيرون من أساتذة الأبحاث العلمية والطبية أن الصوم ينقص من الدهون في الجسم ما يؤدي إلى نقص مادة الكوليسترول ، وهي عادة تترسب على جدار الشرايين، وبزيادة معدلاتها مع زيادة الدهون في الجسم تؤدي إلى تصلب الشرايين، كما تسبب تجلط الدم في شرايين القلب والمخ . لقد أستيقظ وعي العالم المتقدم على أهمية الصوم والأطعمة النباتية ويسعي الكثيرين اليه فى ارفف الاسواق فى الدول المتقدمة لا سعيا الى تقوية الروح بل من أجل صحة الجسد . لهذا وجب علينا نحن المؤمنين ان نرجع الى الصوم كفضيلة روحية من اجل صحة الجسد والنفس والروح . ان عقولنا تصبح أكثر تعقلا واصفى ذهناً وأنفسنا اقوى ارادةً وأكثر سمواً . نستطيع ان نضبط غرائزنا ونقوى ارادتنا بالصوم . اما الروح فلها طعام أخر يشبعها انه الجوع الى الله والشبع بالحديث معه وقراءة كتابه والتأمل فى محبته وصفاته وعمل ارادته { قال لهم يسوع طعامي ان اعمل مشيئة الذي ارسلني واتمم عمله} (يو 4 : 34).
القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد