النساء والزينة

27 نوفمبر 2021
Large image

«لاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ، مِنْ ضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلِبْسِ الثِّيَابِ، بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ. فَإِنَّهُ هكَذَا كَانَتْ قَدِيمًا النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ سَيِّدَهَا. الَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا، صَانِعَاتٍ خَيْرًا، وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ خَوْفًا الْبَتَّةَ» (1بط3: 3–6).
في صميم الخِلقة، تميل النساء، إلى التزيُّن وإلى الظهور بمظهر الجَمال.. هذه طبيعة وهي رأس زاوية تقف عند مفارق الطرق في تدبير الحياة.. فلا يمكن بصورة من الصور أن تُغيَّر الطبيعة!!
ولكن إن انحازت النفس إلى العالم فجرفها في تيّاراته، فإنّ المظهَر يصير كلّ رأس مالها.. وتبتدئ الزينة الخارجيّة تملك على الكيان.. وعندئذ تتبارَى مَلَكات الإنسان وامكانياته تخدم الخارج والجسدانيّات.. فتُكرِّس كلّ الطاقات الماديّة والفِكرية والعِلميّة لفنون الجسد وزينة الخارج، الذي يَبلَى يومًا ولا بديل. ومُجرَّد نظرة بسيطة إلى ما هو موجود في عالَم الموضات، مِن اللبس والحُليّ والماكياچ والعطور وتصفيف الشعر.. شيء رهيب حقًّا لا يقع تحت حَصر.. تيّار جارف وأمواج مُزبِدة تجرِف الملايين بل ومئات الملايين. ولا يستطيع أحد أن يقف في وجه تلك التيّارات المخيفة، فأقلّ ما يَصفه به العالم هو الجنون وعدم الواقعيّة وأنّه يحيا في الوهم والخيال.
بينما أولاد الله إذ قد اكتشفوا زوال أباطيل هذا العالم الخدَّاع، واستنارت بصيرتهم فأدركوا السماويات، صرفوا العمر كلّه يعتنون بالداخل ومجد الداخل، كمثل العذراء القديسة التي قيل عنها «كُلُّ مَجْد ابْنَةِ الملِكِ مِنْ داخِل. مشْتمِلةٌ بأطرافٍ مُوَشّاةٍ بالذَّهَبِ، مُزَيَّنَةٍ بأشْكالٍ كَثيرةٍ» (مز44 الأجبية).. مجد لا يوصَف.. ولا يعرفه العالم.
قُلْ أنّ الاهتمام الزائد بالزينة الخارجية هو تغطية لعوار الداخل الذي تشمئزّ منه النفس. ألَمْ يكن هذا حال الفرّيسيين الذين قال لهم الرب: «تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ (نتانة)» (مت23: 27).
فالنزوع إلى التزيّن الخارجي والانحصار فيه، يعني عدم الالتفات للداخل، بل وإهماله، بل وفي أحيان كثيرة هو محاولة للتغطيّة لِما قد يُخجَل منه إذا انكشف.
لذلك جاءت الوصيّة صريحة للنساء القدّيسات «لاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ هى الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ... بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ».
الزينة المختفية بالروح.. في القلب الخفي عن عيون الناس، ولكن مستعلَنَة لدى الله، في الإنسان العديم الفساد، لأنّ كلّ ما هو خارجي يفسد، لأنّ إنساننا الخارج يفنى ولا محالة!!
زينة الروح الوديع.. وإن فطنت إلى هذه الفضيلة النادرة والغالية جدًّا، ليس قدّام الناس بل هي قدّام الله كثيرة الثمن.. فكم بالحري لدى الناس؟
قَلَّ أنْ تجد امرأة تتحلّى بالوداعة والهدوء الروحي.. فإن وجدتَها فثمنها يفوق اللآلئ، لأنّها مُشتَرَاه بدم زكي كريم ومُقدَّسة فيه!!
أمّا الصفة الثانية وهي الاتكال على الله، فهي رصيد الزوجة المسيحيّة.. عليها يؤسَّس استقرار البيت، فهي لا تتّكل على أشياء ومقتنيات، ولا على ذراع البشر، بل على الله الحيّ.. تتّكل عليه مِن كلّ قلبها، وتسوس بيتها، وتشيع في أولادها عدم الخوف وعدم القلق وعدم الاضطراب، بإيمانها واتكالها على الله.. تُطَيِّب قلب زوجها وتُطَمئنه.. فهي لا تُرهِقه بكثرة المطالب في العالميات، ولا تدفعه إلى الأطماع لتلبية رغباتها، بل اتكالها على الله هو كفايتها وكنزها.
«يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ بزِينَةَ الرُّوحِ ولباس الحشمة خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ»
أمّا مِن جهة لباس الحشمة، فهذا يأتي من الإدراك الروحي، فالإنسان الروحي «يَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ لاَيُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ» (1كو2: 15). فلا يوجد زِيّ يُقَال له الزِيّ المسيحي.. ولكن تُدرِك المرأة المسيحيّة بروحها، وتُمَيِّز بين ما يليق وما لا يليق، وما يوافق ومالا يوافق، بحسب ما هو مكتوب «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ» (1كو10: 23).
+ والإدراك الروحي والحياة في المسيح، يجعَل الإنسان يحرِص على نقاوة قلبه وطهارة جسده، عالِمًا أنّ الجسد هو هيكل الروح القدس الساكن فينا «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (1كو3: 16). وأيضًا يقول: «مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ» (1كو6: 20).
فنحن أعضاء جسد المسيح وأعضاؤنا أعضاء جسده. لذلك لباس الحشمة يليق بمن أدركوا أنّ أجسادهم مِلكٌ للذي اشتراهم. فالخلاعة من أي نوع أو التشبُّه بأهل العالم، هي مجاراة للمجتمع لا تليق بأولاد الله.
في تاريخ المسيحيّين الأوائل، لما ألقوا إحدى الشابات في ساحة، لثور وحشي، بسبب إيمانها بالمسيح، ومزّقها الثور بقرونه، كانت تلملم ثيابها لتستر نفسها غير عابئة بالموت، لأنّ عفّتها ومحبّها للقداسة كانت أغلى من الحياة (الشهيدة بِربِتوا).
والقصص كثيرة جدًّا التي تؤكِّد أنّ المسيحيّات منذ الأيام الأولى كُنّ مِثالاً لقداسة السيرة والمظهر الذي يليق بأولاد الله. والشهيدات العفيفات: دميانة وبربارة ويوليانا صِرنَ نموذجًا لملايين، تَبعْنَ سيرتهن الطاهرة وتمثّلنَ بهنّ.
في ستينيّات القرن الماضي ورَدَتْ إلى مصر موضة من أوربّا، هي لِبس الملابس القصيرة، وتأثّر بها معظم سيّدات وفتيات مصر.. وفي يوم أحد أثناء القداس، في كنيستنا في سبورتنج بالاسكندرية، دخلت إحدى السيّدات الشابّات بفستان قصير جدًّا بشكل لا يليق، وصار اشمئزازٌ من كثيرين.. وكان من عادتنا، أنّنا في نهاية القداس بعد انصراف الشعب، نقف على باب الكنيسة، لنسلّم على كلّ الشعب. (كانت أيّام جميلة محفورة في ذاكرتي..) كان يومها أبونا بيشوي هو الذي يُصلّي القدّاس، وفيما هو يُسَلِّم على الشعب لفَتَ نظره هذه الأخت، ولم يكُن يعرِفها.. سلّم عليها بمَوَدّة وسألها أين تسكن؟ وفي ذات اليوم زار أبونا منزلها هي وزوجها، وكان لها بنتان صغيرتان.. صلّى معهم وكلّمهم بكلمات النعمة، فدخلت إلى أعماق قلوبهم. بعد ذلك بوقت قصير، كانت الحياة قد تغيّرت، وأصرّت هذه الأخت أن تحرق هذه الملابس غير اللائقة.
المتنيح القمص لوقا سيداروس

عدد الزيارات 393

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل