مقاييس الخدمة ونجاحها ج2

06 يوليو 2022
Large image

4- كثرة المخدومين
كما تتميز عظمة قائد في جيش، بأنه قائد مائة أو قائد ألف. وهكذا كلما زاد عدد المخدومين، يعتبرون هذا دليلًا على نجاحها ونموها. وقد يكون الأمر كذلك فعلًا، ولكنه ليس مقياسًا ثابتًا بصفة مطلقة فليس نجاح الخدمة في كثرة عدد المخدومين، وإنما في الذين غيرت الخدمة حياتهم، وأوصلتهم إلى الله السيد المسيح كان يعظ آلاف كما في الخدمة الروحية التي سبقت معجزة الخمس خبزات والسمكتين. وكانت له خدمة أخرى مركزة في الإثنى عشر، وكانوا أهم من تلك الآلاف بكثير، بل هم الذين جذبوا إلى الإيمان مدنًا وأقطارًا فيما بعد. وجميل قول الكتاب في نجاح خدمة هؤلاء "وكان الرب في كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون (أع2: 47). إذن ليس نجاح الخدمة في عدد الذين يسمعون، إنما في عدد الذين يقبلون الكلمة بفرح، وتثمر فيهم، وتقودهم إلى التوبة، وإلى حياة القداسة والكمال.ومن هنا كنا ننادي بفصول مدارس الأحد المحدودة العدد، التي يستطيع فيها المدرس أن يهتم بكل تلميذ، ويخدمه خدمة حقيقية ناجحة، ويفتقده ويرعاه.وبنفس الوضع عملنا على تقسيم الإيبارشيات إلى مناطق محدودة يستطيع الأسقف أن يرعاها ويزورها، ويهتم بكل مدينة فيها وكل قرية، ولا تضيع تلك المدن والقرى وسط المسئوليات الضخمة التي كان يكلف فيها المطران برعاية بضع محافظات!!
وقد أرانا الرب بأمثلة عديدة أهمها العناية بالفرد الواحد في الخدمة، كما فعل زكا (لو19) وأيضًا مع نيقوديموس (يو3) ومع المولود أعمى (يو9) وغيرهم البعض يضع مقياسًا آخر لنجاح الخدمة هو:
5- كثرة الإنتاج.
كالقيام بعدد كبير من الخدمات، أو إنشاء عدد كبير من فروع الخدمة، أو من الأنشطة وقد يتوه في كل ذلك، ولا يحسن الإشراف على كل تلك الأنشطة، أو يضطر إلى تعيين عدد من الخدام بغير إعداد. وتفقد الخدمة روحياتها بكثرة اتساعها وقلة عمقها..
إذن ما هي المقاييس السليمة لتقييم الخدمة؟
وما هي عناصر القوة في الخدمة؟
6- عناصر القوة في الخدمة
أهمية الخدمة هي ما فيها من قوة ومن عمق، وما فيها من حب وبذل. ما فيها من تأثير، ومن تغيير للناس. وليس الأمر مسألة ضخامة المسئوليات، أو شهرة المكان، أو كثرة المخدومين، أو طول مدة الخدمة، وسائر هذه الأمور الجانبية وسنحاول هنا أن نتناول بالتفصيل بعض نواحي القوة في الخدمة، فنذكر منها:
أ‌- الكلمة المؤثرة
ظهرت هذه في خدمة السيد المسيح له المجد انظروا دعوة متى الإنجيلي مثلًا: يقول الكتاب "وفيما هو مجتاز رأى لاوي بن حلفى جالسًا عند مكان الجباية، فقال له اتبعني. فقام وتبعه" (مر2: 14) (مت9: 9).. إنها مجرد كلمة قالها لإنسان جالسًا في موضع مسئولية مالية. قالها الرب له، فترك مسئوليته، وقام وتبعه، دون أن يسأل إلى أين؟
ونفس قوة الكلمة وتأثيرها في الدعوة.. ظهرت في دعوة الرسل الأربعة الصيادين.يسجل ذلك القديس مرقس الإنجيلي فيقول"وفيما هو يمشي عند بحر الجليل، أبصر سمعان وأندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر – فإنهما كانا صيادين – فقال لهما يسوع هلمَّ ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس. فللوقت تركا شباكهما وتبعاه. ثم اجتاز من هناك قليلًا، فرأى يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه، وهما في السفينة يصلحان الشباك، فدعاهما للوقت، فتركا أباهما زبدي في السفينة مع الأجراء، وذهبا وراءه" (مر1: 16 – 20).بتأثير قوة الدعوة، تركوا كل شيء، وللوقت.. أي بدون تردد، وبدون إبطاء، وبدون جدال، تركوا السفينة والشباك والأب، ومصدر الرزق. بل قال بطرس للرب ملخصًا كل ذلك".. تركنا كل شيء وتبعناك" (مت19: 27).. ذلك لأن كلمة الدعوة كانت لها قوتها، فحدثت الاستجابة لها بسرعة، لأنها اخترقت القلب والفكر والإرادة.وكما كانت قوة الكلمة في الدعوة، كانت للسيد أيضًا قوته في الوعظ والتعليم لما أكمل عظته على الجبل، قيل عنه "بُهتت الجموع من تعليمه، لأنه كان يكلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مت7: 28، 29). وقيلت نفس العبارة عن تعليمه في كفر ناحوم "فبهتوا من تعليمه، لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مر1: 22) وكانت له قوة الكلمة في إقناعه من يحاورهم إنه المنطق العجيب والدليل القوي الذي شرح به للكتبة والفريسيين جواز فعل الخير في السبوت (مت12: 1- 12). وكذلك في موضوع القيامة، قيل إنه "أبكم الصدوقيين" (مت22: 34). وبعد ردوده القوية على الناموسيين والفريسيين، قيل "فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله البتة" (مت22: 46) والكلمة كان لها تأثيرها أيضًا في عاطفيتها وحبهامثل قوله لزكا العشار "أسرع وانزل لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك" (لو19: 5).. كلمة في عمق محبتها وتواضعها قادت ذلك الرجل الخاطئ إلى التوبة، فقال "ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين. وإن كنت قد وشيت بأحد، أرد أربعة أضعاف".. وهكذا بكلمة من الرب لها قوتها، حدث خلاص لذلك البيت.إن قوة الكلمة المؤثرة نراها أيضًا في خدمة آبائنا الرسل. عظة واحدة ألقاها بطرس الرسول في يوم الخمسين، كانت نتيجتها أن اليهود نُخسوا في قلوبهم، وانضم إلى الإيمان ثلاثة آلاف نفس، واعتمدوا جميعهم (أع2: 37- 41). وقبلوا ذلك بفرح.وقوة الكلمة تظهر في خدمة بولس الرسول أيضًا. حتى أنه وهو أسير يُحاكم أمام فيلكس الوالي، "بينما يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة، ارتعب فيلكس الوالي" (أع24: 25). وفي محاكمته أمام أغريباس الملك، قال له ذلك الملك "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا" (أع26:28).
ب‌- قوة البذل
البعض قد يستريح للخدمة السهلة التي لا تعب فيها ولا صعوبة. ولكن قوة الخدمة تظهر في صعوبتها واحتمال هذه الصعوبة، بكل بذل وفرح.مثال ذلك خدمة القديس بولس الرسول "تعب وكدّ، في أسهار مرارًا كثيرة، في جوع وعطش.. في برد وعُري.. بأسفار مرارًا كثيرة، بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار في المدينة، بأخطار في البرية، بأخطار في البحر.." (2كو11: 26، 27) "في صبر كثير، في شدائد في ضرورات في ضيقات، في ضربات في سجون، في اضطرابات في أتعاب، في أسهار في أصوام" (2كو6: 4، 5) ومع ذلك يقول: "كحزانى ونحن دائما فرحون" (2كو6: 10) الخدمة الروحية تعب من أجل الرب وملكوته، وهي جهاد وتعب من أجل خلاص النفس. وقيل عنها"كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كو3: 8). وهكذا كانت خدمة الآباء الرسل. بدأت وسط اضطهادات الرومان، ودسائس اليهود، ومعارضة وشكوك الفلاسفة الوثنيين، وعذابات الاستشهاد، وفي أماكن جديدة، لا مؤمنون فيها ولا كنائس ولا أية إمكانيات.. وبلا كيس ولا مزود.وكمثال لذلك: خدمة القديس مار مرقس الرسول دخل الإسكندرية، فقيرًا بحذاء ممزق، حيث لا مسيحيون هناك، ولا كنائس، بل توجد ديانات عديدة: منها آلهة الرومان بقيادة جوبتر Jupiter، وآلهة اليونان بقيادة زيوس Zeus، والعبادات الفرعونية بقيادة آمون ورع، وكذلك اليهودية في اثنين من أحياء الإسكندرية. ومكتبة الإسكندرية الحافلة بمئات الآلاف من كتب الوثنيين.. وعدم وجود أية إمكانيات على الإطلاق. ولكن مار مرقس صبر وجاهد، حتى حوّل الجميع إلى مسيحيين ماذا نقول أيضًا عن الذين بشروا في بلاد أهلها من أكلة لحوم البشر؟!
إن الخدمة التي يبذل فيها الإنسان ويتعب، هي الخدمة الحقيقية ومقياس التعب والبذل، هو مقياس أساسي في الخدمة مثال ذلك خادم يتعب ويحتمل من أجل تهذيب تلميذ مشاكس في فصل، أو أم تتعب في تربية ابن عنيد، أو كاهن يتعب في خدمة أو في رعاية الحالات الصعبة، أو في المشاكل العائلية المعقدة مقياس آخر للخدمة هو عنصر العمق..
ت - عنصر العمق
أعمال عظيمة قام بها أنبياء ورسل في خدمة. ولكن لا يوجد واحد منها يوازي طاعة أبينا إبراهيم في ذهابه لتقديم ابنه الوحيد محرقة للرب.. (تك22) هنا عمق معين يعطي لعمله وزنًا خاصًا وقيمة ليست لأي عمل آخر. هنا إيمان وبذل، ومحبة نحو الله أكثر من محبته للابن الوحيد ابن المواعيد. وكثيرون قدموا عطايا مالية لبيت الله. ولكن فاقت كل هؤلاء الأرملة التي ألقت الفلسين في الصندوق. وعمق عطائها أنه كان من أعوازها (لو21: 4) وما أكثر الذين حاربوا حروب الرب بقوة وانتصروا. ولكن فاق كل هؤلاء تقدم الصبي داود بحصاة في مقلاعه ليحارب بها جليات الجبار الذي أخاف الجيش كله.. لقد كان في تقدمه للمحاربة إيمان عميق بأن الحرب للرب، والله هو الذي سيدفع ذلك الجبار إلى يديه (1صم 16).إنك قد تلقي مائة درس في مدارس الأحد. ولكن كلها لا تكون عند الله مثل مرة واحدة كنت فيها مريضًا ومرهقًا، ومع ذلك لم تستسلم لهذا العذر، وذهبت إلى الخدمة مفضلًا الخدمة على نفسك أو أنك ذهبت لتخدم في أيام امتحان، وأنت محتاج إلى كل دقيقة من وقتك.. هنا للخدمة عمق خاص. إن الله لا يقيس الخدمة بكثرتها، وإنما بعمقها ونوعيتها. هناك مقياس آخر لعمق الخدمة هو: الخدمة في الخفاء.
ت‌- الخدمة في الخفاء
الخدمة المُخفاة تكون أعمق من الخدمة الظاهرة. الخدمة الظاهرة قد ينال منها الخادم شهرة أو مديحًا. وهكذا لا تكون كلها للمخدومين أو لله كما هو الحال في الخدمة المخفاة. ومع ذلك فالخدمة الخفية قد تكون أقوىإن الناس يعجبون بالبناء الشاهق الجميل في منظره وفي هندسته. ولا يتحدثون إطلاقًا عن الأساس القوى المخفي تحت الأرض، الذي يحمل هذا البناء كله، ويعمل عمله في خفاء والناس يعجبون بلمبات الإنارة التي تبهرهم بضوئها. ولا يفكر أحد في المولد الكهربائي الذي يغذي هذه اللمبات بالنور، والذي لولاه ما كانت تضئ. ويقينًا هو العنصر الأقوى والأساسي. وبنفس الأسلوب قد يعجب الناس بالسيارة الفخمة في منظرها الخارجي، أما الموتور القوي الذي يحركها فلا يفكر فيه أحد، لكنه يعمل عمله في خفاء وهكذا في الخدمة، قد يعجب الناس بنجاحها وبمجهود الخادم فيها. ولا أحد يفكر في الصلوات التي رُفعت من أجلها، وكانت السبب في نجاحها.. هذه الصلوات هي الخدمة الخفية القوية.
كلنا نذكر سفر لعازر الدمشقي للحصول على زوجة مؤمنة لإسحق ابن سيده إبراهيم، وكيف نجح في مهمته، وعاد معه برفقة. ولكن من يذكر صلوات إبراهيم التي رفعت من أجل لعازر الدمشقي، وكانت السبب في نجاحه. ولذلك قال ذلك العبد الأمين لأهل رفقة "لا تعوقوني والرب قد أنجح طريقي" (تك24: 56). وكيف أنجح الرب طريقه؟ يرسل ملاكه معك وينجح طريقك" (تك24: 40) حقًا إن الصلاة هي خدمة مخفاة وهكذا قال القديس بولس الرسول لأهل أفسس "مصلين بكل صلاة وطلبة.. لأجل جميع القديسين ولأجلي، لكي يُعطى لي كلام عند افتتاح فمي" (أف6: 18، 19).كلام الواعظ هو الخدمة الظاهرة. أما أمثال صلاة أهل أفسس فهي خدمة مخفاة. يضاف إليها في أيامنا، خدمة الافتقاد التي تأتي بسامعين يسمعون العظة.. وكذلك خدمة كل الذين يرتبون للاجتماع وينظمونه الاجتماعات العامة خدمة ظاهرة. ولكن تقبل الاعترافات وقيادة الخطاة إلى التوبة هي خدمة مخفاة وقد يوجد في إحدى الكنائس كاهنان: أحدهما يعظ ويحضر الكثيرون لسماعه، وخدمته ظاهرة للكل. بينما زميله الآخر ليست له اجتماعات للوعظ. ولكنه يقضي الساعات الطويلة يستمع إلى الاعترافات، ويقود المعترفين إلى التوبة، ويرشدهم، ويصلي لأجلهم. وخدمته هذه عميقة الأثر جدًا.. وهكذا كان القمص ميخائيل إبراهيم.وربما من أمثلة الخدمة المخفاة: العمل الفردي.
ج‌- العمل الفردي
إن خدمة المجموعات الكبيرة لها صفة العمومية. وقد تحدث تأثيرًا عامًا، لا تتلوه متابعة.. أما الخدمة الفردية، ففيها التخصص، وفيها المتابعة. وهذا أعمق.
انتقل الآن إلى خدمة أخرى هي:-
ح‌- الخدمة الصامتة
وأعني بها خدمة القدوة. وهي خدمة عملية.وليس فيه الحديث عن الفضيلة والقداسة، وإنما تقديم النموذج أو المثال العملي لها، بدون شرح أو كلام. وهي خدمة أكثر عمقًا، حتى إن كان صاحبها لا يُحسب بين الخدام. إنه ليس واعظًا، ولكنه هو نفسه العظة، يتعلم الناس من حياته لا من كلماته. وإن تكلم يتعلمون منه أسلوب الكلام الروحي.يذكرني هذا النوع من الخدمة بأحد الآباء الذي لم يطلب من القديس الأنبا أنطونيوس كلمة منفعة، وإنما قال له "يكفيني مجرد النظر إلى وجهك يا أبي..".ولعله من هذا النوع تنبثق خدمة أخرى هي:-
خ‌- خدمة البركة
كما قال الرب لأبينا إبرآم حينما دعاه "أباركك وتكون بركة" (تك12: 2) وهكذا نجد أن يوسف الصديق كان بركة في أرض مصر، وكان بركة من قبل في بيت فوطيفار. وكان إيليا النبي بركة في بيت أرملة صرفة صيدا. وكان أليشع النبي بركة في بيت الشونمية..
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي الجزء الأول

عدد الزيارات 322

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل