علاقة الله بالإنسان - الجزء الثانى

12 نوفمبر 2018
Large image

5- عصر الناموس
موسى النبي والذبيحة..
كانت العلّة التي أراد موسى النبي أن يُخرِج بها الشعب من مصر هي الذبيحة.. "الرَّبُّ إلهُ العِبرانيينَ التَقانا، فالآنَ نَمضي سفَرَ ثَلاثَةِ أيّامٍ في البَريَّةِ ونَذبَحُ للرَّب إلهِنا" (خر18:3)، وكان خروجهم من مصر مرتبطًا بذبح خروف الفصح.. "مُسّوا العَتَبَةَ العُليا والقائمَتَينِ بالدَّمِ" (خر22:12).
كانت كل العلاقة مع الله تدور حول الدم.. إشارة إلى الحاجة إلى سفك دم السيد المسيح، وأيضًا إعلانًا عن غضب السماء بسبب خطية الإنسان التي تستوجب الموت والدم. ولم يكن هناك مجال للتسبيح والترنيم.. "فحينَ يَرَى الدَّمَ علَى العَتَبَةِ العُليا والقائمَتَينِ يَعبُرُ الرَّبُّ عن البابِ ولا يَدَعُ المُهلِكَ يَدخُلُ بُيوتكُمْ ليَضرِبَ" (خر23:12)
أول ترنيمة..
كان خروج بني إسرائيل من مصر معجزة غير متوقعة، وما صاحب هذه المعجزة كانت أعاجيب وعظائم تخلب العقل. فالضربات التي أصابت فرعون وشعبه، وضرب الأبكار، وعبور البحر الأحمر، وهلاك فرعون.. كان شيئًا عظيمًا جدًّا مما فتح غلفة لسان الشعب فبدأوا يُسبِّحون: "حينَئذٍ رَنَّمَ موسَى وبَنو إسرائيلَ هذِهِ التَّسبيحَةَ للرَّب وقالوا..." (خر15).
وهذه هي التسبحة التي رتبتها كنيستنا بنفس نصها الكتابي في (الهوس الأول)، وهي أيضًا التسبحة التي يتغنى بها السمائيون: "وهُمْ يُرَتلونَ ترنيمَةَ موسَى عَبدِ اللهِ، وترنيمَةَ الخَروفِ" (رؤ3:15).
مذبح موسى النبي..
كانت هذه التسبحة طفرة في العلاقة مع الله، ولكنها ارتبطت أيضًا بالمذبح والذبيحة. لقد سبَّحوا الله بهذه التسبحة مرة واحدة فقط؛ وكأن الله كان يفتح لهم نافذة ليطلّوا منها علينا – العهد الجديد – ويشاركوا في تسبيح الخلاص الذي ننعم به نحن الآن. لم يكن الخلاص قد تم وقتها، وكانوا مازالوا ينتظرون مجيء السيد المسيح المُزمع أن يفدي البشرية، لتحيا بعدئذ حياة التسبيح الدائم.. "فبَنَى موسَى مَذبَحًا ودَعا اسمَهُ يَهوهْ نِسِّي" (خر15:17).
6- موسى النبي وتنظيم العبادة
عمل موسى خيمة الاجتماع حسب المثال الذي أظهره له الله على الجبل، وكان كل ما يدور داخل هذه الخيمة مرتبطًا بالذبائح فقط. وقد نُظِمت العبادة في عهد موسى؛ فصار هناك أنواع من الذبائح اليومية: (المحرقة، الخطية، الإثم، السلامة)، بالإضافة إلى الذبائح الموسمية: (كالفصح، ويوم الكفارة العظيم). وكان تدشين المذبح وتطهير الشعب برش الدم (راجع خر5:24-8)، وكذلك تقديس هارون والكهنة وثيابهم كان بالدم (خر21:29). وهذا شرحه مُعلِّمنا بولس الرسول في الرسالة إلى العبرانيين فقال: "لأنَّ موسَى بَعدَما كلَّمَ جميعَ الشَّعبِ بكُل وصيَّةٍ بحَسَبِ النّاموسِ، أخَذَ دَمَ العُجولِ والتُّيوسِ، مع ماءٍ وصوفًا قِرمِزيًّا وزوفا، ورَشَّ الكِتابَ نَفسَهُ وجميعَ الشَّعبِ، قائلاً: "هذا هو دَمُ العَهدِ الذي أوصاكُمُ اللهُ بهِ". والمَسكَنَ أيضًا وجميعَ آنيَةِ الخِدمَةِ رَشَّها كذلكَ بالدَّمِ. وكُلُّ شَيءٍ تقريبًا يتطَهَّرُ حَسَبَ النّاموسِ بالدَّمِ، وبدونِ سفكِ دَمٍ لا تحصُلُ مَغفِرَةٌ!" (عب19:9-22).
كان كل شيء في خيمة الاجتماع مرتبطًا بالدم؛ إشارة إلى الحاجة إلى دم السيد المسيح، وإعلانًا عن فظاعة الخطية وكراهية الله لها. فالموت ورائحة الدم والنار تقابل كل مَنْ يدخل إلى الخيمة للعبادة واللقاء مع الله، ليتذكر دائمًا خطيته ونتائجها المرعبة.
7- مذبح البخور
لكن.. إلى جوار الدم والذبيحة كان هناك طفرة جديدة قدمها الله في العلاقة معه.. وهي مذبح البخور: "وتصنَعُ مَذبَحًا لإيقادِ البَخورِ. مِنْ خَشَبِ السَّنطِ تصنَعُهُ" (خر1:30). إنه مكان لا تُقدَّم عليه ذبائح دموية، ومع ذلك يُسمى "مذبح". هذا المذبح (مذبح البخور) يسبق فينبيء بنوع جديد من الذبائح (غير الدموية). فالبخور هو صلوات القديسين، كما جاء في سفر الرؤيا: "وجاءَ مَلاكٌ آخَرُ ووَقَفَ عِندَ المَذبَحِ، ومَعَهُ مِبخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وأُعطيَ بَخورًا كثيرًا لكَيْ يُقَدمَهُ مع صَلَواتِ القِديسينَ جميعِهِمْ علَى مَذبَحِ الذَّهَبِ الذي أمامَ العَرشِ. فصَعِدَ دُخانُ البَخورِ مع صَلَواتِ القِديسينَ مِنْ يَدِ المَلاكِ أمامَ اللهِ" (رؤ3:8-4) فمذبح البخور إذًا كان إشارة مبكرة إلى ذبيحة جديدة تقدمها البشرية هي: "ذبيحة التسبيح"تُرى متى دخلت ذبيحة التسبيح في العبادة؟
نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة

عدد الزيارات 1727

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل