لوم النفس ج2

31 ديسمبر 2020
Large image

6- يقود إلى الإتضاع:-
الذي يلوم نفسه ، يصل إلي الإتضاع وانسحاق القلب ، ولا يكون كبيراً أو باراً في عيني نفسه ، لأنه بلوم لنفسه يدرك نقائصه وضعفاته . الشخص المتضع ، باتضاع يصل إلي لوم النفس . والذي يلوم نفسه ، يصل بذلك إلي الإتضاع .كل واحد من هاتين توصل إلي الأخرى ، لأنهما مراتبطان . إن بدأت بأي منهما يمكن أن تصل إلي الأخرى . وكل واحدة منهما . تكمن الأخرى في داخلها . إذ كيف يمكن لإنسان أن ينتفخ ، أو يفتخر بنفسه ، أو يكون باراً في نظر نفسه ، بينما أخطاؤه ماثلة أمام عينيه ؟! يتذكرها فتنحني نفسه في داخله و المتضع الذي يلوم نفسه ، لا شك يشفق علي غيرة أنه يدرك تماماً ضعف النفس البشرية أما هجمات الشيطان وحيله ودهائه وإغراءاته ، لذلك فإنه يعذر كل من يسقط ، ولا يقسو عليه مطلقاً في أحكامه ، متذكراً قول القديس بولس الرسول " اذكروا المقيدين ، كأنكم مقيدون معهم " " اذكروا المذلين كأنكم أنتم أيضاً في الجسد "( عب 13: 3) . من أجمل الأمور في الحياة الروحية ، أنك تكون شديداً علي نفسك ، تلومها في كل خطأ . وعلي العكس من الناحية الأخرى ، تكون شفوفاً علي المخطئين ، تحاول أن تعذرهم بقدر ما تستطيع ... وكما يقود لوم النفس إلي الإتضاع ، يقود أيضاً إلي الدموع ...
7- يقود إلى الدموع:-
لذي يتذكر خطاياه ، ويحزن عليها ، ويبكت نفسه عليها ، يؤهل لموهبة الدموع . والدموع تغسل نفسه من كل خطية ، وتجعله منسحق القلب . قريباً إلي الله . أما الذي لا يلوم نفسه ، فعيناه باستمرار جافتان ، مع قسوة في القلب ... المرأة الخاطئة ، في تذكرها لخطاياها ، بللت قدمي الرب بدموعها في بيت الفريسي . وكانت دموعها مقبوله أمام الله ، فنالت المغفرة ... ونحن نتذكر دموع هذه المرأة في صلاة نصف الليل ، فيصرخ القلب قائلاً " أعطني يارب ينابيع دموع كثيرة ، كما أعطيت في القديم للمرأة الخاطئة .." ( لو 7: 38) . من فوائد لوم النفس ، أنه يؤدي إلي التوبة ، وإلي الإتضاع والانسحاق و الدموع . كذلك هو يؤدي إلي الصلح و السلام مع الناس .
8- الصلح والسلام مع الناس:-
الذي يلوم نفسه يمكنه أن يعيش في سلام دائم مع الناس .حتي إن حدث خلاف ، فبلوم النفس يسهل أن يتم الصلح . إن الخصومة تشتد ، حينما يصر كل من الطرفين علي موقفه، ويبرر نفسه مدعياً أن الحق في جانبه ، وأن الجانب الأخر هو المخطئ . أما إن سلك أحدهم باتضاع ، وأتي بالملامة علي نفسه في هذه الخصومة ، حينئذ ما أسهل ان يتم الصلح ... فالخصم لا يحتمل أن يسمع منك عبارة " حقك علي . وأنا غلطان "أو قولك له " أنا آسف جداً ، لأني آلمتك أو أحزنتك " ( ... وكما قال الحكيم" أن " الجواب اللين يصرف الغضب "( أم 15: 6) . إن كثيراً من الذين يعاتبونك ، أو غالبية الذين يعاتبونك ، أو كل الذين يعاتبونك ، إنما يريدون أن يسمعوا منك كلمة واحدة ، تلوم بها نفسك ، وتعطيهم الحق ، فينتهي الموضوع عند هذا الحد . وإلا فإن تبرير النفس يقود إلي العناد . والعناد يشعل الخصومات .
إن الذي يلوم نفسه ، لا يعاند ، ولا يقاوم ، ولا يخاصم ، ولا يجادل كثيرا ، ولا يرد علي الكلمة بمثلها أو بما هو أقسى ... إنما يسلك مسالماً للناس ، مراضياً لخصمه مادام معه في الطريق ... ( مت 5: 25) . إن شيطان الغضب ، وشيطان الخصومة ، شيطان العناد ، وشيطان الكبرياء ، كل أولئك يقفون في حيرة كل الحيرة أمام الشخص الذي عنده فضيله لوم النفس ، لا يعرفون كيف ينتصرون عليه . بل هم يصرون علي أسنانهم في غيظ ، مهزومين أمام هذا الذي لا يبرر نفسه أبداً ، ولا يغضب من أحد ولا يخاصم ولا صيح ، وبالجواب اللين و الكلمة الطيبة ، وجلب الملامة علي نفسه يحل كل خصومة ، ويصرف كل غضب إنه يعيش وديعاً هادئاً مسالماً ، يحبه الكل فهو لا ينازع أحداً ، ولا يسمح لنفسه أن يغضب من احد ، مهما كان الحق في جانبه ، لأنه يلوم نفسه قائلاً : إن غضبت من هذا الإنسان وثرت عليه ، أكون قد فقدت فضيلة الوداعة ، وفقدت الاحتمال الحب وفضيلة السلام مع الناس ... وأكون بهذا مخطئاً .وهكذا يلوم نفسه لا علي أخطاء أرتكبها ، إنما علي أخطاء يحذر نفسه الوقوع فيها وبهذا يكون حريصاً ومحترساً ، وتتقدم نفسه نحو الكمال . وهذه فائده أخري من فوائد لوم النفس فإنه :
9- يفتح أبواب الكمال والنمو:-
لوم النفس يساعد علي التقدم في الحياة الروحية . لأن كل شئ يلوم الإنسان نفسه عليه يحاول أن يتخلص منه ، ويتنقى منه ، وهكذا يتقدم في حياته الروحية وينمو .كذلك يلوم نفسه في فضائلة ، مقارناً إياها بمستويات أعلي .كل فضيله يمارسها ، بدلاً منه ... نراه يقارن حالته بما وصل إليه القديسون في هذه الفضيلة ، فيري أنه لا شئ إلي جوارهم ، وأن كل ما فعله تافه وبسيط ، ولا يقاس بتلك القمم العالية ... فيلوم نفسه ويدفعها إلي قدام نحو الكمال ، فينمو ... وهكذا كان يفعل القديس بولس الرسول إذ يقول : ليس إني نلت أو صرت كاملاً ولكني أسمع لعلي أرك ... أيها الأخوة أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت ، ولكني أفعل شيئاً واحداً ...ونسأله ما هو ؟ فيجيب أنسي ما هو وراء ، وأمتد إلي ما هو قدام ( في 3: 12، 13) لا يقصد أنه ينسي الخطايا التي في الماضي ، فقد كان يذكر دائماً أنه كان مضطهداً للكنيسة ... إنما هو ينسي كل الفضائل التي أتقنها من قبل ، لكي يمتد إلي ما هو قدام ، ساعياً نحو الغرض . وفي كل فضائله كان يلوم نفسه بعبارة " لست أحسب نفسي أني قد أدركت ".لهذا السبب ، كانا القديسون يعترفون بأنهم خطاة .حقيقة واضحة ندركها كلما تأملنا في بستان الرهبان ، أو سير القديسين ، أو صلواتهم : يعترفون باستمرار أنهم خطاة ، بل ويبكون علي خطاياهم ... ونسأل أنفسنا ماذا كانت خطايا القديسين ، وهم في ذلك السمو ؟ إنها ليست فقط خطايا الماضي التي غفرها الرب لهم ::: إنما بالأكثر ، نظرهم إلي الفارق الكبير الذي بينهم وبين الكمال المطلوب ، فيقول كل منهم مع الرسول لست أحسب نفسي أني قد أدركت ( في 3: 13) وهكذا بلوم النفس علي حالتها ، كان القديسون يمتدون نحو الكمال أما الذي لا يلوم نفسه ، أو يرضي بحالته التي هو فيها ، فإنه قد يعيش جامداً مجمداً في الوضع الذي هو فيه ، لا يتحرك منه إلي قدام ... لا يفكر في وضع افضل ، ولا يسعي إلي درجة أعلي ،لأنه راض عن نفسه بما قد وصل إلية ... ! مثل الذي استقر علي مجموعة من المزامير يصليها ، وانتهي به الأمر عند هذا الحد دون ان يفكر في إضافة شئ ، ودون أن يفكر في عمق الصلاة ، وحرارتها وما يمتزج بها من حب وإيمان وأتضاع ... والامتداد علي يعمق صلته بالله أكثر ...!
ليتنا فى آخر هذا العام
أجلس إلي ذواتنا ، ونفكر في خطايانا ، ونلوم أنفسنا علي عيوبنا ونقائصنا ، ونقارن ما وصلنا إليه بالمستويات العليا التي وصل إليها القديسون ... ولا نعذر أنفسنا مهما كانت الظروف ، بل نبعد عن تبرير الذات ، لأن هذا لا يرضي الله ، ولا ينقينا ، ولا يقودنا إلي التوبة ... وفي كل ذلك نربط لوم النفس بفضيلة هامة جداً وهي :
10- الحكمة والافراز:-
ينبغي أن يرتبط لوم النفس بالحكمة والإفراز فلا يكون مجرد لوم ظاهري بعيد عن الاقتناع الداخلي ، لأن هذه الفضيلة ليست مجرد لسان ، إنما هي فضيلة قلب . كذلك ينبغي ألا يقودنا لوم النفس إلي اليأس و التعب النفسي ، إنما في كل لومنا لأنفسنا نحرص علي هذا أن يكون لوم النفس ، ممزوجاً بالرجاء
نلوم أنفسنا علي أخطائها ، ونحن مملوءون رجاء في التخلص من هذه الأخطاء . ونلوم أنفسنا علي ضعفها ولنا ملء الرجاء في قوة الله العاملة معنا المعينة لضعفنا ونلوم أنفسنا علي ضعف مستوانا ، ولكن في رجاء " نمتد إلي قدام " نقول " لست أحسب أني قد أدركت "، وفي فمنا أيضاً عبارة الرسول " ولكني اسعي نحو الغرض اسعي لعلي أدرك " نلوم أنفسنا لأننا سقطنا . ولكن يقول كل منا
أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني ( في 4: 13) إذن قف في ختام هذا العام لكي تعد خطاياك أمام الله ، وتبكت نفسك عليها أمامه ، وتطلب عنها مغفرة ...وفي ليلة رأس السنة ، وكلما نقول " يارب أرحم " عدداً من المرات في كل مرة أذكر خطية من خطاياك ، في ندم عليها ، طالباً العشار فتبرر قل ذلك في انسحاق قلب ، وليس في روتينية أو شكلية . وأذكر العابرة التي قالها القديس الأنبا أنطونيوس الكبير "أن ذكرنا خطايانا ، ينساها لنا الله وإن نسينا خطايانا ، يذكرها لنا الله" أذكرها جميعاً إذن ، وأطلب من الله قوة ، حتي تنتصر عليها في المستقبل . وفي لوم لنفسك أذكر أيضاً إحسانات الله إليك ، واشكره .
وأبدأ العام بالشكر:-
مجرد أن الله أعطاك عاماً جديداً ، أمر يستحق ان تشكره عليه ، لأنه أعطاك فرصة للتوبة ، أو لتحسين مستواك الروحي والاهتمام بأبديتك في بداية العام أيضاً ، أذكر إحسانات الله إليك تذكرها جميعاً واحدة ، واشكر الله عليها . وأذكر مزمور الشكر ( مز 103) الذي قال فيه داود النبي " باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل إحساناته ". وتأمل أيضاً في عبارات صلاة الشكر ولا تشكر فقط علي إحسانات الله إليك في العام الماضي ، إنما ايضاً في كل أيام حياتك . وكذلك إحساناته إلي أحبائك (1) له المجد إلي الأبد آمين
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كيف نبدأ عاما ً جديداً

عدد الزيارات 502

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل