السيدة العذراء وشفاعة القديسين

06 أغسطس 2022
Large image

نحـن نحـب العذراء القديسة مريم ونكرمها باعتبارها الشيفعة الأمينة لجنسنا عـنـد ابنها الحبيب ، ويكفي أن ننتبه إلى حرص الناس جميعهم ـ الصغار والكبار ـ على ممارسة الصوم الذي يحمل اسمها والإحتفال بأعيادها ، لندرك عمق الصلة والخبرة الروحية التي لنا مع أم الله الحنونة ، التي تشفع فينا في كـل حـين ونحـن نسميها في التسبحة " القديسة أم جميع الأحياء “ ( ثيؤتوكية الثلاثاء ) . وقبل أن نعطـر ألسنتنا بالحديث عن أم النور الطاهرة يلزمنا أن نعرف لماذا نكـرم القديسين في كنسيتنا الأرثوذكسية ، ونحرص على أعيادهم وتذكاراتهم والتسمى بأسمائهم ؟؟
أولاً : كنيستنا في تكريمها للقديسين لا تؤمن بأي وساطة من جانبهم بيننا وبين الله ، بالمعنى الخلاصي ! بـل أنها لا تؤمن بأي وساطة يمكـن أن يقترب بها الإنسان إلى الله بدالة وجسارة ، سوى وساطة وشفاعة دم ربـنـا يـسوع المسيح المسفوك عـن خـلاص البشرية " لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح “ ( ۱ تی ٢ : ٥ ) ، « إن اخطـأ أحـد فـلـنـا شـفيـع عـند الآب يسوع المسيح البار وهـو كـفـارة لخطايانا ، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً “ ( ١ يو ۲ : ۱ ، ۲ ) لذلك فالكنيسة في كل صلواتها على الإطلاق تختم كل الطلبات والتوسلات والصلوات بعبارة قصيرة هي " بالمسيح يسوع ربنا “ وهو تقليد إنجيلي وروحي أصيل يتطابق مع وصية رب المجد لنا " الحق الحـق اقـول لـكـم إن كل ما طلبتم من الآب باسمى يعطيكم .. اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً “ ( يو ١٦ : ٢٣ ، ٢٤ ) . إنها شفاعة كفارية فريدة ووحيدة بها نجد قبولاً ودالة عند الله الآب . إنها شفاعة للتطهير والتقديس وغفران الخطايا ، حين يخضع الإنسان لتبكيت الروح القدس وعمله داخل النفس ، فيدفعه دفعاً إلى أحضان الآب السماوى محتمياً في كفارة المسيح بالتوبة الصادقة وتنهدات القلب الطاهـر " الروح القدس يشفع فينا بأنات لا ينطق بها “ ( رو ۸ : ٢٦ ) . إنهـا أنـات القلب التائب الواثق من قبول الله له وغفران خطاياه بدم المسيح .
ثانياً الكنيسة هي جسد المسيح الحي الواحد والكنيسة تدرك تماماً هذه الحقيقة ( أف ۱ : ۲۲ ، ۲۳ ) . لهذا فهى تعيش وتختبر وتحقـق شهوة قلب فاديها الحبيب ليلة آلامه حين صلى لأجل جسده قائلاً : " أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحـداً كـما نـحـن . ولـسـت اسـأل مـن أجـل هـؤلاء فقط ، بل أيـضاً مـن أجـل الـذين يؤمنون بـي بكلامهـم لـيـكـون الجميع واحـداً كمـا أنـك أنـت أيها الآب في وأنـا فـيـك ، ليكونوا هـم أيـضاً واحـداً فيـنا ، ليؤمن العالم أنك أرسلتني وأنـا قـد أعطيتهم المجـد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً ، وليعلم العالم أنك ارسلتني وأحببتهم كما أحببتني “ ( یو ۱۷ : ۲۰-۲۳ ) هذه الوحدانية ، وهذه الشركة هي سمة رئيسية في حياة العهد الجديد ، والتمتع بخلاص المسيح ، لأنه كما تغرب الإنسان بالخطية عـن الله وعـن أخيه ، حين فقد امكانية الحب الإلهى ، فإنه حين ينال الخلاص والحياة الجديدة يعود إلى الشركة مع الله ويسترد أيـضاً إمكانية المحبة ليعود إلى حياة الشركة مـع إخـوته ، لذلك يقـول القديس مقاريوس الكبير : " لا خلاص للإنسان خارج أخوته “ !
وذلـك صـدى لتعليم القديس بولس الرسول حين يؤكد على ضرورة هذه الشركة لاختبار سر المسيح ، سر الخلاص حين يقول : « ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قـبلاً بعيدين صـرتـم قـريبين بـدم المسيح ( شفاعته الكفارية عن خلاصنا ) لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً ( اليهود والأمم ) .. لأن به لنا كلينا قدوماً في روح واحـد إلى الآب ( كشعب واحـد وكنيسة واحـدة ) ، " فلستم اذا بعـد غـرباء ونزلاء بـل رعـية مع القديسين وأهـل بـيـت الله مبنين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية الـذي فـيـه كـل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً في الرب “ ( اف ۲ : ۱۳-۲۲ ) » وقد ربط الرسول ربطاً مبدعاً بين إيماننا بالمسيح ، وبين انسكاب المحبة في قلوبـنـا مـن نـحـو بعضنا البعض كأعضاء في كنيسة المسيح ، وبين ادراكنا للخلاص وعمق عمل المسيح حين قال : " ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلـو وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله “ ( اف ۳ : ۱۷-۱۹ ) . لذلك وباختصار ، فإن القديسين في كنيستنا الواحدة هم جزء حى وأعضاء حية في جسد المسيح الواحد ، ونحن حين نقف لنصلى إنمـا نقـف كنيسة واحـدة معهـم ، تجمع المرئيين على الأرض وغير المرئيين الذين هـم أرواح قـد أكملـوا جـهـادهم ، وانتقلوا إلى السماء ، تقف الكنيسة كلها لتقدم حياتها للمسيح رأسها ، وفى وحدة حقيقية يصنعها الروح القدس بيننا وبين ربنا يسوع المسيح من ناحية ، وبين بعضنا البعض من ناحية أخرى . " العبادة في كنيستنا تقـوم عـلى أساس اجتماع المؤمنين مع أرواح الشهداء والأبرار المنتقلين والملائكة والعذراء القديسة مريم . وصور القديسين على حامل الأيقونات ، كـإنها الكنيسة قـد احتجزت لهم الصف الأول لحضورهم على الدوام ، وجعلت ظهورهم نحو الشرق أنهم لم يعودوا بعد ينتظرون المسيح الآتي مثلنا ، بل هم معه الآن كل حين ، وجعلت وجوههم نحونا لكي يعزوننا ويؤازرونا ويتقبلوا توسلاتنا وصلواتنا “ . كيف يمكـن إذا في هـذه المحبة الإلهية المنسكبة في الكنيسة بالروح القدس ألا يصلى القديسون من أجلنا ، ويشاركوننا الصلاة والجهاد في غربتنا على الأرض ؟ !
كيف يمكـن ألا تتحرك قلوبهم نحونا بالحب ، نحن أخوتهم في الجسد الواحد يسندوننا ويرفعون عنا الصلوات ، ونحن أيضاً نصلى من أجلهم بكل اتضاع وإحتياج ؟ " هؤلاء الذين بسؤالاتهم وطلباتهم ارحمنا كلنا معاً وانقذنا من أجل اسمك القدوس المبارك الذي دعى علينا " وأيضاً نصلى : " إننا يا سيدنا لسنا أهلاً أن نتشفع في طوباوية أولئك بل هم قيام أمـام مـنـبـر ابـنـك الـوحـيـد لـيكونوا عوضـاً عـنـا يـشفعون في ضعفنا ومذلتـنا . كـن غافـراً لآثامـنـا مـن أجـل طلباتهم المقدسـة ومـن أجـل اسمك العظيم الذي دعي علينا " ( القداس الإلهى ) لذلك حين يصف سفر الرؤيا منظر كنيسة المسيح نراه يقدم صورة رائعة عن هذه الشركة في الصلاة والحب : " وجاء ملاك آخـر ووقـف عـنـد المذبح ومعـه مبخرة من ذهب وأعطي بخوراً كثيراً لكى يقدمه مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله " ( رؤ ٧ : ٣ ، ٤) لذلك فإنـنـا نقـدم البخور أمام أيقونات القديسين في يقين أننا نقدمه مع صلواتهم عنا أمام الله !! "
ثالثا " إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا ، لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع " ( عب ۱۲ : ۱ ، ۲ ) حين نطلب صلوات القديسين عنا ، وحين نكرمهم فإننا نؤمن أن الـذي عـمـل فـيـهـم لأجـل تقديسهم ، قـادر أن يعمـل فـيـنـا أيـضاً لنصير قديسين مثلهم ، إنهم ليسوا شخوصاً تاريخية وإنها شخصيات إنسانية ضعيفة قـد أطاعـت صـوت الـروح واستسلمت لعمـل الله فيها ، فتحولت عـن صـورتها الترابية إلى صـورة القداسـة والـنور ، لذلك يوصينا الرسول بولس أن ننظر إلى سيرتهم ونتمثل بإيمانهم ( عب ١٣ : ٧) ، إنهـم الـنـماذج الحية التي نسعى لنصير مثلها ، نجاهد جهادهم ونحيا إيمانهم ونختبر قوة النعمة التي عملت فيهم . لذلك لـن نستفيد كثيراً مـن تـكـريمنا للقديسين والتشفع بهم ، دون أن يكون جهادنا وحياتنا هي حياتهم بتوبة وتقديس وتكريس الكيان كله لله . لأجل ذلك تضع الكنيسة أمامنا نموذجاً حياً في كل يوم في السنكسار ، لكي ما يكون نبراساً لحياة الإيمان والرجاء الحي ، و لنسعى خلف المسيح واثقين من نصرتنا وتقديس حياتنا .
إن العالم يحتاج اليوم إلى نماذج قداسـة مـن هـذا النوع ، وهـو يتشوق كثيراً أن يرى نور المسيح هكذا مضيئاً في الذين يحملون اسمه ويتحدثون بكلامه ، حتى يكتمل جيش القديسين المنتظرين في السماء اذ أنهم لا يمكن أن يكملوا بدوننا ، بهم تكمل نصرتنا وبنا يكتمل فرحهم وشركتنا جميعاً في المسيح الواحد . وببساطة نقـول انـه إذا كـان مـن المفيد والنافع أن نـصـادق الصالحين مـن الـناس الذين يعيشون بينـنـا عـلى الأرض ، لننتفع بصلاحهم وصلواتهم فكم تكون صداقة القديسين الذين تحرروا من ثقل الجسد والخطية وصاروا مثل ملائكة في السماء ؟ إن واحداً منهم قد تحرك قلبه بالحب لأجل خلاص أخوته وهو في الجسد مـا زال يـئـن فقـال " كنت أود لو أكون أنا نفسى محروماً من المسيح لأجـل أخوتـى أنـسبائي حسب الجسد " ( رو ۹ : ۱-۳ ) . ألا يصلي إذا الآن من أجلنا ، من له مثل هذا القلب وهذا الحب ؟ ! " بركتهم المقدسة تكـون مـعـنا آمين . المجـد لـك يـا رب . يا رب ارحم یا رب باركنا . یا رب نيحهم آمين . " ( القداس الإلهى )
القمص بنيامين مرجان باسيلى كاهن كنيسة مارمرقس الجيزة
عن كتاب والدة الإله مريم العذراء فى فكر الأباء

عدد الزيارات 238

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل