لا تدنو ضربة من مسكنك ج2

30 يوليو 2021
Large image

كلّ مرّة تسقط، قُمْ فتخلُص.. «لِلرَّبِّ حَرْبٌ مَعَ عَمَالِيقَ مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ» (خر17: 16).ولكن يُحسَب أنّ الحرب هي للرب، فمنذ يوم خروجنا من بطن المعموديّة وقد تعهّدنا وتكرّسنا للحياة بحسب المسيح، بعد أن جحدنا الشيطان وكلّ قواته الشريرة. صارت الحرب إذن من العدو الشرير ضدّ المسيح الذى صرنا له وهو فينا، وصرنا مُبغَضين من الجميع من أجل الاسم الذي دُعِيَ علينا. فنحن مُضطهدون ليس لأجل ذواتنا، بل لأجل اِنتسابنا للمسيح أبطَلَ المسيح قوّة المجرِّب وسلَّم لنا مفاتيح الانتصار عليه. ليس في مقدور الشيطان ولا في سلطانه أن يُجبر أحدًا مِنّا على الخطيّة، أو يسوقه قَسرًا إلى ارتكاب الشرور. هو خدَّاع وكذَّاب ولكنه صاحب حيلة ودهاء، هو يعرض بضاعته النجسة ويلفَّها بغلاف اللذّة ويُزيِّنها للإنسان فتبدو شهيّة.. كما قيل في الأمثال: «الْمِيَاهُ الْمَسْرُوقَةُ حُلْوَةٌ، وَخُبْزُ الْخُفْيَةِ لَذِيذٌ» (أم9: 17)، هي مياه وخبز ولكنّ الشيطان المُزوِّر يُظهرها للإنسان هكذا حلوة، لكي ينخدع وينجذب بالشهوّة نحو الحرام. ولكن كلّ مَن يثبت فى إيمان المسيح يستطيع بالنعمة أن يفلِت من فخاخه. القديسون فضحوه وأهانوه بكثرة الاتضاع والالتصاق بالرب. هو أبّ الكبرياء، ولكنّ الروح الوديع الهادئ يغلب كبرياءه وقد أوصانا الرب بالصلاة أن نطلب إلى الآب ونقول: «لاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ» (مت6: 13). فالصلاة الجادّة والطِلبة من القلب هي عامل أساسيّ في أن نجد عَونًا في حينه.. فلا يستطيع أحد أن ينقذنا من يد المُشتكي علينا سوى أبونا الذي في السموات وكوننا نطلب عونًا ونجاة، هو اعتراف ضمني بضعفنا وعدم إمكانيِّتنا.. لذلك إذ يسحق هو الشيطان تحت أقدامنا، فليس لنا فضل ولا افتخار.. بل نتمسّك بالأكثر، ونحتمي في ذاك الذي به «يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا» (رو8: 37) تجربة الجوع والخبز هي تجربة طبيعتنا التي تلاحقنا مَدى الحياة.. الميل الطبيعي والحاجات الطبيعيّة ليس فيها خطيّة.. ولكنّ العدو الخدَّاع يستغلّ ما هو طبيعي وينسج منه بالكذب خيالات وخيالات، كلّها خداع وكلّها تهويل وكذب. وهذا التهويل والتخويف من الموت ليس فيه حقّ. وقول المسيح: «لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ» (مت4: 4)، لم يكُن أحد من الناس قد عاشها قط.. رغم أنّها الحقّ ذاته إنّنا نستمد حياتنا في الحقيقة من شخص المسيح، الذي هو الكلمة الذاتي. هو مصدر الحياة و«هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ... لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ» (يو6: 48، 50). صِنَّارة المُجَرِّب هي الميل الطبيعي، وهو في كلّ محاولاته أن يُحرِّف الميل الطبيعي إلى ما هو على خلاف الطبيعة، لأنّه يريد أن يُفسد خليقة الله ويُميت ويقتل، بانفصال إرادة الإنسان عن الله.. فيعمل الإنسان إرادته الذاتية منفصلاً عن الحقّ والحياة.. فيموت.
تُرى مَتَى أحيَّا بكلّ كلمة تخرج من فم الله؟
مَتَى استمدّ حياتي ووجودي واستمرار حياتي منه وفيه وله وبه؟
كيف أتذوّق وآكُل فأحيا.. وأسمو بنفسي وجسدي وغرائزي؟ إنّني استمدّ خبز الكفاف من يده.. ألم يُطعم الملايين من المن النازل من فوق؟ ألم يُشبع الآلاف من خبز الكفاف حتى فضل عنهم؟
شبع الجسد شيء، وشبع النفس شيء آخر.. الجسد يطلب ما هو أرضيّ، ترابيّ حسب طبيعته.. بينما شوق أرواحنا إلى الشبع من برّ المسيح. فنحن نجوع ونعطش إليه، وهو قد طوَّب الطالبين وجهه، والمترجّين خلاصه بجوع وعطش نحوه.
الميل الطبيعي لكلّ ما هو جسدي هو الشهِّية المغروسة في طبيعتنا لبقاء الحياة كغرائز. قُدرة الميول الطبيعيّة ليس فيها خطيّة، إنّما انحراف الإرادة بعيدًا عن الله يحوّل الشهِيّة إلى شَهْوة، والشهوة إذا حبلَت تجُرّ الإنسان إلى الخطايا، ثم إلى الموت «الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا» (يع1: 15).جوع المسيح بعد أربعين يومًا أفصَحَ عن الشهِّية الطبيعيّة للطعام دون شهوة أو انحراف. فلما جاء المجرِّب يلعب على هذا الوتر، ليجرّ المسيح من الشهِّية إلى الشهوة خاب وافتضح وانكسرت سهامه.وعلى هذا تُقاس جميع حِيَل الشيطان المجرِّب، الذي يدخل من مداخل الميول الطبيعيّة ليحرِّفها نحو الشرور، والسلوك المنحرف، بعيدًا عن الحقّ، لخدمة الخطايا لقد سجّل الوحي هذه التجارب الثلاث كنموذج، والواقع أنّ إبليس جرَّب الربّ بكلّ تجربة، وبكلّ حيلة وخديعة، وبكلّ أسلحته كما هو مكتوب: «وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ» (لو4: 13). فالتجارب صوَّبها العدو نحو الجسد في تجربة الخبز والجوع، ثم نحو النفس في تجربة مباهج العالم والملكيّات الأرضية وكلّ مجدها.. هذه التي تشتهيها النفوس، ثم التجربة الثالثة نحو الروح والروحيّات، إذا ألقى بنفسه من على جناح الهيكل، وحملته الملائكة فلا تُصدِم رِجله بحجر بحسب وعد الله. فقد صوَّب العدو سهامه بذلك نحو الجسد والنفس والروح، أي كيان الإنسان كلّه. و«فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا» (رو8: 37) ونجَّانا من هذه الفخاخ المنصوبة، إذ حطّمها وكسرها وأذلَّ فخر المجرِّب، بل وطرده أشر طردة.في تجربة النفس، قال العدو: «أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا (كلّها)» (مت4: 9).. مجدُ العالم زائلٌ ومِلكياته وهْمٌ. المجرِّب هو رئيس هذا العالم، كقول الرب.. هو مسيطر على العالم بالخداع والكذب لأنّه روح الظلمة. وحينما يقول لأحد أعطيك، فهو كاذب. هو لا يملك لكي يعطي، ولكنه يَعِدُ ويكذبُ. وكم مَنَّى الإنسان بالأماني بأنّ يمتلك العالم، ولكن يكتشف الإنسان أخيرًا إنّه قبض الريح.. والثمن الباهظ الذي يدفعه الإنسان هو السجود للشيطان والخضوع لروح الظلمة. وهذا هو الهلاك بعينه.رد الرب يسوع بالمكتوب «لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». أمَّنَ الإنسان من الخضوع للظلام ليحيا في النور بالخضوع لمشيئة الله وحده.
المتنيح القمص لوقا سيداروس

عدد الزيارات 367

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل