تداريب أثناء الصوم

24 مارس 2021
Large image

ما هي تداريب الصوم؟
مادام الصوم فترة روحية مقدسة ، يهدف فيه الصائم إلي نموه لالروحي ، أذن يليق أن يضع أمامه بعض التداريب روحية ، لكي يحول بها هذه الرغبات الروحية إلي حياة عملية . فما هي هذه التداريب ؟
تختلف التداريب الروحية من شخص إلي أخر .
وذلك بحسب احتياج كل إنسان . سواء كانت هذه التداريب تشمل مقاومة نقط ضعف معينه في حياة الصائم ، أو تشمل فضائل معينة تنقصه ، أو اشتياقات روحية تجول في قلبه .
وهكذا تختلف في الشخص الواحد حسب احتياجه .
فما يحتاج إليه إنسان في وقت ، غير ما يحتاجه في وقت آخر . وذلك حسب حروبه من جهة ، وحسب درجة نموه من جهة أخري . المهم أن توجد التداريب ، حتى يشعر الصائم أنه يضع هدفا خاصاً أمامه أثناء الصوم يحاسب نفسه عليه ، ويتابع تنفيذه ، وحتي بنتيجة واضحة من صومه بالإضافة إلي الفضائل العامة للصوم .
وما سنتحدث عنه الآن ، هو مجرد أمثلة .
وليضع كل إنسان ما يناسبه من تداريب أثناء صومه . وليكن ذلك تحت إشراف أب اعترافه بقدر الإمكان .
تداريب خاصة بالصوم:-
والغرض منها ان يكون الصوم سليماً ، نامياً في نوعيته .
ومنها تداريب خاصة بضبط النفس :
وقد تشمل منع الصائم لنفسه من أكل أصناف معينة يشتهيها . سواء كلن ذلك منعاً كلياً طوال فترة الصوم ، أو منعاً جزئياً خلال فترة محددة أو يوم معين . أو كان ذلك المنع عن طريق الإقلاقل من الكمية ، أو عدم طلب صنف معين بالذات . وقد تشمل تداريب ضبط النفس : فترة الإنقطاع وتحديدها و النمو فيها . والبعض يلجأ إلي نظام التدريج حتى خلال الصوم الواحد . فالصوم الكبير يشمل ثمانية أسابيع ، قد يتدرج الصائم أثناءها في درجة نسكه وانقطاعه عن الطعام . ويشمل ضبط النفس يوم الرفاع ، يوم العيد أيضاً ، فلا يكون الأكل فيهما علي مستوي التسيب بلا ضابط . كذلك ضبط النفس يشمل أيضاً عنصر الجوع .
وقد يكون التداريب خاصة بالفضائل المصاحبة للصوم .
وبهذا تشمل النواحي الروحية في الصوم كضبط النفس عموماً خارج نطاق الأكل ، والسيطرة علي الجسد عموماً ، والامتناع عن كل شهواته الجسدية ، وكل الترفيهات الخاصة بالحواس . وتداريب السهر ، وتدريب البعد عن الكماليات . وكذلك التداريب الخاصة بما في الصوم تذلل وانسحاق أمام الله ، وما فيه أيضاً من زهد ، يتسع نطاقه بالتدريج .
تداريب خاصة بالتوبة:-
لأن الصوم هو بلا شك فترة توبة . وتداريب التوبة كثيرة نذكر منها :
التركيز علي نقطة الضعيف أو الخطية المحبوبة .
وكل إنسان يعرف تماماً ما هي الخطية التي يضعف أمامها ، ويتكرر سقوطه فيها ، وتتكرر في غالبية اعترافاته . فليتخذ هذه الخطايا مجالاً للتداريب علي تركها أثناء الصوم . وهكذا يكون صوماً مقدساً حقاً .
وقد يتدرب الصائم علي ترك عادة ما .
مثل مدمن التدخين الذي يتدرب في الصوم علي ترك التدخين . أو المدمن مشروباً معيناً ، أصبح عادة مسيطرة لا يستطيع تركها ، كمن يدمن شرب الشاي و القهوة مثلاً . أو الذي يصبح التفرج علي التلفزيون عادة عنده تضيع وقته وتؤثر علي قيامه بمسؤلياته . كل ذلك وأمثاله تكون فترة الصوم تدريباً علي تركه .
وقد يتدرب علي تركه خطية كالغضب أو الإدانة .
وهي من الخطايا المشهورة التي يقع فيها كثيرون . وربما تشمل التداريب مجموعة من خطايا اللسان تعود الإنسان السقوط فيها ، فيدرب نفسه في الصوم علي التخلص منها واحدة فواحدة .
وما أسهل أن يضع أمامه آيات خاصة بالخطية .
فمثلاً يذكر نفسه كلما وقع في خطية النرفزة يقول الكتاب " لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله "( يع 1:2) . ويكرر هذه الآية بكثرة كل يوم ، وبخاصة في المواقف التي يحاربه الغضب فيها . ويبكت نفسه قائلاً ماذا أستفيد من صومي ، إن أن كنت فيه أغضب ولا أصنع بر الله ؟! أو أن كان واقعاً في أية خطية من خطايا اللسان ، يضع أمامه قول الكتاب " كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس ، سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين " ( مت 12: 36) . ويقول لنفسه في عتاب : ماذا أستفيد إن صمت صوماً فيه كل ضبط النفس ، ثم لم أضبط لساني وقلت لأخي يا أحمق ، وأصبحت بذلك مستحقاً لنار جهنم ( مت 5: 22) .
وكلما تجوع وتشتهي الأكل ، بكت نفسك .
وقل لها : حينما تتركن هذه الخطية ، سوف أسمح لك بالأكل . هوذا الكتاب يقول " إن الذي لا يعمل لا يأكل " ( 2تس 3:10) . وأنت لم تعملي عمل التوبة اللائق بالصوم ، أو اللائق بقلب هو مسكن الله . وبخ نفسك وقل لها : ما فائدة امتناعي عن الأكل ، أن كنت لم أمتنع بعد عن هذه الخطية التي تفصلني عن الله ، ولا تنفعني صومي كله .
خذ نقطة الضعف التي فيك ، واجعلها موضوع صلواتك وجهادك خلال هذا الصوم .
ركز عليها التركيز كله ، من جهة الحرص و التدقيق ، ومن جهة مقاومة هذه الخطية . واسكب نفسك أمام الله ، وقل له : نجني يارب من هذه الخطية . أنا معترف بأنني ضعيف في هذه النقطة بالذات ، ولن أنتصر عليها بدون معونة منك أنت . إرحم يارب ضعفي وعجزي . لأ أريد أن أنتهي من هذا الصوم ، قبل أنت تنتهي هذه الخطية من حياتي . أجمع آيات الكتاب الخاصة وضعها أمامك ، لتتلوها باستمرار . لتكن فترة الصوم هذه هي فترة صراع لك مع الله ، لتنال منه قوة تنتصر بها علي خطاياك . درب نفسك خلال الصوم علي هذا الصراع . وقل : مادام الصوم يخرج الشياطين حسب قول الرب ، فليته يخرج مني خطاياي مادام هو مع الصلاة يخرج الشياطين .
تداريب الاعتكاف و الصمت:-

يقول الكتاب " قدسوا صوماً ، نادوا باعتكاف "( يوئيل 1:14) . ضع هذه الآية أمامك ودرب نفسك علي الاعتكاف .
والمقصود بالاعتكاف ، أنه اعتكاف مع الله .
لأن هناك من يعتكفون في بيوتهم ، دون أي عمل روحي ، بل قد يعتكفون مع الراديو أو التلفزيون أو المجلات ، أو في أحاديث مع اهل البيت …! أو يعتكفون مع الأفكار الخاطئة ، ليس هذه هو الاعتكاف . إنما الاعتكاف يكون من أجل عمل روحي تعمله في مخدعك عليك مع الله . تعتكف مع الكتاب ، مع سير القديسين ، مع المطانيات ، مع الصلاة .
إن كان لك برنامج روحي ، ستحب الاعتكاف .
وإن استفدت فائدة روحية من اعتكافك ، ستستمر في هذا الاعتكاف ، وتشعر أنه بركة لك من الله . لذلك اجلس إلي نفسك . وضع هذا البرنامج ، واعتكف لأجل تنفيذه . وحاول أن تستغني عن صداقاتك وترفيهاتك خلال هذه الفترة ، التي سيكون فيها الله هو صديقك الحقيقي . درب نفسك أنك تستغني عن الحكايات و الدردشة والكلام الذي لا يفيد ، وحينئذ ستقدر أن تعتكف وتعمل مع الله . وإن لم تستطيع أن تعتكف طول الصوم ، فهناك حلول أسهل :
أستخدم تدريب " بعض الأيام المغلقة ".
أي حدد لنفسك أياما معينة لا تخرج فيها من بيتك ، وتكون قد نظمت مشغولياتك وزياراتك ، بحيث تعتكف في هذه الأيام المغلقة . ويمكن ان تبدأ بيوم واحد مغلق في الأسبوع ، ثم يومين ، ثم تنمو أكثر … ولكن ماذا تفعل إن لم تستطيع أن تغلق علي نفسك مع الله ؟
إن لم تستطيعوا أن تغلقوا أبوابكم خلال الصوم ، فعلي الأقل إغلقوا أفواهكم عن الكلام الباطل .
فحديثنا مع الناس ، ما أسهل ان يعطل حديثنا مع الله . وكما قال أحد الآباء " الإنسان الكثير الكلام ، إعلم أنه فارغ من الداخل "… أي فارغ من العمل الروحي داخل القلب ، فلا صلاة ولا تأمل ولا تلاوات روحية … إن تدريب الخلوة والإعتكاف ، سيساعدكم علي الصمت . والصمت سيخلصكم من أخطاء السان ، كما أنه يعطيكم فرصة للعمل الداخلي ، عمل الروح … ولكن ماذا إذن ، أن كان الصائم لا يستطيع الاعتكاف الكامل ، ولا الأيام المغلقة ، ماذا يفعل ؟ هناك تدريب آخر هو :
تدريب مقاومة الوقت الضائع :
هناك إنسان مشكلته الأولي ضياع وقته . وقته تافه في عينيه . يضيع أوقاته دون أن يستفيد . هذه هي خطيته الأولي . ونتيجة لإضاعة الوقت ، لا صلاة ، ولا قراءة ،ولا أي فكر روحي . ونتيجة لهذا أيضاً : الفتور الروحي ، وربما الوقوع في الخطية . هذا يقول لنفسه : أريد خلال الصوم أن أدرب نفسي علي مقاومة الوقت الضائع ، وعلي الاستفادة من وقتي . وكيف ذلك ؟ توفر الوقت الضائع في الكلام مع الناس ، والوقت الضائع في المقابلات والزيارات ، وفي المناقشات التي لا تفيد ، والوقت الضائع في قراءة الجرائد والمجلات و التعليق علي ما فيها . وكذلك الضائع في الاستماع إلي الراديو و التلفزيون ، وفي سائر الترفيهات التي يمكن الاستغناء عنها ، وتحويل وقتها إلي عمل روحي مع الله كل إنسان يعرف أين يضيع وقته . ويعرف بالتالي كيف يمكن أن ينقذ هذا الوقت كجزء من حياته ، ويستفيد به . ليكن هذا تدريباً لنا خلال الصوم بإذن الله … وهذا التدريب يساعدنا علي تدريب آخر هو :
صوم اللسان :-

قال مار اسحق " صوم اللسان خير من صوم الفم " . إن عرفت هذا درب نفسك علي الصمت علي قدر إمكانك . وإن لم تستطيع ، استخدم هذه التداريب الثلاثة :
I- عدم البدء بالحديث إلا لضرورة .
II- الإجابة المختصرة .
ج- إشغل فكرك بعمل روحي ، يساعدك علي الصمت .
تداريب التذلل و الانسحاق:-

أيام الصوم هي أيام انسحاق وتذلل أمام الله ، لذلك درب نفسك علي ذلك حتي تصل نفسك إلي التراب والرماد . وذلك عن طريق التداريب الآتية :
I- أبعد عن محبة المديح ، وعن كلام الافتخار ومديح النفس .
II- أستخدم كلام الانسحاق في صلواتك ، مثل ترديدك لمزمور " يارب لا تبكتني بغضبك ، ولا تؤذبني بسخطك "( مز 6) .
ج- إذا جعت ، أو جلست لتأكل ، قبل لنفسك " أنا لا أستحق الطعام بسبب خطاياي ، لأني فعلت كذا كذا … أنا لست أصوم عن قداسة ، وإنما عن مذلة داخل نفسي ". حاق ، مهما وضعوا أمامه من مشتهيات ، لا يجد رغبة في الأكل . وأن ضغط عليه الجوع ، يقول لنفسه : تب أولاً ، حينئذ يمكنك أن تأكل … وان وجد نفسه ما يزال في خطأ ، يبكت ذاته قائلاً : هل هذا هو الصوم مقبول أمام الله ؟! هل هذا تقديس للصوم ؟!
د- أيام الصوم فرصة صالحة للأعتراف وتبكيت الذات أمام الله ، وأمام أب الاعتراف . وداخل نفسك .
إنها فترة صراحة مع النفس ، ومحاسبة للنفس ، وتوبيخ وتأديب لها . أحرص فيها أن تجلب اللوم علي ذاتك . وأهرب من كل تبرير للنفس في أية خطية ، مهما سهلت التبريرات .
هـ - أدخل في تداريب الإتضاع ، وهي كثيرة جداً . ونود أن نقدم لك في ذلك كتابا؟ً خاصاً إن شاء الله .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب روحانية الصوم
وللحديث بقية

عدد الزيارات 795

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل