بالحقيقة نؤمن بإله واحد

15 يوليو 2025

وضع معلمنا القدیس بولس الرسول حدًا فلسفیًا ووضحه بقوله"وَأَمَّا الإِیمَانُ فَھُوَ الثِّقَةُ بِمَا یُرْجَى وَالإِیقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى" (عب ۱۱: 1) كأنھا(المواعید والأمور الإیمانیة) قد تمت بالفعل.
الإیمان ھبة وعطیة مجانیة من الله: الإیمان الحقیقي ھو إعلان الله للإنسان، ولیس اكتشاف الإنسان لقد أعلن الله للناس عن نفسه وعن خلاص الإنسان، وھناك ارتباط بین إعلان الله عن نفسه وخلاص الإنسان یذكر القدیس كیرلس السكندري شروط المعرفة الحقیقیة والإیمان بقوله [في الواقع أن لا شيء یؤھلنا للنظر في ما یفوق عقلنا وتصوّرنا ما لم یُنِر الله سید الكون بصیرتنا، ویبثنا الحكمة،ویھب لساننا الوسائل الكافیة،ویؤھلنا لأن نُدرك ونفسِّر،على حسب ما في وسعنا، شیئًا من السر الذي یحیط به].
الإنسان ینال الإیمان بالتجاوب مع النعمة یقول القدیس كیرلس: [نعمة كھذه (الإیمان) لیست من نصیب أي إنسان، إنھا من نصیب أولئك الذین یكونون بمعزلٍ عن الأھواء الجسدیة،وبمنحاة من الفساد الأرضي، أولئك الذین صحت أرواحھم فعرفوا أي الفضائل تقود الإنسان إلى التقوى ومثل ھذه الصفات یحثنا علیھا إله الكون قائلاً بصوت داود "كُفُّوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ" (مز ٤٦: 10) ویضیف سیدنا یسوع المسیح قائلاً: "طُوبَى لِلأَنْقِیَاءِ الْقَلْبِ لأَنَّھُمْ یُعَایِنُونَ اللهَّ" (مت ٥: 8) والحال أن الطبیعة العلیا لا یمكن إدراكھا بعیون الجسد، بل بعیون الفكر الداخلیة والسریة التي تثیر في الإنسان شتى مقتضیات الفضُول الدقیقة، ومن خلال رؤى تفوق الحسّ، تلتقط نور الوحي الإلھي] (الرد على یولیانوس).
الإیمان لیس ضد العقل بل فوق العقل: یجب أن لا نھمل دور أي من الإیمان أو العقل في الحیاة الروحیة، فالإیمان ھبة من الله، والعقل عطیة منه، لذا فھما صنوان لا یفترقان یقول معلمنا القدیس بطرس الرسول "وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِیحُ ابْنُ اللهِّ الْحَيِّ" (یو ٦: 69) ، ویقول معلمنا داود النبيّ "إِنْسَانٌ فِي كَرَامَةٍ وَلاَ یَفْھَمُ یُشْبِه الْبَھَائِمَ الَّتِي تُبَادُ" (مز ٤۹: 20).
الإیمان والعقل ھما بمثابة جناحین یمكن أن یرتقیا بالإنسان إلى تأمل الحقیقة: فاﻟﻠﮫ ھو الذي وضع في قلب الإنسان الرغبة لمعرفة الحقیقة ومعرفته ھو ذاته، حتى إذا ما عرفه وأحبه تمكّن من الوصول إلى حقیقة ذاته یقول ابن كبر: [لا یخفى على أحد أن الشریعة المسیحیة والأمانة الأرثوذكسیة قَبِلَھا المؤمنون، بظھور الآیات وفعل المعجزات الباھرة الفائقة للطبیعة، التي تسمو فوق فكر الملوك والعظماء والفلاسفة والحكماء، التي أجراھا الرب یسوع المسیح له المجد على یدي رسله الأطھار وتلامیذه الأبرار الذین أیدھم بروح قدسه فاقتادوا الأمم بالمعجزات والتقوى وانتشلوھم من الھوى، ولم یكن ذلك بفلسفة عالمیة ولا بمقاییس الحكمة البشریة والإیمان كافٍ لمَن تمسك بأسبابه غیر أنه لما دخل الإیمان العلماء من الأطیاف المختلفة، واتجھوا إلى البحوث النظریة قصدًا للتأكید والتأیید وكشف ما یستتر من براھین الإیمان وكذلك حل الشكوك التي یوردھا الجھال والمعاندون ویثبتون حقیقة الدیانة المسیحیة] (مصباح الظلمة في إیضاح الخدمة، ج ۱).
"نؤمن" ولیس "نعرف": لأن الإیمان یسبق المعرفة، إذن فدور الإیمان سابق لدور العقل، ویؤكد ذلك معلمنا القدیس بولس الرسول بقوله "باِلإیِمَانِ نَفْھَم أنَّ الْعَالمَینَ أتُقنِتْ بكِلمِةِ الله،ِ حَتَّى لمَ یَتَكَوَّنْ مَا یرُى مِمَّا ھُوَ ظَاھِرٌ" (عب ۱۱: 3) الإیمان یعطي لحیاتنا معنى وسعادة وصبرًا واستمراریة، وفي نفس الوقت یكشف عن التزاماتنا وتجاوبنا عملیًا مع من نؤمن به كما أن الإیمان یلزم أن یمس حیاتنا، بینما قد تقف المعرفة عند أمور لا تمس حیاتنا العقل یقبل ما یسلمه الإیمان لنا، والإیمان یوصلنا إلى مرحلة أعلى من العقل.
القمص بنيامين المحرقى

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل