بين النبوة والإيحاء الشيطانى

05 سبتمبر 2021
Large image

ربما كان اختيار رصل لعام 1914م هى بمحض الصدفة أو بإيحاء شيطانى، لأن الشيطان يستطيع أن يعرف بعض الأشياء ليس كنبوة ولكن كاستنتاج لأحداث يمكن أن تحدث من دراسته للجو السياسى فى العالم. فلا نأخذ هذه الاستنتاجات على أنها نبوات.
النبوة هى شئ لا يستطيع أحد أن يستنتجه بطريحته أو بذكائه السياسى. فمثلاً عندما يتنبأ إشعياء النبى قبل ميلاد السيد المسيح بثمانمائة سنة ويقول: "ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (إش7: 14) فهذا لا علاقة له لا بالطب ولا بالسياسة أو غيرها. وعندما يقول داود النبى قبل صلب السيد المسيح بألف سنة: "ثقبوا يدىّ ورجلىّ. أُحصى كل عظامى.. يَقسِمُون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون" (مز22: 16-18) والمعروف أن أحداً لم يثقب يدى داود أو رجليه. وأيضا حينما يقول: "يُنغِضون الرأس قائلين: اتكل على الرب فلينجه، لينقذه لأنه سُرَّ به" (مز22: 7، 8).. هذه العبارات نفسها قالها اليهود وهم يلتفون حول صليب السيد المسيح، وكان هذا الكلام قد قيل قبل الحدث بأكثر من ألف سنة وقدم وصفاً دقيقاً لصلب السيد المسيح. والذين تمموا هذه النبوات ليسوا أصدقاء للسيد المسيح لئلا يظن أحد أنهم اتفقوا على محاولة إتمام النبوة، بل الذين تتموه هم أعداء السيد المسيح اليهود ومعهم الرومان الوثنيون. فما منفعة الرومان أن يعملوا كل هذا ليثبتوا الآيات التى قالها داود النبى؟!
النبوة دائماً تكون واضحة أنها نبوة... لكن الأحداث التى تحدث بالصدفة لا تكون نبوات. مثلما يقول البعض أن مستردامس تنبأ عن بعض الأشياء. بالطبع لا؛ مستردامس فى فرنسا عندما كان التنجيم محرّماً وكان يحكم على المنجمين بالإعدام، كتب بعض الأخبار والأشياء فى وريقات متفرقة خوفاً من أن تُمسك وتعتبر تنجيماً، وكتب عن حروب وعن مآسى وعن أمور أخرى من الممكن أن تحدث فى العالم ولكن لم يحدد تاريخ لأى حدث منها. فالذين يتتبعون أوراقه يبحثون إلى أن يجدوا ما يناسب الزمن المعين فينسبون ما فى ورقة ما إلى تاريخ معين، أو يقولون هذه نبوة لم تحدث بعد. يا ليتنا لا نتبع هذه البدع والخرافات.
البقرة الحمراء
أيضاً من ضمن الذين استغلّوا موضوع المجيء الثانى، أولئك الذين تكلموا منذ بضع سنوات عن موضوع البقرة الحمراء. فادعوا أن بقرة حمراء ولدت فى إسرائيل وعملوا ضجة كبيرة فى العالم وفى مصر على هذا الموضوع، حتى أن البعض أصدروا كتباً للرد.
يقولون أن بقرة حمراء ولدت فى إسرائيل وفى سفر العدد الأصحاح 19 ورد ما يلى: "وكلّم الرب موسى وهارون قائلاً هذه فريضة الشريعة التى أمر بها الرب قائلاً: كلّم بنى إسرائيل أن يأخذوا إليك بقرة حمراء صحيحة لا عيب فيها ولم يعلُ عليها نير. فتعطونها لألعازار الكاهن فتُخرَجُ إلى خارج المحلة وتُذبحُ قدامه. ويأخذ ألعازار الكاهن من دمها بأصبعه وينضح من دمها إلى جهة وجه خيمة الاجتماع سبع مرات. وتُحرق البقرة أمام عينيه، يحرق جلدها ولحمها ودمها مع فرثها. ويأخذ الكاهن خشب أرز وزوفا وقرمزاً ويطرحهن فى وسط حريق البقرة. ثم يَغسِلُ الكاهن ثيابه.. ويجمع رجل طاهر رماد البقرة ويضعه خارج المحلة فى مكان طاهر فتكون لجماعة بنى إسرائيل فى حفظٍ ماء نجاسة. إنها ذبيحة خطية.. فتكون لبنى إسرائيل وللغريب النازل فى وسطهم فريضة دهرية" (عدد19: 1-10).هذا الماء كان يُستخدم لتطهير الذين يتنجسون بحسب الشريعة الموسوية. فاعتقدوا أنه بولادة بقرة حمراء سيُبنى الهيكل لأن هذه كانت لها علاقة بخيمة الاجتماع وبالذبائح الحيوانية عند اليهود.. فقالوا مادامت قد ولدت فى إسرائيل بقرة حمراء وحيث إنه لا يوجد فى العالم كله بقرة حمراء أخرى فسوف يبنى الهيكل وستعود الشرائع اليهودية مرة أخرى.إذا روّج اليهود لهذه الشائعات فنحن نعرف خططهم ولا نجهلها لكن أن يتبنى المسيحيون الفكرة ويروجوا لها فأمثال هؤلاء يريدون أن يعملوا شهرة لأنفسهم لاغير. وفعلاً عمل أحد الوعاظ المسيحيين ضجة حول هذا الموضوع، وحينما قابله قداسة البابا وسأله كان رده "ذبحناها خلاص يا سيدنا"!
للرد على هذا الموضوع أمامنا اعتباران:-
1) بإمكان اليهود عن طريق المسائل الجينية إعطاء حقن وهرمونات معينة لكى تولد بقرة بلون معين.. فلا يخدعنا هذا الأمر.
2) ماذا تعنى كلمة أحمر فى الكتاب المقدس؟ هل تعنى دائماً الألوان الحمراء الصريحة؛ الأحمر القرمزى مثلاً أم ماذا؟!
أحياناً حينما يذكر اللون الأحمر فى الكتاب المقدس يكون أحمر فعلاً، وأحياناً يكون بنى أو أصفر. والدليل على ذلك أن العدس الذى طبخه يعقوب عندما أراد عيسو أن يأكل منه يقول الكتاب "قال عيسو ليعقوب أطعمنى من هذا الأحمر.. فأعطى يعقوب عيسو خبزاً وطبيخ عدس" (تك25: 30، 34). يقول على العدس "هذا الأحمر" فالأحمر هنا هو لون تقريبى لأنه لا يوجد عدس أحمر. يوجد عدس بنى وعدس أصفرهكذا حينما يقول الكتاب "بقرة حمراء" قد يكون المقصود بقرة لونها بنى لأنه من غير المعقول أن يظل شعب إسرائيل ينتظرون قروناً طويلة حتى تولد بقرة حمراء منذ أن أمر الله موسى بهذه الوصية، وأضاف أن تكون صحيحة ولا يعلوها نير. من الواضح أن المقصود هو البقر بنى اللون لأنه يوجد بقر لونه أسود اللون وبقر أبيض اللون وبقر مبقع أبيض على بنى.. والبقر الموجود فى منطقة الشرق الأوسط غالباً ما يكون أبيض اللون أو بنى أو مشكل.
إيمان اليهود ونهاية العالم
للأسف؛ فإن البعض يعتقدون أن اليهود سوف يؤمنون عندما يبنون الهيكل ويقدمون الذبيحة ولا تنـزل نار من السماء وتأكل الذبيحة، فيكون هذا هو سبب إيمانهم.لكن اليهود سبق وعرفوا من الحراس الرومان أن المسيح قام من الأموات، وكانت النتيجة أنهم أعطوا رشوة للحراس وقالوا لهم قولوا أن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام.. والمعروف طبعاً أن النائم لا يرى من حضر!! فإيمان اليهود لا يتوقف على حدوث حدث معين يحرجهم لأنه سبق وأحرجتهم قيامة السيد المسيح ولم يؤمنوا. والذين آمنوا هم فقط المعينون للحياة الأبدية. لكن قيادات اليهود والأمة اليهودية الرسمية فى ذلك الوقت استمرت فى عصيانها. أنا أعتقد أن إيمان اليهود ليس من الضرورى أن يرتبط بحدث بناء الهيكل لأن السيد المسيح نفسه قال "لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض" (مت24: 2). لذلك الدوران حول قضية نهاية العالم وربطها ببناء الهيكل وتقديم بقرة حمراء ذبيحة خطية و.. إلخ، أعتقد أنها فى غالب الأمر محاولات سوف تبوء بالفشل.فحينما نفكر فى إيمان اليهود وتوبتهم كعلامة من علامات المجئ الثانى التى سوف نتكلم عنها، الأفضل أن نفكر فى البُعد الروحى لهذا الموضوع ولا نربطه بحدث محدد قد لا يكون هو الذى فى تدبير الله.
الطريقة الصحيحة للتفكير فى المجيء الثانى
تكلّم السيد المسيح كثيراً عن أهمية حياة الاستعداد... واستخدم الاستعداد لمجيئه الثانى كوسيلة للاستعداد فى حياتنا الشخصية. لأن العالم سينتهى بالنسبة لأى إنسان مع انتقاله من هذا العالم. فمجيء السيد المسيح الثانى لن يغير الوضع كثيراً بالنسبة لأى إنسان من حيث استعداده الشخصى لملاقاة الرب.. والذين سيكونون فى العالم فى وقت مجيء السيد المسيح الثانى عليهم أيضاً أن يستعدوا، لكن ما الفائدة من أن يظل الإنسان يفكر فى ميعاد نهاية العالم ثم تنتهى حياته هو شخصياً على الأرض ولم يكن مستعداً؟
فلو فُرض أن عرف الإنسان أن العالم سينتهى بعد ألف سنة من الوقت الحاضر، بينما لم يستعد هو نفسه لأنه يعلم أنه لا يزال هناك ألف سنة أخرى. حياته هو لن تطول ألف سنة، فما الفائدة من معرفته بميعاد نهاية العالم؟!! لذلك كان السيد المسيح متعمداً كما أيضاً فى التدبير الإلهى أن لا يعلن متى ستكون نهاية العالم لأن هذا سيكون مدعاة للناس أن تتمسك بهذا العالم. لكن الكتاب ينذرنا دائماً بزوال هذا العالم وانتهائه لنفهم أيضاً أن العالم سينتهى بالنسبة لنا شخصياً بانتقالنا من هذا العالم، فالبعدين مرتبطين معاً.لذلك حينما تكلّم السيد المسيح عن مثل العذارى الحكيمات والعذارى الجاهلات قال فى نهاية المثل: "فاسهروا إذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التى يأتى فيها ابن الإنسان" (مت25: 13).كذلك حينما تكلّم عن نهاية العالم قال: "اسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون فى أية ساعة يأتى ربكم.. لذلك كونوا أنتم أيضاً مستعدين لأنه فى ساعة لا تظنون يأتى ابن الإنسان" (مت24: 42، 44). والعروف أن "ابن الإنسان" هو الرب السيد المسيح نفسه لأنه تجسد من العذراء مريم وصار إنساناً.إذاً الشئ الذى يستفيد منه الإنسان فى تذكّره لنهاية العالم هو أن لا يحب العالم.. ليس المقصود هو كراهية الناس، بل عدم محبة المادة والحياة الزمنية. وأن يشتاق إلى الأمور السمائية وينتظر الحياة الأبدية. فى نهاية قانون الإيمان الذى يقال فى الصلوات الخاصة وفى القداسات والأسرار إلخ. نقول {وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى آمين}. ففيما نحن ننتظر حياة الدهر الآتى ونهاية العالم نتذكر قيامة الأموات. وهذا هو الأسلوب السليم للتفكير فى نهاية العالم. فنهاية العالم بالنسبة لنا هى بداية استعلان ملكوت الله فى الحياة الأبدية.
هل سيملك على الأرض
البعض يظنون أن السيد المسيح حينما يأتى ليدين العالم ويجلس على عرش مجده سوف يكون هذا العرش على الأرض، لكن معلمنا بولس الرسول يقول فى رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكى: "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات فى المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم فى السحب لملاقاة الرب فى الهواء وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1تس4: 16، 17). فإذا كنا سنلاقى الرب فى الهواء، إذاً الرب سيجلس على عرش مجده فى السماء، ولكن بعد أن يكون قد اقترب من الأرض. وعن مجيئه الثانى قال السيد المسيح نفسه: "ومتى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسى مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب. فيميّز بعضهم من بعض كما يميّز الراعى الخراف من الجداء. فيُقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم.. ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدَّة لإبليس وملائكته، لأنى جعت فلم تطعمونى، عطشت فم تَسقونى. كنت غريباً فلم تأوونى، عرياناً فلم تكسونى، مريضاً ومحبوساً فلم تزورونى.. الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر فبى لم تفعلوا. فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى والأبرار إلى حياة أبدية" (مت25: 31 –46).الإيحاء المبدئى الذى تتركه عبارة "متى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسى مجده" التصور المبدئى هو أن يكون هذا الكرسى موضوعاً على الأرض، ولكن هذا الكرسى ليس مثل الكراسى المادية التى نعرفها المصنوعة من الخرزان، أو خشب، أو حتى الذهب، ولكنه كرسى مجده، أو عرش مجده.. هل عرش مجده فى سماء المسوات فى الملكوت مصنوع من الخشب؟! هذا العرش لا يحتاج أن يرتكز على الأرض. أما عبارة "يجلس على كرسى مجده" فتعنى أنه الديان، مثلما يجلس القاضى إلى منصة القضاء. فالسيد المسيح حينما صعد إلى السماء لم يخضع لقوانين الجاذبية الأرضية بالرغم من أنه صعد بجسده الذى قام من الأموات. لذلك يصف القديس بولس الرسول نفس الموقف يقول "الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء". إذاً مجيئه من السماء وأن عرش مجده فى السماء أمر واضح فى العبارات التى ذكرناها من إنجيل متى ورسالة تسالونيكى الأولى. "والأموات فى المسيح سيقومون أولاً" أى الذين رقدوا سيقومون أولاً.. "ثم نحن الأحياء.." وقد شرح بولس الرسول فى رسالته إلى أهل كورنثوس إن الأموات سيقومون أولاً ثم كلنا نتغيّر "هوذا سر أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير. فى لحظة فى طرفة عين عند البوق الأخير؛ فإنه سيُبوَّقُ فيقام الأموات عديمى فساد ونحن نتغير" (1كو15: 51، 52). نتغير بمعنى نكون لابسين جسداً معرضاً للموت أو الفساد أو الألم أو الجوع، نتغير إلى أجساد ممجدة، أجسام روحانية. فجسد القيامة الذى سنأخذه سيكون على مثال جسد السيد المسيح الذى صعد به إلى السماء ولكن ليس مساوٍ له فى المجد لأنه ليس متحد باللاهوت مثل جسده الإلهى.
مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المجئ الثانى للرب من منظور روحى

عدد الزيارات 702

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل