إنجيل عشية الاحد الرابع من شهر توت

08 أكتوبر 2022
Large image

تتضمن توبيخ الذين يحزنون على الأموات كـالأمم مرتبة على فصل إحياء ابنة الرئيس ( مت ۹ : ۱۸ ٢٦ )
لا ينبغي لنا أن ننوح ونندب على أمواتنا بعد ان حقق لنا سيدنا لـه المجـد قيامة الأموات . فما بالنا الآن نبكي على الاموات بحرقة ونتخذ النائحات والنادبـات . وقد قهر سيدنا له المجد الموات وانتزع ملكه وسلطانه . فما بالك ياهذا تنوح كثـــــــرا وتكابد احزانا وهموما . وقد صار موتنا نوما يعرض من شأنه الزوال . ولقـد كـان يجب علينا أن نضحك بالخارجين عنا لأنهم يقولون : لـو صـدق هـؤلاء بقيامـة الأموات كما يدعون لما عمل نساؤهم على الاموات هذه الفعال . وأنت أيتها المـرأة ما بالك تندبين بالبكاء والعويل . وتكثرين من الحزن والنحيـب . وتتخذيـن النوائـح والصارخات والنادبات . وتخدشين وجهك وتنهشين سواعدك وتقصين شعر رأسـك وتلطمين على خدك ولا تسمعين لقول سيدنا : " أن الصبية لم تمت لكنها نائمـ إلا تنظرين حياتها بعد موتها الذي دعاه المخلص نوما ؟ فإن قلت لم لا تقـوم ابنتـى الآن كما قامت تلك ؟ قلت فإن كان هذا عملك على الميتة الواحدة هكذا . فما الفـائدة أن تعيش ابنتك مدة ثم تموت مرة أخرى . ثم أقول لك ولسائر المؤمنين : أما تعلمـون يا هؤلاء اننا في الدنيا معذبون معاقبون . مكابدون أحزانا وهموما يطـول وصفـها . لأن الله قد قال لأبينا الأول حينمـا وجـده مخالفـا للوصيـة الأولـى : " ملعونـة الارض بسببك . بالتعب تأكل منها كل أيام حيــاتك . وشـوكا وحسـكا تنبـت لـك وتأكل عشب الحقـل . بعـرق وجـهـك تـأكـل خـبزا حتـى تعـود إلـى الأرض التي أخذت منـها لانـك تـراب وإلـى الـتراب تعـود " ( ۲ ) ثـم قـال للمـرأة : " تكثـيرا أكـثر أتعـاب حبلـك . بـــــــالوجع تلديـن أولادا . وإلـى رجلـك يكون اشتياقك وهو يسود عليك " . " وإذا كـان هـذا . فمـا بالنـا ننـدب من خلصه الله من عالم الآفات . ونبكي بحرقة على من رفع مـن اراضـي الاحـزان والاتعاب . ولماذا ننظر اناساً آخرين يرهبون الموت ويظنونه موجباً للعـدم مطلقـاً . وآخرين يثلبون ( الله تعالى إذ يعدون هذه شدائد وضعها عليهم ويقـــــرون بـالعجز عنها . ويا للعجب من كونك تفعل مثل هذه الفعال ثم توزع عن ميتك الأموال وتقـدم لأجله القرابين وتسأل الكهنة أن يذكروه في الصلوات كثيراً !! فإن قلت إنمـا افـعـل ذلك لكي يجد راحة وعوناً . قلت وهل يجد راحة إلا الأحياء ؟ فإن كان حيا فما بـالك تندب كالاموات . فلا ينبغي لنا إذن أن نحزن على أمواتنا بل يجب علينـا أن نسـر ونفرح لنقلهم من ارض الحزن والشقاء إلى اماكن النعيم ، حيث لا غم ولا حـنون ولا أسف ولا ندم ولا هم ولا أنين . الملكوت الذي لم تره عين ولم تسمع بـه ه أذن ولـم يخطر على قلب بشر . ( ۲ ) فإن قلت إن الحزن لذواتنـا طبـع لازم . فكيـف تـخـرج الطبيعيات عن العمل بحسب ما يقتضيه طبعها ؟ أجبتك أن الذنب ليس هو لطبيعتـك الحيوانية . بل لعقلك المصرف لها . لأنك لو تففت عقلـك وروضتـه بـالنظر فى الناموس دائماً لغلب الطباع الجسيمة وقهرها وفعل ما تقتضيه طباعه الشريفة فــإن قلت إنما يحملني على البكاء والحزن هو انه كيف يمـوت ولا وارث لـه ؟ وكيـف يخلف الاموال والعقار والخدم والحقول وغير ذلك لقوم آخرين ؟ قلت وهل الارجـح عندك أن يرث داراً تسقط سريعاً وخداماً منحلين بطبيعتهم المائتة . وثيابـاً يفسـدها السوس والارضة ( 3 ) أو يكون وارثاً لنعيم الملكوت حيث لا تصل العوادي المفسـدة إلى ما هنالك . وليس يصير وارثا مع أخوة يحاكمونه ويخاصمونه على التعادل فـى قسمة الميراث . بل يكون وارثاً مع المسيح نفسه . فإن قلت ولمـن يـخلـف الامـوال والاملاك والحقول والعبيد والإماء ؟ أجبتك أنه ينبغي أن يخلفـها للمسـيح بتركـها للفقراء والمحتاجين . فإن قلت وكيف ينتفع بها وقد صار في محلة الاموات ؟ قلت لـك بأن تتصدق بها عنه على الفقراء والبائسين والأرامل والأيتام والمحتاجين وتقدمـها عنه قرابين ليجدها هناك سليمة عديمة الفساد والزوان . لاترسل أنت هذا وإن كان بعض الأعاجم يحرقون مع الميت جميع ذخائره وقناياه . فلـ ابنك قناياه سالمة من الحريق لينتفع بها هناك . لأنه إن كان قد ذهب من الدنيا وهو خاطئ مزقت عنه كتاب خطاياه وإن كان غير خاطئ كان لـه بـها زيادة الشرف والسرور أمام خالقه : فإن قلت كنت أريـد أن لا يفـارقني . قلـت إذا أردت أن تتمتع بجمال منظره فعش كعيشته الاولى حيث كان طفلا صغـيـرا فـإنك ستقابله سالما وتجتمعان كلاكما دائما في النعيم . فإن فكرت أنه لا يعود إلـى هنـاك فلم لا تفكر أنك أنت ستصير إليه بعد قلبل ويكون لك الحظ الأوفر في ذلـك حيـث تنتقل صائرا إليه ولا تنتقل مفارقا له . فإن خرج من الدنيا خاطئا فقد وقفت مسـاعي خطاياه عن التقدم بزيادة . فإن الله تعالى لو علم انه ينتقل عن خطيئته لما بادر إليـه مختطفا بسرعة قبل الشروع في التوبة . وإن كان قد خرج من الدنيا بارا صالحا فقـد حفظ عليه بره وصلاحه وخلصه من عالم الآفات والحزن . اخبرني يا هذا ما الـذي تراه في الدنيا من السعادة حتى تحزن على المفارقين لها ؟ إنك دائما ترى الاضـداد محيطة بك ودائرة عليك وأنت متقلب بين ضروب الآفات وأصناف الانكـاد . تـارة تطلب ما لا تجد . وتارة تفقد الموجودات والمحبوبات . وتارة تشكو تقـل الامـراض والأوصاب . وتارة تعذر الاكتساب . وتارة تتوجع لألم الخلان والأقران . وتارة تتـأوه لمصاعب الكبر . وترة تتمنى الموت لورود النوازل العامة ( ١ ) كالغلاء والجلاء وعـدم الأمطار وقيام الأعداء والمعاندين وتواتر الحروب والفتن وغير ذلك . فلم لا تصـبر على فراق الأحباب . وتسر بنقلهم من دار المصائب والحزن . ونجمع رأينـا علـى تصديق كلام ربنا في الاجتماع بهم هناك مبهجين مسرورين . وأنت أيتها المرأة إذا رأيت أن الذي أعطاك الأولاد هو الذي أخذهـم إليـه ليعطيهم أكثر مما عندك . وأنك صائرة إلى الاجتماع بهم بعد قليل . فكيـف تندبيـن وتحزنين عليهم ؟ فإن قلت اننى أرملة ووحيدة ولا ولد لي ولا معين قلـت وكيـف تقولين هذا وقد رجع أمرك إلى قاضي الأرامل وأب الأيتام . ألم تسـمعى الرسـول حيث يعطيك الطوبي بقوله إن رجاءها الله وحده ؟ فلو علمت مـا افي العيشة الحاضرة ومعاني الحياة الأجلة " لأعرضك بجملتك عـن هـذه . ورغبـت حقيقـة مسارعك إلى تلك .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية

عدد الزيارات 209

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل