القمص تادرس يعقوب ملطى

تاريخ الرسامة: 25 نوفمبر 1962 م.
الاسم في الرتبة الأولى: أبونا القس تادرس يعقوب ملطي.
الخدمة في: كنيسة مارجرجس القبطية الأرثوذكسية، سبورتنج، الإسكندرية، مصر.
وكان اسمه العِلماني هو الشماس فايز يعقوب ملطي.
كان من ضمن مَنْ تعرَّضوا للاعتقال من خلال قرارات سيادة الرئيس محمد أنور السادات الخاطئة (قرارات التحفُّظ في سبتمبر 1981 م.)، وتم ذلك في سجن المرج.
هو واعظ شهير وهو مؤلف لكتب في موضوعات عِدة
له مقالات في مجلة الكرازة.
يقوم بالسفر من آن لآخر خارج البلاد في خدمات متنوعة، وخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية.
الكتب (225)

الأحد الرابع من شهر كيهك - أترى ماذا يكون هذا الصبي القمص تادرس يعقوب ملطى

الأحد الثالث من كيهك، الكرازة بالفرح في الرب القمص تادرس يعقوب ملطى

من تفسير وتأملات الآباء الأولين- حكمة سليمان القمص تادرس يعقوب ملطى

من تفسير وتأملات الآباء الأولين- رؤيا يوحنا اللاهوتى القمص تادرس يعقوب ملطى

من تفسير وتأملات الآباء الأولين-رسالة يهوذا القمص تادرس يعقوب ملطى

من تفسير وتأملات الآباء الأولين-رسالة يوحنا الرسول الثالثة القمص تادرس يعقوب ملطى

من تفسير وتأملات الآباء الأولين-رسالة يوحنا الرسول الثانية القمص تادرس يعقوب ملطى

من تفسير وتأملات الآباء الأولين-رسالة يوحنا الرسول الاولى القمص تادرس يعقوب ملطى
المقالات (52)
09 نوفمبر 2025
الأحد الخامس شهر بابه يو 6 : 5 - ۱4
" فَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ أَنَّ جَمْعًا كَثِيرًا مُقْبِلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِفِيلُبُّسَ مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزًا لِيَأْكُلَ هؤُلاَءِ؟ وَإِنَّمَا قَالَ هذَا لِيَمْتَحِنَهُ، لأَنَّهُ هُوَ عَلِمَ مَا هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَفْعَلَ أَجَابَهُ فِيلُبُّسُ لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ،وَهُوَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ هُنَا غُلاَمٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلكِنْ مَا هذَا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ؟ فَقَالَ يَسُوعُ اجْعَلُوا النَّاسَ يَتَّكِئُونَ وَكَانَ فِي الْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ، فَاتَّكَأَ الرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلاَفٍ وَأَخَذَ يَسُوعُ الأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ، وَوَزَّعَ عَلَى التَّلاَمِيذِ، وَالتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا الْمُتَّكِئِينَ. وَكَذلِكَ مِنَ السَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ فَجَمَعُوا وَمَلأُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ الشَّعِيرِ، الَّتِي فَضَلَتْ عَنِ الآكِلِينَ فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا إِنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ!"
"فرفع يسوع عينيه،ونظر أن جمعًا كثيرًا مقبل إليه،فقال لفيلبس من أين نبتاع خبزًا ليأكل هؤلاء؟" [5]
رفع يسوع عينيه ورأى الجمهور الضخم من الطبقة العامة الفقيرة، نفوسهم في عينيه ثمينة جدًا كنفوس الأغنياء بلا تمييز يهتم السيد باحتياجاتهم الروحية كما الجسدية أيضًا لذلك سأل فيلبس "من أين نبتاع خبزًا ليأكل هؤلاء؟" فقد كان يهوذا هو أمين الصندوق، وكان فليبس هو المسئول عن تدبير الطعام اليومي للتلاميذ هذا يظهر أنه لم يجلس قط في أي وقت في خمول مع تلاميذه، وإنما يدخل معهم في حوار، ويجعلهم ينصتون إليه ويتجهون نحوه، الأمر الذي يشير على وجه الخصوص إلى عنايته الحانية وتواضعه وتنازله في سلوكه معهم. لقد جلسوا معه وربما كل ينظر الواحد إلى الآخر، وإذ رفع عينيه شاهد الجماهير قادمة إليه القديس يوحنا الذهبي الفم رفع المسيح عينيه ليعلن أن الذين يحبونه يتأهلون للنظرة الإلهية وكما قيل لإسرائيل في البركة "يرفع الرب وجهه عليك، ويمنحك سلامًا" (عد 6: 26) القديس كيرلس الكبيرأعطى يسوع للبعض خبزًا من الشعير لئلا يخوروا في الطريق، ومنح سرّ جسده للآخرين (مت 26: 26) لكي يجاهدوا من أجل الملكوت القديس أمبروسيوس
يقارن القديس يوحنا الذهبي الفم بين ما فعله الله مع موسى النبي وما فعله السيد المسيح مع فيلبس ففي القديم سأل الله موسى عما في يده،وإذا به يخبره أنها عصا لا حول لها ولا قوة فتصير عصا لله التي يصنع بها عجائب وها هنا يسأل السيد المسيح فيلبس عن إمكانياته وهو والتلاميذ لإشباع الجموع فكادت تكون لا شيء سوى خمسة أرغفة شعير وسمكتان لدي غلام استخدمها السيد لإشباع هذه الألوف مع فيض من الكسر من أجل محبته للإنسان يود الله أن يدخل دومًا في حوار معه،ويسأله عن إمكانياته لكي يقدم الله من جانبه إمكانياته الإلهية القديرة خلال عجزنا وضعف إمكانياتنا.
"وإنما قال هذا ليمتحنه،لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل". [6]
قال السيد المسيح ذلك لكي يختبر إيمانه،ولكي يجتذب قلبه وقلوب إخوته نحو عمله الإلهي هذا وقد كان فيلبس من بيت صيدا في منطقة مجاورة للموضع على إلمام بإمكانيات الموضع وربما يعرف الكثيرين في ذلك الموضع سأل فيلبس ليس لأن السيد المسيح لا يعرف الإجابة، وإنما لكي يتعرف فيلبس على بلادة إيمانه.
"أجابه فيلبس لا يكفيهم خبز بمأتي دينارليأخذ كل واحدٍ منهم شيئًا يسيرًا". [7]
كان الدينار هو الأجرة اليومية العادية للشخص كأن الرسول فيلبس يقول للسيد المسيح أنه لا مجال لمناقشة هذا الأمر، فمن جهة لا توجد إمكانيات في الموضع لإشباع هذه الجماهير، وإن وُجدت الإمكانيات العينية فمن أين لنا أن نشتري هذا فإننا نحتاج إلى 200 دينارًا؟
"قال له واحد من تلاميذه وهو أندراوس أخو سمعان بطرس". [8]
مع أن أندراوس أكبر من سمعان بطرس، وهو الذي دعا أخاه ليتبع المسيح، لكن سرعان ما لمع نجم بطرس حتى صار أندراوس يُعرف بأنه أخ بطرس، أي يُنسب إليه لكي يعرفه القارئ كان أندراوس أسمى من فيلبس لكنه لم يبلغ إلى النهاية. ما نطق به ليس مصادفة بل سمع عن معجزات الأنبياء وكيف صنع أليشع آية بالخبزات (2 مل 4: 43)، ولهذا فقد ارتفع إلى علو معين، لكنه لم يبلغ إلى القمة ذاتها القديس يوحنا الذهبي الفم
"هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان،ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟" [9]
عُرِفَت كنعان بأنها أرض الحنطة (تث 8: 8) اعتاد سكانها أن يأكلوا الحنطة الفاخرة (مز 81: 16) لكن يسوع المسيح سرّ بالخبزات التي من الشعير فلم يحتقرها بل شكر ووزع خلال تلاميذه ليجد الكل شبعًا في ضعف إيمان قال فيلبس: "ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟" [9]. لم يدرك أن يسوع هو الذي أشبع محلة إسرائيل كلها في البرية بالمن النازل من السماء، فهل يصعب عليه أن يشبع ألف عائلة بخبزة شعير؟
يرى القديس أغسطينوس أن الأرغفة الخمسة من الشعير تشير إلى العهد القديم الذي يضم أسفار موسى الخمسة. وهي من الشعير، لأن قشرة الشعير جامدة ويصعب نزعها، كالعهد القديم حين كان اليهود يمارسونه بالحرف، ويستصعبون إدراكه بالروح. أما الغلام فيشير إلى شعب إسرائيل القديم الذي سلك في الروحيات كغلام صغير بلا نضوج، وأما السمكتان فتشيران إلى الشخصيتان الرئيسيتان في العهد القديم، وهما النبي والملك أو الحاكم. كان الغلام يحمل هذا دون أن يأكل منه لقد قُدمت الخبزات والسمكتان لذاك الذي وحده يعطي العهد القديم فهما روحيًا جديدًا. [بعد طول زمانٍ جاء بنفسه في سرّ، هذا الذي عُني به خلال هؤلاء الأشخاص. جاء بعد زمن طويل ذاك الذي يشار إليه بالشعير، ولكنه كان مخفيًا بالقشرة. جاء الشخص الواحد يحمل الشخصيتين للكاهن والحاكم. إنه الكاهن إذ يقدم نفسه للَّه ذبيحة من أجلنا، وهو الحاكم إذ يملك علينا. هذه الأمور التي كانت مغطّاة الآن تُكشف. شكرًا له، فقد حقق بنفسه ما ورد في العهد القديم. أمر بكسر الخبزات، وبكسرها تضاعفت وكثرت. ليس حق أفضل من هذا، أنه إذ تُفسر أسفار موسى الخمسة كم من الأسفار تُكسر وكأنها قد صارت مفتوحة ومحمولة؟
هكذا يشير الغلام إلى الشعب اليهودي الذي كان كطفلٍ في معرفته وفهمه للناموس. كانوا يتمسكون بالحرف دون إدراك للروح. وكانت الخبزات الخمس تشير إلى كتب موسى التي متى وضعت في يدي المسيح تفيض علينا بالفهم الروحي المشبع للنفس، وتقوت قلوبنا بخبز الحياة. أما السمكتان فتشيران إلى المزامير والأنبياء. بالمزامير يعلن المؤمنون شكرهم وتسابيحهم لعمل الله الخلاصي، وخلال الأنبياء يتعرفون على سرّ المسيح مشبع كنيسته بحضرته، واتحادها معه، وثبوتها فيه وهو فيها. وقد تم ذلك بعد عبور بحر طبرية، أي يتحقق خلال مياه المعمودية جاءت الكلمة اليونانية ὀψάρια للسمكتين وهو الاسم المُسْتَخْدَمَ حاليًا في مصر باللغة الدارجة"بساريا" يترجمها البعض سمكتين صغيرتين. ويرى كثير من الدارسين أن السمكتين كانتا مملحتين، ولا يزال الأقباط يأكلون سمكًا مملحًا في يوم شم النسيم swm `nnicim، في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد الخمسة أرغفة تعني أسفار موسى الخمسة التي للناموس. فالناموس القديم هو من الشعير متى قورن بحنطة الإنجيل. في هذه الأسفار توجد أسرار عظيمة عن المسيح. لذلك قال بنفسه: "لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني، لأنه هو كتب عني" (يو 5: 46) ولكن كما أنه في الشعير يختفي لُبه في قشرته (القش) هكذا في حجاب إسرار الناموس يختفي المسيح وكما أن هذه الأسرار تصير في تقدم وتُكشف، هكذا هذه الخبزات تتزايد عندما تُكسر في هذا الذي أشرحه لكم أكسر لكم خبزًا الخمسة آلاف رجلًا يشيرون إلى الشعب الخاضع لأسفار الناموس الخمسة. الإثنا عشر قفة هم الإثنا عشر تلميذًا الذين هم أنفسهم امتلأوا بكسر الناموس. السمكتان هما وصيتا حب الله وقريبنا، أو هما الشعبان: أهل الختان والغرلة، أو الشخصيتان للملك والكاهن. إذ تُشرح هذه الأمور، تُكسر، عندما يفهمها الآكلون القديس أغسطينوس يشير بالأرغفة الخمسة إلى كتاب الحكيم جدًا موسى ذي الأسفار الخمسة، أعني الناموس كله الذي كان بمثابة الطعام الأغلظ، أي بالحرف والتاريخ، لأن هذا ما يلمح إليه لفظ "شعير" لكنه يشير بالسمكتين إلى ذلك الطعام الضئيل الذي حصلنا عليه بواسطة الصيادين، إشارة إلى الكتب الشهية جدًا التي لتلاميذ المخلص. وهما اثنتان، إشارة إلى الكرازة الرسولية الإنجيلية التي أشرقت في وسطنا. وكلاهما مخطوطات الصيادين وكتاباتهم الروحية. هكذا يخلط المخلص الجديد بالقديم، والناموس بتعاليم العهد الجديد، فيقود نفوس المؤمنين به إلى الحياة التي هي بلا شك أبدية القديس كيرلس الكبير
إذ يشير القديس كيرلس الكبير إلى عدم الإيمان فيلبس يحذرنا من عدم الإيمان الذي بسببه حُرم موسى وهرون من أن يقودا الشعب إلى الأرض الموعد حين تشككا في إمكانية صدور ماءٍ من الصخرة. يقول: [من ينجو بسبب عدم إيمانه من غضب الله، هذا الذي لا يحابي أحدًا، إذ لم يشفق حتى على موسى الذي قال له: "عرفتك أكثر من الجميع، ووجدت نعمة في عيني" (خر 23: 12) ] تحول عدم إيمانهم إلى شهادة حسنة للمسيح. لأنهم باعترافهم أن مبلغا كبيرًا كهذا المال لن يكفي الجموع ولو لشراء زادٍ طفيف، بهذا ذاته يكللون قدرة رب الجنود التي لا يُنطق بها، هذا الذي عندما لم يتوفر شيء... تمم عمل محبته نحو الجموع بغنى فائق القديس كيرلس الكبير
ربما يتساءل البعض: ألم يكن ممكنًا للسيد المسيح أن يشبع الجموع دون استخدام السمكتين والخمس خبزات؟
يرى كثير من الآباء أن السيد استخدم هذه الأمور لكي لا يظن أحدا أن الخليقة المادية نجاسة، وأنها غير صالحة، كما ادعى الغنوصيون خاصة في القرن الثاني الميلادي. إنه يقدس ما خلقه سواء القمح أو الشعير أو السمك أو الكروم ويستخدم هذه الأمور في صنع عجائبه بمباركته إياها أعتقد (أندراوس) أن صانع العجائب يقدم القليل من القليل، والكثير مما هو كثير. لكن الأمر على خلاف ذلك، فإنه يسهل على السيد في الحالتين أن يجعل الخبز يفيض سواء من الكثير أو من القليل، إذ لا يحتاج إلى مادة (ليفيض منه الخبز) ولكن لئلا يظن أن الخليقة غريبة عن حكمته كما ادعى بعد ذلك المفترون الذين تأثروا بمرض مرقيون (الذي يظن أن المادة دنس والخليقة المادية نجسة لا تليق بالله)، لهذا استخدم السيد الخليقة نفسها (الخبز والسمك) كأساس لعمل عجائبه القديس يوحنا الذهبي الفم
يرى القديس جيروم أن السيد المسيح قدم للجماهير تارة خبزًا من الحنطة وأخرى من الشعير (مت 15:14-21؛ 32:15-38). كل من الحنطة والشعير خليقة اللَّه، بها تشبع الجماهير. وإذ كان الشعير في ذلك الحين طعام الحيوانات، لذا جاء في المزمور: "أنت يا رب تخلص الإنسان والحيوان" (مز 7:36). فهو يُشبع الروحيين، وأيضًا الذين تحت ضعف الجسد. ويبرر بهذا القديس جيروم حديثه عن البتولية أنها كالذهب، والزواج كالفضة، وكلاهما معدنان لهما قيمتهما.
"فقال يسوع اجعلوا الناس يتكئون،وكان في المكان عشب كثير،فاتكأ الرجال وعددهم نحو خمسة آلاف". [10]
طلب السيد المسيح من تلاميذه أن يتكئوا الناس على العشب ليستعدوا للطعام قبل أن يقدم لهم الطعام، أو يروي لهم ما سيفعله. لقد طلب الطاعة المرتبطة بالإيمان ليقفوا ويروا خلاص الله العجيب يشير العشب الكثير إلى الجسد (إش 50: 6)، أو الشهوات الجسدية. فإنه لا يستطيع أحد أن يشبع بالقوت الروحي ما لم يُخضع شهواته الجسدية تحته، أو يطأها بقدميه. إذ اتكأ الرجال الخمسمائة على العشب تمتعوا بالطعام الروحي المقدم لهم من السيد المسيح نفسه خلال تلاميذه كان من عادة اليهود أن يحصوا الرجال وحدهم من سن العشرين فما فوق دون النساء والأطفال أو الصبيان رقم 5 يشير إلى حواس المؤمنين الخمس وقد سمت لتصير سماوية حيث رقم 1000 يشير في الكتاب المقدس إلى الحياة السماوية. لذلك اتكأ الرجال وكان عددهم خمسة آلاف، إذ لم يكن ممكنًا للمؤمنين أن يتمتعوا بالشبع الروحي وفهم الناموس روحيًا ما لم يحملوا سمات النضوج الروحي (رجالًا)، وتتقدس حواسهم الخمس لتحمل سمات سماوية. لذلك فالمؤمن رمزه 5000 (خمس حواس × حياة سماوية "1000" = 5000). أما جلوسهم على الشعب فيحمل رمز خضوع الجسد للنفس المقدسة للرب. فمن يطأ الزمنيات، ولا يرتبك بها، تنفتح طاقات السماء لتقدس كل حواسه وطاقاته وكيانه الداخلي، وتشبعها بالحكمة كما من مائدة إلهية غنية تجاوز تمامًا عن الإناث والأطفال وأحصى الجموع من البالغين، لأنه مكرَّم في كتاب الله كل من هو رجل يافع، وليس من هو طفولي في طلب الصالحات الذين يسلكون كرجال في الصلاح يُعطون الطعام بواسطة المخلص على وجه الخصوص، وليس للذين هم مخنثين ولا يمارسون الصلاح في حياتهم، ولا للذين هم أطفال في الفهم، العاجزين عن إدراك أي أمر ضروري معرفته القديس كيرلس الكبير
بهذا القول أنهض المسيح تمييز تلاميذه وأطاعوه في الحال، ولم يضطربوا، ولا قالوا ما هو هذا، كيف يأمرنا أن نتكئ الجموع ولم يظهر شيئًا في الوسط؟ بهذا ابتدأوا بالإيمان قبل نظرهم إلى المعجزة القديس يوحنا الذهبي الفم
"وأخذ يسوع الأرغفة وشكر ووزع على التلاميذ،والتلاميذ أعطوا المتكئين،وكذلك من السمكتين بقدر ما شاءوا". [11]
يعلمنا السيد أن نقدم الشكر لله على كل بركاته الروحية والجسدية، فإن ما لدينا هو عطية مجانية من عنده. وكما يقول الرسول بولس "لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يُرفض شيء إذ أُخذ مع الشكر، لأنه يقدس بكلمة الله والصلاة" (1 تي 4: 4-5) إن كانت الجماهير قد قبلت الخبز من أيدي التلاميذ إلاَّ أن العطية في حقيقتها هي من يدي السيد المسيح نفسه هكذا يليق بالمؤمن أن يدرك أن كل ما يناله هو من الرب نفسه، وإن جاءت بوسيلة أو أخرى صلى لأن الحاضرين كانوا جمعًا عظيمًا ووجب أن يتحقق عندهم أنه جاء إليهم برأي الله، وحتى يصيرهم موقنين أنه ليس ضد الله ولا معاندًا لأبيه القديس يوحنا الذهبي الفم
قبل أن يوزع السيد المسيح الخبز والسمكتان على تلاميذه شكر حتى يعلن فرحه بكل عطية سماوية يقدمها للبشر كي يشبعوا ويغتنوا، أيضًا لكي يدربنا على حياة الشكرعهد السيد المسيح بالطعام للتلاميذ، والتلاميذ قدموه للمتكئين، أي الجمهور. إنه بيديه يقدم لنا الفهم الروحي للناموس والمزامير والأنبياء، ولكن خلال تلاميذه ورسله أو الكنيسة المقدسة.
"فلما شبعوا قال لتلاميذه اجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء". [12]
يلتزم المؤمن بجمع الكسر، فلا يبدد الموارد، لأنها عطية إلهية ووزنة يلزمنا أن نكون أمناء فيها مهما بدت تافهة، ولو كانت كسرة خبز من الشعير. كان اليهود يتطلعون إلى الخبز بكونه الطعام الرئيسي يمثل بركة من الرب، لذا يحرصون ألا يسقط فتات خبز على الأرض ولا يطأ أحد بقدميه على فتات الخبز. إلى الآن في صعيد مصر يحمل الناس هذا الاتجاه فيحسبون من يطأ بقدميه على فتات خبز كمن يسيء إلى بركة الرب وعطاياه. جاء في أمثال اليهود: "من يحتقر خبزًا يسقط في أعماق الفقر" إن كان الرب يهتم بكسر الخبز الذي من الشعير، فكم بالأولى لنا أن نحرص على ألا نفقد كلمة الرب أو نفسد وقتنا؟
وضع اليهود لأنفسهم قانونًا أن يتركوا كسرة خبز بعد الطعام إشارة إلى أن البركة قائمة في البيت أما الأشرار فلا يبقون شيئًا على المائدة إشارة إلى نزع البركة عنهم "ليست من أكله بقية، لأجل ذلك لا يدوم خيره" (أي 20: 21) إن كسرت الخمس خبزات لن تملأ اثنتي عشرة قفة، فكيف ما تبقي منها يملأها؟ لم يكن ممكنًا لكائنٍ ما أن يدرك كيف يجمعون كسرًا من الخمس خبزات التي قُسمت على هذه الآلاف من البشر بعد أن شبعوا. هكذا إذ يقدم لنا السيد المسيح طعامًا روحيًا يشبع أعماقنا وتفيض يشبع آخرون من الكسر المتبقية والتي تفوق أحيانا ما قد نلناه جاء هذا الأمر الإلهي الخاص بجمع الفضلات يكشف عن أهمية الإيمان بإله المستحيلات الذي يهب بسخاء، فيشبع النفوس لتفيض بالخيرات والفرح، على خلاف الانحباس في الأرقام والحسابات البشرية مع عدم الإيمان والتي تسبب جفافًا وحرمانًا داخليًا يدعونا السيد لكي نتقبل من يديه حياة أفضل وشبعًا يفيض، فنترنم قائلين: "تعرفني سبل الحياة، أمامك شبع سرور، وفي يمينك نعم إلى الأبد" (مز 16: 11) بجمع الكِسَرْ يتأكد الإيمان بأنه كانت هناك وفرة من الطعام حقًا، ولم يكن الأمر فيه خداع لنظر المشتركين في الوليمة لا يخيب الله من يستعد للتوزيع؛ ويتهلل بمسلك المحبة الأخوية... إذ ننفق قليلًا لأجل مجد الله ننال نعمة أوفر، كقول المسيح: "كيلًا جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا يعطون في أحضانكم" (لو 6: 38)... يقول الله: "افتح أحشاءك بسعة لأخيك المحتاج الذي معك" (انظر تث 5: 11)القديس كيرلس الكبير
يرى القديس كيرلس الإسكندري أن السيد المسيح سمح بامتلاء اثنتي عشرة سلة، لكل تلميذ سلة. وكأن من يتعب في تقديم كلمة الله، الطعام الروحي، للشعب فسينال بسخاء ملء النعمة الإلهية كان يرغب أنه يعلم تلاميذه الذين كانوا معدين ليكونوا معلمين للعالم ربما لم تحصد الجموع أية ثمار من المعجزة (إذ للحال نسوا المعجزة وسألوا معجزة أخرى) بينما هؤلاء التلاميذ اقتنوا نفعًا ليس عامًا إني مندهش من دقة الفائض. الكسر الباقية تحمل النقاط التالية:
أن ما حدث لم يكن تخيلًا، وأنها كسر من الخبزات التي اقتاتت بها الجموع.
أما بالنسبة للسمك فقد جاء عن مادة كانت موجودة فعلًا (أي كان السمك لدى الغلام) ولكن في فترة لاحقة، بعد القيامة وُجد سمك ليس من مادة موجودة (حيث وجدوا سمكًا مشويًا قبل إخراج السمك من الشبكة ( يو 9:21)القديس يوحنا الذهبي الفم
"فجمعوا وملأوا اثنتي عشرة قفة من الكسر،من خمسة أرغفة الشعير التي فضلت عن الآكلين". [13]
يشير جمع الكسر التي تملأ 12 سلة إلى الالتزام بالشهادة للثالوث القدوس في كل العالم، أي في المشارق والمغارب والشمال والجنوب (3×4=12) لذلك كان عدد أسباط بني إسرائيل 12 وعدد التلاميذ12 وجاءت الكسر 12 قفة وكأنه يليق بالشعب الذي يتمتع بالطعام الروحي من يد الآب خلال كنيسته أن يقدم فضلاته التي تشبع المسكونة كلها لتجذب غير المؤمنين إلى ملكوت الله.
"فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع،قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم". [14]
واضح من هذا أنه حتى عامة الشعب كانوا يترقبون مجيء المسيا إلى العالم. لقد احتقر الفريسيون عامة الشعب، ناظرين إليهم أنهم بلا معرفة، ولم يدركوا أن العامة ببساطتهم عرفوا ما لم يستطع الفريسيون بعلمهم ومعرفتهم أن يبلغوا إليه. لقد أدرك العامة أنه قد جاء النبي الذي وعد به الله شعبه خلال موسى النبي (تث 18: 15) اقترب العامة من ملكوت السماوات يقارن القديس كيرلس الكبير بين رد فعل اليهود إذ أرادوا رحمة عندما شفى مرضى، أما هنا الذين هم خارج اليهودية، فقد قالوا "بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم" أولئك رأوا معجزات كثيرة لكنهم كانوا قساة قلوب غير مؤمنين، بينما هؤلاء شاهدوا معجزة واحدة فمجدوه [قد حان الوقت أن ينال الأمم أخيرًا نصيبًا من الرحمة من فوق، ونصيبًا من المحبة بالمسيح].
القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج
المزيد
07 أبريل 2025
البشارة بالتجسد الإلهي ( لوقا 1 : 26 – 35)
“وفي الشهر السادس أٌرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم…”[26-27].
أولاً: منذ خمسة أشهر سبق فبشَّر الملاك زكريَّا الكاهن، والآن مع بداية الشهر السادس جاء يبشِّر القدّيسة مريم، لكن شتَّان بين البشارتين. حقًا إن البشارة الأولى تمَّت داخل الهيكل أثناء العبادة الجماعيّة، رافقها زكريَّا أمام الجميع وتحدَّث عنها الكهنة، إذ تمَّت مع زميلهم الكاهن، لكن كانت بشارة بميلاد أعظم مواليد النساء يوحنا السابق خادم الكلمة؛ أما البشارة الثانية فتمَّت في بيت مجهول في قريّة فقيرة بطريقة سريّة لم يلمسها حتى صاحب البيت نفسه “يوسف النجار”، وقد كانت بشارة بتجسّد الكلمة ذاته! لقد أخلى الابن ذاته، حتى في البشارة به لم تتم به بين كهنة، ولا في داخل الهيكل، ولا على مستوى الجماعة، إنما تمَّت مع فتاة فقيرة في مكان بسيط.
ثانيًا: أٌرسل الملاك إلى “عذراء مخطوبة لرجل“، لماذا لم يُرسل إلى عذراء غير مخطوبة؟
أ. يجيب العلامة أوريجينوس بأن وجود الخاطب أو رجل مريم ينزع كل شكٍ من جهتها عندما تظهر علامات الحمل عليها، ويقول القدّيس أمبروسيوس:[ربَّما لكي لا يُظن أنها زانية. ولقد وصفها الكتاب بصفتين في آن واحد، أنها زوجة وعذراء. فهي عذراءلأنها لم تعرف رجلاً، وزوجة حتى تُحفظ ممَّا قد يشوب سمعتها، فانتفاخ بطنها يشير إلى فقدان البتوليّة (في نظر الناس)هذا وقد اِختار الرب أن يشك البعض في نسبه الحقيقي عن أن يشكُّوا في طهارة والدته لم يجد داعيًا للكشف عن شخصه على حساب سمعة والدته] سبق لنا دراسة الخطبة والزواج حسب التقليد اليهودي، وكيف كانت الخطبة تعادل الزواج حاليًا في كل شيء ماخلا العلاقات الجسديّة، لهذا دعيت القدّيسة مريم “امرأة يوسف”.
ب. يرى العلامة أوريجينوس نقلاً عن القدّيس أغناطيوس أن وجود يوسف يشكِّك الشيطان في أمر المولود ويُربكه من جهة التجسّد الإلهي وقد قدَّم لنا القدّيس أمبروسيوس ذات الفكر حين قال: [هناك سبب آخر لا يمكن إغفاله وهو أن رئيس هذا العالم لم يكتشف بتوليّة العذراء، فهو إذ رآها مع رجلها لم يشك في المولود منها، وقد شاء الرب أن ينزع عن رئيس هذا العالم معرفته. هذا ظهر عندما أوصى السيِّد تلاميذه ألا يقولوا لأحد أنه المسيح (مت16: 22)، كما منع الذين شفاهم من إظهاراسمه (مت5: 4) وأمر الشيَّاطين ألا تتكلَّم عن ابن الله (لو 4: 35). يؤيِّد ما ذكره الرسول أيضًا “بل نتكلَّم بحكمة الله في سّر، الحكمة المكتومة التي سبق الله فعيَّنها قبل الدهور لمجدنا، التي لم يعملها أحد من عظماء هذا الدهر، لأن لو عرفوالما صلبوا رب المجد”(1 كو 2: 7-8)… إذن لقد توارى الرب عن إبليس لأجل خلاصنا. توارى لكي ينتصر عليه، توارى عنه في التجربة، وحين كان يصرخ إليه ويلقبِّه “ابن الله” لم يؤكِّد له حقيقة لاهوته. توارى الرب أيضًا عن رؤساء البشر. وبالرغم من تردّد إبليس حين قال: “إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل”(مت 4: 6) إلا أن الأمر قد انتهى بمعرفته إيَّاه، فقد عرفتْهُ الشيَّاطين حين صرخت: “ما لنا ولك يا يسوع ابن الله أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذِّبنا؟!” (مت 8: 29).لقد عرفتْه الشيَّاطين إذ كانت تترقَّب مجيئه، أما رؤساء العالم فلم يعرفوه… استطاع الشيطان بمكر أن يكشف الأمور المكتوبة أما الذين اقتنصتهم كرامات هذا العالم فلم يستطيعوا أن يعرفوا أعمال الله.]
ثالثًا: كرَّر الإنجيلي كلمة “عذراء” وكأنه أراد تأكيد عذراويَّتها ليعلن أن السيِّد المسيح ليس من زرع بشر. هذا ما أعلنه حزقيال النبي بقوله عن الباب الشرقي: “هذا الباب يكون مغلقًا لايُفتح، ولا يدخل من هإنسان، لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقًا، الرئيس، الرئيس هو يجلس فيه”(حز 44:2-3). ولذلك جاء في الطقس البيزنطي عن السيِّدة العذراء: [السلام لكَ، أيها الباب الفريد الذي عبر منه الكلمة وحده].
إنها عذراء وزوجة (عروس) في نفس الوقت، إذ تمثِّل العضو الأول في الكنيسة العذراء عروس المسيح، وكما يقول القدّيس أمبروسيوس: [كانت مريم الزوجة العذراء تمثِّل في آن واحد الكنيسة العروس التي بلا عيب. فالكنيسة عروس المسيح البتول، حبلت بنا بالروح القدس وولدتنا بغير ألم، ومريم حبلت بالروح لا بالزواج، وهكذا صارت تمثِّل كل الكنائس التي تثمر بالروح والنعمة، وإن كانت تتَّحد ظاهريًا تحت لواء راعٍ بشري.]
يقول القدّيس أغسطينوس: [كما ولدت مريم ذاك الذي هو رأسكم، هكذا ولدتكم الكنيسة، لأن الكنيسة هي أيضًا أم وعذارء، أم في أحشاء حبنا، وعذراء في إيمانها غير المزعزع. هي أم لأمم كثيرة الذين يمثِّلون جسدًا واحدًا، وذلك على مثال العذراء أُم الكثيرين وفي نفس الوقت هي أُم للواحد].
يقول القدّيس كيرلس الكبير: [لنُطوِّب مريم دائمة البتوليّة بتسابيح الفرح، التي هي نفسها الكنيسة المقدَّسة].
رابعًا: يحدّد الإنجيل اسم المدينة التي جاء إليها الملاك ليلتقي بالقدّيسة العذراء مريم، وهى”ناصرة“. مدينة في الجليل بشمال فلسطين، تبعد 88 ميلاً شمال أورشليم، و15 ميلاً جنوب غربي طبريّة. عاش فيها القدّيس يوسف والقدّيسة العذراءمريم، وقد قضى السيِّد المسيح القسط الأوفر من الثلاثين عامًا الأولى في حياته فيها (لو 3: 23؛ مر1: 9)، فدُعيَ بالناصري (مت12: 11؛ مر 1: 24). إذ بَدَأ رسالته رفضَهُ أهلها مرّتيْن (لو 4: 28-31؛ مت 4: 13؛ 13: 54-58؛ مر 6: 1-6). تقع على تل (لو4: 29)، ولم يكن لها أهميّة تُذكر، فلم ترد في العهد القديم، ولا في وثائق الدول العظمى قبل مجيء المسيح، ولا في كتابات المؤرِّخ اليهودي يوسيفوس. لعلَّ كلمة “ناصرة” تعني “قضيب” أو”غصن”… ولهذا السبب كثيرًا ما دُعي السيِّد المسيح بالغُصن.
خامسًا: جاءت تحيّة الملاك: “سلامٌ لكِ أيَّتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء”[28]. لم تكن بالتحيّة العاديّة وإنما جاءت تحيَّة فريدة، حملت كل معنى الفرح، فالكلمة اليُّونانيّة “شيريه” التي تُرجمت هنا “سلام” ورد فعلها حوالي 80 مرة في الترجمة السبعينيّة للعهد القديم، تُرجم نصفها “يفرح” والنصف الآخر استخدم للتعبير عن فرح شعب الله بعمل مثير يمس خلاصهم.وكأن القدّيسة مريم قد نالت باسم الكنيسة كلها التي هي عضو فيها فرحًا فائقًا خلال تجسّد الله الكلمة وحلوله فيها.
فيما يلي بعض التعليقات للآباء على هذه التحيّة الفريدة:
– انفردت بدعوتها “الممتلئة نعمة”، إذ وحدها نالت النعمة التي لم يقتنيها أحد آخر غيرها، إذ امتلأت بمواهبالنعمة.
القدّيس أمبروسيوس
– هذا الميلاد مطلقًا هو نعمة، فيه تمَّ الاتِّحاد، اتِّحاد الإنسان بالله، والجسد بالكلمة… لم تكن الأعمال الصالحة هي الاستحقاق لتحقيقه
القدّيس أغسطينوس
– التحفت بالنعمة الإلهيّة كثوب، امتلأت نفسها بالحكمة الإلهيّة، في القلب تنعَّمت بالزيجة مع الله، وتسلَّمت الله في أحشائها!
الأب ثيؤدسيوس أسقف أنقرة
سمعت القدّيسة مريم الملاك يقول لها: “الرب معكِ”، وكانلهذا التعبير مفهومه الخاص بالنسبة لها، فقد ذاقت معيّة الله على مستوى فريد، إذ حملت كلمة الله في أحشائها، وقدَّمت له من جسدها ودمها!
“مباركة أنت في النساء”… وكما يقول العلامة أوريجينوس: [الفرح الذي بوَّق به جبرائيل لمريم نزع حكم الحزن الصادر من الله ضد حواء، [كما بدأت الخطيّة بالمرأة وبعد ذلك عبرت إلى الرجل، هكذا بدأت البشارة بالنسوة (مريم واليصابات ].
سادسًا: “فلما رأتهُ اضطربت من كلامه وفكَّرت ما عسى أن تكون هذه التحيّة. فقال لها الملاك: لاتخافي يامريم، لأنك قد وجدت نعمة عند الله”[29-30].
يقول القدّيس جيروم: [لقد اضطربت ولم تستطع أن تجاوبه، إذ لم يسبق لها أن قدَمت تحيّة لرجلٍ من قبل، لكنها إذ عرفته من هو أجابته، هذه هي التي كانت تخاف الحديث مع رجل، صارت تتحدَّث مع ملاك بلا خوف].
هكذا يرى كثير من الآباء أن السيِّدة العذراء كنموذج حيّ للعذارى اللواتي تكرَّسن للعبادة يسلُكن بحياءٍ شديدٍ، ولا يلتقين برجالٍ، بل يقضين حياتهنَّ في بيوتهنَّ أو في بيوت العذارى، لا يتعاملْن مع الرجال. لكننا لا نستطيع أن ننكر أن مع ما اتَّسَمت به العذراء من حياء شديد وتكريس كامل لحساب الرب، وعدم رغبتها في الزواج، كما يظهر من قولها للملاك: “كيف يكون لي هذا وأنا لست أعرف رجلاً” لكنها كانت الإنسانة الفعّالة في الجماعة المقدَّسة. فعّالة بصلواتها وتقواها، وفعّالة أيضًا بقبولها عطيّة الله الفائقة (تجسّد الكلمة في أحشائها)، وفعّالة في الخدمة، ففي أول معجزةللسيِّد المسيح طلبت منه “ليس لهم خمر”(يو 2: 3)، ورافقت السيِّد حتى الصليب، وبعد الصعود كانت مع التلاميذ تسندهم.فالبتوليّة لا تعني السلبيّة، إنما إيجابيّة الحّب الباذل المُعلن خلال العبادة والعمل، في حدود مواهب الإنسان التي يتسلّمها من الرب نفسه. لذلك يقول القدّيس أغسطينوس: [لا تكرم البتوليّة من أجل ذاتها، وإنما لانتسابها لله].
سابعًا: جاء الوعد الإلهي للقدّيسة مريم على لسان الملاك: “وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمِّينه يسوع. هذا يكون عظيمًا وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولايكون لمُلكه نهاية”[31-33].
تمتَّعت القدّيسة مريم بهذا الحبل الإلهي، إذ تجسّد ابن العلي فيها، هذا الذي ترقبه رجال العهد القديم كملكٍ يجلس على كرسي داود ويملكأبديًا، وكمخلِّصٍ لذا يدعى “يسوع” الذي يعني “يهوه خلاصي”.
– ليس من يشبه والدة الإله، فإنَّك وأنت تسكنين الأرض صرِت أُمًا للخالق.
(بارالكس) لحن البركة
– إن كان ابن الله قد صار ابنًا لداود، فلا تشك ياابن آدم أنك تصير ابنًا لله.
إن كان الله قد نزل أعماقًا كهذه، فإنَّه لم يفعل هذا باطلاً، إنماليرفعنا للأعالي! وُلد بالجسد، لكي تولد أنت ثانية حسب الروح.
وُلد من امرأة، لكي تصير أنت ابنًا لله.
القدّيس يوحنا ذهبي الفم
ثامنًا: إذ سمعت القدّيسة مريم الوعد الإلهي بروح التواضع وفي إيمان، دُهشت إذ كان الوعد فريدًا لم يُسمع في الكتب المقدَّسة إنسانًا ناله، لهذا تساءلت: “كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟!. فأجاب الملاك، وقال لها: الروح القدس يحلُّ عليكِ، وقوّة العليّ تظلِّلك، فلذلك أيضًا القدِّوس المولود منك يُدعى ابن الله”[34-35].
أ. يظهر من حديث العذراء أنها قد نذرت البتوليّة، فلو أنهاكانت تود الزواج لما قالت هكذا، بل تقول: “متى يكون هذا؟!” منتظرة تحقيق الوعد خلال الزواج. لقد وضعت في قلبها أن تكون بتولاً للرب، فحلّ البتول فيها، ليُقدِّس فيها بتوليّة الكنيسة الروحيّة. وكما يقول القدّيس أغسطينوس: [اليوم تحتفل الكنيسة البتول بالميلاد البتولي… فقد أكّد السيِّد المسيح بتوليّة القلب التي يريدها للكنيسة أولاً خلال بتوليّة جسد مريم. فالكنيسة وحدها هي التي تستطيع أن تكون بتولاً فقط حين ترتبط بعريس، ألا وهو ابن البتول، إذ تقدِّم له ذاتها تمامًا].
ب. يقول القدّيس أمبروسيوس: [لم ترفض مريم الإيمان بكلام الملاك، ولا اعتذرت عن قبوله، بل أبدت استعدادها له، أما عبارة: “كيف يكون هذا؟”فلن تنم عن الشك في الأمر قط، إنما هو تساؤل عن كيفيّة إتمام الأمر… إنها تحاول أن تجد حلاً للقضيّة… فمن حقِّها أن تعرف كيف تتم الولادة الإعجازيّة العجيبة.] لذلك جاءت إجابة الملاك لها تكشف عن سرّ عمل الله فيها لتحقيق هذه الولادة: “الروح القدس يحلُّ عليك، وقوّة العليِّ تظلِّلك ،فلذلك أيضًا القدِّوس المولود منك يُدعى ابن الله“.
الروح القدس يحلُّ عليها لتقديسها، روحًا وجسدًا، فتتهيَّأ لعمل الآب الذي يُرسل ابنه في أحشائها يتجسّد منها. حقًا يا له من سرّ إلهي فائق فيه يًعلن الله حبُّه العجيب للإنسان وتكريمه له!
أما هذا الإعلان أحنت رأسها بالطاعة لتقول: “هوذا أنا أَمَة الرب ليكن لي كقولك”[38]. شك زكريَّا الكاهن في إنجاب زوجته، والبتول آمنت، وفي طاعتها قبِلت عمل الله، وكما يقول القدّيس أمبروسيوس: [لقد سَمت بإيمانها على الكاهن؛ فالكاهن أخطأ وتوارى، والعذراء قامت بإصلاح الخطأ.] هكذا صمت زكريَّا بسبب شكِّه وحملت العذراء بالكلمة المتجسّد أو النطق الإلهي الذي لن يصمت.
يرى القدّيس إيريناؤس أن طاعة القدّيسة مريم قد حلَّت موضع عِصيان أُمِّها حواء؛ الأخيرة بعِصيانها عقَّدت الأمر، وجاءت ابنتها تحِل العقدة بالطاعة.
ويرى اللاهوتيون أنه في هذه اللحظات التي قدَّمت الطاعة لله والخضوع قبلت التجسُّد، إذ لم يكن ممكنًا أن يتم التجسّد بغير إرادتها وقبولها للعمل، إذ يقدِّس الله الحريّة الإنسانيّة.
يقول القدّيس أمبروسيوس: [إنها تصف نفسها أَمَة للرب مع أنها اُختيرت أُمًا له، فإنَّ الوعد الذي تحقّق لم يُسقطها في الكبرياء.] ويقول القدّيس أغسطينوس أن السيِّد المسيح المتواضع لا يُعلِّم أُمة في الحبل به- الكبرياء بل التواضع!
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس اسبوىتج
المزيد
19 أبريل 2025
سبت الفرح والتهليل
لقاء حول ظهور النور في سبت الفرح
في جلسة عائلية بعد الاحتفال بعيد القيامة المجيدة، الذي كان يُدعى « عيد الفصح المسيحي » سألت الفتاة الصغيرة أن ( حنة ) لماذا يظهر النور في سبت النور من قبر المسيح وليس في أحد القيامة ؟
أجابت والدتها سوسنة : إذ تجسد كلمة الله وصار إنسانًا ليُخلصنا بصلبه، مات بإرادته في نهاية الجمعة العظيمة. مع بدء السبت انطلقت نفسه إلى الهاوية، فاهتزت أسوارها واستقبله الراقدون الذين ماتوا وكانوا يؤمنون بمجيء المسيح المخلص. انطلقت نفوس أطفال بيت لحم الذين قتلهم هيرودس ومعهم الآباء ابراهيم وإسحق ويعقوب وعائلاتهم والمؤمنون من نسلهم وأيوب البار وأمثاله في موكب عظيم يضم البلايين يقدمون الشكر والتسبيح تهللت كل القوات السمائية من ملائكة ورؤساء ملائكة وشاروبيم وسيرافيم وغيرهم في منظر جميل ورائع، الكل كانوا يسبحون المخلص بتسبحة جديدة، إذ رأوا ما كان سرًا إلهيا مخفيًا عنهم دهشوا لمحبة الله لبني البشر الذين صاروا كملائكة الله وقد انضموا إلى خورس الملائكة للتسبيح نحن أيضا نفرح في سبت الفرح ونتغنى بتسابيح المؤمنين الذين عاشوا في العهد القديم والعهد الجديد فظهور النور في يوم السبت يدعونا أن نهنئ الراقدين بتمتعهم بالقيامة قبلنا، ونحسب فرحهم في يوم السبت بداية لفرحنا يوم الأحد.
مارك : اخبريني يا أمي هل في السماء سننضم نحن الخطاة الضعفاء مع هؤلاء المسبحين لمسيحنا المصلوب القائم من الأموات؟
سوسنة : لماذا تقول هذا يا مارك ؟ انجيلنا معناه « الأخبار السارة » فهو يدعونا أن نلتقي مع مسيحنا مفرح القلوب بالتوبة.
مارك : أليست التوبة تعني الحزن على خطايانا ؟
سوسنة : التوبة هي رجوع إلى مخلصنا السماوي مفرح القلوب، ففي مثال الابن الراجع إلى أبيه (لوقا١٥)، عاد الابن إلى أبيه حزينًا على خطاياه ومتهللا بأبيه الذي انطلق إليه وحضنه وقبله، ودخل به إلى البيت ليجد وليمة عظيمة أعدها أبوه له. فالتائب مثل داود النبي كان يبكي على خطاياه وكانت دموع الفرح أيضًا تتدفق من عينيه إذ يرى ويلمس حب الله له !
لماذا كل هذه التسابيح في سبت النور ؟
آن : لاحظت يا أبي أننا في سبت الفرح نسبح بتسابيح كثيرة لأناس في أجيال متعددة مثل موسى النبي، وحنة أم صموئيل، وحبقوق النبي، ويونان النبي، وحزقيا ملك يهوذا، وابنه منسى الذي كان أشر ملوك يهوذا لمدة أكثر من خمسين عامًا وتاب في آخر أيامه، وإشعياء النبي، وإيليا النبي، وسليمان النبي وسمعان الشيخ، وغيرهم كثيرون الكنيسة كل هذه التسابيح ؟ لماذا وضعت
الأب دانيال : وضعت الكنيسة هذه التسابيح لأشخاص في أجيال متنوعة، وأيضًا في ظروف مختلفة، رجال ونساء، لكي تجعلنا دائما في رجاء بدون يأس مهما كانت خطايانا ما دمنا نطلب نعمة الله وحبه ونؤمن في جدية أنه غافر الخطايا، ونجاهد كأبناء واثقين في محبة أبينا السماوي.
مارك : كيف يفرح كل المؤمنين، خاصة إذا ظلمهم الناس أو ضايقوهم أو أصيبوا بمرض شدید؟
الأب دانيال : هلم نرى كيف يريدنا ربنا أن نعيش متهللين به على الدوام انظر عندما تجلى السيد المسيح أمام بطرس ويعقوب ويوحنا على جبل تابور، رأوا السيد المسيح كله نور حتى سقطوا على الأرض، وكان معه موسى النبي الذي عانى الكثير من الشعب في البرية حتى طلبوا قتله هو وأخيه هرون الكاهن، كما ظهر إيليا النبي الذي كانت الملكة إيزابيل وزوجها الملك أخاب يطلبان قتله، ترى كيف كان حال موسى وإيليا وهما مع السيد المسيح المنير ببهاء عظيم في تجليه ؟!
مارك : حتما كان نور المسيح منعكسا عليهما، وكانا يتحدثان معه بفرح شديد عن ما سيقدمه المسيح للبشرية بصلبه وقيامته.
دانيال : وماذا كان حال بطرس ويعقوب ويوحنا ؟
مارك : لقد طلب بطرس لنفسه وليعقوب وليوحنا من الرب المنير : ( جيد يا رب أن نكون ها هنا » (مت ١٧ : ٤)، فالثلاثة اشتهوا أن يعيشوا إلى الأبد على الجبل مع السيد المسيح وموسى وإيليا.
دانيال : هل كان يفكر موسى وإيليا في الذين كانوا يريدون قتلهما ؟
مارك : حتما إن ما كان يشغلهم هو الشكر والتسبيح لهذا المخلص المنير، الذي يهبهم انعكاس مجده عليهما.
دانيال : ونحن أيضًا نتألم قليلاً في العالم، لكن السماء ترحب بنا والرب وملائكته ينتظروننا بفرح.
صلاة منسى بين التسابيح
آن : يقول الكتاب المقدس عن منسى بن حزقيا الملك الصالح أنه أشر ملوك يهوذا قيل عنه إنه أضل الشعب ليعملوا أقبح من الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل (۲مل ۲۱ : ۹) ، « وجعل أيضا يهوذا يخطئ بأصنامه » (۲مل ۲۱ : ۱۷) ؟
سوسنة : حقا قضى منسى أغلب ملكه الذي استمر ٥٥ عامًا يمارس شرورا خطيرة، لكنه في أواخر حياته تاب، وجاء في صلاته الواردة في الترجمة السبعينية للعهد القديم" الآن أحني ركبتي قلبي، وأطلب من صلاحك. أخطأت يا رب أخطأت، وآثامي أنا عارفها. ولكن أسأل وأطلب إليك يا رب اغفر لي، ولا تهلكني بآثامي لأنك أنت إله التائبين فأسبحك في كل حين كل أيام حياتي، لأنك أنت هو الذي تسبح لك كل قوات السماوات، ولك المجد إلى الأبد آمين لقد صار منسى شاهدًا عجيبا الله غافر الخطايا، مراحمه أعظم من كل الخطايا كل من يتطلع إليه لا ييأس مطلقا من مراحم الرب.
تسبحة الثلاثة فتية القديسين
مارك : لماذا نسبح الله بتسبحة الثلاثة فتية القديسين الذين كانوا يتمشون في وسط النار وهم متهللين، وتسمي الكنيسة هذه التسبحة الهوس الثالث نرددها كل يوم، أما في سبت النور فلها لحن رائع يردده حتى الأطفال الصغار وهم متهللين، يقولون سبحوه مجدوه، زيدوه علواً إلى الأبد رحمته، فهو المسبح، والمجد، والمتعالي علي الأدهار ، وإلى الأبد رحمته.
سوسنة : إننا نردد هذه التسبحة كل يوم لأن الكنيسة تكشف لنا أن ظلم الأشرار حتى ولو صدر عن أباطرة وملوك، يحوّله الله إلى مصدر فرح وتهليل، لأن النار صارت للفتية كأنها ندى رقيق ولطيف رأى الامبراطور في النار الذي أعدها لحرق الثلاثة فتية شخصا يصاحبهم، قال عنه إنه شبيه بابن الآلهة يليق بنا ألا نخاف من أية ضيقة مهما كانت شديدة فالله يحولها لفرح قلوبنا ومجدنا الأبدي.
صلاة ختامية
وقفت الأسرة كلها للصلاة، وقام الفتى الصغير بالصلاة قائلاً نشكرك يا رب، لأنك مفرح قلوبنا بصليبك فرحت الطغمات السماوية، لأنك حطمت الهاوية ووهبتنا أن نتمتع بالفردوس لم نعد نخاف الموت، إذ نراك ترحب بنا وتدهش الملائكة أننا ننضم إليهم نعمتك تسندنا، حتى إن كنا في وسط النار نسبحك مع الثلاثة فتية القديسين نعتذر لك عن كل أخطائنا وشرورناهب لنا أن نتقدس ونتمتع ببرك !
بموتك تحوّل الراقدين في الهاوية إلى خورس للتسبيح نردد بالحقيقة مع الرسول بولس أقمتنا من موت الخطية
وأجلستنا في بهجة السماوات. »
أحببتنا، ونحن نشتاق أن نراك !
نعم، تعال سريعا أيها الرب يسوع. آمين.
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج
المزيد
27 يناير 2025
نظرة إنجيلية الحركات البتولية والرهبنة
التعرف على طريق خلاصنا
كثيرًا ما يتساءل البعض: ما هو طريق خلاصي؟ هل أسلك في التكريس وأنا في العالم وأعمل للإنفاق على معيشتي؟ أم ألتحق ببيت للتكريس لأبذل كل طاقاتي ومواهبي لحساب ملكوت الله، ولا أرتبك بالتزامات مادية؟ أم أخدم في سلك الكهنوت أو سلك الرهبنة؟ أم أسلك في البتولية وأنا متزوج؟ أم أشهد لإنجيل المسيح وأنا متزوج ولي أسرة؟
لا يستطيع أب الاعتراف أن يختار للمعترف طريقًا مُعينًا، ولا يجوز له ذلك، ففي كل هذه الفئات يوجد قديسون، بل صاروا أشبه بملائكة الله، وأيضًا وجد من بين هذه الفئات من انحرفوا وهلكوا. ما يهم الشخص وأب الاعتراف هو أن يكون "إنسان الله" يليق بالمؤمن كما بأب اعترافه السعي نحو الجوانب الإيجابية وأيضًا التحذير من الجوانب السلبية وما يجب تأكيده أن المسيح نفسه هو الطريق الحقيقي المؤدي إلى الحياة (يوحنا ١٤: ٦)، فما يشغل المكرس ليس شكل الطريق فحسب، إنما هل يسير في رفقة المسيح؟ هل يراه في كل خطوة يخطوها أينما ذهب؟ ليس المهم الطريق المادي إنما الصراخ إلى الله
أين أنت؟ عرفني الطريق إلى صدرك؟ أريد أن أتكئ عليه كيوحنا الحبيب حيثما تسير أذهب معك إن ذهبت إلى جبل التجلي أرى مجدك هناك وإن ذهبت إلى جثسيماني فاسمح لي أن أقترب إليك وأصلي معك هناك الصلاة الحارة وإن ذهبت إلى الإقرانيون فخذني معك لأحمل الصليب معك عند القبر الفارغ أختبر معك قوة القيامة أختبر سلطانك ونصرتك على الطبيعة يا ضابط الكل" ما يشغلني ليس أين أذهب إنما أن أكون في حضن مسيحي، الطريق الحقيقي المشبع لاحتياجاتي.
الجوانب الإيجابية
١. أن يدرك المؤمن أنه مدعو أن يحمل أيقونة المسيح في أعماقه وأن يتشبه بالسمائيين، سواء كان كاهنا أو راهبًا أو بتولاً أو متزوجا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم [يجب أن تتوقوا إلى السماء، والأمور التي في السماء، بل حتى قبل الدخول في السماء فقد أمرنا أن نجعل الأرض سماءً، وأن نتصرف ونتحدث في كل الأمور كما لو كُنا نتحدث هناك، بينما نحن على الأرض هذا أيضًا يجب أن يكون غاية صلاتنا التي نقدمها للرب فلا شيء يُعيق وصولنا إلى كمال القوى العلوية لأننا نقطن على الأرض إنما من الممكن حتى ونحن نسكن هنا أن نفعل كل شيء كما لو كنا قاطنين سلفا في الأعالي ] لم يكن هذا الحديث موجها للكهنة والرهبان والبتوليين فحسب بل لكل المؤمنين.ما جذب البشرية للإيمان المسيحي، أنهم رأوا الكنيسة اشبه بالسماء على الأرض. لقد تطلع القديس يوحنا الذهبي الفم إلى حركات الرهبنة في مصر فقال[ السماء بكل خوارس كواكبها ليست في بهاء برية مصر الممتلئة من قلالي النساك ] وبهر القديس يوحنا كاسيان وغيره من رجال الغرب الذين جاءوا إلى مصر ورأوا البراري قد تحولت إلى فراديس مملوءة فرحًا عبر عن ذلك بقوله إنه إذ عبر من الإسكندرية حتى أقصى جنوب مصر، كان يسمع صوت التهليل يصدر عن الأديرة والقلالي والمغاير حتى تساءل: تُرى هل هؤلاء ملائكة نزلوا على الأرض أم أناس ارتفعوا إلى السماء؟!
٢. يدعونا القديس باسيليوس الكبير في القانون الثمانين من كتاب الأخلاقيات، أن ندرك سمات المسيحي ومركزه الحقيقي فنسلك بما يليق بنا خلال نعمة الله، أيا كان وضعنا في هذا العالم. فإننا تلاميذ المسيح، وقطيعه، وأغصان في الكرمة، وأعضاء المسيح، وعروس المسيح، وهيكل الله، وذبيحة الله، أبناء الله، نور العالم، ملح الأرض، ثابتون في الرجاء في الحياة الحقيقية، مؤتمنون على الشهادة للإنجيل، معلنون عن ملكوت السماوات نموذج وقانون للتقوى، كعين بالنسبة للجسد. فلا يستخف المؤمن بدوره، لأن نعمة الله تعمل به ما يبدو مستحيلاً.
٣. أن يسلك بروح الرجاء والفرح. يقول القديس أنطونيوس الكبير : [النفس دائما تتربى بهذا الفرح وتسعد به، وبه تصعد إلى السماء، فهي كالجسد لها غذاؤها الروحي.]
٤. السؤال المستمر لله ما دمنا في الجسد : لماذا خلقتني؟ وما هي خطتك من نحوي؟ وكيف أُحَقِّقها؟
٥- تكريس فترات صوم وصلاة ومطانيات لكي يقودنا روح الله القدوس إلى التمتع بشركة أعمق مع مسيحنا القدوس فنكتشف خطة الله لخلاص نفوسنا وخلاص العالم كله.
الجوانب السلبية
١. أخطر ما في حياة المؤمن التذبذب بين طريق وآخر مع الشعور بالفشل كلما دخل طريقا وحسب أنه ليس من الله، مما يُسَبِّب له حالة من الإحباط.
٢- يلزم عدم الإنشغال بالمظهر والرسميات، متذكرين قول الرب لإيليا النبي: وقد أبقيتُ في إسرائيل سبعة آلاف، كُلُّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجِتُ للبَعْلِ وَكُلُّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلُهُ» (ملوك الأول ۱۹: ۱۸). هم خورس الأبرار المجهولين من الناس والمعروفين من الله. حتى اليوم يوجد كثيرون يعيشون البتولية الناجحة، والعالم لا يعرفهم. ٣- يلزم عدم تصيد الأخطاء للآخرين، والنظر إليهم أنهم
أساءوا اختيار الطريق.
الراهب هو ذلك الإنسان الذي لا يدع ضميره يلومه في أمر من الأمور (الأنبا أغاثون)
القمص تادرس يعقوب ملطى
كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج
المزيد
11 يناير 2025
قتل أطفال بيت لحم والهروب إلى مصر
بسبب ميلادك يا واهب الحياة للكل ذبُح الأطفال!
فلأنك أيها الملك ربنا رب الملوك ستذبح،من أجلك في غباوة ذبح الطاغية رهائن!
الحمام في هديره صار يتأوه،لأن الحية (هيرودس) أهلكت صغارها!
الصقر طار إلى مصر لينزل فيها،وتتحقق المواعيد!
فرحت مصر به أنه جاء، فترد له دينها الذي سقطت فيه مع أبناء يوسف لقد عاد لعمل ويسٌد الدين لأبناء يوسف مبارك هذا الذي من مصر دُعي!
كان الكتبة يقرأون يوميًا أن كوكبًا يشرق من يعقوب،فكان لهذا الشعب الصوت والقراءة،أما الأمم فكان لهم ظهور النجم وتفسير النبوة!
كانت لهم الأسفار أما نحن فصارت لنا الوقائع!
كانت لهم الأغصان، أما نحن فلنا الثمار!
كان الكتبة يقرأون فيما هو مكتوب،والمجوس رأوا ما قد حدث استضاءة النجم المقروء عنه!
مبارك هذا الذي سلمنا كتبهم!
حملق الطاغية في المجوس عندما سألوا عن ابن الملك،وبينما كان قلبه متكدرًا تظاهر بالفرح!
أرسل مع الحملان ذئابًا حتى يقتلوا "حمل الله" أجابه المجوس "عندما ترسل معنا خدامك، يخفي النجم عنا لمعانه، وتختفي عنا طرقه"،دون أن يعلم المباركون أن الملك يريد إرسال أعداء ألداء قتلة،لهم صورة المتعبدين،حتى يفسدوا الثمرة الحلوة التي يأكل منها المر فيصير حلوًا!
عندما تسلم المجوس وصية منه أن يذهبوا ويبحثوا عن الطفل،كُتب عنهم أنهم رأوا النجم اللامع وابتهجوا!
وهكذا عُرف أنه كان قد اختفي عنهم، لذلك ابتهجوا برؤيته لقد اختفى النجم ومنع القتلة،ثم ظهر ودعا العابدين لقد ألقى بجماعة (المجرمين) وجاء بأخرى!
مبارك هذا الذي أنتصر في كلى الجماعتين!
كيف أفلت "الطفل" من الرجل الفظ الذي قتل كل الأطفال؟!
لقد عاقته العدالة عن تنفيذ أفكاره بأن يعود المجوس إليه وبينما بقى منتظرًا أن يلقي القبض على المعبود وعابديه،أفلت الكل من يديه!
هرب العابدون بتقدماتهم من الطاغية إلى ابن الملك المجد لذلك الذي يعرف كل المشورات!
إذ نام المجوس الذين بلا لوم، تأملوا في فراشهم،وصار النوم لهم كمرآة، وظهر لهم حلمًا كنورٍ؛رأوا فيه القاتل فارتعبوا، إذ لمع أمامهم غدره وسيفه لقد علم الناس الغدر، وسن سيفه للقطع، أما "الساهر" فعلم نائميه مبارك ذاك الذي يهب حكمة للبسطاء!
البسطاء الذين يؤمنون يعرفون مجيئين للسيد المسيح،أما الكتبة الأغبياء فلم يدركوا حتى مجيئًا واحدًا الأمم ينالون حياة من مجيئه الأول، ويقومون في المجيء الثاني!
الشعب الذي أعمى ذهنه، تشتتوا بمجيئه الأول، وينزع بالمجيء الثاني!
مبارك الملك الذي جاء وسيجيء!
أعلن الأنبياء عن ميلاده، لكنهم لم يوضحوا تمامًا وقت مجيئه!
لقد أرسل المجوس، الذين وأظهروا وقته لكن المجوس الذين عرفوا الوقت لم يكونوا يعرفوا من هو هذا الطفل فإذا بنجم عظيم في نوره يظهر بمسيره، من هو هذا الطفل؟!
وكم كان نسبه جليلًا؟!
مبارك هذا الذي عُرف بواسطتهم جميعًا!
لقد احتقر (اليهود الأشرار) بوق إشعياء الذي تغنى بكهنوته!
لقد أسكتوا قيثارة الروح التي تغنت بملكوته!
وفي صمت عميق أغلقوا على الميلاد العظيم،فإذا بالأصوات العلوية تصرخ مع الأصوات التي من أسفل مبارك هو هذا الذي ظهر في وسط صمت عميق!
الكتبة صمتوا في حسدٍ،والفريسيون سكتوا في غيرة،ومتحجرو القلب (المجوس) صرخوا مقدمين تسبيحًا!
أنشدوا في حضرة "حجر الزاوية"، الذي احتقره (اليهود)،وقد صار رأسًا (للزاوية) صارت القلوب الحجرية لحمية بواسطة "حجر الزاوية"وصارت لها أفواه تسبح،إذ جاءت الحجارة تنطق أمام "حجر الزاوية"مبارك هو ميلادك الذي جعل الحجارة تنطق!
القمص تادرس يعقوب ملطي
عن كتاب من تسابيح الميلاد للقديس مار أفرام السرياني
المزيد
28 سبتمبر 2024
عيد الصليب المجيد طريق العريس السماوي
رأينا في عيد النيروز دعوة تقدمها الكنيسة لكل المؤمنين، بل ولكل البشرية بكل فئاتها كي ينضم الكل إلى موكب العرس السماوي. الآن إذ تلتهب قلوبنا شوقاً أن نكون أعضاء في العروس السماوية الممجدة، نتساءل: ما هو الطريق الذي نسلكه ونحن في صحبة العريس السماوي؟ تأتي الإجابة السريعة والفعالة: أن نحتفل بعيد الصليب، فنكون في صحبة المصلوب، نسلك فيه (كولوسي (٢: ٦) ونترنم عمليا : " مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في" (غلاطية ٢٠:٢).
كيف تحتفل بعيد الصليب
قيل عن السيد المسيح "من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مستهينا بالخزي" (عبرانيين (۱۲ :۲). يبدأ الاحتفال بأن تدرك غاية صلبنا مع المسيح، فتتهلل نفوسنا به وفيه ومعه، نصلب ونتألم لا لأنه حلت بنا ضيقة مصادفة كما يظن البعض، أو بسبب عنف الآخرين ضدنا، إنما ندرك أنه لا يحل بنا إلا ما يسمح به الرب وبسلطان منه فتلمس رعايته وحكمته وقدرته نشكره كصانع الخيرات ونسبحه ونصلي من أجل خلاص العالم، خاصة المضايقين لنا.
يدعو القديس مار يعقوب السروجي جبل الجلجثة «جبل العرس» فقد علق العريس على الصليب ليقدم دمه مهرا لعروسه. لقد ركب مركبة الصليب وانطلق إلى الجحيم ليحرر مؤمنيه،وينطلق بهم إلى الفردوس هكذا يليق بنا ألا نركز أبصارنا على آلام الصليب، بل على أمجاده حيث تنعم بالمصلوب واهب الحياة المقامة كعربون للأبدية.
عار الصليب وجاذبيته
صليب ربنا يسوع في الظاهر عار، أما من يدرك جوهره فيجده جذابا للغاية تطلع إليه إشعياء النبي منذ حوالي ۷۳۰ ق .م فقال: «لا صورة له ولا جمال فتنظر إليه، ولا منظر فتشتهيه» (إشعياء ٢:٥٣). ويقول الرسول: ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا لليهود عثرة، واليونانيين جهالة (كورنثوس الأولى (۱ :۲۳) فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله (كورنثوس الأولى١ : ۱۸).
الصليب ضعف وقوة يظهر المصلوب كمن في ضعف شديد قيل له في سخرية: «خلص نفسك وانزل عن الصليب » (مرقس ١٥: ۳۰) بينما وهبنا الصليب نصرة على الشيطان وقواته، إذ قيل «شهر بالرئاسات والقوات، ووهبنا الغلبة عليهم به »( كولوسي ۲ :١٥).
بالصليب سخروا به، بينما بالصليب قدم ديماس اللص تسبحة مبهجة.
بالصليب مات السيد المسيح بينما وهب المصلوب الحرية للأموات.
بالصليب بكى تابعوه، وفي نفس الوقت خلص الذين في الجحيم.
بالصليب حدث شعور بالعزلة، بينما تحققت مصالحة بين الآب والبشر وبين البشر وبعضهم البعض.
بالصليب تعرى المصلوب، بينما جعل منا ثياب البر.
بالصليب ابطال الكهنوت اللاوى واقامة كهنوت سماوي.
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مار جرجس سبورتنج
المزيد