المقالة الحادية والعشرون في ورود ربنا يسوع المسيح الثاني

12 ديسمبر 2020
Large image

يا بني النور تقدموا وهلموا، وأسمعوا صوت مخلصنا، الصوت المغبوط المبارك الهاتف إليكم: ” تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم ملك السماوات “.
فأحذروا يا إخوتي أن يعدم أحدكم هذا الميراث السعيد، فإنه ها هو على الأبواب، إن النور نزل إلينا فأنارنا، وأدنانا إليه، وأصعدنا معه، فإذ نزل إلينا، صار من أجلنا مثلنا ليجعلنا مثله.
من لا يموت نزل إلى المائتين ؛ وحين جعلهم غير مائتين، أرتقى إلى الآب، وسيجيء بمجد أبية المبارك يدين الأحياء والموتى.
صار لنا طريق حياة مملوءة نوراً ومجداً، لنسلك نحن في النور إلى الآب، تعالوا يا أحبائي لنسلك في الطريق التي أوراها لنا الرب، لنصل بسرور إلى مملكته، ولنأخذ زاداً وزيتاً في أوعيتنا، فليست الطريق قصيرة.
فلنشد أحقائنا بالحق، ومثل أناس وعبيد حافظين منتظرين سيدهم، نوقد مصابيحنا، ونستفيق بشهامة، لأننا منتظرون أن نستقبل ربنا من السماوات مقبلاً، فلا نتناعس فيما بعد لئلا تنطفئ مصابيحنا.
ها قد وافى النور، فولى الليل وأتى النهار، يا بني النور بادروا إلى النور أخرجوا بفرح إلى استقبال ربكم.
أروه فضائلكم، أتوا إليه بنسككم، وحميتكم، وسهركم، وأتعابكم، ودموعكم، وهجركم للقنية، لا تضجعوا، لا تعجزوا، لا تنعسوا، لا ترقدوا، ولا ينظر أحد منكم إلى الرذائل التي وراء، بل فليعبد ناظر النفس إلى ذلك الجمال السمائي، ليكن ناظركم فوقاً، متأملاً ذلك الجمال والسرور، يا وارثي الآب ومساهمي ميراث ابن اللـه الحي.
إن هذه النعم قد وهبها اللـه لنا فبماذا نكافئه، هلموا فلنطرح عنا كل اعتناء واهتمام هذا الدهر، ولنخدمه وحده بحرص عظيم ونشاط جزيل، فها يومه بالحقيقة قرب، ووروده بتأكيد حان.
هلموا إذاً يا إخوتي، فلنعد ذاتنا، ونتيقظ منتظرين ربنا الختن السمائي الذي لا يموت، فإنه ها يشرق، ها يبلغ، لأن تلك الصرخة تصير بغتة، ها الختن وارد فأخرجوا إلى استقباله يا معشر الذين أحببتموه وأعددتم ذاتكم لمعاينته في مجده، لأن كافة الذين اشتاقوا إليه يفرحهم في حجلته الأبدية المنيرة البهية التي لا توصف.
فأحذروا يا إخوتي إذا صار ذلك أن يوجد أحدكم ماسكاً مصباحه مظلماً لا زيت فيه، أو لابساً أطماراً بالية متسخة فيدان، ويحكم عليه بالظلمة البرانية، وبذلك العقاب الدهرى الذي لا يفنى، حيث البكاء وتقعقع الأسنان.
فلنحذر ذاتنا يا أحبائي، فإننا لا نعلم متى يجئ ربنا، لأنه كالسارق في الليل، ومثل الفخ يوافي ذلك اليوم، وكبرق حاد هكذا يكون حضور الرب.
لأن البوق يضرب، فتتزعزع الأرض من أساساتِها، وترتعد السماوات مع قواتِها، والموتى يقومون كلهم.
يا أحبائي من لا يلومه قلبه في تلك الساعة، ابسطوا عذر ضعفي فإنني أظن أن كل نسمة ترتعد في تلك الساعة، لكن نعمة اللـه تقوي وتفرح قلوب الصديقين، فيختطفون في السحب إلى استقباله، أما المضجعون والعاجزون الذين يشبهوني فيلبثون على الأرض مرتعدين.
فلنخفف ذاتنا يا إخوتي من الأرض قليلاً، لنرتقي بسهولة إلى السماء، ماذا ينفعنا العالم الذي قيدنا بِهمومه ؟ أم ماذا نربح من تزيين الثياب سوى نار لا تطفأ، أو ماذا تسبب لنا تطييب ألوان الأغذية سوى تعذيب أبدي؟
اعرفوا بتأكيد أننا إن لم نجاهد في هذا الزمان القصير، فإننا نزمع هناك أن نندم إلى أبد الدهر.
يا إخوتي لِمَ نتوانى ولِمَ نضجع، لماذا لا نغذي أنفسنا ؟ لأن يوم الرب أقترب منا، لِمَ لا نطرح عنا كل اهتمام غير نافع ونخفف ذاتنا من ثقل الأمور الأرضية.
أما قد عرفتم أن الباب ضيق وضاغط، ولا يستطيع الجزيل القنية أن يدخل فيه، وهو إنما يحب الذين لا قنية لهم، الذين قد ضيقوا على ذاتِهم باختيارهم بالنسك والتعب، والذين أعدوا ذاتَهم لمعاينة الختن السمائي الباقي في مجده، ويورثهم ملك السماوات. لأن ها يصوت ربنا قائلاً: أسرعوا إحضاركم، وتعالوا إليَّ، وليتكاثر عددكم فيَّ وفي خدر ربكم، ولتتعاظم صفوفكم مع الملائكة والقديسين في الضياء.
فأنتم يا أولادي لا تقتنوا على الأرض شيئاً، ولا تَهتموا بشىء، لأن الختن مستعد للمجيء في سحب السماء بمجد أبيه المبارك، يدعو كل واحد منكم باسمه، ويتكئه في طغمة القديسين المتصرفين في النور الذي لا يوصف في الحياة الأبدية التي لا تبلى ولا تنفذ نظير أعماله وأتعابه.
فلنحرص يا إخوتي، فلنحرص في هذا الزمان اليسير، ولا نضجع هنا لئلا نندب إلى الدهور التي لا نَهاية لها، حيث لا تنفع الدموع والزفرات، حيث لا توبة، إن حرصكم يسر به الملائكة ورؤساء الملائكة، وونيتكم يفرح بِها العدو، احرصوا يا سروري، احرصوا أن أسر أنا بكم، وأنتم بي إلى الدهر.
لك أجثو ساجداً أيها الرب يسوع المسيح ابن اللـه الحي، أعطني ولكافة الذين يحبونك أن نعاينك بمجد في ملكك، ونرثه مع كافة الذين يحبوك وتاقوا إليك.
يا أحبائي إن توانينا وأضجعنا في هذا الزمان اليسير، فلا تكون لنا دالة في ذلك اليوم المخوف، لأننا لا نجد حجة عن خطايانا، لأنه منذ أنحدر إلينا ربنا ومخلصنا أنتزع كل حجة لأنه وهب لنا حين جاء الحياة الأبدية.
كنا أعداء صالحنا، أرضيين فصرنا سماويين، مائتين فدعينا غير مائتين، بني الظلمة فصرنا بني النور، مستأسرين ففدينا، عبيداً للخطية فحررنا، مساكين فأغنينا، ضائعين فوجدنا، ممقوتين فأحببنا.
ظالمين فزكينا، غير مرحومين فرحمنا، خطاة فخلصنا، ترباً ورماداً فصرنا بنيناً للـه، عراة فسترنا، وصرنا وارثين للـه، ونظير ابنه في ميراث هذه النعم، قد وهبها لنا ربنا فبماذا نكافئه ؟
يا أحبائي هلموا فلنطرح عن ذاتنا كل اعتناء واهتمام هذا العالم الباطل، ونخدمه بحرص عظيم ونشاط كبير وحده، فها يومه حان بالحقيقة، ووروده دنا منا بتأكيد.
تعالوا فلنعد ذاتنا ونتيقظ منتظرين ربنا الختن الذي لا يموت كأنه أشرق وتلألأ وأقبل، تناهى الليل والنهار أقبل.
يا بني النور بادروا إلى النور، أخرجوا إلى استقباله بفرح، أروه فضائلكم، قدموا له نسككم ومسككم، سهركم وأتعابكم، دموعكم وزهدكم، لا تضجعوا، لا تعجزوا، لا تنعسوا، لا ترقدوا.
لا ينظر أحدكم إلى الوراء بل ناظر نفسكم فليكن إلى العلا ناظراً، إلى ذلك الجمال السمائي، ليكن ناظرك فوقاً متأملاً ذلك الفرح الذي لا يفنى، الذي لا تشبع منه نفوسكم من معاينة مجده وبَهائه وحسنه.
من يجع فليصبر، لأن ها مائدة الملكوت تنتظره. من يعطش فليثبت، فها نعيم الفردوس أستعد له. من يسهر ويصلي ويرتل ويبكِ فليتأيد، فإن سرور حجلة ربه تعزيه.
فإذ قد عرفنا هذه كلها يا إخوتي فلا نقتني على الأرض شيئاً، لأن كل أحد منكم في ذلك اليوم سيرى أية فضيلة قد أقتناها من هنا أو أي أتعاب أحتملها، أو أي نسك أو أي سهر أظهره.
أترى إذا أشهر الشهداء جراحات العذاب والعقوبات، والنساك الشجعان نسكهم وحميتهم، وما لهم من الصبر والحزن والزهد، فالمضجعون والعاجزون والمتنزهون بماذا يفتخرون ؟ أبرخاوتِهم وونيتهم وهلاكهم، الويل لهم إذا توانوا، يا للأسف إذا أضجعوا.
تعالوا يا أحبتي، تعالوا نحرص، هلموا نسجد له، ولننح ونبكِ أمامه بجراءة ليعطينا استنارة نفس، فنتفطن حيل عدونا ومعاندنا وماقت الخير، الذي يجعل قدامنا مزلقات ومعاثر ومضرات كثرة الاقتناء، وتنزه هذا الدهر، واللذة البشرية.
وانتظار طول زمان هذه الحياة الحاضرة، وجزعاً من النسك، وعجزاً عن الصلوات، ونوماً في الترتيل، وراحة بشرية.
فبمقدار ما يحرص ذلك نضجع ونتوانى، بقدر ما يمكن ذاك نتهاون نحن، فلنعلم موقنين أن أيامنا قصرت، والوقت قد أزف، ورب المجد سيجيء بحسن بَهائه، وبقوات ملائكته المرهبين، فيجازي كل واحد نظير عمله.
فأخشى يا إخوتي أن يتم فينا قول القائل: أنَهم سيجيئون من المشارق والمغارب، والجنوب والشمال، ويتكئون مع إبراهيم واسحق ويعقوب في ملك السماوات، وأنتم تلقون خارجاً.
إليك أتضرع أيها المسيح نور الحق، وابن الآب المبارك، صورته وشعاع أقنومه، أيها الجالس عن يمين عظمته، أيها الابن الذي لا يُدرك، المسيح الذي لا ينتهي أثره، الإله الذي لا يفحص.
يا فخر وسرور الذين يحبونك، أيها المسيح حياتي، خلصني أنا الخاطئ في ملكك، إن الفاعل المتعوب ينتظر أن يأخذ حقوق أجرته، ويلي فإن لساني يتعب في تلاوة التمجيد، لا تجازيني نظير أعمالي بل خلصني بنعمتك، وترأف عليَّ بتحننك فإنك أنت هو المبارك والممجد إلى الدهور. آمين.
مقالات مار إفرآم السريانى

عدد الزيارات 619

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل