مَثَل الغني ولعازر

13 أغسطس 2021
Large image

«كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ وَكَانَ يَلْبَسُ الأَرْجُوانَ وَالْبَزَّ وَهُوَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهًا. وَكَانَ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ، الَّذِي طُرِحَ عِنْدَ بَابِهِ مَضْرُوبًا بِالْقُرُوحِ... » (لو16: 20–31).
المثل صارخ بالمفارقات العجيبة سواء على الأرض أم في السماء،ففى الأرض شتّان بين ذاك الذي عاش في الجسد وللجسد ومسرات الجسد، وغِنى المأكل والملبَس، وما يتبع الغِنى من غرور وخطايا، ونسيان تام للروح أو حاجات الروح، ونسيان كامل لحقيقة أنّ الحياة على الأرض لا تدوم، وأنّ الأيام سريعًا ما تمرّ ويأتي الإنسان إلى النهاية المحتومة.وبين الآخر، الفقير البائس المطروح عند الباب، بلا طعام ولا لباس، وجسده مضروب بالقروح، وليس له إنسان يُضمِّد جراحات الجسد أو النفس. وقد صار عادمًا لكلّ شيء، حتّى ضروريّات الجسد.والمفارقة في السماء أكثر وأشدّ: فالحياة في الأحضان الأبويّة حيث النعيم الدائم والفرح الذي لا يشوبه كدر. لا ألم ولا حزن ولا بكاء ولا تذكار للشرّ، بل تنعُّم وشبع أبدي بالربّ ومجد لا يوصَف. ولا توجَد كلمات تُعبِّر عن الغبطة في ذلك النعيم الدائم.وعلى العكس في مكان العذاب، حيث وجع القلب وعذاب الضمير وحيث «النَّارِ الَّتِي لاَ تُطْفَأُ والدُودُ الذى لاَ يَمُوتُ... هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ» (مر9: 44، لو13: 28).
يا سيّدي الرب.. أغنِنى بغِنى كلمتك، لأنّها تُنير في داخلي الطريق إلى الحياة الأبدية، وتكشف لى غوامض كثيرة فما يختصّ بحياتى الأبدية وميراثي في السماء وحضن إبراهيم.. اجعلني في هذه أتفكّر يا سيّدي. وما كتبه الروح بموسى والأنبياء، اجعله في داخلى، يُهديني إلى طريق الاستقامة. وبالأكثر كثيرًا جدًّا ما عملتَه أنت يا إله موسى والأنبياء من جهة خلاص الأبرار، ومن جهة المساكين الذين سيُحرمون من مجد ملكوتك وراحتك.لذلك أتوسل إليك يا سيدي أن تجعل كلماتك في هذا المثل تقودني لمزيد من النور الذي يرشدنى للحياة التي ترضيك، فأبتعد عن كلّ ما يُفسد عليَّ الحياة فيك ومعك وبك.أنت يا سيدي جعلت الحياتَيْن أمام عينيَّ.. حياة الغِنى والترف ولبس الحرير وكلّ ما يختص بتدليل الجسد وراحته، ومن ناحية أخرى حياة المسكين المُعدَم، صاحب الجسد المضروب بالقروح والمُلقى عادمًا كل شيء، وفي حالة العَوَز المُضني والجوع والفاقة، حتى ملء البطن من الفتات.
وعندما تنتهي أيّام الأرض، وهي لابد أن تنتهي بهذا أو ذاك، فماذا يكون المصير يا سيّدي؟
لقد استوفى الغنيّ خيراته على الأرض فلم يتبقَّ له خير ولا عزاء بعد. لقد طاب له عزاء الأرض والجسد، فأسلَم نفسه لمطالب الأرض وأفنى أيامه كلّها في الجسد. وانتهى به الجسد إلى التراب، وأحدرته شهوات الجسد إلى الجحيم. قال إبراهيم خليلك عندما ناداه الغني «يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ... فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ...اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ».. لقد طلبتَ راحة الأرض وفقط، فماذا لك بالراحة الأبدية؟! لقد كرهتَ أن تتعَب في الأرض، فها أنت تتعب في السماء.. لقد كرهتَ الدموع على الأرض، وسلَّمت نفسك للضحك والملذات، فها أنت تبكي حيث لا ينفع البكاء.
يا سيدي اِكشِف عينيَّ فأرى قصدك الإلهي، لأنّ كلامك يُنير الخفايا ويكشف الأسرار.. ماذا تقصد يا رب وماذا تريد أن تعلِّمني فأتعلم؟
الغني اللابس الأرجوان والبَزّ وهو يتنعم كلّ يوم مترفهًا، هذه كانت حياته وكلّ سيرته.. اِنحصر في الغِنى والترف والتنعم، ولِبس الحرير والأكل والشرب.. كانت هذه هي سيرته.دائرة مغلقة تدور حول الجسد وملذّات الجسد ومسرّات الدنيا. ولم تقُل يا سيدي ما يَتبع هذه الحياة الجسدية من خطايا وانحراف، لأنّ ما هو ثمر الجسد يا سيدي؟ أليس هذا هو قول رسولك: «لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ» (رو8: 13).يا حُزني يا سيّدي.. فإنّ الانحصار في الجسد، والحياة به وفيه وحده، قد صارت حياة كثيرين جدًّا.. كلّ الفكر وكلّ القلب والاهتمام صار للجسد. فأين مكانك أنت يا سيّدي من الحياة؟!
أشكرك يا مخلصي الصالح، لأنّك أنرتَ أمامي الطريق بكلامك الحيّ المُحيي، ولأنّك علًّمتَ عبدك وكشفت عينيَّ لأتبصّر في حياتي الأبديّة. قلتَ يا سيدي عن الغَني إنّه «اسْتَوْفَيْ خَيْرَاتُه فِي حَيَاتُه».. أنا أعلم يا سيدي أنّ الغِنى في ذاته من أموال وأملاك ومقتنيات ليس خطيّة، هذه نِعَمٌ تُغدقها بحسب مسرتك، إنّما العيب يوجد في انحراف الإرادة واِنغماس الإنسان في مسرّات وشهوات الجسد.
من جهة موت الجسد فهو أمرٌ محقّق، فأيّ إنسان يحيا ولا يرى الموت؟ فإن كان غنيًّا أو فقيرًا فعند الموت يتساوى كلاهما.فالغّنِيّ مات ودُفن.. ولعازر مات وحملته الملائكة.. الغَنيّ رفع عينيه وإذا هو مُعذَّب في الجحيم.. ولعازر فتح عينيه وإذا هو يتنعم في أحضان إبراهيم.فالفرق واضح يا سيدي ولا وجه للمقارنة.. من جهة الخارج فتمييز الغَنيّ عن الفقير المُعدم واضح، ومن جهة الداخل الذي لا يُرى، فالفرق بينهما كان أكثر مما يتصوّره الإنسان. لقد فصلَهما الغِنَى في الأرض وفرَّق بينهما، أما في الروح فمصير أبدي مختلف صارا فيه على طرفيّ نقيض.
المتنيح القمص لوقا سيداروس

عدد الزيارات 381

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل