مجموعة مؤلفين أخرى
الكتب (98)
القديس كيرلس عامود الدين مجموعة مؤلفين أخرى
من قصائد مار يعقوب مجموعة مؤلفين أخرى
المئويات الأربع للقديس مكسيموس المعترف(للأب منيف حمصي) مجموعة مؤلفين أخرى
معاينة الله كما هو مجموعة مؤلفين أخرى
مراقي الكمال الرهباني مجموعة مؤلفين أخرى
مدخل إلى اللاهوت الأدبي مجموعة مؤلفين أخرى
مختارات تعليمية للمنفعة الروحية مجموعة مؤلفين أخرى
القديس مار افرام السرياني مجموعة مؤلفين أخرى
المقالات (77)
19 يناير 2025
الظهور الإلهي عند ق. يوحنا ذهبي الفم
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم إن كثيرين يحتفلون ويعرفون أسماء الأعياد، ولكنهم يجهلون الأسباب التي من أجلها صارت هذه الأعياد إن احتفال اليوم كما يقول، يسمى "أبيفانيا" أي ظهور، وهو معروف للجميع، ولكن هذه الأبيفانيا، هل هي واحدة أم أثنين. هذا ما لا يعرفونه. فبينما يحتفلون بهذا العيد كل عام، إلاّ أنهم يجهلون أمره هكذا أراد القديس يوحنا ذهبي الفم أن يوضح بعض الحقائق الغائبة عن الشعب فيما يختص بعيد الظهور الإلهي. فالأمر بحسب رؤيته لا يتعلق بظهور واحد، بل بظهورين، واحد هو الذي حدث في مثل هذا اليوم، والثاني سيحدث بطريقة مجيدة في المستقبل، في المجيء الثاني. ويستند في هذا إلى ما قاله الرسول بولس، عن كل ظهور من الاثنين. فيما يختص بالظهور الأول، يقول: " لأنه قد ظهرت نعمة الله المُخلِّصة لجميع الناس معلِّمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر" وعن الظهور الثاني في المجيء الثاني يكتب "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (تي11:2ـ13) ويقول يوئيل النبي وعن هذا الظهور الثاني " تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف" (يوئيل2ـ31) ثم يتساءل ق. يوحنا ذهبي الفم لأي سبب سُمى ”أبيفانيا“؟ يقول بسبب أن المسيح صار معروفاً للجميع، عندما تعمد، لأنه حتى ذلك اليوم، لم يكن معروفاً من الكثيرين. هذا ما يتضح من قول يوحنا المعمدان " وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي. الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس" (يو1ـ33). ثم يطرح القديس يوحنا ذهبي الفم تساءل أخر، وهو لأي سبب آتى المسيح ليعتمد، وما هو نوع معموديته؟ ويجيب على ذلك بالآتي كانت توجد المعمودية اليهودية، وهذه المعمودية كانت معنية بنظافة الجسد فقط، وليس بخطايا الضمير، مثل مس عظام الأموات، تناول الأطعمة المحرمة، الاقتراب من الأموات، مثل هذا كان عليه أن يغتسل، ويبقي دنساً حتى المساء، بعد ذلك يتطهر، هكذا جاء بسفر اللاويين " من مس فراشه (الذي له السيل) يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء" (لا15ـ5). وبعد ذلك يتطهر. وقد أعدهم الله بهذه الممارسات لتلك اللحظة، لكي يكونوا أكثر استعداداً، وفي صورة أفضل لفهم الأمور الأكثر سمواً إذاً فالمعمودية اليهودية لم تكن تخلِّص من الخطايا، ولكنها فقط كانت معنية بالتطهير من النجاسة الجسدية. ثم كانت هناك معمودية يوحنا والتي هي بالتأكيد أفضل من المعمودية اليهودية، لكنها أقل من معموديتنا فهي بمعنى ما تمثل جسراً بين المعموديتين. لأن يوحنا لم يقد الشعب نحو حفظ التطهيرات الجسدية، لكنه نصحهم ووعظهم أن يبتعدوا عن هذه الأمور (الخاصة بالجسد فقط) وعن الخطية، ويعودوا إلى الفضيلة، وأن يعتمدوا، ويترجون خلاصهم بالأعمال الحسنة وليس بنظافة الجسد بالماء. فهو لم ينصح بغسل الملابس وغسل الجسد، لكي يصيروا في حالة نظيفة، بل قال: " أصنعوا ثماراً تليق بالتوبة" (مت8:3) أما من جهة أن معمودية يوحنا هي أفضل من المعمودية اليهودية، وأقل من معموديتنا نحن، فهذا راجع إلى أن معمودية يوحنا لا تمنح الروح القدس، ولا تهب غفران الخطايا، الذي يعطى بالنعمة الإلهية، لأن يوحنا كان يكرز بالتوبة فقط، ولا يملك سلطان غفران الخطايا. ومن أجل هذا قال: " أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" (مت11:3)
وهنا تحديداً يطرح سؤال آخر، حول معنى عبارة " بالروح القدس ونار"؟ في الحقيقة هذا الأمر مرتبط بحادثة حلول الروح القدس يوم الخمسين، حيث ظهرت ألسنة من نار أمام الرسل وحلّتْ على كل واحد منهم أما من جهة أن معمودية يوحنا لم تكن تملك منح الروح القدس، ولا غفران الخطايا، فهذا واضح من اللقاء الذي تم بين الرسول بولس وبعض التلاميذ، فعندما سألهم: " هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم. قالوا ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم فبماذا اعتمدتم. فقالوا بمعمودية يوحنا. فقال بولس إن يوحنا عمد بمعمودية التوبة" (أع2:19ـ4) هكذا يظهر من هذا الحوار القصير، أن معمودية يوحنا، كانت للتوبة فقط، ولم تكن معمودية غفران.
السؤال الآخر المطروح، لأي هدف كان يوحنا يعمد؟ كان يوحنا يعمد تمهيداً لمجيء المسيح الذي كان يعمد بالروح بحسب شهادته هو شخصيًا " الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع والذي من الأرض فهو أرضي ومن الأرض يتكلم" (يو31:3). ثم يكمل " الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو36:3) ولذلك يخبرنا سفر الأعمال، في الحوار الذي أشرنا إليه، والذي دار بين ق. بولس والتلاميذ، أن التلاميذ " لما سمعوا من بولس اعتمدوا باسم الرب يسوع ولما وضع يديه عليهم حل الروح القدس عليهم" (أع4:19ـ6). وهكذا كما هو واضح أن معمودية يوحنا كانت ناقصة، وإلاّ لما كان ق بولس قد عمّدهم ووضع عليهم يديه.
د. سعيد حكيم يعقوب
المزيد
13 يناير 2025
التجسد وثماره عند القديس يوحنا ذهبي الفم
لقد حمل التجسد الإلهي للبشرية ثمارًا مفرحة وجديدة، ذلك لأنها ثمار روحية، أي ثمار يهبها الروح، وهذا هو الجديد، أن الهبات والعطايا الممنوحة للبشر، صارت لها ملامح متميزة، بسبب أن مصدرها روحي.
عطية الروح القدس
هذا ما يؤكده القديس يوحنا ذهبي الفم في عظة له عن الميلاد، قائلاً [ أخذ جسدي لكي أسع الكلمة في داخلي.. ومادام قد أخذ جسدي فقد أعطاني روحه، حتى تقدم لي كنز الحياة الأبدية. يأخذ جسدي لكي يقدسني. ويعطيني روحه لكي يخلصني] هنا يشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى عطية الروح، باعتبارها كنز الحياة الأبدية، ومصدر التمتع بالخلاص، كما ذكر [ يعطيني روحه لكي يخلصني]، ذلك لأن الروح هو في كل شئ يقود الإنسان نحو الكمال ولذلك فإن حضور روح الله وعمله سواء في الكتاب المقدس أو في التقليد الآبائي، قد ارتبط ارتباطًا وثيقًا بعطية الحياة. هكذا كُتب في المزمور 32 " بكلمة الرب تأسست السموات وبروح فيه كل قواتها" (6:32س). ولذلك لا تستطيع أي نفس أن تتمتع بثمار الروح، إن لم تدخل في شركة هذا الروح المحيي. يقول القديس مقاريوس: [ إن النفس العريانة والمقفرة من شركة الروح، الواقعة تحت فقر الخطية المرعب، لا تستطيع ـ حتى إذا رغبت ـ أن تثمر أي ثمر من ثمار روح البر بالحق. قبل أن تدخل في شركة الروح] . ليس هذا فقط، بل إن عطية الحياة العظمى والمتمثلة في الاتحاد بشخص المسيح، تتطلب شركة الروح.
الاتحاد بشخص المسيح
ومن أجل هذا، فقد أكد الرسول بولس على مدى الارتباط الوثيق بين نوال "قوة الروح القدس" وبين "حلول المسيح" بالإيمان في قلوب المؤمنين للحصول على كل ملء الله؛ " بسبب هذا أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح.. لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" (أف14:3ـ17) هذه الرؤية التي تشدد على أهمية عمل الروح القدس داخل النفس الإنسانية، لنوال الشركة الحقيقية مع الله هى رؤية مشتركة لدى الآباء ولهذا فإن الثمر الفائق الوصف الذي ناله الإنسان بالتجسد، هو شخص المسيح نفسه. هذا ما يشرحه القديس يوحنا ذهبى الفم قائلاً: [ إن الاتحاد بالمسيح هو أعظم مكافأة لأنه هو الملكوت وهو الفرح، وهو المتعة، وهو المجد والكرامة، وهو النور، وهو السعادة غير المحدودة، الذي لا يستطيع الكلام أن يُعبّر عنه، غير الموصوف، غير المدرك ] . فالمسيح له المجد كان كل شئ بالنسبة للتلاميذ، ولم يكن في حساباتهم الفوز بملكوت السموات. يقول داود النبى: " ما لى في السماء ومعك لا أريد شيئًا على الأرض ". أى أنه لا يتمنى شيئًا من الأمور السمائية، ولا من الأمور الأرضية، لا شئ يتمناه سوى الله. إذن التمتع بالحياة الأبدية، لا يكون إلاّ عن طريق الاتحاد بالابن، كما يقول الرسول يوحنا: " إن الله أعطانا حياة أبدية. وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة. ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1يو11:5). وهو ما جعل الرسول بولس يقول: " ما كان لي ربحًا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة بل إني أحسب كل شئ أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأُوجد فيه" (في7:3ـ8).
نوال البنوة لله (التبنى)
وأيضًا فإن نوال البنوة لله، لم يكن ممكنًا أن يتم إلاّ من خلال الابن كما أشار القديس بولس: " لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" (غل26:3)، ويشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى أهمية اتحاد الإنسان بالمسيح قائلاً: [ لقد أخذ جسدًا إنسانيًا لكي يسكن فينا] . وسكنى المسيح داخل الإنسان تعنى بالضرورة القدرة على السلوك كما سلك المسيح، هذا ما يؤكده القديس يوحنا الإنجيلي قائلاً: " من قال إنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك (المسيح) هكذا يسلك هو أيضًا" (1يو6:2).
نتائج اجتماعية
ولم يكن المسيح له المجد بالنسبة للناس نموذجًا نمطيًا، لكنه كان يمثل اتجاهًا جديدًا، يحمل رؤية جديدة للحياة، قادت إلى تغيير جذري للتقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة، ولذلك أحبه الجميع، لأنه أحب الجميع، والتف حوله كل الناس. وهذا ما دعا رؤساء الكهنة أن يقولوا " هوذا الكل قد صار وراءه". والحقيقة أن الكل قد صاروا وراءه، لأنه رفع من مكانة الفئات المتدنية في المجتمع، وألغى الفوارق الاجتماعية والعنصرية بين الناس. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم وهو بصدد الحديث عن ميلاد المسيح العجيب [ ذاك الذي يفك ربط الخطية لُف في لفائف، لأن هذه هي إرادته، لأنه أراد للهوان أن يتحوّل إلى كرامة، وللعار أن يكتسي بالمجد، ولحالة الهوان أن تتحول إلى حالة الفضيلة] هذه الإرادة لتغيير حالة الإنسان من وضع الهوان والعار والمذلة إلى وضع الكرامة والمجد والفضيلة، تكشف عن المحبة غير المحدودة من قِبل الله تجاه الإنسان. فكل الفوارق الاجتماعية لم يعد لها وجود: " ليس يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر ليس ذكر وانثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع" (غل28:3)، أي أن الجميع صاروا واحد في المسيح، هكذا أكد القديس يوحنا ذهبي الفم وهو بصدد الحديث عن التناول: [ هل أنت غنى؟ حتى وإن كنت؛ فليس لك أفضلية على الفقير. هل أنت فقير؟ إنك لست أدنى
من الغنى. فالفقر لن ينتقص من أفراح المائدة الروحية. لأن النعمة هى من الله وهى لا تميز بين الأشخاص. هذه هى العطايا الروحية، التى لا تقسم المجتمع بحسب المناصب، بل بحسب المستوى الروحى وبحسب استقامة أفكار كل أحد. ولهذا فإن الملك والفقير يتقدمان معًا نحو الأسرار الإلهية بنفس الثقة وبنفس الكرامة، لكى يتمتعا بالتناول منها. لأن لباس الخلاص هنا هو واحد للجميع أغنياء وفقراء، والرسول بولس يقول " لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح " (غل27:3) هذه هى ملامح الحياة الجديدة في المسيح، اختفاء كل أثر للتمييز بين البشر، الجميع في المسيح واحد، وهذا كان واضحًا منذ البداية، عندما دخل إلى المجمع ودُفع إليه سفر إشعياء النبي ليقرأ، فوجد الموضع الذي كان مكتوبًا فيه: " روح الرب علىَّ لأنه مسحني"، لماذا؟
لأبشر المساكين.
لأشفي المنكسرى القلوب.
لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر.
لأرسل المنسحقين إلى الحرية.
لأكرز بسنة الرب المقبولة..
" ثم طوى السفر وأعطاه للخادم وقال: اليوم قد تمّ هذا المكتوب في مسامعكم". أي أنه بحضور المسيح في الزمن، قد تحقق كل هذا، لقد رفع المسيح من شأن الفئات المُهمشة، والتي ليس لها أحد يذكرها. وفي حديث القديس يوحنا ذهبى الفم عن ميلاد المسيح العجيب يقول: [ إن الرجال أتوا لكى يسجدوا لذاك الذي صار إنسانًا وخلّص العبيد من الشرور التي أصابتهم. أتى الرعاة لكى يسجدوا للراعى الصالح الذي قدم حياته من أجل الخراف، أتى الكهنة لكى يسجدوا لذاك الذي أخذ شكل العبد لكى يمنح الحرية للمستعبدين ] هكذا أسس المسيح له المجد ملكوت الله في الزمن، وجعل الأرض سماء وجمع الناس مع الملائكة كما يقول القديس يوحنا ذهبى الفم في عظة له عن الصليب.
د. سعيد حكيم
المزيد
09 يناير 2025
رحمة الله الظاهرة للبشر في تجسد ابن الله للقدّيس يوحنا الذهبي الفم
يقول القديس بولس الرسول: "لأنّه هو سلامنا جعل الإثنين واحداً ونقض في جسده حائط السياج الحاجز أي العداوة" (افسس2: 14) الحق! إن المتجسد من العذراء نقض حائط السياج الحاجز، وصار الاثنان واحداً. تبدّد الظلام وأشرق النور وغدا العبيد أحراراً والأعداء بنين. زالت العداوة القديمة وساد السلام المرغوب من الملائكة والصِدّيقين منذ القديم، لأن الأمر المدهش قد تمّ، وهو أنّ ابن الله صار إنساناً، فتبعته الأشياء كلّها، المخلص يضع ذاته ليرفعنا، ولد بالجسد لتولد أنت بالروح. سمح للعبد أن يكون له أباً، ليكون السيد أباً لك أيها العبد. فلنفرح ونبتهج كلنا. لأن البطريرك "إبراهيم قد ابتهج ليرى فرأى وفرح" (يوحنا8: 56) فكم بالحري نحن الذين رأينا الرب في الأقمطة! لذلك، يجب علينا أن نسَّر ونبتهج بعظمة إحسانه إنه لأمر يستحق الانذهال. لقد ساد السلام لا لمبادرتنا إلى الرب نحن الذين أخطأنا إليه وكدرناه، بل لأن الساخط علينا نفسه قد شفق علينا. "فأسألكم من قبل المسيح أن تتصالحوا مع الله" (كورنثوس الثانية 5: 20) إذ خلق العلي بنعمته وحدها الانسان وأعطاه على الأرض أجمل مكان ليعيش فيه، ووهبه وحده العقل بين المخلوقات كلها، وسمح له برؤيته تعالى، والتلذذ بالحديث معه، ووعده بالخلود، وملأه بالنعم الروحية حتى أن الإنسان الأول تنبأ؛ ولكنه بعد هذه الخيرات كلها رأى العدو أجدر بالايمان ممن وهبه جميع ما ذكر، فاحتقر وصية الخالق وفضل من كان يعمل على هلاكه بكل الوسائط. ومع ذلك فما أباد الله الارض كما تقتضي العدالة، لما أظهر الإنسان من العقوق وعدم معرفة الجميل. بل صار يُعنى به أكثر من الأول، لأن الخطر اشتد كثيراً بعد استسلام جنسنا للإثم، وتعرضه للهلاك. ولكن الآب السماوي اهتم للخاطئ وحدثه كصديق مبيناً له خطر الهلاك المحدق به، ثم أعطاه الشريعة كمساعد له، وأرسل الأنبياء لتعلمه ما يجب عليه أن يفعل. "ثم أرسل له وريثه نفسه – أي ابنه – مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غلاطية4: 4و5) لذلك نرى نبي الله متعجباً من حكمة الضابط الكل وصارخاً : "هذا هو إلهنا قد تراءى على الأرض وتردد بين البشر" (باروك 3: 38) ابن حقيقي لاب أزلي لا يعبر عنه ولا يدرك، اجتاز أحشاء بتولية، وتنازل ان يُولَد من عذراء، ولم يكفّ عن العمل والشروع بالأشياء حتى جاء بنا نحن الأعداء إلى الله، وصيّرنا اصدقاء له، فكان كمن يقف بين اثنين متقابلين باسطاً ذراعيه لهما ليوحدهما معاً. هكذا فعل ابن الله موحداً الطبيعة الإلهية مع البشرية، أي خاصته مع خاصتنا. هذه وفرة نعمة الرب. إن الذي غضب يسعى للسلام قاهراً المغتصب. قد يخلع الملك تاجه أحياناً ويلبس حلة جندي بسيطة حتى لا يعرفه أحد من أعدائه. أما السيد المسيح فقد جاء لابساً حلتنا حتى يُعرف، ولا يدع العدو يفر هارباً قبل القتال، ويدعو أتباعه إلى الاضطراب، إن غاية ابن الله هي الخلاص لا الإرهاب ربما تقول: لماذا لم تكمل هذه المصالحة بواسطة أحد الأرواح غير المتجسدة أو أحد البشر، بل بواسطة كلمة الله؟ فالجوابلأنه لو حصلنا على الخلاص بواسطة أحد الصديقين لما علمنا مقدار عظم اهتمام السيد بنا، ولما أصبح موضوعاً للإعجاب مدى الأجيال. فانه ليس بالأمر المدهش الفريد لو دخل مخلوق في الاتحاد مع مخلوق آخر؛ وبالتالي، لما قدر الإنسان أن يعمل عملاً إلهياً. وسرعان ما يسقط الأرضي، كما عمل اليهود، إذ حوّلوا خلاصهم المعطى لهم بواسطة موسى إلى شرور أشدّ من التي تحمّلوها في أرض مصر، وكادوا يؤلهون موسى بعد موته. إنهم أرادوا أن ينادوا به إلهاً، وهم يعلمون أنهم معه من طبيعة واحدة. وأخيراً لو أرسل ملكاً أو بشراً لاجل إنقاذنا من السقوط لما حصلنا على الخلاص ولا قدرنا أن نقترب من الذي حصلنا عليه الآن. ولو أن قوام خلاصنا حصل من طبيعة ملائكية أو بشرية فكيف يُعطى لنا أن نجلس عن يمين الآب السماوي ونصير أعلى من الملائكة ورؤساء الملائكة، ونستحق ذلك الشرف الذي تتمنى القوات العلوية الدخول في مجده. ولو حرم الجنس البشري من هذا النصيب المغبوط ألا يظهر عدونا القديم كبرياء أعظم من الاولى ويفكر بتهييج السماء ذاتها؟ فمن أجل هذه الاسباب وغيرها أخذ ابن الله الطبيعة البشرية وكمّل خلاص الجنس البشري كله وعليه إذا تصورنا عظمة تنازل الله فلنعطِ السيد الشرف الواجب، لأننا لا نقدر أن نكافئه إلا بخلاص نفوسنا، وبالاهتمام بالقريب. وليس من عيد أفضل من اهتمام المسيحي الحقيقي بالقريب، والاجتهاد بخلاصه. لأنّ المسيح لم يرضِ ذاته بل الكثيرين. هكذا يقول رسول المسيح: "غير طالب ما يوافقني بل ما يوافق الكثيرين لكي يخلصوا " (كورنثوس الاولى 10: 33).
عن كتاب منهج الواعظ لأبيفانيوس مطران عكار، 1971
المزيد
04 يناير 2025
الأحد الرابع ميمر ميلاد يوحنا المعمدان للقديس يوحنا ذهبي الفم
أريد الآن أن أشرح لكم مديح القديس يوحنا المعمدان فأقول أنا الناقص طوباك أيها المغبوط يوحنا المعمدان ولوالداك زكريا الذي طلب من الله فرزق بك طوباك أيها القديس يوحنا وطوبى لوالدتك اليصابات التي ولدتك وأرضعتك لبن ثدييها الطاهرين أي لسان جسداني يقدر أن ينطق بميلادك كما يليق بكرامتك فانه لا يستطيع لسان ملائكي أن ينطق بكمال سيرتك الا من كان الله معه طوباك أيها القديس يوحنا لأنك بالحقيقة قلت الحق طوباك أيها القديس يوحنا وطوبى لوالدتك اليصابات التي ولم تغير في أقوالك ولم ترجع عن الحق أشاء اليوم يا كاهن الله العلى أن أتكلم بقدر يسير من فضائلك وحسن سيرتك وتأخرت عن ذلك لاني انسان و عاجز وثقيل اللسان كثير الخطايا فليس لى أن اكمل سيرتك أو أن أسرد نسكيات فأنا أعرف ضعفى وعدم معرفتي يا سيدي يوحنا ان سيدك متحنن ورؤوف وقبل من الأرملة المسكينة الفلسين اللذين القتهما فى الخزانة أكثر من أموال الأغنياء فلتقبل منى تقدمتى الحقيرة في خزائنك المملوءة غنى من الخيرات الدائمة لأنك غنى بالرب ولا تحتاج الى أقوال هذا العالم فان السيد مدحك ودعاك الملاك المرسل أمام وجهه فما تحتاج الى مديح البشر لأن سيرتك تشبه سيرة الملائكة ،ومن في جميع الأبرار والرؤساء يستطيع أن يصف ما يليق بك ؟ من فى الحكماء والفلاسفة يستطيع أن ينطق أقوالا توافق كرامتك ؟ وتطابق جنسك الكريم أيها النبي الصادق والكاهن الحقيقى المتقدم أمام عمانوئيل والكارز القوى ، والبتول العفيف الذى لا يعرف شهوات العالم ان قلت أنك ملاك فأنت الملاك الجسداني ،والانسان الروحاني لأنك تشبهت بسيرة الملائكة ،وان قلت انك نبي فأنت أفضل من نبى كما شهد عنك ربك وسيدك ،وان قلت أنك شهيد فأنت أول شهيد في العهد الجديد قد قطعت رأسك وان قلت انك ناسك فأنت أول من سكن البرية وتنسك فيها بالحياة الشظفة ،وان قلت انك راهبا فأنت رئيس الرهبان وأول من لبس ثوب البر على جسده وتمنطق بمنطقة على حقويه وان قلت انك رسول ومنذر ومبشر فأنت أول من كرز وبشر بمجيء السيد المسيح عمانوئيل فكنت تقول للجميع "أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن يأتى بعدى من هو أقوى منى الذي لست أهلا أن أحمل حذاءه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار " ( مت ۳ : ١١) لقد كنت مبشرا قدامه ولم تستح أن تقول الحق لهيرودس حتى الموت لم ترهب سطوته فماذا أقول وفكرى منذهل ومتعجب،ومن أهلا في هذا العالم أن يشاركني مديحك أو يفهمني الكلام الذي يليق بك ! أريد غبريال الملاك الذي ابتدأ يمدحك بقوله عنك لزكريا أبيك ( يكون عظيما أمام الرب وخمرا ومسكرا لا يشرب ومن بطن أمه يمتلىء من الروح القدس ) ( لو ١ : ١٥ ) وقال عنك أنك تتقدم الابن الكلمة بالروح بقوة ايليا فترد قلوب الآباء الى الأبناء ، والعصاة الى عالم الأبرار وتعد للرب شعبا مستقيما احتاج اليوم الى جبرائيل الملاك وزكريا ليمدحوك عنك ( وانت أيها الصبي نبي العلى تدعى لانك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه لتعطى شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم » ( لو ١ : ٧٦ - ٧٧ ) احتاج اليوم الى جبرائيل الملاك وزكريا ليمدحوك بالسنتهم الصادقة ، الواحد ناري من السماء ،والآخر انسان من الأرض ملاك الرب النار المتقدة ،وكاهن العلى خادم الهيكل المقدس فقد مدحك السمائيون والأرضيون لا سيما سيد الخليقة جميعها قال عنك للجموع « لم يقم في مواليد النساء أعظم من يوحنا المعمدان » فأهل الأرض لا يستطيعون مديحك ،وأنا المسكين لا أستحق أن أذكر اسمك الطاهر على شفتى النجستين وانما تجاسرت بشرح اليسير من سيرتك لأجل فرح الشعب المجتمع معنا اليوم في تذكارك متهللا فرحا مسرورا طالبين شفاعتك والرحمة من الله لأجل اسمك فان كنتم تحبون يوحنا المعمدان فاسمعوا أقواله توبوا فقد اقترب منكم ملكوت السموات اعملوا أعمالا تليق بالتوبة أيها الرعاة ارعوا رعية الله التي دفعت اليكم بمحبة وفرح لكيما اذا ظهر رئيس الرعاة تفتخرون لديه أيها الرهبان احبوا النسك مع الصوم والصلاة لتكونوا أولادا ليوحنا المعمدان البار والكارز المختار فرح البراري والقفار أيها النساء أحببن الطريق المستقيمة لتكونوا بناتا لاليصابات البارة أيتها البنات ،والعذارى أحببن الطهارة والنقاوة لكيما تكن بنات لمريم القديسة العذراء أيتها الأرامل أحببن الله من كل قلوبكن واخد منه بمخافة لتكن بنات لحنة النبية بنت فنوئيل فانها أقامت أربعة وثمانين سنة ملازمة الهيكل ليلا ونهارا كونوا محبين بعضكم بعضا مصلين بعضكم لأجل بعض شاكرين عمانوئيل الهنا الذى بمجد أبيه وروح قدسه له المجد الدائم الى الأبد آمين .
المتنيح القمص سمعان السريانى
عن كتاب روحانية قراءات شهر كيهك
المزيد
01 يناير 2025
الأحد الثالث ميمر زيارة العذراء مريم لمار يعقوب السروجي
الممجد بين الصفوف اللابس البهاء النور المرعب الكاروبيم تجسد بالعذراء مريم ماليء الكل نزل وحل فيها السموات كرسيه ومريم العذراء أمه أتت هذه البتول العظيمة الممتلئة نعمة لتفرح مع العجوز العاقر اليصابات التقت الممتلئة نعمة بابنة اللاويين ،والدة المكروز به ووالدة الكارز تكلمت بلسانها سلاما نقيا حسن المريم أن تتكلم بالسلام لأنها زرعت السلام للبعيدين والقريبين وصارت كالكنز الممتلىء سلاما للبشر ،والوقت أدرك هذا الطفل داخلها وبدأ يتحرك بابتهاج فى بطنها أعطت العذراء السلام كما قبلت السلام من العلو ليصحب العالم جميعه وحسنا قالت لأن السلام فى بطنها فأعطت السلام بشفتيها حيث تعظم التابوت تحرك داود بفرح قلب قدامه ولم بحفظ طقس تاجه العظيم ،ويوحنا أيضا تحرك وهو جنين أكثر من داود اذ لم يحفظ الوقت الى زمانه فالعذراء صارت تابوتا للاهوت لأن سيد الأسرار حل داخلها لقد تحرك الجنين ببهجة فى بطن أمه وكأن هذه الكلمات كانت تقال من يوحنا عندما تحرك من أجل سیده ها مصور جميع الأطفال صار طفلا ،والعظيم المالى السموات حل في بطن البتول هذا الآتى انه حمل اللاهوت الذي سيقدم ذاته عن الخطاة هذا هو حامل خطايا العالم كله الذي سيعتق جنس البشر من العبودية هذا المشرق نوره لظلام الجحيم والذي يخرج آدم من الهلاك هذا الذى سيحل اللعنة بميلاده الجديد هذا الحال فى البطن الصغير لا تحده السموات الطفل في بطن أمه عرف بالروح القدس انه هو الابن الوحيد بشر به فى المكان المخفى لأنه سیکرز به بین الجموع أظهر أنه عرفه وقبل أن يخرج بشر العالم لكى لا يهرب أحد عندما يشهد بكرازته شهد للابن أنه سيد الخليقة كلها دهش متضاعف بالعجوز التي صار طفلها كارزا ،وبالعذراء البتول التي حبلت حبلا طاهرا دون أن تعرف رجلا وبغير زواج سلام مريم دخل الى أذن اليصابات وسمعه الجنين في البطن فعرف سيده وبدأ يتحرك ابن البتول ملأ يوحنا وهو في البطن من عطاياه أرسل له الروح القدس فملأه قوة وكرازة بسلام مريم امتد روح ابنها اليه وهو داخل البطن ذلك الذي أعطى الروح القدس لتلاميذه الاثنى عشر ورسله المكرمين ،والذى لا يستطيع أحد ما أن يأخذ شيئا الا به الروح القدس افتقد اليصابات وبدأت تلك العجوز تتكلم بالنبوة سمعت السلام فقبلت الروح ،وسجدت أمام العذراء وقالت بمحبة لها مباركة أنت في النساء أيتها المباركة،ومباركك هو الثمر الحال في بطنك المقدس مبارك هو حضن بتوليتك ومن أين لي أن تأتى الى المباركة الحاملة للعظيم الذى شاء أن يأتى صغيرا ،وهل لي أن أتكلم يا أم الملك فأمجد الحال فيك الذي أتى ليفتقد مسكنتي أيتها الطوباوية الذي فيك هو من يخافه السمائيون بطنك متلىء من ذلك اللهيب الذى به تضمحل سائر أشواك الأرض منك يخرج الأسد الذي عندما تنظره الذئاب تفر منه حملت الشعاع الذى يضيء المسكونة ،وبه يضمحل حزن العالم النور انحجب في داخل بتوليتك أيتها البتول من أين لي أن تأتى الى الرب هو ابنك قالت مريم حسنا تكلمت لأن ذلك الحبل مدهش جدا من أظهر لك هذا السر هل غبريال الملاك حين تكلم معى فقالت اليصابات أن غبريال لم يظهر لى السر بل الطفل الذي في هو ابن سر ذاك الذي تحملينه فمن حين نظرتك وقبلت سلامك تحرك فى الجنين بفرح من أجل سيده الآتي اليه
فقالت مريم تعظم نفسى الرب وتبتهج روحي بالله مخلصی لأنه نظر إلى اتضاع أمته فهوذا منذ الان جميع الأجيال تطويني قدس القديسين صار فى بيت الكاهن العظيم وفيه خدمت تلك العظيمة بالاتضاع كل الأفراح صارت هناك تبتهج العاقر بحركة طفلها المدهش ،وتفرح البتول بالحبل المقدس الذي فيها الكلمة فى مريم ،والصوت في اليصابات اختار البتول التي بلا زواج ليشرق منها جسدياً ،وأرسل الصوت بالزواج ليتقن الطريق ويهيىء السبيل قبل أن يأتي لأن الصوت يتقدم الكلمة عند السماع ويقرع به ليفتح الباب فتدخل الكلمة فاذا ما بلغت بشارة الكلمة الى باب الآذان تبقى داخله من داخل البطن أسرع يوحنا النور ولم يتقدم يوحنا صار صوتا لكلمة سيده عرف حده من أين وأين بكمل صنع بدء كرازته داخل البطن ،وكمل عند معمودية الأردن أخذ خبز العريس ببهجة عند أمه ،ومضى ليشرق في أذني العروس بشر للجموع فدخل العريس وخدم الأسرار اذ صار يوحنا صوتا كما تنبأ عنه اشعياء النبى ، لهذا تحرك قدام الكلمة بفرح عظيم انه رسول الكلمة وصوتها المبشر بها كاروز مرسل قدام الكلمة ، وحين سأله العبرانيين من أنت أجاب انه الصوت المرسل ليكرز بالكلمة فلم يدع نفسه ايليا أو نبياما نظر الى عمله ان الكلمة هو الذي أرسله كالصوت أنا صوت صارخ ،ويأتى بعدى أذ بعد الصوت تسرع الكلمة الى سماعها ،واذ أرعبته الكلمة في بطن أمه تحرك بالتبشير ،والكلمة والصوت صارا بهما دهشا عظيما فمبارك هو الابن الكلمة الذي كرز به ذلك الصوت عند ظهوره ولالهنا المجد الدائم الى الأبد . آمين
المتنيح القمص سمعان السريانى
عن كتاب روحانية قراءات شهر كيهك
المزيد
24 ديسمبر 2024
الأحد الثاني ميمر بشارة الملاك للعذراء مريم وعيد البشارة لمار يعقوب السروجي
انه قبل الأزمان ازلى ،وفى آخر الأزمان صار مولودا لأجلنا له آب وبالنعمة اخذ له اما نزل وحل فيها ليكون لها ابنا اختار له بتولا مخطوبة محفوظة مقدسة بالعفة والطهارة حل في الطوبانية الممتلئة حسنا ،وختم حضنها وقدس جسدها ونقى نفسها أرسل النوراني غبريال ليأتيها ببشارة الآب الممجدة التقى بالعذراء وأعطاها السلام سلم على البتول أم الملك وتكلم معها قائلا السلام لك ايتها الممتلئة نورا الهيا ،السلام لك يا مريم أم شمس البر ، السلام لك يا مقصورة الأقداس ، الممتلئة حسنا ميناء الأسرار ، السفينة الجديدة الممتلئة غنى ، السلام لك أيتها المباركة في النساء الرب معك ، ستحبلين وتلدين ابنا ببتوليتك ، سمعت مريم كلام الملاك فأخذها الدهش لتلك البشارة العظيمة وارتعب ضميرها فأجابته يا سيدي كيف اني احبل وانا بتول خبرك جديد ففسر لى هذا الكلام الذي قلته ،لانه من يطلب ثمارا من أرض لم تزرع ، وعنبا من كرمة لم
تفلح ،وولدا من بتول بغير زواج فسر لي كيف يكون هذا ؟
فقال الملاك الروح القدس يحل عليك ينزل ويقدس بتوليتك ،ويحل عنك لعنة آدم وحواء ويباركك ،وتأتى قوة الآب الخفى ويتجسد منك الابن فتلدين طفلا لا تنتهى مملكته لأنه ابن الله الملك العظيم بدون فحص ، وها اليصابات نسيبتك العاقر هي حبلى ايضا قبلت الحبل في عفة وقداسة ومضت تنظر حبل العجوز العاقر وتقول من أين لى أن تأتى الى ام سيدى ؟! فكرزت اليصابات به ،وعرفت مريم البتول أن المحمول بها هو سيد السمائيين والأرضيين وقالت لمريم بفرح عظيم قد تحرك الجنين في بابتهاج فمن أظهر لها أن الطفل داخلها فرح الا الروح القدس لقد امتلأت من الروح القدس و به عرفت تهلیل الجنين ،وفسرت ماذا يريد أن يقول زكريا الكاهن ، وتكلمت بما يزاحم الجنين ليقول وقالت لها طوباك أيتها البتول مريم حينئذ بدأت اليصابات ترفع صوتها لمن حل فيك ، الكاهن الشيخ يسجد لابنك لأنه هو سيده ذاك الذى السموات ممتلئة من مجده مصور الأطفال في البطون حل فيك يا مريم من أجل هذا يتحرك الجنين داخلي
ويتهال به ،حملت سید هرون و ملشيصاداق الحبر الأعظم
وكانت في بيت الكاهن الشيخ ثلاثة شهور يفرحون بها
ويكرمونها ويتلون كل ما نطقت به النبوات وبما في سفر
اشعياء وتروى لمريم جميع الكلام قائلة يا ابنتي مكتوب في النبوة أن البتول تحبل وقد دعا النبى ذلك من أجل حبلك المقدس بعد هذا سارت مريم لتأتى الى بيتها قبلها يوسف وعرف أنها حبلى الصبية العفيفة وممتلئة نعمة جميعها اتضاع ، وجهها تزينه الطهارة والنقاوة والبتولية لكنه ارتعب لأنه لم يعرف حبلها وطلب أن يبتعد عنها دون أن يفتش الممتلئة نعمة فأتاه رئيس الملائكة غبريال في رؤيا الليل ليعلمه حقيقة ذلك الحبل المدهش فبشره وفسر له جميع قراءات الأنبياء فارتعب لما تحقق ذلك وسأله من أنت يا سيدى فاجابه الملاك وقال له انا عبد ذلك الذي تحمله مريم العذراء فقال يوسف وكم له يا سيدى مثلك فقال الوف ألوف وربوات ربوات فارتعب وارتعد لوقته وامتلأ دهشا وأتى وسجد للبتول مريم وكان يتفرس فيها كمركبة سمائية وسكنت معه بالقداسة والطهارة ،وكانت له ثمة كبير الكهنة في قدس الأقداس يدهش بها ويحبها ويسجد لها ويكرمها ويخدمها بمخافة ينظرها كالسحابة على جبل سيناء التي حلت داخلها قوة اللاهوت قلبها طاهر أفكارها مقدسة وليس فيها شيء أرضى فالقداسة كانت وثيقة خطبتها له لقد حل فيها ابن الله عندما انخطبت ليوسف ،ولولا انها انخطبت وحل فيها كان يتخبط الحبل ويضطرب اذ عندما يعرف بالبطن جنين دون رجل كانت تحسب كزانية ،وان تظهر السر الخفى من يصدقها ان بتولا تحبل دون رجل فان كان ربنا قد أخرج الشياطين وأحيا الأموات ولم يؤمنوا به فكيف يصدقون وهو في البطن أنه ابن الله ،ومن يجسر ويقول أن صبية حبلت به ، وان تظهر مريم السر الالهى كانت تحتقر وتطرد وترجم وتحسب كاذبة من أجل هذا اختار الله رجلا بارا ليكون خطيبا لها ورئيسا يدبرها البتول دعت يوسف البار بعلا لها حتى شاء ابن الله ليظهر ذاته ولأن جنس يوسف من بيت داود فكان خطيبا لابنة داود ، ليكون رأسها ،واضطر أن يكون للأم البتول رجلا استعاريا دون أن يعرفها وخدم السر الخفى دون أن يعرف أحد حتى أظهر ربنا للعالم من هو أبيه قائلا "ينبغي أن أكون فيما لأبي " (لو ٤٩:٢) ومن أعماله ادرك العالم انه ابن الله ، مبارك هو الغير المرئى الذى أتى الى عالمنا المرئى له المجد الدائم إلى الأبد آمين.
المتنيح القمص سمعان السريانى
عن كتاب روحانية قراءات شهر كيهك
المزيد