إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر كيهك

17 ديسمبر 2022
Large image

تتضمن الحث على الاعـراض عـن حـب المـال والافتخار بالعالميات مرتبـة علـى فصـل انجيـل المرأة الخاطئة ( لو ٣٦:٧-٥٠). إذا كانت هذه المرأة الرقيقة الطباع . المشغوفة بحب اللذات . حينما سـمعت بذكر مخلص الخطاة . وحققت قيامة الأموات . وخلود الأثمة مع الشياطين . وعظـم سعادة الفائزين . سارعت إلى طرح الأموال والحلى وسائر اللذات البدنية والافتخار بالزائلات . ونزعت عنها أطمار الآثام . ولبست ثياب الفضيلة . وأحرقت بحـرارة التوبة آلات العيوب . وغسلت أوساخ المعصية بمياه الدموع . حتـى اسـتحقت أن تمسك قدمى سيدنا . وتأخذ عربون الخلود في النعيم وإذا كان هذا مراد ربنا ان تكون من المسكونة غريبـاً . ومـن التنعم بالفانيات بعيداً . وعن الافتخار بالحاضرات معرضـاً . فمـا بـالك الآن تتبـاهي بالأموال والمساكن وشرف الانساب وإذا كانت الحاضرات كلها لا تعد شيئاً بالنسبة إلى ملكوت ربنا فما الذي ينتفع به لآن من التفاخر بالأمور الفانية والرمم الباقيـة ؟ فإن قلت وكيف لا أفتخر بالانتساب إلى النصرانية . قلت وكيف تفتخر بما تنتسـب اليه بالاقوال وتبتعد عنه بالافعال ؟ الا تسمع قول يوحنـا المعمـدان للأتيـن إلـى معموديته ؟ حيث يقول " لا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا ابراهيم أباً . لأني أقـول لكم إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لابراهيم " مت ٩:٣ ويقول بولس الرسـول لليهود : " لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديا ولا الختان الذي في الظاهر فـى اللحم ختانة " رو٢٨:٢ لقد ظهر جليا أن الابن ينتسب إلى الآب إذا شابهه في الفضيلة . وإلا فمـا الذي أضر بتيموثاوس لما كان أبوه في غلاطية وثنياً ؟ وما الذي انتفع به ابن نـوح من فضيلة أبيه ؟ إذ صار بعد الطهارة عبداً للخطية . ارايت أن الافتخـار بالنسب خلواً من التشبه به في الفضيلة لا يجدي نفعاً ؟ . ومالي أقول هذا وسيدنا له المجـد يقول صريحاً " ليس كل من يقول لي يارب يدخل ملكوت السموات " مت٢١:٧ فأوضح بـهذا أن الذين يؤمنون به ولا يعملون بوصاياه لا ينتفعون بمجرد الايمان . فلا تفتخر إذن ياهذا بكثرة مالك . ولا بشـرف جنسـك . ولا بخدمـك وحشـمك . ولا بسـمعة موائدك . ولا بكثرة زراعاتك وحقولك ورفعة أهلـك وعشيرتك . وأشـبـاه هـذه الزائلات . لكن سبيلك أن تستعمل التهاون بمن هذه سجاياه . وإذا اندفعت إلى حالـة الفقر من هذه الاشياء فلا تظهر غماً ولا اسفاً على فقدان الفاسدات بطبائعها . لكـن سبيلك أن تسر بفقد البائد . وتجتهد في تحصيل ما لا يفنى . وإذا اردت أن تعلم بـأن الفقر من العالميات هو غنى عند الله . وأن الغنى بها فقير . فانظر إلى قصة الغنـى ولعازر التي ذكرها سيدنا له المجد في الإنجيل حيث قال : إن الغنـى صـار إلـى الجحيم . ولعازر المسكين صار إلى حضن ابراهيم لو ١٩:١٦-٢٠ ألا ترى كيف زلت أيامهما بسرعة وانتقلا إلى هناك عاجلا ؟ فصار المتنعم زمنا يسيرا إلى العذاب الذي لا ينتهي . والفقير في الوقت اليسير إلى النعيم الـذي لا يزول . وإذا كانت الأموال والاكثار منها لا تدخلنا إلى ملكوت السـموات . فلمـاذا نتهافت على إدخارها ؟ وإذا كان يعسر علينـا الدخـول إلـى ملكـوت السموات بواسطتها . فما بالنا نجتهد في طلبها وتحصيلها . ولو أن ملكاً من الملـوك أصـدر منشوراً على كبار دولته بأن من كان غنياً بالمال لا يدخل وليمتة . ولا ينــال مـن عطاياه شيئا . ولا يحظى بالقبول منه . أما كان الكبراء من الناس والامـراء مـن أهل دولته يستهينون حالا بأموالهم ويميلون إلى رضاه ويتيقنون أن الـذي يصـير اليهم من الملك بسبب طاعته أكثر من الذي يرفضونه من أموالهم . وإذا كنا نثق هكذا بأقوال ملك أرضى من شأنه الزوال والـهلاك ويحركنـا شوقنا إلى مال وجاه من شأنها الفساد والاضمحلال إلى طاعـة كـهذه . فلمـاذا لا نسمع قول ربنا وندخر الباقيات بطبعها ؟ ألا نسمع قوله تعالى هاتفاً نحونـا : " ما أعسر دخول ذوى الاموال إلى ملكوت الله دخول جمل من ثقب أبرة أيسر مـن أن يدخل غنى إلى ملكوت الله مر٢٣:١٠-٢٥ ثم قوله أيضاً : " ويل لكم أيها الأغنياء لانكم قـد نلتم عزاءكم . ويل لكم أيها الشباعي لانكم ستجوعون" لو٢٤:٦-٢٥ فكيف لا يجب علينا أن نـهمل هـذه الزائـلات لنحظ بالدخول إلـى ملكوت ربنا بدالة كما دخل اليها أولئـك . وأى عقـاب نسـتحقه إذا تمسكنا بمـا يمنعنا من الدخول إلى هناك وحفظنا الاموال الباطلـة فـي الخزائـن والصنـاديق وتحت يد الحافظين ، بل نودعـه إلـى تـراب الارض ولا نكـنزه فـى ملكـوت السموات في حراسة ربنا . لقد نوجد في ذلك قريبي الشبه من فلاح أخذ من صاحب الحقـل الحنطـة ليبذرها في الارض فأعجبه حسنها ونقاوتها ورزانة حبها فاحتقر جباً فـى الارض وخزنها هناك . ولما جاء زمان الحصاد حضر صاحب الحقل ليجمع غلات أرضـه . ولما علم بخلوهها من الزراعة أحضر ذلك الفلاح وحاسبه فذكر أنـه استحسـنها وأشفق عليها لذلك أخفاها فأرسل صاحب الأرض الغلمان إلى حيث هي فأخرجوهـا وقد أكلتها الأكلة وافسدها سباخ الارض فأخذ الفلاح وقيده وسجنه وطالبه بـالامرين معاًفلو نظرت في ذلك نظرا محكماً واختبرت أحوال الأموال اختبارا عقليـا لرأيتها سبباً لكل أفة ومصدراً لكل مفسدة . فإنك تجد فـى طـرقـات ذوى الإكثـار أهوال ركوب البحار والدخول تحت الأخطار ومكابدة رد اللصـوص والأشـرار والخاطفين والعابرين ومقاساة الجوع والعطش . واحتمال حر الصيف وبرد الشـتاء وأموراً أخرى كثيرة شبيهة بهذه من مخاصمات ومحاكمات وإيمان كاذبــة وغـيرذلك. هذه هي أيها الاعزاء أتعاب المكثرين . اما المقلون والمحتاجون إليها . الطالبون تحصيلها من غير وجهها المبـاح شرعاً . فأنك ترى منهم هناك المقتولين والمخنوقين والذين قطعت أيديـــهم والذيـن خلدوا في السجون والذين يكلفون العمل في الحصون والاسوار وسـائر الاشـغال الشاقة . حاله هذا ولو سألت ذلك الفائز بالاموال الجمة عن وسبب استحصاله عليـها أخبرك بأن ما كان له من الربح والفوائد لا يقوم ماكابدة مـن العـذاب والمشـقات وغيرها : أما ذلك النعيم الأخر الذي وعد به سيدنا له المجد في ملكوته الدائـم فـلا يحتاج طالبه إلى شئ من هذه الاتعاب كلها . لكنه بالعكس يقـدر علـى تحصيلـه العاجز والمقل . فان قلت :كيف ذلك ؟ قلت لك بكأس ماء أو بزيارة محبـوس أو بالدعاء للذين هم في الشدائد : وبالصوم والصلاة حسب الطاقة والاستطاعة : وبـأن لا يسرق ولا يكذب ولا يزني ولا يشهد بالزور . وباتمام باقي الوصايا فإن أتعـاب هذه وشدائدها . وإن تعددت وتنوعت ، فهي لا تقوم مقابل واحدة مما ينالـه أولئـك الأولون . فسبيلنا إذن ، ننهض أفكارنا . ونرجع ذواتنا . ونجتهد فيما يقربنا إلى ربنـا لنفوز بالنعيم الذي لا يزول . له تعالى المجد والاكرام والسجود إلى الابد آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية

عدد الزيارات 182

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل