عصر سبي بابل - الجزء الثاني

08 أكتوبر 2018
Large image

(3) سبي مملكة يهوذا
ما يعنينا بالأكثر هو مملكة يهوذا.. لنتتبع معًا رحلة التسبيح، وكيف اِنهار هذا الصرح العظيم بسبب السبي. ولقد تنبأ إشعياء النبي عن سبي مملكة يهوذا قبل حدوثه بأكثر من مائة عام بسبب خطية الشعب وقال:
"ويَندَفِقُ إلَى يَهوذا. يَفيضُ ويَعبُرُ. يَبلُغُ العُنُقَ. ويكونُ بَسطُ جَناحَيهِ مِلءَ عَرضِ بلادِكَ يا عِمّانوئيلُ" (إش8:8).
"هوذا تأتي أيّامٌ يُحمَلُ فيها كُلُّ ما في بَيتِكَ (يقصد بيت حزقيا الملك)، وما ذَخَرَهُ آباؤُكَ إلَى هذا اليومِ إلَى بابِلَ. لا يُترَكُ شَيءٌ، يقولُ الرَّبُّ. ويؤخَذُ مِنْ بَنيكَ الذينَ يَخرُجونَ مِنكَ، الذينَ تلِدُهُمْ، فيكونونَ خِصيانًا في قَصرِ مَلِكِ بابِلَ" (2مل17:20-18) هناك أيضًا نبوات كثيرة جدًّا تنبأ بها الأنبياء بخصوص السبي إلى بابل، وكان الهدف منها أن يرجع الشعب عن خطيته بالتوبة، ولكن لم يحدث فصار حكم الله نافذًا وسُبيت المملكة إلى بابل.
وكان سبي مملكة يهوذا على عدة مراحل:
سبي نبوخذناصر ملك بابل بعض سكان أورشليم، وكان من بينهم دانيال والثلاثة الفتية القديسون سنة 605 ق.م. (دانيال1:1-7).
سبي رجال نبوخذناصر الملك مجموعات أخرى من الشعب إلى بابل في عهد الملك يهوياقيم (2مل1:24-4).. الذي قيل عنه إنه: "عَمِلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّب إلهِهِ" (2أخ5:36).. لذلك كانت عقوبته أنه: "علَيهِ صَعِدَ نَبوخَذناصَّرُ مَلِكُ بابِلَ وقَيَّدَهُ بسَلاسِلِ نُحاسٍ ليَذهَبَ بهِ إلَى بابِلَ، وأتَى نَبوخَذناصَّرُ ببَعضِ آنيَةِ بَيتِ الرَّب إلَى بابِلَ وجَعَلها في هيكلِهِ في بابِلَ" (2أخ6:36-7).
جاء نبوخذناصر للمرة الثالثة، وحاصر أورشليم في عهد يهوياكين ملك يهوذا ونهب المدينة وسلب محتويات الهيكل (2مل12:24-16)، وسبى عشرة آلاف من أهلها إلى بابل. حقًا قيل من جهة هذا الدمار: "آثامُكُمْ عَكَسَتْ هذِهِ، وخطاياكُمْ مَنَعَتِ الخَيرَ عنكُمْ" (إر5: 25).
في سنة 588 ق.م. ثار صدقيا الملك ضد نبوخذناصر الملك، لقد قيل عن صدقيا الملك: "وعَمِلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّب إلهِهِ، ولم يتواضَعْ أمامَ إرميا النَّبي مِنْ فمِ الرَّب. وتمَرَّدَ أيضًا علَى المَلِكِ نَبوخَذناصَّرَ الذي حَلَّفَهُ باللهِ، وصَلَّبَ عُنُقَهُ وقَوَّى قَلبَهُ عن الرُّجوعِ إلَى الرَّب إلهِ إسرائيلَ، حتَّى إنَّ جميعَ رؤَساءِ الكهنةِ والشَّعبِ أكثَروا الخيانَةَ حَسَبَ كُل رَجاساتِ الأُمَمِ، ونَجَّسوا بَيتَ الرَّب الذي قَدَّسَهُ في أورُشَليمَ. فأرسَلَ الرَّبُّ إلهُ آبائهِمْ إليهِمْ عن يَدِ رُسُلِهِ مُبَكرًا ومُرسِلاً لأنَّهُ شَفِقَ علَى شَعبِهِ وعلَى مَسكَنِهِ، فكانوا يَهزأونَ برُسُلِ اللهِ، ورَذَلوا كلامَهُ وتهاوَنوا بأنبيائهِ حتَّى ثارَ غَضَبُ الرَّب علَى شَعبِهِ حتَّى لم يَكُنْ شِفاءٌ" (2أخ12:36-16). لذلك أسلمه الله مع شعبه لهذا السبي.
فجاء "نَبوخَذناصَّرُ مَلِكُ بابِلَ هو وكُلُّ جَيشِهِ علَى أورُشَليمَ ونَزَلَ علَيها، وبَنَوْا علَيها أبراجًا حولها. ودَخَلَتِ المدينةُ تحتَ الحِصارِ إلَى السَّنَةِ الحاديَةَ عشَرَةَ للمَلِكِ صِدقيّا. في تاسِعِ الشَّهرِ اشتَدَّ الجوعُ في المدينةِ، ولم يَكُنْ خُبزٌ لشَعبِ الأرضِ. فثُغِرَتِ المدينةُ، وهَرَبَ جميعُ رِجالِ القِتالِ ليلاً مِنْ طريقِ البابِ بَينَ السّورَينِ اللذَينِ نَحوَ جَنَّةِ المَلِكِ. وكانَ الكِلدانيّونَ حولَ المدينةِ مُستَديرينَ. فذَهَبوا في طريقِ البَريَّةِ. فتَبِعَتْ جُيوشُ الكِلدانيينَ المَلِكَ فأدرَكوهُ في بَريَّةِ أريحا، وتفَرَّقَتْ جميعُ جُيوشِهِ عنهُ. فأخَذوا المَلِكَ وأصعَدوهُ إلَى مَلِكِ بابِلَ، إلَى رَبلَةَ، وكلَّموهُ بالقَضاءِ علَيهِ. وقَتَلوا بَني صِدقيّا أمامَ عَينَيهِ، وقَلَعوا عَينَيْ صِدقيّا وقَيَّدوهُ بسِلسِلَتَينِ مِنْ نُحاسٍ، وجاءوا بهِ إلَى بابِلَ (2مل1:25-7) لقد هُدمت أسوار أورشليم والهيكل وأُحرقت المدينة بالنار، ولم يبقَ في أورشليم سوى المساكين والفلاحين (2مل8:25-12). وتم المكتوب: "فتتشَتَّتَ الغَنَمُ، وأرُدُّ يَدي علَى الصغارِ" (زك7:13) إنها النتيجة المروعة للخطية: "فأصعَدَ علَيهِمْ مَلِكَ الكِلدانيينَ فقَتَلَ مُختاريهِمْ بالسَّيفِ في بَيتِ مَقدِسِهِمْ. ولم يَشفِقْ علَى فتًى أو عَذراءَ، ولا علَى شَيخٍ أو أشيَبَ، بل دَفَعَ الجميعَ ليَدِهِ. وجميعُ آنيَةِ بَيتِ اللهِ الكَبيرَةِ والصَّغيرَةِ، وخَزائنِ بَيتِ الرَّب وخَزائنِ المَلِكِ ورؤَسائهِ أتَى بها جميعًا إلَى بابِلَ. وأحرَقوا بَيتَ اللهِ، وهَدَموا سورَ أورُشَليمَ وأحرَقوا جميعَ قُصورِها بالنّارِ، وأهلكوا جميعَ آنيَتِها الثَّمينَةِ. وسَبَى الذينَ بَقوا مِنَ السَّيفِ إلَى بابِلَ، فكانوا لهُ ولبَنيهِ عَبيدًا إلَى أنْ مَلكَتْ مَملكَةُ فارِسَ"(2أخ17:36-20). وهكذا أيضًا انتهت دولة يهوذا وأصابها العار والضياع.
(4) أحوال التسبيح أثناء السبي كيف نتكلَّم عن التسبيح ومجد الهيكل وقد أصاب الدمار كل شيء؟!! لم يعد هناك سوى الذكريات والأنين.. "علَى أنهارِ بابِلَ هناكَ جَلَسنا، بَكَينا أيضًا (بدل الفرح والتسبيح) عِندَما تذَكَّرنا صِهيَوْنَ. علَى الصَّفصافِ في وسطِها عَلَّقنا أعوادَنا (لأننا لا نستطيع أن نعزف ونرتل بسبب الحزن والسبي). لأنَّهُ هناكَ سألَنا الذينَ سبَوْنا كلامَ ترنيمَةٍ (على سبيل التهكم أو التسلية، أو قد يكون لأنهم معجبون ومشتاقون لسماع تسابيح صهيون)، ومُعَذبونا سألونا فرَحًا (بشماتة) قائلينَ: "رَنموا لنا مِنْ ترنيماتِ صِهيَوْنَ". كيفَ نُرَنمُ ترنيمَةَ الرَّب في أرضٍ غَريبَةٍ؟ إنْ نَسيتُكِ يا أورُشَليمُ، تنسَى يَميني! ليَلتَصِقْ لساني بحَنَكي" (مز1:137-6) كانت تسابيح أورشليم قد طبقت شهرتها الآفاق، حتى أن الأعداء البابليين كانوا قد سمعوا عن مجد وبهاء هذا التسبيح، فطلبوا من الشعب المسبي – بحب استطلاع أو بتهكم – أن يرتلوا لهم هذه التسابيح. لكن لم تعد هناك حتى الرغبة في التسبيح.
كيف تُسبِّح النفس المسبية بعيدًا عن الله والهيكل والمقدسات؟!!
كيف تغني النفس المُعاقَبة بسبب الخطية؟!!
لم تكن تسابيح الرب مجرد أغاني يتمتع بها الغرباء في حفلات صاخبة - كما كانوا يفعلون - لكنها كانت ذبيحة حب وفرح يُغنى بها في حضور إله إسرائيل لقد أتت نبوة أيوب: "صارَ عودي للنَّوْحِ، ومِزماري لصوتِ الباكينَ" (أي31:30) وكذلك نبوة إشعياء: "فتَئنُّ وتنوحُ أبوابُها، وهي فارِغَةً تجلِسُ علَى الأرضِ" (إش26:3)، "بَطَلَ فرَحُ الدُّفوفِ، انقَطَعَ ضَجيجُ المُبتَهِجينَ، بَطَلَ فرَحُ العودِ" (إش8:24) وصار إرميا يئن في مراثيه: "مَضَى فرَحُ قَلبِنا. صارَ رَقصُنا نَوْحًا" (مرا 15:5) وناح يوئيل بحزن شديد: "تنَطَّقوا ونوحوا أيُّها الكهنةُ. ولوِلوا يا خُدّامَ المَذبَحِ. ادخُلوا بيتوا بالمُسوحِ يا خُدّامَ إلهي، لأنَّهُ قد امتَنَعَ عن بَيتِ إلهِكُمُ التَّقدِمَةُ والسَّكيبُ" (يؤ13:1).
وتكلّم عن هذا عاموس النبي معلنًا غضب الرب على شعبه: "وأُحَولُ أعيادَكُمْ نَوْحًا، وجميعَ أغانيكُمْ مَراثيَ" (عا10:8). وصارت تسابيح الشعب مراثيا، وحقَّ لهم أن يرددوا هذه المزامير بدلاً من مزامير الفرح:"لماذا رَفَضتَنا يا اللهُ إلَى الأبدِ؟ لماذا يُدَخنُ غَضَبُكَ علَى غَنَمِ مَرعاكَ؟" (مز1:74) "إلَى مَتَى يارَبُّ تغضَبُ كُلَّ الغَضَبِ، وتتَّقِدُ كالنّارِ غَيرَتُكَ؟" (مز5:79) "أرجِعنا يا إلهَ خَلاصِنا، وانفِ غَضَبَكَ عَنّا" (مز4:85) "هل إلَى الدَّهرِ تسخَطُ علَينا؟ هل تُطيلُ غَضَبَكَ إلَى دَوْرٍ فدَوْرٍ؟ ألا تعودُ أنتَ فتُحيينا، فيَفرَحُ بكَ شَعبُكَ؟" (مز5:85-6).
حقًا قيل: "لَيتَكَ أصغَيتَ لوَصايايَ، فكانَ كنهرٍ سلامُكَ وبِرُّكَ كلُجَجِ البحرِ" (إش18:48).
ولكن الله الحنون الذي قيل عنه إنه "رَؤوفٌ، يَغفِرُ الإثمَ ولا يُهلِكُ. وكثيرًا ما رَدَّ غَضَبَهُ" (مز38:78).. لم يترك شعبه إلى الانقضاء، بل أرسل لهم مُخلِّصين ليُخلِّصوهم من السبي، وعادوا إلى أورشليم ليُعمروها بالناس والمباني وأيضًا بالتسبيح. وهذا ما تنبأ عنه إشعياء النبي وقال: "في ذلكَ اليومِ يُغَنَّى بهذِهِ الأُغنيَّةِ في أرضِ يَهوذا: لنا مدينةٌ قَويَّةٌ. يَجعَلُ الخَلاصَ أسوارًا ومَترَسَةً" (إش1:26) "ويكونُ في ذلكَ اليومِ أنَّهُ يُضرَبُ ببوقٍ عظيمٍ، فيأتي التّائهونَ في أرضِ أشّورَ، والمَنفيّونَ في أرضِ مِصرَ، ويَسجُدونَ للرَّب في الجَبَلِ المُقَدَّسِ في أورُشَليمَ" (إش13:27) "ومَفديّو الرَّب يَرجِعونَ ويأتونَ إلَى صِهيَوْنَ بترَنُّمٍ، وفَرَحٌ أبديٌّ علَى رؤوسِهِمِ. ابتِهاجٌ وفَرَحٌ يُدرِكانِهِمْ. ويَهرُبُ الحُزنُ والتَّنَهُّدُ" (إش10:35)."هذا الشَّعبُ جَبَلتُهُ لنَفسي. يُحَدثُ بتسبيحي" (إش21:43) "اُخرُجوا مِنْ بابِلَ، اهرُبوا مِنْ أرضِ الكلدانيينَ. بصوتِ التَّرَنُّمِ أخبِروا. نادوا بهذا" (إش20:48).
تُرى ما هي قصة العودة؟ وهل عادت مرة أخرى ذبيحة التسبيح؟
نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة

عدد الزيارات 4735

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل