شخصية مريم العذراء والدة الإله ج3

20 أغسطس 2021
Large image

مريم العذراء والدة الإله
مريم ويوسف يجدان يسوع في الهيكل:-
لقد انقضت اثنتا عشرة سنة، ولم يذكر طيلة هذه الفترة غير شيئين أولهما: "وكان الصبي وينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه". والأمر الثاني: "وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح". وهذا شهادة أخرى لتقوى مريم وزوجها لعل هذا الأمر مذكور هنا للتأكيد على هذه الحقيقة. ولا يرد هنا عن مريم أنها كانت تأخذ معها الصبي يسوع في هذه المناسبات السنوية. كما لا نجد هنا كلمة تضاف لإشباع الرغبة البشرية لحب الاستطلاع، ولكن ما يتناسب فقط مع غرض روح الله هنا. فالكل في كمال إلهي – لأن كل كلمة في الكتاب كانت تعبيراً لحكمة إلهية. والحقيقة تتقرر في عدد 41 وهي مقدمة للحادثة التي تتبعها والتي ترتبط بمريم.إن العددين الأولين يمهدان طريقنا للموضوع، "ولما كانت له اثنتا عشر سنة صعدوا إلى أورشليم كعادة العيد. وبعدما أكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أورشليم، ويوسف وأمه لم يعلما". ومن السجلات اليهودية نعلم أن عمر الثانية عشر بين الشباب اليهودي يعتبر السن الكافي للنضوج وتحمل المسئولية الفردية أمام الله. والصبي الذي يبلغ هذا العمر يعتبر ابناً بحسب الشريعة ويطالب أيضاً بمتطلبات الناموس.والحقيقة التي يسجلها الوحي هنا بأن يوسف ومريم صعدا بيسوع إلى أورشليم عندما كان عمره اثنتا عشرة، لا يمكن أن تكون هذه الملاحظة دون معنى خاص لنا. أما ما حدثا في العيد فلم يتسجل هنا، إنما يلفت انتباهنا مباشرة بالحري إلى هذا الظرف بالذات، وهو عند رجوع مريم مع القافلة العائدة فإن يسوع بقي في أورشليم. وكان من الطبيعي أن يظنان بين الرفقة وذهبا مسيرة يوم يطلبانه بدون قلق. ولكنهما إذ لم يجداه بين الأقرباء والمعارف رجعا إلى أورشليم يبحثان عنه. ولمدة ثلاثة أيام في قلق ومخاوف وهما يطلبانه. فمما لاشك فيه بأن كل هذا بترتيب إلهي، فبينما كان "الصبي يسوع" يتمم إرادة أبيه فقد كان يجب ألا يتعطل عن عمله. وفي نهاية المدة "وجداه في الهيكل جالساً في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم". ليت القارئ يدرك هنا كيف أن الروح القدس قبل أن يسجل كلمات مريم فإنه يلفت انتباهنا إلى الحكمة التي يعلمها هذا الصبي القدوس- وهي حكمة مستعلنة بشكل واضح. "وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته". وكم هو حقيق بأن الله يسر بأن يشغلنا بكلمات ابنه المحبوب! أما مريم ويوسف – وهما من أذل الغنم على الرغم من أن يوسف كان ابناً لداود (متى 1: 21) – فقد اندهشا من هذا لمنظر ومريم بقلب أم متأثرة قالت "يا بني لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين".وقبل أن نأتي إلى جواب يسوع فلنتأمل قليلاً في كلمات مريم. لقد انقضى أكثر من اثني عشر سنة على تلك الإعلانات العجيبة التي أتى بها جبرائيل، وكذلك نفس المدة تقريباً على الأقوال النبوية لسمعان الشيخ، والتي لم تعترضها إلا أوقات عيد الفصح السنوية التي كانا يصعدان فيها إلى أورشليم. بخلاف ذلك مرت هذه السنوات هادئة في الناصرة تتخللها الحياة العائلية بالتزاماتها العادية. وليس أمر غير مصدق، بالرغم من كمالات ابنها الظاهرة في نموه عبر تلك السنوات، أن يصيب مريم العمى الجزئي تجاه طبيعة حياة يسوع اليومية أو على الأقل كانت تنسى النصيب الذي ينتظر ابنها. ولن نذهب بعيداً في تصوراتنا بل نلتزم بالمكتوب فقد كان هناك أمران في خطابها إلى يسوع تؤكد لنا هذا الافتراض السابق، فأولا اللوم الذي تتضمنه كلماتها "يا ابني لماذا فعلت بنا هكذا؟" وثانياً استخدمها لعبارة تتضمن يوسف معها "هوذا أبوك". ولسنا بحاجة إلى إبراز هذين الأمرين باعتبارهما فشلاً، وإن كنا لا نشك أنهما نبعاً من مشاعر طبيعية صافية وعلاقات نقية. ولكن من جهة أخرى يتبرهن لنا أن أسلوب حديثها هو نتاج عواطف شديدة لابنها الكامل.أما إجابة يسوع لأمه فكانت إعلاناً عن إدراكه لتلك العلاقة الإلهية بالإضافة إلى إعلانه أنه قد جاء ليفعل إرادة أبيه. قالت مريم ليسوع عن يوسف أنه "أبوك"، وكانت إجابته أنه بقي في أورشليم، كقوله، "ينبغي أن أكون فيما لأبي" كانت إرادة أبيه هي الشريعة العظمى في حياته، وفرحه في أن يعترف بها. وعب اعترافه بها مكان جواباً شافياً لسؤال مريم الذي أزاح به لومها الظاهر. ولا يدهشنا أنهما "لم يفهما الكلام الذي قاله لهما".وعلى ذلك نقرأ: "ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعاً لهما". كانت إجابته لمريم في الهيكل قد ألقت الضوء الكافي على هذه السنين كلها ما بين أول فصح يصعد إليه وبين يوم معموديته إذ كان يعرف مركزه بدقة، لقد كان هنا فيما لأبيه أو لخدمة أبيه، وبالتالي في خضوعه ليوسف ومريم كان يفعل إرادة أبيه بنفس الكيفية كما بقي في أورشليم. فلم يكن هناك ولا يمكن أن يكون شيئاً من عدم الاتساق بين حياته اليومية وما يسمونه الناس الواجبات المقدسة. وكان كل نفس وكل شعور وكل فكر وكل كلمة وكل عمل إنما هي ثمار لحياة تقوية وتكريسية تامة لإرادة أبيه إذ كان يفعل كل حين ما يرضيه (يوحنا 8: 29). ويا له من مشهد يجرى يومياً أمام عيني مريم ويوسف في هذا المسكن المتواضع بالناصرة.وفي الختام يقال لنا عن "أمه" التي كانت "تحفظ جميع هذه الأمور متفكرة به في قلبها". هناك الأقوال في أورشليم وكذلك الأقوال في الناصرة. وهي في حالة من اليقظة وتتفكر متأملة في هذه الكلمات. ويمكننا أن نتأكد أن روح الله أعطاها بعض الإدراك لمعاني هذه الأقوال. لتؤازرها وتقودها وتعزيها في سنوات آتية. وأقول أنه ليست واحدة من بين جميع النساء أعطي لها الامتياز المبارك مثل مريم، فهي حقاً "المنعم عليها". ومرة أخرى نسترجع إجابة الرب للمرأة التي رفعت صوتها من الجميع قائلة له "طوبى للبطن الذي حملك والثديين الذين رضعتهما" أما هو فأجاب "بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه". هذه البركة ممنوحة لكل واحد من شعب الله.
في قانا الجليل:-
(يوحنا 2: 1 - 11)
تمضي السنون قبلما نجد مريم مرة أخرى في سجل الوحي. رأيناها آخر مرة في أورشليم عندما كان يسوع عمره اثنتا عشرة سنة وقد صعدت مع رجلها إلى هناك لتحفظ عيد الفصح ثم رجعت إلى الناصرة. ولا يرد شيئاً عن يسوع أو عن أمه لمدة لا تقل عن ثمانية عشر عاماً. وطوال هذه الفترة التي كان فيها يسوع مختفياً كانت هي كذلك مختفية وهكذا يكون الأمر مع المسيحي فإن حياتنا الآن مستترة مع المسيح في الله، ولكن عندما يظهر المسيح حياتنا ستظهرون معه في المجد (انظر أيضاً 1 يوحنا 3: 2) كذلك في الإنجيل ففي اللحظة التي بدأ فيها يسوع ظهوره لإسرائيل (ص 1: 31) نجد مريم مرة أخرى تأتي في المشهد. ولكن لكي نفهم الأمر فهماً صحيحاً وما تبع ذلك فتجب ملاحظة أن سيرتها الشخصية تتوقف. وعندما نراها بعد ذلك أو يرد ذكرها فإما بغرض رمزي أو لتعلم درساً ثميناً في ارتباطها مع ربنا. وتجد ملاحظة أن مريم هذه المنعم عليها لا ينبغي أن تكون محط أنظار شعب الله عندما يأتي ابنها يسوع في المشهد، فما يشغل القارئ هو كمالاته وحكمته وخضوعه الكامل لإرادة إلهه ومجده، وفي نفس لوقت لا ننسى هذه الوحدة في العلاقة بين مريم وطفلها.ويقال لنا أنه "في اليوم الثالث" "كان عرس في قانا الجليل. وكانت أم يسوع هناك". "ودعي أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس". إن البعض يشكون إذ تناولنا هذا المشهد بشكل رمزي عندما نطرح الصورة النبوية لرجوع إسرائيل المستقبلي. والجملة التي تتكلم عن العرس أنه كان "في اليوم الثالث" إنما تشير بوضوح إلى ذلك المعنى النبوي، فاليوم الثالث يتكلم عن زمان البركة (وكذلك الدينونة إذا أضفنا إليها حادثة تطهير الهيكل) والتي جاءت بعد اليومين للشهادة وهما ليوحنا المعمدان وليسوع نفسه – والمسجلة في ص 1، والتي تعني غالباً القيامة – وهي ظلال مستقبلية لحقيقة بركة الشعب الأرضي وكذلك بركة الشعب السماوي والتي تتأسس على القيامة وحدها. ولكي نفهم الخاصية الرمزية لهذا العرس – فقد اتخذ العرس مجراه ولكنه اختير خاصة لإظهار هذا الغرض وهو مفتاح هذه الحادثة ولا بد لنا أن نقول ذلك لأن كثيرين حتى من المسيحيين أنفسهم لم يفهموا بحسب أفكارهم البشرية المناقشة التي دارت بين الرب نفسه في تعاملاته مع مريم في هذه المناسبة، وقد نسوا مجد ذاك الذي استعلن هنا كما في أماكن أخرى وكذلك كماله المستعلن في تلك العلاقة.
ونقرأ "ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر. قال لها يسوع مالي ولك يا امرأة؟ لم تأت ساعتي بعد. قالت أمه للخدام مهما قال لكم فافعلوه" (ع 3 - 5). ونسجل هنا ملاحظات كتبها واحد تشرح معنى هذا الجزء: [إنه في العيد (أو العرس) لا يعرف أمه، وهذه هي علاقته الطبيعية مع إسرائيل، والمنظور لها أنه قد ولد منها تحت الناموس، فإسرائيل أمه، إنه يفصل نفسه عنها ليتمم البركة]. وهذا يساعدنا في شرح طبيعة هذا المشهد الرمزي المشار إليه. وهذا صحيح فإذا كان يسوع قد ولد من امرأة وولد تحت الناموس، فقد كان عليه أن يموت عن هذه العلائق جميعها لكي يمجد الله تمجيداً كاملاً ويفتدي الذين هم تحت الناموس بأن يصير لعنة لأجلهم قبلما يأتي بالبركة لإسرائيل. وحبة الحنطة كان ينبغي أن تقع في الأرض وتموت لكي تأتي بثمر كثير.ولكن هناك شيئاً آخر يجب أن نتذكره أن يسوع قد أخبر أمه – كما رأينا كذلك من قبل – أنه ينبغي أن يكون فيما لأبيه أي لصوالح أبيه، وأنه قد أتى ليفعل إرادة أبيه وهو قد فعل ذلك ففي كل خطوة كان في شركة مع أبيه سواء من جهة التوقيت أو الأسلوب الذي يتبعه، كما قال عن نفسه "لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل. لأن مهما عمل ذلك فهذا يعمله الابن كذلك" (يوحنا 5: 19 - 20). ولذلك كان من المستحيل عليه أن يقبل اقتراحاً من مريم عما ينبغي أن يعله وهذا معناه أن مريم تتدخل في منطقة مقتصرة ومحددة للآب وللابن. كان ما قالته تعبيراً عن حثها للرحمة وهو في ذات الوقت يعبر عن إيمانها بقوة يسوع التي لا يمكن أن تنكر. وعندما نأتي إلى دائرة كمال المسيح وتكريسه فإننا لا نسمع غير صوته الذي يقول أنه جاء ليفعل إرادة أبيه. إن هذا يفسر لنا قوله "مالي ولك يا امرأة؟؟ لم تأت ساعتي بعد".كانت كلمة يسوع لأمه التأثير المقصود، ويتضح هذا من حقيقة أنها لم تحاول أن تجيب،وأنها كانت تعتمد على تدخل يسوع وإظهار قوته، فقالت للخدام: "مهما قال لكم فافعلوه". وهذا جميل ورائع في حد ذاته، فمع أن مريم بسبب عواطفها الزائدة جربت في أن تأخذ مكاناً لا يخصها، وربما رغبة منها أن ترى ابنها يظهر علانية،ولكن سرعان ما تكلم الرب حتى عادت إلى مكانها الصحيح وانسحبت إلى الخلف. حتى وهي تتطلع إلى مجده الذي يفوق المجد البشري (ع 11) موصية الخدام بطاعة له لا تقبل الجدال. إن التوفيق بين عواطف الأمومة مع إيمانها بيسوع باعتباره يدعى ابن العلى وابن الله، وهي تراه في طريقة حياته اليومية يأكل ويشرب وينام، إنما يصبح هذا التوفيق أمراً صعباً ولكن الله نفسه كان يلاحظها ويفتح قلبها كل يوم لما كانت تحتاج أن تتعلمه وكذلك في هذه المناسبة عرس قانا الجليل. لم تعد تنشغل بتاتاً بنقص الخمر، وبقيت شاهدة بصمتها عن ما سيحدث، ولذلك استمتعت بهذا الامتياز الذي لا ينطق به كشاهدة لبداية هذه الآيات التي صنعها يسوع عندما أظهر مجده وآمن به تلاميذه. إن ما يصدر عما هو إلهي هو جزء من مجد الله وإظهار لحقيقة شخصه، وبالتالي فإن تحويل الماء إلى خمر كان بقوة كلي القدرة ونتيجة ذلك أن تلاميذه آمنوا به.كانوا قد قبلوه من قبل مع ضعف إيمانهم أما الآن فقد تثبت إيمانهم وذلك مريم أيضاً.وإذ أكمل يسوع إرساليته في قانا الجليل انحدر إلى كفرناحوم هو وأمه وإخوته وتلاميذه وأقاموا هناك أياماً ليست كثيرة.
وللحديث بقية

عدد الزيارات 504

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل