المتنيح الأنبا بيشوي مطران دمياط

Large image

ولد مكرم إسكندر نقولا فى 19 يوليو 1942 م. بمدينة المنصورة. ولكن والده أصلاً من دمياط من أسرة عريقة ومتدينة. فهو من عائلة القديس سيدهم بشاي تنيح والده المهندس إسكندر نقولا وتركه في سن الرابعة من عمره، فتولى عمه الأستاذ ألفونس نقولا تربيته ورعايته بدمياط تلقى دراسته الأولى في بورسعيد، ثم جاء إلى الإسكندرية حيث حصل على بكالوريوس الهندسة (قسم كهرباء) بتقدير امتياز عام 1963 م. من جامعة الإسكندرية وكان عمره في ذلك الوقت أقل من 21 سنة عُيِّنَ معيدًا بكلية الهندسة بالإسكندرية. وتقدم في الدراسة للحصول على درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية. فحصل على درجة الماجستير في يوم 28 مايو 1968 م ومن الناحية الروحية تأثر نيافته بالقمص بيشوي كامل، والقمص تادرس يعقوب ملطى أيضا تأثر نيافته بقداسة البابا شنوده الثالث -كما يقول نيافته- "خصوصًا أثناء القداس الإلهي الذي كان يصليه بروحانية عجيبة.. ورأيت فيه صورة الراهب الحقيقي" كان لكلمات قداسة البابا شنوده عن حياة التكريس في مؤتمرات الخدام بكنيسة مارمينا بالمندرة – الإسكندرية تأثيرها العميق، والشعور بالدعوة الخاصة لحياة التكريس ويقول نيافته: "قررت الذهاب إلى الدير (دير السريان) يوم 30 مايو 1968 م. (خميس الصعود)، واتخذت قداسة البابا شنوده أسقف التعليم حينها مرشدًا روحيًا وأب اعتراف لي".
تاريخ الرهبنة :16 فبراير 1969 م. بدير السريان بوادى النطرون بأسم الراهب توما السريانى
تاريخ الأسقفية: 24 سبتمبر 1972 م بيد صاحب الغبطة قداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث 117
تاريخ المطرانية: 2 سبتمبر 1990 م.
المنصب:مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير الشهيدة دميانة ببراري بلقاس
اللجان:
لجنة الإيمان والتعليم والتشريع
لجنة شئون الإيبارشيات
لجنة شئون الأديرة
لجنه العلاقات الكنسية (المُقَرِّر)
لجنة الرعاية والخدمة

المقالات (115)

06 مارس 2025

بدعة سابيليوس والرد عليها

ثالثاً: بدعة سابيليوس والرد عليها تم الحكم على بدعة سابيليوس فى مجمع القسطنطينية المسكونى الثانى عام 381م. اعتقد سابيليوس بأن الله هو أقنوم واحد وليس ثلاثة أقانيم، أى أقنوم واحد بثلاثة أسماء. وأن هذا الأقنوم حينما خلقنا فهو الآب، وحينما خلّصنا فهو الابن، وحينما قدسنا فهو الروح القدس. ولذلك نحن لا نميل إلى عبارة: "الآب خالقنا، والابن مخلّصنا، والروح القدس مقدّسنا" بالرغم من أنها ليست خطأ نحن لا ننكر أن الآب خالق، وأن الابن هو مخلّص، وأن الروح القدس يقدّس فى الأسرار الإلهية (أى فى أسرار الكنيسة). ولكن هذه العبارة قد تعطى انطباعاً بأن ما يقوله سابيليوس هو صحيح. أو كأن الخالق هو الآب وحده، بدون الابن والروح القدس، وأن الابن هو المخلص وحده بدون الآب والروح القدس، وأن الروح القدس هو المقدس وحده بدون الآب والابن. العمل الواحد للأقانيم الثلاثة والدور المتمايز لكل أقنوم: أ- الخلق نحن نؤمن أن الثالوث القدوس هو الخالق، وأن الأقانيم الثلاثة يعملون معاً مع تمايز دور كل أقنوم فى عملهم الواحد. فالسيد المسيح يقول "مهما عمل ذاك (أى الآب) فهذا يعمله الابن كذلك" (يو5: 19). ومثلما قيل فى المزمور "بكلمة الرب صنعت السماوات وبنسمة فيه كل جنودها" (مز33: 6) وهذا معناه أن الآب قد خلق السماوات ومن فيها بكلمته وبروحه القدوس. وفى سفر التكوين كُتِب "فى البدء خلق الله السموات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور" (تك 1: 1- 3). ويلاحظ اشتراك الروح القدس والكلمة مع الآب فى خلق السماوات والأرض فى اليوم الأول للخلق، وبالتالى باقى أيام الخليقة الستة ومعلوم طبعاً أن الله الكلمة الابن الوحيد قد كُتب عنه "كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان" (يو1: 3). وقيل عنه أيضاً: "فإنه فيه خلق الكل ما فى السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين، الكل به وله قد خلق الذى هو قبل كل شىء وفيه يقوم الكل" (كو 1: 16، 17). فقد ورد فى الأسفار المقدسة الكثير مما يثبت أن الابن هو خالق أيضاً مثل الآب. وكما نقول فى القداس الغريغورى: "المساوى والجليس والخالق الشريك مع الآب" والمقصود بعبارة "الخالق الشريك" هو اشتراك الابن مع الآب فى الخلق وورد فى سفر أيوب: "روح الله صنعنى ونسمه القدير أحيتنى" (أى33: 4). وقد جاء ذلك على لسان أليهو بن برخائيل الذى تكلم الكلام الصحيح بعد أن أخطأ أصحاب أيوب الثلاثة فى كلامهم، وأجابهم أيوب بكلام لم يرض الله عنه، كما لم يرض عن كلامهم، فصحح أليهو للجميع فى النهاية بكلام قبله الله ولم يعترض عليه. وأيضاً ورد فى نفس السفر: "ولكن فى الناس روحاً ونسمة القدير تعقّلهم" (أى32: 8). وهذه الأقوال تعنى أن الروح القدس خلق الإنسان ومنحه الحياة وخلق فيه الروح العاقل لأنه يقول "نسمة القدير تعقلهم" ونحن نقول عن الروح القدس فى قانون الايمان أنه "الرب المحيى". ونقول فى صلاة الساعة الثالثة أنه "كنز الصالحات معطى الحياة" (القطعة الرابعة). إذن نحن نؤمن أن الروح القدس هو الذى يمنح الحياة للكائنات الحية. فهو مانح الحياة ورازق الحياة ومعطى الحياة. ب- الخلاص: أما بالنسبة للخلاص فإن الخلاص ليس هو عمل الابن وحده، بل هو عمل الأقانيم الثلاثة، وإن كان كل أقنوم له دور متمايز عن الآخر فى عمل الخلاص. وقال معلمنا بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين "المسيح الذى بروح أزلى قدَّم نفسه لله بلا عيب" (عب 9: 14). أى أن الابن قدَّم نفسه ذبيحة لله الآب بالروح القدس. وبهذا نرى أن الله الآب كان " فى المسيح مصالحاً العالم لنفسه" (2كو5: 19). وفى ألحان الكنيسة وتسابيحها وصلواتها نقول عن الابن المتجسد "هذا الذى أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا، فاشتّمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة" (لحن (Vai etaf enf ج- عند نهر الأردن: وفى نهر الأردن كان الابن فى المياه يؤسس المعمودية المقدسة، والآب إذ انفتحت السموات يقول "هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت" (مت3: 17)، والروح القدس آتياً ومستقراً على الابن المتجسد بهيئة جسمية مثل حمامة. د- التجسد: وفى التجسد كوَّن الروح القدس ناسوتاً للابن ليتحد به اتحاداً أقنومياً (أى اتحاد لاهوت الابن بناسوته) فى نفس لحظة تكوين ناسوت الابن. كما قدّس مستودع العذراء مريم وقال الابن فى المزمور الأربعين واقتبسها أيضاً القديس بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين "ذبيحة وقرباناً لم تُرِد ولكن هيأت لى جسداً. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر. ثم قلت هأنذا أجيئ فى درج الكتاب مكتوب عنى لأفعل مشيئتك يا الله" (عب10: 5–7). وقد اقتبس القديس بولس هذا النص من الترجمة السبعينية Septuagint الابن هنا يقول للآب إنك لم تسر بذبائح العهد القديم، وقد جئت لأصنع مشيئتك وأقدم جسدى ذبيحة مقبولة تسر أنت بها، وأنت الذى هيأت لى هذا الجسد (مقصود طبعاً الناسوت الكامل جسداً وروحاً عاقلاً). وهنا نلاحظ أن تكوين جسد يسوع منسوب إلى الآب وليس إلى الروح القدس وحده، وأيضاً قيل أن "الذى حبل به فيها هو من الروح القدس" (مت1: 20). فهل الروح القدس هو الذى هيأ الجسد أم الآب؟ لا نستطيع أن نفصل. إن الروح القدس هو الذى كوّن الناسوت بما فى ذلك الجسد فى بطن العذراء، ولكنه كوّنه بقدرةٍ إلهية هى من الآب بالابن فى الروح القدس كما قال الآباء ولذلك قال القديس كيرلس الكبير إن الله الكلمة قد كون لنفسه ناسوتاً من بطن العذراء مريم بواسطة الروح القدس وهذا يتفق تماماً مع ما أوردناه، ويتفق أيضاً مع ما قاله السيد المسيح أن كل ما يعمله الآب يعمله الابن أيضاً "لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك" (يو5: 19). وقال أيضاً "أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو5: 17) شهود يهوه مثلاً يركّزون على الآية التى تقول "لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل" (يو 5: 19) فنرد عليهم بقولنا إن الابن لا يعمل من ذاته لأنه لا يعمل فى استقلال عن الآب. فكل ما يعمله الآب يعمله الابن وأيضاً الروح القدس لكن مع تمايز الأدوار فى العمل الإلهى الواحد للثالوث. العمل واحد والأدوار متمايزة. ه- الجلجثة: مثلاً فى الجلجثة الابن كان يقدم نفسه للآب، فكان لابد أن يشتَّم الآب هذه الذبيحة رائحة سرور ورضا ويتنسم نسيم رائحة طيبة ذبيحة مقبولة (كما قال بولس الرسول لأهل فيلبى عن التقدمات التى قدموها له). لو غاب الآب عن المشهد، فمن الذى يقدم الابن نفسه له؟ لتقريب المفهوم نقول أن الآب هنا أخذ دور الديان بأنه هو الذى يأخذ للعدل الإلهى حقه، مع أن العدل الإلهى هو فى الآب والابن والروح القدس، لكن لكى ينفع العمل لابد أن يأخذ واحد دور الذبيح أو الشفيع والآخر يأخذ دور الديان الذى يتقبل الذبيحة كترضية للعدل الإلهى. هنا العمل واحد وهو الخلاص، لكن للآب دور لا يستطيع أن يغيب عنه وكذلك الابن وأيضاً الروح القدس. ومن خلال الطقس تشرح لنا الكنيسة هذه العقيدة ببساطة وبطريقة محببة وسهلة الاستيعاب، فنقول فى اللحن "هذا الذى أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة". و- الحياة والعطايا: كل شئ فى الوجود هو من الآب بالابن فى الروح القدس حتى الحياة نفسها. صحيح أن الروح القدس هو مانح الحياة لكن الحياة أصلها فى الآب، كما قال الآباء أن كل عطية وكل طاقة أصلها فى الآب وتتحقق من خلال الابن فى الروح القدس أو بواسطته. الجوهر واحد وتخرج منه طاقة وقدرة، وهى لا تخرج من الآب وحده أو الابن وحده ولا الروح القدس وحده. هى صادرة من الثالوث لكن كل أقنوم يؤدى دور معين حتى تتحقق هذه القدرة. أقوال للآباء: وإليك بعض أقوال الآباء فى أن كل عطية وكل طاقة أصلها فى الآب تتحقق خلال الابن فى الروح القدس. القديس غريغوريوس أسقف نيصص: "كل عملية تأتى من الله إلى الخليقة، وتسمى بحسب فهمنا المتنوع لها. لها أصلها من الآب وتأتى إلينا من خلال الابن وتكتمل فى الروح القدس". القديس أثناسيوس: "الآب يخلق كل الأشياء من خلال الكلمة فى الروح القدس"وأيضاً القديس أثناسيوس "الآب يفعل كل الأشياء من خلال الكلمة فى الروح القدس" وكذلك قال القديس أثناسيوس: "من الواضح أن الروح (القدس) ليس مخلوقاً، ولكنه يشترك (له دوره) فى عملية الخلق. لأن الآب يخلق كل الأشياء من خلال الكلمة فى الروح (القدس)؛ لأنه حيثما يوجد الكلمة، فهناك الروح أيضاً، والأشياء التى خلقت من خلال الكلمة تأخذ قوتها الحيوية (خارجة) من الروح من الكلمة. لذلك كُتب فى المزمور الثانى والثلاثون "بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل قواتها". لقب المخلص: الخلاص هو عمل ثالوثى أما التسمير على الصليب فهو دور الابن، وفى المقابل كان للآب دور مرافق أو مشارك فى نفس العمل وهو قبول الذبيحة التى قدم الابن بها نفسه. والابن قدم نفسه ذبيحة بالروح القدس. ولعل الروح القدس كانت ترمز إليه النار الإلهية التى تنزل من السماء وتلتهم الذبائح التى كانت تقدم على المذبح فى العهد القديم. فهو النار الإلهية التى تُصعد الذبيحة وقد ورد فى رسالة معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيطس ما يؤكد أن الآب له لقب المخلص كما أن الابن له لقب المخلص فقال "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال فى بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغُسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس الذى سكبه بغنىً علينا بيسوع المسيح مخلصنا" (تى3: 4-6). هنا معلمنا بولس الرسول يلَّقب كل من الآب والابن بلقب "مخلصنا". فالآب سكب الروح القدس بغنى علينا باستحقاقات الخلاص التى تممها يسوع المسيح. فعبارة "مخلصنا الله" فى هذه الآية لا يمكن أن تكون إلا على الله الآب الذى سكب الروح القدس بيسوع المسيح. ولا يستقيم الكلام هنا إن إفترضنا أن عبارة "حين ظهر لطف مخلصنا الله" تعود على الابن لأنه لا يقال عن الابن أنه قد سكب الروح القدس علينا بيسوع المسيح وكأن الابن هو الفاعل والمفعول فى آنٍ واحد. كما لا يستقيم الكلام إن إفترضنا أن "مخلصنا الله" تعود على الروح القدس لأنه يكمل بقوله "الروح القدس الذى سكبه علينا". هرطقة الأقنوم الواحد وعبارة "الله محبة": إذن لا يمكننا أن نقبل هرطقة سابيليوس التى تقول بالأقنوم الواحد لأن الديانة المسيحية مؤسسة على أن "الله محبة. ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه" (1يو 4: 16). وقيل أيضاً "من لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة" (1يو 4: 8) إن الله محبة، فالمحبة هى صفة جوهرية فى الله، ولابد أن يمارسها ممارسة حقيقية قبل أن يخلق الخليقة. ولا يمكن أن نتصور الجوهر الإلهى بدون هذه الصفة! ونظراً لأن وجود الجوهر الإلهى لا يتوقف على وجود الخليقة وإلا كانت الخليقة هى جزءً من الله، أو هى الله، وهذا مستحيل، إذن فالحب هو فى الله قبل كل الدهور وقبل أن توجد الخليقة، ولا يمكن أن يوجد الحب دون أن توجد الأقانيم التى تتبادل هذا الحب والحب الثالوثى غير المحدود، هو كمال المحبة المطلقة. لهذا قال السيد المسيح قبل صلبه للآب "لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم" (يو17: 24). وقال أيضاً عن تلاميذه: "وعرَّفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به وأكون أنا فيهم" (يو 17: 26). إذن فرسالة السيد المسيح كانت تهدف إلى مصالحة الإنسان مع الله بالفداء لكى يتمكن من التمتع بهذا الحب الذى تتبادله الأقانيم قبل كون الخليقة. ولا يمكن أن يُفهم الله فهماً حقيقياً إلا من خلال هذا المنظور فعقيدة سابيليوس تؤدى إلى انهيار الديانة المسيحية. لأن معناها أن الله إذا أحب قبل أن يخلق الخليقة فإنه سوف يحب ذاته وهذه أنانية نربأ بها عن الله. وقد صدق أحد الفلاسفة المسيحيون الفرنسيون حينما قال: "أن نحب معناها أن نوجد – وأن نوجد معناها أن نحب" أى أن الوجود بدون المحبة يفقد قيمته ومعناه. الأقنوم كائن حقيقى له إرادة: ومن أخطر الأمور فى هرطقة سابيليوس أنه يحوِّل الأقانيم إلى مجرد أسماء. ولكن الأقنوم هو كائن حقيقى مثلما نقول للابن فى القداس الغريغورى: "أيها الكائن الذى كان.. والمساوى والجليس مع الآب". ويقول القديس يوحنا فى إنجيله "وحيد الجنس الإله الذى هو فى حضن الآب هو خبَّر" (يو1: 18). فكيف يُدعى الابن الوحيد الجنس وأنه فى حضن الآب ويكون – حسب رأى سابيليوس- هو مجرد اسم من أسماء الآب أو حتى صفة من صفاته؟!! أنه أقنوم حقيقى يتمايز بخاصية البنوة وله شخصيته الخاصة به، ولكنه واحد مع الآب فى الطبيعة والجوهر، وواحد معه فى الربوبية والملك والمجد والقدرة كل أقنوم يحب الأقنومين الآخرين بحرية مطلقة، ولكن أيضاً فى وحدانية مطلقة. ولهذا فالأقانيم لها إرادة واحدة من حيث النوع، وثلاث إرادات من حيث العدد. بمعنى أن كل أقنوم له إرادة ويحب بحرية الأقنومين الآخرين، لكن هذه الإرادة غير منفصلة فى طبيعتها عن إرادة الأقنومين الآخرين، لأن نوع الإرادة واحد ويجمعهم جوهر واحد وطبيعة إلهية واحدة. فما يقرره الآب يقرره الابن ويقرره الروح القدس بالطبيعة وبإلغاء سابيليوس لأقنومية الابن وأقنومية الروح القدس تنهار عقيدة الفداء فى المسيحية، لأن الابن قدّم نفسه ذبيحة مقبولة لأبيه السماوى، فكيف يقدم نفسه لنفسه ويتم الفداء؟!َ! وكيف يخاطب أحدهما الآخر مثلما قال السيد المسيح: "أيها الآب قد أتت الساعة. مجّد ابنك ليمجدك ابنك أيضاً" (يو17: 1) كما أن الآب قد قال سابقاً رداً على قول الابن "أيها الآب مجّد إسمك" (يو12: 28) "مجّدت وأمجد أيضاً" (يو12: 28). كيف يخاطب أحداهما الآخر إن كان أقنوم الآب هو أقنوم الابن وكيف يرد عليه؟!! إن هذا التعليم السابيلى (أى تعليم سابيليوس) يتجاهل كثير من آيات وأحداث الكتب المقدسة فى العهدين القديم والجديد. إدانة سابيليوس: وقد حرم مجمع القسطنطينية هرطقة سابيليوس الذى عاش فى زمن سابق لتاريخ انعقاد المجمع (أما مقدونيوس فكان هو بطريرك القسطنطينية وقت انعقاد المجمع). أى أن سابيليوس حُرم بواسطة المجمع بعد وفاته، لأن تعاليمه كانت هرطوقية، وقد مات وهو يعلِّم بها، فلهذا حرمته الكنيسة هو وتعليمه. مثلما حُرم كل من ثيئودور الموبسويستى (معلم نسطور) وديودور الطرسوسى بعد وفاتهما وذلك فى مجمع القسطنطينية الثانى 553م التالى لمجمع خلقيدونية (كما حرمتهما كنيستنا أيضاً قبل ذلك التاريخ) قد اعترض البعض على حرم أحد بعد وفاته، ولكن حرم الآباء فى مجمع القسطنطينية لسابيليوس بعد وفاته دليل على صحة هذا الإجراء. إنها هرطقات وقد مات أصحابها وهم يعلّمون بها وكان أبوليناريوس قد أدين قبل المجمع المسكونى فى القسطنطينية 381م فى عدة مجامع مكانية: فى روما 377م، وفى الإسكندرية 378م، وفى أنطاكية 379م. هذه المجامع أدانت هرطقة أبوليناريوس ثم أدين فى المجمع المسكونى الثانى الذى انعقد فى القسطنطينية 381م. وكان هو أسقف لاودكية وتوفى سنة 390م (أى عاش بعد المجمع تسع سنوات) ولاودكية هى مدينة اللاذقية اليوم فى سوريا. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
المزيد
11 فبراير 2025

ما بين يونان و المسیح

البعض يسأل عن الثلاثة أيام والثلاث ليالي التي قال عنها السيد المسيح أنه سيكون فيها في باطن الأرض مثل يونان في بطن الحوت؛ إذ أن المسيح كان قد دفن قبل غروب يوم الجمعة، وقام باكرًا جدًا يوم الأحد. بمعنى أنه قضى في القبر جزءًا من نهار الجمعة، وجزءًا من نهار الأحد، ونهار السبت بأكمله. قضى ليلة بين نهار الجمعة ونهار السبت، وليلة بين نهار السبت ونهار الأحد. وبهذا يكون في مدة دفنه ليلتين فقط وثلاث نهارات. فأين الليلة الثالثة؟.. هكذا يتساءلون. ولهذه المسألة ثلاث إجابات :- الأولى: أن السيد المسيح لم يقل أنه سيكون في القبر فقط بل في باطن الأرض. فإذا كان دمه الطاهر قد سال على الصليب وانساب إلى أسفل ودخل في جبل الجلجثة بدءًا من الساعة السادسة أي ظهر يوم الجمعة، ثم صارت ظلمة شاملة لمدة ثلاث ساعات إلى الساعة التاسعة أي الثالثة بعد الظهر فتكون هذه الظلمة هي الليلة المبحوث عنها. وكانت بمعجزة فريدة؛ لأن عيد الفصح عند اليهود كان في الرابع عشر من نيسان أي أن القمر يكون عموديًا على الأرض وكاملاً في ضوئه ولا يمكن أن يمر بين الأرض والشمس ليحجز ضوءها. الثانية: أن اليوم في التقليد العبراني كان يُعتبر اليوم كله بنهاره وليله. فمن يكسر نصف ساعة مثلاً من يوم السبت، كان يعتبر كاسرا لكل السبت، ويُعاقب على هذا الأساس. وبذلك يُفهم من الكلام أنها ثلاثة أيام بلياليها حسب المفهوم اليهودي العبراني. الثالثة: وهو رأي القديس يوحنا ذهبي الفم؛ أن السيد المسيح منذ أعطى جسده ودمه لتلاميذه في ليلة الجمعة (أي بعد انقضاء نهار الخميس) قد دخل في باطن الأرض. لأن الرب قال لآدم بعد معصيته وسقوطه: «لأَنَّكَ تُرَابٌ وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ» (تكوين ۳: ۱۹). ولأن جسد الرب ودمه في سر الإفخارستيا هو نفس جسده ودمه الذي في الصليب؛ فيكون قد بدأ الدخول إلى باطن الأرض من تلك الليلة التي سلم فيها نفسه وصنع الفداء على الصليب في نهار الجمعة وتكون هذه الليلة هي الليلة المبحوث عنها. وبذلك نرى أن كلام السيد المسيح في المشابهة بين دخوله إلى باطن الأرض ووجود يونان في بطن الحوت هو كلام صحيح طبعاً، بل ويحمل معان عميقة. ولا غرابة في ذلك لأن يشوع بن نون قد طلب من الرب أن يطيل نهارًا في يوم جمعة لئلا يأتي السبت وهم يعملون ليصير الجمعة بطول نهارين وكان كذلك. وسمح الرب أن يقسم نهار جمعة إلى نهارين بينهما ليلة قصيرة. وهذه هي عجائب الله الذي يحكم الزمن. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
المزيد
10 أكتوبر 2024

بدعة مقدونيوس بطريرك القسطنطينية والرد عليها

مجمع القسطنطينية سنة 381م مقدمة: انعقد هذا المجمع فى مدينة القسطنطينية فى سنة 381م لمقاومة بدعة مقدونيوس وبدعة أبوليناريوس وبدعة سابيليوس، بدعوة من الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير (الذى يلقّب باسم الملك الأرثوذكسى). أولاً: بدعة مقدونيوس بطريرك القسطنطينية والرد عليها أنكر "مقدونيوس"، الذى كان بطريركاً للقسطنطينية والذى بسببه انعقد المجمع المسكونى هناك، ألوهية الروح القدس ولكنه لم ينكر ألوهية السيد المسيح. وحُكم عليه وعلى تعليمه الهرطوقى فى المجمع المسكونى الثانى بالقسطنطينية 381م. كان مقدونيوس قد استند إلى ما ورد فى إنجيل يوحنا فى قول السيد المسيح عن الروح القدس "لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يو 16: 13) "ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم" (يو 16: 14). فقال مقدونيوس إن الروح القدس أقل من الابن لأنه يأخذ مما للابن (يو 16: 14،15)، ولأنه لا يتكلم من نفسه (يو16: 13)، ولأنه يشهد للابن بناءً على ما قاله السيد المسيح: "ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم.. فهو يشهد لى" (يو 15: 26). وأيضاً لأنه يُرسل من الآب ومن الابن يُرسَل من الآب: "وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شىء" (يو 14: 26) ويُرسَل من الابن: "ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق" (يو 15: 26) لقد نسى هذا المسكين أن الابن أيضاً قال عنه الوحى الإلهى: "لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل" (يو 5: 19). فهذا المسكين لو قرأ هذه الآية بتمعن لما اعتبر أن عبارة أن الروح القدس "لا يتكلم من نفسه" تؤدى إلى إقلال شأن الروح القدس عن الابن. كما أن كون الابن لا يعمل من نفسه شيئاً لا تقلل الابن عن الآب. فإذا اتبعنا هذه القاعدة التى اتبعها مقدونيوس لأنكرنا ألوهية الابن أيضاً لأنه قال أنه "لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل" (يو 5: 19) إن كلاً من العبارتين معناها أن أقنوم الابن وأقنوم الروح القدس لا يعمل الواحد منهما منفصلاً عن الأقنومين الآخرين. فلا الابن يعمل منفصلاً عن الآب والروح القدس، ولا الروح القدس يعمل منفصلاً عن الابن والآب لأنه كما قال الآباء مثل القديس اثناسيوس: "الآب يفعل كل الأشياء من خلال الكلمة فى الروح القدس" (من الرسالة الأولى إلى سيرابيون فصل 28 عن الروح القدس). وقد كرر القديس أثناسيوس هذا المعنى فى رسالته الثالثة إلى سيرابيون الفصل الخامس أيضاً فى مقاله عن الروح القدس، كما وردت فى مواضع أخرى من تعليمه ومثله قال القديس غريغوريوس أسقف نيصص: "كل عملية تأتى من الله إلى الخليقة بحسب فهمنا المتنوع لها (نسميها طاقة أو قدرة أو خلاص أو هبة أو موهبة أو عطية... إلخ)، لها أصلها من الآب وتأتى إلينا من خلال الابن وتكتمل فى الروح القدس." إن وحدانية الآب والابن التى قال عنها السيد المسيح أنه هو والآب واحد (انظر يو 10: 30) هى السبب فى أنه لا يقدر أن يعمل من نفسه شيئاً، لأن قدرة واحدة هى للآب والابن والروح القدس وقد شرح القديس يوحنا ذهبى الفم خطأ تعليم مقدونيوس، فى شرح عبارة أن الروح القدس لا يتكلم من نفسه، كما يلى: أولاً: إن الله حينما أراد أن يقيم سبعين شيخاً لمعاونة موسى النبى فى رعاية شعب إسرائيل قال الرب لموسى "آخذ من الروح الذى عليك وأضع عليهم" (عدد 11: 17) فهل كان الله أقل من موسى النبى.. حاشا؟! وهل الله يستدين (يستلف) من موسى الروح القدس أى مواهبه. إن السبب فى ذلك طبعاً، وبدون أى جدال ويستد كل فم، أن الله أراد أن يثبت للشيوخ السبعين أنهم يعاونون موسى ولا ينفصلون عنه، بل يعملون فى انسجام ووحدانية، لكى لا يحدث انقسام فى الجماعة هكذا أيضاً الروح القدس يأخذ مما للسيد المسيح ويخبرنا ليس لأنه أقل من الابن، كما إدّعى مقدونيوس، بل لكى يؤكد أن المسيح هو رأس الكنيسة. وتكون العطايا والمواهب التى تمنح لنا هى من خلال السيد المسيح، ونكون نحن أعضاء فى جسده الواحد. فالروح القدس كما أنه هو روح الآب فهو أيضاً روح الابن أو روح المسيح كما هو مكتوب. ثانياً: الروح القدس يأخذ مما للمسيح ويخبرنا، لأن أى إنسان يستطيع أن يدّعى أن الروح القدس يحل عليه، وأنه يأخذ وحياً من الروح القدس. والقديس يوحنا الرسول يقول "لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هى من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم. بهذا تعرفون روح الله.كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء فى الجسد فهو من الله" (1يو 4: 1-2). ونظراً لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم فكيف نعرف الروح القدس الحقيقى (أى روح الله) إلا إذا كان لا يتكلم من نفسه، أى أنه يشهد للمسيح ولا يشهد له فقط بل يشهد الشهادة الحقيقية، أن المسيح هو الابن المولود من الآب قبل كل الدهور. كما قال القديس يوحنا الإنجيلى فى نفس الرسالة: "ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق. ونحن فى الحق فى ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية" (1يو5: 20) فالروح الذى يشهد لألوهية السيد المسيح ولتجسده من أجل خلاص العالم تكون شهادته هى شهادة حق وهنا تكمن خطورة شديدة جداً لو تجاهلنا هذه الحقيقة. لأن إلين هوايت، النبية المزعومة للأدفنتست السبتيين غير المسيحيين، كانت تزعم أن الروح القدس هو الذى يوحى إليها بكل التعاليم الفاسدة المضادة للمسيحية الحقيقية. وأى نبى كاذب يدّعى أن الروح القدس هو الذى يعطيه الوحى فيما يقول ويكتب. كما ادّعت إلين هوايت أيضاً أن الملائكة كانت تظهر لها أحياناً فى الثالثة فجراً لتمليها ما تكتب، أى ليس الروح القدس مباشرةً بل عن طريق الملائكة، لكنها تدّعى أيضاً أن هؤلاء الملائكة مكلفين من الله من المعروف أن أنبياء كثيرين خرجوا إلى العالم وأن أى منهم قد يدّعى أن الروح القدس هو الذى يملى عليه ما قاله وما علّم به. فكيف نعرف إلا إذا كان الروح القدس الحقيقى له مواصفات هذه هى الأسباب التى جعلت السيد المسيح يعطى تعريفاً محدداً للروح القدس حينما قال: "ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم. كل ما للآب هو لى. لهذا قلت إنه يأخذ مما لى ويخبركم" (يو 16: 14،15). إذن فهو لا يأخذ فقط مما للابن ويخبرنا بل ويأخذ أيضاً مما للآب ويخبرنا، لأن كل ما للآب هو للابن، لذلك أكمل السيد المسيح قوله وقال: "لهذا قلت أنه يأخذ مما لى ويخبركم". ألوهية الروح القدس: أما عن ألوهية الروح القدس فكما أوردنا سابقاً من سفر أيوب "روح الله صنعنى ونسمة القدير أحيتنى" (أى 33: 4) فهو الإله الخالق. وقيل فى المزمور "أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وإن فرشت فى الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحى الصبح وسكنت فى أقاصى البحر فهناك أيضاً تهدينى يدك وتمسكنى يمينك" (مز 139: 7-10). وهذا يثبت أن الروح القدس حاضر فى كل مكان، ويثبت ألوهية الروح القدس كما أن القديس بطرس فى حواره مع حنانيا وسفيرة قد اعتبر أن من يكذب على الروح القدس يكذب على الله (انظر أع 5: 4)، لأن الروح القدس هو الله، كما أن الآب هو الله والابن هو الله من حيث الجوهر الابن هو ابن الله من حيث الأقنوم. فإن قلنا أنه الله نقصد من حيث الجوهر وإن قلنا أنه ابن الله نقصد وضعه الأقنومى. وهكذا أيضاً الآب من حيث الجوهر هو الله ومن حيث الأقنوم هو الآب، لذلك قال معلمنا بولس الرسول عن الآب فى أكثر من موضع "الله وأبينا" (أنظر غل 1: 4، فى 4: 20) فالله وأبينا هو واحد أما عن أقنومية الروح القدس فقد قال السيد المسيح "ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب" (يو 15: 26). معنى ذلك أن الروح القدس ليس هو الابن. وقال كذلك "أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق" (يو 14: 16، 17). فكلمة "آخر" هنا لا تعنى انفصاله عن الآب أو عن الابن بل تعنى أن له شخصيته الخاصة المتمايزة. إذن الروح القدس ليس طاقةً أو قوة، كما يدّعى شهود يهوه، بل هو شخص حقيقى يتكلم ويسمع وله ضمير الملكية. فهو أقنوم إلهى واحد فى الجوهر مع الآب والابن "قال الروح القدس أفرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه" (أع 13: 2). وعبارة "افرزوا لى" تشير إلى شخصية الروح القدس أنه صاحب ضمير الملكية. وليس هذا فقط بل قال السيد المسيح "ذاك يمجدنى" (يو16: 14)، وكلمة ذاك تقال عن شخص أو أقنوم وليس عن قوة أو طاقة. وقال عنه أيضاً "متى جاء ذاك روح الحق" (يو16: 13). فقال السيد المسيح عنه: "ذاك"، وقال عنه "جاء" وقال عنه "يتكلم" وقال عنه "ما يسمع يتكلم به" وقال عنه "يأخذ" وقال عنه "يخبر" وقال عنه "يشهد" كل هذه الأشياء التى قيلت عن الروح القدس تدل على أقنوميته. فكما أن الابن له شخصيته الحقيقية التى أدركناها حينما جاء لخلاص العالم، فالروح القدس أيضاً له شخصيته الحقيقة التى أدركناها حينما جاء ليقود الكنيسة ويشهد للمسيح ويعمل فى الأسرار وبهذا نكون قد أثبتنا من خلال تعليم الآباء استنادًا إلى الكتب المقدسة أن الروح القدس مساوى للآب والابن فى الجوهر وأنه أقنوم حقيقى له شخصيته المتمايزة. أثبتنا ألوهيته وفساد تعليم مقدونيوس، الذى حرمه المجمع المسكونى الثانى المنعقد فى القسطنطينية عام 381م، وحضره البابا تيموثاوس الأول بابا الإسكندرية (22). وعُزل مقدونيوس من رتبته كبطريرك للقسطنطينية وقد حُرم مقدونيوس هو وهرطقته من فم الكنيسة الجامعة، لذلك فى صلاة التحليل فى القداس الإلهى نأخذ الحل من فم المائة والخمسين المجتمعين فى القسطنطينية على أساس رفضنا لتعليم كل من مقدونيوس وأبوليناريوس وسابيليوس الذين حرمهم الآباء المجتمعين فى هذا المجمع. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
المزيد
21 مايو 2024

انتصار القيامة

الإنسان هو الذي جلب على نفسه الموت بدخوله في شركة مع الشر بغواية «ذاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الموت، أي إبليس» (عب ١٤:٢) وجاء السيد المسيح لكي يحرر الإنسان من عبودية الموت، ولكي يبيد بالموت ذلك الذي له سلطان الموت ولكن الشيء العجيب حقا أن الذين حكموا على الله الكلمة المتجسد بالموت هم فئة من البشر الذين أعماهم إبليس عن معرفة الحق فأبهتي أيتها السماوات واقشعري أيتها الأرض لأن الإنسان الذي اختطف لنفسه قضية الموت بطاعته لإبليس، هو نفسه يحكم بالموت على رب الحياة الذي جاء ليحرره من الموت ومع ذلك لم يتراجع الرب عن محبته في إتمام الفداء، وفضح أكاذيب الشيطان، وإعلان الحق لقد اجتذب الرب الباطل إلى ساحة المواجهة ليعلن أن الحق دائما هو الذي يبقى، وأن المحبة قوية كالموت وأن مياها كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، لأن لهيبها هو لهيب لظى الرب، والسيول لا تغمرها انتصر الخير على الشر وانتصر الحب على الكراهية وانتصر البذل على الأنانية. وانتصرت الحكمة على الحماقة، وصار أصل يسى راية للشعوب لكل من يريد أن يفهم إن قيامتك يا ربنا ومخلصنا كانت هي نور الحقيقة الباهر، والنتيجة الحتمية لانتصار المحبة التي تألقت على الصليب كانت الظلمة القائمة لمدة ثلاث ساعات كاملة ما بين صلب السيد المسيح وتسليمه الروح في يدي الآب تشير إلى الظلم الذي وقع عليه، لأنه قال لليهود عند القبض عليه في البستان « هذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ» (لو ٥٣:٢٢) ، وكانت تشير إلى قساوة قلوب البشر وإلى العمى الروحي الذي حجب عن اليهود الإيمان بالمسيح الخالق والفادي والمخلص وهو الأمر الذي أشار إليه بولس الرسول بقوله «إلهُ هَذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ المؤمنين، لئلا تُضيء لَهُمْ إنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ المسيح، الذي هُوَ صُورَةُ الله» (٢ كو ٤: ٤) كانت هذه الظلمة المعجزية بتدبير إلهي لإبراز ما في مؤامرة الشيطان من ظلمة ولكن أنوار القيامة قد بددت مؤامرة الشيطان، وأنارت الخلود والحياة في أذهان الذين آمنوا بقيامة الرب من بين الأموات كما أن نور الحب قد مزق الظلمات حتى أبهر من يؤمن بأن يسوع حقا هو ابن الله. فحتى قائد المئة الذي كان وثنيا لما رأى ما كان وأن الأرض تزلزلت والصخور تشققت( مت ۲۷ ٥١-٥٤) قال: «حَقًّا كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ ابْنَ الله» (مر ١٥: ۳۹) هذا هونور الحقيقة الذي ومض عندما قام من داس الموت وبدد كثافة الظلمة في أذهان البشر حتى انقشعت باكرًا جدًا في فجر الأحد ولكن سوف يبقى سر النور مكنونا في سر الحب والبذل الذي اكتسح به الرب ظلمات الأنانية والانحصار حول الذات لأن هذا هو سر الثالوث الذي كل أقنوم فيه متجه كليا نحو الآخر بالحب هذا هو هتاف الحقيقة الأزلية أن «الله محبة»( ١يو٤ : ٨ ،١٦). نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
المزيد
20 نوفمبر 2023

المحبـة من ثمار الروح القدس

وأما ثمر الروح ، فهو محبة فرح سلام » (غل ٥ : ٢٢) أنواع من المحبة : المحبة الحقيقية لا يمكن اقتنائها إلا بعمل الروح القدس في الإنسان هذه المحبة الممنوحة من الروح القدس تختلف تماماً عن أي محبة بشرية أخرى إنها ليست نوعاً من المودة أو الأنس أو الإعجاب المتبادل كما أنها لا تنبع من عواطف جسدية أو إنفعالات غريزية من الأبوة والأمومة في الإنسان أو في الحيوان إنها ليست محبة جسدية ولا نفسية ولكنها محبة روحية، لا تؤثر فيها عوامل الجسد أو النفس محبة الرجل للمرأة التي تبدو جميلة في نظره، هي نوع من المحبة التي تقوم على دوافع واعتبارات حسية وجسدية . ومحبة الأم لأولادها هى نوع من المحبة التي تقوم على دوافع نفسية وجسدية معاً ومحبة أى شخص لإنسان آخر له شخصية جذابة هو نوع من المحبة النفسية أما المحبة التي من الروح القدس فهي لا تقوم على هذه الأمور، ولا تتأثر بها ؛ لأن ما يبدو قبيحاً في الجسد، قد يبدو جميلاً في الروح . وما يبدو كثيباً للنفس قد يبدو مسراً للروح . السيد المسيح كمثال : فلتنظر مثلاً إلى السيد المسيح الذي قيل عنه «أنت أبرع جمالاً من بني البشر» (مزه (۲) قد قيل عنه أيضاً « لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ، ولا منظر فنشتهيه ، محتقر ومخذول من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن » ( أش ٥٣ : ٢، ٣) . كيف يتفق القول الأول مع القول الثاني ؟! ما قيل عن السيد المسيح أنه لا صورة له ولا جمال، قد قيل عن فقره وزهده وعن آلامه الجسدية : عن جراحات الصليب الثخينة ، وعن آثار الكرابيج التي مزقت جسده الطاهر، حتى أن اشعياء النبي قد أضاف فى نفس النبوة عنه فقال : « وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به » (آش ٥٣: ٣) أي أن الجراحات التي ملات جسده المبارك قد جعلت من ينظر إليه لا يحتمل النظر لفظاعة المنظر، فيستر وجهه بيديه لكي لا ينظر ما أصابه من التشويه في نفس الوقت نحن نعلم أنه لا يوجد في الوجود أجمل من مشهد الصليب حيث ذلك الحب العجيب الذي تشدو به كل الخليقة العاقلة إذ ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه » (يو ١٥ : ١٣ ) . مثال المحبة الزوجية : إن المحبة الروحية هى فوق مقاييس الزمان والحس والمكان . جده أحد الزوجين لهذا فمحبة الرجل لزوجته والمرأة لرجلها - إن كانت لها البعد الروحي الممنوح من الله - لا تتأثر باصابة أحد الزوجين بمرض في ، أو بتشويه فى منظره لإصابته في حادث أو ما شابه .... إننا نقف جميعاً مذهولين أمام طلب للطلاق من بحجة أن الطرف الآخر قد أصابته بلية مثل المرض. وهنا نرى في التخلى طعنة لا يعبر عنها فى حق الوفاء والمحبة الزوجية. أين ذهبت المحبة السابقة، وكيف ضاعت ؟! إنها لم تكن تابعة من عمل الروح القدس ولهذا أثرت عليها عوامل الزمن . تأثير الروح القدس في القلب والحواس : محبة الله تمنع عن القلب كل محبة غريبة، وتمنع الشهوات، وتقدس الحواس . ففى مثل العشر عذراى (مت ٢٥) نرى الخمس العذارى الحكيمات وقد ملأن الآنية من الزيت مع المصابيح والإناء هو القلب والمصباح هو الحاسة فإن كانت الآنية ممتلثة من الزيت تنير المصابيح، وهكذا إن كان القلب ممتلكاً وثمرة المحبة التي يمنحها، فإن الحواس تكون منيرة كقول السيد المسيح « إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً، وإن كانت عينك شريرة فجدك كله يكون مظلماً » ( متى ٦ : ٢٣،٢٢). من الروح القدس محبة الله فى القلب - كثمرة من ثمار الروح القدس ترفع الإنسان فوق مستوى الجسد والحواس والعوامل النفسية، حتى يحتمل الآلام والتعبير أو العذاب الجسدى، والعذاب النفسي . لأن الروح تعبر فوق كل عوامل الزمان والمكان، لتتنسم عبير الأبدية في المسيح. هكذا استقبل الشهداء الموت بفرح ولم يحبوا حياتهم حتى الموت» (رؤ ۱۲ : ۱۱) ، لأن حب الله الغالي في قلوبهم كان أقوى من الموت . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد السادس والعشرون عام ١٩٨٩
المزيد
13 نوفمبر 2023

كيف نحب ؟ قوة المحبة

"اجعلني كخاتم على قلبك كخاتم على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت الغيرة قاسية كالهاوية لهيبها غيب لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء ىء المحبة والسيول لا تغمرها. إن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقاراً" (نش ۸: ٦، ٧) ما معنى أن المحبة قوية كالموت ؟ معنی ذلك أن المحبة مستعدة أن تبذل ذاتها إلى حد الموت ..مثلما قيل عن الشهداء إنهم لم يحبوا حياتهم حتى الموت » ( رو ۱۲ : ۱۱). فالمحبة حتى الموت هي أعلى درجات المحبة هؤلاء الشهداء قد تعلموا المحبة من الله نفسه لأن «الله بين محبته لنا إذ ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا » (روه : ۸). وليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحيائه » (يو١٥: ١٣ ) لقد وضع الرب لنا مثالاً في المحبة لتتعلم منه وهكذا أحب القديسون الله حينما نظروا محبته القوية الجارفة « فى هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا » ( ١ يو٤ : ١٠ ) . المحبة تتخطى كل الصعاب هذه المحبة القوية يبدو أمامها الصعب سهلاً. فهى تضح بالمال والجهد وتبذل نفسها بلا تأخير إنها لا تنتظر سؤال الآخرين وتوسلاتهم، بل تسعى نحوهم بشغف تبحث احتياجهم تترفق بالضعفاء لا تتوقف عن العطاء تحمل أثقال الآخرين تمسح دموع المنكسرين تكتسح جميع الصعاب والعقبات تتخطى كل الإعتبارات المحبة في صلابتها وقوتها تستطيع أن تظل صامدة إلى النهاية لا تتراجع بسبب وعيد أو تهديد.. لا يرهبها المرض، ولا يثنيها عن تحقيق الغرض لا ترجع أبداً فارغة لا ترعبها الشياطين بكل ثقل المحاربات المؤلمة لأن مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء المحبة والسيول لا تغمرها » (نش ۷:۸) إنها نار إلهية تضطرم فى القلب ولا يمكن أن تنطفىء لأنها تستمد قوتها وفاعليتها من الله «محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا » (روه : ه). لهذا يلزمنا أن نتسحق أمام الله باتضاع متضرعين باستمرار، لكي تمتلىء قلوبنا من فاعلية هذا الروح النارى الذى حل على الكنيسة في يوم الخمسين. المحبة والصليب إن المحبة لا تطرح الصليب عن كاهلها، لكي تجد سعادتها بعيداً عنه بل تعانق الصليب بفرح . لأنها في الصليب عاينت مجد المحبة الإلهية، وصار الصليب بالنسبة لها ينبوعاً منه تستقى وتفيض على الآخرين كما قال السيد المسيح « من آمن بی كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى » » يو٧ : ۳۸) . يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية » (يو٤ : ١٤ ) . لا يمكن أن نفصل بين الحب والحياة، لأن الله هو الحب وهو الحياة فبدون الحب لا يكون للحياة وجود ولا معنى وخارج دائرة الحب لا يصير لوجودنا معنى . بل هناك الضياع بعيداً عن الله حيث تهيم النفس بلا هدف لا تدرى لوجودها سبب، ولا تلمس لحياتها وجود وهذا هو الموت بعينه إن الإنسان الذي يبذل ذاته بالصليب، يجد ذاته في الله لأنه حيثما توجد المحبة، فهناك يوجد الله لأن « الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت فى الله والله فيه» (ايو ٤ : ١٦). ولا ننسى أن الله هو الذى به نحيا ونتحرك وتوجد » (أع ۱۷ : ۲۸ ) . لغة المحبة المحبة هى اللغة التي تفهمها كل شعوب العالم. إنها تتكلم بجميع الألسنة وتدخل سريعاً إلى قلوب الآخرين . إنها لغة السماء.. فقبل أن تحل مواهب الروح القدس على التلاميذ ليتكلموا بجميع الألسنة تكلم ! الله مخاطباً العالم كله بلغة المحبة على الصليب. فالصليب هو كلمة حب نطق بها الله في سمع البشرية كلها ويكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً » (أش ١١: ١٠). عن هذا تكلم القديس بولس الرسول فقال: «الله يعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة . كلمنا في هذه الأيام الأخيرة فى ابنه » (عب ۱ : ۱، ۲). أي أن الله قد كلمنا بكل كلام المحبة، وبكل كلام الحياة في المسيح إن الصليب هو مفتاح لغة المحبة، وهو مفتاح الحياة. هو السر الخفى وراء كل عمل من أعمال المحبة في حياتنا نحن لا نعرف اللغة التى ينطق بها السمائيون، وما هي لغة الملائكة ! ولكنها بكل تأكيد هي لغة المحبة بالدرجة الأولى... ربما عن هذه اللغة تنبأ أشعياء النبى حينما تكلم عن المسيحية في مصر فقال « فى ذلك اليوم يكون فى أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان (اش ۱۹ : ۱۸)إن لغة المحبة هي لغة الشكر والتسبيح ، وهي اللغة التي تجمع الخليقة كلها في فرح وسعادة حول الله ينبوع الحب والحياة. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الخامس والعشرون عام ١٩٨٩
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل