العمل الذي أعطيتني قد أكملته

19 فبراير 2021
Large image

هكذا قال ربنا يسوع لأبيه الصالح.. لأنّه هو الكامل الذي أكمل كلّ شيء. وهكذا كان حتّى إلى الصليب حيث صرخ قائلاً: :«قَدْ أُكْمِلَ». (يو19: 30) هذا هو الحق الذي يجب أن يكون فينا سواء في خدمتنا أو سائر أعمالنا، لابد أنّنا بنعمته نقول له: «الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ» (يو17: 4). كثيراً ما يجوز علينا الفكر إنّنا قد أنجزنا جزءًا كبيرًا وهذا يكفي، ولكن يظلّ السؤال هل أكملت العمل؟ نقول كلّ شيء على ما يرام، لقد قاربنا النهاية وهذا عظيم إنّ الذين يجرون في السباق إن لم يَصِلوا إلى خط النهاية لا يُعتبَرون شيئًا. حتّى لو كانوا على بعد أمتار قليلة. فَكِّر في الأمر جيّدًا.. ماذا عهد الله إليك مِن عمل؟ ألا تَذكُر قول المسيح في المَثَل حين قال الأب لابنه: «يَا ابْنِي، اذْهَب الْيَوْمَ اعْمَلْ فِي كَرْمِي» (مت21: 28) لقد أرسلَنا الله كلّ واحد إلى عمله، إلى إرساليته.. وحدّد له الزمان والمكان، فوجودنا له غاية عُظمى وإرسالية مُحدّدة. ويجب أن نراجع أنفسنا، ونقول هل أكملتُ العمل؟ هل أقدر أن أقول قد أُكمل؟
ماذا نجاوب ديَّاننا؟ وهَبْ أنّني أدركت أني على وَشَك الخروج من هذا العالم، فهل أنا مستعد أن أعطي جوابًا؟ أم أقول لقد أكملتُ مُعظم العمل ولكنّي كنت أحتاج إلى وقت أكثر إن لم يكتمل العمل فلا يكون له قيمة، تخيل أعمال الفنانين الموهوبين: رسامين أو نحاتين ولم تُكتمل اللوحات أو التماثيل، هل تحوز على إعجاب أو رضى؟ أو طبيب مُعالج يكتفى بجزء من العلاج مهما كان كبيرًا.. هل يَرضى عنه أحد؟ أو قائد سيارة أو طائرة يقول لقد بلغنا تسعين فى المائة من المسافة وهذا يكفي.. هل هذا يُعقل؟!
ما بالك إذن وأعمال الله الموكّلة إلينا؟ الأمر يحتاج إلى جدّيّة وأمانة وصبر كثير، يجب أن نكمل توبتنا التي هي أغلى ما في الوجود، أنصاف الحلول لا تنفع!!
قال أحد الآباء: لو أنّ عصفورًا مربوطًا بعشرين خيطًا، فإن قُطِعَتْ معظم الخيوط، وبَقِيَ واحدٌ فقط، فهل هذا يُطلق العصفور حرًّا؟ إنّ خيطًا واحدًا فقط كفيل بأن يُفقِده حُرّيّته. هكذا إن قدّمنا توبة، وجاهدنا أن نقتلِع جذور الخطايا والآثام، ونُقلِع عن عاداتنا القديمة والأعمال والأقوال الباطلة، ونغير سيرتنا، ونتقدّم في مسيرتنا، كلّ هذا جيّد وممدوح، ولكن إن أبقينا جِذرًا واحدًا، أو تهاوَننا مع صغيرة، فإنّنا سوف نعاني من نموّها ونرتد إلى سيرتنا الأولى لذلك يجب أن نقول: قد أُكمل. وأن يكون جهادنا «حَتَّى الدَّمِ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ» (عب12: 4). أنصاف الحلول أو الرضى بانجاز الجزء الأكبر من العمل هذا لا يُعني الكمال قال القديس بولس: «قَدْ حَفِظْتُ الإِيمَانَ... أَكْمَلْتُ السَّعْيَ» (2تي4: 7). لأنّه كان دائمًا تَوَّاقًا راكضًا نحو الجَعالة، ولم يكتفِ أبدًا بما ناله.. ويقول: «لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً» (في3: 12)، وكان ينسى ما هو وراء ممتدًّا فيما هو قدام.
«إِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا» (رو13: 11).. من الواجب أن تزيدنا الأيام تَقَدُّمًا وجِدّة روحيّة، وأن تكون حواسنا قد تدرّبت على التمييز بسبب طول الزمان، ونكون قد بلغنا زمن الإثمار. فهل هذا هكذا؟!
الكمال يعني الانتهاء من العمل على الوجه الأكمل لا بحسب قياس الناس، بل بحسب قياس المسيح. «لأنّ لَيْسَ مَنْ مَدَحَ نَفْسَهُ هُوَ الْمُزَكَّى، بَلْ مَنْ يَمْدَحُهُ الرَّبُّ» (2كو10: 18).
تأمّل جيّدًا في الوزنات التي أُعطِيَت لك من يد المسيح لكي تتاجر فيها وتربَح، وتأمّل النصيب والأجر السماوي للعبد الأمين الذي تاجَرَ فربح، إن كان في الخمس الوزنات أو الوزنتين. وأسأل نفسك بصدق وتدقيق، هل أكملت العمل؟!
إن كانت وزنات الوقت والسنين أو الزوجة والبنين، أو المقتنيات وما هو بين أيدينا كمِلكنا، أو الإمكانيات الذهنية والعقلية أو الكفاءات والمهارات، أو الأهل والأصدقاء، أم العمل في العالم، أو.. أو إلى آخر هذه الأمور التي تحيط بنا في الحياة اليومية. في الواقع أنت لك دور فعَّال في كلّ هذا، إذ سمح الله لك أن تتلامس مع كلّ شيء أحاط بك، ومع أي إنسان يتعامل معك.. إذا أنت أظهرتَ له استعلان المسيح الذي يُظهِر بك للناس حبّه ورحمته وغفرانه وطول أناته. وبالأعمال الحسنة يَرى الناس الله فيك ويمجّدونه ولكن قبل كلّ شيء يبقى السؤال: هل أكملتَ العمل؟!
وأقول «مَا دَامَ الْوَقْتُ يُدْعَى الْيَوْمَ» (عب3: 13)، فالفرصة أمامك، وما لم تَبْلُغْه بالأمس جاهد اليوم فيه متفاديًا الأخطاء التي عطّلت العمل، ومواظبًا على طلب المعونة الإلهية لتتميم عمل الله، ومتأكّدًا أنّه «إنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ» (مز127: 1) «لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِينا أَنْ نُرِيد وَأَنْ نعْمَل مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ» (في2: 13).
المتنيح القمص لوقا سيداروس

عدد الزيارات 827

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل