المقالات
13 مارس 2020
هل تحب من يحبك فقط؟
«لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟» (متى5: 46، 47).حين يطرح الله سؤالًا للإنسان يكون لديه أكثر من هدف: فقد يكون لتغيير فكره، أو يكون دعوة للاستيقاظ من غفلة، أو قد يكون لكشف ضعف معين، أو للتأكد من وجود فضيلة في حياة هذا الإنسان..وسؤال الله لنا اليوم: هل تحب من يحبك فقط؟ سؤال هام ونحن في بدايه أيام الصوم الكبير. ففي العهد القديم في شريعه موسى قيل: عين بعين وسن بسن، أمّا في العهد الجديد - إذ جاء يسوع المسيح لا لينقض بل ليكمل - فيقول: هل تحب من يحبك فقط؟ فالمعاملة بالمثل ليست من المسيحية في شيء. وقد يتساءل البعض كيف أحب من لا يحبني؟ والإجابة عند الله أنه يريدنا أن نعامل الناس كما يعاملهم هو، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين، بدون تمييز؛ إجابه واضحة من الطبيعة التي تعامل الناس كما يعاملهم الله، فهو يعامل البشر من خلال الحب ومن خلال الرحمة. من خلال الحب كالشمس التي تشرق كل يوم، ومن خلال الرحمة مثل المطر، فالمطر يجعل الأرض تثمر معطية الخير للبشر.الشرائع القانونية في العهد القديم كما في العهد الجديد، تناسب بين الجريمه والعقاب. فإن أصاب أحد عين إنسان في العهد القديم ينال عقابًا يتناسب مع الجريمة. لكن لما جاء السيد المسيح وضع أمامنا مبدئين للتعامل مع كل البشر بدون استثناء، فلا يوجد فرق بين البشر: لا لون لا جنس ولا عرق ولا اعتقاد ولا أي شيء. المبدأ الأول: يجب ألا نلجأ إلى الانتقام لأن الانتقام يزيد الشر. فإن رددت على الشر بشر أصبح هناك شرَّان، ويتضاعف الشر، وندخل في دائرة لا تنتهي. فلابد أن نكسر حلقة الشر، ولا نلجأ إلى الانتقام لأن الله يقول: «لي النقمة أنا أجازي» (رومية12: 19). هو يري وهو يدبّر.المبدأ الثاني: أن يكون الإنسان محسنًا نافعًا للآخرين، وليس مجرد السكوت على الشر. فإن كنت لا تنتقم هذا نصف الطريق، والنصف الثاني أن تكون نافعًا للآخر. يقول لنا الرب: «مَنْ سخَّرَكَ ميلًا واحِدًا فاذهَبْ معهُ اثنَينِ. مَنْ سألكَ فأعطِهِ... ومَنْ أرادَ أنْ يُخاصِمَكَ ويأخُذَ ثَوْبَكَ فاترُكْ لهُ الرِّداءَ أيضًا (أي أن تكرمه)» (متى5: 40-42). هذه المحبة التي نقدمها للآخر هي التي تكسر فيه شوكه الشر، فليست هناك وسيلة لنزع الشر من الناس سوى أن تحبهم. فكيف يخرج الشر من إنسان إلّا إذا رأى آخر يحبه؟ لذا أضع أمامك هذا السؤال ثانيةً: «هل تحب من يحبك فقط؟». هذه ليست المسيحية، فالإنجيل يقول: «إنْ أحبَبتُمُ الّذينَ يُحِبّونَكُمْ، فأيُّ أجرٍ لكُمْ؟ أليس العَشّارونَ أيضًا يَفعَلونَ ذلكَ؟». المسيحية هي شريعه الكمال، وتفوق الإنسانية. هي تجعل من الإنسان أكثر رفعة من الإنسان الترابي. لكن الإنسان الروحي بالأكثر يسلك بشريعة الكمال واضعًا أمامه شخص السيد المسيح. فمثلًا الوصية التي تطالبنا: «من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر» نجد صعوبة في تنفيذها بحسب الطبيعة البشرية، التي تفترض أن أرد اللطمة بمثلها، فمن يلطمني يفعل شرًا، وإن رددت عليه بطريقته أكون فعلت شرًا مثله. حينها أجد أنني تساويت به ودخلت في دائرة لا تنتهي. فالله حين قال: «من لطمك على خدك الأيمن حوّل له الآخر أيضًا» قصد أن أصبر عليه، وأعطي له فرصه ليراجع نفسه، حتى ينتبه لنفسه ويدرك خطأه وهذا ليس ضعفًا، بل فيه كسب للآخر. لقد رأيت مرة موقف بهذه الصورة بنفس الفعل كما في آيات الإنجيل، لدرجة أن الشخص الذي ضَرَب بدأ يبكي ويصرخ ويركع على الأرض، وبدأ يحس بمقدار الخطأ الذي ارتكبه.صوره أخرى هي «من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك...»، هنا حالة خصام أو حالة ضرر لحق بما تمتلكه؛ كيف تعالج مثا هذا الموقف؟ كيف من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، تترك له الرداء؟! اترك له الرداء أي اصنع معه سلامًا، اِكسر شوك الشر التي فيه. «مَنْ سخَّرَكَ ميلًا واحِدًا فاذهَبْ معهُ اثنَينِ»، من سخرك تعني من ظلمك وكبت حريتك، والكتاب يقول لنا عن مثل هؤلاء أن اذهب معه ميلين! حكيت لكم قبلًا عن شاب تخرج من كليه الآداب ولم يعثر على وظيفة، فعمل نقّاشًا في بلد شقيق، وطلب منه شخص أن يبيّض له منزله، وسأله عن المدة التي يحتاجها لإتمام العمل، فأجاب الشاب بأنه يحتاج 20 يومًا تقريبًا. وفي اليوم الـ18، أي قبل انتهاء العمل بيومين، افتعل صاحب البيت خلافًا مع الشاب وطرده حتى لا يعطيه أجره، وهذا ظلم. انصرف الشاب حزينًا لكنه عاد في اليوم التالي طالبًا من صاحب المنزل أن يسمح له بالانتهاء من العمل. تعجب صاحب المنزل، وأخذ يراقب الشاب الذي أكمل عمله بمنتهى الأمانة، وعندما أنهى عمله سأله عن كيف استطاع أن يفعل هذا؟ فأجابه الشاب: "أنا اتفقت معك أن أبيّض لك بيتك. أنت صرفتني وظلمتني وهذا شأنك، لكن أنا سأتمم ما اتفقت معك عليه". وانبهر الرجل بالشاب وأمانته، وجعله شريكًا له في كل أعماله، وانفتحت له أبواب الرزق الواسع جدًا... وقيسوا على هذا أمثلة كثيرة ممكن أن يعيش فيها الإنسان. مقاومة الشر بمثله ممكن تزيده، لكن الشر لا يمكن أن يُهزَم إلّا بالخير والصلاح. شريعة المسيحية التي قدمها لنا السيد المسيح في العظه على الجبل هي لكل يوم، وهي آيات عملية صالحة للتطبيق في كل يوم.السؤال الذي يطرحه الرب علينا: هل تحب الذي يحبك فقط؟ إذا أحببت من يحبك فقط، فأنت لا تحيا المسيحية الكاملة بعد، بل لا زلت في نصف الطريق، لكن عندما تمتد محبة الإنسان لكل أحد يكون قد وضع قدمه على طريق شريعة المسيح. تذكروا يوسف الصديق مع إخوته الذين أبغضوه، أمّا هو فلم يحمل لهم أيّة بغضة برغم كل ما فعلوه معه؛ فمواجهه الشر لا تكون إلا بالخير العملي. تذكروا أيضًا السيد المسيح وهو على الصليب مُحاطًا بمن أبغضوه، ولكننا وجدناه يطلب لأجلهم: «يا أبَتاهُ، اغفِرْ لهُمْ، لأنَّهُمْ لا يَعلَمونَ ماذا يَفعَلونَ» (لوقا23: 34). أحيانًا في مجتمعاتنا لا يوجد عدو بالمعنى الحصري للكلمة، لكن قد يوجد من لا نقبله، فماذا تفعل مع مثل هذا؟ هل تخاصمه؟ تتجنبه؟ تشوه صورته؟ تشكوه؟ كل هذه العلاجات مرفوضة، أمامك علاج واحد: أن تزيد محبتك له! أظنكم تذكرون قصة المعلم إبراهيم الجوهري عندما شكا له أخوه أن هناك من يعايره ويشتمه، فأجابه المعلم إبراهيم الجوهري بأنه سيقطع لسان هذا الشخص، فسُرَّ أخوه بهذا. أمّا المعلم إبراهيم فقد أكثر العطايا لذلك الشخص، وهكذا قطع لسان الشر. واجه البغضة بالإحسان، و«صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم». عجيبة المسيحية! تصور أنك لا تفعل مثل الذي يسيء إليك، بل تحوّل هذه الإساءة لمادة للصلاة. الإنسان الذي يسيء إليك بالكلام أو بإطلاق الإشاعات أو تشويه السمعة... الخ، يقول لنا السيد المسيح أن العلاج هو أن نصلي لاجلهم! لا تنسوا أن من يسيئون إليكم هم أيضًا لها قيمتها أمام الله مهما كانوا. إن كان حبك لمن يحبك فقط، فأنت لم تعرف المسيح بعد، ولذلك في هذا الصوم ارفع قلبك واطلب من الله أن ينزع من من قلبك أيّة بغضة أو إساءة أو خاطر رديء تجاه أي إنسان. عندما نتحرر من الكراهية والمشاعر السلبية نستطيع أن نقتني فضائل عظمى من الله، نستطيع أن نقتني الحب الكامل، حب الأعداء. نقتني حب الرحمة التي نقدمها لكل إنسان. من يقرأ في تاريخ العصور الحديثة يجد أن الجمعيات التي ظهرت في العالم لتخدم الناس في أي مكان، نشات بفكر إنجيلي، مثل جمعية الصليب الأحمر التي تخدم مصابي الحروب. المسيحية ترتقي بالإنسان العادي ليكون مسموحًا بنعمه الروح القدس، ليصير الإنسان روحيًا، ويستق أن يُطلَق عليه "مسيحي" بالحق وليس بالكلام، بالفعل وليس بالمهظر. هل تحب من يحبك فقط؟ هذا هو سؤال السبت الأول في الصوم المقدس. وإجابة السؤال نجدها في العظة على الجبل (متى5: 38-48). يعطينا مسيحنا أن تكون حياتنا حياة نقية، ونمتلك طاقة الحب من أجل كل أحد. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن إلى الأبد. آمين.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
12 مارس 2020
التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ اَلْمُلُوكِ الأَوَّلُ
1- بين 1 مل 3 : 12، ام 30 : 2 ففى الاول يقول الله لسليمان اعطيك قلبا حكيما وفى الثانى يقول سليمان نفسه (لم اتعلم الحكمه). فنجيب ان كلام سليمان من باب التواضع الواجب وفيه نسبه الفضل لله.
2- وبين اصحاح 4 : 26، 2 اى 9 : 25 ففى الاول قيل وكان سليمان 40000 مذود لخيل مركباته وفى الثانى كان له 4000 مزود خيل ومركبات. فنجيب ان الاول ذكر عدد العيون التى فى المزاود والثانى اكتفى بذكر عدد المزاود الكبيره التى كان ياكل فى كل واحد منها عشره خيول.
3- وبين اصحاح 5 : 16، 2 اى 2 : 2 ففى الاول قيل ان رؤساء الوكلاء لسليمان الذين على العمل كانوا 3300 وفى الثانى انهم كانوا 3600 فنجيب ان الاول لم يدرج عدد الرجال300 الذين عينهم سليمان بصفه احتياطيه ليحلوا محل العمال الذين يصابون اما الثانى فادركهم. والمهم هو اتفاق كليهما فى ذكر عدد المجموع فف (1 مل 9 : 23) قيل (رؤساء الموكلين 550) وفى 5 : 16 رؤساء الوكلاء 3300 فالمجموع 3850 وفى (2 اى 8 : 10) رؤساء الوكلاء 250 وفى (2 : 18) قيل 3600 فالمجموع 3850 والاختلاف كان فى التقسيم، ف الاول نظرالىالرئاسه والثانىالىالجنسيه.
4- وبين اصحاح 7 : 14، 2 اى 2 : 14 ففى الاول ذكرت ارمله قيل انها من سبط نفتالى والثانى قيل انها من سبط دان فنجيب انه كان ابوها من سبط دان وامها من سبط نفتالى فنظر الاول الىنسبها من امها والثانىالىنسبها من ابيها.
5- وبين اصحاح 7 : 26، 2 اى 4 : 5 ففى الاول قيل ان البحر يسع الفى بث وفى الثانى انه يسع ثلاثه الاف بث فنجيب ان الاول ذكر المياه التى توضع فى البحر عاده، اما الثانى فذكر المقدار الذى يسعه البحر من المياه.
6- بين اصحاح 15 : 32، 2 اى 15 : 19 ففى الاول قيل انه كانت حرب بين اسا ملك يهوذا وبعشا ملك اسرائيل. وفى الثانى قيل انه لم تكن حربالىالسنه الخامسه والثلاثين للملك اسا. فنجيب ان هذا الاختلاف ينفى اذا علمنا انهم اسطلحوا حينئذ على ان يؤرخوا الحوادث من ابتداء انفصال مملكه اسرائيل.
7- بين اصحاح 15 : 33، 2 اى 16 : 1 ففى الاول قيل ان بعشا بن اخيا ملك فى السنه الثالثه لملك اسا ملك يهوذا. وفى الثانى يقول ان بعشا صعد على يهوذا وبنى الرامه فى السنه السادسه والثلاثين لملك اسا مع ان بعشا لم يملك سوى 24 سنه فنجيب ان المراد بقول سفر اخبار الايام الثانى فى السنه السادسه والثلاثين اى من انفصال 10 اسباط اسرائيل عن سبطى يهوذا وبنيامين وجعل المملكه قسمين، مملكه اسرائيل ومملكه يهوذا وهذه السنه توافق السنه السادسه عشره لملك آسا على يهوذا وكانت هذه الطريقه متبعه حينئذ.
8- وبين اصحاح 18 : 1، لو 4 : 25 ففى الاول يقول ان الله كلم ايليا فى السنه الثالثه لانقطاع المطر وقال له (اذهب وتراء لآخاب فاعطى مطرا على وجه الارض) وفى الثانى ان انقطاع المطر كان مده 3 سنين و 6 اشهر. فنجيب : لم يقل فى الاول ان مده انقطاع المطر كانت 3 سنين فقط كما فى الثانى بل الرب كلم ايليا فقط. وقوله (فى السنه الثالثه) اى من مده اقامه ايليا فى صرفه. ولا يخفى انه توجه للاقامه فيها بعد انقطاع المطر بمده. راجع (1 مل 17: 1- 8) هكذا قد مرت مده بعدما كلم الله ايليا وقال له انى ساعطى مطرا (راجع اصحاح 18).
المتنيح القس منسى يوحنا
عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
11 مارس 2020
الصوم يسبق كل نعمة وخدمة
كل بركة يقدمها لنا الله ، نستقبلها بالصوم ، لكي نكون في حالة روحية تليق بتلك البركة الأعياد تحمل لنا بركات معينة لذلك كل عيد يسبقه صوم و التناول يحمل لنا بركة خاصة لذلك نستعد لها بالصوم والرسامات الكهنوتية تحمل بركة لذلك نستقبلها بالصوم فالأسقف الذي يقوم بالسيامة يكون صائماً ، والمرشح لدرجة الكهنوت يكون أيضاً صائماً ، كذلك كل من يشترك في هذه الصلوات واختيار الخدام في عهد الآباء الرسل كان مصحوباً بالصوم " ففيما هم يخدمون الرب ويصومون ، قال الروح القدس إفرزوا لي برنابا وشاول فصاموا حينئذ وصلوا ، ووضعوا عليهما اليادي "( اع 13: 2، 3) .
والصوم أيضاً يسبق الخدمة
والسيد المسيح قبل ان يبدأ خدمنه الجهارية ، صار أربعين يوماً ، في فترة خلوة قضاها مع الآب علي الجبل وفي سيامة كل كاهن جديد ، نعطية بالمثل فترة يوماً يقضيها في صوم وفي خلوة في أحد الأديرة مثلاً ، قلب ان يبدأ خدمته وآباؤنا الرسل بدأوا خدمتهم بدأت بحلول القدس وكان صومهم مصاحباً لخدمتهم ، لتكون خدمة روحية مقبولة والخادم يصوم ، ليكون في حالة روحية ، ولكي ينال معونة من الله ، ولكي يحنن قلب الله بالصوم ليشترك معه في خدمته ولعلنا نري في حياة يوحنا المعمدان ، انه عاش حياته بالصوم و الخلوة في البرية ، قبل أن يبدأ خدمته داعياً الناس إلي التوبة وليست الخدمة فقط يسبقها الصوم ، بل أيضاً
أسرار الكنيسة يسبقها الصوم:-
سر المعمودية ، يستقبله المعمد وهو صائم ، ويكون إشبينه أيضاً صائماً ، والكاهن الذي يجربة يكون صائماً كذلك . الكل في صوم لاستقبال هذا الميلاد الروحي الجديد ونفس الكلام نقوله عن سر الميرون ، سر قبول الروح القدس الذي يلي المعمودية سر الأفخارستيا ، التناول ، يمارسه الكل وهو صائمون سر مسحة المرضي ( صلاة القنديل ) يكون فيه الكاهن صائماً أيضاً ولكن يستثني المرضي العاجزون عن الصوم ، الذين يعفون من الصوم حتى في سر التناول وسر الكهنوت كما قلنا ، يمارس بالصوم لم يبق سوي سر الأعتراف ، وسر الزواج وما اجمل ان يأتي المعترف ليعترف بخطاياه وهو صائم ومنسحق ولكن لن الكنيسة تسعي وراء الخاطئ في كل وقت ، لتقبل توبته في أي وقت ، لذلك لم تشترط الصوم أما سر الزواج فقد أعفاه السيد المسيح بقوله " لا يستطيع بنو العرس ان يصوموا مادام العريس معهم " ( مر 2 : 19) ومع ذلك ففي الكنيسة الناسكة الولي ويستمران ذلك اليوم في صوم حالياً طبعاً لا يحدث هذا إن بركات الروح القدس التي ينالها المؤمنون في الأسرار الكنيسة كانت تستقبل بالصوم ، إلا في حالات الإستثنائية وكما عرفت الكنيسة الصوم في حياة العبادة ، وفي حياة الخدمة ، كذلك عرفته في وقت الضيق ، وخرجت بقاعدة روحية وهي :
بالصوم يتدخل الله:-
لقد جرب هذا الأمر نحميا ، وعزرا ودانيال وجربته الملكة أستير من اجل الشعب كله وجربته الكنيسة في الرابع في عمق مشكلة آريوس وجربته الأجيال كلها وأصبح عقيدة راسخة في ضمير الكنيسة ، تصليها في صلاة القسمة في الصوم الكبير ، مؤمنه إيماناً راسخاً أن الصوم يحل المشاكل الإنسان الواثق بقوته وذكائه أما الشاعر بضعفه ، فإه في مشاكله ، يلجأ إلي الله بالصوم في الصوم يتذلل أمام الله ، ويطلب رحمته وتدخله قائلاً " قم أيها الرب الإله " وفي ذلك ينصت إلي قول الرب في المزمور " من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين ، الآن أقوم - يقول الرب - أصنع الخلاص علانية "( مز 11) الصوم هو فترة صالحة ، لإدخال الله في كل مشكلة فترة ينادي فيها القلب المنسحق ، ويستمع فيها الله فترة يقترب فيها الناس إلي الله ، ويقترب فيها الله من الناس ، يستمع حنينهم وإلي أنينهم ، ويعمل طالما يكون الناس منصرفين إلي رغباتهم وشهواتهم ، ومنشغلين بالجسد و المادة فإنهم يشعرون أن الله يقف بعيداً لا لأنه يريد أن يبعد ، وإنما لأننا أبعدناه ، أو رفضناه ، أو رفضنا أن نقترب منه علي وجه أصح أما في فترات الصوم الممزوج بالصلاة ، فإن الإنسان يقترب إلي الله ، ويقول له إشترك في العمل مع عبيدك إنه صراخ القلب إلي الله ، لكي يدخل مع الإنسان في الحياة يمكن ان يكون في أي وقت . ولكنه في فترة الصوم يكون أعمق ، ويكون أصدق ويكون أقوي فبالصوم الحقيقي يستطيع الإنسان أن يحنن قلب الله والذي يدرك فوائد الصوم ، وفاعليه الصوم في حياته ، وفي علاقته بالله ، إنما يفرح بالصوم .
الفرح بالصوم:-
إننا لسنا من النوع الذي يصوم ، وفي أثناء الصوم يشتهي متي يأتي وقت الإفطار إنما نحن حينما نكون مفطرين ،نشتهي الوقت الذي يعود فيه الصوم من جديد الإنسان الروحي يفرح بفترات الصوم ، أكثر مما يفرح بالأعياد التي يأكل فيها ويشرب كثيرون يشتهون الصوم في فترة الخمسين المقدسة التي يأتي بعد القيامة ، والتي لا صوم فيها ولا مطانيات وفيها يشتاق الكثيرون إلي الصوم اشتياقاً ، لذلك يفرحون جداً عندما يحل صوم الرسل ، إذ قد حرموا من لذه الصوم خمسين يوماً من قبله ومن فرح الروحيين بالصوم ، لا يكتفون بالأصوام العامة ، إنما يضيفون إليها أصواماً خاصة بهم ويلحون هلي آباء اعترافهم أن يصرخوا لهم بتلك الأصوام الخاصة ،مؤيدين طلبهم بأن روحياتهم تكون أقوي في فترة الصوم ، بل أن صحتهم الجسدية أيضاً تكون أقوي ،وأجسادهم تكون خفيفة إن الذين يطلبون تقصير الأصوام وتقليلها ،هؤلاء يشهدون علي أنفسهم أنهم لم يشعروا بلذة الصوم أو فائدته وسنتحدث بمشيئة الرب في الفصول المقبلة عن فوائد الصوم ، التي من اجلها صار فرحاً للروحيين ، وصار للرهبان منهج حياة …
منهج حياة:-
من محبة آبائنا الرهبان للصوم ، جعلوه منهج حياة صارت حياتهم كلها صوماً ماعدا أيام الأعياد ، ووجدوا في ذلك لذة روحية ولم يشعروا بأي تعب جسدي بل استراحوا للصوم وتعودوه وروي أنه لما حل الصوم الكبير في احدي البراري ، أرسلوا من ينادي في البرية لينبه الرهبان إلي حلول هذا الصوم المقدس ، فلما سمع أحد الشيوخ من المنادي هذا التنبية ، قال له ما هو يا أبني هذا الصوم الذي تقول عنه ؟ لست أشعر به الآن أيام حياتي كلها واحدة ( لأنها كلها كانت صوماً ) والقديس الأنبا بولا السائح ، كان يأكل نصف خبزة يومياً ، وفي وقت الغروب كنظام حياة ثابت وبعض الرهبان كان يصوم كل أيامه حتي الغروب ، مثل ذلك الراهب القديس الذي قال مرت علي ثلاثون سنة ، لم تبصرني فيها الشمس آكلاً وبعض الرهبان كانوا يطوون الأيام صوماً والقديس مقاريوس الإسكندري لما زار أديرة القديس باخوميوس كان يأكل في يوم واحد من الأسبوع طوال أسابيع الصوم الكبير ، وكان يطوي باقي الأيام ولم يقتصر صوم أولئك الآباء علي طول فترات الصوم ، أو طي الأيام ، إنما شمل النسك أيضاً نوع طعامهم أبا نفر السائح كان يتغذي بالبلح من نخله في مكان توحده ، والأنبا موسى السائح كان يقتات بحشائش البرية ، وكذلك كان الأنبا بيجيمي السائح . وكان يشرب من الندي هذا الصوم الدائم كان يجعل حياة الآباء منتظمة في الواقع أن حاله الرهبان من هذه الناحية مستقرة علي وضع ثابت ، إستراحت له أجسادهم ، واستراحت له أرواحهم وضع لا تغيير فيه إعتادوه ونظموا حياتهم تبعاً له أما العلمانيون فهم مساكين ، أقصد هؤلاء الذين ينتقلون من النقيض إلي النقيض من صوم يمنعون فيه أنفسهم ، إلي فطر يأخذون فيه ما يشتهون يضبطون أنفسهم فتره ، ثم يمنحونها ما تشاء فترة أخري ، ثم يرجعون إلي المنع ، ويتأرجحون بين المنع و المنح فترات وفترات يبنون ثم يهدمون ، ثم يعدون إلي بناء يعقبه هدم إلي غير قيام أما الصوم الحقيقي الذي يتدرب فيه الصائم علي ضبط النفس ويستمر معه ضبط النفس كمنهج حياة فيضبط نفه في أيام الفطر كما في أيام الصوم ، علي الرغم من اختلاف أنواع الأعمة ومواعيد الأكل وهكذا يكون الصوم نافعاً له ، ويعتبر بركة لحياته وبهذا المعني لا يكون الصوم عقوبة ، بل نعمة كانت أكبر عقوبة توقع علي أحد الروحيين ، أن يأمره أب اعترافه بان يأكل مبكراً ، أو يأكل لحماً أو طعاماً شهياً وكان أب الإعتراف يفعل هذا إن رأي أبنه الروحي قد بدأ يرتفع قلبه أو يظن في نفسه أنه قد صار ناسكاً أو زاهداً فيخفض كبرياءه بالأكل ، فتنكسر نفسه ، وبذلك يتخلص من أفكار المجد الباطل الصوم والإستشهاد:-
طبيعي أن الذي لا يستطيع الاستغناء عن أكله ، يكون من الصعب عليه أن يستغني عن الحياة كلها أما النفوس القوية التي تتدرب علي احتمال الجوع والعطش ، والتي تستطيع ان تخضع أجسادها وتقهر رغباتها وشهواتها ، هذه بتوالي التداريب ، و بعدم الاهتمام بالجسد واحتياجاته ، يمكنها في وقت الاستشهاد ان تحتمل متاعب السجون وآلام العذاب ، وتستطيع بنعمة الله أن تقدم أجسادها للموت لهذا كان الصوم مدرسة روحية تدرب فيها الشهداء ليس من جهة الجسد فقط ، وإنما أيضاَ من جهة روحانيه الصوم لأنه إذ تكون أيام الصوم مجالاً للعمل الروحي والتوبة والاقتراب إلي الله ، تساعد هذه المشاعر علي محبة الأبدية و عشرة الله ، و بالتالي لا يخاف الإنسان من التقدم إلي الموت ، إذ يكون مستعدا للقائه ، بل أنه يكون فرحاً بالتخلص من الجسد للالتقاء بالله ، ويقول " لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ، فذاك أفضل جداً "( في 1: 23) بالصوم كانت الكنيسة تدرب أولادها علي الزهد وبالزهد كانت تدربهم علي ترك الدنيا والاستشهاد فالذين استشهدوا كانوا في غالبيتهم أهل صوم وصلاة وزهد في العالم . وكما قال القديس بولس الرسول " يكون الذين يستعملون العالم ، كأنهم لا يستعملونه ، لأن هيئة هذا العالم تزول "( 1 كو 7: 31) .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
10 مارس 2020
الصوم الكبير والمعمودية
1- المعمودية والصليب والقيامة
أن المعمودية المسيحية هى موت ودفن وقيامة مع المسيح؛ فيقول معلمنا بولس الرسول: "نحن الذين متنا عن الخطية. كيف نعيش بعد فيها؟. أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح، اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضاً فى جدة الحياة؛ لأنه أن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضاً بقيامته" (رو 6: 3-5).لذلك فقد كانت أنسب فرصة لمعمودية الموعوظين فى العصور الأولى، هى ليلة عيد القيامة، حيث الموت والقيامة فعلاً مع المسيح.يقول فى ذلك العلامة ترتليانوس: "الفصح هو أكثر الأيام ملاءمة لإقامة المعمودية، ففيه تمت آلام الرب وإليها نعتمد..." (فى المعمودية 19).وما زالت "الزفة" التى نعملها للمعمدين فى الكنيسة، هى نفسها دورة القيامة التى كانوا يشتركون فيها عقب معموديتهم ليلة العيد والكنيسة فى اختيارها لقراءات عيد القيامة فى القطمارس، لم تغفل ارتباط القيامة بالمعمودية؛ ففى فصل الكاثوليكون يورد معلمنا بطرس الرسول مقارنته الشهيرة بين الطوفان والمعمودية: "إذ كان الفلك يبنى، الذى فيه خلص قليلون، أى ثمانى أنفس بالماء، الذى مثاله يخلصنا نحن الآن، أى المعمودية. لا إزالة وسخ الجسد، بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح" (1بط 3: 20-21) وفى فصل البولس يورد معلمنا بولس مقارنة بين بنى القيامة (المعمدين) وبنى الموت "ليس الروحانى أولاً (المولود من الروح بالمعمودية) بل الحيوانى (المولود بالجسد من أبويه)، وبعد ذلك الروحانى... وكما لبسنا صورة الترابى (آدم) سنلبس أيضاً صورة السماوى (المسيح ... فى المعمودية بالعربون، وفى الأبدية بالحقيقة)، فأقول هذا أيها الأخوة: أن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله (المولود حسب الجسد) ولا يرث الفاسد (بدون المعمودية) عدم الفساد (الأبدية)" (1كو 15: 46-50)، لاحظ أن نفس التعبير استخدمه الرب يسوع فى حواره مع نيقوديموس: "الحق الحق أقول لك إن كان أحد، لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله... المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح" (يو 3: 3-6) وحقيقة الأمر أن الكنيسة كانت تبذل جهداً كبيراً فى إعداد الموعوظين للمعمودية، ثم تقدمهم للأب الأسقف ليختبر جدية نواياهم، وصدق إيمانهم.. ثم يسجل أسماءهم فى سجل الموعوظين، الذى يسميه القديس يوحنا ذهبى الفم "السفر السماوى" أو "سفر الحياة" ، ثم يرسم الأب الأسقف على جبهة الموعوظ إشارة الصليب، ويباركه... وكان هذا التسجيل يتم - أيام القديس يوحنا ذهبى الفم - فى بداية الصوم الكبير... ويستمر الموعوظون طيلة الصوم الكبير يتلقون تعاليم الكنيسة، خاصة ما يختص بسر المعمودية، وفعلها فى حياتهم، حتى ينتهى الصوم المقدس بالبصخة فالقيامة، فيتم تعميدهم ليكونوا بالحقيقة قد ماتوا وقاموا مع الرب يسوع المسيح له المجد.والملاحظ أن ترتيب قراءات آحاد الصوم الكبير المقدس قد جاءت بإلهام إلهى تشرح طقس المعمودية، وفعلها فى تغيير وتجديد طبيعة الإنسان وفى تبنيه لله الأب وفى استنارته وفى منحه الحياة الأبدية.
2- ارتباط قراءات أحاد الصوم الكبير بشرح فعل المعمودية:-
أ- أحد الرفاع (مت 6: 1-18) :-
تعلمنا الكنيسة المقدسة فى أحد الرفاع المنهج المسيحى فى الحياة، ويقوم على (الصدقة - والصلاة - والصوم) وكأنها تهمس فى أذن الموعوظ.. "صديقى.. ستكون معنا - بالمعمودية - وستسلك كما يليق بهذه المعمودية: الصدقة هى الزهد فى المال والقنية.. والصلاة هى جحد الذات وكسر المشيئة... والصوم هو ضبط الجسد"... الكنيسة تضع أمام الموعوظ علامات الطريق، وسر النصرة.. وتميز له ما بين ممارسة المسيحية، والممارسة التى كان يعيش فيها قبل المعمودية سواء كان وثنياً أم يهودياً... فالمسيحية تعرف الخفاء فى الممارسة.. والعلاقة الباطنية بين الابن (بالمعمودية) والآب السماوى الذى يرى فى الخفاء.
ب- الأحد الأول (مت 19:6-34) (أحد الكنوز):-
فى بداية الطريق... تضع الكنيسة الحافز المناسب أمام الموعوظ لئلا يخور ويتراجع... إن كنا قد علمناه فى أحد الرفاع أن يتخلى عن (المال - الذات - الجسد).
فلنضع أمامه الآن المكافأة: أنها الكنز السماوى الذى لا يفسد ولا يسرق ثم تشرح الكنيسة للموعوظ قيمة التمسك بهذا الكنز السماوى...
- العين تكون مستنيرة بالبساطة (المعمودية هى سر الاستنارة).
- الله سيهتم باحتياجاتى (أبوكم السماوى يقوتها).
- نفوز بملكوت السموات (اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره... وهذه كلها تزاد لكم).
فالمعمودية تنقل الإنسان من سيرة علمانية إلى سيرة سمائية روحانيةالسيرة العلمانية تقوم على كنوز الأرض وعبودية المال، والعين الشريرة والاهتمامات المفسدة الرديئة فلا نكون مثلهم بل لنا الكنز السماوى، وخدمة المسيح، والعين البسيطة والاهتمامات الأخروية لأننا صرنا أبناء الملكوت، وأبناء النور بالمعمودية.
ج- الأحد الثانى (مت 4: 1-11) (أحد التجربة) :-
بعد إعداد الموعوظين بوعظهم، والصلاة عليهم (كما بطقس المعمودية)، تتمم الكنيسة لهم طقس جحد الشيطان، وكما انتصر السيد المسيح على الشيطان فى ثلاثة تجارب، كذلك يصرخ الموعوظ فى وجه الشيطان (نحو الغرب) قائلاً "أجحدك.. أجحدك.. أجحدك". أنها نفس النصرة التى فاز بها الرب يسوع لنا على الجبل لقد انتصر الرب يسوع فى تجارب الجسد (الحجارة تصير خبزاً)، والمجد الباطل (اطرح نفسك إلى أسفل)، وتجربة القنية (أعطيك هذه جميعها).. وهى نفس مواطن الضعف التى يحارب بها أبليس كل أولاد الله (الجسد - الذات - القنية)؛ لذلك فسبق لنا أن نتسلح ضد هذه الهجمات بأسلحة (الصوم - الصلاة - الصدقة).. إننا فى سر المعمودية نصرخ مع المسيح (أذهب يا شيطان). فيتركنا مهزوماً... ولكنه "إلى حين" (لو13:4)، لأنه سيعاود حربنا، ولن يتركنا نهائياً إلا عندما نخلع الجسد، ونحتمى فى الفردوس بالحقيقة، حيث تنتهى الحرب ، وتعلن النصرة فى الأبدية السعيدة.
د- الأحد الثالث (لو 15: 11-32) (الابن الشاطر):-
إن قصة الابن الضال هى شرح رائع لسر المعمودية.. فالمعمودية هى استعادة التبنى لله الآب.. لقد كان الإنسان أصلاً ابناً لله (بالتبنى)، فقد قيل عن آدم أنه "ابن الله" (لو 38:3) ولكن أدم فقد بنوته بسبب ضلالته، وانفصاله عن الله، وعيشه بعيداً بعيش مسرف فى الخطية.. والموعوظ فى توجهه للمعمودية، كأنه يقول مع الابن الضال: "أقوم وأذهب إلى أبى" (لو 18:15) إن الآب السماوى ما زال يحمل لنا مشاعر الأبوة ، وسوف يغدقها علينا فى المعمودية (الحلة الأولى).. فقال الأب لعبيده (الكهنة): "أخرجوا الحلة الأولى والبسوه (المعمودية هى لباس المسيح)" واجعلوا خاتماً فى يده (الميرون ختم الروح القدس)، "وحذاء فى رجليه" (الإنجيل الذى ينير الطريق ويهدى الخطوات): "حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام" (أف15:6)، "وقدموا العجل المسمن، وأذبحوه" (وليمة الافخارستياً التى يشترك فيها الأبناء فقط)، "فنأكل ونفرح" (بالتسبيح الدائم والشركة المقدسة فى الكنيسة) "لأن ابنى هذا كان ميتاً فعاش" (المعمودية موت وقيامة) "وكان ضالاً فوجد" الابن الأكبر هو رمز لليهود، الذين لهم علاقة مع الله منذ زمن بعيد، والابن الأصغر هو رمز للأمم الذين جاءوا متأخرين الابن الأكبر كان يعيش مع والده ولكن ليس بقلبه.. لذلك لم يكن فكره ولا قلبه كأبيه نحو الأخ الأصغر، بل تذمر كما تذمر اليهود عند قبول الأمم فى المعمودية (راجع فى ذلك قصة قبول كرنيليوس فى الإيمان والمعمودية، وكيف خاصم المسيحيون من أصل يهودى - معلمنا بطرس لأنه قبل الأمم، وكيف شرح لهم بطرس الرسول قصة إعلان الله له قبول الأمم (أع 10،11).. ولكن الآب السماوى يطمئن قلوب الموعوظين (الابن الأصغر) "كان ينبغى أن نفرح ونسر لأن أخاك هذا كان ميتاً (بفساد الطبيعة) فعاش (بالمعمودية) وكان ضالاً فوجد".
هـ- الأحد الرابع (يو 4: 1-42) (السامرية):-
السامرية جاءت لتشرب من ماء غير مرو، فقابلها يسوع وقال لها "لو كنت تعلمين عطية الله (المعمودية)... لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حياً.... كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً، ولكن من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد (لا تعاد معموديته). بل الماء الذى أعطيه، يصير فيه ينبوع ماء (الروح القدس) ينبع إلى حياة أبدية" جاءت السامرية لتشرب من بئر يعقوب وقلبها متعلق بخمسة أزواج وأخر ليس زوجاً.. فوجدت هناك بئر يسوع (المعمودية) والعريس الأوحد مخلص كل البشرية لقد رفع يسوع ذهنها إلى الحياة بالروح والحق، التى تليق بالمسيحيين؛ ليفطم قلبها من عبادة الحرف التى تليق باليهود والوثنيين... أن المعمودية حد فاصل...
و- الأحد الخامس (يو 5: 1-18) (المخلع):-
لقد كان هذا الرجل مريضا منذ زمان، رمزاً للبشرية التى تعانى من فساد الطبيعة منذ أدم.. وكان ملقى مطروحا عند البركة (رمزاً للمعمودية) يتوقع تحريك الماء مع باقى البشرية المريضة - "جمهور كثير من المرضى عمى وعرج وعسم لأن ملاكاً (رمزاً للروح القدس) كان ينزل أحياناً فى البركة، ويحرك الماء.. فمن نزل أولاً بعد تحريك الماء (الماء والروح)، كان يبرأ من أى مرض أعتراه (البرء من فساد الطبيعة)" والخمسة أروقة التى كانوا مطروحين فيها دون شفاء، لعلها تشير إلى إمكانيات العهد القديم التى كان - على غناها وغزارتها- عاجزة عن تخليص الإنسان، فأسفار موسى الخمسة، وأنواع الذبائح الخمسة لم تكن كافية لبرء الإنسان.. جاء يسوع ليخلصنا بالمعمودية، ولكنه يسأل الإنسان (أتريد أن تبرأ)؟، كما يسأل الكاهن الموعوظ (هل آمنت)؟
ى- فى الأحد السادس (يو1:9-41) (المولود أعمى):-
ومعجزة المولود أعمى هى قصة معمودية بكل تفاصيلها.. فالرجل ولد مشوهاً رمزاً للطبيعة الفاسدة، التى نولد بها من آدم وحواء.. وجاء الرب يسوع ليعيد خلقة الإنسان، ويجددها، لذلك فقد استخدم - بصفته الخالق - عناصر خلق الإنسان الأول نفسها.. (الطين).. وقال أذهب اغتسل فى بركة سلوام (المعمودية).. فمضى واغتسل وأتى بصيراً (سر الاستنارة).. ونتيجة هذه المعمودية انفصل هذا الرجل عن مجمع اليهود وصار فى مجمع المسيح (الكنيسة).
ز- الأحد السابع الشعانين :-
بعد أن شرحت الكنيسة للموعوظين فعل المعمودية فى حياتهم: التبنى (الابن الضال)، ماء الحياة (السامرية)، البرء من الطبيعة الفاسدة (المخلع)، والاستنارة (المولود أعمى) الآن تقتادهم ليروا المجد المعد لهم فى ملكوت الآب السماوى، سندخل أورشليم فى موكب المسيح، وسنهتف منتصرين حاملين سعف النخل.. وسننتمى إلى مملكة داود الروحية الحقيقية، ولكن هناك صليب سيقابلنا، وآلام لابد أن نجتازها.. وما يشجعنا ويعزينا أن هناك قيامة بعد الصليب.. وهناك المجد بعد الهوان.. وهناك النصرة بعد الحرب.
نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
عن كتاب الصوم الكبير عوده الى الله
المزيد
09 مارس 2020
الصوم وحياة السهر
في مَثَل الحنطة والزوان، يعلن عن وجود عدو مُقاوم أي إبليس رئيس مملكة الظلمة الذي لا يطيق مملكة النور.. «يشبه ملكوت السموات إنسانًا زرع زرعًا جيدًا في حقله، وفيما الناس نيام جاء عدوه وزرع زوانًا في وسط الحنطة ومضى، فلما طلع النبات وصنع ثمرًا، حينئذ ظهر الزوان أيضًا» (مت13: 24-26).
أولًا: لماذا لم يقل السيد "وفيما الزارع نائم جاء عدوه وزرع زوانًا" إنما قال "فيما الناس نيام"؟.. ذلك لأن: الله يسهر على كرمه ويهتم به، لكن الكرامين إذ ينامون يتسلل العدو إلى الكرم.. إن الله يحترم الإرادة الإنسانية ويأتمنها، لكن الله يطلب السهر حتى لا يتسلل العدو ليلًا..
ثانيًا: لم يقل السيد المسيح "جاء عدوهم" إنما قال:"جاء عدوه"؟.. لأن: العدو لا يقصد الكرامين بل صاحب الكرم، فالعامل الحقيقي ضد الكرم هو إبليس عدو الله نفسه.. حقًا إنها حرب بين الله وإبليس، بين النور والظلمة..
ما المقصود بالنوم هنا؟ يُقصد به التراخي والإهمال أو نسيان الله نفسه. يقول ق. جيروم "لا تسمح للعدو أن يلقي زوانًا وسط الحنطة بينما الزارع نائم عندما يكون الذهن الملتصق بالله في غير حراسة، وإنما قُل مع عروس النشيد: في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي. إخبرني أين ترعى أين تربض عند الظهيرة (نش3: 1 و1: 7)".
ثالثًا: ماهو الزوان؟ إلى أي شيء يشير؟
(1) يشير إلى الهرطقات: التي تنتشر في غفلة روحية من الرعاة، لذلك يقول ق. جيروم: "ليت أسقف الكنيسة لا ينام لئلا بإهماله يأتي إنسان عدو ويلقي بالزوان، أي تعليم الهراطقة".
(2) يشير إلى الخطية: الخطية التي تتسلّل إلى الفكر والقلب في غفلة روحية من الإنسان الروحي، لذلك يتحدث الأب إيسيذورس عن الأفكار الشريرة بقوله: "لماذا تنبع الأفكار الشريرة من القلب وتنجس الإنسان (مت 15: 19-20)؟! بلا شك لأن العاملين ينامون مع أنه كان يلزم أن يكونوا ساهرين حتى يحفظوا ثمار البذار الصالحة لكي تنمو. فلو لم نضعف أثناء سهرنا بسبب النهم والتراخي وتدنيس الصورة الإلهية، أي فساد البذرة الصالحة، ما كان لباذر الزوان أن يجد وسيلة للزحف وإلقاء الزوان المستحق للنار".
(3) يشير إلى الأشرار: الذين يحملون شكلية العضوية الكنسية دون روحها وحياتها العميقة.
رابعًا: ظهور الزوان وانتظار وقت الحصاد، لماذا؟
«فلما طلع النبات وصنع ثمرًا.. حينئذ ظهر الزوان أيضًا.. إنسان عدو فعل هذا.. دعوهما ينميان كلاهما معًا إلى الحصاد.. وفي وقت الحصاد أقول للحصادين اجمعوا أولًا الزوان واحزموه ليُحرق.. وأمّا الحنطة فاجمعوها إلى مخزني" (13: 26-30).. وهنا يطلب السيد الرب يسوع:
(أ) تأكيد الاهتمام الإيجابي والعمل لحساب ملكوت الله عوض إدانة الأشرار.
(ب) عدم اليأس والجهاد، لا في إقتلاع الزوان بل في العمل وتحويل الزوان إلى حنطة، فالله لم يقطع عيسو الشرير حتى لا يهلك معه أيوب البار الذي جاء من نسله، ولم يقتل لاوي العشار حتى لا يفقده ككارز بالإنجيل، ولا انتقم لإنكار سمعان بطرس الذي قدم دموع التوبة بحرقة، ولا ضرب شاول الطرسوسي بالموت حتى لا نفقد بولس الرسول الذي كرز بالخلاص في أقاصي الأرض.
ينصح ق. أغسطينوس بقوله: "كثيرون يكونون في البداية زوانًا لكنهم يصيرون بعد ذلك حنطة، فلنحتملهم بالصبر. وإنك لتجد القمح والزوان بين الكراسي العظيمة كما بين العلمانيين أيضًا، فليحتمل الصالحون الأشرار، وليصلح الأشرار من أمرهم مقتدين بالصالحين".
لنحذر: في ملء اليقظة من عدو الخير الذي يلقي الزوان سرًا ليملك على القلب الذي أُعِد لسُكنى المسيا المخلص، ولا يكون هناك مكان لإبليس المفسد بالصوم وحياة السهر.
نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
08 مارس 2020
الأحد الثاني للصوم الكبير صوم المسيح وتجربته فى البرية
” أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس. وكان يُقتاد بالروح فى البرية. أربعين يومًا يُجرب من إبليس. ولم يأكل شيئًا فى تلك الأيام. ولما تمت جاع أخيرًا ” (لوقا4: 1و2)حينما يتكلم الأنبياء المباركون عن كلمة الله الوحيد ـ الذى هو مساوٍ لله فى المجد، وشريك عرشه، الذى يضيء معه بمساواة كاملة ـ فإنهم أى الأنبياء يقودوننا إلى الاقتناع أنه أُظهر كمخلَّص ومحرَّر لأولئك الذين على الأرض، وذلك بقولهم“قم يارب، أعنى” (مز26:44) لذلك قام وأعان، وذلك باتخاذه صورة عبد، إذ قد صار فى شبه الناس، فإنه كواحد منا قد أقام نفسه كمنتقم بدلاً منا، منتقم من تلك الحية القاتلة والمتمردة، التى أدخلت الخطية إلينا وبذلك جعلت الفساد والموت يملكان الأرض، لكى بواسطة المسيح وفيه نحصل على النصرة بينما كنا فى القديم مهزومين وساقطين فى آدم لذلك تعالوا بنا لنسبح الرب ونرتل مزامير لله مخلصنا، هلموا لندوس الشيطان تحت أقدامنا، لنرفع صوت النصر على الذى هو الآن مطروح وساقط، هيا لنرتفع فوق الزحاف الخبيث الذى أُمسك فى فخ لا فكاك منه، ولنقل عنه نحن أيضًا بكلمات إرميا النبى” كيف كسرت مطرقة الأرض كلها وضربت فقد وُجدت وأُخذت، لأنك وقفت ضد الرب” (إر23:1س) لأنه منذ القدم، أى قبل زمن مجيء المسيح مخلص الكل، فإن عدو الجميع كانت له تصورات كبيرة ومخيفة عن نفسه. لأنه كان يفتخر متعظمًا على ضعف سكان الأرض قائلاً ” سأمسك العالم فى يدى كعش وكبيض مهجور آخذه، ولن يهرب أحد منى أو يتكلم ضدى” (إش14:10س) وفى الحقيقة لم يكن أحد من أولئك الذين على الأرض يستطيع أن يقوم ضد قوته، ولكن الابن قام ضده وتصارع معه إذ قد صار مثلنا. لذلك كما قلت فإن الطبيعة البشرية بسبب انتصارها في المسيح تربح الإكليل. وهذا ما أنبأ به الابن نفسه فى الزمن القديم حينما خاطب الشيطان بواسطة أحد الأنبياء القديسين هكذا ” هاأنذا عليك أيها الجبل المهلك ـ الملك كل الأرض ” (إر25:51) تعالوا إذن وهيا بنا لنرى ماذا يقول الإنجيلي المبارك، حينما كان المسيح ذاهبًا ليحارب لحسابنا ضد ذلك الذى أهلك الأرض كلها” أما يسوع فرجع ممتلئًا من الروح القدس“. انظروا هنا، أرجوكم، طبيعة الإنسان ممسوحة بنعمة الروح القدس فى المسيح كباكورة، ومتوجة بأعلى الكرامات. لأنه منذ القديم قد وعد إله الكل قائلاً ” ويكون فى تلك الأيام إنى سأسكب من روحى على كل جسد” (يؤ28:2). وقد تحقق الوعد لأجلنا فى المسيح أولاً. وبينما يقول الله عن أولئك الذين فى القديم، الذين استسلموا لشهوة الجسد بلا ضوابط، ” لا يسكن روحى فى هؤلاء الناس لأنهم جسد ” (تك3:4س). أما الآن فلأن كل الأشياء قد صارت جديدة فى المسيح وقد اغتنينا بالميلاد الجديد الذى بواسطة الماء والروح ـ لأننا لم نعد أولاد اللحم والدم، بل بالحرى ندعو الله أبًا لنا ـ لذلك إذ صرنا الآن فى كرامة بحق، وإذ نمتلك امتياز التبنى المجيد، فقد صرنا شركاء الطبيعة الإلهية بواسطة حصولنا على الروح القدس. ولكن الذى هو البكر فى وسطنا، حينما صار هكذا بكرًا بين اخوة كثيرين وأعطى نفسه للإخلاء فإنه كان أول من حصل على الروح، رغم أنه هو نفسه معطى الروح، لكى تصل إلينا بواسطته هذه الكرامة ونعمة الشركة مع الروح القدس. والرسول بولس يعلمنا مثل هذا حينما يتحدث عنه وعنا ويقول ” لأن المقدس والمقدَسين جميعهم من واحد، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم اخوة قائلاً أخبر باسمك اخوتى” (عب11:2 ،12). ولأنه لم يستحِ بالمرة أن يدعونا اخوة نحن الذين أخذ شكلنا لذلك إذ قد نقل فقرنا إلى نفسه، فإنه يتقدس معنا رغم أنه هو نفسه مقدِّس الخليقة كلها. وذلك لكى لا تراه أنت رافضًا لمستوى الطبيعة البشرية، هو الذى رضى من أجل خلاص وحياة الكل أن يصير إنسانًا لذلك، حينما يقول الإنجيلى الحكيم عنه ” أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح“، فلا تعثروا ولا تخطئوا فى أفكاركم الداخلية وتحيدوا عن تعليم الحق، فيما يخص الطريقة والكيفية التى بها تقدس الكلمة ذلك الذى هو الله، بل بالحرى افهموا حكمة التدبير التى بسببها، صار هو موضوع إعجابنا. لأنه قد صار جسدًا وأصبح إنسانًا، لا لكى يتحاشى كل ما يختص بحالة الإنسان ويحتقر فقرنا، بل لكى ما نغتنى نحن بما هو له، وذلك بأنه قد صار مثلنا فى كل شئ ما خلا الخطية. لذلك فهو يتقدَّس كإنسان، ولكنه يُقَدِّس كإله، لأنه إذ هو بالطبيعة إله صار إنسانًا. لذلك يقول الإنجيلى: “وكان يُقتاد بالروح فى البرية أربعين يومًا يُجرب من إبليس“. فما هو إذن معنى كلمة “يُقتاد”؟ إنها لا تعنى توصيله إلى هناك. لأننا نحن أنفسنا أيضًا اعتدنا أن نقول عن أى واحد يحيا بالتقوى، إن فلانًا أو فلانًا أيًا كان الشخص إنما يحيا حياة صالحة. ونحن نعطى لقب مربى لا لنشير به بحسب معناه الحرفى إلى أولئك الذين يقودون الأطفال فعلاً، بل نعنى أنهم يعتنون بهم ويدربونهم بطريقة حسنة جديرة بالثناء، مربين إياهم ومعلمين لهم أن يسلكوا بطريقة لائقة إذن فهو قد أقام فى البرية بالروح، أى روحيًا، فإنه صام، ولم يمنح أى طعام إطلاقًا لحاجات الجسد. ولكنى أتخيل أن البعض قد يعترضون على هذا قائلين وما هو الضرر الذى يلحق يسوع من الإقامة الدائمة فى المدن؟ وما هو الذى يفيده حتى يختار الإقامة فى البرية؟ فليس هناك شئ حسن يحتاج إليه. وأيضًا لماذا هو يصوم؟ وما الذى كان يلزمه لكى يتعب وهو الذى لا يعرف أى إحساس بتحرك أى رغبة منحرفة؟ فنحن نمارس الصوم كوسيلة نافعة جدًا لكي نميت اللذات بواسطته ونقاوم قانون الخطية الذى فى أعضائنا، ونقتلع تلك العواطف التى تؤدى إلى الشهوة الجسدية. أما المسيح فأى حاجة له إلى الصوم؟ فهو الذى بواسطته يبيد الآب الخطية فى الجسد. وبولس الإلهى إذ عرف هذا كتب: ” لأن الناموس فيما كان عاجزًا عنه بسبب ضعفه بواسطة الجسد فإن الله إذ أرسل ابنه فى شبه جسد الخطية ولأجل الخطية، دان الخطية فى الجسد لكى يتم حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح ” (رو3:8و4). لذلك فهو الذى يميت حركات الجسد فينا نحن أنفسنا الكائنات البائسة، وقد أباد الخطية، فأى صوم يمكن أن يحتاجه فيما يخصه هو نفسه؟ إنه قدوس وغير مدنّس بالطبيعة، وهو نقى تمامًا وبلا عيب. وهو لا يمكن أن يحدث له ولا ظل تغيير. فلماذا إذن جعل إقامته فى البرية وصام وجُرِّبَ ؟
يا أحبائى إن المسيح كمثال لنا يهتم بنا، فهو يضع أعماله أمامنا كنموذج لنا، ويؤسس مثالاً للحياة الفضلى والعجيبة التى يمكن أن تُمارس فى وسطنا، وأنا أعنى حياة الرهبان القديسين. لأنه منذ متى كان ممكنًا للناس على الأرض أن يعرفوا أن عادة السكن فى الصحارى هى نافعة لهم ومفيدة جدًا للخلاص؟ لأنهم يعتزلون من أمام الأمواج والعواصف ومن الاضطراب الشديد وارتباكات هذا العالم الباطلة، وهكذا كما لو كانوا مثل يوسف المبارك، فإنهم يتجردون ويتركون للعالم كل ما هو خاص به. وبولس الحكيم يقول شئ مثل هذا أيضًا عن أولئك الذين يريدون أن يعيشوا هكذا: “ ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات ” (غل24:5). وهو يبين لأولئك الذين يختارون هذه الطريقة للحياة أن الإمساك ضرورى، الذى ثمرته الصوم وقوة الاحتمال، والإمساك عن الطعام أو أخذ القليل منه. فإنه عندئذ حينما يجربهم الشيطان فإنه سينهزم لاحظوا هذا بنوع خاص أن الرب اعتمد أولاً وامتلأ من الروح القدس، وبعد ذلك ذهب إلى البرية، ومارس الإمساك، أى الصوم كما لو كان سلاحًا له. وهكذا إذ كان مستعدًا فحينما اقترب منه الشيطان انتصر عليه، وبذلك فقد وضع نفسه أمامنا كنموذج فأنت، لذلك ينبغى أيضًا أن تلبس سلاح الله، وترس الإيمان، وخوذة الخلاص. ينبغى أولاً أن تلبس قوة من الأعالى، أى ينبغى أن تصير مشتركًا فى الروح القدس بواسطة المعمودية الثمينة، وحينئذ يمكن أن تسلك الحياة المحبوبة والمكرمة لدى الله، وحينئذ يمكنك ـ بشجاعة روحية ـ أن تسكن فى الصحارى، وحينئذ تحفظ الصوم المقدس وتميت الأهواء وتهزم الشيطان حينما يجربك. لذلك، فإننا فى المسيح قد حصلنا على كل الأشياء ياللعجب فإنه يظهر بين المصارعين وهو نفسه كإله يمنح الجائزة، يظهر بين أولئك الذين يلبسون إكليل النصر، وهو الذى يكلل هامات القديسين، لذلك فلننظر ولنلاحظ مهارته فى مصارعته وكيف هزم خبث الشيطان وشره. فحينما قضى أربعين يومًا صائمًا فإنه جاع أخيرًا ولكنه هو نفسه يعطى الجياع طعاما؛ وهو نفسه الخبز النازل من السماء الواهب حياة للعالم وهو الذى به تقوم كل الأشياء. ولكن من الجهة الأخرى، بسبب أنه كان من الضرورى لذاك الذى لم يرفض فقرنا، أن لا ينسحب من أى شئ يخص حالة الإنسان، لذلك فقد وافق أن يحتاج للمؤونة الطبيعية. وهذا هو سبب القول ” إنه جاع “. ولكنه مع ذلك لم يجع إلاّ بعد أن صام مدة كافية، وبقوته الإلهية قد حفظ جسده من الخوار، رغم امتناعه عن الطعام والشراب، لكى يسمح لجسده أن يشعر بالإحساسات الطبيعية كما هو مكتوب: ” إنه جاع“. ولأى سبب هذا؟ لكى بمهارة بواسطة الاثنين، فإن ذلك الذى هو إله وإنسان معًا فى نفس الوقت يمكن أن يُعرف بهاتين الصفتين فى نفس الشخص الواحد: أى أعلى منا بطبيعته الإلهية، ومساوٍ لنا فى بشريته.
تجربة الخبز :-
لوقا4:4 ” وقال إبليس: إن كنت ابن الله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزًا ” حينئذٍ يقترب الشيطان لكى يجربه، متوقعًا أن إحساس الجوع سيساعده فى خطته الخبيثة: فإن الشيطان كثيرًا ما ينتصر علينا باتخاذه ضعفاتنا كمساعد لمكائده ومغامراته. لقد تصور الشيطان أن الرب يسوع سيقفز حالاً نحو الرغبة فى رؤية الخبز جاهزًا للأكل، ولذلك قال: ” إن كنت ابن الله، فقل لهذا الحجر أن يصير خبزًا“. إذن فهو يقترب منه، كإنسان عادى وكواحد من القديسين: ومع ذلك فهو لا يزال متشككًا فى أمره، إنه ربما يكون هو المسيح. فبأى طريقة أراد أن يعرف هذا؟ لقد اعتبر الشيطان أن تغيير طبيعة شئ إلى طبيعة أخرى إنما هو فعل قوة إلهية وعملها، لأن الله هو الذى يصنع هذه الأشياء وهو الذى يحوّلها. لذلك، قال فى نفسه إن فعل هذا، فإنه يكون هو بالتأكيد ذلك الشخص المنتظر الذى سيبطل قوتى، ولكن إن رفض أن يعمل هذا التغيير، فإنى بذلك أتعامل مع إنسان وأطرح الخوف بعيدًا، وأنجو من الخطر. لذلك فإن المسيح، لمعرفته بحيلة الشيطان، فإنه رفض أن يحوّل الحجر خبزًا، كما أنه لم يقل إنه غير قادر أو غير راغب أن يعمل هذا التغيير، بل بالحرى يصده بسبب إلحاحه وتداخله فيما ليس له، قائلاً: ” إن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده“، وهو يعنى بهذا، أنه إن أعطى الله قوة للإنسان، فإنه يمكن أن يصمد بدون طعام، ويحيا مثل موسى وإيليا اللذان بقوة كلمة الرب صرفا أربعين يومًا دون أن يأكلا شيئًا، لذلك، فإذا كان ممكنًا للإنسان أن يحيا بدون خبز، فلماذا أحوّل الحجر خبزًا؟ ولكن الرب تعمَّد ألاّ يقول، إنى لا أستطيع وذلك لكى لا ينكر قوته الخاصة، كما أنه لم يقل، إنى أستطيع لئلا عندما يعرف المجرب بذلك إنه هو الله الذى عنده وحده كل شئ مستطاع، فإنه يتركه ويهرب وأرجوكم أن تلاحظوا، كيف أن طبيعة الإنسان فى المسيح هى حرة من أخطاء شراهة آدم، فعن طريق الأكل انهزمنا فى آدم وبواسطة الصوم انتصرنا فى المسيح بواسطة الطعام الذى يخرج من الأرض، يتقوى جسدنا الأرضى، ويسعى إلى الحصول على غذائه مما هو مجانس له، أما النفس العاقلة فإنها تتغذى وتنمو إلى الصحة الروحانية بواسطة كلمة الله. لأن الطعام الذى تقدمه الأرض يغذى الجسد الذى هو قريب لها، أما الطعام الذى من فوق ومن السماء فيقوى الروح ويشددها. طعام النفس هو الكلمة الآتية من الله، أى الخبز الروحانى الذى يقوى قلب الإنسان كما يُرنم فى كتاب المزمور. وإننا نؤكد أن طبيعة خبز الملائكة القديسين هى أيضًا الكلمة الإلهية.
تجربة ممالك العالم:-
لوقا5:4 ” ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك العالم فى لحظة من الزمان ” وأنت أيها الكائن الخبيث الشرير الملعون، كيف تتجاسر أن تُرى الرب ممالك الخليقة كلها وتقول: ” إنها لى؟ فإن سجدت أمامى سأعطيها لك“. فكيف تعد بشيء ليس هو لك؟ من جعلك وارثًا لمملكة الله؟ من جعلك سيدًا على كل ما تحت السماء؟ إنك حصلت على هذه الأشياء بالخداع والاحتيال، لذلك إرجعها، للابن المتجسد، رب الكل. واسمع ما يقوله إشعياء النبى عنك : ” هل قد أعد لك أيضًا أن تملك؟ هى هوة عميقة، ونار، وكبريت، وحطب مرتب، وغضب الرب كهوة مشتعلة بكبريت“. (إش33:30س) فكيف إذن وأنت نصيبك هو اللهيب الذى لا ينطفئ تعد ملك الكل بما هو ليس لك؟ هل تظن أنك تجعله يسجد له وهو الذى ترتعد أمامه كل الكائنات والسارافيم وكل القوات الملائكية تسبحه بمجد؟ إنه مكتوب: ” للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد“. لقد ذكر الرب هذه الوصية فى الوقت المناسب ووجهها إليه فى الصميم. فقبل مجيء الرب، كان الشيطان قد خدع كل من تحت السماء، وكان يُعبد فى كل مكان. أما وصية الله هذه فإنها تطرده من السيادة التى اغتصبها بالخداع، وتوصى الناس أن يعبدوا الذى هو الإله بالطبيعة وبالحق، وأن يقدموا الخدمة والسجود له وحده.
تجربة جناح الهيكل:-
لوقا9:4 : ” ثم جاء به إلى أورشليم وأقامه على جناح الهيكل وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل” التجربة الثالثة التى يستخدمها الشيطان هى المجد الباطل قائلاً: ” ألقِ نفسك إلى أسفل“، كبرهان على ألوهيتك. ولكنه لم يستطع أن يسقطه بواسطة الغرور، بل إن سهم الشيطان أخطأ الهدف. فقد أجابه الرب: ” إنه قيل لا تجرب الرب إلهك“. فإن الله لا يمنح معونته لأولئك الذين يجربونه، بل لأولئك الذين يثقون به، ولا ينبغى بسبب تلطفه ورحمته علينا أن نتباهى ونغتر. ولنلاحظ أيضًا أن المسيح لم يعطِ آية لأولئك الذين كانوا يجربونه فيقول: ” جيل شرير يطلب آية ولا تُعطى له آية“. فلنسمع الشيطان وهو يجرب هذه الكلمات. لذلك فنحن قد نلنا الانتصار فى المسيح، أما الذى انتصر على آدم فمضى الآن خجلاً لكيما نستطيع أن نضعه تحت أقدامنا، لأن المسيح كمنتصر قد سلمنا أيضًا القوة أن ننتصر، قائلاً: ” ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو“.
لوقا10:4 ” لأنه يوصى ملائكته بك لكى يحفظوك” انظروا كيف يحاول بخبث أن يستخدم الكتاب المقدس لكى يحط من مجد الرب، كما لو كان الرب محتاجًا لمساعدة الملائكة، وكما لو كان سيعثر لو لم تساعده الملائكة. لأن هذا المزمور لا يشير إلى المسيح، والرب العالى لا يحتاج للملائكة. أما جناح الهيكل، فقد كان مبنى مرتفع جدًا مُقام إلى جانب الهيكل والبعض يشير بهذا المزمور خطأ إلى شخص الرب، ويأخذون عباراته معًا التى تقول هكذا “ لأنك، يارب أنت رجائى جعلت العلى ملجأك” (مز9:91) ولذلك، يقولون إن له ملجأ هو العلى، أى الآب الذى فى السماء. وحجتهم فى مثل هذه الطريقة فى الفهم، أن الشيطان فهمها هكذا فقال: ” إن كنت ابن الله فالقِ نفسك إلى أسفل: لأنه مكتوب أنه يوصى ملائكته بك لكى يحفظوك“، فالشيطان لأنه كذاب ومخادع، يطبق ما هو مكتوب عنا نحن على شخص المسيح مخلصنا جميعًا. ولكننا نحن لا نفهمها بطريقة الشيطان، حتى إن كان الآريوسيون قد فهموها هكذا، فليس هناك ما يدعو للدهشة فى موقفهم هذا، لأنهم يتبعون أباهم، الذى هو كذاب، وليس فيه حق، بحسب كلمات المخلّص. فإن كان الحق هو كما يقولون هم، ونحن قد جعلنا المسيح عوننا، وهو قد جعل الآب ملجأه، فعندئذ نكون نحن قد التجأنا إلى واحد هو نفسه محتاج إلى المساعدة ودعونا ذلك الذى يخلص بواسطة آخر مخلّصًا لنا. هذا لا يمكن أن يكون، حاشا لله. لذلك فنحن نقول لأولئك الذين يريدون أن يفكروا هكذا، أنتم تسيرون خارج الطريق الملكى المستقيم، أنتم تسقطون وسط الأشواك والفخاخ، لقد ضللتم بعيدًا عن الحق. فالابن مساوٍ للآب فى كل الأشياء، فهو صورة ورسم جوهره، وهو العلى كما أن الآب أيضًا هو العلى فالشيطان إذن استخدم هذه العبارات كما لو كان المخلّص إنسانًا عاديًا. فلأنه ظلام بكليته، وقد أعمى عقله، فإنه لم يفهم قوة المكتوب فى المزمور أنه يقصد به شخص كل إنسان بار ينال عونًا من السماء. وإلى جانب ذلك، لم يعرف أن الكلمة، الذي هو الله، قد صار إنسانًا، والآن هو نفسه يُجرّب بحسب خطة الخلاص وكما سبق أن قلت، فقد افترض (الشيطان) أن كلمات المزمور قد قيلت كما عن إنسان عادى أو عن واحد من الأنبياء القديسين ولكن بالنسبة لنا نحن الذين نعرف السر تمامًا، والذين نؤمن أنه هو الله وابن الله، وأنه صار من أجلنا إنسانًا مثلنا، فإنه أمرٌ بشع جدًا أن نتصور أن عبارات المزمور هذه تتحدث عنه. إذن فنحن نقول، إن عبارة ” جعلت العلى ملجأك” لا تناسب شخص المخلّص، فإنه هو نفسه العلى، ملجأ الكل, ورجاء الكل، وهو عن يمين الآب الكلى القدرة، وكل من يجعله حصنا له، فلن يقترب منه شر لأنه يأمر الملائكة، الذين هم أرواح خادمة، أن يحرسوا الأبرار فكما أن آبائنا الجسديين حينما يرون الطريق خشنًا ويصعب عبوره، فإنهم يمسكون أطفالهم فى أيديهم، لكى لا تصاب أقدامهم الضعيفة بأذى، لكونهم لا يزالون غير قادرين أن يسيروا على الطرق الصعبة، هكذا أيضاً قوات الملائكة لا يسمحون لأولئك الذين لا يزالون غير قادرين على الجهاد بعد، والذين لا يزال ذهنهم طفوليًا، أن يتعبوا بما يفوق طاقتهم، بل يختطفوهم بعيداً عن كل تجربة.
القديس كيرلس الأسكندرى
المزيد
07 مارس 2020
هل توبتي سليمة
يذهب ويعترف في مواعيد منتظمة، غير أنه يتشكك كثيرا إن كانت توبته سليمة أم لا، والدليل أنه يعود ويسقط من جديد ويتكرر نفس الاعتراف. لذلك فهو حزين .نقول له اسأل نفسك وأنت مقدم على الاعتراف هل إذا جاءتني الفرصة سأفعل نفس الخطية ؟ وستكون الإجابة
بالطبع واحدة من ثلاث :-
1- لا لن أكررها وفي هذه الحالة تكون التوبة كاملة، حتى لو سقطت في وقت لاحق، المهم مشاعرك الصادقة الآن .
2- ربما، فأنا غير متأكد وفي هذه الحالة تكون التوبة غير كاملة وتحتاج إلى مراجعة .
3- نعم، من المؤكد أنني سأفعلها . وفي هذه الحالة لا تكون هناك توبة أصلا .
والاعتراف يجب أن تسبقه عدة خطوات: محاسبة النفس، ملامة النفس، التوبة والاعتراف لله في المخدع، وأخيرًا إعلان هذه التوبة والاعتراف
في الكنيسة أمام الأب الكاهن وفي حضور الله المتلقي الحقيقي للاعتراف، والمانح الغفران من خلا ل الكاهن الذي وهبه هذا السلطان (يوحنا22:20)
نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
06 مارس 2020
الصوم الكبير قانون وسلوك
بدا أيام الصوم الكبير الغنية في روحياتها والممارسات الكنسية فيها، والتي تأتي مرة واحدة كل عام، نقدم فيها توبتنا الجماعية بالهدوء، والسكون، والصمت، والنُسك، والتقشُّف، وفحص النفس، وتنقية القلب، والدخول إلى الأعماق، بهدف أن يكون الإنسان "إنسان الله". وكما قال القديس مار إسحق السرياني فإن الصوم "هو تقديم كل الفضائل، وبداية المعركة، وتاج المسيحية، وجمال البتولية، وحفظ العفّة، وأبو الصلاة، ونبع الهدوء، ومعلّم السكوت، وبشير الخيرات". والكتاب المقدس يزخر باللذين صاموا قبلًا أمثال: موسى النبي (خر34: 28) – داود النبي (2صم1: 11) – أخاب الملك (1مل21: 27) – عزرا (10: 6) – نحميا (1: 3) – استير (4: 1) – دانيال (9: 3) – أهل نينوى (يون3: 5-9) – حنّة النبية (لو2: 37) – بولس الرسول (أع9:9) – بطرس الرسول (أع10:10) – الرسل (أع13: 2) – كرنيليوس (أع10: 3) – والسيد المسيح (متى 4: 2).وهذا الصوم المقدس الذي يمتد إلى 47 يومًا ويلحقه أسبوع الآلام، ولكن يسبقه وبنفس الطقس الكنسي 3 أيام صوم يونان ونينوى؛ يُعتبَر بالمعنى الرمزي خزينًا روحيًا لمسيرة الإنسان الروحية خلال العام. ولذا وضعت له الكنيسة طقوسًا وألحانًا متميزة، وصار له قانون نقرأه في إنجيل قداس الرفاع، وصار له سلوك نقرأه أيضًا في الكاثوليكون في قداس الرفاع.أولًا: قانون الصوم نقرأ عنه في (مت6:6)«أمّا أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصَلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية».والمقصود بالقانون أنه نظام الحياة أثناء الصوم، ويعتمد على خطوتين: الأولى: "ادخل إلى مخدعك"، أي إلى قلبك الداخلي الذي لا يراه إلّا الله، واجتهد في تنقية هذا القلب الذي سوف تقدمه لله عندما تقف أمامه. والثانية: "اغلق بابك"، أي أغلق فمك عن الطعام والكلام، واجتهد أن يكون حديثك مع الله أكثر وأكثر، وطعامك مثل طعام الفردوس حيث النباتات، وفترات الخلوة الصائمة بالانقطاع عددًا من الساعات كل يوم.يقول القديس باسيليوس الكبير: "الصوم الحقيقي هو ضبط اللسان، وإمساك الغضب، وقهر الشهوات".ثانيًا: سلوك الصوم:نقرأ عنه في (رسالة بطرس الثانية 1: 5-7)، حيث يقدم لنا سلوكيات الصوم المبنية على الإيمان، والهادفة إلى أن يكون الإنسان "إنسان المحبة"، وبالترتيب التالي:أ- قدسوا في إيمانكم فضيلة: الإيمان إحساس غير منظور، ولكن يُعبَّر عنه بالفضيلة التي يعيشها الإنسان، وتظهر في سلوكه اليومي مثل الوداعة والتسامح والقلب المنفتح والمعتدل.ب- وفي الفضيلة معرفة: نعيش الفضيلة ونمارسها بمعرفة حقيقية والتي نستقيها من الوصايا الكتابية التي هي ينابيع المعرفة الصادقة في كلا العهدين، ولذلك نقرأ النبوات والمزامير والأناجيل والرسائل عبر أيام الصوم يوميًا.جـ- وفي المعرفة تعفُّفًا: والتعفُّف هو الانضباط الذي نمارسه في نقاوة ووقار، فلا يهم الفم فقط بل والعين والأذن والسمع وكل أعضاء الجسد، كما يقول يوحنا ذهبي الفم. وكل هذا عن وعي وإدراك لكي تسمو الروح فوق الجسد.ء- وفي التعفف صبرًا: عامل الوقت أحد عوامل استقرار الحياة الروحية وثباتها. وهذا يحتاج الصبر الذي به نقتني نفوسنا التي اشتراها المسيح بدمه الكريم على عود الصليب.هـ- وفي الصبر تقوى: التقوى تعني المخافة القلبية التي قال عنها داود النبي: «جعلتُ الرب أمامي في كل حين، إنه عن يميني فلا أتزعزع». المخافة هي التي تحرسنا من الخطية بكل أشكالها، ومن خلال الصبر تكون المخافة الحاضرة في كل ما نمارسه في حياتنا.و- وفي التقوى المودة الأخوية: ونعمة المودة الأخوية والتي تجعل من الآخرين أقرباء وأحباء لنا مهما كانت درجات الاختلاف والتنوع معهم. المودة هي أن تكون ودودًا لطيفًا وديًا ومتواضع القلب مع الجميع.ز- وفي المودة الأخوية محبة: وهي لباس الكمال بحسب تعبير بولس الرسول: «وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال» (كو3: 14).وهكذا تكون سلوكيات الصوم حيث تمتلئ حياة الإنسان بالمحبة الكاملة، والتي تفيض منه لكل أحد بلا توقف.كل صوم وأنتم جميعًا طيبين.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
05 مارس 2020
التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ صَمُوئِيلَ الثانى
1- بين 2 صم 2 : 10 وعدد 11 ففى الاول ان ايشبوشت ملك سنتين وفى الثانى سنه وسته اشهر. فنجيب : ان الاول قصد المده التى كان له سلطان الملك اما ما بقى فكان الملك مهددا فلم يكن ملك كما يجب.
2- بين اصحاح 5 و6، 1 اى اصحاح 13 و14 ففى الاول ان داود جاء بتابوت عهد الله بعد محاربه الفلسطنيين وفى الثانى جاء بعد محاربتهم. فنجيب ان ما يقرا اصحاح 15 من سفر ايام الاول يجد ان داود اصعد تابوت الله بعد ما هزم الفلسطنيين لان بنى اسرائيل اصعدوا التابوت مرتين، فمره اصعدوه من بعله قبل انهزام الفلسطنيين كما هو ظاهر من (2 صم 5 و6 و1 اى 15) وليس من اصحاح 14 ف الاول ذكر انتصار داود على الفلسطنيين ثم ذكر اصعاد التابوت مرتين والثانى ذكر اصعاد التابوت من بيت بعله ثم انتصار داود على الفلسطنيين ثم اصعاد التابوت من بيت عوبيد.
3- وبين اصحاح 8، 1 اى 18 حيث يوجد بين الاول والثانى تناقض فى اسماء واعداد :
(1) اشار الاول فى عد 1 ان داود اخذ زمام القصبه وفى الثانى عد 2 انه اخذ جت وذلك لان جت هى زمام القصبه فلا خلاف.
(2) قيل فى الاول عد 3 هدد عزر وفى الثانى عد 3 هدر عزر، والاختلاف بسيط كما ترى والتشابه موجود.
(3) ذكر فى الاول عد 8 ومن باطح وبيروثاى مدينتى هدد عزر وفى الثانى عد 8 ومن طبحه وخون مدينتى هدد عزر. فباطح وبيروثاى هما طبحه وخون اسميهما باللغه الاشوريه.
4- بين 2 صم 10 : 18 و1 اى 19 : 18 ففى الاول (وقتل داود من ارام سبع مئه مركبه) وفى الثانى (سبعه الاف مركبه). فنجيب ان المراد بكلمه مركبه فى العباره الاول ى هو الذين فيها وفى كل مركبه 10 انفار وبما ان الكتاب يفسر بعضه بعضا فعين الثانى مقدار ما فى المركبات وذكر المحل وقصد الحال فيه، والقرينه المانعه عن اراده المعنى الحقيقى قوله وقتل داود 700 مركبه فالمركبه لا تقتل بل يقتل من فيها. وقوله فى الاول فارس وفى الثانى راجل وذلك لانهم كانوا يتحاربون تاره مشاه واخرى على الخيل فنظر اليهم واحد فى حال والاخر فى حال اخرى.
5- بين اصحاح 11 : 3، 1 اى 3 : 5 فقيل فى الاول بثشبع بنت اليعام. وفى الثانى بثشوع بنت عميئيل. فنجيب ان التشابه بين بثشبع وبثشوع واضح، واما ابوها كان يدعى باسمين، وكثيرا ما يتغير اسم الانسانالىاسم اخر لسبب من الاسباب.
6- بين اصحاح 15 : 7، 1 مل 2 : 11 ففى الاول ان ابشالوم عصى على ابيه 40 سنه وفى الثانى ان داود ملك 40 سنه فقط مع ان ملك داود تقدم عصيان ابشالوم بمده وتاخر بعده بمده. فنجيب ان قوله بعد 40 سنه لا يقصد به من عصيان ابشالوم بل من مده مسح داود ملكا.
7- بين اصحاح 19 : 16 – 23، 1 مل 2 : 8 و9 ففى الاول ان شمعى الذى سب داود لما شاهده منتصرا استعطفه فحلف له قائلا لا تموت ولكنه فى الثانى نكث عهده وحنث فى يمينه وكلف ابنه سليمان بقتله، مع ان شمعى سب داود بامر الرب (2 صم 16 : 10). فنجيب ان الله كثيرا ما يستخدم الاشرار لاتمام اغراضه من انتقام وغيره الا انهم لا يبررون من العقاب لانهم فعلوا ما فعلوا مدفوعين بعامل فسادهم. وهكذا كان امر شمعى ويهوذا فلم يامرهما الرب ان يرتكبا ما فعلا لتتميم ارادته ولكنه تركهما يصنعا مشتهى قلبيهما ككل اثيم يتركه الرب لفساد ذهنه.اما قول (بان الرب قال له ان يسبنى) فقد قال الشيخ ابن المكين (فليس معناه ان الله استخدم رجل صالح لسب داود بل رجل شرير فهذا الرجل له خطايا متقدمه تقتضى قصاصه وهى وهى تتكامل بسبب داود وشتمه فمقدماته وملكاته الرديه اوجبت ان الله سمح له يسب داود ليستحق عظيم القصاص) اه. اما كون داود اقسم له انه لا يموت وحنث فى يمينه فذلك لان داود كان مسيح الرب. فمن حيثشخصه فقد سامحه ولكن من حيث كونه ممثلا للرب واهانته اهانه للرب كما فى (خر 22 : 28 ولا 24 : 15 و16) فقد راه مستحق العقاب. فقوله (لا تموت) اى من جرى اهانتك لى لا من جرى اهانتك لله. وجرى مثل ذلك فى تجديف مريم اخت موسى عليه فمع كونه سامحها وصلى لاجلها الا ان الله لم يلتفت لصلاته كما طلب واجرى عليها عقابه (عد 12) هذا على ان استتعطاف شمعى داود لم يكن ناشئا عن شعوره بذنبه بل نشا من الخوف من بطش داود وسلطانه.
8- بين اصحاح 23 : 8، 1 اى 11 : 11حيث ذكر فى الاول ان يوشيب بشبث التنحكمونى رئيس الثلاثه هز رمحه على 800 فقتلهم وفى الثانى ان يشبعام بن حكمونى رئيس الثوالث هز رمحه على 300 فقتلهم. فنجيب: ان الاول ذكر الذين قتلوا حالا وجرحوا وهربوا متاثرين بجراحهم وفى الثانى اقتصر على الذين سقطوا 200 حال القتال فقط. اما الاختلاف فى الاسم فقد سبق بيان علته.
9- بين اصحاح 24 : 1، 2 اى 21 : 1 ففى الاول قيل ان الله القى فى قلب داود ان يعد الشعب وفى الثانى ان الشيطان اغواه ليحصى اسرائيل. فنجيب ان معنى القول الاول باعتبار انه لا يحصل شىء بدون سماح الله وليس معنى ذلك انه راض على كل ما يسمح به. وفى الثانى انه الذى يحرك للشر هو الشيطان، ونسبه الامر فى الاول لله معناه انه راى فى داود عيبا فسمح وقوعه فى الخطا ليقوم به اعوجاجه.
10- بين اصحاح 24 : 9، اى 21 : 5 ففى الاول ان يوآب دفع لداود عدد الشعب 800.000 رجل ذى باس ورجال يهوذا 500.000 وفى الثانى كان كل اسرائيل الف الف 100.000 رجل مستل السيف ويهوذا 470.000 – فنجيب : واضح من سفر اخبار الايام الاول اصحاح 27 انه كان يوجد اثنى عشر رئيس فرقه يخدمون الملك وفى كل فرقه 24000 هعدد الجميع 288 الفا وغير هؤلاء ذكر فى نفس الاصحاح اثنا عشر الف لاسباط اسرائيل فمجموع الكل 300 الف وهو الفرق بين سفرى صوئيل الثانى واخبار الايام الاول. فصموئيل لم يذكر هؤلاء300 الف لانهم كانوا معروفين للملك. اما سفر اخبار الايام الاول فذكر هؤلاء واولئك بدليل قوله ((فكان كل اسرائيل. الخ)).اما صموئيل فلم يقل ((كل اسرائيل)) بل قال ((فكان اسرائيل. الخ)).هذا من حهه الخلاف فى عدد اسرائيل اما الخلاف فى عدد يهوذا فذلك لان صموئيل ذكر 30.000 كانوا من الجيش تحت السلاح محافظين على حدود فلسطين كما اشار فى (ص 1 : 1) اما سفر اخبار الايام الاول فلم يذكر فى عدد هذا السبط لفظ ((كل)) بل قال (يهوذا 47000 رجل).
11- وبين اصحاح 24 : 13، اى 21 : 21 ففى الاول قال ان جاد اخبر داود وقال له (تاتى عليك سبع سنى جوع) وفى الثانى انها ثلاث فقط. فنجيب : لا يخفى ان الجوع لا ياتى فى اوله شديدا بل يشتد رويدا رويدا ويزول رويدا رويدا فلهذا اقتصر فى سفر اخبار الايام الاول على ذكر ثلاث سنين التى يشتد فيها الجوع وترك سنتين من الاول وسنتين من الاخر التى يكون الجوع فيها خفيفا وقصد ان يكون عدد سنى الجوع كعدد ثلاثه اشهر هلاكه امام مضايقيه وثلاثه ايام الوباء الذين عرضها على داود مع سنى الجوع.
المتنيح القس منسى يوحنا
عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد