أمور تبدو صغيرة ذات مدلولات كبيرة

25 يونيو 2021
Large image

كنت أصلِّي القداس الإلهي يوم أربعاء.. والقداس بحسب المواعيد المعتادة يبدأ الساعة 7 صباحًا وينتهي في التاسعة. وكان يصلِّي معي أحد الآباء الكهنة. وفي غالب الأحيان نصلِّي الأواشي الكبار -التي تُقال بعد قراءة الإنجيل المقدس- نصلِّيها سِرًّا.. بسبب ضيق الوقت.أَعطيتُ الأبّ الكاهن شريكي أن يقرأ الإنجيل المقدس.. وبعد قراءة سِرّ الإنجيل أمام المنجلية.. دخلتُ إلى داخل الهيكل، وصلّيت الأواشي الكبار سِرًّا.. وأعطيتُ الشوريّة للشماس، ووقفتُ داخل الهيكل مُنصِتًا للإنجيل المقدّس. وبينما أنا كذلك جاءني هاتف في داخلي يقول: صلّ الأواشي جَهرًا بعد كمال الإنجيل. قلتُ في نفسي: لقد صلّيتُها سِرًا. جاءني ذات النداء الداخلي مرّة أخرى.. كأنّ أحدًا يتكلّم في أذني ويقول: لا صَلّها جَهرًا.. قلتُ مرّة أخرى: لقد صلّيتها.تكرّر الأمر معي مرّات.. ووجدتُ نفسي غير قادر أن أتغلّب على هذا الفكر، أو أن أفلت منه. فلمّا فرغ أبونا من قراءة الإنجيل المقدس. وكاد الشماس أن يردّ المردّ الذي يقول: أنصتوا بحكمة الله.. وبعده يقولون: بالحقيقة نؤمن. أشرتُ للشماس ألاّ يقول.وتقدّمتُ إلى المذبح وقُلت: اشليل.. وصليتُ الأواشي جَهرًا.. ثم ذهبتُ لأغسل يديّ. فبادرني الأب الكاهن قائلاً: ألم تُصَلِّ الأواشي سِرًّا.. قلت: نعم. فقال: لماذا صلّيتها جَهرًا.. قلت: لا أعلم.
صلّينا القداس.. وتناولنا الأسرار المقدسة. وشكرنا الله على نعمته التي يعطيها لنا نحن غير المستحقين.. وصرفنا الشعب.وطلب إليَّ البعض أن يجلسوا معي.. بعضهم للاعتراف، والبعض يسأل أو يستفسر عن شيء، أو يطلب خدمة معيّنة كالعادة. كان من بينهم إحدى بناتي في الاعتراف. وهي سيّدة في الثلاثين من عمرها، لها ثلاثة أطفال صغار. وهي إنسانة ذات قلب نقي.. بسيطة غاية البساطة، تفحص نفسها وتقدّم للرب توبة خالصة جادّة. وتعيش بقدر إمكانها حافظة لوصايا المسيح، مُحِبة لجميع الناس ومُحتمِلة بوداعة كلّ ما يأتي عليها.فلما جلَسَتْ بجانبي وجدتُها تكاد تطير من الفرح.. متهلّلة جدًّا. وفي حال الشكر.. قالت: «أنا لي ما يقرب من شهر لم أتناول الأسرار المقدسة بحسب ظروفي ومشغولياتي.. قُمتُ في هذا الصباح وعندي شهوة عارمة وشوق لا يوصَف للتناول. ركبتُ سيارتي لأوصّل ابني للمدرسة. وكنتُ أقود السيّارة مُسرعةً. وأدرتُ تليفوني لأسمع الإرسال المباشر من الكنيسة، وكنتُ أتابع الصلاة، ولكنّي كنتُ متأخرة. وكانَتْ شهوة قلبي أن أكون في الكنيسة من أول القداس. فرفعتُ قلبي للمسيح ورجوته. وقلت له: خلِّي أبونا يصلِّي الأواشي جَهرًا. وكنتُ أطلب إلى المسيح في هذه اللحظات بكلّ قلبي حتى سال الدمع من عيني. فلمّا انتهى أبونا من قراءة الإنجيل المقدس.. وكنتُ مازلت على بُعد عشرة دقائق من الكنيسة.. وجدتُك تقدّمتَ إلى المذبح وبدأتَ تصلّى الأواشي جَهرًا. لم أمتلك نفسي من الصراخ والشكر. وتهلّلتْ نفسي بفرحٍ عجيب. وقلتُ يا ربّي إلى هذه الدرجة تسمع الصلاة وإلى هذه الدرجة تكون الاستجابة.. حقًّا إنّك إله عجيب ومُتعجَب منك بالمجد».صحيح إنّه أمر بسيط، ولكن قد زاد إيماني ورجائي وثقتي في إلهي الذي يسمع الصلاة، حتى من الخطاة والمساكين. ويُريني كَم هو قريب، وكَم هو طيّب وصالح. كنتُ أسمعها، ولم أتكلّم بشيء، ولم أُعلِّق بكلمة على الأمر. ثم قلت لها: إنتي جايّة تعترفي.. قالت: نعم. وقدّمت اعترافها للمسيح بأمانتها وتدقيقها في توبتها، وفحص نفسها، والرجوع باللوم على نفسها. وطلبَتْ إرشادًا.. فقدمتُ لها بحسب ما أعطتني النعمة أن أقول لها.. وأحنَتْ رأسها تحت يد الربّ، وقرأتُ لها التحاليل، وصرفتها بسلام.
وكنتُ في داخل نفسي في ذهول.. فلم يكن الهاتف في داخلي كذبًا.. ولم يكن إلحاح الصوت عليَّ أن أصلِّي الأواشي ظَنًّا أو وَهمًا. بل كان حَقًا وصِدقًا. ولكن إلى هذه الدرجة يكون الاتصال بالله حتى من البسطاء.. وإلى هذه الدرجة يكون الردّ السماوي هكذا سريعًا وفَعّالاً. ولكن هذه هي مواعيد الله، وهكذا ممكن أن نرى تَدَخُّل الله ويده الحانية في التفاصيل الدقيقة في الحياة اليومية، إن كانت لنا العين البسيطة التي تعاين، والقلب النقي الذي يطلب فيُجاب، ويَقرع فيُفتح له. وفي آخر النهار تقابلتُ مع الأب الكاهن زميلي وقلتُ له.. هل عرفتَ السرّ لماذا صليتُ الأواشي جَهرًا؟ قال: لا. فحكيتُ له حكاية هذه الأخت وما فعلتَه. وقلت له مُداعِبًا: شوف الناس مُمكِن يشَغّلونا ب Remote Control من على بُعد.. فهُم يتّصلون بالسماء، ويستطيعون أن يحركونا بالنعمة والروح.
المتنيح القمص لوقا سيداروس

عدد الزيارات 535

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل