الرسالة الثالثةعید القیامة في ١٦ برمودة ٤٧ ش 11 أبریل ٢٣١ م

15 مايو 2021
Large image

لنعید رغم ضیقتنا( ١) ووجودي معكم
أخوتي الأحباء
لقد اقترب منا یوم العید مرة أخرى، الذي أن صمتنا فیه نجعله غیر مقدس، إنما یلزم أن یكون مكرسًا للصلاة أكثر من كل الأیام، وفیه نحفظ الوصایا. لأنه وإن كنا في ضیق من أولئك الذین یحزنوننا، وبسببهم سوف لا نخبركم عن هذا الموسم (إذ لا یكون بین شعبه)، لكن شكراً لله الذي یعزي الحزانى، حتى لا ننهزم بشرور أولئك الذین یتهموننا فنصمت، ففي طاعتنا لصوت الحق نصرخ معكم عالیًا في یوم العید، لأن إله الكل قال بأن یتكلما(موسى وهارون) مع الشعب لحفظ الفصح، ویعلن الروح في المزامیر قائلا "انفخوا في رأس الشهر بالبوق عید الهلال كیوم عیدنا" ویصرخ النبي قائلا : "عیدي یا یهوذا أعیادك"(نا ١٥:١) وأنا لا أرسل إلیكم الكلمة كأنكم جاهلین، بل أعلنها للذین یعرفونها، حتى یدركون بأنه وإن كان بعض البعض
یفرقنا، لكن الله یجمعنا، فإننا نعید بنفس العید، ونتعبد لنفس الإله على الدوام.ونحن لسنا نعید كمتفرجین، عالمین أن الرسول یوبخ أمثال أولئك قائلا : "أتحفظون أیامًا وشهوراً وأوقاتًا وسنین"(غل ١٠:٤ )، بل بالحري نكرم هذا الیوم العظیم من أجل العید، حتى نرضي الله – نحن جمیعًا الذین نخدم الله في كل مكان - وذلك بصلواتنا الجماعیة. وقد أعلن بولس الطوباوي عن قرب سرور كهذا، وهو في هذا لم یعلن عن أیامٍ بل عن الرب الذي من أجله نحفظ العید، إذ یقول "المسیح قد ذبح لأجلنا" ( ١ كو ٧:٥ )، فإذ نتأمل أبدیة
الكلمة نقترب منه لخدمته.
تاجروا في الوزنات شاكرین
لأنه ماذا یعني العید سوى خدمة النفس؟! وما هي هذه الخدمة إلا الصلاة الدائمة لله والشكر المستمر؟!
فغیر الشاكرین، البعیدین عن هذا هم بالحق محرومون من الفرح النابع من هذا، لأن الفرح والبهجة
منزوعان عن أفواههم، ولذلك فإن الكلمة (الإلهیة) لا تسمح لهم أن یكونوا في سلام، إذ لا سلام للأشرار
قال الرب (إش ٢٢:٤٨ )، إنما یعملون في ألم وحزن.لهذا، حتى الذي كان مدینًا بعشرة آلاف وزنة لم ینل الصفح في نظر الرب (مت ٢٤:١٨ )، لأنه عندما صفح عنه في الكثیر، عاد فاستحق القصاص حتى عما صفح عنه بسبب نسیانه الرحمة…فإذ اختبر الرحمة، كان یلزم أن یكون هو أیضًا مترفقًا بالعبد زمیله!
والذي أخذ الوزنة الواحدة، ولفها في مندیل وخبأها في الأرض طرد أیضًا لتذمره وعدم شكره، سامعًا تلك الكلمات "أیها العبد الشریر والكسلان عرفت أني أحصد حیث لم أزرع واجمع من حیث لم أبذر. فكان ینبغي أن تضع فضتي عند الصیارفة. فعند مجیئي كنت آخذ الذي لي مع ربا. فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذي له العشر وزنات(مت ٢٦:٢٥ ). لأنه عندما طلب منه أن یعطي سیده حساب الوزنة كان یلزمه أن یعرف شفقة سیده الذي أعطاه هذه الوزنة ویعرف قیمة هذه العطیة. فالذي أعطاه لیس برجل قاسي، لأنه لو كان كذلك لما أعطى عبیده الوزنات منذ البدایة. ولا العطیة التي قدمها هي بالأمر غیر النافع أو باطلة، إذ لیس فیها خطأ.فالذي أعطى هو صالح، والعطیة كان یمكن أن تأتي بثمار. لذلك ملعون من یخفي القمح في وقت البذار (راجع أم ٢٦:١١ )، إذ یطالبنا المثل الإلهي ألا نهمل العطیة أو نخبئها من غیر إكثارها ومضاعفاتها، وإلا بحق نطرد خارجًا كأشرار متذمرین. على هذا ألأساس مدح الرب أولئك الذین ضاعفوا وزناتهم، قائلا "نعمًا أیها العبد الصالح الأمین كنت أمینًا في القلیل فأقیمك على الكثیر أدخل إلى فرح سیدك (مت ٢٣:٢٥) أضرموا الموهبة التي فیكم
هذا كان صحیحًا وبحق، إذ یعلن الكتاب المقدس أنهم ربحوا قدر ما أخذوا. والآن ینبغي علینا یا أحبائي أن
نخضع إ ا ردتنا حسب لطف الله ولا نقصر عن العمل، لئلا إذا ما تركنا إ ا ردتنا عاطلة ترحل عنا النعمة التي وهبت لنا فینا. وإذ یجدنا العدو (الشیطان) هكذا فارغین وعراة یدخل فینا، فیكون حالنا كتلك الحالة التي وردت في الإنجیل، ذلك الرجل الذي خرج منه الشیطان. فإنه بعد ما خرج الشیطان منه وذهب إلى أماكن جافة، عاد ومعه سبعة أرواح أشر منه إلى المنزل فوجده فارغًا، لذلك سكن هناك، وصارت أواخر ذلك الرجل أشر من أوائله. فعدم التحلي بالفضائل یعطي للأرواح الشریرة فرصة للدخول فینا. وأكثر من هذا توجد وصیة من الرسول إلى تلمیذه یلزمه ألا تكون النعمة المعطاة لنا عاطلة بلا نفع. ویؤكد قائلاً له ألا یهمل الموهبة المعطاة له. لأن الذي یفلح أرضًا یسر بالخبز، وأما طریق الكسلان فمملوء أشواكًا. ویحذرنا الروح ألا نسقط في هذا (الكسل) قائلاً "احرثوا لأنفسكم حرثًا ولا تزرعوا في الأشواك" (إر ٣:٤ )… ویوضح النبي نهایة مثل هذا الكسل قائلا : "ملعون من یعمل عمل الرب برخاء" (إر ١٠:٤٨ ) لأنه یلزم على خادم الله أن یكون مجتهدًا حریصًا. نعم، وبالحري یكون ملتهبًا كالنار، حتى عندما یحطم الشهوات الجسدیة بروح ملتهبة یكون قادراً على الاقتراب من الله الذي یلقبه القدیسون ب "النار الآكلة".
لنضرم نار الروح الذي فینا
لذلك فإن إله الكل هو "الصانع ملائكته ریاحًا وخدامه ناراً ملتهبة" كذلك منع الجمهور عند رحیله عن مصر من أن یلمسوا الجبل الذي فیه یعلن الله الشریعة، لأنه لیس لهم هذه الصفة (ناراً ملتهبة). لكنه نادى موسى الطوباوي إلیه، إذ كان ملتهبًا في الروح ومملوء بالنعمة غیر المنطوق بها، قائلاً "ویقترب موسى وحده" ودخل موسى السحاب أیضًا، وعندما كان الجبل یدخن ولم یصبه أذى بل بالعكس تنقى بفاعلیة كلمات الله التي هي كفضة مختارة منقاة في الأرض لهذا عندما رغب بولس الطوباوي ألاَّ تبرد نعمة الروح المعطاة لنا، حذرنا قائلاً: "لا تطفئوا الروح" ( ١ تس19:5)، حتى نبقى شركاء مع المسیح. ذلك إن تمسكنا حتى النهایة بالروح الذي أخذناه، إذ قال: "لا تطفئوا..." لیس من أجل أن الروح موضوع تحت سلطان الإنسان أو أنه یحتمل آلامًا منه، بل لأن الإنسان غیر الشاكریرغب في إطفاء الروح علانیة، ویصیر كالأشرار الذین یضایقون الروح بأعمال غیر مقدسة..فإذ هم بلا فهم، مخادعین، ومحبین للخطیة، وما زالوا سائرین في الظلام، فإنه لیس لهم ذلك النور الذي یضيء لكل إنسان آت إلى العالم (یو 9:1) لقد أَمسكت نار كهذه بإرمیا النبي عندما كانت الكلمة فیه كنارٍ، قائلاً إنه لا یمكن أن یحتمل هذه النار ( إر 9:20) وجاء سیِّدنا یسوع المسیح المحب للإنسان لكي یلقي بهذه النار على الأرض، قائلاً: "ماذا أرید لو اضطرمت؟ (لو 49:12) لقد رغب الرب – كما شهد حزقیال (حز23:18, 32) - توبة الإنسان أكثر من موته، حتى ینتزع
الشر عن الإنسان تمامًا، عندئذ یمكن للنفوس التي تنقت أن تأتي بثمر. فتثمر البذار التي بذرها (الرب) البعض بثلاثین والبعض بستین والآخر بمائة.: وكمثال، أولئك الذین مع كلیوباس (لو 32:24) مع أنهم كانوا ضعفاء في بدایة المر بسبب نقص معلوماتهم، لكنهم أصبحوا بعد ذلك ملتهبین بكلمات المخلص، واظهروا ثمار معرفته.وبولس الطوباوي أیضًا عندما أمسك بهذه النار لم ینسبها إلى دم ولحم، ولكن كمختبر للنعمة أصبح
كارزاً بالكلمة (المسیح).
أناس رفضوا النعمة
ولكن لم یكن هكذا التسعة البرص الذین شفوا، لأنهم لم یشكروا الرب الذي طهرهم.ولا یهوذا الذي حصل على الرسولیة ودعي بتلمیذ الرب، ولكن أخیراً بینما كان یأكل مع المخلص رفع عقبه ضده، وصار خائنًا.
( لو24 )
أمثال هؤلاء ینالون جزاءهم عن غباوتهم، حیث أن رجاءهم یصیر باطلاً لعدم اعترافنا بالجمیل، فإن
النار الأخیرة المعدة للشیطان وجنوده تنتظر أولئك الذین أهملوا النور الإلهي. هكذا تكون نهایة الإنسان غیر
الشاكر.
اشكروا الله في كل شيء.
لكن خدام الله الأمناء الحقیقیین، لا یكفوا عن تمجید الله، إذ یعرفون أنه یحب الشاكرین. وهم یقدمون له الشكر في وقت الضیق كما في الفرح یقدمون التسبیح لله بشكر غیر مبالین بهذه الأمور الزمنیة، بل متعبدین لله إله كل الأزمنة.هكذا منذ القدم كان أیوب الذي وهب أكثر من كل رجال عصره یشكر الله عندما كان في نعیم. ولما حلت به الضیقة أحتملها بصبر، وإذ تألم كان یشكر الله.وأیضًا داود المتواضع في وقت الحزن یتغنى قائلاً "أبارك الرب في كل حین"وبولس الطوباوي لم یكف في كل رسائله عن أن یشكر الله ففي وقت الفرح لم یتوقف عن الشكر، وفي وقت الحزن كان یزداد تسبیحه لله عالمًا أن الضیق ینشئ صبراً، والصبر تزكیة والتزكیة رجاء، والرجاء لا یخزى إذن لنقتف آثار هؤلاء الرجال فلا یمر علینا وقت دون أن نشكر الله، خاصة الآن فإذ نحن في شدة بسبب الهراطقة الأریوسیین الذین یضادوننا، نسبح الله وننطق بكلمات القدیسین قائلین "هذا كله جاء علینا وما نسیناك" نعم فإننا حتى وإن كنا نتضایق محزونین فأننا نشكر الله، لأن الرسول الطوباوي الذي یقدم الشكر في كل وقت یحثنا أن نسلك في نفس الطریق على الدوام بقوله "في كل شيء…. مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله" وإ ذ یرغب في أن نثبت على هذ ا الموقف یقول "صلوا بلا انقطاع . اشكروا في ك ل شيء " لأنه عارف أن المؤمنین یكونون أقویاء طالما هم یشكرون، وأنهم یفرحون هادمین حصون الأعداء (الشیاطین) كأولئك القدیسین الذین قالوا "لأني بك اقتحمت جیشًا وبإلهي تسورت أسواراً" إذًا لنثبت في كل الأوقات، خاصة الآن رغم ما یحیق بنا من أحزان وما یثیره الهراطقة ضدنا.دعنا إذن أیها الأخوة الأحباء نعید بشكر ذلك العید المقدس الذي یقترب منا الآن، ممنطقین أحقاء أذهاننا،متشبهین بمخلصنا یسوع المسیح الذي كتب عنه "ویكون البر منطقة متینة والأمانة منطقة حق ویة" لیمسك كل واحد منا بالجذع الذي من یسى، ولیحتذي باستعداد الإنجیل . لنحفظ الرسول –كقول الرسول- "لیس بخمیرة عتیقة ولا بخمیرة الشر والخبث بل بفطیر الإخلاص والمحبة" واثقین أننا قد اصطلحنا خلال المسیح، غیر منفصلین عن الإیمان به، ولا مدنسین أنفسنا مع الهراطقة والغرباء
عن الحق، هؤلاء الذین نشهد مناقشاتهم واردتهم عن خستهم. أما نحن فنفرح في أحزاننا وندخل أتون الحدید ونعبر ذلك البحر الأحمر المرعب دون أن یصیبنا أي أذى.هكذا أیضًا عندما ننظر إلى ارتباك الهراطقة نغني مع موسى بأغنیة المسیح قائلین "أرنم للرب لأنه قد تعظم"خر ١:١٥ . فنسبح مرتلین، إذ نرى الخطیة التي فینا قد طرحت في البحر، وأما نحن فنعبر إلى البریة.وإذ نتنقى بصوم الأربعین مع الصلوات والتداریب والأعمال الصالحة نستطیع أن نعبر إلى أورشلیم لنأكل الفصح المقدس.
الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير
القمص تادرس يعقوب ملطي

عدد الزيارات 389

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل