إنجيل عشية الأحد الرابع من شهر هاتور

03 ديسمبر 2022
Large image

تتضمن الحث على الصدقة . مرتبة على قوله بفصـلى اليوم : " إيها الجيـل غير المؤمن الملتوى إلى متى أكون معكم " ( مت ١٧ : ١٤-٢١ إذا كان ربنا له المجد يبكت الذين سمعوا أقواله أولاً هكذا حيث انـــهم يمتلكوا قوة النفس ولا شجاعة العزم ولم يضمروا القدرة على إخـراج الشياطين . فماذا عساه يخاطب الذين يسمعونه دائماً ولا يتشجعون . وما بالنا لا نسـمـع تـأديب ربنا ونقتني قوة الإيمان وكمال الأعمال . ونختار لذة الباقيات . ونهمل الأمور المانعـة عن خلاصنا . وكيف لا نميز تصرفاتنا . ونتمسك بالأعمال النافعة لنا ونعرض عـن الأموال المهلكة لنفوسنا . ونتأهل لقبول هذه العطايا الصالحة لنقدر علـى إخـراج الشياطين وإنهاض الساقطين . وإذا علمنا أن في عالمنا هذا صناعات كثــــــيرة مختلفـة الآلات والغايـات كصناعة الذهب والفضة مثلاً . والحدادين والبنائين والصباغين والمزارعين . والذيـن يعملون الملابس المختلفة وغير ذلك . وأن كل واحدة من هذه الصناعات تحتاج فـي ذاتها إلى ألات ورجال ونفقات . فكيف لا يجب علينا أن نجتهد ونمعن النظـر فـي أختيار صناعة قليلة التكاليف والألات . كثيرة الفوائد والراحات . مأمونـة العواقـب والغايات . لا يعدم مالها ولا يستحيل حالها . فإن قلت يا هذا وهل في الصناعات مـا هذه حالته ؟ أجبتك : نعم الصدقة على المساكين . فأن قلت وكيـف تسـمى الصدقـة صناعة ؟ قلت : ينبغي لنا أولا أن نأتي بحدود الصناعات ورسومها لتوضيح الحـال فنقول : إن الصناعة هي عمل ما يكتسب به العامل الفوائد . فأن قلت إن الصدقـة لا تدخل تحت مثل هذه الرسوم . لأن تلك تحصل الاموال وهذه تفرقها . أجبتك اننا قـد شرحنا فيما سلف أن الصناعة تكسب فوائد خسيسة وسريعة الزوال . أمـا الصدقـة فتكسب فوائد سرمدية لا نهاية لشرفها . وذلك لأن البنائين يصنعون المسـاكن التـى من شأنها السقوط والزوال . والنساجون يصنعون ثياباً تســـــتحيل وتفسـد وشيكاً . والفلاح يفلح الأرض لتأتي بثمرات تضمحل سريعاً . وكذلـك فوائـد واحـدة مـن الصناعات الأخرى . أما بهذه الصناعة الفاضلة فإنها تـهيئ مجـالس وقصـوراً . ليست من صناعة أيدى البشر . وتصنع من الملابس والحلى أنواعا . ومن المـأكل والمشارب أصنافاً . وهي كنوز غير فانية لا تزول سريعاً كتلك . وتنقل محبها مـن الأرض إلى السماء . وتحفظ أمواله من اللصوص والسارقين وقطـاع الطرقـات وتقيها من فساد الحشرات والعوادي الأرضية . وتشبه المخلوق بخالقه في التحنـن على المساكين . والرحمة بالناس أجمعين . ومع ذلك فهي غنيية عن إتخاذ الآلات ومنزهة عن الحاجة لارباب الصناعات . فان قلت نعم انـها لا تحتـاج إلـى آلات وصناعات أخرى ولكنها تحتاج إلى أموال وخدم ومنازل وغير ذلك . فـإن بعـض هؤلاء المساكين يحتاج إلى المال . وبعضهم إلى الثياب . وبعضهم إلى المنــازل . وكيف يتيسر ذلك جميعه ؟ قلت : ألا تسمع قول ربنا له المجد دعا إلى سقى شـربة من الماء وضمن المجازاة عنها مت ٤٣:١٠ . ألا ترى كيف ذكر الأرملة التي ألقت فلسين في الخزانة وقال أنها ألقت أكثر من الكل ؟ مر٤٢:١٢-٤٤ قال هذا ليحقق لنا أن ربـح الصدقـة لا يكون بحسب الكثرة فقط . بل بحسب الوجود والنيات . ولهذا قال : إن هؤلاء القـوا من فضل ما عندهم . وهذه ألقت كل مالها . والغرض أنه إذا كان لاحدنا مال ولـم يتصدق منه بشئ على الفقراء . فهذا لا يعد انساناً . . ويكون حظة شقياً . وإذا كـان له مال وأعطى أقل مما ينبغي . فإنه يكون ملوماً لأنه لم ينظـر نـظـر الحـاذقين وكيف لا يعد عاجزاً وشقياً من يعلم أن له داراً تزول . وداراً تدوم . ولا ينقـل مـا في هذه إلى تلك أما الذين يأخذون أكاليل الغلبة . ويفوزون بملـك السـماء ، فـهم الذيـن يرحمون سائر الشعوب على حسب طاقتهم . ومما يفضل عن كفافهم وتصـل إليـه قدرتهم في زمانهم . فانهم تـارة يرحمـون بأموالهم ، وتـارة بـالصلوات عـن المتضايقين ، وتارة بإرشاد الضالين ، وتارة بزيادة المحبوسين ، وتـارة بتعزيـة المحزونين . وأمثال هذه . ها قد تبين من أقوالنا الآن أن الصدقة أفضل الصناعـات جميعـها . لأنـه عندما تفسد سائر الصناعات وتضمحل . يشرق ضياء الصدقـة ويزهـر جمالـها ويظهر محبها أوجه من الفصحاء والحكماء . وأرفع شأناً ، من الخطبـاء والأدبـاء . وذلك لأن الفصيح والأديب وأمثالهما كلما تزايدت علومهم وحسنت حالاتهم مقتنـهم أعين الحساد والمضادين . وأما ذوو الصدقات فكلمـا كـثـر عطـاؤهم وتزايـدت مراحمهم وتناهوا في الفضيلة حسب طاقتهم ، كثر المادحون لهم والناقلون لحسن صنيعهم والمصلون عنهم والذين يتشبهون بسيرتهم . فأولئك يقفون ويظهرون أفعالهم أمام البشـر . يقصـدون المديـح منـهم ويلتمسون جوائز زمنية تزول وشيكاً . أما هؤلاء فيظهر ضياء صدقاتهم أمام منـــبر المسيح ويأخذون أكاليل المجسد وتاجات الظفر . أولئك يحتـاجون إلـى الوسـائط والوسطاء في تنجيز حوائجهم الزائلة . أما هؤلاء فيشفعون بدالة في آخرين . هذا وقد زرع البارى سبحانه وتعالى في الطباع البشرية والحيوانية الرأفـة والرحمة لحفظ نظام عالم الكون من الفساد . وهذا نراه عياناً ، ليس فـى الآدمييـن فقط ، وبل في الوحوش الضارية كالسباع والذئـاب والثعـالب . وفـي الطيـور والحشرات والدبابات وأشباهها ، فقد نرى الأسد لا يزال متعاليـا علـى الوحـوش الأخرى ، رافعاً صوته بالغلبة والضوضاء إلى حيث يظفر بالفريسة فيحملها ويـأتى بها إلى اشباله . ويدور بها ويقترب منها إلى حيث يقومون ويأكلون . ولعله يوجـد في حالة كهذه جائعاً . لأن الطبيعة تقوده إلى فعل ذلـك . وكذلـك الطيـور فأنـها تطوف البراري والبيادر وتلتقط من الأشراك والمهالك . وتخاطر بنفسـها وتمـلاً مخازنها من الحبوب وغيرها . فإذا عادت إلى أوكارها أفرغت ما لديها وجعلته فـي أفواه فراخها .من هذا قد تبين لكم الآن أنه لو ارتفعت الرحمة والرأفـة مـن الوجـود . لأرتفع حسن النظام السائد بين الموجودات جميعها ، وليس حال الصناعات الأخـرى هكذا . وإذ قد أشرق ضياء الصدقة . وأتضح شرف فضلها على غيرها . لأنـه لا شئ أفضل من جبر الكسير وتسهيل العسير . والسير في خير مسير . فقد وجـب علينا إذن أن تأخذ نفوسنا وأولادنا وذوى القربى والمعارف . ونبادر بالدخول إلـى بيوتها . لنتعلم فضائلها وآدابها . ولنتذكر دائماً قول ربنا : " كونوا رحمـاء كمـا أن أباكم أيضاً رحيم لو٣٦:٦ وقوله : طوبى للرحماء . لنهم يرحمون مت٧:٥ وقول الرسـول يعقوب : " لأن الحكم هو بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة . والرحمـة تفتخـر علـى الحكم يع١٣:٢ أي أن مجازاة من لم يعمل رحمة تكون بغير رحمة . وهى تفتخر فـي يوم الدين . فسبيلنا أيها الاحباء ان نهرب من الرذائل المهلكة ونتسلح بسلاح الرحمة . لنفوز بملكوت ربنا يسوع المسيح . الذي له المجد إلى الأبد أمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية

عدد الزيارات 182

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل