القديس أنطونيوس ومحبته لله

29 يناير 2021
Large image

لما ملكت محبة الله على قلب القديس أنطونيوس ، أنتزع الخوف تماما من قلبه حتى من الله نفسه، ما عاد يخاف واستطاع أن يقول لتلاميذه ، تلك العبارة المشهورة عنه[ يا أولادي ، أنا لا أخاف الله] فلما تعجبوا قائلين[ هذا الكلام صعب يا أبانا ] أجابهم[ ذلك لأنني أحبه. والمحبة تطرح الخوف إلى خارج] ( 1يو 4: 18) حقا أن الحياة الروحية يمكن أن تبدأ بمخافة الله ، كما قال الكتاب " بدء الحكمة مخافة الله "(أم9: 10) وبالمخافة ينفذ الإنسان الوصايا ولكنه إذ يمارس الحياة الروحية ، يجد فيها لذة ومتعة، فتزول المخافة ويبقى الحب وكلما نما الإنسان فى محبته لله ولوصاياه، حينئذ " المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى الخارج" والقديس الأنبا أنطونيوس ، عاش فى هذه المحبة : بدأ بها ، فدفعته إلى الوحدة ثم نما فيها ، حتى وصل إلى قممها لولا محبته لله ، ما استطاع أن يحيا فى الوحدة فمحبة الله إحدى الصفات الجوهرية التي ينبغي أن يتميز بها من يطلب الوحدة . وكما نقول فى صلاة القسمة عن آبائنا السواح والمتوحدين " وسكنوا فى الجبال والبراري وشقوق الأرض ، من أجل عظم محبتهم للملك المسيح"هذه المحبة هي التي دفعتهم إلى سكنى الجبال ، لكي يتفرغوا لعشرة الرب الذى أحبوه من أجل هذه المحبة ، ترك القديس كل شئ ، لأن الله عنده هو أثمن وأغلى من كل شئ ، ومن كل أحد . ولأن محبة الله تشجع القلب ، فلا يحتاج إلى محبة أخرى تسنده أو تعزيه محبة الله هي الدافع إلى الوحدة ، وهي الدافع إلى الصلاة أحب القديس الله . ومن محبته له أنفرد به ، وأصبح لا يستطيع أن يفارقه ، ولا يستطيع أن ينشغل عنه بشخص أخر . وكما قال الشيخ الروحاني فى ذلك [ محبة الله غربتني عن البشر وعن البشريات]. ومن محبته له ، وجد متعه روحية فى مخاطبته والتحدث إليه ، كما يقول داود النبي " محبوب هو أسمك يا رب ، فهو طول النهار تلاوتي "، وكما نقول فى التسبحة" أسمك حلو ومبارك ، فى أفواه قديسيك" أن عمق الرهبنة هو فى معناها الإيجابي الالتصاق بالله . أما معناها السلبي : البعد عن العالم، فهو مجرد وسيلة ما أحلى قول داود النبي " أما أنا فخير لي الالتصاق بالرب "( مز73). وكيف يلتصق الإنسان بالرب ، أن كان بكل مشاعره وفكره منشغلا بالعالم وما فيه؟!ومحبة الله ، كما قادت للوحدة والصلاة ، قادت إلى الزهد لأن الشخص الذى يذوق الله وحلاوة محبته ، يبدو كل شئ آخر تافها أمامه . وأمام حلاوة الله ، يفقد كل شئ آخر قيمته ، ويصبح باطلا وقبض الريح. وكما قال بولس الرسول " خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لأربح المسيح" (فى 3) . وهنا نجد الزهد ليس مجرد عمل تغصب ، يغصب فيه الإنسان نفسه على ترك مقتنيات العالم وملاذه من أجل الله ، إنما هو اقتناع عميق بتفاهة كل شئ . وهذا الاقتناع نتيجة لمحبة القلب لله وهكذا يرى الإنسان أن كل متع العالم لا تشبعه، فيزهدها ، لأن قلبه قد أنفتح على محبة أكبر ، وأعمق ، وأسمى ، هي محبة الله ، التي تضاءل أمامها كل شئ آخر . ومن الناحية المضادة، إن ملكت محبة العالم على قلب إنسان ، نزعت منه محبة الله ، ولذلك يقول الرسول أن " محبة العالم عداوة الله "ونحن نسأل أنفسنا كيف استطاع القديس أنطونيوس ، أن يسكن وحده فى تلك المغارة البعيدة؟ وكيف أحتمل البعد عن كل عزاء بشري ؟ وكيف وجد شعبة فى الوحدة ؟
الجواب هو أنه كان شبعانا بمحبة الله ، فلم يعوزه شئ الوحدة بالنسبة إليه ، لم تكن وحدة مطلقا ، وإنما كانت فى حقيقتها عشرة مع الله ، ومع ملائكته عشرة ألذ من عشرة البشر ، ومن المجتمعات البشرية.وعشرته مع الله جعلت المحبة تنمو فى قلبه ، فحينما كان يلتقي بالناس ، كان يلتقي بهم فى حب. وكانت معاملاته لتلاميذه مشبعة بروح الإتضاع والود ، من ثمار الحب الذى فيه وهكذا لم تكن وحدته انطواء ، وأنما حبا ومع محبته للقديس بولس البسيط ، طلب إليه أن يسكن وحده ، لفائدته الروحية لأنه كان يحبه حبا روحيا ، يدفعه إلى أن ينمى محبة التلميذ لله ، ولو فارقه إنها محبة لا تلصقه به شخصيا ، وأنما تلصقه بالله ، الذى يحب المعلم والتلميذ كليهما معا ، أنطونيوس العظيم وبولس البسيط…
مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب تأملات فى حياة القديس أنطونيوس

عدد الزيارات 545

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل