اسلكــــوا بالـــروح ج2

16 يوليو 2021
Large image

قال الروح القدس للرسل: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ....». (أع13: 2). لقد حلّ عليهم فتكلّموا بلغات، هو نطق بلسانهم. لم يكونوا همّ المتكلمين بل الروح الحالّ فيهم. تكلّموا بكلّ اللغات، أي وصلوا إلى كلّ إنسان، وتواصلوا معه، كما أعطاهم الروح أن ينطقوا.في الأصل لم يكُن لهم صوتٌ، ولم يكن أحد ليسمع صوتهم «الذين لم تُسمع أصواتهم خرجت أصواتهم إلى الأرض كلها وبلغت أصواتهم مسامع المسكونة» (مز19: 3، 4). صار صوتهم وكلامهم مملوءًا بالروح.. وحيثما هَبّ الروح سُمع صوتهم، لأنّ «اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا» (يو3: 8). فحين حملوا سلام المسيح إلى كلّ بيت، حَلّ سلامه لما قالوا: السلام لهذا البيت كلامهم نَخَسَ القلوب التي كانت نائمة فاستيقظت.. كلامهم أحيا الموتى، وأرجعهم إلى الحياة. كلمتُهُم صارت أقوال الله بسبب الروح المتكلّم منهم «تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2بط1: 21). ولم تأتِ كلمة منهم بإرادة الناس بل بوحي الروح.نعم تكلّمَ بهم وتكلَّمَ فيهم، فأرشدهم وقادهم وذكَّرهم بكلّ ما قاله السيد. تكلّم فيهم فسمعوه ووعوا قوله وإلهاماته. لمّا منعهم من الذهاب إلى أماكن امتنعوا، ولما دفعهم للكرازة والشهادة أطاعوا وعملوا بحسب إرادته. لما وجهّهم إلى أي جهة لم يعاندوا. صاروا آلات طيِّعة في يد الروح فعمل بهم بلا مانع. ملأهم إلى كلّ الملء فامتلأوا، إذ لم يكن فيهم معاند كقول الرسول وظلّوا يمتلئوا يومًا بعد يوم، إلى مُنتهى الأيام وكانوا يمتلئون كُلّما خدموا وكرزوا.ملأهم من الحكمة فلم يستطع أحد أن يقاوم الحكمة التي فيهم وقد صَحّ التعبير «لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ! وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ!» (1كو1: 25). ملأهم حكمة ليست من هذا الدهر، ولا تُضاهيها حكمة حكماء هذا الدهر. على أنّهم كلما زادوا في الاتضاع والمَسْكنة كلما زادوا في النعمة والحكمة، وهكذا كرزوا وعلَّموا«انْظُرُوا دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءَ... بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ» (1كو1: 26، 27). صارت حكمتهم ليس نتاج رجاحة العقل والفلسفة، بل نازلة من فوق. الحِكمة البشرية تجعل الإنسان منتفِخًا مُتكبّرًا متباهيًا مُرتفعًا، وعلى العكس صارت حكمة الرسل، فاتّضعوا بالأكثر وقالوا: «أَنَا مَا أَنَا... وَلكِنْ نِعْمَةُ اللهِ الَّتِي مَعِي» (1كو15: 10) الروح بشفاعةٍ داخلية وأنَّات لا يُنطق بها ضبَط ملكاتهم، وقدس نيّاتهم، ووحّد طاقاتهم، واستخدمها الروح لتجديد الخليقة، وتقديسها بغسل الماء بالكلمة. وضْع أيديهم لنقل سِرّ الروح إلى كلّ مَن وضعوا عليه اليد. كانت الأيادي المنظورة تُخفي من ورائها سِرّ الروح الذي لا يُرى، ولكنّه العامل والفاعِل والمُستعِد والمنحدر والمنسكِب دون أن تدركه الحواس الخارجية.ملأهم الروح إلى كلّ الملء، فكرزوا للمؤمنين أن يسعوا للوصول إلى ملء قامة المسيح. كان الملء فيهم دائمًا مستديمًا بغير انقطاع بل بفيض وغزارة. كانوا في الحالة التي عبَّر عنها القديس يوحنا الرائي «لِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ» (يو2: 4). إذ كما قال القديس بولس: «أَفِي الْجَسَدِ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ لَسْتُ أَعْلَمُ» (2كو12: 2). هكذا كانوا وهكذا غيَّروا وجه الأرض. فإن كان الجسد ضعيفًا بحسب طبيعته، ولكنّ الروح جعل أرواحهم في قوّة الله. بحَسَب الجسد ذاقوا الآلام والأتعاب والأسهار، وبحسب الجسد ذاقوا مرارة الاضطهاد والتعذيب، وحتّى القيود كمذنبين، وحتّى التشريد والقمع، وأخيرًا قبلوا في أجسادهم جراحات الموت بحدّ السيف، ولكن بحسب الروح الساكن فيهم لم يعترِهم الخوف ولا الجُبن ولا الضعف بل كانوا مؤازَرين بقوة الله«شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ» (كو1: 12، 13).سلطان الظلمة، روح الظلمة، روح الضلال، الروح الشرير «فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ... » (أف6: 12، 13).إن كُنّا في العالم بحسب قول الرسول سنواجه ونصارِع مع هذه القوات الشريرة، فلا يوجَد طريق للنصرة على هذه القوى الرهيبة سوى الملء من روح الله القدوس. وإلاّ.. فكيف يَقدِر الإنسان الضعيف الترابي بحسب طبيعته أن يتفوّق على أرواح الظلمة؟
فأي شكر يجب أن نقدّمه إلى الله من أجل عطية الروح القدس الذي سكن فينا؟! منذ أن سقط الإنسان، وسلّم إرادته لعدو الخير بإطاعة مشورته، حين دخل الموت إلى العالم بحسد إبليس. منذ ذلك الحين صار روح الظلمة متسيّدًا على الإنسان لأنّه خضَع له بالإرادة. فلمّا ظهر عطف مخلّصنا الله بتجسده الإلهي، وصنع الخلاص وحرّرنا من عبودية إبليس.. «صِرْنَا عَبِيدًا لِلْبِرِّ» (رو6: 16) بحلول روح الله فينا.وفي طقس المعمودية المُقدّسة يُطرَد الروح النجس من مسكنه بقوة الله وباسم يسوع المسيح. هذا السلطان أعطاه الله للرسل، حين أعطاهم قوّة وسلطانًا على إخراج الشياطين، ونفخ في وجوههم، وأرسلهم أن يشفوا المرضى ويخرجوا الشياطين ويقيموا الموتى. هكذا بعد الصلاة ينفخ الكاهن في المُعمَّد ويقول بسلطان: "اخرج أيّها الروح النجس". وبالصبغة المقدسة وسرّ الميرون يحل الروح القدس في المُعمَّد، ويصير مسكِنًا لله بالروح.ولكن كلام المسيح فيه لنا تحذير غاية فى الخطورة والأهميّة، لابد أن يُؤخَذ مَأخذ الجدّ: «إِذَا خَرَجَ الرُّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإِنْسَانِ يَجْتَازُ فِي أَمَاكِنَ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ، يَطْلُبُ رَاحَةً وَلاَ يَجِدُ. ثُمَّ يَقُولُ: أَرْجعُ إِلَى بَيْتِي الَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ. فَيَأْتِي وَيَجِدُهُ فَارِغًا مَكْنُوسًا مُزَيَّنًا. ثُمَّ يَذْهَبُ وَيَأْخُذُ مَعَهُ سَبْعَةَ أَرْوَاحٍ أُخَرَ أَشَرَّ مِنْهُ، فَتَدْخُلُ وَتَسْكُنُ هُنَاكَ، فَتَصِيرُ أَوَاخِرُ ذلِكَ الإِنْسَانِ أَشَرَّ مِنْ أَوَائِلِهِ» (مت12: 43–45).«إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ» (في2: 1)«أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1يو1: 3، 4). ومع هذه الشركة ينبع الفرح «لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً».في المسيح نحن شركاء في الآلام وشركاء في التعزية والمجد، شركاء في الضيق وشركاء في السعة. شركاء في الموت وشركاء في القيامة. ألسنا أعضاء جسد واحد؟ إذن هذه الشركة هي شركة حياة، شركة عملية ولا يمكن إدراكها بالفكر. هذه الشركة في الروح لأنّنا كلّنا وُلدنا من ذات الروح الواحد. ولمّا أعطانا جسده لنأكله صارت فينا شركة الجسد الواحد. كلّ مَن يحيا ويتمتّع بهذه الشركة يعيش السماء على الأرض، يدخُل إلى عمق الحبّ الإلهي الذي جَمَع المتفرّقين إلى واحد.صرنا نحب الأخوة.. بل «انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ» (1يو3: 14). الحبّ الذي سكبه الروح فينا.. لذلك نحبّ من كلّ القلب، نحبّ الله ونحبّ القريب، نحبّ الله ونحب أولاد الله، نحبّ «مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ» (1بط1: 22). ونكرز بهذا الحبّ العجيب. نحبّ بلا تحفُّظ.. «قَلْبُنَا مُتَّسِعٌ» (2كو6: 11).إنّ ممارسة المحبّة المسيحيّة في محيط الأسرة يُغيِّر مِن شكل الأسرة، ويجعلها مختلفة متميّزة، إذ يصير رباط أعضائها ليس رباط اللحم والدم فحسب، بل بالأكثر رباط الروح القدس الواحد.
المتنيح القمص لوقا سيداروس

عدد الزيارات 395

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل