المقالات
28 فبراير 2019
سفر التكوين
1- وبين تك 8 : 4 وعدد 5 ففى الاول يقول (واستقر الفلك فى الشهر السابع فى اليوم السابع من الشهر على جبال اراراط) وفى الثانى يقول (فى اول الشهر العاشر ظهرت رؤوس الجبال) فكيف استقر الفلك على جبال اراراط فى الشهر السابع ولم تظهر رؤوس الجبال الا فى الشهر العاشر؟ فنجيب ان ارتفاع جبل اراراط 17750 قدما عن سطح الارض فهو اعلى جبال تلك الجهه، فاذا استقر الفلك على هذا الجبل لا تظهر رؤوس الجبال التى هى اقل ارتفاعا فى مده اقل من ثلاثه اشهر.
2- وبين اصحاح 9: 25 وحز 18: 2 – 4 و 19و 20 ففى الاول ان نوحا لعن كنعان عوضا عن ابيه وفى الثانى يقال النفس التى تخطىء هى تموت. فنجيب لم يقل نوح ان كنعان يهلك بخطيئه حام الذى ينافى ما جاء فى الثانى، فقول نوح نبوءه عن بمصير الكنعانيين لا كنعان نفسه فاريد بكنعان الكنعانيون كما اريد بيعقوب واسرائيل الشعب كله.
3- وبين 15: 5 وص 14: 14 ففى الاول ان لوطا ابن اخى ابراهيم وفى الثانى انه اخوه. فنجيب ان كلمه اخ فى اللغه العبريه وفى كل لغه تحمل ان يراد بها كل قريب سواء كانت القرابه جسديه او روحيه (قابل ايضا بين 2 مل 24: 17 و2 اى 36: 10) ويعقوب دعى اخا الرب يسوع اى قريبه (غل 1: 19) وكذلك بوعز لابيمالك (را 4:13)
4- وبين اصحاح 12 : 1 – 5 واع 7 : 2 -4 ففى الاول دعا الله ابراهيم فى حاران وفى الثانى دعاه قبل مجيئه حاران فنجيب ان الرب دعا ابراهيم مرتين: الاول ى فى اور الكلدانيين والثانيه فى حاران، والمده بين الاثنين خمس سنوات.
5- وبين اصحاح 13: 18 ويش 14: 15 ففى الاول ذكرت مدينه حبرون فى ايام ابراهيم وفى الثانى انها غيرتالىهذا الاسم فى عصر يشوع. فنجيب انها كانت اولا تدعى حبرون ثم دعيت قريه اربع لكنى اربعه من العمالقه فيها وبعد ذلك اعيد لها اسمها القديم كنص الايه (اسم حبرون قبلا قريه اربع).
6- وبين تك 14:14 وقض 18: 19 ففى الاول ذكرت لفظه دان مع انها مدينه عمرت فى عهد القضاه كما فى الثانى. فنجيب ان الاول ى غير الثانيه.
7- وبين اصحاح 15: 13 وخر 12: 40 ففى الاول ورد ان بنى اسرائيل يتغربون ويذلون 400 سنه وفى الثانه 430 سنه. فنجيب ان الاول قيل وقت ولاده اسحق او فى وقت فطامه حين جدد اله العهد لابراهيم (تك 21: 8 – 21) ولا شك فى انه مرت من وقت فطام اسحقالىخروج بنى اسرائيل 400 سنه اما الثانى فنظر فيه النبىالىما قيل قبل ذلك اى الى وقت دعوه ابراهيم ليخرج من وطنه تابعا الرب. ومن وقت دعوه الله لابراهيم الىخروج بنى اسرائيل من مصر 430 سنه فلا اختلاف بين القولين.واليك البيان الذى يوضح ما نقول. فمن دعوه ابراهيم (1 ع 7 : 2)الىانتقاله من حاران (تك 12: 5) 5 سنين. ومده اقامته فى كنعان قبل مولد اسحق (تك 21 : 5) 25 سنه. ولغايه مولد يعقوب (تك 25: 26) 60 سنه ولغايه المهاجرهالىمصر (تك 47: 9) 130 سنه ومده اقامه بنى اسرائيل فى مصر 210 سنوات فمجموع هذه السنين 430 سنه. فاذا طرحنا منها مده الخمس سنين التى اقامها ابراهيم فى حاران والخمس والعشرين سنه لغايه مولد اسحق كان الباقى 400 سنه كما فى تك 15 : 13) والرسول بولس قال فى (غل 2: 17) : انه من الوعد الذى وعد به الله ابراهيم كما فى سفر التكوين (12 : 1- 8) الى اعطاء الشريعه 430، اما قول الثانى (ان اقامه بنى اسرائيل التى اقاموها فى مصر فكانت اربعمائه وثلاثين سنه) فيقصد به كل مده غربتهم اى من وقت دعوه ابراهيم لترك وطنه لغايه خروج بنى اسرائيل من مصر لان ابراهيم وذريته اقاموا فى ارض الموعد كانها غريبه (عب 11: 9) اى انهم كانوا متغربين لما كانوا فى ارض كنعان وان قيل لماذا اقتصر على ذكر مصر فنقول ان ذلك من قبيل الاكتفاء بالاشهر ففى مصر ذ1اقوا الالام الشديده وفيها جرت المعجزات الباهره، ففى الاكتفاء بذكرها بيان ان ما قاسوه فيها لا يعادله ما قاسوه فى مكان آخر. وسياق الكلام يقتضى ذلك لانه كان فى مقام التغنى بفضل الله ولم يظهر فضل الله بارزا كما ظهر فى اخراجه اياهم من ارض مصر
8- وبين اصحاح 17 : 8 و2 مل. ففى الاول قال الله لابراهيم (واعطى لك ولنسلك كل ارض كنعان ملكا ابديا) وورد فى الثانى ان ابراهيم لم يعطيها ولم لنسله ملكا ابديا. فنجيب ان قوله (لك) باعتبار ان اعطائها لنسله اعطائها له وقد تم وعد الله فعلا(عد 22 وتث 2 ويش 3) ولكن الله اشترط على اسرائيل ان دوام بركاته لهم معلق على دوام خضوعهم له فطردهم منها لانه ليس لان الله اخلف وعده بل لانهم هم اغضبوا الله فاخذ منهم ما اعطاهم (تث 28) ومثل هذا ما جاء فى (2 صم 7: 10 و11 و12 – 16).
9- وبين اصحاح 18: 17 وعب 13: 2 ففى الاول ورد ان الله ظهر لابراهيم وفى الثانى ان الذين ظهروا له ملائكه. فنجيب ان الاول ذكر ثلاثه رجال اضافهم ابراهيم ولا ريب انهم ملائكه كما قال الثانى ظهروا بشكل رجال. والذى يعتمد ان الاول كان ملاك الرب (يهوه) اتى ممثلا الاله لابراهيم والاثنين الآخرين صاحباه ارسلهماالىسدوم فلما كان يتكلم الملاك الاول قيل (قال الرب) (يهوه) فالملاك تكلم كانه هو الرب او نائب الرب. وفى عدد 14 من تك 17 يقول ذلك الملاك (هل يستحيل على الرب شىء) فدل ذلك على انه ملاك يتكلم بكلام الرب باعتبار انه نائب عنه وقد يكون الرب الملاك بمعنى واحد لظهور الرب بهيئه ملاك وكذلك مصارعه يعقوب لانسان(تك 32: 24) اى ملاك فى صوره انسان كما فى (هو 12: 4) وحكم يعقوبنفسه بانه شخص الهى (عد 30) فظهر الملاك ليعقوب كما ظهر لهاجرفى (ص 16: 17) وليس هنا من اشارهالىان ذلك الانسان كان الاله المتجسد فالظاهر انه لم يكن سوى ملاك ظهر فى هيئه انسان كما ظهر الملاك لمنوح (قض 13: 3 و9) ولكنه دل على حضور الله ومداخلته فى امر يعقوب وكان من الرموز الكثيرهالىحضور كلمه الله فى الجسد وامكان ذلك وقول الملاك ليعقوب (اطلقنى) ليس لانه لم يقدر ان يجعله يتركه بل قصد بها اعلان ايمانه وثباته. واما اطلاق لفظه الله على الذى ظهر لهاجر (تك 16: 13) وعلى الذى ظهر ليعقوب (تك 32: 29) وعلى الذى ظهر لمنوح (قض 13: 22) فمن قبيل اعتبار المرسل كشخص مرسله كما قيل فى (خر 13: 21) عن بنى اسرائيل (وكان الرب يسير امامهم) وقيل فى (ص 14: 19) (فانتقل ملاك الرب السائر امام عسكر اسرائيل) اما الذى ظهر لموسى فى العليقه الملتهبه وقيل عنه انه (ملاك يهوه) اى الرب وانه (الله) وانه (يهوه) انظر (خر 3: 2 و4 و7) فلا شك فى انه الاقنوم الثانى من الثالوث الاقدس ظهر لموسى فى هيئه ملاك. وقيل فى عدد 4 (فلما راى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقه) وفى العبرانيه (لما راى يهوه ناداه الوهيم) (اى الرب الذى سيظهر فى الجسد).
10- وبين اصحاح 25: 23 وص 27 ففى الاول ورد انه وعد يعقوب بالبركه وفى الثانى ان ذلك تم بواسطه غير شريفه اى بكذب رفقه ويعقوب على اسحق واختلاس البركه منه. فنجيب ان مواعيد الله لابد ان تتم ولكن اذا كان فى بعض وسائط اتمامها لا يليق فلا ينسب ذلكالىالله بلالىالانسان الناقص. فلو لم تتسرع رفقه لتم وعد الله بطريقه صالجه الا ان الله يستخدم كل الاحوال والحوادث فيها شىء من الريب فذلك لانها من عمل الانسان المملوء بالنقص. فرفقه ولئن كان اتمام وعد الرب نتيجه لسعيها الا انها لا تبرر امام الله لان الله لا يحاكم بموجب نتائج الاعمال بل يحاسب على النيه. فيهوذا وشعب اسرائيل فى سعيهمفى موت المسيح لا يصيرون بذلك مبررين لان موت المسيح كان لاجل خلاص العالم لان نيتهم لم تكن هكذا صالحه بل كانت نيه شريره فبحسب نيتهم يحاكمون. قال المرتل مخاطبا الله (غضب الانسان يحمدك) ومعناه ان يكون سببا لتمجيده. ومع ذلك لا يبرر الغضوب.
11- وبين اصحاح 36 : 31 و1 صم 12 ففى الاول قيل (وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا فى ارض ادوم قبل ما ملك ملك لبنى اسرائيل) فكيف يتكلم موسى عن ملوك بنى اسرائيلمع ان اول ملك لهم اقيم فى ايام صموئيل النبى كما فى الثانى فنجيب ان موسى ذكر فى سفره اصحاح 17 : 6 و16 و35: مواعيد الله لابراهيم بانه سيثمره ويجعله امما وملوك يخرجون منه فموسى كتب ما كتب لايمانه الوطيد بالله بانه سينجز مواعيده.
12- وبين اصحاح 46 : 21 و1 اى 7 : 6 راجع ايضا (عدد 26 : 38 و1 اى 8 : 1 – 3) ف الاول قال ان اولا د بنيامين عشره والثانى انهم ثلاثه فنجيب:
ان الاول اعتبر حفده بنيامين اولاده لانه ورد فى (عدد 26 : 38 و1 اى 8 : 3 و4) ان ارد ونعمان بنو بالع ابن بنيامين وفى سفر التكوين انهما ابنا بنيامين.
وقد ذكر باكر فى تك 46 : 21 و1 اى 7 : 6 ولكنه لم يذكر فى عدد 26 : 38 – 41 و1 اى 8 : 1 وذلك لان فى عدد 26 : 35 ذكر فى سبط افرايم لانه تزوج من هذا السبط.
ان يديعيئيل المذكور فى 1 اى 7 : 6 و10 هو ذات اشبيل المذكور فى التكوين والعدد وسفر الايام الاول اصحاح 8 فان عشيرته عظمت فى عهد داود فسمى بهذا الاسم.
ان ولدى بالع اصبون وعيرى لم يدرجا فى مواضع من سبط بنيامين وادرجا فى (تك 46 : 16 وعدد 26 : 16) فى سبط جاد لداعى النسب والمصاهره.
ذكر فى 1 اى 7 : 12 ان شفيم وحفيم ابنا عير وهما ذات مفيم وحفيم (تك 46 : 21) وذات شفوفام وحوفام (ع 26 :39) وذات شفوفام وحورام (1 اى 8 :5) والمشابهه بين هذه الاسماء موجوده فى الخلاف الظاهرى نشا من اعتبار كاتب ابناء الابناء بانهم ابناء ومن انتقال شخصالىسبط اخر او موته بدون عقب او قتله فى الحروب كما فى (قض 20 :46) ومن مخاطبه كل كاتب اهل عصره باللغه المتداوله بينهم نظرا لما كان يطرا على اللغه من اصطلاحات جديده فى كل عصرواليك بعض اصطلاحات اللغه العبرانيه المتبعه فى الكتاب المقدس المكتوب بها والتى من هذا القبيل.
(ا) دلاله اسماء الاباء او الاسلاف على انفسهم.
(تك 9 : 25) ملعون كنعان اى نسله.
(خر 5 :2،1 مل 18 : 17و18،مز 14 : 7) دلاله
اسم يعقوب على الاسرائيليين.
(اش 7 : 5،8، 11: 13 هو 5 : 9و13،6 :4)
دلاله اسم افرايم على اسرائيل.
(ب) دلاله لفظ ابن على النسل ولو بعد.
مفيبوشيت دعى ابن شاول وهو ابن يوناثان (2 صم 19 : 24).
زكريا دعى ابن عدو (عز 5 : 1) وهو ابن ابنه (زك 1 : 1).
(ج) لفظه اب تدل على السلف (1 اى 1 : 17)
دعيت عثليا فى (2 مل 8 : 26) ابنه عمرى وفى (عدد 18) ابنه اخاب وهى كانت ابنه اخاب حقا وحفيده عمرى.
13- وبين اصحاح 46 : 27 واع 7 : 14، ففى الاول ذكر ان جميع نفوس بيت يعقوب التى جاءت الى مصر سبعون نفسا وفى الثانى انهم خمسه وسبعون نفسا. فنجيب قيل فى عددى 26 و27 (جميع النفوس ليعقوب التى جاءتالىمصر الخارجه من صلبه ما عدا نساء بنى يعقوب. جميع النفوس سته وستون نفسا وابنا يوسف اللذان ولدا له فى مصر نفسان. جميع نفوس بيت يعقوب التى جاءتالىمصر سبعون) فينبغى ان يلاحظ ان نساء بيت يعقوب استثنين من هذا العدد اما فى سفر اعمال الرسل فقيل (فارسل يوسف واستدعى اباه يعقوب وجميع عشيرته خمسه وسبعين نفسا) فليس من هؤلاء يوسف ولا ابناه ولا زوجته لوجودهم فى مصر حينئذ فيكون عدد الذين استدعاهم 66 نفسا لم يحسب معهم يعقوب كصريح الايه (استدعى اباه يعقوب وجميع عشيرته الخ) اما باقى العشيره فهم زوجات بنيه وعددهم تسع لان امراه يهوذا ذكر عنها ماتت (تك 38 : 12) وكذلك امراه شمعون (تك 46 : 10) فالجميع خمسه وسبعون.
المتنيح القس منسى يوحنا
من كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
27 فبراير 2019
فوائد النسيان
من النسيان ما هو ضار وما هو نافع. والنسيان الضار ليس هو موضوعنا في هذا المقال. ومن أمثلته: أن ينسى المرء واجباته الدينية أو مسئولياته العملية. أو أن ينسى وعوده أو عهوده أو بالأكثر أن ينسى إحسانات الله إليه. وما يشبه ذلك وهو كثير على أن النسيان ليس كله شرًا. فقد سمح به الله من أجل نفع الإنسان وفائدته، لو أنه أحسن استخدامه. فالإنسان الحكيم يعرف ما الذي ينبغي أن ينساه، وما الذي ينبغي أن يتذكره. وسنحاول في هذا المقال أن نشرح بعض المجالات التي يحسن فيها النسيان:
فمن فوائد النسيان مثلًا أن ننسى إساءات الناس إلينا ننساها لكي نستطيع أن نسامح وأن نغفر ونصفح. ولكي لا يملك الغضب على قلوبنا بسببها. وننساها لكي نهرب من شيطان الحقد ومن شيطان الكراهية إذا ثبتت في أذهاننا.
فالذي ينسى أخطاء الناس إليه، يمكنه أن يقابل الكل ببشاشه، ويملك السلام قلبه، ولا يختزن فيه شرًا من جهة أحد. لذلك، إذا أساء إليك أحد، لا تحاول أن تسترجع في ذهنك إساءته إليك، ولا تتحدث مع الناس عما فعله بك ذلك المسيء، ولا تفكر في أية إهانة لحقت بك. لئلا يرسخ كل ذلك في ذاكرتك ويتعبك ولا تنسَ فقط أخطاء الناس إليك، وإنما كل أخطائهم عمومًا لأنك لو تذكرت على الدوام أخطاء الناس، لاسودت صورتهم في نظرك، ولعجزت أن تجد لك من بينهم صديقًا! إنه يندر أن يوجد أحد ليست له أية أخطاء. فلو أننا تذكرنا لكل أحد أخطاءه، لما استطعنا أن نتعامل مع أحد. وربما يدخل الشك إلى قلوبنا من جهة الناس جميعًا. وربما لا نستطيع أن نتكلم باحترام مع كل أحد من هنا تبدو فائدة نسيان أخطاء الناس.. كما يجب أن ننسى لهم أخطائهم، لكي نطلب من الله نسيان خطايانا وفى نفس الوقت الذي ننسى فيه أخطاء الناس، علينا أن نذكر خطايانا الخاصة لكي نصل إلى التوبة وإلى الاتضاع. موقنين تمامًا أنه إن نسينا خطايانا، سيذكرها لنا الله. أما إن ذكرنا خطايانا فسوف يغفرها لنا الله. إذن فليذكر كل أحد خطاياه، وينسى خطايا غيره. بعكس المتكبر الخالي من الحب، الذي دائمًا ينسى نقائصه، ودائمًا يذكر نقائص غيره، أو يتحدث عنها من فوائد النسيان أيضًا أن ننسى فضائلنا، حتى لا نقع في الكبرياء والإعجاب بالنفس... فإن عملت خيرًا، أو إن شاءت نعمة الله أن تعمل خيرًا بواسطتك، فلا تذكر ذلك ولا تتذكره. لئلا يجلب لك التذكار مديحًا من الناس، تستوفى به أجرك على الأرض، دون أن يختزن لك الأجر في السماء فالذي يفعل خيرًا، عليه أن يخفى الأمر، ليس فقط عن الناس، إنما حتى عن نفسه هو، بالنسيان حقًا، إن الذي يذكر فضائله، أو يُظهر فضائله، إنما يقع في الغرور والخيلاء، ويفقد الكثير من ثوابه. لذلك إنسَ الخير الذي تعمله. وإن ألحّ عليك الفكر في تذكره، أنسب ذلك إلى عمل نعمة الله معك، وليس إلى إرادتك الخيرّة. واشكر الله الذي هيّأ لك الظروف التي ساعدتك. واذكر أيضًا أن ذلك العمل كان يمكن أداؤه بطريقة أفضل من التي عملته بها...
من فوائد النسيان أيضًا أن ننسى المتاعب والضيقات:
أحيانًا يكون التفكير في متاعب الضيقة أشد إيلامًا وضررًا من الضيقة ذاتها. لذلك من الخير لك أن تكون الضيقات خارجك وليست داخلك. أي لا تسمح لها بالدخول إلى فكرك، ولا الاختلاط بمشاعر قلبك لئلا تتعبك. أي حاول أن تنساها. وإن ألحّ عليك الفكر ولم تستطع أن تنسى، حاول أن تنشغل بالقراءة أو بالعمل أو بالحديث مع الناس، لكي تبعد الفكر عنك وتنسى..
وعندما تنسى ضيقاتك ومتاعبك وآلامك، ستدرك أن النسيان نعمة وهبها الله. وستشكر الله الذي جعلك تنسى... أليس في معالجة المرضى المتعبين بأفكارهم ومشاكلهم النفسية، يقدم لهم الأطباء أدوية لكي تشتّت تركيز أفكارهم، فينسون! وبهذه الطريقة يحاول الإنسان أن يشترى النسيان بالطب والدواء والمال... إذن مبارك هو الله أن يهب النسيان مجانًا لمن يحتاجونه.. إذن إنسَ المتاعب والهموم، لأن تذكرها يجلب الأمراض النفسية والعصبية وأمراضًا أخرى. وهنا ندرك فوائد النسيان من فوائد النسيان أيضًا، أن ينسى الإنسان الأسباب المعثرة التي تجلب له الخطية... فقد يقرأ شاب قصة بذيئة، أو يرى منظرًا خليعًا، أو يسمع كلامًا مثيرًا... وإن لم ينسى كل هذه الأمور، تظل تشغل فكره وتحاربه روحيًا، فتضيّع نقاوة قلبه. ولذا من الخير له أن ينسى... وقد يقع شاب آخر في مشكلة عاطفية، ويحاول من أجل إراحة قلبه أن ينسى. وإذا استطاع ذلك، يعترف إن النسيان نعمة عظيمة لذلك حاول أن تنسى كل ما يعكر نقاوة قلبك. لا تجلس وتفكّر في أي شيء ينجس فكرك أو مشاعرك. وإن عبر أيّ من هذه الأمور على ذهنك، فلا تستبقه، بل اطرده بسرعة، ولا تعاود التفكير فيه، لكيما تنساه من فوائد النسيان أيضًا أن تنسى كل الأمور التافهة، لكي تُبقى في ذهنك الأمور النافعة لك ولغيرك تصوّروا مثلًا لو أن إنسانا تذكرّ كل ما يمر عليه طوال يومه، أو طوال أسبوع أو شهر، من كل الأمور التافهة التي تختص بالأكل والشرب وأحاديث الناس ومناظر الطريق، وأيضًا كل القراءات وكل الأحداث هل مثل هذا الشخص تحتمل طاقة فكره وذاكرته أن تخزن فوق ذلك كله، المعلومات اللازمة له والأساسية؟! لا أظن ذلك... من أجل هذا يسمح الله -لفائدتنا- أن ننسى التافهات، لكي تتبقى في ذهننا الأمور الهامة فقط. أما الذين يتذكرون كل الأمور التافهة، أو يهتمون بها فلا ينسوها... هؤلاء ستكون أحاديثهم تافهة أيضًا كذلك تصوّروا مثلًا إن أراد أحد أن يصلى. ووردت في ذهنه وذاكرته كل الأخبار والأحاديث التي عبرت به في يومه... أتراه يستطيع أن يركز في فكره في الصلاة؟! أم يسرح فيما يتذكره!وأيضًا إن أراد أحد أن يذاكر درسًا، أو أن يكتب بحثًا، أو أن يناقش موضوعًا هامًا، أتراه يستطيع ذلك، بينما في ذهنه كل التافهات التي مرّت به طوال يومه؟ أليس من المفيد له أن ينساها، ولو إلى حين!إن النسيان إذن هو عملية غربلة حيوية، تغربل في الذهن وفي الذاكرة جميع المعلومات والمعارف والمناظر والسماعات، التي وردت إلى العقل، فتستبقى النافع منها، وتطرد ما لا يفيد، عن طريق النسيان لذلك فلنحاول جميعًا أن نتحكم في ميزان ذاكرتنا. فلا نستبقى فيها إلا كل ما يفيدنا. أما الباقي فننساه. من أجل هذا، سمح الله بوجود النسيان. على أنه يجب أن نكون حكماء في معرفة ما يفيدنا نسيانه. وما يجب علينا أن نتذكره.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
26 فبراير 2019
مفاعيل الإفخارستيا في حياتنا
أولاً: الإفخارستيا والخلاص:-
يقوم الفكر المسيحي على شرح قضية الخلاص.. والأسفار المُقدَّسة تشهد أن الله وحده هو المُخلِّص "أنا أنا الرَّبُّ، وليس غَيري مُخَلِّصٌ" (إش43: 11) "ها إنَّ يَدَ الرَّب لم تقصُرْ عن أنْ تُخَلِّصَ، ولم تثقَلْ أُذُنُهُ عن أنْ تسمَعَ" (إش59: 1)"هوذا هذا إلهنا. انتَظَرناهُ فخَلَّصَنا. هذا هو الرَّبُّ انتَظَرناهُ. نَبتَهِجُ ونَفرَحُ بخَلاصِهِ" (إش25: 9) بل وتعتبر الأسفار المُقدَّسة أن علامة الإله الحقيقي أنه يستطيع أن يُخلِّص تمييزًا له عن الآلهة الكاذبة"اِجتَمِعوا وهَلُمّوا تقَدَّموا معًا أيُّها النّاجونَ مِنَ الأُمَمِ. لا يَعلَمُ الحامِلونَ خَشَبَ صَنَمِهِمْ، والمُصَلّونَ إلَى إلهٍ لا يُخَلصُ" (إش45: 20).
والخلاص في الفكر المسيحي يكون بغفران الخطايا، وليس بالخلاص من الأزمات الزمانية.. كما هو في الفكر اليهودي. لذلك قيل ليوحنا المعمدان وهو طفل وليد: "وأنتَ أيُّها الصَّبيُّ نَبيَّ العَلي تُدعَى، لأنَّكَ تتقَدَّمُ أمامَ وجهِ الرَّب لتُعِدَّ طُرُقَهُ. لتُعطيَ شَعبَهُ مَعرِفَةَ الخَلاصِ بمَغفِرَةِ خطاياهُمْ" (لو1: 76، 77) وغفران الخطايا لا بد أن يكون بسفك الدم "وبدونِ سفكِ دَمٍ لا تحصُلُ مَغفِرَةٌ!" (عب9: 22). لأن الدم يساوي الحياة، وسفك الدم يساوي بذل الحياة.. فالرب يسوع المسيح إلهنا خلَّصنا بغفران خطايانا بسفك دمه الكريم على الصليب من أجلنا.. "لأنَّ أُجرَةَ الخَطيَّةِ هي موتٌ" (رو6: 23).. فتسديد دين الخطية يستلزم بذل الحياة هذا الدم المسفوك على الصليب أعطانا إياه مُخلِّصنا الصالح لنشربه في سر الإفخارستيا حسب قوله الطاهر: "اشرَبوا مِنها كُلُّكُمْ، لأنَّ هذا هو دَمي الذي للعَهدِ الجديدِ الذي يُسفَكُ مِنْ أجلِ كثيرينَ لمَغفِرَةِ الخطايا" (مت26: 27، 28)، "لأنَّ جَسَدي مأكلٌ حَقٌّ ودَمي مَشرَبٌ حَقٌّ" (يو6: 55) فبالرغم من أن مُخلِّصنا الصالح قد سفك دمه عن الجميع "وهو كفّارَةٌ لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كُل العالَمِ أيضًا" (1يو2: 2) "لأنَّهُ هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحيدَ" (يو3: 16)ولكن للأسف لن يستفيد من هذا الفداء العظيم إلاَّ مَنْ يُؤمن فقط بالقيمة الخلاصية لهذا الدم"لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّةُ" (يو3: 16) "الذي يؤمِنُ بهِ لا يُدانُ، والذي لا يؤمِنُ قد دينَ، لأنَّهُ لم يؤمِنْ باسمِ ابنِ اللهِ الوَحيدِ" (يو3: 18)"الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: مَنْ يؤمِنُ بي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ" (يو6: 47).
ولكن الإيمان النظري وحده لا يفيد، فالكتاب يقول: "والشَّياطينُ يؤمِنونَ ويَقشَعِرّونَ!" (يع2: 19). فالشيطان نفسه يعرف القيمة الخلاصية لدم المسيح، ولكن بكل قطع لا يستطيع أن يستفيد من هذا الخلاص الثمين، بل يقشعر ويرتعب من مجرد تذكار فِعله لذلك فلابد للإنسان المسيحي أن يتقدَّم ليأكل الجسد ويشرب الدم لينال هذا الخلاص الثمين.. "يُعطى عنَّا خلاصًا وغفرانًا للخطايا" (القداس الإلهي).
ثانيًا: الإفخارستيا والحياة الأبدية:-
إننا ننال الحياة الأبدية بالإيمان بألوهية السيد المسيح"الذي يؤمِنُ بالاِبنِ لهُ حياةٌ أبديَّةٌ، والذي لا يؤمِنُ بالاِبنِ لن يَرَى حياةً بل يَمكُثُ علَيهِ غَضَبُ اللهِ" (يو3: 36)"الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ مَنْ يَسمَعُ كلامي ويؤمِنُ بالذي أرسَلَني فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، ولا يأتي إلَى دَينونَةٍ، بل قد انتَقَلَ مِنَ الموتِ إلَى الحياةِ" (يو5: 24)"الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: مَنْ يؤمِنُ بي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ" (يو6: 47).
ولكن أيضًا هذا الإيمان النظري لا يكفي، فلابد من الشركة في التناول من جسد الرب ودمه الأقدسين.. لننال الحياة الأبدية حسب قول السيد المسيح: "مَنْ يأكُلُ جَسَدي ويَشرَبُ دَمي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الأخيرِ" (يو6: 54). بل لقد أعلن السيد المسيح أنه بدون التناول من جسد الرب ودمه لا يمكن أن ينال الإنسان الحياة.. "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ لم تأكُلوا جَسَدَ ابنِ الإنسانِ وتشرَبوا دَمَهُ، فليس لكُمْ حياةٌ فيكُم" (يو6: 53). أي أنه لا يوجد طريق آخر للحياة إلاَّ التناول من جسد الرب ودمه فالمسيح هو حياتنا.. راجع (كو3: 4)، وبدونه لا يكون لنا حياة. وهذا يفسر لنا لماذا "أُجرَةَ الخَطيَّةِ هي موتٌ" (رو6: 23). فالخطية هي انفصال عن الله، وهذا يؤدي حتمًا إلى الموت، كمثل انقطاع تيار الكهرباء عن المصباح الكهربائي، وكما أنه لا يمكن أن يعود الضوء إلى المصباح إن لم يتصل مرة أخرى بنفس التيار الكهربائي، بنفس الفولت والتردد.. وكذلك لا يمكن للإنسان أن يحيا إن لم يتصل مرة أخرى بالله ولذلك كان تدبير التجسد والفداء.. ففي التجسد اتحد اللاهوت بالناسوت في شخص ربنا يسوع المسيح اتحادًا أقنوميًا فريدًا ليس له نظير. وهذا الاتحاد أدى إلى انسكاب الحياة من لاهوت السيد المسيح إلى ناسوته، فأصبح الناسوت حيًّا ومُحييًا بقوة اللاهوت الذي فيه ولذلك ما كان يمكن أن يستمر هذا الناسوت في الموت، بل كان لا بد أن يقوم.. "الذي أقامَهُ اللهُ ناقِضًا أوجاعَ الموتِ، إذ لم يَكُنْ مُمكِنًا أنْ يُمسَكَ مِنهُ" (أع2: 24) حقًا لم يكن ممكنًا أن يُمسك من الموت إذ هو الحياة "أنا هو القيامَةُ والحياةُ" (يو11: 25) "أنا هو الطَّريقُ والحَقُّ والحياةُ" (يو14: 6) فالجسد الحاضر على الأرض ويمشي بين الناس هو جسد الله الكلمة الذي "فيهِ كانَتِ الحياةُ" (يو1: 4)، "لأنَّ عِندَكَ يَنبوعَ الحياةِ" (مز36: 9). نحن هنا نتكلَّم عن جسد المسيح الحي والمُحي، جسده الخاص الذي أخذه من القديسة العذراء مريم، وصار متحدًا اتحادًا أقنوميًا كاملاً بلاهوته الطاهر.. لكن كيف أنال أنا الحياة الأبدية؟!!لقد وضع لنا السيد المسيح طريقة سهلة جدًّا ننال بها الحياة به إذ قال"أنا هو خُبزُ الحياةِ" (يو6: 48) "أنا هو الخُبزُ الحَيُّ الذي نَزَلَ مِنَ السماءِ. إنْ أكلَ أحَدٌ مِنْ هذا الخُبزِ يَحيا إلَى الأبدِ. والخُبزُ الذي أنا أُعطي هو جَسَدي الذي أبذِلُهُ مِنْ أجلِ حياةِ العالَمِ" (يو6: 51) "مَنْ يأكُلْ هذا الخُبزَ فإنَّهُ يَحيا إلَى الأبدِ" (يو6: 58) وقد أعطانا فعلاً الرب يسوع جسده لنأكله ودمه لنشربه حتى نحيا به، وعلَّمنا أن هذا الأكل وهذا الشرب هما وسيلة الحياة الأبدية"فقالَ لهُمْ يَسوعُ: الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ لم تأكُلوا جَسَدَ ابنِ الإنسانِ وتشرَبوا دَمَهُ، فليس لكُمْ حياةٌ فيكُم. مَنْ يأكُلُ جَسَدي ويَشرَبُ دَمي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الأخيرِ، لأنَّ جَسَدي مأكلٌ حَقٌّ ودَمي مَشرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يأكُلْ جَسَدي ويَشرَبْ دَمي يَثبُتْ فيَّ وأنا فيهِ. كما أرسَلَني الآبُ الحَيُّ، وأنا حَيٌّ بالآبِ، فمَنْ يأكُلني فهو يَحيا بي" (يو6: 53-57)وكأن السيد المسيح قد ذخر طاقة الحياة الأبدية في هذا الجسد المُقدَّس، وأعطانا أن نأكله كي نحيا به ونهتف مع مُعلِّمنا بولس الرسول: "لأنَّ ليَ الحياةَ هي المَسيحُ" (في1: 21)، "أحيا لا أنا، بل المَسيحُ يَحيا فيَّ" (غل2: 20).
ثالثًا: الإفخارستيا ووحدة الكنيسة:-
إذا كانت أسرار الكنيسة كلها تؤول إلى وحدة شعب الله، وقد وضعها الله في الكنيسة لتحقيق هذه الوحدة.. فالسر الذي لا يمكن إدراك كنهه بعيدًا عن مفهوم الوحدة.. هو سر الإفخارستيا.. سر الجسد الواحد.. سر المُصالحة بين الله والإنسان.. بين السماء والأرض.. بين النفس والجسد.. بين الشخص وإخوته إنه سر الكنيسة.. السر المقدس الذي يحقق معنى كلمة كنيسة.. جماعة المؤمنين، وهذا هو أيضًا سر الاجتماع.. حيث تجتمع الكنيسة كلها من أجله وبه، ومن خلاله يحضر السيد المسيح لكي يُتمم وحدة شعبه المقدس إن السيد المسيح - في سر الإفخارستيا – يستحضر شعبه كله إلى واحد.. فبكسر الخبز الواحد، يشترك الكل فيه، فيصير الجميع واحدًا.. "فإنَّنا نَحنُ الكَثيرينَ خُبزٌ واحِدٌ، جَسَدٌ واحِدٌ، لأنَّنا جميعَنا نَشتَرِكُ في الخُبزِ الواحِدِ" (1كو10: 17)، نصير جسدًا واحدًا للرأس الواحد، ولنا آب واحد، ويصير الكل عائلة إلهية واحدة.
بهذا يجتذبنا المسيح يومًا فيومًا إلى اتحاد أعمق مع الآب والابن، ومع بعضنا بعضًا بالروح القدس، وهذا ما يُعبِّر عنه القديس "أغسطينوس" بقوله: "ينشأ سر سلامنا ووحدتنا فوق مذبحه".
الاجتماع الإفخارستي يُعبِّر عن طبيعة الكنيسة:-
يقول القديس "يوستينوس الشهيد" (القرن الثاني الميلادي): "في يوم الأحد يجرى عندنا في مكان واحد اجتماع جميع الساكنين في المدن والقرى، كانوا يجتمعون معًا برئاسة الأب الأسقف ليقيموا سر الإفخارستيا" ما كانوا – قديمًا – يقيمون في المدينة الواحدة إلا إفخارستيا واحدة بقيادة الأسقف الواحد للمدينة تعبيرًا عن وحدانية الكنيسة، وما كانوا يقيمون الإفخارستيا إلا إذا اجتمع كل شعب الله معًا يبدو أن الوضع تغيّر بسبب كثرة عدد المسيحيين، وعدم إمكانية اجتماعهم معًا في مكان واحد يضم الجميع.. فصار من حق الكهنة المحليين أن يقيموا إفخارستيا منفصلة عن إفخارستية الأب الأسقف، ولكنهم ملتزمون بنفس الإيمان والممارسة والتعليم، ولا يقيمونها إلا بإذنه وبحِّل من فمه. ولذلك يذكرون اسم الأسقف في كل قداس داخل إيبارشيته لإعلان وحدتهم معه كما أنهم في بداية خدمة القداس يتلون (تحليل الخدام)، ويذكرون فيه أسماء الآباء الأرثوذكس – الذين دافعوا عن الإيمان الأرثوذكسي – ساويرس وديسقوروس وكيرلس وذهبي الفم وأثناسيوس وبطرس خاتم الشهداء, وآباء المجامع الثلاثة المسكونية ثم من فم البابا والأب الأسقف.. إعلانًا أن هذا القداس ليس منفصلاً عن ليتورجية الآباء الأرثوذكس وعن أسقف المدينة.
لذلك – فبالرغم من تعدّد القداسات في نفس الميعاد وفى نفس المدينة.. لكن ظل المعنى قائمًا أنه قداس واحد ممتد ومنتشر.. ممتد من مارمرقس إلى أثناسيوس وحتى اليوم، ومنتشر في كل مكان، ولكن المذبح واحد والجسد واحد والكنيسة جامعة، والكاهن واحد هو ربنا يسوع المسيح، وكهنة بشريون يمارسون كهنوت المسيح الواحد في هذا يقول القديس "أغناطيوس الأنطاكي": "كونوا غيورين, مواظبين على سر الشكر، لأن جسد ربنا يسوع المسيح واحد، الكأس واحدة في جسده الواحد، مائدة واحدة، وأسقف واحد مع الكهنة والشمامسة الخادمين معه. وعليه إذًا فكل ما تفعلونه, فافعلوه كأنه آت من الله"ومرة أخرى يقول القديس "أغناطيوس" موجهًا كلامه إلى الأفسسيين: "أما أنتم فلا تفعلوا شيئًا بدون الأسقف والكهنة، ولا تحاولوا أن تتمموا أي عمل منفردين، وإذا ظهر لكم أنه ضروري فافعلوه في الكنيسة، ولتكن صلاة واحدة، غفران واحد، فكر واحد، رجاء واحد في المحبة في الفرح الكامل. إن يسوع المسيح واحد، وليس شيء أفضل منه، وهكذا أنتم أسرعوا إلى هيكل الله الواحد، إلى مائدة واحدة وإلى يسوع المسيح الواحد"إن وحدة المذبح المقدس شرط، واجتماع الشعب معًا شرط، والأب الأسقف يتقدم إلى المائدة المقدسة الواحدة عندما تجتمع الكنيسة كلها معًا، ولا يستطيع أن يقيم الإفخارستيا بالاستقلال عن أعضاء الكنيسة المجتمعين حول هذه المائدة الواحدة. "حيث يكون الأسقف، فهنالك يجب أن يكون الشعب" (القديس أغناطيوس)فالمعنى الجميل لوحدانية الكنيسة، وعدم انقسامها يتحقق بأجلى وضوح في إقامة قداس الإفخارستيا. ولذلك نقول في القداس: "إجعلنا مستحقين – يا سيدنا – أن نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا، لكي نكون جسدًا واحدًا، وروحًا واحدًا، ونجد نصيبًا وميراثًا مع جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء" (القداس الباسيلي).
صلوات الإفخارستيا تبرز معنى الوحدة الكنسية:
(1) جميع الصلوات تُقدّم بلسان الكاهن، وبصيغة الجمع: "نشكرك، نسأل ونطلب، نسجد..".
فالكاهن ينوب عن الشعب مُعبِّرًا عن وحدته واجتماعه.. "أنت الذي ينبغي لك التمجيد بصوت واحد من كل أحد..".
(2) تهتم الليتورجيا بالصلاة عن كل الغائبين بالجسد.. حتى يتم اكتمال حضور الجميع بالروح قبل بدء الأنافورا.
- ففي رفع بخور عشية نصلي من أجل إخوتنا وآبائنا الذين سبقوا ورقدوا في الإيمان المسيحي، وكذلك أيضًا نذكرهم في الترحيم بعد المجمع.
- وفي رفع بخور باكر نصلي من أجل المرضى ومن أجل المسافرين.
- وكذلك تصلي الكنيسة من أجل خلاص العالم وكل مدينة.
- وتصلي من أجل الفقراء، ومن أجل الأرملة واليتيم والغريب والضيف.
- وتصلي أيضًا من أجل الهراطقة أن يهدم الله آراءهم الهرطوقية، ويعودوا إلى حظيرة الإيمان الأرثوذكسي.
- وتصلي أيضًا عن المتضايقين والموعوظين.
- وعن الرئيس والمسئولين والجيران والمعارف.
هذه الصلوات التي تقدمها الكنيسة بروح التوسل إلى عريسها المسيح.. إنما تُعبِّر تعبيرًا جيدًا عن معنى الإفخارستيا الحقيقي وهو تجميع الكل في المسيح ليكون الجميع جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا، ويكون هناك الاهتمام الواحد.
(3) توزيع مزامير السواعي على جمهور المُصلين.. له أيضًا دلالة روحية جميلة، فما يُصليه الشخص بمفرده (12 مزمور في كل صلوة).. تُصليه الكنيسة معًا باعتبارها جسد واحد، ونحن أعضاؤه.. نتشارك معًا في الصلاة والطلبة.
(4) في الصلوات التي يعترف فيها الكاهن بخطاياه وضعفاته أمام الله يتكلَّم بصيغة المفرد "أنت يا سيد العارف أني غير مستحق وليس لي وجه أن أقترب.. اغفر لي أنا الخاطئ.."، وعندما يتكلَّم مع الله عن احتياج الشعب يتكلَّم بصيغة الجمع (في نفس الصلوة): "نعم يا سيدنا كن معنا، اشترك في العمل معنا، باركنا، لأنك أنت هو غفران خطايانا، ضياء أنفسنا، حياتنا، وقوتنا ودالتنا" (صلاة الاستعداد)وهنا تُميز الكنيسة بوضوح بين وحدتنا أمام الله، وبين مسئولية كل شخص عن خطاياه الخاصة وتعدياته. والكاهن بروح متضعة - كما تلقنه الليتورجيا - يقر بخطاياه الخاصة، ويطلب عن الشعب، وإذا تكلَّم عن تعديات شعبه أمام الله يذكر أنها (جهالات).
(5) في بداية ليتورجية القداس يعلن الكاهن ووجهه نحو الشعب ماسكًا القربانة فوق رأسه "مجدًا وإكرامًا للثالوث.. سلامًا وبنيانًا لكنيسة الله..".
فالإفخارستيا هي بنيان الكنيسة بتجميع أعضائها، وتوحيدهم في جسد الله. وهنا كما في أوشية سلام الكنيسة تُذكر صفات الكنيسة التي هي واحدة وحيدة مقدسة جامعة رسولية أرثوذكسية.
وهذا ما تؤكده صلوات الليتورجيا دائمًا أن الكنيسة واحدة غير منقسمة، وأنها وحيدة (أي فريدة في وحدتها) وارتباطها بالله، وأنها جامعة من كل مكان بدون تمييز أو تعصب.. فقط أن يكون الجميع واحدًا في الإيمان الأرثوذكسي. "هذه الكائنة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها، كل الشعوب وكل القطعان.." (أوشية السلام).
(6) تهتم الليتورجيا القبطية بذكر آباء الكنيسة لنضمن اجتماعهم معنا.. فنذكر اسم بابا الكنيسة وأسقف الإيبارشية، كما نصلي عن الآباء القمامصة والقسوس وكل الشمامسة وكل الخدام.
والأجمل من هذا أن الليتورجيا تهتم بأن نأخذ الحِّل من فم الآباء البطاركة والقديسين الأولين المدافعين عن الأرثوذكسية قبل أن نبدأ الأنافورا. فنحن نؤمن أنهم مازالوا أحياء ومازالوا يمارسون سلطانهم الكهنوتي في السماء، وأنهم حاضرون معنا في القداس، ولن يسمحوا لهرطوقي أن يشارك في الإفخارستيا، لذلك فالكنيسة تستأذنهم قبل البدء بالصلاة، ليكونوا معنا ويباركوا صلواتنا.. إنها شركة مقدسة رائعة.
(7) وتهتم الليتورجيا أيضًا بإبراز حضور القديسين من خلال الهيتنيات، وصلاة المجمع، وفي السنكسار وفي التمجيد.
إنهم مازالوا معنا في الجسد الواحد.. لم ينفصلوا بالموت بل تعمق انتماؤهم وهم الآن في السماء يجذبوننا بحبال الحب ليتعمق انتماؤنا نحن أيضًا لهذا الجسد المقدس العظيم.
(8) ووجود هؤلاء القديسين معنا يحفّز توبتنا وقداستنا "نسألك يا سيدنا إجعلنا مستحقين نصيبهم وميراثهم، وأنعم لنا كل حين أن نسلك في آثارهم، ونكون متشبهين بجهادهم، ونشترك في العرق الذي قبلوه من أجل التقوى.. حارسًا بيعتك المقدسة هذه التي أسستها بواسطتهم.. وبارك خراف قطيعك، واجعل هذه الكرمة تكثر.." (سر الكاثوليكون).
(9) صلاة الصلح جزء أساسي من ليتورجية القداس القبطي، ولا يمكن أن يبدأ الكاهن الأنافورا ويرفع الإبروسفارين من على المذبح إلا إذا نادى الشماس "قبلوا بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة..".
وتكون هذه القبلة المقدسة علامة الحب والمصافحة والمسامحة، ويكون جميع مَنْ بالكنيسة بروح واحد ومحبة كاملة.. حينئذ يمكن للكاهن أن يقول: "ارفعوا قلوبكم".
إن القبلة المقدسة هي شرط للتناول من جسد الرب ودمه.. "إجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نقبل بعضنا بعضًا بقبلة مقدسة، لكي نتناول بغير طرحنا في دينونة من موهبتك غير المائتة السمائية".
(10) يحضر معنا في القداس أيضًا الطغمات الملائكية، وليس القديسون فقط "الملائكة ورؤساء الملائكة والرئاسات والسلطات والكراسي والربوبيات والقوات، والشاروبيم والسيرافيم"، بل بالأكثر أننا نشاركهم تسبحتهم الإلهية.. "قدوس قدوس قدوس".
(11) تؤكد الليتورجيا أيضًا على وصف الكنيسة بأنها (شعب مجتمع) "وجعلنا له شعبًا مجتمعًا".
وهذه صفة محبوبة جدًّا تُعبِّرعن طبيعة شعب الله وجوهر الكنيسة، وتُعبِّر عن فعل الإفخارستيا في البشر في تجميعهم معًا في جسد واحد.
(12) وبعد حلول الروح القدس في القداس الإلهي يصلي الكاهن معلنًا فعل الإفخارستيا فينا "إجعلنا كلنا مستحقين يا سيدنا أن نتناول من قدساتك (الجسد والدم) طهارةً لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا، لكي نكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا، ونجد نصيبًا وميراثًا مع جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء".
(13) في ختام صلاة القسمة يصلي أبونا قائلاً: "طهِّر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا وقلوبنا وعيوننا وأفهامنا ونياتنا.."، لاحظ أن هذه العبارات تُقال بصيغة الجمع، أي تُعبِّر عن كل الكنيسة.. تأمل بعد ذلك صيغة الصلاة.. "لكي بقلب (واحد) طاهر ونفس (واحدة) مستنيرة ووجه (واحد) غير مخزي..".. هذه الصيغة بالمفرد. لقد صارت الكنيسة قلبًا واحدًا طاهرًا، ونفسًا واحدة مستنيرة، ووجهًا واحدًا غير مخزي أمام الله.. وبمحبة كاملة.
(14) وقبل التناول يصلي الأب الكاهن التحليل لتُغفر خطايانا، ونتقدم باستحقاق لشركة التناول، وفي صلاته هذه يقول: "لكي إذا طهرتنا كلنا (بالروح القدس وبالقداس) تؤلفنا بك (أي تجعلنا واحدًا كلنا معك) من جهة (بواسطة) تناولنا من أسرارك الإلهية"، إن الروح القدس في القداس يطهرنا، "وصيرنا أطهارًا بروحك القدوس". والتناول يوحدنا.. ووحدتنا مبنية على هذه الطهارة.
ويؤكد أبونا هذه الطلبة قبل التناول مباشرة "وليجعلنا تناولنا من أسرارك المقدسة واحدًا معك إلى الانقضاء، لكي نكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا معك"إن ليتورجية القداس تعلن بكل وضوح فعل الإفخارستيا في تجميع شعب الله ووحدته.. وتشرح لنا كيف أن: "مَنْ يحرم نفسه من المذبح فهو محروم من الله، ويحسب ذئبًا مهما كان مظهره معتدلاً".
(15) وفي القداس الغريغورى: "وصرت لنا وسيطًا مع الآب والحاجز المتوسط نقضته، والعداوة القديمة هدمتها، وصالحت الأرضيين مع السمائيين، وجعلت الاثنين واحدًا، وأكملت التدبير بالجسد" (صلاة الصلح). "الذي بكثرة رحمته حل عداوة البشر" (مقدمة القسمة في القداس الغريغوري).
(16) وتعبَّر أيضًا ليتورجية "القديس غريغوريوس" عن كمال العلاقة التي تربط بين السمائيين والأرضيين بسبب الوحدة والصلح الذي أكمله السيد المسيح بالصليب: "الذي ثبَّت قيام صفوف غير المتجسدين (الملائكة) في (بين صفوف) البشر، الذي أعطى الذين على الأرض (البشر) تسبيح السيرافيم، اقبل منا نحن أيضًا أصواتنا مع غير المرئيين، احسبنا (معدودين ضمن) مع القوات السمائية".
(17) وتبرز أيضًا ليتورجية القديس غريغوريوس الحب الإلهي الذي يغمر الجنس البشري.. في الخلق والفداء والرعاية اليومية.. تبرز الحب الإلهي ليكون نموذجًا للسلوك الإنساني.. وكأن الليتورجيا تُفسِّر لنا الآية المقدسة.. "أيُّها الأحِبّاءُ، إنْ كانَ اللهُ قد أحَبَّنا هكذا، يَنبَغي لنا أيضًا أنْ يُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا" (1يو4: 11)إن محبة الله لنا لا يمكن التعبير عنها: "ليس شيء من النُطق يستطيع أن يَحُد لُجة (كثرة) محبتك للبشر"المحبة هي سبب الخلق: "خلقتني إنسانًا كمحب البشر".. "من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتني إذ لم أكن"المحبة تظهر بوضوح في خليقة الله الخادمة للإنسان واحتياجاته: "أقمت السماء لي سقفًا، ثبت ليَّ الأرض لأمشي عليها، من أجلي ألجمت (أغلقت – وضعت حدودًا) البحر، من أجلي أظهرت طبيعة الحيوان، أخضعت كل شيء تحت قدمي، لم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك"وكذلك تظهر المحبة في خلق الإنسان متميزًا عن كل الخليقة الأخرى: "أنت الذي جبلتني ووضعت يدك عليَّ، ورسمت فيَّ صورة سلطانك ووضعت فيَّ موهبة النطق، وفتحت ليَّ الفردوس لأتنعم، وأعطيتني عِلم معرفتك.."وتتجلى المحبة الإلهية بأكثر وضوح في فداء الإنسان: "أنت يا سيدي حولت ليَّ العقوبة خلاصًا، كراعٍ صالح سعيت في طلب الضال، كأب حقيقي تعبت معي أنا الذي سقط.. أنت الذي خدمت لي الخلاص لما خالفت ناموسك"ولم يكن الفداء مجرد موت من أجل الإنسان ونيابة عنه.. بل كان هناك أيضًا التجسد بكل تبعاته التي قبلها الله الكلمة، ورضى بها حبًا بنا.. "واضعت ذاتك وأخذت شكل العبد، باركت طبيعتي فيك، وأكملت ناموسك عني، عرفتني القيام من سقطتي.. أزلت لعنة الناموس.. احتملت ظلم الأشرار بذلت ظهرك للسياط، وخديك أهملتهما للطم، لأجلي يا سيدي لم ترد وجهك عن خزي البصاق" وكانت حياة السيد المسيح على الأرض تفيض حبًا وعطاءً لكل الناس: "وهبت النظر للعميان، أقمت الموتى من القبور، أقمت الطبيعة بالكلمة.. أعطيت إطلاقًا لمَنْ قُبض عليهم في الجحيم" وتستمر الليتورجية في شرح هذا الحب الإلهي: "أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب، أظهرت عظم اهتمامك بي، قتلت خطيتي بقبرك، أصعدت باكورتي إلى السماء" "نشكرك.. لأنك أحببتنا هكذا، وبذلت ذاتك للذبح من أجل خطايانا، شفيتنا بضرباتك وأبرأتنا بجراحاتك، وأنعمت علينا بالحياة من قبل جسدك المقدس ودمك الكريم" (صلاة الشكر بعد التناول)إن الحب الإلهي الرائع الذي تشرحه ليتورجية القديس غريغوريوس.. إنما هي نموذج تلح به الكنيسة على أذهان المؤمنين أثناء الصلاة، لينطبع فيهم ويصير موجِّهًا لسلوكهم اليومي.
نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
25 فبراير 2019
لماذا نصــــوم
هل كانت هناك اصوام ثابتة فى مواعيد محددة فى العهد القديم ؟
أن الصوم فى مواعيد محددة تعليم كتابى فقد حدد الرب اصوام ثابتة لشعبه فى العهد القديم فقد ذكر فى سفر زكريا النبى صوم الشهر الرابع و صوم الشهر الخامس وصوم السابع و صوم العاشر (زك 19:8) و الحكمة يا ابنى فى تحديد مواعيد الصوم هو تنظيم العبادة الجماعية .
هل في العهد الجديد اشارة إلى الصوم ؟
( أ ) صام الرب يسوع أربعين يوما و أربعين ليلة (مت 2:4) صام عنا و قدم لنا مثالا لتتبع اثر خطواته .
(ب) صام الرسل قبل القداسات (اع 2:13) .
(ج) صاموا أيضا عند اختيار الخدام ورسامتهم (أع3:13،27:14) .
( د) الصوم فى وقت الخطر خلال رحلة بولس الرسول لروما . (أع 21:27) .
هل جميع هذه الاصوام ذكرت فى العهد الجديد وان لم تذكر جميعها فلماذا نصومها ؟
الانجيل مسلم للرسل فما لفم و لم تدون كل تعاليم السيد المسيح ( يو 30:20-31 ،25:21) كما أن الانجيل قد تم تدوينه بعد فترة من صعود السيد المسيح ونحن نضع تعاليم آبائنا الرسل " كإنجيل شفاهى " يكمل ما حفظ لنا فى الانجيل الكتابى و نحترم و نطيع و نسمع ونقبل تلك التعاليم كاحترامنا و طاعتنا و قبولنا و سمعنا للرب نفسه (لو 16:10) . ويذكر الأنجيل يا أن المؤمنون قد تسلموا تعاليم الكنيسة من الرسل وخلفائهم . (1كو23:11،34،2تس15: 2،2تى2:2،فى9:4،2يو:12) . ومن ثم نتسلم قوانين الآباء البطاركة القديسين الذين رتبوا الاصوام الباقية للآن و نقول كما قال القديس اغسطينوس أن عادتنا لها قوة القانون لأننا تسلمناها من أناس قديسين .
ماذا يحدث للإنسان لو لم يصم مع الكنيسة ؟
المسيحى الحقيقى يا ابنى هو عضو فى جسد السيد المسيح الذى هو الكنيسة و هو لا يشذ عن الجماعة لأن العضو إذا خرج عن الجسد يفسد و يسبب للجسد آلاماً مبرحة…… المؤمن سيصوم لأن الكنيسة تصوم فهو منها ومعها وفيها. فالمفروض يا أن تطاع الكنيسة كما يطاع الله فقد قال الرب لتلاميذه "من يسمع منكم يسمع منى" (لو16:10) وان تصام الاصوام كاملة كما هى مقررة من قديم الزمان أما من تمنعه ظروفه الصحية فليعرض أمره على أب اعترافه ليأخذ منه حلا ولا يصح أن يختصر أيام الصوم من تلقاء نفسه يفطر ويصوم كما يشاء ، بل هناك تدبير روحي مع أب الاعتراف .
- يقول البعض أن السيد المسيح لم يحتم الصوم بل تركه للظروف بقوله " متى صمتم " فلماذا نصوم فى أوقات ثابتة "سنويا" ؟
أن كلمه متى يا تفيد التحقيق والتأكيد وليس الشك ، بحيث يكون فى حكم الواقع المحتم مثل قول الرب :
"متى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه" (مت31:25) . وقوله لبطرس " متى رجعت ثبت اخوتك " (لو23:22) .
فواضح من ذلك أن بعد كلمة "متى" حقائق مقررة ووقوعها محتم وقد حدد الرب أوقاتا معينه للصوم (لا29:16، زك19:8، لو12:18) .وحدد الرب يسوع له المجد موعد بدء صوم الرسل بعد صعوده عنهم إلى السماء (مت15:9) وهذا ما تم فعلا (اع13،14،27) .
أمر الرسول بولس المؤمنين بالصوم (1كو5:7). ويجب الخضوع للترتيب الكنسى الذى وضعه الرسل وخلفائهم.
الصوم يجب أن لا يتكرر سنويا ويجب أن يمارس فى وقت الضيقات فقط؟
الصوم كالصلاة و الصدقه يجب أن يتكرر فى موعده وكما سبق و قلت لك يا ابنى أن الرب حدد أوقاتا معينه للصوم وذلك لما للصوم من فوائد روحيه كثيرة. كما أن الصوم الجماعى يا ابنى هو تعليم كتابى ويدل على وحدانية الروح فى العبادة وفى التقرب إلى الله . كما أننا يا ابنى فى حرب دائمة مع الشياطين لذلك فنحن فى حاجة دائمة إلى الأسلحة الروحية المختلفة لمقاومتهم ومن هذه الأسلحة الصوم لذلك يجب التعود على أوقات الصوم فى أوقاته المعينة وعدم تركه للظروف أو قصره على أوقات الضيقات .
هناك بعض الأشخاص يرفض الصوم نهائيا بزعم أن القديس بولس الرسول قد رفض الامتناع عن أكل معين بقوله " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب " (كو16:2)؟
إن قصد القديس بولس الرسول بهذه الآية هو عدم التمسك بالنظرة اليهودية بتقسيم الطعام إلى نجس و طاهر فهو لم يقل " لا يحكم أحد عليكم فى صوم " إنما عن هذه الاطعمه المعتبرة نجسة ودنسة قال الرسول بولس " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب " وذلك لان فى بداية الإيمان بالمسيحية كان أول من دخل المسيحية هم اليهود فأرادوا تهويد المسيحية أى أن من يدخل فى المسيحية عليه ان يمارس كل العادات اليهودية مثل النجاسات والتطهير وحفظ السبت والاحتفال بالهلال وأوائل الشهور والأعياد اليهودية مثل الفصح والفطير والأبواق والمظال ويوم الكفارة فأراد بولس الرسول مقاومة تهويد المسيحية و لذلك قال " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التى هى ظل الأمور العتيدة " إذن لم تكن مناسبة حديث عن الصوم و إنما عن العادات اليهودية التى يريدون إدخالها إلى المسيحية ..
قال احدهم بنوع من الاستخفاف هل ربنا قال للناس عندما تصوموا كلوا عدس وفول وبصارة ؟
نعم حدد الرب أنواعا معينة من الطعام تؤكل فى الاصوام كما يلى :
(أ) أمر الرب حزقيال النبى بالصوم ثم الإفطار على القمح " البليلة" والشعير والفول والعدس والدجن " الذرة الرفيعة " والكرسنه " الكمون " . (حز9:4) .
(ب) صام دانيال عن أكل اللحوم وشرب الخمر (دا12:1) كما صام مع أصحابه الثلاثة وافطروا آخر النهارعلى القطانى "البقوليات" (دا8:1-16) .
(ج) صام داود النبى بالزيت وقال " ركبتاى ارتعشتا من الصوم ولحمى هزل عن سمن " (مز24:109) . عارف يا الصوم فى كنيستنا ليس هو مجرد طعام نباتى إنما هو انقطاع عن الطعام فترة معينه يعقبها أكل نباتى من اجل لذة محبة الله وحفظ وصاياه بحب وفرح دون ضغط أو إكراه.
لماذا تصوم الكنيسة الصوم الكبير؟
الصوم الكبير يا ابنى له المقام الأول والمنزلة الكبرى بين الاصوام الكنسية و الكنيسة تمارس هذا الصوم تذكارا لصوم المخلص الذى صامه وأيضا اقتداء بالسيد المسيح فى مسلكه هذا فالرب يسوع لم يكن محتاجا للصوم وإنما هو صام عنا لكي يعطي قوة لصومنا فيصبح (صومنا) صوماً مقبولاً أمام الأب السماوي لذلك يجب أن نتمثل به. وأيضا بهذا الصوم يستعد المؤمنون استعدادا روحيا كبيرا لأسبوع الآلام والاحتفال بقيامة الرب يسوع من بين الأموات
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
24 فبراير 2019
الله لم يفشل فيك أبدًا
يحكي لنا الكتاب عن شاب صغير السن، وهو يوحنا المُلقَّب مرقس. هذا الشاب مثال لقوة الله التي تفتقد الضعف وتصنع منه جبار بأس. كان يوحنا من أسرة ميسورة الحال، وكانوا يمتكلون بيتًا كبيرًا يجتمع فيه الرسل بعد صعود المسيح (أعمال 12: 12)، وخاله هو برنابا، فهو من عائلة مؤمنة تعرف الرب جيدًا. وفي رحلة الرسول بولس الأولى أخذ مرقس لكي يخدم معهم (أعمال 12: 25)، ولكن في منتصف الرحلة تعثّر مرقس، ولا يذكر لنا الكتاب سبب تعثُّره، فقرّر أن يتركهم ويرجع إلى بيته في أورشليم (أعمال 13: 13). ولما رجع الرسولان من رحلتهما التبشرية قرّرا أن يقوما برحلة أخرى، فقال برنابا لبولس إنه يريد أن يأخذ مرقس مجدّدًا لكي يشجّعه مرة أخرى، لكن الرسول بولس رفض! ويقول الكتاب أنه حدثت بينهما مشاجرة بسبب مرقس (أعمال 15: 39)، وقال بولس إن الذي فارقهما من الأول لا يمكن أن يذهب معهما مرة أخرى (أعمال 15: 38). تخيّل رسولًا مثل بولس يرفض شابًّا متعثّرًا مثل مرقس! ولكن هل تركته نعمة الله؟ بالطبع لا! فالرب أب عظيم، يظل وراء الضغيف إلى أن يصنع منه شخصًا رائعًا. ويقول الكتاب إن برنابا أخذ مرقس وسافر إلى قبرس ليخدما هناك (أعمال 15: 39)، والعجيب أنه بعد فترة قصيرة من الزمان نرى الروح القدس يقود مرقس الشاب المتعثِّر إلى كتابة أول انجيل كُتِب وهو إنجيل مرقس سنة 55م! والعجيب أن الرسول بولس نفسه في نهاية حياته احتاج لمرقس وطلب أن يخدم معه بعد أن شدّده الرب، وقال إنه نافع له للخدمة (تيموثاوس الثانية 4: 11)، ثم في نهاية حياة ذلك الشاب المتعثِّر ذهب إلى مصر ليقدّم يسوع في كل أرض مصر، ثم اُستُشهِد هناك بسبب التبشير، وأُطلِق عليه "كاروز الديار المصرية". تخيل: مِن شخص متعثِّر مرفوض من قائده الروحي، إلى كاتب لأول إنجيل ومبشّر في مصر!وأنت؛ ربما تعثّرت كثيرًا من ضعف معين، ربما رفضك شخص روحي، لكن اطمئن! الرب يقبلك، وسيظل بجانبك إلى أن يُخرِج منك شخصًا عظيمًا بحسب قلبه.فمن عرف رحمة الرب لابد أن يتكل عليه في أصعب أزمنة حياته، واثقًا أنه في أمان لأن الرب لا يمكن أن يترك طالبيه. لذلك لاتخف، الرب يستحيل أن يتركك لأنك ابن له، أنت داخل هذا الملجأ فأنت في أمان. مها طال زمن الضيق الرب ملجأك، إلى أن يعبر بك إلى أرض الراحة.وأنت، ربما تعاني من عيب في شخصيتك، لاتخف! الرب يقبلك، وسيصنع بك شيئًا عظيمًا رغم ضعفك وعيوبك، فهو يحبك، بل هو يحامي عنك.
القس أنطونيوس فهمى
كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس – محرم بك - الأسكندرية
المزيد
23 فبراير 2019
خِدْمَةُ الْمُحْتَاجِينَ
خدمة محبوبة ومتصلة اتصالاً وثيقًا بالإنجيل؛ ذلك أن المسيح اعتبر نفسه ضمن إخوته : الجوعى والعطاش والمحتاجين إلى الغذاء والشراب، إخوته العرايا المحتاجين إلى الكساء والدفء، إخوته الغرباء والمحتاجين إلى المأويَ والمساعدة، إخوته المرضى المحتاجين إلي العلاج والزيارة والمواساة والتغذية والتدعيم؛ خاصة ذوﻱ العلل المستعصية، إخوته السجناء المحتاجين إلى الحرية والتغذية والتقويم ... أكد المسيح أن خدمة المحتاجين هي خدمة مباشرة له هو، وان هذة الخدمة تقدم خفية وعلانية وستعلن لأصحابها في اليوم الاخير. ( مت ٢٥ : ٣١ ) ويمكن أن يضاف إلى قائمة (المحتاجين) الأيتام المحرومين من الأمومة والأبوة، والمحاصرين بالهموم والحزانى والمسنين الذين يعيشون في بيوت خاصة بعيدًا عن ذويهم، وذوﻱ الاحتياجات الخاصة، والمحرومين من بعض الحواس؛ كالمكفوفين والصُم والبُكم، والمرضى النفسيين، وبعض هذة الفئات تعمل الكنيسة على خدمتهم والعناية بهم بسخاء وسرور؛ كقديسين وككنوز فيها، أحباء للرب وإخوته وخاصته الخصوصيين ولا بُد أن نضم إلى هؤلاء فئة المضطهدين والمهمشين والمهجَّرين، الذين شُردوا وحُرقوا واستُبيحوا من أجل الإيمان بالمسيح، خلال العشرة سنوات الماضية تحديدًا، فما أعظم مكافأة المؤسسات والخدام الذين سيغمرهم العطاء الإلهي من أجل أتعابهم؛ ولو أدرك أﻱ خادم فيض البركات التي ينعم بها الله عليه إزاء خدمته مهما تضاءلت؛ لَمَا تردد أو تخلف عن خدمة أﻱ محتاج، وها هو الرب يؤكد أنه حتى أصغر الخدمات لن تُنسىَ قدامه، بل هي محفوظة عنده، ( ومن سقىَ أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط بإسمي، فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره) ( مت ١٠ : ٤٢ ) ( مر ٩ : ٤١ )؛ لأن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه؛ إذ قد خدمتم القديسيين وتخدمونهم ( عب ٦ : ١٠ ) كل من يرحم يُرحم، وكل من يعطي بسرور يحبه الله؛ ويعطيه بسخاء كيلاً جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا؛ لأن خدمة الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين والمرذول هي شهادة على صدق الإيمان بالمسيح ومحبته ( مت ٢٥ : ٣٤ )، كما جعل الرب إهمال هذه الخدمة بسبب الانحصار في الذات، إنكارًا للإيمان؛ والنتيجة هي السقوط من رحمه الله (فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدﻱ) ( مت ٢٥ : ٤٦ ) ولأن خدمه الآخر تنطلق من إنكار الذات؛ فهي تسهم بالتالي في تراجعها؛ والانشغال بتخفيف آلام الآخرين وسد احتياجاتهم ومشاركه همومهم. وبقدر ما نتجرد ونتسع؛ يحضر فينا المسيح بغناه ورضاه، (مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ) ( أع ٢٠ : ٣٥ ) الملكوت الآن في طور التحقق عمليًا؛ حتي يوم وصول العريس السماوﻱ... ملكوت حاضر، ملكوت قريب، ملكوت على الأبواب، ملكوت حالي وواقع ومستقبلي؛ دشنه مسيحنا ليبشر المساكين ويشفي منكسرﻱ القلوب؛ ويطلق المأسورين وينعم بالبصر للعميان ويمنح المنسحقين حرية؛ ويكرز بسنته المقبولة، وها اليوم يتم المكتوب في مسامعنا عبر خدمة المحتاجين؛ حينما لا نقف بطّالين متفرجين؛ بل ساعين لخدمة بشارة الملكوت المكتشف بتطبيق عملي واستغناء عن قيم العالم الكاذبة المزيفة، فالذﻱ يعمل أعمال الملكوت : يدخله ويدركه ويُشفىَ ويتبع الملك؛ لا بالحصرية أو الدفاعية بل بإنفتاحه نحو الآخرين؛ الذﻱ يعكس إنفتاح الله نحو أولاده المشردين والمنبوذين والمبغضين التطبيق والممارسة في خدمة المحتاجين هما طريقتنا في المساهمة في بناء ملكوت الله، وهي إعلان يسوع لملكوت الله في ضوء التوقعات المعبر عنها في شخصية العبد المتألم (أش ٥٣)؛ الذﻱ يحرر المظلومين والمسحوقين؛ والذين يعانون من العمى والصمم الروحيين، فيعلن ملكوت رب الجنود... ملكوت إلهنا وتحقيق المأمورية والبوصلة العظمى بصناعة الرحمة وأحشاء الرأفة في خدمة كل محتاج.
القمص أثناسيوس چورچ
كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
22 فبراير 2019
المحبة الأخوية
نتكلم عن محبة القريب قدّم السيد المسيح مثل السامري الصالح بعد أن سأله ناموسي: «ماذا أعمَلُ لأرِثَ الحياةَ الأبديَّةَ؟» فأجابه السيد المسيح عن المحبة، محبة الله والقريب، ثم أضاف: «اِفعَلْ هذا فتحيا» (لوقا10: 25-28)، ثم أعطي لنا مثل السامري الصالح ويأتي سؤال أمامنا ونحن نتأمل في هذا المثل: ماذا ستفعل لو كنت مكان أحدهم؟ فقد مرّ عليه أولاً كاهن ولم يعطه اهتمامًا، ومر عليه لاوي من نفس جنسه وأيضًا لم يهتم، ثم مر عليه هذا السامري – الذي حسب العُرف في ذلك الزمان كان يُعتَبَر عدوًا – فإذ به يهتم جدًا بالجريح الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئًا، وهذا الاهتمام ليس وقتيًا ولكنه مستمر. وعندما سأل الرب في المثل «"فأيَّ هؤُلاءِ الثّلاثَةِ ترَى صارَ قريبًا للّذي وقَعَ بَينَ اللُّصوصِ؟" فقالَ: "الّذي صَنَعَ معهُ الرَّحمَةَ"» (لوقا10: 36،37) ويأتي هنا سؤال مهم جدًا من الأسئلة التي شغلت الآباء: أيهما أهم: محبة القريب أم محبة الصلاة؟
أجاب القديس يوحنا الدرجي عن هذا السؤال: "المحبة أعظم من الصلاة، فالصلاة واحدة من الفضائل بينما المحبة هي أمهم جميعًا". الصلاة فضيلة وتأخذ أشكالاً كثيرة (مثل قراءة مقاطع من الكتاب، والترانيم، والأحان)، ولكن محبة القريب – أو ما نسمّيه التضامن مع القريب – فتفوق الصلاة. القديس يوحنا ذهبي الفم له عبارة عميقة جدًا تقول: "لا تنتظر أن يحبك الآخر بل اقفز نحوه بنفسك وقدّم له حبك"، ويقول القديس أثناسيوس الرسولي: "إن حياتنا وهلاكنا هما في يد القريب، فإذا كسبنا القريب فقد كسبنا الله"، وأيضًا العلاّمة اكلمينضس السكندري يقول: "عندما نرى أخانا فقد رأينا الله"، ونقرأ في الفيلوكاليا: "كما أن التفكير في لهيب النار لا يجلب لك دفئًا، كذلك الإيمان بدون محبة لا يحقّق نور المعرفة الروحية في النفس"، أي محبة القريب ربنا يسوع المسيح في تعليمه قدّم لنا مثل السامري الصالح كتعبير عن هذا التضامن الذي يصنع الرحمة (كلمة التضامن فيها نوع من المساندة للطرفين)، ونقرأ في صلواتنا الليلية ونقول: "ليس رحمة في الدينوية لمن لم يستعمل الرحمة"، كما يعملنا الكتاب في المزمور الأربعين: «طوبي لمن يتعطّف على المسكين، في يوم الشرّ ينجية الرب». لنقارن بين تصرفات الثلاثة (الكاهن واللاوي والسامري)، كنا نظنّ أن الكاهن هو الذي سيقدم رحمة، أو على الأقل اللاوي، ولكن جاءت الرحمة من الإنسان البعيد والذي بسبب الرحمة صار قريبًا جدًا وفي معجزات السيد المسيح وهي كثيرة نلمح نفس هذه الفضيلة؛ صنعها السيد المسيح مع المفلوج الذي كان له 38 سنة وليس له إنسان (يوحنا 5)! أيضًا نفس هذه الرباط (محبة القريب) هو ما صنعه السيد المسيح مع المرأة الخاطئة التي لم تجد أحدًا يقف بجوارها إلاّ شخص السيد المسيح (يوحنا 8) يقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن الإنسان المسيحي: "أيّ مصباح بلا نور؟ وأيّ مسيحى بلا حب؟!". أحد الأدباء قال عبارة جميلة: "بحتث عن الله كثيرًا ولم أجده! وبحثت عن نفسي كثيرًا ولم أجدها! ولكن عندما فتّشت عن أخي وجدت الثلاثة"، كما علمنا الكتاب أن «مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْتِ» (يوحنا الأولى3: 14)، ويأمرنا القديس بطرس: «وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ – قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى، وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً»، هذه «المودة الأخوية» هي محبة القريب، ومن يهمل هذه الفضيلة – يقول الكتاب: «أَعْمَى قَصِيرُ الْبَصَرِ، قَدْ نَسِيَ تَطْهِيرَ خَطَايَاهُ السَّالِفَةِ» (بطرس الثانية1: 5-10) محبة القريب تعني أن يخرج الإنسان من ذاته، ولذلك عندما يبدأ الإنسان أيّ شكل من أشكال التكريس، يكون جهاده الأول من أجل قطع الهوى وإنكار الذات والتحوّل من الذات والأنا إلى الآخر، وهذا لا يحدث إلاّ عندما تسكن فيه روح الله، ويكون داخله كما خارجه.
ماذا تعني لنا محبة القريب؟
أولاً: محبة القريب دليل على أن لك علاقة قوية بالله، يقول القديس أغسطينوس: "المحبة هي العلامة الوحيدة المميِّزة بين أولاد الله وأولاد إبليس". لذلك تبدأ صلوات قداس المؤمنين بالقبلة المقدسة، فالقبلة أسمى تعبير عن الحب، وما تصنعة أيدينا يعبِّر عمّا في قلوبنا، وعندما تتقدّم بهذه القبلة المقدسة نحو الذي بجوارك فكأنك تصالح العالم كله ممثَّلاً في الشخص الذي بجانبك.
ثانيًا: محبة القريب هي مقياس لصدق عبادتنا، العبادة تعبير عن الحب لله، ولكن تندهش معي عندما يتكلم ربنا يسوع المسيح عن أساسيات العبادة (متى 6)، هل بدأ بالصلاة أم بالصوم أم بالصدقة؟ كنّا نظن أن الرب سيبدأ بالحديث عن الصلاة، ولكنه بدأ بالصدقة! فالصدقة هي تعبير عن شعورنا بالآخر، إحساسنا به، محبتنا التي تخرج من قلوبنا تجاه القريب، بعد ذلك يتكلم عن الصلاة التي هي شعور بالله، وأخيرًا الصوم وهو شعوري بذاتي ومذلتي وحقارتي.
الأمر الثالث: محبة القريب مقياس للدينونة، سيقف كلٌ منّا أمام الديان العادل، وسيسألك: كيف عاملت إخوتك في البشرية؟ ما هي المحبة التي قدمتها نحوهم؟ يعبِّر بعض الآباء عن محبة القريب بأنها "مَسْك المنشفة بيد، وغسل الأقدام باليد الأخرى"، وقد تأخذ صورة إطعام فقير أو زيارة مريض أو كساء العريان، ولكن محبة القريب تعلن في الأساس عن إخلاءالذات، والعالم يا إخوتي جائع لهذه المحبة؛ فما الحروب والنزاعات والصراعات في العالم كله إلاّ بسبب غياب هذه الفضيلة.
«لأَنَّهُ هكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ» (بطرس الثانية1: 11
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
21 فبراير 2019
عظة انجيل قداس يوم الخميس فطر صوم نينوى
" لا تجعلوا بيت أبى بيت تجارة "( يو 2 : 12 - 25 )
إن سيدنا له المجد بعد نهاية عرس قانا الجليل رجع مع أمه واخوته وتلاميذه إلى كفرناحوم . وكان فصح اليهود قريباً فصعد إلى أورشليم . فوجد فى الهيكل الذين كان يبيعون بقراً وغنما وحماماً والصيارف جلوساً ، فصنع سوطاً من حبال وطر الجميع من الهيكل .. وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم . وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا . " لا تجعلوا بيت أبى بيت تجارة " ( يو 2 : 16 ) إن السيد له المجد قد طرد الباعة من الهيكل مرتين . الأولى فى بدء كرازته ( يو 2 : 11 – 17 ) والثانية قبل آلامه ( مت 21 : 12 ) . وقد تم المكتوب فى سفر المزامير : " غيرة بيتك أكلتنى " ( مز 69 : 9 ) . باحتدام السيد وإزالته ما يهين إسم الله ويضر بكرامته فى بيته إن كل ما فعله السيد له المجد وكل ما قاله وكتب عنه . إنما كان لتعليمنا وهو نفسه القائل : " تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب " ( مت 11 : 29 ) فماذا يعلمنا الله فى هذا الفصل ؟ يعلمنا أن نجعل بيته الذى هو الكنيسة محل احترامنا واكرامنا وخضوعنا . أى اننا ندخل لتأدية واجبات العبادة بالاحترام والادب والخضوع . ونخرج أيضاً كذلك . قال الجامعة : " احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله فالاستماع أقرب من تقديم ذبيحة الجهال لانهم لا يبالون بفعل الشر " ( جا 5 : 1 ) . والسيد نفسه يدعو الكنيسة " بيت الصلاة " ( مت 21 : 12 ) . فهل تعلمنا أن حضورنا إلى الكنيسة إنما هو لأجل الصلاة فقط . وليس للجلوس والمسامرات وانتقاد هذا واستحسان ذاك ثم الضحك والاستهزاء بالآخرين ؟إذا كنا تعلمنا وعرفنا ذلك فلماذا لا نقف فى الكنيسة بخوف ورعدة نادمين على خطايانا شاكرين الرب لقبوله توبتا ؟ ولماذا نراك أيها الحبيب تتكلم أمام هيكل الله وتضحك لاقل سبب !أيها الأنسان . تأمل وانظر فى جانب من أنت قائم . ومع من أنت مزمع أن تصلى وتسبح الله ؟ أنت قائم بقرب القدسات الالهية الموفرة . ومزمع أن تصلى وتسبح الله مع الكروبيم والسرافيم وبقية الملائكة ورؤساء الملائكة فإذا افتكرت مع من انت واقف . ومع من أنت مشترك فى الصلاة والترتيل . فهذا يكفيك للإنتباه والإدراك لترفع عقلك كله إلى السماء وقت الصلوات والقداسات وتخضع بهامتك أمام خالقك أما اذا اصررت على عدم وقوفك فى الكنيسة وقت الصلوات والقداسات بخوف ورعدة . وإضاعة وقت العبادة فى الضحك على الغير وانتقادهم . وذم الآخرين أو استحسانهم . وبالأجمال يكون وجودك فى بيت الله بغير وقار . فلاشك أن الله يعاملك بالغضب والانتقام السريع مع عدم غفران خطاياك . وبالاقتصاص منك يوم الدين العظيم . أو لعلك تظن ان الله يتغاضى عن ذنوبك وآثامك عندما يخاطبك على لسان انبيائه ورسله !! إنى أعلمك مقدار هذه الخطية وعظم تهاونك الحاصل بسببها . فاسمع ما أقول لك . إذا اتفق حضورك بمجلس أحد الشرفاء وخاطبك فيما هو مفيد لحياتك وأخبرك عن الازمنة السالفة وما جرى لاهلها من الحوادث النافعة أو الضارة . فهل كان فى امكانك أن تتجاسر وتعرض عن سماع كلامه وتلتفت إلى مخاطبة عبيده ؟ . إنك لو فعلت مثل هذا فكم من القباحة وقلة الأدب يظهر فعلك ؟ . فمن هنا اذن تفهم كم من التهاون والاحتقار تجاسرت بفعلك هذا على البارئ وليس هذا فقط بل أنى اعجب كثيراً بوجود أناس منكم يكونون داخل الكنيسة ثم يتركونها قبل انتهاء القداس الالهى . ويزيد عجبى جداً من عدم حضورك البعض الكنيسة طوال السنة . وهم لا يعترفون ولا يتناولون إلا إذا صادفتهم مصيبة أو حلت بهم ضيقة كثيرون من الناس يتناولون الأسرار الالهية فى السنة مرة واحدة . وآخرون مراراً عديدة . فلمن من هؤلاء يجب المدح والتطويب ؟ هل للذين يتناولن مرة واحدة أم للذين يتناولون مرراً . أم للذين لا يتناولون إلا عند وقوع الشدة أنا اقول أن المدح والتطويب لا يخص هؤلاء ولا اولئك ولا الآخرين . وإنما يخص الذين يتناولون الاسرار المقدسة بضمير نقى وقلب طاهر . أولئك الذين يحيون حياة بريئة من اللوم . الذين لا يوجد فيهم شئ من الحقد والحسد . السالكون طريق السلام . فهؤلاء لهم فى كل عيد سيدى وفى كل زمان أن يتناولوا القربان المقدس وأما اولئك فغير مستحقين التناول حتى ولا مرة واحدة أن أكلت يا هذا من مائدة روحية . واستحققت لعشاء ملوكى . فهل يجوز لك بعد ذلك أن تترك ذاتك أيضاً فى الخسائس والنجاسات ؟ ما بالك تدهن جسدك بالاطياب العطرة ثم تعود تلطخه بالنتانة والحمأة ؟فى كل عام تنتقى وتتناول . ولكن قبل أن يمر عليك قليل من الزمن تعود إلى شرورك الاولى وعاداتك السيئة . قل لى يا هذا . أن كنت مريضاً بمرض مزمن وشفيت منه فإن أهملت ذاتك وتركتها تسقط راجعة إلى ذلك المرض . أما تكون قد اضعت كل تعبك السالف باطلا ؟ . وإذا كنت متى وجدت فى فمك شيئاً من النتن والرائحة الكريهة بسبب مرض ما . فلا يمكنك أن تستعمل حتى المأكولات المعتاد عليها . فكيف يمكنك أن تتجاسر على تناول الأسرار ونفسك مفعمة من نتانة الخطية ونجاستها ؟ ولاى عفو تكون حينئذ مستحقاً ؟ انك لا تستحق عفواً لان بولس الرسول يقول : " من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً فى جسد الرب ودمه . ولكن ليمتحن الانسان نفسه هكذا يأكل الخبز ويشرب من الكأس لان الذى يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب " ( 1 كو 11 : 27 – 29 ) فسبيلنا اذن ايها الاحباء أن نواظب على بيت الله بكل ادب وخوف وتقوى عاملين بكل الوصايا مادام لنا وقت لنرضى الله تعالى بأعمالنا حتى نكون مستأهلين لسماع ذلك الصوت الفرح القائل : " تعالوا يا مباركى ابى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم " ( مت 25 : 34 ) . له المجد إلى الابد آمين .
من عظات القديس يوحنا ذهبى الفم
المزيد
19 فبراير 2019
عظة قداس اليوم الثانى من صوم نينوى
" قم أذهب إلى نينوى ... وناد عليها بالمناداة التى أنا مكلمك بها "
" كما كان يونان آيه لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل "( يونان 3 : 2 ولو 11 : 29 - 36 ) يا لعظم هذا الصوت العظيم المهول القائل : " يا يونان بن أمتاى قم أذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامى " اسمعوا أيها الأحباء هذا القول فما أعظمه ! وهذا التخويف ما أفزعه : وهذا الإرهاب ما أشده وأرهبه على قلوب الخائفين من عقوبة الله افتحوا قلوبكم وأسماعكم . وميزوا بعقولكم معانى الكتب الإلهية وأقوال الله على ألسن أنبيائه ورسله . فان يونان النبى لما تحقق رحمة إلهنا قام ليهرب إلى ترشيش من وجه الرب . فنزل إلى يافا و وجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش فدفع أجرتها ونزل فيها فأرسل الرب ريحاً شديدة إلى البحر . فحدث نوء عظيم حتى كادت السفينة تنكسر . فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد إلى الهه . وطرحوا الأمتعة إلى البحر ليخففوا عنهم . وأخيراً طرحوا يونان النبى أيضاً فوقف البحر عن هيجانه . وقد ابتلعه حوت عظيم وكان فى جوفه ثلاثة أيام وثلاث ليال . وقد تم هذا الأمر هكذا بتدبير الله ليكون من جملة نبواته عن السيد المسيح وكونه يقيم فى بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال . ثم يقول الكتاب وينزل إلى الجحيم ( 1 صم 2 : 6 واف 4 : 9 ) . ليخلص من كان معتقلا بخطية آدم فانظروا إلى مراحم إلهنا . ما أكثرها ! لأنه تجسد وتألم ومات وقبر ثم قام . كل ذلك لفرط عنايته بنا فيجب علينا إذن أن نكون سامعين لأقواله . ذاكرين لأفعاله وطالبين مراحمه فى كل حين . لأنه كريم ورحيم . ويغضب إذا كنا لا نطلب منه الرحمة . فإنه يمنح خيراته لمن يطلبها . وقد قال : " إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب " ( يو 7 : 37 ) . ومَن هو جاهلى فليمل إلى هنا " ( أم 9 : 4 ) . فيا لهذه الرحمة ما أعظمها ! صلى يونان النبى من بطن الحوت إلى الرب إلهه وقال : " دعوت الرب من ضيقى فاستجابنى . صرخت من جوف الهاوية فسمع صوتى " ( يون 2 : 1 – 8 ) إن يونان هذا وهو نبى ومقبول الدعاء لانه منتخب من رب السموات والارض لما نظر نفسه فى بطن الحوت خاف جداً وتضرع إلى الرب فخلصه . فكيف يكون حالنا إذن نحن الخطاة المرتكبون للآثام ؟ وكم يجب علينا من تقديم الطلب والدعاء والتضرع إلى رب الأرباب لعله يخلصنا من خطايانا الفعلية ويرحمنا ويتراءف علينا ولما كان السيد له المجد قد قال : " إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون " ( لو 13 : 2 – 5 ) . فقد أورد مثل شجرة التين . وكون رب الكرم أراد قطعها لانها لم تثمر مدة ثلاث سنين . فقال له الكرام اتركها هذه السنة أيضاً حتى أنقب حولها وأضع زبلا . فإن صنعت ثمراً وإلا ففيما بعد تقطعها " ( لو 13 : 6 – 9 ) فإن قلت وماذا يعنى بهذا المثل ؟ أجبتك : أنه يعنى بشجرة التين مجمع الخطاة . وبالأثمار الأعمال الصالحة . وبالكرام المسيح أو خلفاءه . وبرب الكرم الله الآب . وبالثلاث سنين مدة حياة الأنسان الأرضية . وهى : زمن الشباب . والرجولية والشيخوخة فلنتأمل إيها الأحباء فى هذا القول بعين العقل والتمييز . ولنعلم أن الرب يضرب لنا الأمثال لنفهمها . ويذكرنا بالاقوال لنسمعها . فيجب أن تكون لنا ثمرة الإيمان الصحيح . لنكون بين أشجاره الصالحة التى فى حقله العقلى . الذين هم المؤمنون باسمه العاملون بوصاياه فسبيلنا أيها الأعزاء أن نفهم هذه المعانى بالعقل الرجيح والنظر الصحيح . لتحسن طريقنا بين يديه . ونسلك السيل المستقيمة . لنفوز بمراحم الهنا . ونكون معه فى ملكوته الأبدية . خالدين فى نعمه السرمدية . بتحنن ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح . الذى له المجد والقدرة والعظمة والسلطان . الآن وكل آوان . وإلى الأبد آمين .
من عظات القديس يوحنا ذهبى الفم
المزيد