القديس أنطونيوس جاهد وأنتصر

24 يناير 2021
Large image

لم يمتلئ بالروح القدس وهو فى بطن أمه ، كالقديس يوحنا المعمدان . ولكنه ولد كشاب عادى ، من أسرة غنية. وكان المنتظر لمثله أن يرث أباه فى غناه وسلطته، وأن يتزوج، ويعيش سعيدا فى ظل الغنى والعظمة، ويكون ناجحا فى حياته وكل الإمكانيات متوفرة.
ولكن الأنبا أنطونيوس جاهد لا لكى يستفيد من هذه الإمكانيات ، وإنما لكى ينحل منها جميعا . وكيف كان هذا؟
1 ــ نجح فى اختبار "ما أعسر أن يدخل غنى إلى ملكوت الله "( مت19: 23). قال السيد المسيح هذا ، أما الأنبا أنطونيوس ، فأجابه: لا تحسبني يارب من هؤلاء الأغنياء .أنني حسب وصيتك سأبيع كل مالي وأعطيه للفقراء وأتبعك فقيرا والشاب الغنى أنطونيوس دخل الملكوت ، وأدخل الآلاف معه حقا كان يملك المال ، ولكن المال لم يكن يملكه كان هو السيد على المال ، يصرفه كيفما شاء. ولم يسمح للمال أن يكون سيدا، يقوده فى مسالك أخرى ولأن المال لم يملك قلبه، استطاع أن يتركه ويوزعه، ويمضى إلى الملكوت بدونه. وحينما كان الشياطين ينثرون الذهب أمامه على الرمل ، ما كان يهتم به. كان كالحصى فى نظره. وفقد المال قيمته فى قلب الأنبا أنطونيوس ،لآن قلبه كان منشغلا بما هو أثمن وأهم أذن المال فى حد ذاته ليس هو الخطورة، وأنما الخطورة تكمن فى محبة المال ، والتعلق به والسعى وراءه ، والاتكال عليه، والافتخار به.
2 ـــ وكما أنتصر الأنبا أنطونيوس على محبة المال ، أنتصر أيضا على محبة الجاه والسلطة ، فلم يهتم بأن يكون له مركز أبيه.
3 ـــ بل أنتصر على محبة العالم كله. ونفذ وصية:" لا تحبوا العالم والأشياء التى فى العالم ، لأن العالم يبيد وشهوته معه "وصار الأنبا أنطونيوس قلبا نقيا خالصا، وليس فيه شئ من شهوة المادة والجسد والملاذ الدنيوية المتنوعة كان قلبا مات تماما عن العالم وكل ما فيه.
4 ــ وكما انتصر فى كل هذه الميادين، أنتصر على محبته لأخته أيضا، ونجح فى تدبير مسئوليته من جهتها كان يمكنه أن يقول : ماذا أفعل ؟ أنا أريد الرب ، ولكن ظروفي العائلية لا تساعدني ، وأنا مسئول عنها ..؟كان يحب أخته، ولكن كان يحب الرب أكثر من أخته ،لذلك أمكنه أن ينتصر . وأودع أخته فى أحد بيوت العذارى، وشق طريقة نحو الله ، منتصرا على هذه العقبة.
5 ــ وفى أول جهاده، حاربه الشياطين بشكوك عديدة، فانتصر عليها .
شكوك من جهة صحة الطريق ذاته، وإمكان استخدام المال فى أعمال الخير تحت إدارته وتصرفه وهكذا يوقعونه فى التردد . ويحولونه من حياة الصلاة والتأمل إلى حياة الخدمة شكوك أخرى من جهة أخته ومدى اطمئنانه عليها شكوك ثالثة من جهة نجاحه فى هذا الطريق ، وقدرته على الاستمرار فيه…. وشكوك عديدة أخرى لا حصر لها ولكن قلبه كان راسخا ، لم يتزعزع إطلاقا أمام الشكوك .
6 ــ صادفت الأنبا أنطونيوس عقبة أخرى هي الإرشاد، فانتصر عليها:
عاش وحيدا، بلا مرشد، بلا أب اعتراف ، بلا كنيسة ، بلا معونة من أحد. ولكنه انتصر على هذا كله أيضا أخذ أولا من النساك الذين إلى حافة القرية. ولما دخل إلى الجبل، بدأ يأخذ من الله مباشرة . وأعطانا درسا أنه حيثما لا توجد معونات بشرية ، فإن المعونة الإلهية لا تتخلى.
ومنح الله لهذا القديس إفرازا وفهما روحيا وحكمة لم تكن للذين تمتعوا بإرشاد من البشر.
7 ــ ثم دخل الأنبا أنطونيوس فى حرب أخرى وانتصر فيها ، وهى حرب الرعب والخوف ، فى البرية القفرة المنعزلة لما وجد الشياطين أن المال والعظمة لا تهمه، وأن الأفكار والشكوك لا تزعزعه ، وأن الشهوات لا تغلبه بدأوا معه حربا عنيفة لإخافته. فكانوا يظهرون له فى هيئة وحوش كثيرة، لها أصوات مخيفة عالية ، تهجم عليه بقصد افتراسه. ولكن قلبه ما كان يخاف بل أنتصر على هذه المخاوف بوسائل ثلاث : الإتضاع، والفهم، والصلاة:
بالإتضاع كان يقول لهم :[ أيها الأقوياء، ماذا تريدون منى أنا الضعيف أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم]. وكان يصلى قائلا :[ أنقذني يارب من هؤلاء الذين يظنون أنني شئ ، وأنا تراب ورماد ]. فلما كانوا يسمعون هذه الصلاة المملوءة إتضاعا ، كنوا ينقشعون كالدخان ومن جهة الفهم ، كان يقول :[ أنني أعجب لتجمهوركم على بهذه الكثرة. ولو كنتم أقوياء حقا . لكان واحد منكم يكفى ] وهكذا بالإيمان أيقن من ضعف الشياطين ، وكان هذا الإيمان يخزيهم فيمشون وقد استعملوا معه طرق الإيذاء والضرب ، وبخاصة حينما كان ساكنا فى مقبرة، ولكنه صمد وكان يصلى مزمور "الرب نوري وخلاصي ممن أخاف، الرب عاضد حياتي ممن أرتعب ؟! إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي. وإن قام على القتال ، ففي هذا أنا مطمئن " مكان فى أيمان عميق يقول لمهاجميه:[ إن كان الله قد أعطاكم سلطانا على، فمن أنا حتى أقاوم الله ؟! وإن كان الله لم يعطكم سلطانا على ، فان يستطيع واحد منكم أن يؤذيني ] وهكذا عاش الأنبا أنطونيوس فى حياة الإيمان، لا يخاف وفى كل مرة ينتصر، كان يزداد أيمانه، وينتزع منه الخوف بالأكثر، إلى أن زال منه الخوف تماما . وقال أيضا:[أنا لا أخاف الله ،لآني أحب الله].
هذا هو رجل الجبال ، جبار البرية الذي لا يخاف ، حتى من الوحوش المفترسة، وحتى من الشياطين وبخبرته الروحية، استطاع فيما بعد أن يجمع تلاميذه، ويلقى عليهم كلمة عميقة عن ضعف الشياطين وعدم الخوف منهم. وقد سجل لنا القديس أثناسيوس الرسولى هذه الكلمة فى كتابه عن حياة الأنبا أنطونيوس وفى انتصار الأنبا أنطونيوس وعدم خوفه، ظل محتفظا بتواضعه.يشعر بضعفه، يصرخ إلى الله ، فينقذه الله بقوته الأهيه.قال الأنبا أنطونيوس:[ فى إحدى المرات أبصرت فخاخ الشيطان مبسوطة على الأرض كلها . فقلت يارب من يفلت منها ؟ فأجابني الصوت قائلا :" المتواضعون يفلتون منها"].
8 ــ ولعل من مظاهر التواضع العملي فى حياة الأنبا أنطونيوس ،وعدم التشبث بفكره ، أنه كان يخطع لفكر الآخرين أحيانا.ولا شك أن فى انتصار من الإنسان على نفسه وسنضرب لهذا الآمر فى حياة قديسنا عدة أمثلة:
أ- إنه أقتنع بحياة الوحدة ومارسها، وعاش 30 سنة مغلقا على نفسه لا يرى وجه إنسان وأخيرا أزدحم الناس على بابه ، مصرين أن يفتح لهم ، وأن يصير لهم مرشدا . وكان ممكنا لهذا القديس أن يهرب من هؤلاء، حتى لو فتح لهم، وأن يتمسك بحياة الوحدة الكاملة التى أرادها لنفسه . ولكنه خضع لهم وتحول من متوحد بالمعنى الكامل إلى متوحد ومعلم للوحدة . واضطر أيضا أن يفتح بابه لكثير من الزائرين. وغير شيئا من أسلوب حياته. لأجل الناس . وقبل الوضع الذي أراده له، وتنازل عما أراده لنفسه.
ب- فى اعتقاده أن الرهبنة موت عن العالم، وبعد عن العالم ، وحياة وحدة فى البرية. ولكن لما طلب اليه الآباء الأساقفة أن ينزل ليعلن رأيه فى الأريوسية ، خضع لهم ، ونزل إلى الإسكندرية، وسط جماهير الشعب ، وقضى هناك ثلاثة أيام ، أكمل فيها الرسالة المطلوبة منه، ثم عاد ملتمسا ديره كان من النوع المطيع ( المهاود) ،على الرغم من نزوله وقتذاك كان من حوالي المائة من عمره
ج- ونزل قبل ذلك أيام الاستشهاد، وكان يذهب إلى حيث محاكمة الشهداء وتعذيبهم ، ويشجعهم ويقويهم فى تواضعه، انتصر على التطرف ،وعلى التحجر والجمود عند فكر معين . أعطاه التواضع مرونة وسهولة فى التعامل
9 ــ وإنتصاره على التطرف ، جعله معتدلا فى حياته، يسير بإفراز وحكمة، سواء مع الناس ،أو مع نفسه أيضا .
أ‌- قال عنه القديس الأنبا أثناسيوس، إنه لما خرج من وحدته وحبسه لمقابلة الناس ، ما كان نحيفا جدا بسبب النسك ، ولا كان بديلا مترهلا بسبب قلة الحركة فى حبسه. إنما كان معتدلا فى قامته، لأنه كان يسلك فى وحدته باعتدال وعدم تطرف .
ب‌- وظل الإفراز من أولى الفضائل التى يحبها ،حتى أنهم حينما سألوه عن أهم الفضائل ،قال لهم الإفراز،آي الفهم والتميز والحكمة فى التصرف وقال أنه هناك من صاموا وصلوا وسكنوا البرية، وهلكوا ،لأنهم تصرفوا بغير إفرازأما هذا القديس فقد كان يسلك بفهم واتزان وحكمة وتمييز، بعكس الرهبان الذين يتطرفون فى آي قانون من قوانين الرهبنة، حتى يخرجهم تطرفهم ليس فقط عن مبادئ الحياة الرهبانية ،إنما أيضا عن مبادئ السلوك الروحي عموما
ج- وفى انتصاره على التطرف ، انتصر على التزمت أيضا:
ولذلك كان بشوشا باستمرار، وجهه يفيض بالسلام على الآخرين، فاشتهى تلاميذه مجرد النظر إلى وجهه. وكان كل من ينظر إلى وجهه يمتلئ بالسلام. وهكذا أنتصر القديس أنطونيوس على حرب الكآبة التى يقع فيها رهبان كثيرون، ولا يوجدون أمامهم فى الكتاب المقدس سوى عبارة:"بكآبة الوجه يصلح القلب " ناسين الآيات التى تقول:" أفرحوا فى الرب كل حين "،"فرحين فى الرجاء"… فحياتهم فى الرهبنة كلها عبوسة…!
أما الأنبا أنطونيوس ، فلم يكن هكذا . كان بشوشا ولطيفا. ومع ذلك فيه كل فضائل الرهبنة. يحيا فى وحدة وفى صمت. وإذا ألتقي بالناس ، يلتقي بهم فى سلام وحب، يعطى فكرة عن المتدين السعيد بتدينه، الذي تنظر إلى وجهه فتتعلم الهدوء والسلام والبشاشة والطمأنينة واللطف.كان صاحب وجه مريح…
مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب تأملات فى حياة القديس أنطونيوس

عدد الزيارات 519

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل