الرسالة الخامسة عید القیامة في ٢٠ برمودة ٤٩ ش 15أبریل ٣٣٣ م

29 مايو 2021
Large image

لتستنیر أذهانكم بنور الرب
أخوتي….
إننا ننتقل هكذا من أعیاد إلى أعیاد، ونسیر من صلوات إلى صلوات، ونتقدم من أصوام إلى أصوام، ونربط أیامًا مقدسة بأیام مقدسة.لقد جاء مرة أخرى الوقت الذي یجلبنا إلى بدایة جدیدة، تعلن عن الفصح المبارك الذي فیه قدم الرب ذبیحة.إننا نأكله بكونه طعام الحیاة، ونتعطش إلیه مبتهجة نفوسنا به كل الأزمان، كأنه یفیض بدمه الثمین. إننا نشتاق إلیه على الدوام شوقًا عظیمًا، وقد نطق مخلصنا بهذه الكلمات في حنو محبته موجهًا حدیثه إلى العطشى، إذ یرید أن یروي كل عطشان إلیه، قائلاً "إن عطش أحد فلیأت إلي لیشرب" ولا یقف الأمر عند هذا الحد إذا جاءه أحد یروي عطشه فحسب، بل عندما یطلب إنسان یعطیه المخلص بفیض زائد مجانًا. لأن نعمة الولیمة لا یحدها زمن معین ولا ینقص عظمة بهائها، بل هي دائمًا قریبة تضيء أذهان المشتاقین إلیها برغبة صادقة. لأن في هذه الولیمة فضیلة دائمة یتمتع بها ذوي العقول المستنیرة المتأملین في الكتاب المقدس نهاراً ولیلاً، وذلك مثل الرجل الذي وهب نعمة كما جاء في المزامیر "طوبى للرجل الذي لم یسلك في مشورة المنافقین وفي طریق الخطاة لم یقف وفي مجلس المستهزئین لم یجلس. لكن في ناموس الرب یلهج نهاراً ولیلاً"( ٢) لأن مثل هذا لا تضيء له الشمس أو القمر أو مجموعة الكواكب الأخرى، بل یتلألأ ببهاء الله الذي هو فوق الكل.
بركات العید
أعزائي… إن الرب هو الذي سبق فأعد لنا أولا هذا العید، وهو الذي یتعطف بنا ویتحنن علینا بأن نعید به عامًا بعد عام فقد أرسل ابنه للصلیب من أجلنا، ووهبنا بهذا السبب العید المقدس الذي یحمل في طیاته كل عام شهادة بذلك، إذ یتم العید كل عام في نفس الوقت (بنفس المناسبة). وهذا أیضًا ینقلنا من الصلیب الذي قدم للعالم إلى ذاك الذي هو موضوع أمامنا، إذ منه ینشئ لنا الله فرحًا بالخلاص المجید، ویحضرنا إلى نفس الاجتماع، ویوحدنا في كل مكان بالروح،راسمًا لنا صلوات عامة،ونعمة عامة تحل علینا من العید.فإن هذا هو عجب محبته المترفقة، أنه یجمع في نفس المكان من هم على بعد، ویقرب أولئك الذین هم بعیدین
بالجسد لیكونوا بروح واحد.
لنذكر بركات الله لنا
لهذا ألا نعرف یا أحبائي النعمة التي تنبع من قدوم العید!؟
أما نرد شیئًا لذاك الذي هو محسن علینا؟!
حقًا إنه یستحیل أن نرد لله حسناته علینا، لكنه أمر شریر أن نأخذ الهبات ولا نعرفها.والطبیعة نفسها تشهد بعجزنا، لكن إرادتنا توبخ جحودنا. لهذا فأن بولس الطوباوي عندما كان یتعجب من عظم بركات الله قال "من هو كفء لهذه الأمور" لأنه قد تحرر العالم بدم المخلص، وبالموت داس الموت، ممهدًا طریق الأمجاد السماویة بغیر عقبات أو حواجز لهؤلاء الذین ینمون.لهذا عندما أدرك أحد القدیسین النعمة مع عجزه عن أن یرد لله مقابلها قال "ماذا أرد للرب من أجل كثرة حسناته لي"لأنه عوض الموت تقبل حیاة، وبدل العبودیة نال حریة وبدل القبر وهب له ملكوت السموات.لأنه منذ وقت قدیم "تسلط الموت من آدم إلى موسى"، أما الآن فأن الصوت الإلهي قال "الیوم تكون معي في الفردوس". وإذ یشعر الإنسان القدیس بهذه النعمة یقول "لولا أن الرب كان معي، لهلكت نفسي في الهاویة"علاوة على هذا، یشعر الإنسان بعجزه عن أن یرد للرب عن إحساناته، لكنه یعرف عطایا الله كاتبًا في النهایة "كأس الخلاص أتناول وباسم الرب أدعو… عزیز في عیني الرب موت أتقیائه" أما عن الكأس، فقد قال الرب "أتستطیعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا؟!". ولما قبل التلمیذان هذا، قال لهما "أما كأسي فتشربانها… وأما الجلوس عن یمیني وعن یساري فلیس لي أن أعطیه إلا للذین أعد لهم من أبي"لهذا یلزمنا أیها الأحباء أن تكون لنا حساسیة من جهة العطیة، حتى وإن وجدنا عاجزین عن رد إحسانات الرب،إنما یلزمنا أن ننتهز الفرصة.
فأن كنا بالطبیعة عاجزین عن أن نرد "للكلمة" أمور تلیق به، عن تلك البركات التي أغدق بها علینا فلنشكره إذ نحن محفوظون في التقوى. وكیف یمكننا أن نربط بالتقوى إلا بتعرفنا على الله الذي من أجل حبه للبشر قدم كل هذه البركات؟! (فأننا بهذا نحفظ الشریعة في طاعة لها، سالكین في الوصایا، لأنه بكوننا غیر جاحدین بل شاكرین إیاه لا نكون مخالفین للناموس ولا مرتكبین لأمور مكروهة، لأنه الله یحب الشاكرین).وأیضًا عندما نقدم أنفسنا للرب مثل القدیسین، عندما نصف أنفسنا بأننا لا نحیا لنفوسنا بل للرب الذي مات من أجلنا، كما فعل بولس الطوباوي عندما قال "مع المسیح صلبت فأحیا لا أنا بل المسیح یحیا في"
لنقدم له من الذي له فینا
والآن أیها الأخوة تكمن حیاتنا حقیقة في نبذنا الأمور الجسدیة وتمسكنا بثبات في الأمور الخاصة بمخلصنا
وحدها. فالموسم الحالي لا یتطلب منا مثل هذا الكلام فحسب بل والإقتداء بأعمال القدیسین.لنقتد بهم، ذلك إن عرفنا ذاك الذي مات (عنا) فلا نعود بعد نحیا لأنفسنا بل للمسیح الساكن فینا.وإذ نرد إلى ربنا قدر طاقتنا، إنما نرد إلیه لا من عندیاتنا بل بتلك الأشیاء التي أخذناها منه، التي هي نعمته،فهو یسألنا عطایاه التي وهبنا إیاها. وقد حمل شهادة بذلك بقوله أن الذي تعطوني إیاه إنما هو عطایاي. لأن ما تعطوني كأنه منكم إنما قد نلتموه مني إذ هو عطیة من قبل الله. لنقدم لله كل فضیلة وقداسة صحیحة هي فیه، ولنحفظ العید الذي له في تقوى بهذه الأمور التي قدسها لأجلنا.لنعمل في الأعیاد المقدسة…. مستخدمین نفس الوسائل التي تقودنا إلى طریق نحو الله.ولكن لیتنا لا نكون مثل الوثنیین أو الیهود الجهلاء أو الهراطقة أو المنشقین…فالوثنیین یظنون أن العید یظهر بكثرة الأكل.والیهود إذ یعیشون في الحرف والظلال یحسبون هكذا.والمنشقون یعیدون في أماكن متفرقة بتصورات باطلة.أما نحن یا إخوتي، فلنسمو على الوثنیین حافظین العید بإخلاص روحي وطهارة جسدیة. ولنسمو على الیهود فلا نعید خلال حرف وظلال، بل بكوننا قد تلألأنا مستنیرین بنور الحق، ناظرین إلى شمس البر (مل ٢:٤ ). ولنسموعلى المنشقین فلا نمزق ثوب المسیح بل لنأكل في بیت واحد هو الكنیسة الجامعة فصح الرب الذي بحسب وصایاه المقدسة یقودنا إلى الفضیلة موصیًا بنقاوة هذا العید. لأن الفصح حقًا خالٍ من الشر، للتدرب على الفضیلة والانتقال من الموت إلى الحیاة.هذا ما یعلم به الرمز الذي جاء في العهد القدیم. لأنهم تعبوا كثیراً للعبور من مصر إلى أورشلیم، أما الآن فنحن نخرج من الموت إلى الحیاة.هم عبروا من فرعون إلى موسى، أما نحن فإننا نقوم من الشیطان لنكون مع المخلص.وكما أنه في مثل ذلك الوقت یحملون شهادة سنویة عن رمز الخلاص هكذا فأننا نحن نصنع ذكر خلاصنا.نحن نصوم متأملین في الموت، لكي نكون قادرین على الحیاة.ونحن نسهر لیس كحزانى، بل منتظرین الرب، متى جاء من العرس حتى نعیش مع بعضنا البعض في نصرة،مسرعین في إعلان النصرة على الموت.
كیف نعید؟
لیتنا یا أحبائي، نحكم أنفسنا –كما تتطلب الكلمة- في كل الأوقات ونحكم أنفسنا حكمًا تامًا، وهكذا نعیش دون
أن ننسى قط أعمال الله العظیمة، ولا ننفصل قط عن ممارسة الفضیلة!وكما ینذرنا الصوت الرسولي قائلاً "أذكر یسوع المسیح المقام من الأموات"، دون أن یشار إلى زمن محدود بل أن یكون ذلك في فكرنا في كل الأوقات.ولكن لأجل كسل الكثیرین نحن نؤجل من یوم إلى یوم، فلنبدأ إذًا من هذه الأیام! لقد سمح بوقت التذكر (بقیامة المسیح) لأجل هذا الهدف حتى یظهر للقدیسین جزاء دعوتهم، وینذر المهملین موبخًا إیاهم. لهذا فإنه لیتنا في كل الأیام الباقیة نكون محفوظین في سلوك صالح، ویكون عملنا التوبة عن كل ما نهمل فیه، لأنه لا یوجد إنسان قط معصوم من الخطأ، ولو كانت حیاته یومًا واحدًا على الأرض، كما یشهد بذلك أیوب الرجل البار. وإذ نمتد إلى ما هو قدام لیتنا نصلي ألا نتناول الفصح بغیر استحقاق حتى لا نكون في خطر.لأن الذین یحفظون العید في نقاوة یكون الفصح طعامهم السماوي، أما الذین ینتهكون العید بالدنس والاستهتار،فأنه بالنسبة لهم یكون موبخًا وخطیراً. فأنه مكتوب بأن من یأكله أو یشربه بدون استحقاق یكون مجرمًا في جسد (موت) الرب لذلك لیتنا لا نقف عند مجرد تنفیذ الطقوس الخاصة بالعید، بل نستعد للاقتراب للحمل الإلهي ونلمس الطعام السماوي.لننقي أیدینا ونطهر الجسد.لنحفظ فكرنا كله من الدنس، فلا نسلم أنفسنا للكبریاء والشهوات، بل ننشغل دومًا بربنا وبالتعالیم الإلهیة، حتى نكون بالكلیة طاهرین نستطیع أن نكون شركاء مع الكلمة
الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير
القمص تادرس يعقوب ملطي

عدد الزيارات 516

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل