المقالات
02 يونيو 2019
من الظلمة إلى النور
في أحداث الصلب كانت الظلمة التي على كل الأرض وقت صلب السيد المسيح من الساعة السادسة (الثانية عشر ظهرًا) إلى الساعة التاسعة (الثالثة بعد الظهر) وقد أراد الله أن يبرز حقيقة الظلمة الروحية التي سيطرت على العالم، ولهذا فقد سمح بأن تظلم الأرض بهذه الصورة العجيبة في اليوم السابق لليلة الرابع عشر من شهر نيسان حينما يكون القمر بدرًا أي تكون الشمس والقمر متعامدين بالنسبة للأرض ويستحيل أن يحدث خسوف طبيعي للشمس من هذه الظلمة نقلنا السيد المسيح إلى النور مثلما قال لبولس الرسول عند دعوته ليكرز بالإنجيل لشعوب الأرض: "لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور، ومن سلطان الشيطان إلى الله" (أع26: 18).
أنوار القيامة
عند صلب السيد المسيح في يوم الجمعة كانت ظلمة على كل الأرض. وفي فجر الأحد أشرقت أنوار القيامة لتعلن فجر نهار جديد أشرق على البشريةعن قيامة السيد المسيح كتب معلمنا متى البشير في إنجيله: "وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه. وكان منظره كالبرق، ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات" (مت28: 1-4)وكتب القديس مرقس الإنجيل: "وبعد ما مضى السبت، اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتين ويدهنه. وباكرًا جدًا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس وكن يقلن فيما بينهن: من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟.. وبعد ما قام باكرًا في أول الأسبوع ظهر أولًا لمريم المجدلية" (مر16: 1-3، 9) لقد قام السيد المسيح مع خيوط الضوء الأولى باكرًا في فجر الأحد وكان ملاك القيامة في منظره كالبرقولباسه أبيض كالثلج. ومعروف أن البرق هو ضوء شديد اللمعان وكان ضوء الملاك أقوى من نورالشمس التي كان نورها قد بدأ في البزوغ ولم يكن قرصها قد خرج من المشرق بعد. لهذا ارتعد الحراس من منظر ملاك القيامة الله هو نور وساكن في النور وملائكة نورانيون تخدمه. وقيل عن السيد المسيح "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم.. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه" (يو1: 9، 4، 5)إن أنوار القيامة تشير إلى أنوار الحياة الأبدية حيث شركة ميراث القديسين كقول معلمنا بولس الرسول:"شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته" (كو1: 12، 13). إن النور هو في ملكوت الله، والظلمة هي في شركة المصير مع إبليس ويوضح القديس بولس الرسول أيضًا أن الحياة المسيحية الفاضلة هي حياة منيرة بالقيامة من الأموات وبالسلوك في النور فقال: "مختبرين ما هو مرضىٌّ عند الرب. ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبّخوها. لأن الأمور الحادثة منهم سرًا ذكرها أيضًا قبيح. ولكن الكل إذا توبّخ يظهر بالنور. لأن كل ما أُظهر فهو نورٌ. لذلك يقول: استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح" (أف5: 10-14)وقد شرح القديس يوحنا الرسول كيف ينير مجد الله مدينته المقدسة النازلة من السماء فقال: "أراني المدينة العظيمة أورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله، لها مجد الله، ولمعانها شبه أكرم حجركحجر يشب بلُّورى.. والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها، والخروف سراجها،وتمشى شعوب المخلّصين بنورها، وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها، وأبوابها لن تُغلق نهارًا، لأن ليلًا لا يكون هناك" (رؤ21: 10، 11، 23-25)إن الحياة مع الله هي حياة في النور. وهذا النور يبدأ من هنا على الأرض ويستمر ويتألّق جدًا فيالأبدية وكما خلق الله النور في بداية الخليقة حينما "كانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه وقال الله ليكن نور، فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارًا، والظلمة دعاها ليلًا. وكان مساء وكان صباح يومًا واحدًا" (تك1: 2-5)هكذا أيضًا كانت ظلمة على كل الأرض وقت صلب السيد المسيح، ثم جاءت أنوار الخلاص وأعقبتها أنوار القيامة والبشارة بالإنجيل كقول معلمنا بولس الرسول:"لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح" (2كو4: 6).
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
01 يونيو 2019
الهروب إلى مصر
"وبعدما انصرفوا إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم، قائلاً:وكن هناك حتى أقول لك،لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه فقام وأخذ الصبي وأمه ليلاً وانصرف إلى مصر" [13-14].
يلاحظ القدّيس يوحنا الذهبي الفم أن الملاك لم يقل عن القدّيسة مريم "امرأتك"، بل قال "أمه"، فإنه إذ تحقّق الميلاد وزال كل مجال للشك. صارت القدّيسة منسوبة للسيّد المسيح لا ليوسف. لقد أراد الملاك تأكيد أن السيّد المسيح هو المركز الذي نُنسب إليه. يرى القدّيس أغسطينوس أن النفس التي ترتبط بالسيّد المسيح خلال الإيمان الحيّ العامل بالمحبّة تحمله فينا روحيًا، وكأنها قد صارت له كالقدّيسة مريم التي حملته روحيًا كما حملته بالجسد!
لماذا هرب السيّد المسيح إلى مصر؟
أولاً: الهروب إلى مصر يمثّل حلقة من حلقات الألم التي اجتازها القدّيس يوسف بفرحٍ، فإن كان الوحي قد شهد له بالبرّ، فإن حياة البرّ تمتزج بالآلام دون أن يفقد المؤمن سلامة الداخلي. يُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على كلمات الملاك ليوسف، قائلاً: [لم يتعثّر يوسف عند سماعه هذا، ولا قال: هذا أمر صعب، ألم يقل لي إنه يخلّص شعبه، فكيف لا يقدر أن يخلّص نفسه، بل نلتزم بالهروب، ونقطع رحلة طويلة، ونقطن في بلد آخر؟ فإن هذا يناقض ما وعدت به! لم يقل شيئًا من هذا، لأنه رجل إيمان! بل ولا سأل عن موعد رجوعه، إذ لم يحدّده الملاك، بل قال له: "وكن هناك حتى أقول لك". لم يحزن بل كان خاضعًا ومطيعًا يحتمل هذه التجارب بفرح. هكذا يمزج الله الفرح بالتعب، وذلك مع كل الذين يتّقونه... مدبّرًا حياة الأبرار بمزج الواحدة بالأخرى. هذا ما يفعله الله هنا... فقد رأى يوسف العذراء حاملاً، فاضطرب وبدأ يشك... وفي الحال وقف به الملاك وبدّد شكّه ونزع عنه خوفه. وعندما عاين الطفل مولودًا امتلأ فرحًا عظيمًا، وتبع هذا الفرح ضيق شديد إذ اضطربت المدينة، وامتلأ الملك غضبًا يطلب الطفل. وجاء الفرح يتبع الاضطراب بظهور النجم وسجود الملوك. مرّة أخرى يلي هذا الفرح خطر وخوف لأن هيرودس يطلب حياة الطفل، والتزم يوسف أن يهرب إلى مدينة أخرى]
هذه هي صورة الحياة التقويّة الحقيقية، هي مزيج مستمر من الضيقات مع الأفراح، يسمح بها الرب لأجل تزكيتنا ومساندتنا روحيًا، فبالضيق نتزكّى أمام الله، وبالفرح نمتلئ رجاءً في رعاية الله وعنايته المستمرّة.
ثانيًا: هروب السيّد المسيح من الشرّ أكّد حقيقة تجسّده، وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [لو أنه منذ طفولته المبكّرة أظهر عجائب لما حُسب إنسانًا.]
ثالثًا: هروبه كممثّل للبشريّة يقدّم لنا منهجًا روحيًا أساسه عدم مقاومة الشرّ بالشرّ، وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم أن النار لا تطفأ بالنار بل بالماء.
رابعًا: كانت مصر رائدة العالم الأممي، فكانت بفرعونها تُشير في العهد القديم إلى العبوديّة، بخصوبة أرضها تُشير إلى حياة الترف ومحبّة العالم. كان يمكن للسيّد أن يلتجئ إلى مدينة في اليهوديّة أو الجليل، لكنّه أراد تقدّيس أرض مصر، ليقيم في وسط الأرض الأمميّة مذبحًا له. في هذا يقول إشعياء النبي: "هوذا الرب راكب على سحابة خفيفة سريعة، وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه، ويذوب قلب مصر داخلها... في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر، وعمود للرب عند تُخُمها، فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر... فيُعرف الرب في مصر، ويَعرف المصريّون الرب في ذلك اليوم، ويقدّمون ذبيحة وتقدمة، وينذرون للرب نذرًا ويوفون به... مبارك شعبي مصر" (إش 19). اهتم الوحي بهذه الزيارة الفريدة، بها صارت مصر مركز إشعاع إيماني حيّ. وكما خزن يوسف في مصر الحنطة كسندٍ للعالم أثناء المجاعة سبع سنوات، هكذا قدّم السيّد المسيح فيض نعم في مصر لتكون سرّ بركة للعالم كله، ظهر ذلك بوضوح خلال عمل مدرسة الإسكندريّة وظهور الحركات الرهبانيّة والعمل الكرازي. يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [هلمّوا إلى برّيّة مصر لتروها أفضل من كل فردوس! ربوات من الطغمات الملائكيّة في شكل بشري، وشعوب من الشهداء، وجماعات من البتوليّين... لقد تهدّم طغيان الشيطان، وأشرق ملكوت المسيح ببهائه! مصر هذه أم الشعراء والحكماء والسحرة... حصّنت نفسها بالصليب! السماء بكل خوارس كواكبها ليست في بهاء برّيّة مصر الممتلئة من قلالي النُسّاك... على أيّ الأحوال، من يعترف بأن مصر القديمة هي التي بكل خوارس كواكبها حاربت ليست في بهاء برية مصر الممتلئة من قلالي النساك... على أي الأحوال، من يعترف بأن مصر القديمة هي التي حاربت الله في برود فعبدت القطط، وخافت البصل، وكانت ترتعب منه، مثل هذا يدرك قوّة المسيح حسنًا.]
يتحدّث أيضًا القدّيس يوحنا الذهبي الفم عن هذه الزيارة المباركة لمصر لتقديسها، فيقول: [إذ كانت مصر وبابل هما أكثر بلاد العالم ملتهبتين بنار الشرّ، أعلن الرب منذ البداية أنه يرغب في إصلاح المنطقتين لحسابه، ليأتي بهما إلى ما هو أفضل، وفي نفس الوقت تتمثل بهما كل الأرض، فتطلب عطاياه، لهذا أرسل للواحدة المجوس، والأخرى ذهب إليها بنفسه مع أمه.] كما يقول: [تأمّل أمرًا عجيبًا: فلسطين كانت تنتظره، مصر استقبلته وأنقذته من الغدر.[
المزيد
31 مايو 2019
لماذا أربعين يومًا في الظهورات
كتب معلمنا لوقا الإنجيلي في سفر أعمال الرسل عن ظهورات السيد المسيح لتلاميذه بعد القيامة: "الذين أراهم أيضًا نفسه حيًا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع1: 3) لم يصعد السيد المسيح بعد قيامته مباشرة إلى السماء، بل مكث على الأرض أربعين يومًا وهو يظهر لتلاميذه، لكي تفرح الكنيسة بعريسها السماوي في قيامته المجيدة وتصبح القيامة يقينًا حقيقيًا في ضمير الكنيسة وذاكرتهالأن القيامة هي مصدر القوة والرجاء وموضوع الشهادة في حياة الكنيسة، إلى أن يأتي الرب في مجيئه الثاني للدينونة واستعلان ملكوت الله عاشت الكنيسة أحلى أيامها والعريس الممجد بالقيامة معها، يفرحها ويعزّيها ويمسح أحزانها يقويها ويشجعها يعلمها ويشوقها لأمجاد السماءويتكلم معها عن الأمور المختصة بملكوت الله ملكوت الله الذي يبدأ في قلب الإنسان بقبول سكنى الروح القدس فيه وينتهي بدخول الإنسان إلى الملكوت السماوي ليبتهج مع المسيح في مجده أي في شركة ميراث القديسين في النور في فرح لا ينطق به ومجيد في نهاية الأربعين يومًا أبصرت الكنيسة عريسها منطلقًا نحو السماء، ليدخل إلى المجد كرئيس كهنة أعظم، شفيعًا في المقادس السمائية مع الوعد بإرسال الروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير وهذا ما حدث في اليوم الخمسين هذا العدد الأربعين له دلالة عميقة، إلى جوار لزوم بقاء المسيح القائم أيامًا عديدة ليبرهن على قيامته للتلاميذ لقد صام السيد المسيح أربعين يوما، كما صام موسى النبي أربعين يومًا، وكما صام إيليا النبي أربعين يومًا. ولقد مكث الشعب الإسرائيلي أربعين سنة في برية سيناء، منذ خروجهم من أرض مصر إلى أن دخلوا أرض كنعان "وكان الزمان الذي ملك فيه داود على إسرائيل أربعين سنة. في حبرون ملك سبع سنين، وفيأورشليم ملك ثلاثًا وثلاثين سنة" (1مل2: 11)وكان عمر موسى أربعين سنة حين هرب إلى البرية (انظر أع7: 23)، ومكث فيها أربعين سنةيرعى الغنم (انظر أع7: 30)، ثم دعاه الرب وصار قائدًا ونبيًا لشعب إسرائيل أربعين سنة ثالثة فكانت كل أيام حياته مائة وعشرين سنة (انظر تث34: 7)وفي مناداة يونان على مدينة نينوى للتوبة قال لهم منذرًا: "بعد أربعين يومًا تنقلب نينوى" (يون3: 4). وكان يونان رمزًا للسيد المسيح في مناداته للعالم بالإيمان والتوبة وقبول خلاص الله بالفداءوفي أيام نوح جلب الرب طوفانًا على الأرض لسبب كثرة شرور الناس ومعاصيهم، وجدد الحياة علىالأرض مرة أخرى بواسطة نوح وبنيه "وكان المطر على الأرض أربعين يومًا وأربعين ليلة" (تك7: 12)، "وكان الطوفان أربعين يومًا على الأرض وتكاثرت المياه ورفعت الفلك. فارتفع عنالأرض" (تك7: 17)هكذا غمرت أمجاد القيامة الأرض أربعين يومًا حتى ارتفع الفلك الحقيقي-جسد ربنا يسوع المسيح- الذي به صار خلاص العالم كله وتجديد الحياة على الأرض مرة أخرى إن رقم أربعين من الناحية العددية هو رقم عشرة مكررًا أربع مرات أو هو رقم أربعة مكررًا عشر مرات أي مضروبًا في عشرة فرقم أربعة يشير إلى أربعة اتجاهات الأرض: المشارق والمغارب.. الشمال والجنوب. ويشير إلى صليب ربنا يسوع المسيح المكون من أربعة أذرع (#)،ويشير إلى عرش الله حيث الأربعة أحياء غير المتجسدين، والذين لهم صورة الإنسان (إشارة إلى التجسد الإلهي)، وصورة العجل أو الثور (إشارة إلى الذبيحة الخلاصية)، وصورة الأسد (إشارة إلى القيامة)، وصورة النسر (إشارة إلى الصعود).
وكذلك يشير إلى الأناجيل (أي البشائر الأربعة التي دبر الرب كتابتها من أجل الكرازة بالإنجيل في كل أرجاء المسكونة. وإذا عدنا إلى عرش الله والأربعة الأحياء غير المتجسدين: فالذي له وجه إنسان يشير إلى إنجيل متى والذي له وجه العجل يشير إلى إنجيل لوقا والذي له وجه الأسد يشير إلى إنجيل مرقس والذي له وجه النسر يشير إلى إنجيل يوحنا ورقم عشرة يشير إلى الكمال العددي. ومن مضاعفات رقم عشرة تتكون جميع الأعداد الكبيرة كالمائة والألف والعشرة آلاف والمائة ألف والمليون وهكذا فرقم أربعين يشير إلى عمل المسيح من أجل الكثيرين في أرجاء المسكونة كلها من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب وفي صومه الأربعيني صام من أجل المسكونة كلها وعلى الصليب سُمّر الكاهن والذبيح من أجل حياة العالم كله وفي بقائه أربعين يومًا على الأرض بعد القيامة بقى من أجل المسكونة كلها وكل ما عمله السيد المسيح بتجسده وموته الكفاري وقيامته وصعوده، فهو من أجل حياة العالم وخلاص العالم كله ليس لليهود فقط بل للأمم أيضًا.. لكل من يقبل محبته ويؤمن به ويطيع وصاياه وتكون له الحياة الأبدية.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
30 مايو 2019
أقامنا معه
لقد قام السيد المسيح من الأموات قيامة لا يعقبها موت. أما نحن فنموت بالجسد ونرقد إلى مجيء الرب، وحينئذ نقوم بأجسادنا نفسها، ولكن في وضع مختلف، حيث يخرج الأبرار إلى قيامة الحياة الأبدية، والأشرار إلى قيامة الدينونة إذًا فعبارة معلمنا بولس الرسول: "أقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات في المسيح" (أف 2: 6) لا تؤخذ بصورة حرفية كما لو كانت شيئًا قد حدث وانتهي حاليًا، كما قالقداسة البابا شنوده الثالث نيح الله نفسه لأن الأبرار سوف يقومون في اليوم الأخير، أما السيد المسيح فمكتوب عنه أنه "باكورة الراقدين" (1كو 15: 20) "والباكورة" لا تعني إطلاقًا "الكل". فلو كان الكل قد قام بالفعل وانتهي الأمر، فكيف يعتبر السيد المسيح باكورة الراقدين؟!إن عبارة "أقامنا معه" ينبغي أن تُفهم بطريقة روحية كما يلي:
أولًا: إنها وعد بالقيامة لكل من يؤمن ويثبت في المسيح فيغلب "هذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئًا بل أقيمه في اليوم الأخير" (يو6: 39). و"من يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو6: 54).
ثانيًا: إننا في المعمودية قد صرنا متحدين مع الرب بشبه موته وبشبه قيامته (انظر رومية 6): فنحن في المعمودية ننال قوة الموت مع المسيح وقوة القيامة معه "مدفونين معه في المعمودية، التي فيها أقمتم أيضًا معه" (كو2: 12) فالقيامة المقصودة هنا هي قيامة الحياة في البر والنصرة على الخطية. كما قال معلمنا بولس الرسول عن الله: "يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين، ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (2كو 2: 14). وهذه هي القيامة الأولى أما القيامة الثانية فهي قيامة الراقدين في المسيح في اليوم الأخير "حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون" (يو5: 25).
ثالثًا: لا ينبغي الخلط بين القيامة الأولى والقيامة الثانية، كما لا ينبغي الخلط أيضًا بين الموت الأول والموت الثاني الذي تكلم عنه سفر الرؤيا والمقصود به الهلاك الأبدي،لذلك فمن يحيا في القداسة "فلا يؤذيه الموت الثاني" (رؤ 2: 11).
رابعًا: نفس الأمر ينطبق على الصعود: فإن عبارة "أجلسنا معه في السماويات في المسيح" (أف2: 6) لا تعني أننا صعدنا إلى السماء، بل كما يقول القداس الغريغوري(أصعدت باكورتي إلى السماء أظهرت لي إعلان مجيئك، هذا الذي تأتى فيه لتدين الأحياء والأموات وتعطى كل واحد كأعماله).
المسألة كلها ينبغي أن تفهم بطريقة روحية ولا داعي للمزايدة لأن القديس بولس الرسوليقول: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس" (كو3: 1) أي أن الإنسان الذي يتمتع ببركات القيامة يشتاق إلى الأمور السمائية.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
29 مايو 2019
باكورة الراقدين
ربط القديس بولس الرسول قيامة السيد المسيح بقيامة الأموات ربطًا حتميًا حتى إنه قد قال: "إن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام" (1كو15: 13) إن السيد المسيح قد ذاق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد، وهكذا أيضًا قام لأجل كل واحد بموته أوفى الدين الذي علينا، وفي قيامته وهبنا نعمة القيامة والحياة الجديدة الأبدية في موته عن الخطايا حل مشكلة الخطية، وفي قيامته حل مشكلة الموت وقد قصد القديس بولس الرسول أنه: ما فائدة قيامة السيد المسيح، إن لم تكن هناك قيامة للأموات..؟
إن الإيمان بقيامة السيد المسيح، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإيمان بقيامة الأموات واعتبر القديس بولس أن الإيمان بالقيامة هو عماد الكرازة الرسولية، ولهذا قال: "إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم. ونوجد نحن أيضًا شهود زور لله،لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه إن كان الموتى لا يقومون. لأنه إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام. وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم. إذًا الذين رقدوا في المسيح أيضًا هلكوا. إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس. ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين" (1كو15: 14-20)إن قيامة السيد المسيح هي برهان أنه هو هو نفسه ابن الله الأزلي المولود من الآب قبل كل الدهور، الذي انتصر على الموت بقيامته. وبرهان أن ذبيحة الصليب قد أوفت كل ديون الخطية، لأنها ذبيحة الابن الوحيد القادرة أن تغفر خطايا العالم كله. هي ذبيحة غير محدودة في قيمتها لأنها ذبيحة الله الظاهر في الجسد. ودمه الذي سفك هو دم إلهي؛ متحد باللاهوت، قادر أن يغسل ويطهّر الخطايا لهذا قال القديس بولس: "إن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم". فلا غفران للخطايا، إلا بذبيحة الابن الوحيد، هي الذبيحة الحقيقية القادرة أن تخلَّص جميع البشر وفي تعبيره عن الإيمان بالحياة الأبدية الموهوبة لنا من الله في المسيح أكّد القديس بولس أن الإيمان بالمسيح -بما يقترن به من تضحيات في هذه الحياة الحاضرة- يصير شقاءً لا مبرر له بدون القيامة وميراث الحياة الأبدية فالقيامة هي التي أثبتت أن الروح الإنسانية تبقى بعد موت الإنسان بالجسد، وتعود الروح لتتحد بجسدها الخاص عند قيامة هذا الجسد. إذ أن الروح هي التي تحيى هذا الجسد.. ولكي يحيا، يلزمه أن تعود الروح إليه مرة أخرى الإيمان بالقيامة يعني الإيمان بالحياة الآخرة، والإيمان بالفردوس كموضع انتظار لأرواح القديسين الذين رقدوا وقد وعد السيد المسيح اللص اليمين على الصليب قائلًا: "الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي فيالفردوس" (لو23: 43) وقال معلمنا بولس الرسول: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا" (فى1: 23). وقال: "لي الحياة هي المسيح، والموت هو ربح" (فى1: 21).
ولهذا ففي استنكاره لعدم الإيمان بالقيامة، وبالحياة الآخرة سواء في الفردوس حاليًا، أو في الملكوت بعد مجيء السيد المسيح الثاني، قال القديس بولس الرسول كلماته التي أوردناها سابقًا: "إن لم يكن المسيح قد قام.. إذًا الذين رقدوا في المسيح أيضًا هلكوا" (1كو15: 17، 18) أي أن الإيمان بالقيامة معناه الإيمان باستمرار بقاء الإنسان بنفس شخصه، بالرغم من رقاد الجسد المؤقت.. لأن روحه باقية، وسوف تنضم إلى جسدها المقام من الأموات عند مجيء المسيح وفي هذه الملحمة الرائعة: جاءت قيامة السيد المسيح كإعلان مبكر عن الحياة الأبدية،وهذا هو معنى قول القديس بولس الرسول: "الآن قد قام المسيح من الأموات، وصار باكورة الراقدين" (1كو15: 20).
في المسيح سيُحيا الجميع
أكّد القديس بولس الرسول على إنسانية السيد المسيح، لأن ذبيحة الابن الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، هي ذبيحة إنسانية -فداءً عن الجنس البشرى- قدّمها الابن الوحيد بتجسده الإلهي وصيرورته ابنًا للإنسان؛ بإنسانية كاملة متحدة باللاهوت اتحادًا تامًا منذ اللحظة الأولى للتجسد لذلك قال القديس بولس: "فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان أيضًا قيامة الأموات. لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيُحيا الجميع" (1كو15: 21، 22) كما عصى آدم الله حتى الموت، هكذا أطاع السيد المسيح -من جهة إنسانيته- الله حتى الموت. كما هو مكتوب عنه "إذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت،موت الصليب" (فى2: 8) هذا الإنسان: يسوع المسيح.. لم يكن شخصًا آخر غير ابن الله الوحيد بل هو هو نفسه، بنفس شخصه قد صار إنسانًا دون أن يفقد ألوهيته. ولهذا نادى القديس بولس قائلًا: "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب13: 8). فهو الرب الأزلي وهو المخلّص الذي تجسد وصلب وقام من الأموات ليقيمنا أيضًا معه.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
28 مايو 2019
بداءة أم رأس أو رئيس أو أصل
كلمة "بداءة" وكلمة "رأس" هي كلمة واحدة في اللغة اليونانية "avrch`" (أرشى).
فحينما يقول الكتاب "رأس الحكمة مخافة الرب" (مز111: 10، انظر أم1: 7). فإنها من الممكن أيضًا أن تُترجم "بداية الحكمة مخافة الله" فالرأس دائمًا هو المتقدم. ونفس الكلمة تستخدم في عبارة رئيس كهنة " avrch` i`ereu,j أرشى إريفس" فالآية التي يستخدمها أصحاب بدعة شهود يهوه للتشكيك في ألوهية السيد المسيح والواردة في الأصحاح الثالث من سفر الرؤيا والتي تقول:"هذا يقوله الأمين الشاهد الأمين الصادق. بداءة خليقة الله" (رؤ3: 14).. لا تعني أكثر من أن السيد المسيح هو "رئيس خليقة الله" أو "أصل خليقة الله" Origin، بمعنى أنه هو الخالق وسبب وجود الخليقة وبمنتهي البساطة يقول الكتاب "متى أَدْخَلَ البكر إلى العالم، يقول: ولتسجد له كل ملائكة الله" (عب1: 6). وهذا يعني أنه هو البكر من حيث إنسانيته والمسجود له أيضًا من جميع الملائكة لسبب ألوهيته فالسيد المسيح بتجسده صار هو البكر، في تجديد حياة البشر، في إرضاء قلب الآب السماوي، في قيامته من الأموات.. صار هو البكر في كل شيء كما هو مكتوب "هو البداءة، بكر من الأموات. لكي يكون هو متقدمًا في كل شيء" (كو1: 18) وهو في دخوله إلى العالم بالتجسد صائرًا في شبه الناس لم يفقد ألوهيته وأزليته.. لهذا يقول: "ولتسجد له كلملائكة الله" (عب1: 6). ولكن لا أحد ينكر أنه قد صار "بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو8: 29) إليه أشار الآب في المزمور بقوله: "هو يدعوني أبي أنت.. أنا أيضًا أجعله بكرًا أعلى من ملوك الأرض" (مز89: 26، 27) وقد ورد في طقس تكريس المذبح العبارة التالية التي يصليها الأب الأسقف: "أيها البكر من الآب غير المرئي بلاهوته قبل كل الدهور، والبكر من القديسة العذراء في آخر الزمان بغير زواج، والبكر في القيامة من الأموات، حتى خلّص بيعته وأقامنا معه.."وهذا يدلنا على أن لقب "البكر"يخص كلمة الله في ميلاده الأزلي بحسب لاهوته من الآب؛ فهو الابن البكر والوحيد للآب،وفي ميلاده الزمني بحسب ناسوته من العذراء؛ هو الابن البكر والوحيد للعذراء. لهذا قال الكتاب "متى أدْخل البكر إلى العالم، يقول ولتسجد له كل ملائكة الله" (عب1: 6). هو بكر قبل دخوله إلى العالم، ثم دخل إلى العالم وظل بكرًا في كل شيء في تجسّده.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
27 مايو 2019
البكر من الأموات
مات كثيرون قبل السيد المسيح. ولكن السيد المسيح كان فريدًا في موته إذ صرخ بصوت عظيم وقال: "يا أبتاه في يديك أستودع روحي" (لو23: 46، انظر مز31: 5). وكانت هذه صرخة انتصار ولأول مرة ينطق بها مَن هو مِن بين البشر في لحظة موته.. إذ سلّم روحه الطاهرة المباركة في يدي الآب.. وليس تحت سلطان "ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس" (عب2: 14). أما ما قاله داود النبي في المزمور: "في يدك أستودع روحي" (مز31: 5) فهو نبوة تخص السيد المسيح لم يقلها داود عن نفسه. وبهذا يكون السيد المسيح هو الوحيد المقصود بهذه العبارة حتى إتمام الفداء كان السيد المسيح بكرًا في موته بالنسبة إلى هذه الصورة المشرّفة القوية.. ولذلك فقد دُفن في قبر بكر أي "قبر جديد، لم يوضع فيه أحد قط" (يو19: 41) فهو البكر في موته من حيث إنه أول من سلّم روحه في يدي الآب، والبكر في قبره.. ومن هذا القبر البكر خرجت بشرى القيامة والحياة عن البكر من الأموات كان بكرًا في قيامته المجيدة لأنه هو الوحيد الذي قام من الأموات بجسد القيامة المُمجَّد، غير القابل للموت فيما بعد، أي الذي لا يموت على الإطلاق من بعد القيامة فجميع البشر وجميع القديسين الذين قاموا من الأموات، قد عادوا ورقدوا مرة أخرى انتظارًا لليوم الأخير. ولم يأخذوا أجسادًا ممجدة في قيامتهم، إلى أن يأتي السيد المسيح في مجيئه الثاني، ويمنحهم -بقدرته الإلهية- هذه الأجساد الممجدة التي سوف يدخلون بها إلى ملكوت السماوات، إن كانوا قد صنعوا مرضاته وحفظوا وصاياه لم يقم أحد بالجسد المتحرر نهائيًا من الموت، إلا البكر من الأموات.. أي يسوع المسيح لهذا كُتب عنه أنه "هو البداءة، بكر من الأموات. لكي يكون هو متقدمًا في كل شيء" (كو1: 18).
هو البكر في خلّوه وتحرره من الخطية، بصورة كاملة. فهو "القدوس الحق" (رؤ3: 7).
وهو البكر بين البشر في إرضائه لقلب الآب السماوي، بطاعته الكاملة ومحبته العجيبة غير الموصوفة للآب،والتي تتضح من قوله في مناجاته مع الآب "أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك، أما أنا فعرفتك، وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني. وعرّفتهم اسمك وسأعرّفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم" (يو17: 25، 26).
وهو البكر والوحيد في ميلاده من العذراء البكر البتول، وفي ميلاده العذراوي. أي أنه هو ابنها البكر والوحيد. وفي نفس الوقت هو البكر والوحيد الذي ولد بدون زرع بشر من أي امرأة كانت!
وهو البكر في موته وفي دفنه كما شرحنا سالفًا..
وهو البكر في قيامته من الأموات..
وهو البكر في صعوده إلى سماء السماوات، الموضع الذي لم يدخل فيه ذو طبيعة بشرية، ودخل هو إليه كسابق لنا؛ إيليا وأخنوخ قد صعدا إلى السماء ولكن ليس إلى سماء السماوات..
هو البداءة في قصة تجديد حياة الإنسان مرة أخرى. "وهو رأس الجسد الكنيسة، الذي هو البداءةبكر من الأموات" (كو1: 18).
هو بداية العلاقة وموضوع العهد الجديد بين الله والإنسان.. وهو الذي استحق أن يصير "بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو8: 29).
هو نوح الجديد الذي صار بواسطته تجديد الحياة على الأرض مرة أخرى بل هو "آدم الثاني" (انظر رو5: 14، 1كو15: 45، 47) الذي صار بكرًا، بعد أن فقد آدم الأول مع نسله البكورية لسبب الخطية.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
26 مايو 2019
كنت ميتًا
كنت ميتًا (رؤ1: 18) أشار السيد المسيح كثيرًا إلى موته، حتى بعد قيامته من الأموات، وأيضًا بعد صعوده إلى السماوات.. وهذا هو منتهي الاتضاع إذ لم يستحِ من موت الصليب فبعد القيامة قالت عنه الملائكة للمريمات: "أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب. قد قام ليس هو ههنا" (مر16: 6)، "أنكما تطلبان يسوع المصلوب" (مت28: 5). وفي لقب "المصلوب" إشارة واضحة إلى موته هكذا أيضًا قال السيد المسيح للتلاميذ من بعد قيامته: "هكذا هو مكتوب، وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث" (لو24: 46) وفي السماء من بعد الصعود، رآه القديس يوحنا الإنجيلي، وقال عنه: "من يسوع المسيحالشاهد الأمين البكر من الأموات" (رؤ1: 5)، "أنا هو.. الحي وكنت ميتًا" (رؤ1: 17، 18)، "هذا يقوله الأول والآخر الذي كان ميتًا فعاش" (رؤ2: 8) إلى جوار ذلك احتفظ في جسد القيامة الممجد بآثار جراح المسامير والحربة في جنبه. وأيضًا رآه القديس يوحنا في السماء في وسط العرش في شكل "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6)، وسمع طغمات الملائكة يصرخون مسبحين: "مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة" (رؤ5: 12) وبهذا نرى أنه حتى في السماء، بعد الصعود لا تزال ذكرى موت السيد المسيح هي موضوع شكر الملائكة عنا وتسبيحهم "وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين: مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه، لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة" (رؤ5: 9)لم يرغب السيد المسيح -بسبب تواضعه- أن يمحو ذكريات الموت البشع على الصليب، بعد أن قام أو بعد أن صعد، بل صار يحلو له -بسبب محبته لنا- أن يتردد الحديث عنها مُظهرًا جراحات محبته على الدوام لخيرنا وخلاصنا.بل أكثر من ذلك، ترك لنا ذكرى موته المحيى في سر الافخارستيا، وأوصى تلاميذه قائلًا: "اصنعوا هذا لذكرى" (لو22: 19)، لنتذكر محبته على الدوام.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
25 مايو 2019
في اليوم الثالث
يتساءل البعض لماذا قام السيد المسيح من الأموات في اليوم الثالث؟ ونقول إن لذلك أسباب كثيرة منها ما يلى:
أولًا: تحقيق النبوات
فقد ورد في سفر هوشع النبي "هَلُم نرجع إلى الرب لأنه هو افتَرَس فيشفينا، ضَرَب فيجْبرنا. يحيينا بعد يومين في اليوم الثالث يُقيمنا فنحيا أمامه" (هو 6: 1، 2) أي أن الله الآب، في المسيح، كان مصالحًا العالم لنفسه. والسيد المسيح إذ أخلى نفسه وكنائب عن البشرية، قد احتمل الآلام والموت وقبل هذه الكأس من يد الآب. وكنائب عن البشرية أيضًا قد دخل إلى مجده بالقيامة من الأموات. وهذه الكرامة قد نالها من يد الآب أيضًا. كما هو مكتوب عن الله " يجرح ويعصب يسحق ويداه تشفيان" (أي 5: 18). وبكل ما صنعه السيد المسيح قد صولحنا مع الله بموت ابنه وخلُصنا بحياته من الغضب والعداوة القديمة ورجعنا إلى الله وصرنا أولادًا له والعجيب في هذه النبوة أنها قد أشارت إلى أن القيامة ستحدث في أول اليوم الثالث، لأنها تقول: "بعد يومين في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه"، بمعنى أن اليوم الثالث لم يكتمل، بل القيامة بعد يومين: أي بعد اكتمال يومين وفي بداية اليوم الثالث تحدث القيامة وهذا ما ذكره القديس مرقس الإنجيلي عن قيامة السيد المسيح "وبعدما قام باكرًا في أول الأسبوع" (مر16: 9). وبهذا تطابقت نبوة هوشع النبي مع بشارة الإنجيل. لذلك نقول في قانون الإيمان الأرثوذكسي (وقام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب).
ثانيًا: بداية عهد جديد لشعب الله
في العهد القديم خُلق الإنسان في اليوم السادس واستراح الله في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل "وبارك الله اليوم السابع وقدّسه لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقًا" (تك2: 3).
ولكن الإنسان أخطأ في اليوم السابع أثناء الراحة الإلهية. وعاد الله يعمل من جديد كقول السيد المسيح: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو5: 17). ولذلك كان السيد المسيح يعمل أغلب معجزاته في اليوم السابع من الأسبوع. وثار عليه اليهود لهذا السبب فكان يؤكد لهم أنه لا يعمل هذا بمفرده بل مع الله الآب لذلك قال لهم: "الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا إلا ما ينظر الآب يعمل. لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك" (يو5: 19)،فالابن لا يعمل وحده كما لو كان منفصلًا عن الآب بل يعملان معًا وأيضًا مع الروح القدس في كل شيء حتى وأن تمايز دور كل أقنوم من الأقانيم الثلاث، ولكن العمل واحد باستمرار، ولا انفصال بين الأقانيم لسبب وحدة الجوهر الإلهي إذن يلزم أن يبدأ أسبوع جديد، لأن الأسبوع الأول كان سيستمر في يومه السابع إلى الأبد لو لم يخطئ الإنسان ويحتاج أن يخلقه الله من جديد "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو5: 17). "وقال الجالس على العرش ها أنا أصنع كل شيء جديدًا" (رؤ21: 5). ومما يؤكد ذلك قول يوحنا الرسول في سفر الرؤيا: "ثم رأيت سماءً جديدةً وأرضًا جديدةً لأنالسماء الأولى والأرض الأولى مضتا والبحر لا يوجد فيما بعد. وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها" (رؤ21: 1، 2). "الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدًا" (2كو5: 17) بداية الأسبوع الجديد هو يوم الأحد الذي صار هو يوم الرب، وبداية العهد الجديد هو يوم الراحة الحقيقية الذي فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقًا. لذلك قال قداسة البابا شنوده الثالث نيح الله نفسه: [متى استراح الله حقًا من أعماله، أليس بعدما صنع الفداء وقام السيد المسيح من الأموات في يوم الأحد؟].
ثالثًا: ليؤكد السيد المسيح أنه مات حقًا
فلو قام السيد المسيح سريعًا بعد موته على الصليب لظن البعض أنه لم يمت بل أفاق من غيبوبة. ولكن نزيف الدم الحاد من طعنة الحربة واستمراره في القبر إلى اليوم الثالث أكّدا موته بصورة قطعية. هذا بالإضافة إلى المعجزات الأخرى التي صاحبت موته وقيامته.
رابعًا: ليبيّن أن الفداء هو من عمل الثالوث القدوس
فالثلاثة أيام ترمز إلى الثالوث القدوس وعمله في الفداء بصفة عامة مع أن الابن فقط هو الذي تجسد متأنسًا، وصلب، وقبر، وقام من الأموات. لذلك فنحن نقبل المعمودية الواحدة بثلاث غطسات، إشارة إلى إيماننا بالثالوث القدوس الواحد، وأيضًا إشارة إلى أننا قد دفنا مع السيد المسيح للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة (انظر رو 6). فهناك ارتباط وثيق بين المعمودية التي نقبلها كمؤمنين بالمسيح، وبين موت المسيح وقيامته في اليوم الثالث.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد