المتنيح الأنبا بيشوي مطران دمياط

Large image

ولد مكرم إسكندر نقولا فى 19 يوليو 1942 م. بمدينة المنصورة. ولكن والده أصلاً من دمياط من أسرة عريقة ومتدينة. فهو من عائلة القديس سيدهم بشاي تنيح والده المهندس إسكندر نقولا وتركه في سن الرابعة من عمره، فتولى عمه الأستاذ ألفونس نقولا تربيته ورعايته بدمياط تلقى دراسته الأولى في بورسعيد، ثم جاء إلى الإسكندرية حيث حصل على بكالوريوس الهندسة (قسم كهرباء) بتقدير امتياز عام 1963 م. من جامعة الإسكندرية وكان عمره في ذلك الوقت أقل من 21 سنة عُيِّنَ معيدًا بكلية الهندسة بالإسكندرية. وتقدم في الدراسة للحصول على درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية. فحصل على درجة الماجستير في يوم 28 مايو 1968 م ومن الناحية الروحية تأثر نيافته بالقمص بيشوي كامل، والقمص تادرس يعقوب ملطى أيضا تأثر نيافته بقداسة البابا شنوده الثالث -كما يقول نيافته- "خصوصًا أثناء القداس الإلهي الذي كان يصليه بروحانية عجيبة.. ورأيت فيه صورة الراهب الحقيقي" كان لكلمات قداسة البابا شنوده عن حياة التكريس في مؤتمرات الخدام بكنيسة مارمينا بالمندرة – الإسكندرية تأثيرها العميق، والشعور بالدعوة الخاصة لحياة التكريس ويقول نيافته: "قررت الذهاب إلى الدير (دير السريان) يوم 30 مايو 1968 م. (خميس الصعود)، واتخذت قداسة البابا شنوده أسقف التعليم حينها مرشدًا روحيًا وأب اعتراف لي".
تاريخ الرهبنة :16 فبراير 1969 م. بدير السريان بوادى النطرون بأسم الراهب توما السريانى
تاريخ الأسقفية: 24 سبتمبر 1972 م بيد صاحب الغبطة قداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث 117
تاريخ المطرانية: 2 سبتمبر 1990 م.
المنصب:مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير الشهيدة دميانة ببراري بلقاس
اللجان:
لجنة الإيمان والتعليم والتشريع
لجنة شئون الإيبارشيات
لجنة شئون الأديرة
لجنه العلاقات الكنسية (المُقَرِّر)
لجنة الرعاية والخدمة

المقالات (112)

21 مايو 2024

انتصار القيامة

الإنسان هو الذي جلب على نفسه الموت بدخوله في شركة مع الشر بغواية «ذاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الموت، أي إبليس» (عب ١٤:٢) وجاء السيد المسيح لكي يحرر الإنسان من عبودية الموت، ولكي يبيد بالموت ذلك الذي له سلطان الموت ولكن الشيء العجيب حقا أن الذين حكموا على الله الكلمة المتجسد بالموت هم فئة من البشر الذين أعماهم إبليس عن معرفة الحق فأبهتي أيتها السماوات واقشعري أيتها الأرض لأن الإنسان الذي اختطف لنفسه قضية الموت بطاعته لإبليس، هو نفسه يحكم بالموت على رب الحياة الذي جاء ليحرره من الموت ومع ذلك لم يتراجع الرب عن محبته في إتمام الفداء، وفضح أكاذيب الشيطان، وإعلان الحق لقد اجتذب الرب الباطل إلى ساحة المواجهة ليعلن أن الحق دائما هو الذي يبقى، وأن المحبة قوية كالموت وأن مياها كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، لأن لهيبها هو لهيب لظى الرب، والسيول لا تغمرها انتصر الخير على الشر وانتصر الحب على الكراهية وانتصر البذل على الأنانية. وانتصرت الحكمة على الحماقة، وصار أصل يسى راية للشعوب لكل من يريد أن يفهم إن قيامتك يا ربنا ومخلصنا كانت هي نور الحقيقة الباهر، والنتيجة الحتمية لانتصار المحبة التي تألقت على الصليب كانت الظلمة القائمة لمدة ثلاث ساعات كاملة ما بين صلب السيد المسيح وتسليمه الروح في يدي الآب تشير إلى الظلم الذي وقع عليه، لأنه قال لليهود عند القبض عليه في البستان « هذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ» (لو ٥٣:٢٢) ، وكانت تشير إلى قساوة قلوب البشر وإلى العمى الروحي الذي حجب عن اليهود الإيمان بالمسيح الخالق والفادي والمخلص وهو الأمر الذي أشار إليه بولس الرسول بقوله «إلهُ هَذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ المؤمنين، لئلا تُضيء لَهُمْ إنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ المسيح، الذي هُوَ صُورَةُ الله» (٢ كو ٤: ٤) كانت هذه الظلمة المعجزية بتدبير إلهي لإبراز ما في مؤامرة الشيطان من ظلمة ولكن أنوار القيامة قد بددت مؤامرة الشيطان، وأنارت الخلود والحياة في أذهان الذين آمنوا بقيامة الرب من بين الأموات كما أن نور الحب قد مزق الظلمات حتى أبهر من يؤمن بأن يسوع حقا هو ابن الله. فحتى قائد المئة الذي كان وثنيا لما رأى ما كان وأن الأرض تزلزلت والصخور تشققت( مت ۲۷ ٥١-٥٤) قال: «حَقًّا كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ ابْنَ الله» (مر ١٥: ۳۹) هذا هونور الحقيقة الذي ومض عندما قام من داس الموت وبدد كثافة الظلمة في أذهان البشر حتى انقشعت باكرًا جدًا في فجر الأحد ولكن سوف يبقى سر النور مكنونا في سر الحب والبذل الذي اكتسح به الرب ظلمات الأنانية والانحصار حول الذات لأن هذا هو سر الثالوث الذي كل أقنوم فيه متجه كليا نحو الآخر بالحب هذا هو هتاف الحقيقة الأزلية أن «الله محبة»( ١يو٤ : ٨ ،١٦). نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
المزيد
20 نوفمبر 2023

المحبـة من ثمار الروح القدس

وأما ثمر الروح ، فهو محبة فرح سلام » (غل ٥ : ٢٢) أنواع من المحبة : المحبة الحقيقية لا يمكن اقتنائها إلا بعمل الروح القدس في الإنسان هذه المحبة الممنوحة من الروح القدس تختلف تماماً عن أي محبة بشرية أخرى إنها ليست نوعاً من المودة أو الأنس أو الإعجاب المتبادل كما أنها لا تنبع من عواطف جسدية أو إنفعالات غريزية من الأبوة والأمومة في الإنسان أو في الحيوان إنها ليست محبة جسدية ولا نفسية ولكنها محبة روحية، لا تؤثر فيها عوامل الجسد أو النفس محبة الرجل للمرأة التي تبدو جميلة في نظره، هي نوع من المحبة التي تقوم على دوافع واعتبارات حسية وجسدية . ومحبة الأم لأولادها هى نوع من المحبة التي تقوم على دوافع نفسية وجسدية معاً ومحبة أى شخص لإنسان آخر له شخصية جذابة هو نوع من المحبة النفسية أما المحبة التي من الروح القدس فهي لا تقوم على هذه الأمور، ولا تتأثر بها ؛ لأن ما يبدو قبيحاً في الجسد، قد يبدو جميلاً في الروح . وما يبدو كثيباً للنفس قد يبدو مسراً للروح . السيد المسيح كمثال : فلتنظر مثلاً إلى السيد المسيح الذي قيل عنه «أنت أبرع جمالاً من بني البشر» (مزه (۲) قد قيل عنه أيضاً « لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ، ولا منظر فنشتهيه ، محتقر ومخذول من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن » ( أش ٥٣ : ٢، ٣) . كيف يتفق القول الأول مع القول الثاني ؟! ما قيل عن السيد المسيح أنه لا صورة له ولا جمال، قد قيل عن فقره وزهده وعن آلامه الجسدية : عن جراحات الصليب الثخينة ، وعن آثار الكرابيج التي مزقت جسده الطاهر، حتى أن اشعياء النبي قد أضاف فى نفس النبوة عنه فقال : « وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به » (آش ٥٣: ٣) أي أن الجراحات التي ملات جسده المبارك قد جعلت من ينظر إليه لا يحتمل النظر لفظاعة المنظر، فيستر وجهه بيديه لكي لا ينظر ما أصابه من التشويه في نفس الوقت نحن نعلم أنه لا يوجد في الوجود أجمل من مشهد الصليب حيث ذلك الحب العجيب الذي تشدو به كل الخليقة العاقلة إذ ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه » (يو ١٥ : ١٣ ) . مثال المحبة الزوجية : إن المحبة الروحية هى فوق مقاييس الزمان والحس والمكان . جده أحد الزوجين لهذا فمحبة الرجل لزوجته والمرأة لرجلها - إن كانت لها البعد الروحي الممنوح من الله - لا تتأثر باصابة أحد الزوجين بمرض في ، أو بتشويه فى منظره لإصابته في حادث أو ما شابه .... إننا نقف جميعاً مذهولين أمام طلب للطلاق من بحجة أن الطرف الآخر قد أصابته بلية مثل المرض. وهنا نرى في التخلى طعنة لا يعبر عنها فى حق الوفاء والمحبة الزوجية. أين ذهبت المحبة السابقة، وكيف ضاعت ؟! إنها لم تكن تابعة من عمل الروح القدس ولهذا أثرت عليها عوامل الزمن . تأثير الروح القدس في القلب والحواس : محبة الله تمنع عن القلب كل محبة غريبة، وتمنع الشهوات، وتقدس الحواس . ففى مثل العشر عذراى (مت ٢٥) نرى الخمس العذارى الحكيمات وقد ملأن الآنية من الزيت مع المصابيح والإناء هو القلب والمصباح هو الحاسة فإن كانت الآنية ممتلثة من الزيت تنير المصابيح، وهكذا إن كان القلب ممتلكاً وثمرة المحبة التي يمنحها، فإن الحواس تكون منيرة كقول السيد المسيح « إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً، وإن كانت عينك شريرة فجدك كله يكون مظلماً » ( متى ٦ : ٢٣،٢٢). من الروح القدس محبة الله فى القلب - كثمرة من ثمار الروح القدس ترفع الإنسان فوق مستوى الجسد والحواس والعوامل النفسية، حتى يحتمل الآلام والتعبير أو العذاب الجسدى، والعذاب النفسي . لأن الروح تعبر فوق كل عوامل الزمان والمكان، لتتنسم عبير الأبدية في المسيح. هكذا استقبل الشهداء الموت بفرح ولم يحبوا حياتهم حتى الموت» (رؤ ۱۲ : ۱۱) ، لأن حب الله الغالي في قلوبهم كان أقوى من الموت . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد السادس والعشرون عام ١٩٨٩
المزيد
13 نوفمبر 2023

كيف نحب ؟ قوة المحبة

"اجعلني كخاتم على قلبك كخاتم على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت الغيرة قاسية كالهاوية لهيبها غيب لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء ىء المحبة والسيول لا تغمرها. إن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقاراً" (نش ۸: ٦، ٧) ما معنى أن المحبة قوية كالموت ؟ معنی ذلك أن المحبة مستعدة أن تبذل ذاتها إلى حد الموت ..مثلما قيل عن الشهداء إنهم لم يحبوا حياتهم حتى الموت » ( رو ۱۲ : ۱۱). فالمحبة حتى الموت هي أعلى درجات المحبة هؤلاء الشهداء قد تعلموا المحبة من الله نفسه لأن «الله بين محبته لنا إذ ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا » (روه : ۸). وليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحيائه » (يو١٥: ١٣ ) لقد وضع الرب لنا مثالاً في المحبة لتتعلم منه وهكذا أحب القديسون الله حينما نظروا محبته القوية الجارفة « فى هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا » ( ١ يو٤ : ١٠ ) . المحبة تتخطى كل الصعاب هذه المحبة القوية يبدو أمامها الصعب سهلاً. فهى تضح بالمال والجهد وتبذل نفسها بلا تأخير إنها لا تنتظر سؤال الآخرين وتوسلاتهم، بل تسعى نحوهم بشغف تبحث احتياجهم تترفق بالضعفاء لا تتوقف عن العطاء تحمل أثقال الآخرين تمسح دموع المنكسرين تكتسح جميع الصعاب والعقبات تتخطى كل الإعتبارات المحبة في صلابتها وقوتها تستطيع أن تظل صامدة إلى النهاية لا تتراجع بسبب وعيد أو تهديد.. لا يرهبها المرض، ولا يثنيها عن تحقيق الغرض لا ترجع أبداً فارغة لا ترعبها الشياطين بكل ثقل المحاربات المؤلمة لأن مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء المحبة والسيول لا تغمرها » (نش ۷:۸) إنها نار إلهية تضطرم فى القلب ولا يمكن أن تنطفىء لأنها تستمد قوتها وفاعليتها من الله «محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا » (روه : ه). لهذا يلزمنا أن نتسحق أمام الله باتضاع متضرعين باستمرار، لكي تمتلىء قلوبنا من فاعلية هذا الروح النارى الذى حل على الكنيسة في يوم الخمسين. المحبة والصليب إن المحبة لا تطرح الصليب عن كاهلها، لكي تجد سعادتها بعيداً عنه بل تعانق الصليب بفرح . لأنها في الصليب عاينت مجد المحبة الإلهية، وصار الصليب بالنسبة لها ينبوعاً منه تستقى وتفيض على الآخرين كما قال السيد المسيح « من آمن بی كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى » » يو٧ : ۳۸) . يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية » (يو٤ : ١٤ ) . لا يمكن أن نفصل بين الحب والحياة، لأن الله هو الحب وهو الحياة فبدون الحب لا يكون للحياة وجود ولا معنى وخارج دائرة الحب لا يصير لوجودنا معنى . بل هناك الضياع بعيداً عن الله حيث تهيم النفس بلا هدف لا تدرى لوجودها سبب، ولا تلمس لحياتها وجود وهذا هو الموت بعينه إن الإنسان الذي يبذل ذاته بالصليب، يجد ذاته في الله لأنه حيثما توجد المحبة، فهناك يوجد الله لأن « الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت فى الله والله فيه» (ايو ٤ : ١٦). ولا ننسى أن الله هو الذى به نحيا ونتحرك وتوجد » (أع ۱۷ : ۲۸ ) . لغة المحبة المحبة هى اللغة التي تفهمها كل شعوب العالم. إنها تتكلم بجميع الألسنة وتدخل سريعاً إلى قلوب الآخرين . إنها لغة السماء.. فقبل أن تحل مواهب الروح القدس على التلاميذ ليتكلموا بجميع الألسنة تكلم ! الله مخاطباً العالم كله بلغة المحبة على الصليب. فالصليب هو كلمة حب نطق بها الله في سمع البشرية كلها ويكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً » (أش ١١: ١٠). عن هذا تكلم القديس بولس الرسول فقال: «الله يعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة . كلمنا في هذه الأيام الأخيرة فى ابنه » (عب ۱ : ۱، ۲). أي أن الله قد كلمنا بكل كلام المحبة، وبكل كلام الحياة في المسيح إن الصليب هو مفتاح لغة المحبة، وهو مفتاح الحياة. هو السر الخفى وراء كل عمل من أعمال المحبة في حياتنا نحن لا نعرف اللغة التى ينطق بها السمائيون، وما هي لغة الملائكة ! ولكنها بكل تأكيد هي لغة المحبة بالدرجة الأولى... ربما عن هذه اللغة تنبأ أشعياء النبى حينما تكلم عن المسيحية في مصر فقال « فى ذلك اليوم يكون فى أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان (اش ۱۹ : ۱۸)إن لغة المحبة هي لغة الشكر والتسبيح ، وهي اللغة التي تجمع الخليقة كلها في فرح وسعادة حول الله ينبوع الحب والحياة. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الخامس والعشرون عام ١٩٨٩
المزيد
06 نوفمبر 2023

كيف نحب الآخرين ؟ المحبة المترجيّة

الرجاء فى المحبة: الرجاء في المحبة ليس هو نوعاً من الوهم أو الخيال، ولكنه على العكس يستند إلى حقيقة جميلة، وهي استطاعة المحبة أن تغير ما حولها أمامنا مثال محبة المسيح التي استطاعت أن تصالح الناس مع الله ، وأن تحوّل الخطاة إلى قديسين. لهذا قال السيد المسيح "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. ولم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة " (مر۲ : ۱۷ ) إنسان خاطيء مثل اللص اليمين كان في البداية يعير السيد المسيح مع اللص الآخر « واللصان اللذان صلبا معه كانا يعيرانه » (مر١٥: ٣٣) . ولكنه شعر بالخجل أمام محبة السيد المسيح الغافرة وذلك حينما سمعه يصلى من أجل صالبيه ومعيريه ويقول «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» لقد أخجلته هذه المحبة الغافرة التى لم ترد الإساءة بمثلها ، بل استطاعت أن تفكر فى غيرها، وأن تنسى ذاتها بالكامل في أحرج الأوقات ، لأنها كانت مفعمة بالرجاء الرجاء في تحرير الآخرين من الأنانية والظلم والإنحصار حول الذات . المحبة والحرية : إن المحبة فى خروجها عن الذات، تستطيع أن تخترق ذوات الآخرين بقوة، لكى تهدم أصنام الذات ولكي تحطم حواجز الأنانية، ليكتشفوا أنهم مدعوون إلى ممارسة المحبة، أو إلى ممارسة الحرية لأنه حيث روح الرب هناك حرية » (٢كو٣ : ١٧ ) . وهنا نجد المفهوم الحقيقي للحرية ؛ أن يتحرر الإنسان من عبوديته لذاته، لكى لا يعيش معزولاً، سجيناً للذات . ولا يتحقق ذلك إلا بإتحاده بالله من خلال المحبة لينقله الروح إلى كل موضع حيث عطاء الذات المتدفق على مثال المسيح . خلاص العالم : العالم كان غارقاً فى ظلام الخطية الدامس، ولكن السيد المسيح رآه بمنظار المحبة القادرة على تغيير الواقع المحيط بها . وهو يتحول من الظلمة إلى النور «الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً، والجالسون فى كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور» (مت ٤ : ١٤-١٦ ) .ورآه وهو يمتلىء بالقديسين ورأى الكنيسة عروسه المحبوبة، وهى تتألق بمجد الحب الإلهى «تمشى شعوب المخلصين بنورها، وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها (رؤ ٢١ : ٢٤) رأى الملكوت وهو ممتلىء بالقديسين الذين نالوا الميراث الأبدى ، لأجل عظم محبتهم للملك المسيح حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم » (مت ١٣ : ٤٣ ) حقاً إن المحبة تستطيع أن ترجو كل شيء أن لا يخيم ظلام الحاضر على نور المستقبل المشرق. ذلك المستقبل الذي تحققه المحبة بقوتها وفاعليتها وقدرتها على التغيير. المحبة لا تيأس : قد تبدو الطرق والأبواب مغلقة أمام المحبة، ولكنها لا تستطيع أن تتوقف عن العمل . إنها تعمل خارج الباب. كما أن المسيح «تألم خارج الباب» (عب ۱۳ : ۱۲ ) إنها تعلم أنها حتى لو رفضت اليوم، فسوف تظهر قيمتها في الغد أو بعد الغد إنها تعلم أنها تحمل قيمتها في قدرتها على العطاء، وليس في قدرة الآخرين على قبولها . مثلما قيل عن الرب « إن كنا غير أمناء فهى يبقى أميناً لن يقدر أن ينكر نفسه »(۲تی ۲ :۱۳) إنها تتألق وهى مرفوضة أكثر مما وهي مقبولة، لأنها حينئذ تكون بلا مقابل إذ يواجهها الرفض وتبقى أمينة على الدوام المحبة الحقيقية لا تحتج بالصعاب ، بل تتخطى كل العقبات حتى تحقق أهدافها فى النهاية لا نفشل في عمل الخير، لأننا سنحصد في حينه . إن كنا لا نكل» (غل ٦ : ٩ ) . المحبة ترجو كل شيء : ترجو أن ينتصر الخير فى النهاية ترجو أن تتألق المحبة إلى الأبد ترجو أن تجد راحتها بعد التعب « كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده » ( لو ٢٤ : ٢٦ ) . ترجو أن يستعلن ملكوت الله و يأتى إلى كل قلب ترجو أن تتجدد الحياة بكاملها « فننظر سماوات جديدة وأرضاً جديدة يسكن فيها البر» (٢بط ۳ : ۱۳). حقاً لا شيء أعظم من المحبة . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الرابع والعشرون عام ١٩٨٩
المزيد
30 أكتوبر 2023

كيف تحب الآخرين ؟المحـبَة لا تحتد

" المحبة لا تحتد " ( ۱ کو ۱۳ : ٥ ) الإحتداد هو الغضب الذى يظهر فى أسلوب التخاطب أو التعامل مع الآخرين. وهو نوع من الانفعال الحاد الذي يتعارض مع التعامل المبنى على المحبة. الإنسان وهو محتد تتغير ملامحه ونبرات صوته ، بطريقة قد يفزع منها الطرف الآ ر، وقد يجرح الإحتداد مشاعره، وتتوه في وسط ذلك كلمات اللطف والمجاملة والمحبة . لماذا لا يجب أن نحتد ؟ المحبة تحرص على صحة من تحب، وعلى مشاعره، وهدوء قلبه ونفسيته، وهى تسمى باستمرار لتمنح الآخرين راحة وسلاماً وسعادة قلبية، ولا يرضيها أن يحدث انزعاج من أي نوع لنفس من تحب . والمحبة تحرص على عدم المساس بكرامة الآخرين ولهذا فهي لا تحتد على كبير ولا على الصغير لا " تحتد على الكبير احتراماً لمقامه ولا تحتد على الصغير حفظاً لكرامته " والمحبة تسعى للتفاهم والحوار الهادى البناء، ولهذا فهى لا تحتد، لأن الاحتداد يوقف الحوار، ويمنع الاستماع إلى الرأى الآخر، ويتعارض مع المودة التي تشجع الآخرين على التعبير عن رأيهم بصراحة الاحتداد ينشىء الخصومة والقطيعة ويولد الخوف في نفوس الآخرين ويمنعهم من التعامل خوفاً من المواجهة والاحتداد يحمل كثيراً من معانى الكبرياء، والغطرسة، وحب السيطرة، وعدم الرغبة في منح الآخرين فرصة المشاركة في الموقف، أو فى اتخاذ القرار وهو (أى الاحتداد) يحمل معنى نفاذ الصبر، وعدم الاحتمال، والضيق والتبرم والرغبة فى التخلص من الآخرين أو من آرائهم وأسلوبهم في التعامل إذا حدث الإحتداد بين زوجين فإن هذا يعنى عدم إقتناع الطرف المحتد بشخصية الطرف الآخر، وعدم الارتياح للعيشة معه، ويولد فى الطرف الآخر الإحساس بالخذلان ، وخيبة الأمل، والفشل في التعبير عن النفس. ربما يكون الاحتداد هو بسبب عصبية الطبع، ولكن الطرف الآخر ربما لا يفهم ذلك، ويشعر أنه هو السبب في الاحتداد الحادث مقابله ومن هنا تبدأ الأمور فى أن تتعقد الذي يحتد يفقد سيطرته على أعصابه، وعلى الفاظه،وعلى تصرفاته، وقد تصدر منه قرارات صعبة يندم عليها فيما بعد ... وقد تصدر منه تعبيرات يصعب إصلاحها، وإصلاح تأثيرها في أنفس سامعيه والذى يحتد يفقد كثيراً من محبة الآخرين التي تعب في غرسها في قلوبهم فالغضب يأتي كعاصفة تقتلع الأشجار، وكل ثمرة جميلة ، ولا تترك وراءها سوى الدمار وعوامل الانهيار. الإحتداد قد يضيع تعب السنين في لحظة ، ، كما أنه يولد الأنين في قلوب الآخرين . كيف نتخلص من الإحتداد ؟ الإنسان الحكيم لا يتكلم ولا يتصرف في شيء وهو محتد من الداخل، بل يصرف الغضب أولاً لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله » (یع ۱ : ۲۰ ) الإحتداد الداخلى يظهر فى كلام الإنسان، وفى تصرفاته . لهذا ينبغي أن يعمل الإنسان على صرف الغضب أولاً بالوسائل التالية :- ١ - الصلاة والتضرع لكى يعيد الله للقلب سلامه وهدوءه. ومن المفيد أن يخلو الإنسان إلى نفسه حينما يتحرك فيه الغضب . ٢ - أن يتذكر الإنسان أن الغضب لا يحل المشكلة، بل تحل المشاكل بالصبر والحكمة وطول الأناة . ٣- أن يتذكر الإنسان أن الغضب يزيد المشاكل تعقيداً وحتى لو حلها فإن هذا الحل يكون وقتياً لأنه لم يين على الإقتناع، بل هو وليد الخوف من الغضب . ٤- أن يتذكر الإنسان مواقف جميلة لمن غضب منه أخيراً . وحينما يتذكر إحساناته القديمة ومحبته الأولى، فإن الغضب يهدأ في قلبه ، ويتشبه بالله فى لطفه وطول أناته حينما قال قد ذكرت لك غيرة صباك ، محبة خطبتك ، ذهابك وراثي في البرية » (أر٢ : ٢). ه ـ أن نتعلم من السيد المسيح الذي قيل عنه إنه «لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته» (مت ۱۲ : ۱۹). والذى قال «تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم» (مت ۱۱ : ۲۹). نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الحادى والعشرون عام١٩٨٩
المزيد
23 أكتوبر 2023

كيف نحب الآخرين ؟ المحبة - لاتتفاخر ولاتنتفخ

تكلمنا فى المقال السابق عن المحبة التي لا تتفاخر ولا تنتفخ ، ونورد الآن بعض أقوال الآباء القديسين التي تؤكد هذا المعنى قال أنبا إيليا «أى منفعة للمحبة حيث تكون الكبرياء » ومعنى قوله هذا : إن الكبرياء لا تجتمع مع المحبة الحقيقية وقال شيخ : «إذا لم يأت علينا قتال، حينئذ ينبغى أن نتضع جداً عالمين أن الله لمعرفته بضعفنا رفع عنا القتال، وإن افتخرنا يرفع عنا ستره فنهلك» وقيل أيضاً : « ليس هناك شفاء لوجع المفتخر. لأنه بقدر ما يتعالى بأفكاره بقدر ما ترتفع معرفة الله عن نفسه، وإلى عمق الظلمة يهبط » .أليس هذا هو نفس المعنى الذي ذكره الرب عن الشيطان الذي أظلمت معرفته عن الله لسبب كبريائه إذ قال عنه في سفر حزقيال « أفسدت حكمتك لأجل بهائك » ( حز ۲۸ : ۱۷ ) قال شيخ : «إن أردت أن تنجح في إطفاء الغضب والرجز، فإقتن الإتضاع ولتكن لك طاعة ورجاء في كل أحد، لأن الغضب والرجز يسوقان الإنسان إلى الهلاك، ويبعدانه عن الله أما الإتضاع فإنه يحرق الشياطين والطاعة هي التي جاءت بابن الله وسكن فى البشرية (أى سكن بين البشر)، والإيمان خلص الناس، والرجاء لا يخزى وأما المحبة فهي التي تدع الإنسان لا يسقط ولا يبتعد عن الله الذى يريد أن يخلص ، عليه أن يقطع هواه في كل شيء، ويقتنى الإتضاع، وليكن الموت بين عينيه » . وقال شيخ آخر «أريد أن أكون مغلوباً بإتضاع، أفضل من أن أكون غالباً بافتخار». وقيل أيضاً : «لو كنا حكماء ونجعل أنفسنا جهالاً ، فإننا نستريح ونتنيح » وقال القديس برصنوفيوس : « لا تحسب نفسك شيئاً ، وأنت تتنيح . جاهد أن تموت من كل الناس ،وأنت تخلص قل لفكرك : إني قدمت ووضعت في القبر، فماذا لي مع الأحياء ، وبذلك لن يقدر شيء أن يحزنك إن الطاعة مطفئة لجميع سهام العدو المحماة، أما المحبة فهى المزود العظيم الذي يشد كل استرخاء، ويشفى كل الأمراض».قال أنبا موسى الأسود : «حب الاطراء من شأنه أن يطرد المعرفة » وقال أيضاً: «على مثال الصدأ الذي يأكل الحديد ، كذلك يكون مديح الناس الذى يفسد القلب إذا مال إليه. وكان يلتف اللبلاب على الكرم فيفسد ثمره، كذلك السبح الباطل يفسد نمو الراهب إذا كثر حوله » . وقال شيخ : « من مدح راهباً بحضرته، فقد أسلمه بأيدى أعدائه » وقال أنبا موسى : « تمجيد الناس يولد للإنسان البذخ وتعظم الفكر » وقيل عن الأب ألينوس إنه كان مرة يخدم والأخوة جالسون عنده يمدحونه ، وهو لا يجيبهم البتة، فقال له إنسان منهم : «لماذا لا تجيب الآباء وهم يسألونك ؟». فقال «لو أجبتهم نصرت مثل من يقبل المديح » من أقوال الآباء عن الإتضاع قال شيخ : « إن خاتم المسيح الظاهر هو الصليب، وخاتمه الباطن هو الإتضاع، فهذا مثل صليب الرب، وذلك مثل خلقه » . وقال آخر : «الإتضاع هو شجرة الحياة التي لا يموت آكلوها » وقال أنبا موسى الأسود « تواضع القلب يتقدم الفضائل كلها، والكبرياء هي أساس الشرور كلها » فمن كل ما تقدم ذكره فى المقال الحالي والمقال السابق نرى أن المحبة الحقيقية تمنع الإنسان من أن ينشغل بذاته، لأنه ينجذب بالحب نحو الله وهو بهذا يتحرر من الأنانية ومن سلطان الذات، وبالتالي يتحرر من الكبرياء ويقتنى الإتضاع الحقيقي في تعامله مع الله ومع الناس إن ينسى ذاته من فرط محبته. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد العشرون عام ١٩٨٩
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل