الصليب في حياتنا

27 سبتمبر 2021
Large image

الصليب في حياتنا بمناسبة عيد الصليب، نذكر الكلمات الآتية:أول علاقة لنا بالصليب هي في المعمودية، حيث صُلِب إنساننا العتيق حتى لا نُستَعبَد بعد للخطية..والصليب قد حملته الكنيسة في حركة الاستشهاد وفي كل الاضطهادات التي لحقت بها على مر العصور.. والجميل في هذا الصليب أن الكنيسة قد حملته بفرح وصبر دون أن تشكو منه أو تتذمر.. تحول الصليب في حياة الكنيسة إلى شهوة تشتهيها وتسعى إليها. وكان إقبال المسيحيين على الموت يذهل الوثنيين، وكانوا يرون فيه الإيمان بالأبدية السعيدة، واحتقار الدنيا وكل ما فيها من ملاذ ومتع.. تحولت السجون إلى معابد، وكانت ترن فيها الألحان والتسابيح والصلوات من مسيحيين فرحين بالموت..وثالث مجال نحمل فيه الصليب هو الباب الضيق..فيه يضيّق الإنسان على نفسه من أجل الرب. يبعد عن العالم وكل شهواته. ومن أجل الله يزدرى بكل شيء. في سهر، في أصوام، في نسك، في ضبط النفس، في احتمالات لإساءات الآخرين.ويمكن أن يدخل في هذا المجال صليب التعب.. فيتعب الإنسان في الخدمة من أجل الرب. ويتعب في «صلب الجسد مع الأهواء» كما يقول الرسول: «ولكن الّذينَ هُم للمَسيحِ قد صَلَبوا الجَسَدَ مع الأهواءِ والشَّهَواتِ» (غلاطية 5: 24)، ويتعب في الجهاد وصلب الفكر، والانتصار على النفس، ويعلم في كل ذلك أنه ينال أجرته بحسب تعبه حسبما قال بولس الرسول (كورنثوس الأولى 3: 8).والمسيحية لا يمكن أن نفصلها إطلاقًا عن الصليب.. والسيد المسيح صارحنا بهذا الأمر، فقال: «في العالَمِ سيكونُ لكُمْ ضيقٌ» (يوحنا 16: 33)، وقال أيضًا: «وتكونونَ مُبغَضينَ مِنَ الجميعِ مِنْ أجلِ اسمي» (لوقا 21: 17).ونحن نفرح بالصليب ونرحب به، ونرى فيه قوتنا كما قال الرسول: «كلِمَةَ الصَّليبِ عِندَ الهالِكينَ جَهالَةٌ، وأمّا عِندَنا نَحنُ المُخَلَّصينَ فهي قوَّةُ اللهِ» (كورنثوس الأولى 1: 18).المسيحية بدون صليب، لا تكون مسيحية..وقد قال الرب: «إنْ أرادَ أحَدٌ أنْ يأتيَ ورائي فليُنكِرْ نَفسَهُ ويَحمِلْ صَليبَهُ ويتبَعني» (متى 16: 24)، بل قال أكثر من هذا: «ومَنْ لا يأخُذُ صَليبَهُ ويتبَعُني فلا يَستَحِقُّني. مَنْ وجَدَ حَياتَهُ يُضيعُها، ومَنْ أضاعَ حَياتَهُ مِنْ أجلي يَجِدُها» (متى 10: 38، 39).والصليب قد يكون من الداخل ومن الخارج..من الداخل كما يقول الرسول: «مع المَسيحِ صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المَسيحُ يَحيا فيَّ» (غلاطية 2: 20). إنكار الذات إذًا (لا أنا)، هو صليب، وقليلون هم الذين ينجحون في حمل هذا الصليب..أما الصليب الخارجي، فهو كل ضيقة يتحمّلها المؤمن من أجل الرب، سواء بإرادته أو على الرغم منه. وعن هذا قال السيد الرب «في العالَمِ سيكونُ لكُمْ ضيقٌ» (يوحنا 16: 33)، وقيل أيضًا: «كثيرة هي أحزان الصديقين» (مزمور 34: 19)، وقيل كذلك: «بضيقاتٍ كثيرَةٍ يَنبَغي أنْ نَدخُلَ ملكوتَ اللهِ» (أعمال 14: 22).ولكن هذا الصليب – في كل أحزانه وضيقاته – هو موضع افتخارنا وأيضًا موضع فرحنا. وفي هذا يقول الرسول: «وأمّا مِنْ جِهَتي، فحاشا لي أنْ أفتخِرَ إلّا بصَليبِ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ، الّذي بهِ قد صُلِبَ العالَمُ لي وأنا للعالَمِ» (غلاطية 6: 14)، كما يقول أيضًا: «لذلكَ أُسَرُّ بالضَّعَفاتِ والشَّتائمِ والضَّروراتِ والِاضطِهاداتِ والضّيقاتِ لأجلِ المَسيحِ. لأنّي حينَما أنا ضَعيفٌ فحينَئذٍ أنا قَويٌّ» (كورنثوس الثانية 12: 10). كما ينصحنا معلمنا يعقوب الرسول قائلا «اِحسِبوهُ كُلَّ فرَحٍ يا إخوَتي حينَما تقَعونَ في تجارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عالِمينَ أنَّ امتِحانَ إيمانِكُمْ يُنشِئُ صَبرًا» (يعقوب 1: 2، 3).من محبة الكنيسة للصليب جعلته شعارًا لها..وكانت الكنيسة تعلم أولادها محبة الألم من أجل الرب، وتغرس في فكرهم قول الكتاب «إنْ تألَّمتُمْ مِنْ أجلِ البِرِّ، فطوباكُمْ» (بطرس الأولى 3: 14)، بل أن الألم اعتبرته المسيحية هبة من الله، وفي ذلك قال الكتاب: «لأنَّهُ قد وُهِبَ لكُمْ لأجلِ المَسيحِ لا أنْ تؤمِنوا بهِ فقط، بل أيضًا أنْ تتألَّموا لأجلِهِ» (فيلبي 1: 29).وفى الألم، وفى حمل الصليب، لا يترك الله أولاده، فإن قال المزمور: «كثيرة هي أحزان الصديقين»، إنما يقول بعدها: «ومن جميعها ينجيهم الرب» (مزمور 34: 19)، كما يقول أيضًا: «الرب لا يترك عصا الخطاة تستقر على نصيب الصديقين» (مزمور 125: 3).احمل صليبك.. كن مصلوبًا لا صالِبًاإن كنتَ مصلوبًا، فاضمن أن الله سيكون معك ويرد لك حقك كاملًا، إن لم يكن هنا ففي السماء. أمّا إن كنتَ صالبًا لغيرك، فثق أن الله سيقف ضدك حتى يأخذ حق غيرك منك ويعاقبك.إن كنت صالِبًا لغيرك، اعرف أن فيك عنصر الشر والاعتداء والعنف، وكلها أنواع من الظلم لا تتفق مع البر الواجب عليك، ولا حتى مع المثالية الإنسانية التي يتطلبها العلمانيون..أمّا إن كنتَ مصلوبًا وبخاصة من أجل الحق ومن أجل الإيمان، فاعرف أن كل ألم تقاسيه هو محسوب عند الله، له إكليله في السماء وبركته على الأرض.وثق أن السماء كلها معك: الله والملائكة والقديسون..إن كل الذين تبعوا الحق، تحمّلوا من أجله. وكل الذين تمسكوا بالإيمان، دفعوا ثمن إيمانهم..إن العنف يستطيعه أي أحد ولكنه لا يدلّ على مثالية، والظلم سهل بإمكان أي أحد، ولكن لا يوجد دين يوافق عليه..لذلك احتفظ بمثالياتك وخلقك واحمل صليبك، والباطل الذي يحاربك لن يدوم إلى الأبد..إن السيد المسيح الذي ذاق مرارة الألم واحتمل الصلب، قادر أن يعين المتألمين والمصلوبين في كل زمان وفي كل موضع. لذلك ضع أمامك صورة المسيح المصلوب تجد تعزية، وثق أن بعد الجلجثة توجد أمجاد القيامة...
مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

عدد الزيارات 385

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل