مهمّة رئيس الملائكة ميخائيل

22 أكتوبر 2021
Large image

قيل في سِفر التثنية إنّ الربّ دَفَنَ موسى في الجواء (الوادي)، بعد أن أراه أرض الموعد من بعيد، ولم يَعرِف أحدٌ قبر موسى إلى هذا اليوم (تث34: 6).. فقد أخفى الله جسد موسى بحسب تدبيره الخاص.
ولكن ذَكَرَ القديس يهوذا الرسول في رسالته، أنّ رئيس جند الربّ ميخائيل «خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجًّا عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ».
وواضح من ذلك أنّ الشيطان أراد أن يعمل ضلالة عظيمة ضدّ تدبير الله لأنّه هو مقاوم وعدو كلّ خير. أراد أن يُظهِر جسد موسى ويحوِّل قلب شعب إسرائيل عن عبادة الله وطاعته، ليتعلّقوا بجسد موسى كنوع من عبادة البشر، إذ كان موسى عندهم هو كلّ رجائهم.
فلمّا ظهرت نيّة إبليس محاولاً أن يُخرِج جسد موسى من مكان دفنه المُخفَى عن عيون البشر، أوعز الله إلى ميخائيل رئيس جند الرب أن يوقِف الشيطان ويتصدّى له. ولما كان إبليس رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل في أبناء المعصية - هو قوّة هائلة وروح ظلمة مُريع – وله قدرات فائقة، إذ كان رئيسًا للملائكة، وأوصافه التى وصفها به الأنبياء تُنبئ عن ذلك، إذ يقول عنه إشعياء: «كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟» (14: 12). وقال عنه حزقيال: «أَنْتَ خَاتِمُ الْكَمَالِ، مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ الْجَمَالِ... أَنْتَ الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ، وَأَقَمْتُكَ. عَلَى جَبَلِ اللهِ الْمُقَدَّسِ كُنْتَ. بَيْنَ حِجَارَةِ النَّارِ تَمَشَّيْتَ. أَنْتَ كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْمٌ» (28: 12، 14، 15).
على هذا كانت مهمة رئيس الملائكة ميخائيل في التصدّي لإبليس مهمّة غاية في الصعوبة، توصَف بأنّها حرب في السماء.
ميخائيل كاسمِه "مَن مِثل الله" يستمدّ قوّته من خضوعه لله. بينما إبليس أو الشيطان هو كروح ظلمة مضاد لطبيعة الله الذي هو النور، والساكن في النور الذي لا يُدنَى منه.
+ «بَارِكُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً، الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ ، الْعَامِلِينَ مَرْضَاتَهُ» (مز103: 20، 21).
+ «الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ» (عب1: 7).
لذلك فإنّنا ندرك أنّ ميخائيل تصدّى لقوّة الظلمة الهائلة، أي لإبليس وجنوده، ليوقِف عمله ويبطل مشورته. وهذا ما عبَّر عنه سِفر الرؤيا بقوله: «حَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ، وَحَارَبَ التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ» (رؤ12: 7).
وقد كانت مهمّة رئيس الملائكة ميخائيل هكذا مهمّة خطيرة وصعبة جدًّا. ولم يستطِع إبليس أن ينفّذ إرادته الشريرة، بل توقّف عن تقدّمه، بسبب قوّة ميخائيل وتصدّيه الحاسم. ويمكننا أن نتخيّل هذه المواجهة الصعبة، عندما نتذكّر أنّ ملاكًا واحدًا قتل «مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا مِنْ جَيْشِ سَنْحَارِيبُ» (2مل19: 35) المحاصِر لأورشليم في أيام حَزَقِيَّا الملِك.
فما بالك برئيس الملائكة!!؟
وقول رئيس الملائكة ميخائيل وصرخَتُهُ في الشيطان «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ» فيه لنا قدوة وسِرّ، به كيف نواجه هذا العدوّ، إذ نلتجئ إلى اسم الرب.. ولاسيّما بعد أن نلنا نعمة البنوّة، وأخذنا من المسيح الإله قوّة وسلطانًا على الأرواح النجسة، حتى طَرْدها وإخراجها وغلبتها بقوّة الروح القدس المُعطَى لنا، لأنّ الرب قال: «أَنَا بِرُوحِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ» (مت12: 28) وقال الرسول يعقوب: «قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ» (يع4: 7) وقال الرسول بطرس أيضًا: «قَاوِمُوهُ، رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ» (1بط5: 9). وقال الرب أيضًا: «هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوّ» (لو10: 19).
فليكن في فمنا قول رئيس الملائكة «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ». نقوله الليل والنهار في كلّ ما يقابلنا من حروب أو معاكسات أو فخاخ أو مضايقات أو هجمات العدو. وكان عوام (عامّة) المؤمنين يقولون: "ربنا يخزيك يا شيطان". وكانوا يؤمنون إنّه بمجرّد رشم علامة الصليب يهرب الشيطان، ويصيبه الخزي، لأنّ الرب يسوع سحق الشيطان بالصليب.
ثم بعد ما يزيد على ثلاثة آلاف سنة، لمّا تجسّد ابن الله وظهر في الهيئة كإنسان من أجل خلاص العالم. وصُلِبَ على الصليب حاملاً خطيّة العالم كلّه. وأسلم الروح في يديّ الآب. طار صواب عدو الخير لما اكتشف أنّ الذي وُلد في مذود، وصار في الهيئة كإنسان، وصار مُجرَّبًا في كلّ شيء وتعب وبكى ونام.. إلى آخر هذه الأمور، واحتمل الآلام ومات.. لم يكن سوى أقنوم الكلمة، الذي في ذات الله، والواحد مع أبيه في الربوبيّة.
وعندما نزل بلاهوته المتّحد بالنفس البشرية إلى الجحيم وسبى سبيًا، وخلّص آدم وبنيه من سجن الأرواح أي قبضة إبليس، أسرع إبليس في جنونه الشيطاني ليعمل ضلالته العظمى، إذ أدرك أنّ المسيح لا يمكن أن يُمسكه الموت، بل هو سيقوم حتمًا كما قال، لأنّه هو هو القيامة والحياة. فراح يعمل في فِكر رؤساء كهنة اليهود، لكي بكلّ وسيلة يخفي القيامة، فأسرعوا إلى بيلاطس لكي يضبطوا قبر المخلّص بأختام وعساكر. وقالوا عن الرب: «أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ... لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى» (مت27: 63، 64).
فتصوّر أنّ الشيطان المُضِلّ والكذّاب وأبو الكذّاب يقول عن الرب إنّه مُضِلّ وأنّ قيامته ضلالة.. وإنّي أـتعجّب لشرّ الشرير وظُلمة الظالم. فذاك الذي أسقطه كبرياؤه ليصير مثل العليّ.. أحدَرَتْهُ أفكاره إلى أسفل السافلين.
فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة الذين انقادوا لمشورة الشيطان "عندكم جنود فاضبطوا القبر كما تشاءون". كانت هذه المحاولة اليائسة والمشورة الغبيّة هي آخر حصون العدو التي هدمها المسيح بقيامته. لأنّه عندما أشرق نور قيامة المسيح هربَتْ قوات الظلمة وتبدّدت في الحال.
لأنّه هل ممكن أن يحجِز الظلام نور شمس البرّ؟ وهل ممكن للذي وُلد من العذراء بدون زرع بشر الذي لم يفعل خطيّة، القدوس الذي بلا شرّ أن تسود عليه شوكة الموت؟ وهل يُعقل أنّ الأزلي الأبدي تكون له نهاية أيام؟
لذلك قام المسيح من الأموات، ونقض أوجاع الموت وكسر شوكته، وأنار الحياة والخلود.
في هذه المرّة أيضًا، أوعز الربّ لرئيس جنده الملاك ميخائيل أن ينزل، ولكن لم تكن هذه المرّة كسابقتها.. فإبليس انسحق سحقًا بقيامة المسيح الإله، وشوكة الموت والظلام انكسرت إلى الأبد. وقوّة المعاند تحطّمت، والقيود التي كان يقيِّد بها النفوس ويستعبدها رجعت عليه فصار هو مقيدًا ومذلولاً.
بل إله السلام وملك السلام أعطى عبيده سلطانًا على إبليس، وأن يدوسوا الحيّات والعقارب وكلّ قوّة العدو.
فنزل ميخائيل بقوّة لا ليواجه شيطانًا مقهورًا، وقوّات ظلمة فَزِعة فارّة (هاربة) بل ليُعلِن قيامة المسيح، فلما رآه الجنود وهزّتهم الزلزلة صاروا كأموات وهربوا من الخوف، لذلك دَحرَج الحجر عن باب القبر الفارغ وجلس عليه.
وهنا العجب العجاب أنّ الملائكة وهم أرواح فائقة غير متجسّدة.. لا يتعبون ولا يجلسون. ولكن من فرط فرح القيامة جلس ميخائيل على الحجر وبشّر النسوة حاملات الطيب قائلاً: المسيح قام.
معونة الملائكة وشفاعتهم:
بسبب طبيعتهم الخيِّرة - المخلوقين عليها - فإنّهم يحبّون الخير ويخدمونه ويتمنّونه. وعلى العكس فهم ضدّ الظلام والشرّ والخراب الذي تصنعه أرواح الظلمة في العالم. انظر إلى الملاك الذي شفع في أورشليم في أيّام زكريا النبي كيف قال للرب: «إلىَ مَتَى أَنْتَ لاَ تَرْحَمُ أُورُشَلِيمَ وَمُدُنَ يَهُوذَا الَّتِي غَضِبْتَ عَلَيْهَا هذِهِ السَّبْعِينَ سَنَةً؟". فأجابه الرب بكلام طيب وكلام تعزية.والأمر المؤكَّد أنّه لم تكن هذه هي المرّة الأولى التي وقف فيها الملاك يطلب ويستعطف الله ويطلب الخير لأورشليم. إذ أنّ الملائكة موجودون في حضرة الله كلّ حين، يباركونه ويسبّحونه من أجل خيراته، ومن أجل أعماله المملوءة صلاحًا. فهُم بالحقيقة شُفَعَاء طالبون الخير وكلّ ما هو مرضِيّ أمام الله.«إِنَّ السَّيِّدَ الرَّبَّ لاَ يَصْنَعُ أَمْرًا إِلاَّ وَهُوَ يُعْلِنُ سِرَّهُ لِعَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ» (عاموس3: 7). أيّ أنّ أسرار الله وتدابير نعمته يُعلنها لقديسيه. ألم يقُل في سِفر التكوين: هل أُخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا صانع؟ لذلك ليس كثيرًا أن يصير القديسون شُفعَاء أمامه.
المتنيح القمص لوقا سيداروس

عدد الزيارات 648

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل