لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا ج1

30 أكتوبر 2021
Large image

1- «فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا أَنَّ آبَاءَنَا جَمِيعَهُمْ كَانُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ، وَجَمِيعَهُمُ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ، وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ» (1كو10: 1).
2- «وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا» (1كو12: 1).
3- «لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ» (1تس4: 13).
4- «فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرَّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ. أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ» (رو11: 25).
5- «لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّنِي مِرَارًا كَثِيرَةً قَصَدْتُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ، وَمُنِعْتُ حَتَّى الآنَ، لِيَكُونَ لِي ثَمَرٌ فِيكُمْ» (رو1: 13).
أولاً: حذر القديس بولس الأخوة من الجهل بهذه الأمور الخمسة. وحذر أيضًا من نتائج هذا الجهل بهذه الأمور. فالواجب يحتم على كلّ إنسان مسيحي أن يكون على علم واستنارة، ويمحو الجهل بالتعليم والتبصُّر في هذه الأمور، ومن دراسة روحية جادة لكلمة الله وتقليد الآباء الذين علّمونا وسلّمونا.
حذر القديس بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس، الأصحاح العاشر، من الجهل بالمكتوب في الكتب المقدسة في العهد القديم «لأنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا»، (رو15: 4)، وكذلك بطرس الرسول «لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2بط1: 21).
وكلّ الأحداث في كلّ الأزمنة ومعاملات الله، وتدبيره من أجل الخلاص، كلّ هذا متضمَّن في المكتوب. وكلّ مواعيد الله وكلّ رموز الخلاص وكلّ فكر الله تحويه الكتب المقدسة.
فماذا إذا جَهَلَ الإنسان كلّ ذلك؟ يكون كأنه يُهمل الخلاص الذي تنبأ عنه الآباء والأنبياء، وكشفوا للمؤمن كنوز العهد القديم، وأسهبوا في التأمُّل في الأحداث والأشخاص مثل إبراهيم واسحق ويعقوب وداود.. وتركوا تراثهم الذي تعتزّ به الكنيسة، محفوظًا في خزائنها إلى يوم مجيء الربّ.
فماذا إذا كان أحد يجهل كلّ هذا؟ ويكفي أن نقرأ مَطلَع الرسالة إلى أهل رومية: «بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْمَدْعُوُّ رَسُولاً، الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ اللهِ، الَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ، عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ...» أو ما كتبه الإنجيليّون عن عمل الخلاص الذى صنعه الرب بتجسده وخدمته وصلبه وقيامته، وكيف كرروا القول «كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ... لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ فِي الأَنْبِيَاءِ».
ليكن هذا الدرس نافعًا لحياتنا وخلاص أنفسنا. لذلك يجب أن ندرِس العهد القديم، ليس مجرد دراسة عقلانيّة، أو تحليل ودراسة شخصيات أو تاريخ أناس وأحداث. بل لاستلهام الروح وإدراك الكُتُب المقدّسة التي تُحَكِّم الإنسان للخلاص كقول الرسول.
والعيّنة التى اختارها الرسول بولس في هذه الآيات، هي عمل الله العظيم في خلاص شعبه من العبوديّة القاسية في أرض مصر. فلما سلَّط القديس بولس نور وجه يسوع على القديم، لمع ببريق يخطف الأبصار. فلما أنار على الظلّ انكشف العمل الإلهي من وراء الدهور، فالسحابة التي ظلّلت على الشعب العابر البحر الأحمر، مع سور الماء من اليمين واليسار، كانت بمثابة المعمودية المقدسة التي فصَلت بين العبودية والحرية، وبين أرض الغربة وأرض الميعاد.
جميعهم اعتمدوا لموسى. وجميعهم أكلوا طعامًا، هو المَنّ.. ولكن تحت نور وجه يسوع، عرفنا أنّ المَنّ كان طعامًا روحيًّا نازلاً من السماء.. وفي شخص المسيح يسوع تَجَسَّد المعنى الروحي في كماله المُطلَق، عندما قال الرب: «آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا... أنا هُوَ الْخُبْزُ (المن) النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ» (يو6: 48–51).. هو المن الحقيقي وخبز الحياة.
«وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا... مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ» (1كو10: 4). بالطبع لم يدرك أحد هذا المعنى أو الحقّ المُخفَى في الظلّ، كما قيل «شِبْهَ السَّمَاوِيَّاتِ وَظِلَّهَا» (عب8: 5). ولكن عندما تكلّم القديس بالروح بحسب درايته بسِرّ المسيح، أنار التدبير الإلهي الذي يعجز البشر عن إدراكه.
على هذا النحو قرأت الكنيسة العهد القديم، وسار آباء الكنيسة العظام: مثل القديس كيرلس الكبير، والقديس اثناسيوس الرسولى، وآباء البرية العظام: أنطونيوس ومكاريوس، ساروا على نفس الدرب.
ثانيًا: أمّا من جهة الراقدين بالرب، فكان الأمر مختلِطًا على المؤمنين في البداية، وكانوا في احتياجٍ إلى المعرفة الحقيقيّة المستمَدَّة من الإيمان بالمسيح، فقد كانوا في لهفة الانتظار لمجيء المسيح الثاني، وظهوره المخوف والمملوء مجدًا، حتّى أنّهم كانوا يتوقّعونه كلّ يوم.
وقد كتب لهم الرسول «أَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلاً» (2تس2: 3). وكانوا يتساءلون فيما بينهم: ماذا عن النفوس التي رقدَت في أيامهم قبل مجيء الرب؟ فأراد أن يوضح لهم حقيقة الأمر، لكي لا يحزنوا على الذين رقدوا في الرب، حُزن غير المؤمنين الذين ليس لهم رجاء القيامة. وهكذا شرح لهم أنهم أعضاء جسد المسيح، وهم الآن ينتظرون مجد ظهوره، وفي مجيئه الثاني سيُحضرهم الربّ معه، فهم وإن سبقونا ولكنهم في المسيح يحيون، وعلى رجاء القيامة رقدوا.
ومن جهة القيامة، فإنّ قيامة ربنا يسوع من الأموات وكسرِهِ شوكة الموت، هي الركيزة التي نتمسّك بها. فإن كان المسيح قد قام من الأموات بقوّة واقتدار، فإنّ الراقدين في يسوع سيقومون بقيامته.
وقد كَتَبَ القديس بولس لأهل رومية عن روح القيامة، الذي نُلناه قائلاً: «وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ» (8: 11). هكذا نبّه القديس بولس المؤمنين أن لا يجهلوا هذا الأمر. لأنّ بدون هذا الرجاء، يصير الإنسان في رعبة الموت وفقدان الأمل، ويَحسِب أنّ الموت هو النهاية الأسيفة، ويحزن ولا عزاء.
(يُتّبَع)
المتنيح القمص لوقا سيداروس

عدد الزيارات 323

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل