التعبير

25 يوليو 2022
Large image

شفتاك يا عروس تقطران شهداً...
" أعطيتنى موهبة النطق........ "(القديس غريغوريوس – القداس)
موهبة النطق موهبة حظى بها الإنسان وحده من بين جميع خلائق الله ومخلوقاته، حيث لا تستطيع الأحياء الأخرى التعبير والتفاهم بالكلمات، بل بالحركات والإيماءات الغريزية المحدودة .. وأقصى ما بلغته هو التقليد أو ترديد بعض كلمات أو عبارات - مثل الببغاء - وبالطبع دون أن يدرك هذا الطائر معنى ما يردده وأما الإنسان يقال عنه " حيوان ناطق " وهو وصف قاسٍ، ولكن القصد منه أنه رغم اشتراكه مع الكائنات الأخرى فى الكثير من الصفات، إلا أنه يتميز عليها بالقدرة على التفكير والتعبير والتقرير.. وهناك مئات اللغات ومنها تتفرع آلاف اللهجات. ومن الناس من هو شاعر ومنهم من هو أديب ومنهم المتكلم.. أما الأخير فهو الذى يحسن الكلام وتنميقه حتى يصبح ذلك مهنته، وأما الشاعر فهو الذى يجعل الكلمات ترقص وتغنى وتطرب.. مثله في ذلك مثل الموسيقي الذى يجعل نغماته تشنف الآذان. وأما الأديب فهو الذى يحّول المشاهد والمشاعر إلى كلمات تقرأها، فتشاهد وتشعر وتتفاعل وأنت جالس فى مكان القراءة !!.. وكلا الاثنين (الأديب والشاعر) يرسمان بالكلمات لوحات يتراوح جمالها فى قيمته بحسب إبداع كل منهما، وأتذكر أن أحد الشعراء كتب قصيدة وقدمها إلى مطرب ليغنيها ولكن الأخير اعترض على كلمة فيها وطلب استبدالها، أمّا الشاعر فرفض بشدة واحتج فى ذلك بقوله أن القصيدة مثل اللوحة كيف يطلب مني المتفرج أو المشترى أن اُغير أنفها أو عينيها مثلاً !!..
وعندنا أيضاً شخصاً يدعى الدبلوماسى ويوصف بأنه يتكلم كثيراً ولا يقول شيئاً !!، ويقصد بذلك حسن الكلام وتنميقه، دون أن يصرح بشىء أو يعد بشيء، ويقابل النوع الدبلوماسى.. النوع الناقد، وهو على نوعين ناقد للبنيان وهذا يتوخى الموضوعية والتأدّب فى التعبير، ونوع يفتقر إلى اللياقة والكياسة، مثل الشاعر الذى اعتاد أن يهجو الوالى أو الأمير ونظراً لخطورة الكلمة المكتوبة وأهميتها وتأثيرها، فإنه يجب توخى الحذر والدقة فى الإختيار، ومثلها الكلمة المنطوقة أيضاً وهو ما يسمى اصطلاحاً بالمقال والُمقال .. فكلاهما لا يمكن استعادته، وجدير بالذكر هنا أن ما يفكر به الشخص قابل للتغير إذ يمكن تغيير الفكر، فإذا قاله يمكن مراجعته بالنقاش، فإذا كتبه يمكن الرد عليه، فإذا نوقش وأصر على رأيه فهذا هو إيمانه وهذه مبادئه وعقيدته.. وهذا كان يحدد الشخص الهرطوقى من ذاك الذى إنزلق ببساطة فى رأى خاطىء والكلمة قد تجرح وقد تزعج.. وقد تشفى.. وقد تحوّل مسار حياة.. وأتذكر أن أنطيوخس أبيفانيوس هاجم مصر فى القرن الثانى قبل الميلاد وكانت روما حليفاً لمصر آنئذ فأرسلت إليه مندوبها "مميوس"، والذى طلب إليه أن يغادر مصر أو يدخل فى حرب مع روما، ولما طلب مهلة ليقرر، قام المندوب برسم دائرة بعصاته حول أنطيوخس وهو واقف وأمره بأن يعلن قراره قبل الخروج من الدائرة.. كان القرار نعم أو لا وكلاهما كلمة يتوقف عليها مصير شعب وحياة عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من الناس إلى جوار نتائج أخرى كثيرة مترتبة على القرار.. كما خلد الكثيرين بسبب كلمة أو عبارة نطق بها أحدهم إبان حياته.. وقد لا نذكر لهم سوى تلك الكلمة، مثلما ’ينسب شخص إلى قصيدة.. فيقال " شاعر قصيدة كذا .. "هناك أشخاص تحب أن تسمعهم وهم يتكلمون، سواء أكانوا يرتجلون أو يقرأون.. أو يتحدثون، وكما قيل عن البعض أن خطهم مثل سلاسل الذهب يمكن أن يقال عن بعض المتكلمين أن حديثهم مثل عناقيد الياقوت والأحجار الكريمة.. تود ألا ينتهى حديثه، حقاً يقول السيد المسيح عن الكنيسة ممتدحاًَ تعاليمها " شفتاك ياعروس تقطران شهداً". أتذكر أيضاً فى هذا السياق أن شيخ الأزهر السابق كان فى زيارة لإنجلترا، وهناك استمع إلى خطاب لمارجريت تاتشر رئيسة الوزراء السابقة، يقول أنه ’أعجب كثيراً بطريقتها فى الكلام ولغتها الواضحة ونطقها الذى جعل الكلام مترجماً، وأصر من ثمّ على الحصول على تسجيل لهذه الكلمة وأرسل من خلال زوجته ليحصل عليها وجاءته نسخة فى خلال ساعات عندنا مشكلة فى القراءات الكنسية، فالقارىء أحياناً يقرأ إلى الداخل ! وأخر تتزحلق كلماته من على أذنيك دون أن تستقر فيهما، وثالث لا يفصل بين عبارة وأخرى وربما بين كلمة وأخرى وكأنّ الحروف متصلة لمسافة سطر أو سطرين كاملين، وآخر يخلط بين " الكاف والقاف " و " التاء والطاء " و " الدال والضاد " و " السين والصاد والثاء " فلا تعرف إن كان يقصد (الإحتكار أم الإحتقار) أو (الضَرر أم الُدرر) أو (القلب أم الكلب) .. الخ. ويستحسن المستمع والحال هكذا أن يكتب له المتكلم ما يريد لكى يدرك قصده. وفى هذا الإطار هناك فى الوسط الكنسى مئات التعليقات الطريفة وغير الطريفة على قراءات البعض فى القطماروس، إذ تتحول بعض الكلمات إلى إهانات وشتائم والأرقام إلى كلمات والعكس، أو إلى ما لا معنى له.. وهكذا.. والبعض تضيع منه علامات الترقيم، وآخر لا يعرف أين ينهى الجملة.. ومتى يلتقط أنفاسه، ناهيك عن قواعد النحو والصرف الذى يفتقر إليه الأكثرين الذين أولهم أنا قرأت عن أحد الولاة الذين أصدروا حكماً بالإعدام بحق شخص ما، وقبل تنفيذ الحكم توسط البعض عنه لدى الوالى والذى قبل وساطتهم واستكتب كاتبه أمراً بالإعفاء عن المتهم، فأملاه قائلاً: (إعدام لا. براءة) وما أن وصل المكتوب إلى الجلاد حتى نفذ حكم الموت فى المتهم فى الحال، والسبب ببساطة أن الكاتب كتب (إعدام. لا براءة) ولم يتوخى الدقة فحرك النقطة عن موضعها قليلاً، فجاء الأمر بتأكيد الحكم وعدم البراءة بدلاً من إلغاء الحكم ومنح البراءة.. وهكذا تسببت نقطة صغيرة فى غير موضعها فى أن يفقد شخص ما حياته !!.كذلك أرسل أحد الولاة إلى حاكم مدينة يطلب منه أن يحصى الرجال لديه (من سن 16 إلى 40 ) فإذا بالحاكم يقوم بإخصاء المطلوبين لأن المكتوب الذى وصله أُستبدل فيه حرف الحاء بحرف الخاء ، لقد كان غرض الوالى هو عمل تعبئة عامة استعداداً للحرب، بينما أساء الحاكم الفهم مثلما افتقر كاتب الوالى إلى الدقة فى الكتابة بعد أن قرأت هاتين القصتين أدركت لماذا تكتب الأم أحياناً ورقة لصغيرها وتطويها وتضعها فى قبضته الصغيرة ليوصلها إلى جهة ما وذلك لضمان النتائج"كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند ابي الانوار"(يعقوب 1 : 17)
نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها

عدد الزيارات 289

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل