عصر ما بعد السبي وحتى التجسد

29 أكتوبر 2018
Large image

بعد العودة من السبي واستقرار أمور شعب الله نسبيًا، وبناءً على تنظيم عزرا ونحميا لخدمة الهيكل والتسبيح، عادت للهيكل أمجاده القديمة،ومع مرور الوقت استقرت التنظيمات الخاصة بالعبادة داخل الهيكل،وصار لها ترتيب مستقر استمر حتى مجيء ابن الله بالجسد، حيث شارك فيها بالتسبيح ربنا يسوع مع تلاميذه القديسين والدارس في تاريخ الليتورجيا اليهودية وترتيباتها الطقسية يجد هناك نصوصًا وطقوسًا تشبه إلى حد كبير ترتيب طقس صلوات كنيستنا المسيحية في وجوه كثيرة، ونستطيع أن نتتبع هذه الترتيبات الطقسية اليهودية على مدار السنة فيما يلي:
? استخدام المزامير والتسابيح في العبادة اليومية بهيكل أورشليم كانت المزامير وتسابيح الأنبياء تُشكِّل المادة الأساسية لكل العبادة بالتسبيح في الهيكل بأورشليم فعلى مدار الأسبوع كانت هناك تسابيح مُخصصة لكل يوم، وكذلك كانت هناك تسابيح مُرتبة للأعياد والمواسم الدينية:-
(1) تسابيح الأيام
يوم الأحد:-
يُمثل يوم بداية الخليقة، فكانوا يُسبِّحون بالمزمور (24): "للرَّب الأرضُ ومِلؤُها المَسكونَةُ، وكُلُّ السّاكِنينَ فيها لأنَّهُ علَى البِحارِ أسَّسَها، وعلَى الأنهارِ ثَبَّتَها مَنْ يَصعَدُ إلَى جَبَلِ الرَّب؟ الطّاهِرُ اليَدَينِ، والنَّقيُّ القَلبِ" إنه مزمور يتكلَّم عن سيادة الرب على الخليقة كلها، وصفات الشعب الذي يستحق أن يعبُده، ثم يختم بالحَث على الخضوع لهذا الإله العظيم الجبار.
يوم الاثنين:-
هو يوم خلق السماء (الجَلَد)، فكانوا يُسبِّحون بالمزمور (48) حيث يشكرون الله من أجل السماء الأرضية (صهيون)، فيقولون: "عظيمٌ هو الرَّبُّ وحَميدٌ جِدًّا في مدينةِ إلهِنا، جَبَلِ قُدسِهِ جَميلُ الارتِفاعِ، فرَحُ كُل الأرضِ، جَبَلُ صِهيَوْنَ اللهُ في قُصورِها يُعرَفُ مَلجأً كما سمِعنا هكذا رأينا في مدينةِ رَب الجُنودِ، في مدينةِ إلهِنا اللهُ يُثَبتُها إلَى الأبدِ ذَكَرنا يا اللهُ رَحمَتَكَ في وسطِ هيكلِكَ".
يوم الثلاثاء:-
هو يوم خلق الأرض والبحار والزروع، فيُسبِّحون بالمزمور (82) الذي يتكلّم عن الظلم الذي أصاب الأرض، فصار الناس كالبحر الذي يبتلع الأحياء بدون سبب: " حتَّى مَتَى تقضونَ جَوْرًا وترفَعونَ وُجوهَ الأشرارِ؟ مِنْ يَدِ الأشرارِ أنقِذوالا يَعلَمونَ ولا يَفهَمونَ في الظُّلمَةِ يتمَشَّوْنَ تتَزَعزَعُ كُلُّ أُسُسِ الأرضِ".
+ يوم الأربعاء:-
هو يوم خلق الشمس والقمر والنجوم، فيُسبِّحون بالمزمور (94) وفيه يتكلمون مع الله (شمس البر): "يا إلهَ النَّقَماتِ يارَبُّ، يا إلهَ النَّقَماتِ، أشرِقِ ارتَفِعْ يا دَيّانَ الأرضِ ويقولونَ: الرَّبُّ لا يُبصِرُ، وإلهُ يعقوبَ لا يُلاحِظُ (وهم لا يعلمون أن الله هو النور الحقيقي الذي يعطي البصر والبصيرة للخليقة التي خلقها) الغارِسُ الأُذُنَ ألا يَسمَعُ؟ الصّانِعُ العَينَ ألا يُبصِرُ؟الرَّبُّ يَعرِفُ أفكارَ الإنسانِ أنَّها باطِلَةٌ عِندَ كثرَةِ هُمومي في داخِلي، تعزياتُكَ تُلَذذُ نَفسي فكانَ الرَّبُّ لي صَرحًا، وإلهي صَخرَةَ مَلجإي".
+ يوم الخميس:-
خلق الله الحيوانات البحرية وطيور السماء، فيُسبِّحون بالمزمور (81): "رَنموا للهِ قوَّتِنا اهتِفوا لإلهِ يعقوبَ"، لقد عبر الإسرائيليون البحر الأحمر ككائنات بحرية، ثم طاروا في برية سيناء كطيور السماء، لذلك يُسبِّحون: "ارفَعوا نَغمَةً وهاتوا دُفًّا، عودًا حُلوًا مع رَبابٍ انفُخوا في رأسِ الشَّهرِ بالبوقِ، عِندَ الهِلالِ ليومِ عيدِنا عِندَ خُروجِهِ علَى أرضِ مِصرَ في الضيقِ دَعَوْتَ فنَجَّيتُكَ استَجَبتُكَ في سِترِ الرَّعدِ جَرَّبتُكَ علَى ماءِ مَريبَةَ أنا الرَّبُّ إلهُكَ، الذي أصعَدَكَ مِنْ أرضِ مِصرَأفغِرْ فاكَ فأملأهُ".
+ يوم الجمعة:-
خلق الله البهائم والوحوش، ثم خلق الإنسان تاج الخليقة جميعًا لذلك حق لهم أن يُسبِّحوا الله بالمزمور (93): "الرَّبُّ قد مَلكَ لَبِسَ الجَلالَ لَبِسَ الرَّبُّ القُدرَةَ، ائتَزَرَ بها أيضًا تثَبَّتَتِ المَسكونَةُ لا تتزَعزَعُ كُرسيُّكَ مُثبَتَةٌ منذُ القِدَمِ منذُ الأزَلِ أنتَ رَفَعَتِ الأنهارُ يارَبُّ، رَفَعَتِ الأنهارُ صوتها ترفَعُ الأنهارُ عَجيجَها مِنْ أصواتِ مياهٍ كثيرَةٍ، مِنْ غِمارِ أمواجِ البحرِ، الرَّبُّ في العُلَى أقدَرُ شَهاداتُكَ ثابِتَةٌ جِدًّا ببَيتِكَ تليقُ القَداسَةُ يارَبُّ إلَى طولِ الأيّامِ".
+ وفي يوم السبت:-
استراح الله من جميع أعمال الخليقة التي خلقها، فيُسبِّحون بالمزمور (92)، وذلك أثناء سكب السكيب المقدس(1) في يوم السبت الذي فيه يجتمعون بالهيكل وفي المجامع للصلاة، والتسبيح، وقراءة كلمة الله - وكان يُعتبر عندهم عيدًا أسبوعيًا عظيمًا. كان اللاويون يُرنمون هذا المزمور على ثلاث مراحل، والكهنة ينفخون في الأبواق ويقولون: "حَسَنٌ هو الحَمدُ للرَّب والتَّرَنُّمُ لاسمِكَ أيُّها العَليُّ. أنْ يُخبَرَ برَحمَتِكَ في الغَداةِ، وأمانَتِكَ كُلَّ ليلَةٍ، علَى ذاتِ عشَرَةِ أوتارٍ وعلَى الرَّبابِ، علَى عَزفِ العودِ لأنَّكَ فرَّحتَني يارَبُّ بصَنائعِكَ بأعمالِ يَدَيكَ أبتَهِجُ ما أعظَمَ أعمالكَ يارَبُّ! وأعمَقَ جِدًّا أفكارَكَ! أمّا أنتَ يارَبُّ فمُتَعالٍ إلَى الأبدِ الصديقُ كالنَّخلَةِ يَزهو، كالأرزِ في لُبنانَ يَنمو مَغروسينَ في بَيتِ الرَّب، في ديارِ إلهِنا يُزهِرونَ أيضًا يُثمِرونَ في الشَّيبَةِ يكونونَ دِسامًا وخُضرًا، ليُخبِروا بأنَّ الرَّبَّ مُستَقيمٌ صَخرَتي هو ولا ظُلمَ فيهِ"وفي نهاية ذبيحة السبت يُغني اللاويون "مزمور موسى" (تث32)، مُقسمًا على ستة أقسام، يتخللها نفخات أبواق الكهنة، ويشترك كل الشعب في التسبيح (راجع تث1:32-43) ثم يختمون التسبيح بترنيم "تسبحة موسى" (خر15)، وهو الهوس الأول الذي تستخدمه كنيستنا القبطية حتى اليوم ليُعبِّر عن فرحتنا بالخلاص الذي تممه الرب لنا بعبورنا المعمودية كما عبر بنو إسرائيل البحر.
(2) تسابيح الأعياد
في الأعياد أيضًا كانت هناك مزامير وتسابيح مُخصصة لكل عيد فعلى سبيل المثال:-
(1) عيد الفصح:-
كانوا يُرتلون مزامير التهليل (112-118) وفيها يُسبِّحون الله على أعماله العظيمة في خروج بني إسرائيل من مصر كان الاحتفال يبدأ بالتقديس (أي يقولون تسبحة "قدوس قدوس قدوس")، ثم يتناولون كأسًا من عصير الكرمة، ثم يسأل أحد الجلوس عن أهمية هذا اليوم فيُجيبه رئيس المتكأ: لأنه "بيد قوية أخرجنا الرب من مصر"، بعد ذلك يُسبِّحون بالجزء الأول من المزامير وتُسمى (مزامير الهلّيل): "نورٌ أشرَقَ في الظُّلمَةِ للمُستَقيمينَ هو حَنّانٌ ورحيمٌ وصِديقٌ الصديقُ يكونُ لذِكرٍ أبدي لا يَخشَى مِنْ خَبَرِ سوءٍ قَلبُهُ ثابِتٌ مُتَّكِلاً علَى الرَّب قَلبُهُ مُمَكَّنٌ فلا يَخافُ حتَّى يَرَى بمُضايِقيهِ (فرعون وجنوده) شَهوةُ الشريرِ تبيدُ" (مز112)هذا الخروج العظيم يستحق التسبيح والتمجيد لله: "هَللويا سبحوا يا عَبيدَ الرَّب مَنْ مِثلُ الرَّب إلهِنا المُقيمِ المَسكينَ مِنَ التُّرابِ، الرّافِعِ البائسَ مِنَ المَزبَلَةِ ليُجلِسَهُ مع أشرافٍ، مع أشرافِ شَعبِهِ المُسكِنِ العاقِرَ في بَيتٍ، أُمَّ أولادٍ فرحانَةً" (مز113) إنه يتكلَّم عن الأمة التي كانت مُستعبدة، ثم حررها الله بالعبور المقدَّس في الفصح العظيم وفي المزمور (114) يتكلَّم بوضوح عن الخروج المقدس: "عِندَ خُروجِ إسرائيلَ مِنْ مِصرَ، وبَيتِ يعقوبَ مِنْ شَعبٍ أعجَمَ، كانَ يَهوذا مَقدِسَهُ، وإسرائيلُ مَحَلَّ سُلطانِهِ البحرُ رَآهُ فهَرَبَ الأُردُنُّ رَجَعَ إلَى خَلفٍ الجِبالُ قَفَزَتْ مِثلَ الكِباشِ، والآكامُ مِثلَ حُملانِ الغَنَمِ ما لكَ أيُّها البحرُ قد هَرَبتَ؟ وما لكَ أيُّها الأُردُنُّ قد رَجَعتَ إلَى خَلفٍ؟ وما لكُنَّ أيَّتُها الجِبالُ قد قَفَزتُنَّ مِثلَ الكِباشِ، وأيَّتُها التلالُ مِثلَ حُملانِ الغَنَمِ؟ أيَّتُها الأرضُ تزَلزَلي مِنْ قُدّامِ الرَّب، مِنْ قُدّامِ إلهِ يعقوبَ! المُحَولِ الصَّخرَةَ إلَى غُدرانِ مياهٍ، الصَّوّانَ إلَى يَنابيعِ مياهٍ" بعد ذلك يتناولون كأسًا ثانية، ويغسلون أياديهم، ثم يأكلون الأعشاب المُرّة والفطير، ثم كأسًا ثالثة، ويُسبِّحون بباقي مزامير التهليل ثم المزمور (115) الذي يتحدث عن حالهم قبل العبور حيث العدو وراءهم والبحر أمامهم، وهم يطلبون أن يتمجد الله بانقاذهم من يد أعدائهم الوثنيين: "ليس لنا يارَبُّ ليس لنا، لكن لاسمِكَ أعطِ مَجدًا، مِنْ أجلِ رَحمَتِكَ مِنْ أجلِ أمانَتِكَ لماذا يقولُ الأُمَمُ: أين هو إلهُهُمْ؟ إنَّ إلهَنا في السماءِ كُلَّما شاءَ صَنَعَ أصنامُهُمْ فِضَّةٌ وذَهَبٌ، عَمَلُ أيدي الناسِ لها أفواهٌ ولا تتكلَّمُ لها أعيُنٌ ولا تُبصِرُ لها آذانٌ ولا تسمَعُ لها مَناخِرُ ولا تشُمُّ لها أيدٍ ولا تلمِسُ لها أرجُلٌ ولا تمشي، ولا تنطِقُ بحَناجِرِها مِثلها يكونُ صانِعوها، بل كُلُّ مَنْ يتَّكِلُ علَيها"ثم يردف في باقي المزمور بحَثْ شعب الله أن يتكلّوا عليه، لأنهم سبقوا واختبروا قوته، وصنيعه معهم أمام البحر الأحمروفي المزمور (116) يُعبّر عن حال الشعب بعد العبور، وتأمله فيما كان عليه، وكيف أنقذه الرب من حبال الموت وشدائد الهاوية: " لأنَّكَ أنقَذتَ نَفسي مِنَ الموتِ، وعَيني مِنَ الدَّمعَةِ، ورِجلَيَّ مِنَ الزَّلَقِ ماذا أرُدُّ للرَّب مِنْ أجلِ كُل حَسَناتِهِ لي؟ حَلَلتَ قُيودي فلكَ أذبَحُ ذَبيحَةَ حَمدٍ، وباسمِ الرَّب أدعو"ثم يُسبِّحون بالمزمور (117) حيث يدعون كل الأمم للمشاركة في التسبيح بهذا العيد العظيم:"سبحوا الرَّبَّ يا كُلَّ الأُمَمِ حَمدوهُ يا كُلَّ الشُّعوبِ لأنَّ رَحمَتَهُ قد قَويَتْ علَينا، وأمانَةُ الرَّب إلَى الدَّهرِ" والمزمور (118): "اِحمَدوا الرَّبَّ لأنَّهُ صالِحٌ" وكانوا يرتلونه بلحن طويل ختامًا للتسبيح في هذا العيد العظيم، ويتناولون في الآخر كأسًا رابعة، وينتهي الاحتفال وكانت هذه المزامير تُرنم أيضًا أثناء ذبح خروف الفصح، والكهنة يُبوقون ثلاث مرات بأبواقهم الفضية.
(2) عيد اليوبيل:-
الذي يحتفلون فيه بتحرير العبيد، والإبراء من الديون كانوا يُسبِّحون بالمزمور (81) لله الذي حرَّرهم من عبودية فرعون، وأنقذهم من الظلم والانكسار: "انفُخوا في رأسِ الشَّهرِ بالبوقِ، عِندَ الهِلالِ ليومِ عيدِنا عِندَ خُروجِهِ علَى أرضِ مِصرَ (عندما تحرر يوسف من العبودية والسجن، وصار رئيسًا ومُدبرًا) جَعَلهُ شَهادَةً في يوسُفَ عِندَ خُروجِهِ علَى أرضِ مِصرَ سمِعتُ لسانًا لم أعرِفهُ: أبعَدتُ مِنَ الحِملِ كتِفَهُ (حررته من نير العبودية) يَداهُ تحَوَّلَتا عن السَّل (تحررتا من السخرة والعمل القاسي) في الضيقِ دَعَوْتَ فنَجَّيتُكَ (حررنا من عبودية إبليس) استَجَبتُكَ في سِترِ الرَّعدِ. جَرَّبتُكَ علَى ماءِ مَريبَةَ اِسمَعْ يا شَعبي فأُحَذرَكَ يا إسرائيلُ، إنْ سمِعتَ لي! لا يَكُنْ فيكَ إلهٌ غَريبٌ، ولا تسجُدْ لإلهٍ أجنَبي أنا الرَّبُّ إلهُكَ، الذي أصعَدَكَ مِنْ أرضِ مِصرَ أفغِرْ فاكَ فأملأهُ فلم يَسمَعْ شَعبي لصوتي، وإسرائيلُ لم يَرضَ بي فسَلَّمتُهُمْ إلَى قَساوَةِ قُلوبِهِمْ، ليَسلُكوا في مؤامَراتِ أنفُسِهِمْ. لو سمِعَ لي شَعبي، وسلكَ إسرائيلُ في طُرُقي، سريعًا كُنتُ أُخضِعُ أعداءَهُمْ، وعلَى مُضايِقيهِمْ كُنتُ أرُدُّ يَدي مُبغِضو الرَّب يتذَلَّلونَ لهُ، ويكونُ وقتُهُمْ إلَى الدَّهرِ وكانَ أطعَمَهُ مِنْ شَحمِ الحِنطَةِ، ومِنَ الصَّخرَةِ كُنتُ أُشبِعُكَ عَسَلاً"لقد كان التسبيح والمزامير جزءًا أساسيًا في احتفالات كنيسة العهد القديم بالأعياد المقدسة.
(3) عيد المظال:-
وفيه يتذكرون أيام أن كانوا يعيشون في خيام في البرية قبل دخولهم أرض الموعد فكانوا يُسبِّحون بالمزمورين (67،65) فيقولون في المزمور (65):"لك ينبغي التسبيح يا الله في صهيون، ولك يُوفَى النَّذرُ يا سامع الصلاةِ، إليك يأتي كل بشرٍآثام قد قويت عليَّ مَعَاصينا أنت تُكفِّر عنها طوبى للذي تختاره وتُقرِّبه ليسكُن في ديارِك لنشبَعنَّ من خير بيتك، قُدسِ هيكلِك تجعل مطالع الصباح والمساء تبتهج تعهَّدت الأرض وجعلتها تفيضُ تُغنيها جدًّا سواقي الله ملآنة ماءً تُهيِّئ طعامهم لأنك هكذا تُعدُّها أَرْوِ أتلامَهَا مَهِّد أخاديدَها بالغُيوث تٌحلِّلُها تُبارِك غلَّتها كلَّلت السنة بِجُودك، وآثارك تَقطُر دسمًا تَقطُر مراعي البرية، وتتنطَّق الآكامُ بالبهجة اكتَست المُروجُ غنمًا، والأودية تتعطَّف برًّا تَهتف وأيضًا تُغنِّي"وفي المزمور (67) كانوا يتضرعون إلى الله أن يترأف عليهم، وأن تمتد معرفته بين الشعوب فيقولون:"ليَتَحَنَّنِ اللهُ علَينا وليُبارِكنا ليُنِرْ بوَجهِهِ علَينا لكَيْ يُعرَفَ في الأرضِ طَريقُكَ، وفي كُل الأُمَمِ خَلاصُكَ يَحمَدُكَ الشُّعوبُ يا اللهُ يَحمَدُكَ الشُّعوبُ كُلُّهُمْ تفرَحُ وتبتَهِجُ الأُمَمُ لأنَّكَ تدينُ الشُّعوبَ بالاستِقامَةِ، وأُمَمَ الأرضِ تهديهِمْ يَحمَدُكَ الشُّعوبُ يا اللهُ يَحمَدُكَ الشُّعوبُ كُلُّهُمْ الأرضُ أعطَتْ غَلَّتَها يُبارِكُنا اللهُ إلهنا يُبارِكُنا اللهُ، وتخشاهُ كُلُّ أقاصي الأرضِ"كان ضمن طقس هذا العيد العظيم أنه كان يخرج من الهيكل موكب عظيم من الكهنة واللاويين والشعب، ويذهبون إلى بركة سلوام كان أحد الكهنة يحمل وعاء من الذهب يملأه ماءً من بركة سلوام، ويعود الموكب إلى الهيكل مصحوبًا بالهتاف والترانيم والتسابيح يقودها جماعة المُسبحين وداخل الهيكل يستقبل الكهنة هذا الموكب بالنفخ ثلاثًا في الأبواق، ثم يصبون الماء على المذبح إشارة لخروج الماء من الصخرة على يد موسى النبي وشُرب آبائهم منها، وأثناء انسكاب الماء تُعزف الموسيقى في الهيكل، ويرنمون مزامير الهلّيل (113-118)، (التي يستخدمونها في عيد الفصح) كذلك كان عندما يأتون إلى المقاطع: "اِحمَدوا الرَّبَّ لأنَّهُ صالِحٌ"، "يارَبُّ أنقِذْ" يُلوح الشعب بالأغصان ويُرددون من تسابيح إشعياء: "هوذا اللهُ خَلاصي فأطمَئنُّ ولا أرتَعِبُ، لأنَّ ياهَ يَهوهَ قوَّتي وترنيمَتي وقد صارَ لي خَلاصًا فتَستَقونَ مياهًا بفَرَحٍ مِنْ يَنابيعِ الخَلاص صَوتي واهتِفي يا ساكِنَةَ صِهيَوْنَ، لأنَّ قُدّوسَ إسرائيلَ عظيمٌ في وسطِكِ" (إش2:12-6)وقد شارك السيد المسيح نفسه في احتفالات عيد المظال (راجع يو2:7، 14،10) وفي أحد السنوات التي حضر فيها هذا العيد، وعند وصول موكب الكهنة الموصوف سابقًا إلى الهيكل وعند انسكاب الماء غزيرًا من الجرة التي يحملونها أراد الرب يسوع أن يُنبِّه ذهنهم إلى الماء الحقيقي للخلاص، والصخرة الحقيقية التي هي ربنا يسوع المسيح نفسه فقال لهم: "إنْ عَطِشَ أحَدٌ فليُقبِلْ إلَيَّ ويَشرَبْ مَنْ آمَنَ بي، كما قالَ الكِتابُ، تجري مِنْ بَطنِهِ أنهارُ ماءٍ حَي" (يو37:7-38)، وكان هذا الإعلان: "في اليومِ الأخيرِ العظيمِ مِنَ العيدِ" (يو37:7)لقد أراد الرب يسوع أن يشرح لليهود أن كل ما كُتب في العهد القديم كان رمزًا له، وأن كل احتفالاتهم الطقسية كانت تمهيدًا لاكتشاف شخصه القدوس فهو بالحق شبع نفوسنا، ورواء ظمأنا "مَنْ يُقبِلْ إلَيَّ فلا يَجوعُ، ومَنْ يؤمِنْ بي فلا يَعطَشُ أبدًا" (يو35:6) وقد سبق وتنبأ بذلك إشعياء النبي حينما قال: "أيُّها العِطاشُ جميعًا هَلُمّوا إلَى المياهِ، والذي ليس لهُ فِضَّةٌ تعالَوْا اشتَروا وكُلوا. هَلُمّوا اشتَروا بلا فِضَّةٍ وبلا ثَمَنٍ خمرًا ولَبَنًا" (إش1:55)، وسيتحقق هذا بالحقيقة في الأبدية السعيدة "والرّوحُ والعَروسُ يقولانِ: تعالَ! ومَنْ يَسمَعْ فليَقُلْ: تعالَ! ومَنْ يَعطَشْ فليأتِ ومَنْ يُرِدْ فليأخُذْ ماءَ حياةٍ مَجّانًا" (رؤ17:22) إن المسيح صخرتنا الحقيقي هو موضوع تسبيحنا اليوم، كما كان هو موضوع تسبيح كل الأجيال فكانوا يتكلّمون عنه في تسبيحهم قائلين: " لَنَشبَعَنَّ مِنْ خَيرِ بَيتِكَ، قُدسِ هيكلِكَ سواقي اللهِ مَلآنَةٌ ماءً" (مز65).
(4) عيد الأبواق:-
هو عيد رأس السنة المدنية عند اليهود، وبداية الشهر السابع من السنة الدينية عندهم، "وكلَّمَ الرَّبُّ موسَى قائلاً: كلّمْ بَني إسرائيلَ قائلاً: في الشَّهرِ السّابِعِ، في أوَّلِ الشَّهرِ يكونُ لكُمْ عُطلَةٌ، تذكارُ هُتافِ البوقِ، مَحفَلٌ مُقَدَّسٌ عَمَلاً مّا مِنَ الشُّغلِ لا تعمَلوا، لكن تُقَربونَ وقودًا للرَّب" (لا23:23-25) وكان الكهنة ينفخون في الأبواق، ويعزف اللاويون على آلات موسيقية، ويترنم الشعب بالمزامير خاصة مزمور (81)، (وهو نفس المزمور المُستخدم في عيد اليوبيل)، ثم يُبارك الكاهن الشعب بالبركة المقدسة التي كان يستخدمها موسى النبي "يُبارِكُكَ الرَّبُّ ويَحرُسُكَ يُضيءُ الرَّبُّ بوَجهِهِ علَيكَ ويَرحَمُكَ يَرفَعُ الرَّبُّ وجهَهُ علَيكَ ويَمنَحُكَ سلامًا" (عد24:6-26)وقد وصف سفر العدد تفاصيل الاحتفال بهذا العيد: "وفي الشَّهرِ السّابِعِ، في الأوَّلِ مِنَ الشَّهرِ، يكونُ لكُمْ مَحفَلٌ مُقَدَّسٌ عَمَلاً مّا مِنَ الشُّغلِ لا تعمَلوا. يومَ هُتافِ بوقٍ يكونُ لكُمْ. وتعمَلونَ مُحرَقَةً لرائحَةِ سرورٍ للرَّب" (عد1:29-2) لقد كان الرقم (7) رقمًا محبوبًا ومقدسًا في العبادة اليهودية، لأنه يُمثل السبت والراحة والعبادة، ولأنه رقم الكمال لذلك كانوا يحتفلون في بداية الشهر السابع بهذا العيد أما في المسيحية فقد صار الرقم (8) هو الرقم المحبوب والمُقدس، لأنه يرمز إلى الأبدية، حيث ندخل في يوم جديد بعد السبعة أيام، التي تُمثل الزمان الحاضر لذلك قام السيد المسيح في اليوم الثامن من الأسبوع (الأحد)، وصار يوم الأحد هو يوم العبادة المسيحية بدلاً من سبت اليهود ولعل الختان في اليوم الثامن من ميلاد الطفل كان يسبق ويُشير إلى العهد الجديد بدم المسيح وقيامته كذلك في شريعة التطهير حيث تقدَّم الذبائح في اليوم الثامن (راجع عد10:6) إشارة إلى التطهير بدم المسيح وقيامته أيضًا بعد أن استعرضنا الرحلة الطويلة لخدمة التسبيح في العهد القديم منذ عهد داود حتى مجيء رب المجد في الجسد لنا أن نتساءل:ما هو موقف الرب يسوع نفسه من التسابيح التي كان يمارسها اليهود أيام حضوره بالجسد على الأرض؟
نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة

عدد الزيارات 1687

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل