شفيعتنا

14 أغسطس 2021
Large image

مفهوم الشفاعة:
في كنيستنا الأرثوذكسية لا يمكن أن نقبل وسيطا بين الله والناس غير يسوع المسيح، الذي وحده رئيس الكهنة بالسماويات وذبيحة الفداء إذ بدمه ننال المصالحة وغفران الخطايا، وليس أحد آخر تحت السماء غير أسم "يسوع المسيح" به يمكن أن نخلص (أع 4: 12).
تسائل البعض: إن كان هذا هو فكر الكنيسة فكيف نجد في طقوسها المؤمنين يسألون شفاعة العذراء ويطلبون صلوات القديسين؟ هل يوجد نص إنجيلي يتفق مع شفاعة القديسين؟
نجيب قائلين أن الإنجيل في روحه ونصوصه غايته الدخول بالإنسان إلى "الحياة الإلهية" أي حياة الحب الإلهي، حيث يتخلى الإنسان عن ذاتيته لكي يقدم بالروح القدس حياته كلها مبذولة من أجل خلاص اخوته. بمعنى آخر، الحياة الإنجيلية هي حياة وساطة، حيث يشتهي الإنسان أن يعمل ويصلي لكي يرى الكل في أحضان الله ممجدين.هذه هي الشفاعة!! كلما اقتربت النفس إلى الله في اتحاد أعمق مع يسوع المسيح التصقت بالحب نحو الآخرين، تصلي عنهم وتطلب خلاصهم؟
هذا ما عناه القديس مقاريوس الكبير حين قال أنه لا خلاص للإنسان خارج اخوته فعلينا جميعا، كل منا يصلي عن الآخر. الأباء وهم ينصحون أولادهم يستجدون خلاصهم مصلين من أجلهم. وكما قال القديس بولس مرة أننا مساعدو الله، كل منا وسيط بطريقة ما شفيع من أجل النعمة للآخرين إن عدنا لربنا يسوع المسيح نفسه نراه يكرم شفاعة الناس وتوسلاتهم عن الآخرين، فيشفي المفلوج من أجل إيمان حامليه (متى9: 2)، ويبرئ غلام قائد المئة من أجل طلبات القائد، وينقذ ابنة الكنعانية من الأرواح الشريرة من أجل صرخات أمها... أن الرب الذي يحبنا بلا مقابل يود أن يرانا على مثاله نحب الآخرين ونطلب عنهم أكثر مما لأنفسنا.هذا من جانب أما الجانب الآخر الملازم للأول فهو أن الحب الإنجيلي حب عملي يحمل اتضاعا صادقا، فنشعر أننا لسنا أهلا للصلاة عن أخواتنا بل بالحري نطلب نحن صلواتهم عنا. فالقديس بولس وهو يعلم أنه مدعو من الله نفسه لخدمة الكلمة برؤى وإعلانات يطلب صلوات شعبه لكي يعطيه الرب كلمة عند افتتاح فمه... فهل كان الرسول بلا دالة عند الله ليعطيه كلمة الكرازة؟! إنما يطلب ذلك بروح إنجيلي، روح شركة الحب والأتضاع!
مرة أخرى نتسائل: إن كانت الوساطة البشرية في مجمع القديسين قائمة فعلا حتى على الأرض خلال نعمة ربنا يسوع المسيح، كم بالأكثر هؤلاء الذين دخلوا الفردوس لا يكفوا بالحب عن الصلاة من أجل أخوتهم؟! إن كانوا وهم على الأرض في ثقل الجسد يطلبون عن الآخرين كم بالأكثر حين يلتصقون بالحب ذاته تزداد صلواتهم عمقا وقوة، سائلين الله من أجل خلاص العالم!
باختصار، الشفاعة في مفهومنا الأرثوذكسي لا تحمل أى عبادة للقديسين بل بالحري تؤكد عمل الله الخلاصي في كنيسته وفاعليته في حياة كل عضو، إنها كشف عن وحدة الكنيسة كأعضاء جسد واحد يتألم العضو لآلآم الآخرين ويفرح ويسر بمجد أخيه.
سر شفاعتها:-
أن كان حديثنا السابق عن الشفاعة بوجه عام ماذا بالأكثر تكون قوة صلاة والدة الإله من أجل أولادها وأخوتها... طالبة خلاص الجميع.
لقد رأينا العذراء مريم وقد نالت الأمومة لابن الله المتجسد منها، فصارت أما لكل جسده الذي هو الكنيسة... هذه الأمومة ليست لقبا فخريا بل مسئولية عمل دائم. هذا ما أكده الروح القدس كما تنبأ سمعان الشيخ قائلا: "وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف" لو2: 35. أمومة العذراء مريم التي قامت أولا على أساس نعمة الله المجانية التي اختارها من بين البشر والتي تأكدت بإيمانها في كلمة الله ووعوده، وثبتتها باتضاعها وحفظها للوصية الإلهية... جعل منها عضوا يفوق كل عضو في جسد المسيح، يشعر باحتياجات الأعضاء الأخرى ويتجاوب معها، طالبا خلاص الكل!
حدود شفاعتها:-
في قصة عرس قانا الجليل نستطيع أن نتفهم حدود شفاعة الأم العذراء مريم، فقد تقدمت من نفسها تسأل ابنها: "ليس لهم خمر". لم يجهل ربنا أن الخمر قد فرغ ولا تنقصه معرفته إلى من يذكره باحتياجات أولاده، ولا إلى من يحثه على الاهتمام بهم... لكن ربنا يسوع المملوء حبا يسر أن يجد في أمه وكل اخوته مشاعر الحب.لقد توسلت إليه مرة واحدة، أما هو فأجاب "مالي ولك امرأة لم تأت ساعتي بعد" يو2: 4،وهو لم يصدها إنما أراد أن يكشف لنا شفاعتها
أولا: كشف ثقة أمه فيه، فإنها لم تلح في الطلبة، ولا انتظر منه أنه يجيبها بشيء، بل بكل ثقة وتأكيد قالت للمحتاجين "مهما قال لكم فافعلوه"، وكأنها قد تأكدت أنه يعمل عملا لأولاده الذين تطلب عنهم!
ثانيا: بحديثها مع الخدام المحتاجين كشفت لنا عن مفهوم الشفاعة من جانبنا، ليست عبادة لها، إنما إعلان عن قدرتها على توجيه قلبنا بطريقة سرية تنفيذ وصية ابنها بكل دقة، إذ قالت "مهما قال لكم فافعلوه".إذا لنطلب صلواتها عنا وشفاعتها عنا حتى نقدر على تنفيذ وصايا ابنها. هكذا خلال أمومتها للرب نخلص بنعمة دم ابنها.
القمص تادرس يعقوب ملطى
عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى

عدد الزيارات 717

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل