المقالة العشرون في أيهما أفضل البكاء أم الضحك

05 ديسمبر 2020
Large image

بدء انقلاب نفس العابد الضحك والدالة، فإذا رأيت ذاتك فيهما، فأعرف أنكَ قد انتهيت إلى قعر الشرور، فلا تفتر متضرعاً إلى اللـه أن ينجيك من هذا الموت.
الضحك والدالة يهلكان أثمار العابد، الضحك والدالة يجعلانه يتكردس إلى الآلام القبيحة، الضحك والدالة يحدرانه إلى أسفل، وقد قال أحد القديسين عن الدالة: أن الدالة ريح الشوب تفسد أثمار العابد.
وعن الضحك أسمع الآن، الضحك يطرح النوح خارجاً، وينقض الفضائل المبنية، الضحك يُحزن الروح القدس، ولا ينفع النفس، ويفسد الجسد، يطرد الفضائل، وليس فيه ذكر الموت، ولا دراسة العذاب.
أنزع مني يارب الضحك، وأعطيني النوح والبكاء الذين تطلبهما مني.
بدء النوح أن يعرف الإنسان ذاته، وليكن نوحاً لا من أجل إنسان ولا لنشاهد الناس، لكن من أجل اللـه العارف مكتومات القلب، لكي ما نُطوَّب منه ونغبط.
ولنكن من الآن حسان الوجه، مبتهجون بالروح القدس بمواهب الرب باكين نائحين بمعقولنا، مستعطفين اللـه كي يحفظنا من كل نوع خبيث لئلا نعدم ملك السماوات بالخيرات التي عدها اللـه للذين يرضونه.
النوح يبني ويحفظ، النوح يروض النفس ويرضها نقية طاهرةً، النوح يولد العفة، ويقطع اللذات، ويقوم الفضائل.
وماذا أقول أيضاً: النوح يطوب من اللـه ومن الملائكة، فلذلك واحد من تلاميذ الرب قال: ينبغي أن يعود ضحككم نوحاً وفرحكم اكتئاباً. تواضعوا إذاً تحت يد اللـه العزيزة فيعليكم.
ماذا أصنع أنا الخاطئ، إذ لم أنح ولم أبكي على نفسي بتخشع، لأنني أتكلم ولا أعمل، ويلي كيف أتَهاون وكيف أتوانى في خلاصي ؟ ويلي لأنني بمعرفة أخطئ، أعرف فعل الشر ولا أعطف ذاتي عنه، ويلي فإنني بلا معذرة لأنه بأقوالي يحسبني قوماً أنني من ذوي اليمين، وبأفعالي أقف عن اليسار.
لك يارب، أيها الصالح والفاقد الحقد وحدك، أعترف بخطيئتي، وإن صمت أنا تعرف كل الأشياء وليس شيء مكتوماً من اتجاه عينيك، لكن قد قلت يارب بنبيك: قل خطاياك لكي ما تخلص.
قد أخطأت يارب قد أخطأت، ولست أهلاً أن أتفرس وأبصر علو السماء من قبل وفور آثامي، لأنني من أجل لذة يسيرة تَهاونت بالنار.
ماذا أصنع أنا الأشقى من كل الناس ؟ أبكي على ذاتي ما دام يوجد وقت تقبل فيه الدموع، هب لي أيها الصالح الرحوم وحدك دموع خشوع، لكي ما أتوسل بِها إليك أن تطهر وسخ قلبي.
ويلي ماذا أصنع في جهنم وفي الظلمة القصوى حيث البكاء وصرير الأسنان، ماذا أعمل نحو الزمهرير والعذاب الذي لا ينقضي، والدود النافث السم الذي لا يرقد، وماذا أصنع عند تَهويل الملائكة الموكلين بالعقوبات، لأنَهم مرهبون وغير راحمين.
من يعطي لرأسي ماء وعيني ينبوع دموع فأجلس أبكي ليلاً ونَهاراً لأستعطف الإله الذي أسخطه. يا نفس قد أخطأْت فتوبي، فإن أيامنا تعبر عبور الظل بعد قليل أيضاً وننصرف من هنا، يا نفس أنت عازمة أن تعبري في أماكن مخيفة، فلا تسوفي يوماً فيوماً أن تعودي إلى الرب.
يا نفسي طردتِ بالأفعال الدنسة الملائكة القديسين الذين يحفظونك، فلا تمنحي ذاتك راحة ولا تفتري حدقة عينيك من السجود للإله الصالح المتعطف على البشر ليعطيك معونة من العلي.
يا إخوتي نحن مزمعون ليس بعد حين طويل أن نعبر أماكن مخيفة، وغير ممكن أن لا نعبر تلك الطريق، وليس أحد من هنا يرافقنا للمعونة، لا والدان ولا إخوة ولا أصدقاء ولا جنس ولا غنى ولا شيء من نظائر هذه.
فلا نتوانى في الأعمال الصالحة التي سنجدها في زمان الحاجة، ولنستفق في هذا الدهر لئلا يقبض علينا بعد الفراق رؤساء الظلمة، ومن المُعِين والفادي في تلك الساعة من أيديهم إن صودفنا مجردين من ستر اللـه.
إن رؤساء الظلمة متمردون وغير رحومين، لا يرهبون ملكاً ولا يكرمون أميراً، ولا يبجلون صغيراً ولا كبيراً، سوى العائش بالديانة البهية فقط، صاحب الأعمال الصالحة، من وجه هذا يرهبون ويعتزلون ويخافون ويولولون منهزمين بتسارع كثير.
كما كتب: أن النعمة والرحمة سابغتان على مختاريه وتعهده لأبراره. ويقول أيضاً: إن نفوس الصديقين بيد الرب، ولا يمسهم العذاب، لأن عدلهم يتقدم فيصير قدام وجوههم، ومجد اللـه يجللهم.
حينئذٍ يصرخون، فيستجيب لهم الرب، وفي حين تكلمهم، يقول هاأنذا قد حضرت لأن صادقاً الواعد.
مغبوط من يوجد حراً في ساعة الفراق، لا نتوانى يا إخوتي الأحباء، ولا نجذب إلى ذاتنا الأشياء الأجنبية الضارة البالية، لأن تلك الطريق تحل كل شيء.
إذا حانت ساعة الفراق تذبل اللذات، وتَهلك التنعم والشرف الباطل، فيبيد الغنى وحب الرئاسة إذا حضرة ساعة الفراق، وهذه كلها ونظائرها تنحل وتزول. أيها الرب إذا تذكرت تلك الساعة فأَخر ساجداً لصلاحك ألا تسلمني إلى الذين يظلمونني، لئلا يفتخر أعدائي على عبدك، مصريّ أسنانَهم، ومفزعي نفسي الخاطئة. يقولون: قد حصلت في أيدينا ؛ ودفعت إلينا، فهذا اليوم الذي كنا ننتظره.
يارب لا تنسى رأفاتك، لا تكافئني نظير أثمي، ولا تعرض بوجهك عني، لا تقل لي حقاً أقول لك أنني ليستُ أعرفك، أنت يارب أدبني لكي أبرأ برأفاتك، ولا تشمت بي العدو بل أخمد تَهويله، وبطل كافة حيله، وامنحني الطريق إليك غير مذمومة.
أيها الرب الصالح عزني لا باستقامتى لكن برأفاتك، ومن أجل صلاحك الجزيل خلص من الموت نفساً مغمومة.
اذكر أيها الصالح أنني لما أخطأت وجرحت بكلوم تقارب الموت، ما لجأت إلى طبيب أخر، ولا بسطت يدي إلى إله غريب، بل إلى خيريتك، لأنك أنت إله الكل الماسك كل نسمة.
أنت يارب قلت اسألوا تعطوا، نقني أيها الرب قبل الوفاة من كل خطيئة، ولا ترفض طلبتي أيها الرب الصالح، ها فمي غير مستحق يهتف إليك، وقلبي غير نقي، ونفسي مدنسة بالخطايا. أستجب لي يارب من أجل صلاحك لأنك لا تطرح وسيلة التائبين بالحقيقة.
أما توبتي أنا فغير نقية بل مفسودة، لأني أتوب ساعة وأخطئ وأسخطك ساعتين، وطد قلبي بمخافتك، أقم رجلي على صخرة التوبة، ليغلب صلاحك الرذيلة التي فيَّ.
يا من فتحت عيون العميان، أفتح عيني ذهني المظلمتين، يا من طهرت البرص بكلمة، طهر أدناس نفسي، لتصر يارب نعمتك فيَّ كالنار تحرق الأفكار النجسة التي فيَّ لأنك أنت هو النور الذي يفوق كل سرور، الراحة التي تسموا على كل راحة، الحياة الحقيقية، الخلاص الباقي إلى الأبد.
لك وحدك أجثو ساجداً متضرعاً، أنا المستوجب كل عذاب، أنا المستحق كل عقاب.
إليك أيها الفادي أبتهل متوسلاً ألا يدركني المضاد في الانقضاء، لكن أنت بما أنك صالح وغير حقود ورحوم، انْهض أعضائي التي هشمتها الخطيئة، أضئ قلبي الذي أظلمته الشهوة الخبيثة.
ونجني من كل عمل خبيث، وألمع فيَّ يارب يسوع المسيح مخلص العالم محبتك الكاملة، وأكتب اسم عبدك في سفر الحياة، وأهب لي نِهاية صالحة، لكي ما أرفع راية الظفر، وأسجد بلا خجل أمام عرش ملكك مع كافة القديسين. إنه بك يليق المجد إلى الدهور. آمين.
فأطلب إليكم يا إخوتي الأحباء، المختارين من اللـه، أن تطلبوا من أجلي أنا الخاطئ إلى اللـه، كما طلب الرسل من أجل الكنعانية، لأنكم أنتم المستحقون أن تشفعوا فيَّ أنا الغير مستحق، أيها المكرمون اسألوا فيَّ أنا الحقير لكي ما تدخل طلبتي في جملة طلباتكم المقبولة قدام اللـه.
لأنه يليق بك العز والعظمة والمجد الآن ودائماً
وإلى كافة الدهور. آمين.
مقالات مار إفرآم السريانى

عدد الزيارات 430

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل